٤٢وَ مَا اِيمَانُ شَخْصٍ حَالَ يَاْسٍ بِمَقْبُولٍ لِفَقْدِ اْلاِ مْتِثَالِ اليأس بالمثناة التحية على ما في بعض النسخ وهو انقطاع الرجاء والمراد به ههنا أن يصر إلى حالة لا يرجى فيها حياته ويقطع بموته عاجلا بأن تبلغ روحه الحلقوم أو يقطع الحلقوم والمرئ أو يشق بطنه ويخرج حشوه أو يغرق وسط البحر ويغمره الماء وهو لا يحسن السياحة ونحو ذلك لأنه إذا صار في جالة من هذه الحالات يئس من حياته عادة فلا يقبل إيمانه ح وضبطه بعض الشراح بالباء (٩٢) الموحدة قال وهو الشدة والمضرة والمراد هنا سكرات الموت قال ولم يقله بالياء المثناة موافقة لقوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما راو بأسنا انتهى ولا يخفى أنه بالباء الموحدة أعم منه بالياء كما هو الظاهر إلا أن يراد باليأس ههنا مشاهدة عذاب الآخرة كما قال شارح والمراد هنا شدة عذاب الآخرة لأن المؤمن عند نزع الروح يرى مكانه في الجنة والكافر يرى شدة عذاب الآخرة ومكانه في النار وهو الظاهر ههنا والامتثال: الانقياد والطاعة إلى الأمر والنهي الإعراب ما نافية بمعنى ليس أيمن اسمها مضاف إلى شخص وحال منصوب على الظرفية مضاف إلى ياس والعامل فيه إيمان وتعلقه بمقبول غير مقبول كما لا يخفى على أهل العقول وبمقبول في محل النصب خبر ما ولفقد في محل رفع خبر مبتدأ محذوف أي وذلك لعدم الامتثال أي الانقياد والايتمار بأوامره تعالى قبل أن يصل إلى تلك الحالة (وحاصل معنى البيت) أن إيمان الكافر وقت يأسه من الحياة أو عند معاينة البأس غير مقبول لقوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانه لما راو بأسنا وقوله تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن فقد قال جماعة إن المراد بالسيئات: الشرك أو عمل النفاق وقال تعالى في شأن فرعون حتى إذا أدركه الفرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فقال تعالى باستفهام الإنكار الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فلم يقبل إيمانه ح كما مشى عليه الجمهور. قيد بالإيمان لأن توبة المؤمن العاصي ح مقبولة عندنا قال شارح وأما توبة المؤمن المذنب في تلك الحالة فمقبولة بإجماع الأمة انتهى يعني حالة الاحتضار لكن في دعوى الإجماع نظر قال الشارح المقدسي وهذا بخلاف توبة المسلم العاصي ح فإنها تقبل ما لم يغرغر أي تبلغ الروح الحلقوم لما روي ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال إن اللّه تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغر غره والفرق بين المؤمن والكافر فيما ذكر أن المؤمن العاصي قد سبقت منه المعرفة بربه قبل ذلك وأما الكافر فلا معرفة له ويريد أن يبتدئ ح إيمانا فلا يفعه انتهى ورده علي قاري رحمه الباري وساوى بينهما في عدم القبول ح مستدلا بظاهر الآية المتقدمة بأن السيئات شاملة لغير الكفر قال ومن القواعد إن معارضة النص القطعي غير مقبولة انتهى أقول وباللّه التوفيق إن فيه خبطا لا يخفى منشأه التخليط بين الحالتين فإن المراد باليأس في الآية مشاهدة أهوال الآخرة كما قدمنا فهذه حالة لا يرجى فيها الحياة فهي حالة اليأس (٩٣) فصار فيها في حكم أهل الآخرة فلا فرق بينهما في هذه الحالة في عدم قبول كل منهما على الأصح وأما إطلاق اليأس على ما قبلها فالمراد به شدة المرض والخوه والقرب من الحالة الأولى والكلام فيها فالتوبة فيها مقبولة دون الإيمان كما تقدم والجمهور على هذا وعليه فلا حاجة إلى الجواب بأن المراد من السيئات في الآية الشرك لأنه صرف الكلام عن ظاهره من غير مقتض فافهم وإلى هذا يشير كلام صاحب الكشاف وهو الحق ولا عبرة بكلام من لم يفهم كلامه حيث قال