٥١وَدُنياَناَ حَدِيثٌ والْهَيُوالَي عَدِيمُ الْكَوْنِ فَاسْمَعْ بِا جْتِذاَلِ الدنيا بضم الدال على الأشهر وزنها فعلى مقصورة كحبلى غير منونة إذ هي غير منصرفة للوصفية ولزوم ألف التأنيث وحكي فيها كسر الدال سميت لسبقها الدار الآخرة وقربها منها من الدنو وهو القرب أو لدنوها من الزوال ولدناءتها من الدنائة أي الخسة وفي حقيقتها قولان للمتكلمين أحدهما أنها الأرض مع الهوى والجو والثاني جميع المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الآخرة ورجح الثاني وهو المناسب ههنا وهي بما فيها حادثة عند أهل السنة والجماعة (١١٠) فرع كثير من القرآن مشتمل على ذم الدنيا وصرف الخلق عنها ودعوتهم إلى الآخرة بل هذا هو المقصود بالذات من بيان الشرايع كيف لا وهي عدوة اللّه تعالى لقطعها طريق الوصلة إليه وعدوة أوليائه لتزينها لهم بزينتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وعدوة لأعدائه لاستدراجها لهم حتى خذلتهم وصح أنه عليه أفضل الصلاة والسلام رأى شاة ميتة فقال والذي نفسي بيده الدنيا أهون على اللّه تعالى من هذه الشاة على أهلها ولو كانت تعدل عند اللّه جناح بعوضة ما سقي كافرا منها شرة ماء وفي الخبر الحسن: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللّه وما والاه وعالم ومتعلم وصح أن أبا بكر رضي اللّه عنه دعا بشراب وعسل فلما جيئ به بكى حتى بكى أصحابه فسألوه عن ذلك فقال كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئا ولم أر معه أحدا فقلت يا رسول اللّه ما الذي تدفع عن نفسك فقال هذه الدنيا مثلت لي فقلت إليك عني فرجعت ثم قالت إنك أفلت مني لم يفلت مني من بعدك وصح من جملة الحديث المشهور فواللّه ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تسلط عليكم الدنيا كما سلطت على من قبلكم فتنا فسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم وقدمنا أيضا والحديث ضد القديم ومعنى الهيولى عند القائلين بها وهم الفلاسفة والدهرية طينة العالم وهيولى الشئ مادته التي يتخذ منها كالخشبة يتخذ منها السرير والباب ونحوهما وكالحنطة يتخذ منها الخبز ونحوه وهم اختلفوا في الطينة فمنهم من قال هي الطبايع الأربع: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وأصل العالم هذه الأربع وهي عندهم قديمة ومنهم من قال هي الاستقصات وهي الماء والتراب والنار والهواء وهي قديمة عندهم وحاصله أنهم قائلون بقدم الممكنات كالهيولى يزعمون أنه محتاج إلى العقل الأول صادر عنه دائم بدوامه قديم بقدمه وهو ظاهر البطلان لأن العالم على زعمهم مركب من الهيولى والهيولى قديم فيلزم قدم العالم والأجسام والصور ونفي حشر الأجساد كما قدمنا وسنبين أيضا وجه فساده وقوله باجتذال بالجيم والذال المعجمة الفرح أي فاسمع مقالي ملتبسا بالفرح والسرور بسماع هذه الحق الإعراب دنيانا مبتدأ وحديث خبره وفعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث أو المعنى مخلوق حديث والهيولى مبتدأ وعديم الكون خبره وقال بعض الناس الهيولى معطوف على دنيانا (١١١) وحديث خبر عنهما وفيه نظر من جهة المعنى والإعراب كما لا يخفى على أولي الألباب (وحاصل معنى البيت) إن الدنيا وما فيها بجميع أجزائها محدثة فإنه تعالى أحدث هذا العالم بعد أن كان معدوما وأوجده بعد أن لم يكن شيئا مذكورا على وفق ما سبق في علمه الأزلي من غير توقف قدرته على مادة وإبداعه على استفادة فائدة والقول بكون الهيولى أصل العالم ومادة بني آدم من العناصر الأربعة أو غيرها وأنه قديم في الكون قول قديم وفهم سقيم مخالف للأدلة النقلية أو العقلية قال تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ولأنه يلزم أن تتوقف قدرته تعالى وإيجاده على مادة فيلزم العجز وينتفي وصفه بالبديع أي المبدئ ويلزم قدم العالم وكل ذلك ظاهرا البطلان كما يدل عليه ظاهر من القرآن قال اللّه تعالى بديع السماوات والأرض * وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون إلى غير ذلك من الآيات وفي الحديث القدسي (كنت كنزا محتفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف) وأظهر منه بطلانا وأقوى فسادا قول القدرية: إن بعض العالم مخلوق للعبد وهذا هو الشرك الظاهر وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام القدرية والجبرية مجوس هذه الأمة فإنهم يضيفون الخيرات إلى اللّه تعالى والشرور إلى العبد وقد قال تعالى كل من عند اللّه قال الناظم رحمه اللّه تعالى |