بدأ الأمالي سراج الدين الفرغاني علي بن عثمان بن محمد التيمي الاوشي الفقيه الحنفي المتوفى سنة ٥٧٥ هجري ١١٨٠ ميلادي نخبة اللآلي لشرح بدأ الأماليتأليف محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي شارح الكنز المتوفى ١٨١٣/١٢٢٨ قد اعتنى بطبعه طبعة جديدة بالأوفست يطلب من مكتبة الحقيقة بشارع دار الشفقة بفاتح ٥٧ استانبول - تركيا ١٤٠٧ هجري قمري ١٣٦٥ هجري شمسي ١٩٨٦ ميلادي تنبيه من أراد أن يطبع هذه الرسالة وحدها أو يترجمها إلى لغة أخرى فله من اللّه الأجر الجزيل و مني الشكر الجميل وكذلك جميع كتبي كل مسلم مأذون بطبعها بشرط جودة الورق والتصحيح (١) بسم اللّه الرحمن الرحيم نحمد من وجب له الوجود كما وجب له السجود وفاض منه الجود ففاض منه كل موجود المقدس بصفات الجلال وجلال الصفات المتوحد ربوبيته في الوحدانية وواحدية الذات المتفضل بصلات النوال ونوال الصلات السميع البصير العليم الخبير بالجزئيات والكليات من سائر المصنوعات والمعلومات المنزه عن الحدود والجهات وعن الوالد والولد والزوجات المتعالي عن كل ما تصوره الخيالات وتخيله أفكار الذوات وتقدره بالأمثلة والاحتمالات حمدا لا يحويه الحد ولا يحصيه العد على ما شرح صدورنا بنور التوحيد ونور قلوبنا بنور يقين يقيها من ترديد التقليد ونشهد أن لا إله إلا اللّه الحميد المجيد ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد المخلوقات وأشرف الموجودات والمؤيد بالمعجزات الباهرات والآيات البينات صلى اللّه عليه وسلم وكرم وعظم وعلى آله الذين بلغوا بشرفه أشرف الغايات وعلى أصحابه الذين نالوا بصحبته أرفع الدرجات ما لاح مصباح وانفلق إصباح وسلم تسليما وبعد فيقول العبد المفتقر إلى رحمة ربه الغني المنان محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي الحنفي عامله اللّه بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه لما رأيت منظومة العلامة سراج الدين أبي الحسن علي بن عثمان الأوشي نسبة إلى أوش قرية من قرى فرغانة الموسومة ببدء الأمالي في علم الكلام قد مد إليها بعض أهل زماننا يد المسخ والتبديل وكدر صورة وجهها الجميل مع أنها مكتفية عن القيل والقال بما وضع عليها من شروح ذوي الأفضال للأئمة المحققين والفضلاء المدققين وإن كان منهم من أقل فأخل ومنهم من أكثر فأمل فأردت أن أجلي عنها تلك الكدورات التي لحقتها والشوائب التي تبعتها بشرح يزيل عن وجنة تراكيبها الصعاب ويكشف عن وجوه معانيها النقاب مغن عن بقية الشروح والايضاح (٢) غناء الصباح من المصباح ناكبها عن الإيجاز والإطناب الممل متمسكا بقوله عليه السلام خير الكلام ما قل ودل وإن كنت في الأواخر وكم ترك الأول للآخر مع ما بي من اشتغال البال وعدم انتظام الحال سائلا من الكريم المتعال الحفظ عن الزلل في المقال والصيانة عن الخلل في الأقوال وراجيا ممن وقف على ما في هذه الأوراق وإن لم يكن مما لاق بنظره أوراق أن يغض الطرف بعد الامعان عن مواضع زللي ويقض الحرف بعد الاتقان من مواقع خللي ويعذرني فيما لم يصب فيه سهمي ولم يصل فيه إلى الحقيقة فهمي فإني بقصور الباع عن هذه الشأن مقر وعلى هذا الاعتراف ما حييت مصر على أن الأمر بيد اللّه يفعل ما يريد وينقص من خلقه ما يشاء ويزيد وهو المسؤول لنيل الرشاد ومنه المبدأ وإليه المعاد وسميته نخبة اللآلي لشرح بدأ الأمالي التي هي من العروض الأولى والضرب الأول من البحر الوافر سمى به وأتى بها منه لوفور أجزائه وتدا فوتدا وهو البحر الأول من الدائرة الثانية وهي الدائرة المؤتلفة مقدمة اعلم أن أول الواجبات الاشتغال بعلم الكلام إذ هو أصول أصول الشرايع كلها والفائدة فيه أتم وبه الهدى وسمي كلاما لأن الاشتغال بالتعليم والتعلم لا يكون إلا بالتكلم ولم يسم غيره من العلوم به للتمييز قال المولى سعد الدين رحمه اللّه سموا ما يفيد معرفة الأحكام العملية عن أدلتها التفصيلية بالفقه ومعرفة