Geri

   

 

 

İleri

 

١

 يَقُولُ اْلعَبْدُ فيِ بَدْءِ اْلاَمَالِي لِتَوْحِيدٍ بِنَظْمٍ كَالَّآلِي

يقول فعل مضارع أصله يفعل بسكون فائه وضم عينه ثم نقلت ضمة عينه إلى فائه واشتقاقه من القول وهو كما قال النحاة اللفظ الدال على معنى وهو أعم من الكلام والكلم والكلمة كما أشار إليه ابن مالك

بقوله: والقول أعم. لأنه يطلق على من الثلاثة حقيقة وهو أخص من اللفظ لإطلاقه على المهمل خلافا لمن جعلهما مترادفين ولا يشترط في دلالته الصدق بقطع النظر عن قائله وإلا فقد يكون مقطوعا بصدقه ك

قوله تعالى وقول رسول اللّه صلى عليه وآله وقد يكون بكذبه كأقوال مسيلمة لعنة اللّه وأتى به مضارعا دون الماضي لدلالته على الاستقبال المناسب لمقوله لأنه مشترك بين الحال والاستقبال على الأرجح

وقيل حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال

وقيل عكسه

وقيل حقيقة في الحال ولا يستعمل في الاستقبال أصلا

وقيل عكسه والعبد من التعبد وهو التذلل والخضوع وصف به نفسه لأنه أحب الأوصاف إلى اللّه تعالى وأرفعها إليه ومن ثم وصف به نبيه عليه الصلاة والسلام في أشرف المقامات فذكره في إنزال القرآن عليه

بقوله مما نزلنا على عبدنا * أنزل على عبده الكتاب * نزل الفرقان على عبده وفي مقام الدعوة إليه وأنه لما قام عبد اللّه يدعوه وفي مقام الإسراء والوحي فأوحى إلى عبده ومن ثم لما خير وعليه صلى اللّه عليه وآله بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الثاني وسليمان عليه السلام سائل الأول فانظر بعدما بين المرتبتين وأنشد في شرف العبودية

قوله: لا تدعني إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي قبله بيت وهو يا قوم قلبي عند زهراء * يعرفها السامع والرائي تحفة الأعالي والأمالي في الأصل جمع الإملا كعليا وعلايى وهو الكتابة عن ظهر القلب من غير نظر إلى مكتوب ثم صار علما منظومته هذه

وقوله لتوحيد أي العلم التوحيد والصفات وإنما سمي هذا العلم به أيضا لتوحده في إثبات أعظم المقاصد وهو الوحدانية له تعالى لأن أشرف مباحثه وأعظم مقاصده وأصل المقصود به: إثبات وحدانيته تعالى وفيه براعة الاستهلال كما لا يخفى على أهل الكمال

وقوله بنظم هو لغة الجمع والترتيب بين الأشياء المتناسبة أخص من الضم ومن مطلق الجمع ومن التأليف أيضا إذ المراد به ضد النشر وهو الكلام المنظوم الموزون المقفى بالقصد زيد القيد الأخير لإخراج نحو قوله عليه السلام ما أنت إصبع دميت * وفي سبيل اللّه ما لقيت وهو مصدر بمعنى اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق ووقع ههنا صفة لمحذوف أي بكلام منظوم أو قول واللآلئ جمع لؤلؤة وهو المستخرج من جوف الصدف صح

(الإعراب) العبد فاعل يقول وفي ظرفية ومجرورها ظرف للقول واللام في لتوحيد للاختصاص متعلق بالأمالي أو بيقول وهو الأظهر إن جعل الأمالي علما على هذه المنظومة وإلا فالأول أظهر فتدبر وبنظم في محل جر صفة لتوحيد أي لعلم توحيد منظوم كنظم اللآلي ومقول

(٥)

لقول قوله الآتي: إله الخلق مولانا ا ه‍

(وحاصل معنى البيت) يقول عبد اللّه في ابتداء كلامه المسمى بالأمالي أو في ابتداء أماليه لبيان توحيد عظيم لرب كريم بنظم كلام حسن الترتيب والسبك متناسب الكلمات مثل اللآلي المنظومة في سلك واحدة عند البصيرة والباصرة واعلم أنه ينبغي لكل طالب علم أن يعلم حده وموضوعه وفائدته ليكون على بصيرة إذ ربما كان اشتغالا بما لا يعني فيكون عبثا أو لعبا وقد نهى عن كل منهما فنقول: حد هذه العلم معرفة العقائد الدينية عن أدلتها اليقينية أو هو علم يبحث فيه عما يجب اعتقاده واختلف في موضوعه فقيل المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية من جهة ما يجب للذات المقدسة العلية أو ينفي عنها من الصفات الوجودية والسلبية ونحو ذلك

