Geri

   

 

 

İleri

 

٥٨

وَحَقٌّ وَزْنُ اَعْمَالٍ وَجَرْيٌ عَلَي مَتْنِ الصِّرَاطِ بَلَا اهْتِبَالِ

الوزن مصدر وزن ومنه الميزان آلته ومتن الصراط ظهره وأراد هنا بالاهتبال الكذب أي بلا كذب قال في القاموس اهتبل كذب كثير يعني أن كلا من وزن الأعمال والمرور على الصراط حق ثابت وقوعه بالنصوص من غير كذب فيجب اعتقاد وقوعه لثبوته بالكتاب وألسنة وإجماع محققي الأمة

قال تعالى والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون

وقال تعالى فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية

وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهية نار حامية إلى غير ذلك وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر. انعقد إجماع أهل الحق على وقوع الوزن وإن اختلف في كيفية الميزان وذهب جمع من المحققين إلى أنه ميزان حسي له كفتان ولسان توضع فيه صحف أعمال العباد الإظهار العدل بين رابح وخاسر لا لاحتياج إليه قال العلامة رحمه اللّه في شرح العقائد والميزان عبارة عما يعرف به مقادير الأعمال والعقل قاصر عن إدراك كيفيته انتهى وهو موافق

(١٢٣)

لمن توقف في كيفيته واللّه أعلم بحقيقته وقال بعض المحققين والأصح أنه ميزان واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال، كفتاه كأطباق السماوات والأرض يوضع بين الجنة والنار

وقيل لكل أمة ميزان

وقيل لكل مكلف ميزان

وقيل للمؤمن موازين بعدد خيراته وأنواع حسناته بدليل

قوله تعالى ونضع الموازين القسط وأجاب الأولون بأن الجمع للتعظيم نحو ارحموني يا إله محمد واختلف في الموزون فقيل نفس الكتب وهو الذي ذهب إليه الجمهور من المفسرين وذهب البعض إلى أن الذي يوزن نفس الأعمال فتصور الأعمال الصالحة بصور نورانية كالجواهر فتطرح في كفة النور وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل اللّه تعالى وتصور الأعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية فتطرح في كفة الظلمة وهي الشمال المعدة للسيئات فتخفف بعدل اللّه تعالى كما جاء به الحديث وذهب إلى أنه تعالى يخلق أجساما على عدد الأعمال من غير قلب لها كما جاء به الأثر أيضا والكافر كالمؤمن في وزن في وزن الأعمال عند جمع من المحققين لكن يؤتى بأعماله في أقبح صورة

وقوله تعالى فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا أي نافعا أو قدرا فإن قيل إذا وزنت الأعمال فرجحت أو خففت ماذا يفعل بها بعد ذلك أجيب بما نقله بعض المحققين أن من سعد وضعت أعماله الصالحة على باب داره في الجنة يكون ذلك زيادة في السرور وإن كان خاسرا وضعت على بابه في النار

وقيل تلقى معه في النار والمرور على الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف يعبره أهل الجنة وتزل به أقدام أهل النار وأنكره أكثر المعتزلة لأنه لا يمكن المرور عليه وإن أمكن فهو تعذيب للمؤمنين وتكليف بما لا يطاق

والجواب أنه تعالى قادر على أن يمكن من المرور عليه ويسهله على المؤمنين حتى يجوزه كالبرق الخاطف كما أخبر به الصادق صلى اللّه عليه وسلم فنفيه معارضة للنصوص

قال اللّه تعالى وإن منكم إلا واردها وورود المؤمن إنما يكون فوقها على الصراط وقال عليه السلام إن اللّه تعالى خلق للنار جسرا وهو الصراط طوله مسيرة ثلاثة آلاف سنة ألف صعود وألف هبوط وألف استواء، جبريل في أو له وميكائيل في وسطه يسألان الناس عن عمرهم فيما أفنوه وعن شبابهم فيما أبلوها وعن أعمالهم ماذا عملوا. وورد في بعض الآثار: إنه سبع قناطر أرق من الشعرة وأحد من السيف

(١٢٤)

وأظلم من الليل كل قنطرة آلاف سنة ألف صعود وألف هبوط وألف استواء يسأل في أولة عن الإيمان وفي الثاني عن الصلاة بالأركان وفي الثالث عن الزكاة وفي الرابع عن صوم رمضان وفي الخامس عن الحج وفي السادس عن الوضوء والغسل والجنابة بالإسباغ وفي السابع عن الوالدين وصلة الأرحام والاصلاح بين الإخوان فإن أجاب عن كلها مر عليه كالبرق الخاطف وإلا تردى في النار وعن عائشة رضي اللّه عنها أنها سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن

قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا للّه الواحد القهار إذا بدلت الأرض فأين يكون الناس فقال عليه السلام يكونون على الصراط والنصوص في ذلك كثيرة لا ينكرها إلا من أضله اللّه ثم مرورهم مختلف متفاوت في سرعة النجاة وعدمها بحسب تفاوت أعمالهم يدل عليه حديث: يمر المؤمنون كطرفة عين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجود الخيل والركاب فناج سليم ومخدوش مزمل ومكدوش في نار جهنم، وأول من يمر على الصراط محمد صلى اللّه عليه وسلم ومن الأمم أمته ولا يتكلم ح إلا المرسلون يقولون اللّهم سلم سلم وفي بعض الروايات ثم عيسى عليه السلام بأمته يدعون نبيا نبيا حتى يكون آخرهم نوحا وأمته وآخر من يمر على الصراط رجل يتلبط على بطنه فيقول أي رب لم بطئت بي فيقال إنما بطئ بك عملك

الإعراب حق خبر مقدم ووزن أعمال مبتدأ مؤخر وجرى معطوف على وزن فيكون من عطف المفردات أي الوزن والجري ذو حق أو المعطوف محذوف وهو حق فيكون من عطف الجمل وعلى متن الصراط متعلق بجرى وبلا اهتبال في محل رفع صفة حق أو خبر مبتدأ محذوف أي وذلك بلا اهتبال

(وحاصل معنى البيت) وزن أعمال العباد بعد بعثهم ووقوعهم بين يدي ربهم حق والجري على متن الصراط حق خال عن الكذب فيجب اعتقاد وقوع كل منهما و من أنكر ذلك كان مخالفا لأهل السنة والجماعة تتمة لم يتعرض المص لذكر الحوض كما تعرض غيره وهو أيضا حق يجب اعتقاده

لقوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر و لقوله عليه السلام حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه أكثر من نحوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبدا

وروى مسلم عن أنس رضي اللّه عنه قال بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم

(١٢٥)

بين أظهرنا إذ غفا إغفاء ثم رفع رأسه متبسما فقال ما أضحكك يا رسول اللّه فقال أنزلت على آنفا سورة فقرأ إنا أعطيناك الكوثر ثم قال أتدرون ما الكوثر قلنا اللّه ورسوله أعلم قال إنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء يمنع العبد منه فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال ما تدري ما أحدث بعدك

وروى ابن ماجة الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب مجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وأشد بياضا من الثلج وظاهر هذا أن الحوض في الجنة والذي قبله يدل على أنه قبلها وأجيب بأنهما اثنان قال الإمام السيوطي نقلا عن القرطبي أن الحوض حوضان الأول قبل الصراط وقبل الميزان على الأصح والثاني في الجنة وكلاهما يسمى كوثرا انتهى واللّه أعلم قال الناظم رح