٢اِلَهُ الْخَلْقِ مَوْلَانَا قَدِيمٌ وَمَوْصُوفٌ بِاَوْصَافِ الْكَمَالِ لفظ إله في الأصل موضوع لكل معبود مطلقا ثم غلب على المعبود بحق كالنجم للثريا والكتاب لكتاب سيبويه والصعق لخويلد بن نفيل مع أنه موضوع لكل من أصيب بصاعقة واشتقاقه من آله يأله كعلم يعلم إذا عبد فهو بمعنى اسم المعبود وقيل غير ذلك ثم حذفت همزته وعوض عنها الألف واللام ثم أدغمت اللام في اللام فقيل اللّه وعند البصريين دخلت عليه آل فصارت الإله فحذفت همزته غير قياس وعند الكوفيين أصله لاه دخلت عليه أل وقيل اللّه: اسم موضوع كأسماء الأعلام لا اشتقاق له وهو مذهب أهل الحق فهو مختص به تعالى ابتداء ومما يدل عليه أن غيره من الأسماء نقل عن العرب اشتقاقاتها إلا هذا الاسم الكريم لا قبل الرسول ولا بعده وهو جامع لصفات الألوهية والربوبية ولذا كان أعظم التسعة والتسعين اسما لدلالته على الذات الجامعة لجميع الصفات وقد رئي الخليل بن أحمد بعد موته فقيل له ما فعل اللّه بك فقال غفر لي بقولي في اسمه تعالى إنه غير مشتق وذكر بعضهم أنه الاسم الأعظم وقد ذكر في الكتاب العزيز في الفين وثلاثمائة وستين موضعا واختار النووي تبعا لجماعة أن الاسم الأعظم هوى الحي القيوم قال ولذا لم يذكر في القرآن إلا في ثلاثة مواضع في البقرة وآل عمران وطه لكن كون اسمه تعالى الأعظم الذين هو المختص به وهو اللّه أظهر فتدبر والخلق بمعنى المخلوق من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول واللام فيه للاستغراق أي إله جميع المخلوقات وهي ما سواه تعالى والمولى من الولاء وله نيف وعشرون إطلاقا مدلولها غالبا من حصلت منه النعمة كالرب والمالك والسيد والمنعم والناصر والمعتق بالفتح والعبد المنعم عليه وقد تكون من الطرفين كالجار وابن العم والحليف والصهر ومن اختص بها كالأولى بالشئ وقد أطلقه بعضهم على كل من ولي أمرا ويصح ههنا إرادة أحد الخمسة الأولى والقديم ههنا هو الذي لم يسبق بعدم فهو في حقه تعالى سلب العدم السابق على الوجود أو عدم الأولية لوجوده إذا العدم عبارة عن نفي السبق لأنه تعالى لو لم يكن قديما لاقتضى محدثا واحتاج هذا المحدث أيضا إلى محدث وهكذا فيدخل التسلسل وهو محال أو ينتهي إلى صانع قديم محدث للكل وذلك هو المطلوب الذي سميناه قديما صانع العالم وخالقه ومبدعه وإذا ثبت أنه قديم لا أول له فاعلم أنه أبدي لا نهاية له مستمرا لوجود لا آخر له قيوم لا انقطاع له دائم لا انصرام له لا يقضى عليه بالانفصال وتصرم الآباد وانقراض الآجال إذ ما ثبت قدمه استحال عدمه فهو متضمن لصفة البقاء وعدم سبق العدم في حقه تعالى وأما القدم الزماني في حق غيره تعالى فهو حادث مسبوق بالعدم وذلك محال في حقه تعالى قال تعالى والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون (٨) القديم * إنك لفي ضلالك القديم أي في خطاك الذي حدث لك في الزمن السابق من إفراطك في محبته ورجاء لقائه قال بعضهم أقل زمن يوصف به زمن القدم الزماني الحادث حول فلو علق حرية القديم من عبيده أو أوصى بعتقه عتق من له حول في ملكه وأوصاف الكمال أراد بها الثبوتية والسلبية إذ نفي النقايص كمال كما أن الوصف بالكمال كمال إذ لو لم يتصف بذلك لاتصف بأضداده وهي نقايص لكن الثاني طاهر الاستحالة لأنه من أمارات الحدوث وأفاد بقوله وموصوف إلى أنه ليس بصفة لظهور استحالته قال المقدسي رحمه اللّه ودليل كونه موصوفا لا صفة أنه لو كان صفة لاستحال قيام المعاني به ولو لم تضم به الصفات التي هي معان لاستحال اتصافه لكنه قد اتصف بأحكام الصفات فوجب أن يكون موصوفا بالمعاني الموجبة لتلك الأحكام الواجبة له شرعا وعقلا وكما يجب وصفه بأوصاف الكمال يجب تنزيهه عن النقايص الإعراب إله الخلق مضاف ومضاف إليه مبتدأ وفائدة الإضافة فيه نفي الاشتراك ومولانا بدل وهو الأظهر من كونه عطف بيان كما لا يخفى على ذوي الأذهان وقديم خبر وموصوف عطف على الخبر وبأوصاف متعلق بموصوف وإضافته إلى الكمال بيانية وقيل على معنى اللام وقيل للتخصيص (وحاصل معنى البيت) يقول عبد اللّه إن المعبود بحق الخالق لجميع المخلوقات كلها وهو اللّه تعالى قديم واجب القدم والوجود بالذات واجب البقاء أبدا وكمال الصفات لا يجري عليه عدم سابق