في قوله تعالى ثم يتوبون من قريب الزمان القريب ما قبل حضرة الموت ألا ترى إلى قوله تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت الآية فيتعين أن الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة فبقي ما وراء ذلك في حكم القريب ثم ذكر بعد خطوط أن قوله تعالى الذين يموتون عطف على الذين يعملون السيئات قال ساوى بين الذين سوفوا توبتهم إلى الموت وبين الذين ماتوا على الكفر في أنهم لا توبة لهم لأن حضرة الموت أول أحوال الآخرة فكما أن المائت على الكفر فاتته التوبة على التوبة على اليقين فكذلك المسوف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل منهما أو أن التكليف والاختيار انتهى وتابعه على ذلك البيضاوي فقال ساوى بين من سوف التوبة إلى وقت حضور الموت من الفسقة والكفار في نفي التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة وكأنه قال وتوبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء انتهى فتدبر وقال في البزازية قال علماؤنا وإنما صحت التوبة في هذا الوقت لأن الرجاء باق ويصح من الندم والفرم على ترك الفعل قال في التفسير الكبير في قوله تعالى وليست التوبة الآية دلت على أن من حضره الموت وشاهد أهواله فتوبته غير مقبولة وكذلك قوله تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت الآية وكذلك قوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق واكن من الصالحين فإنه تعالى أخبر في هذه الآيات أن التوبة لا تقبل عند حضور الموت ثم قال أي في التفسير الكبير والمحققون على أن قرب الموت لا يمنع من قبول التوبة بل المانع من قبولها مشاهدة الأهوال التي تجعل العلم عندها على سبيل الاضطرار باللّه تعالى فهذا كلام الحنفية والمالكية والشافعية من المعتزلة والسنية والأشاعرة والماتريدية وأن توبة اليأس لا تقبل كإيمان اليأس بجامع عدم الاختيار وخروج النفس من اليد وعدم ركن التوبة وهو العزم بطريق التصميم على أن لا يعود في المستقبل إلى ما ارتكب وهذا لا يتحقق في توبة اليأس إذا أردت باليأس (٩٤) معاينة أسباب الموت بحيث يعلم قطعا أن سلطان الموت مدركه لا محالة كما أخبر اللّه تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وهذا البيان لأن اليأس ما هو وقد ذكر في بعض الفتاوى أن توبة اليأس مقبولة إن أراد باليأس ما ذكرنا يرد عليه ما قلنا وإن أراد باليأس القرب من الموت مطلقا فلا كلام فيه لكن الظاهر أن زمان البأس زمان اليأس ومعاينة الهول والمسطور في الفتاوى أن توبة اليأس مقبولة بخلاف إيمان اليأس لأن الكافر أجنبي غير عارف باللّه تعالى وابتدأ إيمانا وعرفانا والفاسق عارف وحاله حال البقاء والبقاء أسهل وقوله تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن يحتمل أن يراد به تقييد التوبة بالآن بأن يقيد توبته بزمان العجر كما يقال تاب يوما أو عاما والدليل على قبولها مطلقا إطلاق قوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده انتهى كلام البزازي فتحصل لك أن إيمان اليأس غير مقبول بالاتفاق وأن توبته مختلف فيها والأصح عدم القبول وأن الحالة التي تقرب من اليأس قد يطلق عليها اليأس والتوبة فيها مقبولة بالاتفاق فيفهم هذه المقام على النظام فإنه من مزالق الإقدام وقد وقع فيه كثير خبط من بعض فضلاء الأنام والحمد للّه ملهم الصواب وإليه المرجع والمآب فائدة قيل لما وصل فرعون إلى قوله وأنا من المسلمين أخذ جبرائيل من أوحال البحر أي طينه الأسود فسد فمه مخافة أن تدركه الرحمة وإنما فعل به ذلك عقوبة له على ما كان منه واللّه أعلم. قال الناظم رحمه اللّه تعالى رحمة واسعة |