٤٤وَلَا يُقْضَي بِكُفْرٍ وَارْتِدَادٍ بِعَهْرٍ اَوْ بِقَتْلٍ وَاخْتِزَالِ العهر بفتح العين المهملة وسكون الهاء الزنا واسم الفاعل منه عاهر ومنه قوله عليه السلام الولد للفراش وللعاهر الحجر أي وللزاني الرجم بالحجر والمراد بالقتل قتل النفس المعصومة عمدا بغير حق غير مستحل قتلها ويتبعه قتل عضو معصوم كذلك والاختزال بالخاء المعجمة والتاء المثناة والزاء أي الاقتطاع والمراد اقتطاع مال معصوم بغير حق كالسرقة ونحوها وفي معنى ذلك جميع مظالم العباد فإنها كلها كبائر وإنما اقتصر على هذه الثلاثة منها لأنها أعظمها بعد الكفر ولذا خصها عليه السلام بالذكر في النهي عن انتهاكها بقوله كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم وجعلها كل المسلم لأن قوامه بها وروي ابن عمر رضي اللّه عنهما أنها تسعة أعظمها الشرك باللّه تعالى ثم قتل النفس وقذف المحصن والزنا والفرار من الزحف والسحر وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين والإلحاد في الحرم أي الذنب فيه قيل ولو صغيرة فالكبيرة فيه كبيرتان وزاد فيه أبو هريرة رضي اللّه عنه أكل الربا وزاد علي رضي اللّه عنه السرقة وشرب الخمر وقيل هي كل ما توعد عليه الشارع بخصوصه في كتاب أو سنة وقيل كل معصية أصر عليها العبد فهي كبيرة وما استغفر عنها فهي صغيرة وقيل غير ذلك وبالجملة فالمؤمن لا يخرج عن إيمانه بفعل شئ منها أو فعل كلها ما عدا الكفر الإعراب لا نافية يقضى مضارع مبني للمفعول من قضى بمعنى قدر أو قطع والمراد أن لا يحكم أو لا يقطع بكفره ونائب فاعله محذوف أي على المؤمن وبكفر متعلق بيقضى وارتداد معطوف على كفر وبعهر وما عطف عليه متعلق بكفر والباء سببية واو بمعنى الواو أو على بابها وهو أبلغ (وحاصل معنى البيت) إنه لا يحكم بكفر المؤمن عن الإسلام وخروجه عن الإيمان بسبب ارتكابه زنا أو قتل نفس أو سرقة مال معصوم أو غير ذلك كترك عبادة تكاسلا أو كل ما هو كبيرة غير الكفر فإن شيئا من ذلك أو مجموعه لا يخرج المؤمن من إيمانه لبقاء التصديق ما لم يستحل شيئا من ذلك وهذا مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج حيث قالوا بكفره وخلوده في النار زعما بأن الإيمان لا يجامع المعصية ولا واسطة عندهم بين الكفر والإيمان بخلاف المعتزلة حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر وثبتوا له منزلة بين المنزلتين يزعمون أنه ليس بمؤمن لانتفاء الأعمال الصالحة (٩٩) التي هي عندهم جزء من حقيقة الإيمان على زعمهم ولا كافر لبقاء التصديق الذي هو أصل الإيمان واحتج كل من الفريقين بظواهر أدلة متروكة الظاهر مردودة بما في المطولات ونحن نقول إنه يكون بذلك عاصيا تحت المشيئة باقيا على إيمانه حيث لم يكن مستحلا شيئا من ذلك ولم تكن الكبيرة شركا قال اللّه تعالى إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ولا نقول إن المعصية لا تضر مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر كما ذهب إليه أهل البدعة بل نقول لها دخل في ضعف الإيمان نعم إذا فعل المعصية على طريق الاستحلال أو ترك الطاعة على الإنكار أو الاستخفاف فلا كلام في أن يكون كفرا لكونه علامة التكذيب ولا نزاع في أن من المعاصي ما جعله الشارع إمارة التكذيب وعلم كونه كذلك بالأدلة الشرعية ولا يتوقف على النية كالسجود للصنم وإلقاء المصحف في القاذورات ونحو ذلك مما ثبت بالأدلة القطعية تنبيه الكفر لغة الستر وأصله الكفر بفتح الكاف سمي به لأنه ستر الإيمان وشرعا جحد ما علم بالضرورة مجئ النبي صلى اللّه عليه وسلم به كما مر وهو أربعة أقسام الأول كفر الجحود وهو أن يعرف الحق ولا يقر بلسانه ككفر إبليس وأمية بن أبي الصلت الثاني كفر النفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه كالمنافقين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم الثالث إن يعلم بقلبه ويقر بلسانه ولكن يأبى أن يقبل الإيمان فلا يدين به ككفر أبي طالب حيث قال إني لأعلم أن دين محمد * من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار سبته * لوحدتني سمحا بذاك مبنيا الرابع كفر الإنكار وهو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف بوحدانية اللّه تعالى أصلا وبقي قسم خامس وهو الكفر الطارئ بأن يرجع عن الإيمان بعد التصديق والإذعان بالقلب واللسان وهذا القسم الذي أشار إليه المص والناظم رحمه اللّه تعالى |