٥٣وَ لِلدَّعَوَاتِ تَاْثِيرٌ بَلِيغٌ وَقَدْ يَنْفِيهِ اَصْحَابُ الضَّلَالِ يعني أن معتقد أهل السنة أن للدعوات تأثيرا أي فائدة لنفس الداعي ولغيره بدعائه من حي أو ميت بإجابة اللّه تعالى وكذا للصدقات وفعل الخيرات لكل ذلك نفع بأمر اللّه تعالى كما هو صريح الكتاب والسنة وعليه إجماع الأمة قال تعالى ادعوني أستجب لكم وقال أجيب دعوة الداع إذا دعان وغير ذلك من الآيات وقال عليه السلام يستجاب دعاء العبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وقال إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا وقال فيما رواه ابن عباس رضي اللّه عنهما خمس دعوات لا ترد دعوة الحاج حتى يصدر (١١٣) ودعوة الغازي حتى يرجع ودعوة المظلوم حتى ينتصر ودعوة المريض حتى يشفى ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب وأسرع هذه الدعوات دعوة الأخ لأخيه بالغيب. أخرجه الحافظ وصححه الطبري وقال عليه السلام دعاء الأحياء ينفع الأموات وقال عليه السلام اهدوا إلى أمواتكم قالوا وما الهدية يا رسول اللّه قال الدعاء والصدقة وقال تصدقوا على موتاكم فإن اللّه تعالى وكل ملائكته يحملون صدقات الأحياء إليهم فيفرحون بها ويقولون اللّهم اغفر لمن نور قبورنا وبشره بالجنة كما بشرنا الحديث والأخبار في ذلك كثيرة وعليه إجماع المسلمين وفي قوله وقد ينفيه أصحاب الضلال إشارة إلى الرد على المعتزلة في زعمهم أنه لا تأثير للدعاء وأن العبد لا ينتفع بعمل غيره ولا بدعائه وهو مردود بما ذكرنا وقوله تعالى وأن ليس للانسان إلا ما سعى اللام فيه بمعنى على أو المعنى ليس له من عمل غيره شئ إذا لم يجعله له ثم اعلم أن تأثير الدعوات في القضاء المعلق فإن القضاء على نوعين معلق ومبرم فالقضاء المعلق يندفع بالدعاء بشروطه وهو الذي أشار إليه المص وكذا بالصدقات وفعل الخيرات والبر والاحسان وصلة الأرحام ومبرم لازم الوقوع لما علمت من قواعدنا أن ما سبق في عمله تعالى من غير تعليق لا بد من وقوعه فهذا لا تغير ولا تبدل وإنما يحصل بذلك الرفق والبركة في العمر والتيسير وعلى هذا حمل كل ما ورد من نحو الصدقة تدفع البلا وتزيد في العمر وصلة الرحم تزيد في العمر ونحو ذلك ثم أن للدعاء شروطا ألزمها خلو جوف الداعي من الحرام لما في حديث مسلم يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب له أي كيف ومن أين يستجاب لمن هذه صفته وقبح ما فيه فهو ظاهر في أن تناول الحرام مانع من إجابة الدعاء ومنها أن لا يدعو بحرام كان يدعو بالشر على غير مستحقه ولا بمحال ولو عادة فإن اللّه تعالى أجرى الأمور على العادة فالدعاء بخرقها تحكم على القدرة القاضية بدوامها وذلك سوء أدب مع اللّه تعالى قيل إلا بالاسم الأعظم ومنها أن لا يكون فيما يسئل غرض فاسد كطلب مال للتفاخر وطول عمر لغير طاعة ومنها أن لا يكون فيما يسئل غرض فاسد كطلب مال للتفاخر وطول عمر لغير طاعة ومنها أن يكون على وجه الاختيار فإنه سوء ظن باللّه تعالى وهو تعالى على كل شئ قدير ومنها أن لا يستعظم حاجته وأن يكون حاضر القلب وتكون الإجابة عنده أغلب من الرد لخبر ادعوا اللّه وأنتم موقنون فإن اللّه تعالى لا يسمع دعاء من قلب غافل لاه ولخبر يقول اللّه عز وجل