وقيل هو ذات اللّه تعالى من حيث هو وذات الممكنات من حيث إسنادها إليه

وقيل هو الموجود بما هو موجود والأول أحسن وأليق بالأدب كما لا يخفى على أهل الأدب وفائدته إرشاد العبد إلى ما يفوز به في دينه ودنياه وينجو به من بدع أهل الضلال والاشتباه وهي غايته وهي أشرف الغايات قال بعض الشراح وما نقل عن بعض السلف كالشافعي ومالك وغيرهما من ذم الخوض فيه وأنه بدعة محرمة ولأن يلقى اللّه العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشئ من علم الكلام فقد أجيب عنه انتهى وقدمنا جوابه وإلا فكيف يتصور الذم والمنع خصوصا من هؤلاء الأئمة الأعلام من تعلم ما هو واجب عينا أو كفاية لأنا نحتاج إلى رد ما يرد علينا من شبه المخالفين الضالين فيجب أن يوجد في كل بلدة عالم متقن هذه العلم حتى جوزوا الاشتغال بعلم المنطق لذلك ويجب على كل مكلف عينا أن يقر أولا بلسانه ويصدق بجنانه بوحدانية اللّه تعالى أنه واحد أحد فرد صمد لا شريك له ولا ضد له ولا شئ مثله ولا شئ يعجزه ولا إله غيره ولا رب سواه غني عن الشريك والوزير متعال عن الصاحب والنظير وعن الوالد والولد والأزواج وهو إله السماوات والأرض خالق الخلائق أجمعين وأن يعلم ما يجب له تعالى وما يمتنع في حقه إلى غير ذلك ومعرفة ذلك كله يتوقف على هذا العلم فيكون الاشتغال به واجبا وبما ذكرنا اندفع أيضا ما قيل إنه إنما نهى عنه لكونه محدثا لم يكن في زمن الصحابة

(٦)

والتابعين وقد قال عليه السلام شر الأمور محدثاتها وإياكم ومحدثات الأمور ومن أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد وحاصل الجواب بعد ما قدمنا أنه إن أريد أن البحث عن دليل وجود الصانع وتوحيده والنبوة وغيرها كالمبدأ والمعاد بدعة ومحدث فهو ممنوع إذ القرآن مشحون به وإن أريد أن الاشتغال به على الوجه المتعارف بيننا كذلك فمسلم لكنه أمر حسن قد مست إليه حاجة لم تكن في زمن الصحابة والتابعين وكذلك الأدلة المنصوصة والأمارات الموضوعة للأحكام الفقهية كانت قائمة في زمانهم والملكة المسماة بالفقه حاصلة لآحادهم وإن لم يكن هذا الترتيب والتدوين وبالجملة فمن المبتدعات ما هي حسنة بل بعضها واجب كالاشتغال بالعلوم العربية المتوقف عليه فهم الكتاب والسنة فإن الزمان يختلف والاستعدادات متفاوتة فقد يستدعي الوقت مصلحة يجب على أهلها رعايتها وإن لم تكن فيمن سلف ولذا قال الإمام الرازي ولو بقي الناس على ما كانوا عليه في صدر الإسلام لما أوجبنا الاشتغال بعلم الكلام كما لم يشتغل به الصحابة رضي اللّه عنهم أجمعين ولأنه اختلف في صحة إيمان المقلد كما سيأتي توضيحه إن شاء اللّه وقد اتفقوا على أن الإيمان باللسان من غير تصديق بالقلب لا ينفع ولا تصديق القلب بغير اللسان على قول كما سنبينه بل الإيمان على الجارحتين: القلب واللسان فالقرار والتصديق ركناه وهو المروي عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه لأن اللسان عبارة عن الروح والجسد فيجب لكل منهما حصة من الإيمان وذهب قوم إلى أنه التصديق فقط والقرار باللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا لأن تصديق القلب أمر باطن فلا بد من علامة تدل عليه وهو النطق فهو شرط لا شطر وبالجملة فتصديق القلب متفق عليه عند أهل السنة والخلاف إنما هو في الإقرار هل هو شرط أو شطر فعلى الأول يكون مؤمنا عند اللّه لا على الثاني وبالاتفاق لا تجري عليه أحكامه في الدنيا وعلى كل حال فكمال الإيمان وما يتبعه من الأحكام متوقفة على علم الكلام والسلام فإن قيل هل الإيمان مخلوق أم غير مخلوق فالأصح في الجواب أن يقال إن الإيمان إقرار وهداية فالاقرار صنع العبد وهو مخلوق والهداية صنع الرب وهو غير مخلوق فانقياد العبد وقبوله

وقوله لا إله إلا اللّه وإقراره ونحو ذلك وتحريك لسانه وتصديق جنانه مخلوق إذ هو بجميع ذاته وأفعاله مخلوق له تعالى وحصول ذلك بهدايته تعالى وقدرته وتوفيقه وهو تعالى بجميع صفاته غير مخلوق فمن العبد المعرفة والإقرار والطاعة والانقياد ومن اللّه تعالى التوفيق والتعريف فافهم واللّه أعلم فإن قلت قد جرت عادة المصنفين الابتداء في مصنفاتهم باسمه باسمه تعالى اقتداء بكتابه العزيز وعملا بخبر كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أقطع أو أبتر أو أجزم ولا شك أن منظومته هذه أمر ذو بال فلم لم يبدأها باسمه تعالى قلت أتى في أولها بالبسملة لفظا وخطا وهي موجودة في سائر متونه وعليها شرح المقدسي على أنه وإن تركها خطاء لا يقال في مثله إنه تركها لفظا وبه يحصل المودة وما قيل إنه تركها أصلا إشارة إلى عجزه عن أداء شكر اللّه تعالى وحمده فكلام واه لا يصغى إليه قال الناظم رحمه اللّه تعالى:

(٧)