Geri

   

 

 

İleri

 

٦٣

يُسَلّيِ الْقَلْبَ كَالْبُشْرَي بِرَوْحٍ وَيُحْييِ الرُّوحَ كَالْمَاءِ الزُّلَالِ

يسلي مضارع سلاه عن كذا بتشديد اللام من التسلية إذا شغله بغيره عنه وسلى عن الشئ إذا تناساه واشتغل بغيره وفاعله مستتر يعود إلى الوشى الذي

(١٣٥)

هو عبارة عن النظم أو إلى النظم على ما في بعض النسخ والقلب مفعول يسلي وهو الشكل الصنوبري المشدق الرأس سمي به لتقلبه قال بعض الشراح وتبعه شيخنا وليس المراد به اللطيفة القائمة به وهي البصيرة انتهى وفيه نظر بل هي المراد ههنا إذ نفس الشكل الصنوبري لحمة فلا يوصف نفسه بالتسلي بل باعتبار اللطيفة القائمة به كما لا يخفى على من له بصيرة

وقوله كالبشرى متعلق بيسلي يعني كتسليته بالبشرى والبشرى بضم الباء كالبشارة وهي اسم خبر سار حق لا علم به للمبشر به فهي أخص مطلقا من الخبر ويحتمل أن يراد بالبشرى نفس المسرة الحاصلة من بشارة أو غيرها والأول أنسب ههنا لقوله بروح وسميت بشارة لكونها تظهر في بشرة الوجه والباء في بروح للمصاحبة أو بمعنى مع أو متعلقة بالبشرى والروح بفتح الراء وسكون الواو بمعنى الراحة ومنه فروح وريحان أي يسلي القلب مع الراحة بحيث لا ينال القلب معها تعب ولا مشقة ويحيي عطف على يسلي وهو مضارع من الحياة ضد الموت مجاز عن الإنعاش أي ينعش الروح ففيه استعارة تبعية أو مجاز عقلي وفاعله مستتر هو فاعل يسلي والروح بضم الراء وقد اختلف فيها وأحسن ما قيل فيها أنها جوهر نوراني له سريان في البدن كسريان ماء الورد في الورد وهي غير النفس قال ابن عباس رضي اللّه عنه في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها التحرك والتنفس فإذا نام العبد قبض اللّه نفسه ولم يقبض روحه كما

قال تعالى والتي لم تمت في منامها ولا التفات لقول من قال إنها الدم لأن من الحيوان ما لا دم له ولا لقول من قال إنها النفس الداخل الخارج لأن من الحيوان ما لا يتنفس إلا عند الموت كالسمك والأقوال فيها كثيرة بلغت نحو الألف ومنهم من توقف

لقوله تعالى ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

وروى مالك رضي اللّه عنه أنها صورة كصورة الجسد وقدمنا بقية الكلام فيها فارجع إليه واختلف في تقديم خلقها على الجسد وتأخيرها عنه على قولين مشهورين الأول تقديم خلق الروح على الجسد واستدل له بحديث إسناده ضعيف وهو أن اللّه خلق أرواح العباد قبل العباد بألفي عام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والثاني ذهب إليه جماعة واستدلوا له بما في الحديث المشهور: ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح وأجيب عنه بالفرق بين نفخ الروح وخلقه

وقيل الخلف

(١٣٦)

لفظي إذ من قال بتقديم خلقها أراد خلقها في عالم الذر وذلك لا نزاع فيه إذ المخاطب بالست بربكم إنما هو الأرواح وأين كانت الأجساد ح ومن قال بتأخيرها أراد نفخها في الجسد وذاك لا نزاع فيه لحديث الصحيحين: إن أحدكم يجمع خلقة في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح الحديث قال ابن القيم الملك وحده يرسل إليه ولم يقل ثم يرسل الملك إليه بالروح فيدخلها في بدنه لأن اللّه تعالى أرسل إليه الروح التي كانت موجودة قبل ذلك بالزمن الطويل انتهى فافهم واختلف أيضا في مقرها حال الحياة فجزم الغزالي إنه القلب قال السيوطي وقد ظفرت بحديث يشهد له أخرجه ابن عساكر في تاريخه وانظر ما قاله الغزالي فإنه لا يتأتى على قول الجمهور من المتكلمين من أنها جسم لطيف شفاف لذاته سار في البدن كماء الورد واستظهر بعض المتكلمين أنها بقرب القلب

وأما مقرها بعد الوفاة فأرواح الأنبياء عليهم السلام في الجنة

لقوله تعالى أولئك المقربون في الجنات النعيم وأرواح السعداء من المؤمنين قيل إنها في أفنية القبور قال بعض العلماء وهو الأصح قال ابن عبد البر وهي مع ذلك مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها في عليين أو سجين

وقوله كالماء الزلال الماء هو الجوهر السيال المتلون بلون إنائه والعذب منه به حياة كل نام بأمر اللّه ولذا بالغ في وصف نظمه بتشبيهه به بجامع إحياء النفوس

(وحاصل معنى البيت) إن هذا النظم تفرح به القلوب وترتاح له وتطرب كما تفرح بالبشرى السارة المصحوبة بالراحة ويحيى به الأرواح الإنسانية من إماتة الجهل والعقائد الظلمانية كما يحيى الماء العذب الأرض بعد موتها وتنتعش به النفس عند ظلمائها وفيه من البديع الجناس التام بين روح وروح قال الناظم رح