ولا لاحق تتمة قال الرازي خلق اللّه الخلق بعلمه وقدرهم إقدارا وضرب لهم آجالا لم يخف عليه شئ بعد أن خلقهم وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم ومن قال إنه لم يكن خالقا قبل أن يخلق الخلق فلما خلق الخلق صار خالقا فقد كفر انتهى قال علي القاري ثم الخلق من صفات الأفعال وهي قديمة عندنا فإنه تعالى كان خالقا قبل أن يخلق الخلق خلافا للأشاعرة فما قال شارح من أن من قال إنه لم يكن خالقا قبل أن يخلق الخلق فقد كفر نشأ من جهله بتحقيق المرام انتهى وظاهر أنه أراد به ما قدمنا عن الرازي لكنه لم يبين تحقيق المرام ونحن نقول بعون الملك المنان إن حاصل هذا على ما سيأتي راجع إلى مسألة التكوين وهو المعنى الذي يعبر عنه بالفعل والخلق والتخليق والإيجاد والاختراع ونحو ذلك وقد أثبته الحنفية صفة حقيقة قديمة مغايرة للقدرة والإرادة وفسروه بإخراج المعدوم من العدم إلى الوجود وعبروا عنه بالخلق والتخليق ونحوهما وهو وصف له تعالى أزلي لإطباق العقل والنقل على أنه تعالى خالق للعالم مكون له قال تعالى اللّه خالق كل شئ فقد وصف ذاته في كلامه القديم الأزلي بأنا الخالق فلو لم يكن متصفا في الأزل بكونه خالقا لزم الكذب في كلامه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا ولامتناع (٩) طلاق الاسم المشتق إطلاقا حقيقيا من غير أن يكون مأخذ الاشتقاق وصفا له قائما به حال الإطلاق ومذهب الأشعري إن التكوين من الإضافات والاعتبارات العقلية مثل كون الصانع تعالى قبل كل شئ ومعه وبعده ومحييا ومميتا ونحو ذلك والحاصل في الأزل مبدء التخليق والترزيق والإحياء والإماتة وغير ذلك وتكوينه للعالم ولكل جزء من أجزائه لا في الأزل بل لوقت وجوده على حسب علمه في الأزل وإرادته فالتكوين ثابت أزلا وأبدا والمكون حادث لحدوث التعلق كما في العلم والقدرة وغيرهما من الصفات القديمة التي لا يلزم من قدمها قدم متعلقاتها فافهم وسيأتي له زيادة تحقيق قال السعد رحمه اللّه في شرح العقائد ينبغي للعاقل أن يتأمل في أمثال هذه المباحث ولا ينسب إلى الراسخين من علماء علم الأصول ما يكون استحالته بديهية ظاهرة لم له أدنى تمييز بل يطلب لكلامه محملا يصلح محلا لنزاع العلماء فإن من قال التكوين عين المكون أراد أن الفاعل إذا فعل شيئا فليس هناك إلا الفاعل والمفعول وأما المعنى الذي يعبر عنه بالتكوين والإيجاد ونحو ذلك فهو أمر اعتباري يحصل في الفعل من نسبة الفاعل إلى المفعول وليس أمرا محققا مغايرا للمفعول في الخارج ولم يرد أن مفهوم التكوين هو بعينه مفهوم المكون ليلزم المحالات ثم قال ولا يتم إبطال هذا الرأي إلا بإثبات أن تكون الأشياء وصدورها عن الباري تعالى يتوقف على صفة حقيقية قائمة بالذات مغايرة للقدرة والإرادة والتحقيق إن تعلق القدرة على ووفق الإرادة بوجود المقدور لوقت وجوده إذا نسب إلى القدرة يسمى إيجادا وإذ نسب إلى الخالق يسمى الخلق والتكوين ونحو ذلك فحقيقة كون الذات بحيث تعلقت قدرته بوجود المقدور لوقته ثم يتحقق بحسب خصوصيات المقدورات خصوصيات الأفعال كالترزيق والتصوير والإحياء والإماتة وغير ذلك إلى ما لا يكاد يتناهى وأما كون كل من ذلك صفة حقيقية أزلية فمما تفرد به بعض علماء ما وراء النهر وفية تكثير القدماء جدا وإن لم تكن مغايرة والأقرب ما ذهب إليه المحققون منهم أن مرجع الكل إلى التكوين فإنه إن تعلق بالحياة يسمى إحياء وبالموت إماتة وبالصورة تصويرا وبالرزق ترزيقا إلى غير ذلك فلكل تكوين وإنما الخصوص بخصوصية المتعلقات انتهى فعلم أن في التكوين والترزيق والخلق وغيرها مذاهب ثلاثة (الأول) إن كل واحد من تلك الصفات صفة حقيقية أزلية قائمة بذاته تعالى كالعلم والحياة والقدرة وغيرها من الصفات (والثاني) إن كل واحد منها عبارة عن تعلق القدرة بوجود المقدور لوقت وجوده فيكون من قبيل الصفات الإضافية لا من قبيل الصفات الحقيقية (الثالث) إن التكوين صفة أزلية حقيقية قائمة بذاته تعالى وإن التصوير والترزيق والإحياء والإماتة يحصل من تعلق التكوين بالمكونات على وجه مخصوص وهو مذهبنا قال ملا رمضان الأقرب إلى الحق من هذه المذاهب (١٠) الثلاثة هو المذهب الثالث دون الأول والثاني فافهم واللّه أعلم قال الناظم رحمه اللّه |