٥٦حِسَابُ النَّاسِ بَعْدَ الْبَعْثِ حَقٌّ فَكُونُوا بِالتَّحَرُّزِ عَنْ وَبَالِ حساب اللّه الناس عدا عما لهم عليهم يوم القيامة ومجازاتهم عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر والناس إن كان من الإنس ضد الوحشة اختص ببني آدم وإن كان من نوس إذا تحرك فيعم الجن بالحقيقة أو الغلبة والثاني هو الظاهر ههنا لأنه عليه السلام مرسل إليهم على ما قدمنا وأسلم منهم جمع على يديه كجن نصيبين فيحاسبون خصوصا على حقوق الآدميين لأن شرورهم تصل إلينا وأصل الناس الأناس حذفت الهمزة تخفيفا وقال صاحب القاموس يكون من الإنس ومن الجن جمع آنس أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل وفيما قاله نظر إذ جعله شاملا للجن مع كون مفرده إنس غير متجه ولذا قال إنه جمع عزيز ومخالف لما صرح به صاحب الكشاف في سورة البقرة والأعراف من أنه اسم جمع غير تكسير بدليل عود الضمير إليه وتصغيره على لفظه ولأنه لم يسمع جاء جمع على فعال بالضم إلا في ثمانية ألفاظ كما قاله السعد رحمه اللّه لكن زاد عليه صاحب المزهر وغيره ألفاظا والبعث أن يخرج اللّه تعالى الموتى من القبور بأن يجمع أجزاءهم الأصلية ويعيد الأرواح إليها وهو على جمعها القدير ثم يساقون إلى المحشر والوبال سوء العاقبة (١١٩) (وحاصل معنى البيت) إن حساب اللّه الناس بعد بعثهم من قبورهم على أفعالهم وأقوالهم قلت أو كثرت ومجازاتهم عليها حق ثابت يجب اعتقاد وقوعه فكونوا معشر الناس متسمين بالتحرز عن الوقوع في الآثام وما يوجب النكال والملام وادخروا لذلك اليوم ما ينفعكم فسيرى اللّه عملكم ويجازيكم على ما كسبتم من خير أو شر كما قال اللّه تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال تعالى ثم توفى كل نفس ما كسبت وقال تعالى ثم إنكم يوم القيامة تبعثون وقوله عليه السلام حلالها وحرامها عذاب فالبعث والحساب والمجازات حق عند أهل السنة للنصوص القاطعة مما ذكرنا وغيرها بحشر الأجساد وأنكره الفلاسفة بناء على امتناع إعادة المعدوم بعينه قال العلامة رحمه اللّه في شرح العقائد وهو أي قول الفلاسفة مع أنهم لا دليل لهم عليه غير مضر بالمق لأن مرادنا أن اللّه تعالى يجمع الأجزاء الأصلية للانسان ويعيد روحه إليه سواء سمي ذلك إعادة المعدوم بعينه أو لم يسم انتهى ومفاده أنهم يقولون بالحشر وإنما يخالفون في التسمية وفيه نظر فتأمل ثم إطلاق المص رحمه اللّه الناس يحتمل دخول الجن فيهم ويحتمل عدمه على ما قدمنا لكن الأكثرون على دخولهم لأنهم مكلفون لهم ثواب وعليهم عقاب فيحاسبون كبني آدم وهو الراجح وأما الملائكة هل يحاسبون: أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن السائب قال أول من يحاسب جبرائيل عليه السلام والمراد من حسابه واللّه أعلم ما أخرجه ابن حبان عن سنان أنه قال: اللوح المحفوظ معلق بالعرش فإذا أراد اللّه تعالى أن يوحي بشئ كتب في اللوح المحفوظ فيجئ اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فإن كان متعلقا إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبرائيل فأول من يحاسب يوم القيامة اللوح يدعى به فترعد فرائصه فيقال له هل بلفت فيقول نعم فيقال من يشهد لك فيقول إسرافيل فيدعى إسرافيل فترعد فرائصه فيقال هل بلغك اللوح فإذا قال نعم قال اللوح الحمد للّه الذي نجاني من سوء الحساب. وأخرج أيضا عن وهب بن الورد قال إذا كان يوم القيامة دعي إسرافيل ترعد فرائصه فيقال ما صنعت فيما أدى إليك فيقول بلغت جبرائيل فيدعى جبرائيل ترعد فرائصه فيقال ما صنعت فيما بلغك إسرافيل فيقول بلغت الرسل فيؤتى بالرسل فيقال ما صنعتم فيما أدى إليكم جبرائيل فيقولون بلغنا الناس وهو قوله تعالى فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ثم تسئل الأمم وسؤالهم بحسب أحوالهم فمنهم من (١٢٠) يسأل على رؤس الأشهاد فينفضح بالسؤال ومنهم من لم يطلع على سؤاله أحد كما قال عليه السلام إن اللّه يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وسره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورآى في نفسه أنه قد هلك قال سترتها عليك في الدنيا وإن أغفرها لك اليوم فيعطيه اللّه كتاب حسناته وأما الكافرون والمنافقون فينادى لهم على رؤس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة على الظالمين وروى الإمام أحمد رحمه اللّه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى للذرة من الدرة وقال ليختصمن كل شئ يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحا ذكره علي قاري قالوا اختلف في دخول الجن الجنة على أربعة أقوال أحدها نعم الثاني لا بل يكونون في ربضها الثالث أنهم على الأعراف الرابع الوقف وحكى القول بدخولهم عن أكثر العلماء وعن مجاهد أنهم إذا دخلوا الجنة لا يأكلون ولا يشربون ويلهمون من التسبيح والتقديس ما يجده أهل الجنة من لذة الطعام والشراب ذكر الحارث المحاسبي إنا نراهم إذ ذاك وهم لا يروننا عكس ما كانوا عليه في الدنيا الإعراب حساب مضاف إلى الناس مبتدأ من إضافة المصدر إلى مفعوله أي حساب اللّه الناس وبعد منصوب على الظرفية مضاف إلى البعث و حق خبر المبتدأ فكونوا الفاء فصحيحة أو تفريعية وكونوا فعل أمر من كان الناقصة واسمها مستتر وبالتحرز متعلق بخبر كان المحذوف أي متلبسين أو متسمين بالتحرز عن وبال أي سوء العاقبة يعني عن الأنام من إطلاق السبب وإرادة المسبب ومعنى البيت قد ظهر تتمة يحاسب العبد يوم القيامة بلا ترجمان فاللّه يسأل والعبد يجيب وأول شئ يحاسب عليه الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء رواه ابن بريدة مرفوعا وأول من يساق إلى النار من الآدميين قابيل لأنه رأس هذه الخطيئة ومن الجن إبليس لعنة اللّه تعالى واللّه أعلم قال الناظم رحمه اللّه |