أنا عند ظن عبدي بي ومنها أن لا يشتغل به عن فرض ومنها أن لا يضجر (١١٤) من تأخير إجابة فيقول كم أدعو فلم يستجب لي فإنه سوء أدب مع اللّه تعالى وربما كان الخير في التأخير بمقتضى الحكم الإلهي وأن لا يدعو بدعاء مجهول أو ينقله عن مجهول ما لم يسئل عنه من أهل العلم ويأخذه من أستاذ مع الضبط والاتقان بقدر الإمكان وأن يحترز عما يعد إساءة في المخاطبات كجماع ونحوه وأن يعدو بأسماء اللّه الحسنى دون غيرها وإن كان حقا كخالق الخنازير قيل وأن لا يعلق بما هو شأنه تعالى كاللّهم أفعل بي ما أنت أهله في الدنيا والآخرة وروي أن إبراهيم بن أدهم مر بسوق البصرة فاجتمع الناس عليه وقالوا يا أبا إسحاق ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا قال لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء الأول عرفتم الحق فلا تؤدوا حقه الثاني زعمتم إنكم تحبون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتركتم سنته الثالث قرأتم القرآن فلم تعملوا به الرابع أكلتم نعم اللّه تعالى ولم تؤدوا شكر اللّه تعالى الخامس قلتم إن الشيطان عدونا ولم تخالفوه السادس قلتم إن الجنة حق ولم تعملوا لها السابع قلتم إن النار حق ولم تهربوا منها الثامن قلتم إن الموت حق ولم تعتدوا له التاسع انتبهتم من النوم فاشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم العاشر دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم ثم اعلم أن إجابة الدعاء ليست منحصرة بالإسفاف بالمطلوب بل هي حصول واحد من الثلاثة في قوله عليه الصلاة والسلام ما من داع يدعوا إلا كان بين ثلاثة إما أن يستجاب له وإما أن يدخر له يعني أفضل مما طلب وإما أن يكفر عنه من ذنبه،، وفي لفظ أو يدفع عنه من السوء مثله الإعراب للدعوات في محل رفع خبر مقدم وتأثير مبتدأ مؤخر وبليغ صفة تأثير والواو في وقد للحال على الأظهر وقد حرف تحقيق ولا يحسن أن تجعل للتقليل باعتبار القائل بنفيه كما لا يخفى وينفيه مضارع مرفوع بثبوت الياء والهاء في محل نصب مفعول راجع إلى التأثير وأصحاب بالرفع فاعل ينفي مضاف إلى الضلال (وحاصل معنى البيت) إن لدعوات المؤمنين تأثيرا بل يحصل فيه الرفق بليغا في صرف أثر القضاء المعلق على الدعاء لا القضاء المبرم وزعم المعتزلة نفي تأثيره مردود بالكتاب والسنة وإجماع الأمة كما تقدم تتمة اختلف المشايخ في أنه هل يجوز أن يقال يستجاب دعاء الكافر فمنعه الجمهور لقوله تعالى وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ولأنه لا يدعو اللّه تعالى لأنه غير عارف به لأنه وإن أقر به إلا أنه لما وصفه بما لا يليق به فقد نقض إقراره وما روي في الحديث من أن دعوة المظلوم وإن كان كافرا تستجاب محمول على كفران النعمة (١١٥) وجوز بعضهم لقوله تعالى حكاية عن إبليس قال رب انظرني إلى يوم يبعثون فقال تعالى إنك من المنظرين فهذه إجابة وإليه ذهب أبو القاسم الحكيم وأبو نصر الدبوسي وقال صدر الشهيد وبه يفتي ولكن لا يخفى ما في الاستدلال بالآية لاحتمال أن يكون ذلك إخبارا عما سبق في العلم الأزلي لا استجابة فالأولى أن يقتصر في الاستدلال لهذا القول بالحديث ولا مقتضى لصرفه عن ظاهره فافهم. قال الناظم رحمه اللّه |