٤٥وَ مَنْ يَنْوِ اِرْتِدَادًا بَعْدَ دَهْرٍ يَصِرْ عَنْ دِينِ حَقٍّ ذَا انْسِلَالِ النية قصد القلب مطلقا واصطلاحا قصد القلب الجازم على فعل أو ترك والردة الرجوع عن الشئ مطلقا وفي الشرع قطع الإسلام بقول كفر أو فعله أو نيته والدهر والزمان والحين بمعنى واحد وقد تقدم الدهر في الأصل اسم لبقاء مدة العلم من مبدأ التكوين إلى أن ينقرض وقد يعبر به عن كل مدة طويلة ولم يتكلم (١٠٠) فيه أبو حنيفة لورعه رحمه اللّه قيل سب توقفه وعدم تكلمه فيه خبر لا تسبوا الدهر فإن اللّه هو الدهر وقال صاحباه هو ستة أشهر فأكثر فأراد المص رحمه اللّه به ههنا مطلق الوقت طال أو قصر ودين الحق هو دين الإسلام والانسلال هو الخروج بسهولة من انسل إذا خرج من حيث لا يدري الإعراب من اسم شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه ينو: فعل الشرط مجذوم بحذف وفاعله مستتر يرجع إلى من وارتدادا مفعول وبعد منصوب على الظرفية مضاف إلى دهر يصر جواب الشرط مجزوم بسكون آخره وحذفت ياؤه لالتقاء الساكنين وهو من الأفعال الناقصة واسمه مستتر عائد إلى من أو إلى ضميره وانسلال مضاف إليه (وحاصل معنى البيت) إن من ينو أي يعزم بقلبه الردة والرجوع عن الإسلام أو على الكفر ولو بعد مدة طويلة أو قصيرة يخرج بذلك العزم عن دين الإسلام في الحال سواء فعل ما نواه بعد ذلك أولا لأن قصد الكفر يزيل التصديق وبزواله يصير منافقا والمنافق كافر باطنا فإن فعل ما قصد صار كافرا ظاهرا وباطنا ولأنه رضي بالكفر في الحال والرضا به كفر في الحال والمال ثم الرضاء بكفر نفسه كفرا إجماعا وإنما الخلاف في الرضاء بكفر غيره لقصد غيره لا لاستحسان الكفر في نفسه وإلا يكون كافرا أيضا إجماعا ولذا قالوا الكافر بطول البقاء ونحوه إن قصد استدامة كفره يكفر لأنه يكون مستحسنا للكفر وإن أراد يؤول أمره إلى الإسلام أو لينفع المسلمون بجزيته فلا واختلف في الدعاء على الظالم بموته على الكفر بقصد أن يجازى بالخلود على ظلمه والصحيح عدم الجواز وحاصله إن قصد الكفر والرضاء به مطلقا كفر وهو غير معفو إجماعا وإن كان هاذلا به لأنه تعالى نهى العفو عن الشكر أيضا بقوله عز شأنه إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وهذا بخلاف قصد المعصية والتصميم على فعلها فإنها مرجوة العفو بوعده تعالى وإن فعل لدخولها تحت قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فإن لم يكن معها تصميم ولم يفعلها كتبت له حسنة كما قال عليه السلام فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها اللّه عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها اللّه عنده عشر حسنات إلى سبعمأة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها اللّه عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها اللّه عنده سيئة واحدة وفي هذا رد على من زعم أن الحفظة إنما تكتب ما ظهر من أفعال العباد وسمع من أقوالهم محتجا بقوله عائشة رضي اللّه عنها لأن أذكر اللّه في قلبي مرة واحدة أحب إلى من أن (١٠١) أذكره بلساني سبعين مرة،، وذلك أن ملكا لا يكتبها وبشرا لا يسمعها وأجيب عنه بأن ذلك إن صح عليها فهو محمول على أنها قالته قبل اطلاعها على الكتب ثم اطلاع الملكين الموكلين بالعبد على كتب الهم بالقلب على معصية أو طاعة أما بكشف اللّه تعالى لهما على القلب وما يحدث فيه كما يقع لبعض الأولياء وأما بإعلام اللّه تعالى أيهما بذلك ويؤيده ما وقع في حديث ابن عمر رضي اللّه عنه فينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول يا رب إنه لم يعمل فيقول إنه نواه وأما بريح يظهر لهما من القلب فريح الحسنة طيبة وريح السيئة خبيثة تمتاز بها وعلم بقوله بعددهن أنه لو نوى الارتداد في الحال يصير كافرا في الحال بالأولى ويحتمل كلامه معنى آخر وهو أن من دام على الإيمان دهرا طويلا مع إحسان العمل ثم بعد ذلك نوى الردة يخرج عن الإيمان في الحال ويبطل جميع ما قدمه من الخير لكن المعنى الأول أبلغ والمراد بالنية العزم والتصميم كما قدمنا لأن مجرد الخطور بالبال غير معتبر اتفاقا لأن ذلك ليس في وسع العبد لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها فلو خطر له مع كراهته وخوف إظهاره بلسانه أو فعله كان مثابا لأنه عين الإيمان ما دام مصمما على التصديق وقد قال عليه السلام إن اللّه تجاوز لأمتي عما وسوست به نفوسها ما لم تعمل به أو تتكلم إذ الاحتراز عنه غير ممكن بخلاف العزم والتصميم فإن الاحتراز عنه ممكن ولذا كان عزمه على الكفر ولو بعد سنين يخرجه عن الإيمان في الحال فإن قلت في حديث رواه مسلم والإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس قلنا معناه إن كل ما حاك في النفس واستكرهته كان أثمان عند وقوعه لأن النفس بطبعها تحب اطلاع الناس على خيرها وتكره ضد ذلك ولكن قالوا الهم بالمعصية الذي لا يؤاخذ به شرطه أن لا يصر عليه وإلا فهو به آثم وإن تكلم اللسان بخلافه حتى أن اللّه تعالى يلي في قلوب الناس ما أضمره كما روى محمد بن داود قال حدثنا محمد بن جعفر عن إبراهيم النخعي قال إن الرجل ليتكلم بالكلام وفي كلامه المقت ولكنه ينوي به الخير فيلقي اللّه تعالى في قلوب الناس الاعتذار عنه حتى يقولوا ما أراد بقوله هذا إلا خيرا وإن الرجل ليتكلم بكلام حسن لا ينوي به الخير فيلقي اللّه تعالى في قلوبهم حتى يقولوا ما أراد بقوله هذا إلا شرا فعلم به أن العبرة لما في القلب وأن الوسوسة ساقطة الاعتبار وأن الجزم والتصميم هو المعتبر ولذا شرط ذلك في الإيمان بحيث لا يخالطه شئ ينافيه إذ لو كان معه تردد أو تشكيك لم تثبت (١٠٢) حقيقة على ما قدمنا إذا علم هذا فلا يتصور أن يقال أنا مؤمن إن شاء اللّه على وجه الشك لا في الحال ولا في المآل اتفاقا وأما على وجه التبرك فجوزه الشافعي رحمه اللّه ومنعه أبو حنيفة مطلقا لأن وضع هذه الكلمة على التشكيك ولذا أجمعا على أنها تبطل اليمين والطلاق والعتاق والبيع والإقرار ونحو ذلك وقيد بنية الارتداد لأن الكافر إذا عزم على أن يؤمن في الحال والمآل لا يخرج بذلك عن الكفر فلا يجتمع مع الإيمان إذ الضد لا يجتمعان والحمد للّه الكريم المنان قال الناظم رحمه اللّه |