٤٣وَمَا اَفْعَالُ خَيْرٍ فِي حِسَابٍ مِنَ الْاِيمَانِ مَفْرُوضَ الْوِصَالِ المراد بأفعال الخير هنا الطاعة والعبادات مطلقا فيتناول البدنية والمالية وغيرهما كالصوم والصلاة والزكاة والصدقات وحب الخير للمسلمين وإن اطلق الخير في بعض المواضع وأريد به خصوص المال كما في قوله تعالى وإنه لحب الخير لشديد قال البيضاوي أي المال من قوله تعالى إن ترك خيرا وقوله في حساب أي في اعتداد بمعنى أنها لا يحتسب ولا يعتد بها في حقيقة الإيمان وليست جزء منه بل هي خارجة عن حقيقته وإن كان كماله بها لأنه عبارة عن التصديق وحده أو مع الإقرار باللسان على ما قدمنا إلا أن التصديق ركن لا يحتمل السقوط أصلا ولا يتوقف على شئ آخر من فعل خير أو غيره والإقرار قد يحتمل السقوط كما في حالة الإكراه و كالخرس وقولهم انتفاء الجزء (٩٥) يستلزم انتفاء الكل مبني على أن الإقرار شطر وهو خلاف الراجح ولو سلم فإن ذاك إنما هي في الماهية الحقيقية لا الاعتبارية و إذا سقط الإقرار في الجملة ولم يعتبر كان التصديق فقط نفس الإيمان فمن صدق حق التصديق كان مؤمنا عند اللّه وإن توقف إجراء الأحكام عليه على الإقرار باللسان على ما قدمنا قال السعد رحمه اللّه والإجماع منعقد على إيمان من صدق بقلبه وقصد الإقرار باللسان ومنعه مانع من خرس ونحوه انتهى فلا تكون أفعال أفعال الخير داخلة في ذات الإيمان وإن حصل بها كماله ولذا قيد الناظم بقوله مفروض الوصال دفعا لما يتوهم من نفي كونها من الإيمان أن لا يكون لها تعلق به أصلا فأفاد أن المنفي كونها من حقيقة الإيمان وليست متصلا به كاتصال الجزء بالكل وإلا فلها تعلق بكماله فافهم الإعراب ما بمعنى ليس أفعال اسمها مضاف إلى خير في حساب في محل نصب خبر ما ومن الإيمان متعلق بحساب أي ليست محسوبة ويصح أن يجعل الظرف الثاني خبر ما وفي حساب في محل نصب حال من الإيمان قدمت عليه ومفروض الوصال حال أخرى من الإيمان وحذفت تنوينه وأضيف والأصل مفروضا وصاله فأل في الوصال عوض عن الضمير أو حال من أفعال خير وحذفت منه التاء للضرورة والتقدير مفروضة الوصال وفائدة التقييد بها أنه لما نفى الخير أن يكون من الإيمان أو هم أن لا يكون به تعلق أصلا فدفعه بصرف النفي إلى هذا القيد كما قدمنا وإلا فكمال الإيمان إنما هو بالأعمال (وحاصل معنى البيت) أن الأعمال الصالحة كالعبادات ليست عندنا داخلة في مفهوم الإيمان ولا محسوبة منه مفروضة الاتصال لأنه تعالى عطفها على الإيمان بقوله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمعطوف غير المعطوف عليه وجعله شرطا لها بقوله: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن والشرط غير المشروط له وخاطب بوجوب الإيمان قبل وجوب الأحكام بقوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم فلو كانت من جملة الإيمان لما سماهم بالمؤمنين قبل وجودها ولما نزل فرضية شظ منها إلا بعد وجود الإيمان وقد أثبت الإيمان لمن ترك بعض الأعمال بقوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأثبت لهم الإيمان مع وجود المقاتلة التي هي بعض الأعمال وفسره عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حين سئله جبرائيل ما الإيمان بقوله أن تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ولم يذكر الأعمال ولو كانت داخلة في حقيقته لذكرها خصوصا والمقام مقام (٩٦) العليم وللاجماع على من آمن فمات قبل أن توجد منه الأعمال مات مؤمنا وكذا من عاش في أقصى البلاد أو على رأس جبل وبقي سنين ولم يعلم بالشرايع ومات مؤمنا ولأنه قد يرتفع العمل ولا يرتفع الإيمان كالحائض فإنها أمرت بترك الصلاة مثلا ولا يجوز أن يقال بترك الإيمان وكذا سقوط الحج والزكاة عن الفقير وهذا ما عليه أكابر العلماء كأبي حنيفة رحمه اللّه وأصحابه واختاره إمام الحرمين وجمهور الأشاعرة لما قدمنا من أن حقيقة الإيمان التصديق القلبي فقط أو مع الإقرار باللسان وعلى القولية فالأعمال ليست داخلة فيه ويتفرع عليه أن الإيمان عندنا لا يزيد ولا ينقص لكنه يقوى ويضعف وذهب الإمام الشافعي والأوزاعي من أئمة الحديث إلى أنها داخلة في الإيمان وأنه يزيد وينقص وعليه البخاري قال كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم الأصاحب حديث كلهم كانوا يقولون الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وقيل