أحوال الأدلة إجمالا في إفادتها الأحكام بأصول الفقه ومعرفة العقائد عن أدلتها بالكلام لأن عنوان مباحثه كان قولهم الكلام في كذا وكذا انتهى واختلف في معنى العلم المفروض في قوله عليه الصلاة السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) فقيل علم الكلام وقيل علم الفقه وقيل علم التفسير والحديث والحق إن كل ما يجب على المكلف فعله أو تركه أو اعتقاده يجب العلم به لأن متابعة الشارع واجبة و هي متوقفة على ذلك وما توقف عليه الواجب فهو واجب لكن أوله اعتقاد أن للعالم صانعا واحدا قادرا لا شريك له ثم الصلاة والصوم والحج والزكاة ونحو حرمة الخمر والسرقة وقتل النفس والزنا وغير ذلك مما هو من ضرورات الدين التي تعرفها العامة فإن معرفة هذه القدر فرض عين على كل مسلم ومسلمة وصحة ذلك متوقفة على صحة الاعتقاد وصحته متوقفة على علم التوحيد فتعين تقديم هذا العلم على بقية العلوم وسئل أبو حنيفة رضي اللّه عنه عن التفقه في الدين والتفقه في العلم على الفرع معلوم قال تعالى إن الدين عند اللّه الإسلام ولا شك أن العبد يلزمه (٣) أولا الإسلام لقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي ليوحدوني فالدين هو التوحيد والعلم هو الديانة أعني الشرايع وهي بعد التوحيد فالدين عقل على الصواب والديانة سيرة على الصواب ولكن العلم أفضل من العقل خلافا للمعتزلة ودرجة العلم بقدر المعلوم والمعلوم بعلم الكلام ذات اللّه تعالى وصفاته واللّه أعلى وأجل وأعظم وأعز فما توصل به إلى معرفة ذاته يكون أعلى درجة وأعظم منزلة من سائر العلوم ولأنه لا يتخلص من الكفر إلا بمعرفة الإيمان كما قيل وبضدها تتميز الأشياء ألا ترى أن من قال لا أعرف الكافر كافرا فهو ضال لأنه لما لم يعرف الكفر لم يكن عارف الإيمان وكذا من لم يعرف البدعة والضلالة لم يكن عارفا الاهتداء والاستقامة فلا يأمن أن يقع في البدعة والضلالة وقد قال عليه الصلاة والسلام من أحدث حدثا في الإسلام فقد هلك ومن ابتدع بدعة فقد ضل ومن ضل ففي النار وفيه دليل على أن أهل الأهواء والبدع والضلالة كلهم في النار وأنهم أصناف شتى باختلاف بدعهم وإن زعموا أنهم من أهل الإسلام قيل أصولهم أربع فرق: القدرية، والصفاتية، والشيعة، والخوارج ويتشعبون إلى اثنين وسبعين فرقة قال ملا خسروا رحمه اللّه أهل الأهواء هم أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة وهم الجبرية والقدرية والروافض والخوارج والمبطلة والمشبهة وكل منهم أثني عشر فرقة فصاروا اثنين وسبعين فرقة انتهى والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة ما روي أنه عليه السلام قال: ستفترق أمتي من بعدي على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل من هم قال الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي وفي رواية فرقة ناجية والباقون في النار قيل وما الناجية قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي اتبعوني ولا تختلفوا على فإنما هلك من كان قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وصلوا كما رأيتموني ومن اتبعني حذو القذفة بالقذفة ومن خالف الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وقال عليه السلام لكل شئ آفة وآفة هذا الدين هذه الأهواء وسيأتي تمامه إن شاء اللّه تعالى فتحصل لك أن علم التوحيد أشرف العلوم لكونه أساس العلوم الشرعية ورئيس العلوم الدينية وقانون العقائد الإسلامية ومعلومات الأصلية وغايته المواهب الإلهية والسلامة من ظلمات الفرق الاعتزالية والفوز بالسعادة الدينية والدنيوية وبراهينه الحجج القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية وما نقل عن بعض السلف من الطعن في علم الكلام والمنع عنه فإنما فيه بما لا يعني عما يعني وإلا فكيف ينهى عما يتوقف عليه صحة الإسلام من علم الكلام والحمد للّه على نعمة الإيمان قال عليه رحمة الرحمن: (٤) |