٥٤وَ فيِ الْاَ جْدَاثِ عَنْ تَوْحيِدِ رَبِّي سَيُبْلَي كُلُّ شَخْصٍ بِالسُّؤَالِ الأجداث بالجيم وفي آخره ثاء مثلثة جمع جدث بسكون الدال وقد تحرك ويجمع أيضا على أجدث بضم الدال على وزن أفعل جمع قلة أيضا والمراد ههنا جمع الكثرة وهو مستفاد من آل الاستغراقية يقال أجدث إذا اتخذ جدثا أي قبرا وقد تبدل ثاؤه فاء لغة فيه والمشهور الأول وبه ورد القرآن الكريم وسيبلى من البلاء بالفتح والمد لا من البلى بالكسر والقصر يعني سؤال منكر ونكير في القبر حق ثابت بالدلائل السمعية يبتلى به كل شخص في قبره فيسألان عن توحيد ربه ولو كان قبره البحر أو الهواء أو جوف السباع أو غيرها بعد رد روحه إليه وجلوسه قيل معتمدا على يديه مائلا إلى قفاه فيجيب بما مات عليه من إيمان أو كفر وقد وردت الأحاديث بذلك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم كقوله إذا دفن الميت في قبره أتاه ملكان أسودان أزرقا العينين وهما شخصان مهيبان معهما مرزبتان يقعدان العبد في قبره ويسألانه عن ثلاثة من ربك وما دينك ومن نبيك فإذا أجابهما وسعا في قبره سبعين ذراعا بشارة ويقولان له ثبتك اللّه بالقول الثابت نم قرير العين وإن كان كافرا يقول هاه هاه لا أدري فيقولان له لا دريت ويضربانه بمرزبة يسمعها ما بين الخافقين إلا الجن والإنس فمن أنكر سؤال القبر كان معتزليا أو قدريا وظاهر كلام المص رحمه اللّه تعميم السؤال إذ الأصل في كلمة كل استغراق أفراد النكرة الداخلة هي عليها وهذا عند البعض من أن للأنبياء والصبيان سؤالا قال السيد أبو شجاع أن للصبيان سؤالا وكذا للأنبياء عند البعض وقدمناه مع زيادة لكن قال الكمال ابن الهمام في مسايرته الأصح أن الأنبياء لا يسألون ولا أطفال المؤمنين واختلف في أطفال المشركين ودخولهم الجنة أو النار وتردد فيهم أبو حنيفة رحمه اللّه وغيره ووردت فيهم أخبار متعارضة فالسبيل تفويض أمرهم إلى اللّه تعالى قال محمد بن الحسن رحمهما اللّه اعلم أن اللّه تعالى لا يعذب أحد بلا ذنب انتهى واختلف (١١٦) في سؤال الجن فذهب بعض المتأخرين إلى أنهم يسألون لعموم الأدلة ولأنهم مكلفون بالإيمان والنبي صلى اللّه عليه وسلم مرسل إليهم أيضا على الصحيح وكذا يأجوج ومأجوج في الصحيح لأنهم كفار من بني آدم وقد سئل عنهم عليه السلام هل بلغتهم دعوتك يا رسول اللّه قال مررت بهم ليلة أسري بي فدعوتهم إلى الإسلام فأبوا فهم من أهل النار وأما الملائكة فلا يسألون ولا يحاسبون على الظاهر لأنهم لا ذنوب لهم وقيل يحاسبون وقدمنا معناه وسيأتي بيانه أيضا وقيل إن الكافر الصريح يعذب من غير سؤال بخلاف المنافق وقيل يسئل كل منهما وهو ظاهر الحديث المتقدم هذا وقد وردت الأحاديث في عدة من المؤمنين أنهم لا يسألون منهم الشهيد و المرابط ولو يوما وليلة في سبيل اللّه تعالى ومن مات يوم الجمعة وليلتها ومن داوم على قراءة سورة الملك في كل ليلة والمبطون أي صاحب الاستقاء أو الاسهال قولان فعلى هذا إطلاق المص في غير موضعه والمعنى كل شخص من غير نص عليه أنه لا يسأل ثم اختلف هل السؤال بالسرياني أو كل أحد يسأل بلغته فقيل بالأول وقيل بالثاني قال بعضهم وهو الحق وقيل غير معروف بين المتكلين وهل السؤال مرة واحدة فقيل نعم وقيل يسأل ثلاثا وقيل إن المؤمن يسأل سبعة أيام والكافر أربعين صباحا ونقل الشارح المقدسي أن سؤال القبر دون عذابه من خصائص هذه الأمة تبتلى في قبورها الحديث أخرجه مسلم والحكمة في ذلك لتعجل عذابها في البرزخ فتوافي القيامة ممحصة وذكروا في خصائصه صلى اللّه عليه وسلم أنه مما خص به في أمة أنهم أول من تنشق عنهم الأرض من الأمم ويأتون غرا محجلين وعجل عذابهم في الدنيا وفي البرزخ ليوافوا القيامة ممحصين ويدخلون قبورهم بذنوبهم ويخرجون منها بلا ذنوب ونقل شيخنا أن السؤال عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما يكون عن نبينا عليه الصلاة والسلام خاصة كما هو ظاهر حديث الصحيحين بي تفتنون وعني تسألون فهو معدود من خصائصه عليه السلام انتهى وكان هذا بناء على أن السؤال مختص بهذه الأمة وأن المعنى أن سؤال هذه الأمة مختص بكونه عن نبينا عليه السلام دون غيره وإلا فإذا كان للأمم السابقة سؤالا فالظاهر أن يكون سؤال كل أمة عن النبي الذي أرسل إليها فالخطاب في قوله عليه السلام وعني تسألون لهذه الأمة فافهم الإعراب في الأجداث متعلق بسيبلى وعن توحيد ربي متعلق بالسؤال فهو لف ونشر مرتب وقيل الظرف الثاني أيضا متعلق بسيبلى ولا معنى له كما لا يخفى وكل مرفوع نائب فاعل (١١٧) سيبلى وشخص مجرور بإضافة كل إليه وبالسؤال متعلق بسيبلى (وحاصل معنى البيت) سيبلى كل شخص من المكلفين أو من بني آدم في قبره بالسؤال عن توحيد ربه إلا من استثنى عن ذلك واللّه أعلم وأحكم قال الناظم رحمه اللّه تعالى |