النزاع في المسألة بين الفريقين لفظي وبينه بعض المحققين بأن الشافعي ومن وافقه يقولون إنها ركن من الإيمان الكامل بمعنى أن تاركها لا يكون كافرا بل يخرج عن الإيمان الكامل لا عن حقيقة الإيمان بحيث لا يكون مؤمنا أصلا كما هو قول المعتزلة قال السعد رحمه اللّه ولا يخفى أن هذه الوجوه يعني الدلالة على أن الأعمال ليست داخلة في حقيقة الإيمان إنما تقوم حجة على من يجعل الطاعات ركنا من حقيقة الإيمان بحيث إن تاركها لا يكون مؤمنا كما هو رأي المعتزلة لا على من ذهب إلى أنها ركن من الإيمان الكامل بحيث لا يخرج تاركها عن حقيقة الإيمان كما هو مذهب الإمام الشافعي انتهى وذهب الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار فقط وذهب بعض المعتزلة إلى أنه العمل فقط فتحصل أن الأقوال خمسة في ثلاثة منها هو بسيط وفي واحد منها هو مركب من اثنين وفي واحد مركب من ثلاثة واحتج من قال بدخول الأعمال في الإيمان وأنه يزيد باعتبارها وينقص بقوله تعالى وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وأجيب بأن المعنى واللّه أعلم زادتهم نور الإيمان والتمكن منه لا نفس الإيمان إذ لو كانت داخلة في حقيقته لزم عدم الفائدة في خطابه تعالى بالإيمان في حق من علم إيمانه ك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وقوله أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وغير ذلك كما قدمنا ولو كان ما أمر به من الأعمال من حقيقة الإيمان لدخل في خطاب الإيمان ولخرج خطاب الأمر بالأعمال عن الفائدة تعالى كلام الرب عن ذلك علوا كبيرا قال في شرح العقائد وما ورد من الآيات (٩٧) الدالة على زيادة الإيمان ك قوله تعالى وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا فمحمول على ما ذكره أبو حنيفة رحمه اللّه من أنهم كانوا آمنوا في الجملة ثم يأتي فرض بعد فرض وكانوا يؤمنون لكل فرض خاص فالزيادة إنما هي باعتبار زيادة ما يجب الإيمان به تفصيلا وهذا لا يتصور في غير عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم انتهى فإن قلت إن بعض الأحكام ثبت بعد النبي عليه السلام كالثابت بالإجماع قلنا هو مؤمن به قبل إجماعهم إجمالا بقوله عليه السلام عليكم بسنتي وسنة الخلافة الراشدين المهديين من بعدي تتمة الإيمان والإسلام واحد إذ الإسلام هو الخضوع والانقياد بمعنى قوله الأحكام والإذعان حقيقة التصديق عل ما قدمنا ويؤيده قوله تعالى فأخرجنا من كان فِيهَا من المؤمنين * فما وحدنا فيها غير بيت من المسلمين وبالجملة لا يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنا وليس بمسلم أو مسلم وليس بمؤمن ولا نعني بوحدتهما سوى هذا وظاهر كلام المشايخ أنهم أرادوا عدم تغايرهما بمعنى أنه لا ينفك أحدهما عن الآخر لا الاتحاد بحسب المفهوم لما ذكر في الكفاية من أن الإيمان هو تصديق اللّه فيما أخبر به من أوامره ونواهيه والإسلام هو الانقياد والخضوع لألوهيته وذا لا يتحقق إلا بقبول الأمر والنهي فإن الإيمان لا ينفعك عن الإسلام حكما ومن أثبت التغاير يقال له ما حكم من آمن ولم يسلم أو أسلم ولم يؤمن أي أثبت لأحدهما حكما ليس بثابت للآخر والأظهر بطلان قوله فإن قيل الأعراب قوله تعالى قالت آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا صريح في تحقيق الإيمان بدون الإسلام قلنا المراد أن الإسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإيمان وهو في الآية بمعنى الانقياد والظاهر من غير انقياد الباطن بمنزلة المتلفظ بكلمة الشهادة من غير تصديق في باب الإيمان فإن قيل قوله عليه السلام في تفسير الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وتقيم الصلاة الحديث دليل على أن الإسلام هو الأعمال دون التصديق القلبي الذي فسر به الإيمان فلا يكون الإسلام والإيمان واحدا قلنا المراد أن ثمرات الإسلام وعلاماته ذلك كما قال عليه السلام للوفد أتدرون ما الإيمان باللّه وحده قالوا اللّه ورسوله أعلم فقال صلى اللّه عليه وسلم شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس وكما قال عليه أفضل الصلاة والسلام الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق فقد أطلق الإيمان على ثمراته وما يكون به كماله واللّه أعلم. قال الناظم رحمه اللّه تعالى رحمه واسعة: (٩٨) |