٥٧وَ يُعْطَي الْكُتْبُ بَعُضًا نَحْوَ يُمْنَي وَ بَعْضًا نَحْوَ ظَهْرٍ وَالشِّمَالِ الكتب بضمتين جمع كتاب وخفف بالسكون وهو قليل والمراد بها الصحائف التي أثبت فيها طاعات العباد ومعاصيهم بضبط الكاتبين على كل عبد جميع أقواله وأفعاله وما أسلفه في دار الدنيا مدة حياته كما قال تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وظاهر بعض الأخبار أن الذي يعرض ما بقي فيها بعد المحو منها لقوله (١٢١) عليه السلام و اتبع السيئة الحسنة تمحها فظاهره أنها تزال حقيقة من الصحيفة إذ هو المتبادر إلى الفهم من المحو لأن الأصل الحقيقة وجوز بعضهم كونه عبارة عن ترك المؤاخذة بها مع بقائها في الصحيفة لكنه تجوز يحتاج إلى الدليل ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان أعطني صحيفتك فيعطيه إياها فما وجد في صحيفته محي بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان وكتبهن حسنات (وحاصل معنى البيت) إنه مما يجب اعتقاده والإيمان به أن كل إنسان يعطى كتابه يوم القيامة فيجد جميع ما فعله في دار الدنيا من خير أو شر فيجازى به ثبت ذلك بالأدلة القطعية كما قدمنا قال تعالى ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وقال تعالى فأما من أوتي كتابه بيمنيه فسوف يحاسب حسابا يسيرا أي سهلا لا مناقشة فيه وينقلب إلى أهله مسرورا * فرحا، إذا أخذ كتابه بيمينه يبيض وجهه ويمد له في جسمه ستون ذراعا وإذا قرأ وجد عنوانه: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب اللّه الجليل إلى الصالح الخليل فيجد فيه أعماله الصالحة فينطلق إلى أهله وأصحابه وعلى رأسه تاج من لؤلؤ فإذا رأوه دعوا اللّه أن يكون لهم مثل ذلك فيقول لهم أبشروا كل منكم مثل هذا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره أي بشماله من وراء ظهره وقيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل يسراه وراء ظهره ثم يعطى كتابه فيها لتشد حسرته و ح يتمنى الهلاك كما قال تعالى فسوف يدعو ثبورا بمعنى أنه يتمنى الثبور فيقول وا ثبوراه عند رؤيته ضبط جميع أفعاله وقبايحه وما صدر منه في الدنيا كما قال تعالى ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا وأنكر بعض المعتزلة الكتاب يزعمون أن الأعمال معلومة للّه تعالى فكتابتها عبث ورد بما قدمنا وغيره من النصوص ولأن أفعال اللّه تعالى لا تعلل بالأغراض ولو سلم فهناك من الحكمة ما لم نطلع عليه وعدم اطلاعنا عليه لا يوجب العبث تعالى اللّه أن يكون في أفعاله عبث الإعراب يعطى مضارع أعطى يتعدى إلى مفعولين ويصح أن يكون ههنا بالياء التحتية وفيه وجهان أحدهما أن يكون مبنيا للمفعول والأصل يعطي اللّه الكتب حذف فاعله للعلم به والكتب مفعوله الأول أقيم مقام الفاعل وبعضا مفعوله الثاني وحذف المضاف إليه للضرورة أي بعض الناس وقيل تنوينه عوض عن المحذوف (١٢٢) والثاني أن يكون فاعل يعطى محذوفا لما ذكرنا ونائب فاعله مستتر يرجع إلى الناس في البيت السابق وهو مفعوله الأول والكتب مفعوله الثاني ويكون بعضا وبعضا بدلا أما من نائب الفاعل باعتبار المحل أو من الكتب بدل مفصل من مجمل ويصح أن يكون مبنيا للفاعل وفاعله مستتر يرجع إلى اللّه والكتب أحد مفعوليه والثاني محذوف أي الناس وبعضا وبعضا بدل من أحدهما ويصح أن يكون بالتاء الفوقية مبنيا للمفعول ونائب فاعله مستتر يرجع إلى الناس والكتب مفعوله الثاني أو الكتب نائب الفاعل ومفعوله الثاني بعضا وبعضا أو محذوف أي الناس وبعضا وبعضا بدل منه ونحو ظرف بمعنى الجهة متعلق بيعطى مضاف إلى يمنى ومثله نحو ظهر، والشمال عطف على ظهر (وحاصل معنى البيت) أن حساب الناس بعد البعث على أعمالهم حق وأن اللّه يعطي الناس كتبهم التي ضبط فيها أعمالهم بعضهم من جهة يمينه وبعضهم من جهة شماله من وراء ظهره أو يعطيهم كتبهم بعضا من جهة اليمين وبعضا من جهة الشمال كما أخبر الكريم المتعال قال الناظم رحمه اللّه تعالى رحمة واسعة: |