Geri

   

 

 

İleri

 

٢٣

وَفَرْضٌ لَازِمٌ تَصْدِيقُ رُسْلٍ وَاَمْلَاكٍ كِرَامٍ بِالنَّواَلِي

المراد بالفرض ههنا الفرض العيني على كل مكلف ولذا أكده

بقوله لازم

والمراد أنه قطعي لا ظني وتصديق الرسل عليهم السلام اعتقاد أن جميع ما جاؤوا به حق من عند اللّه وأنهم بلغوا كما أمروا والرسل جمع رسول وهو من البشر إنسان حر ذكر أكمل معاصريه غير الأنبياء عقلا وفطنة وقوة ورأيا وخلقا بالفتح وعقدة موسى عليه السلام أزيلت بدعوته عن الإرسال كما في الآية معصوم ولو من صغيرة قصدا ولو قبل النبوة على الأصح سليم من دناءة أب وخناء أم وإن عليا ومن منفر كبرص وجذام ولا يرد بلاء أيوب وعما يعقوب عليهما السلام بناء على أنه حقيقي لطروه بعد

(٤٩)

الأنباء والكلام فيما قارنه والفرق أن هذا منفر بخلافه فيمن استقرت نبوته ومن قلة مروءة كأكل في طريق ومن دنائة صنعة كحجامة أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ كيوشع فإن لم يؤمر بتبليغ فنبي فقط فبينهما عموم وخصوص مطلق وهو أفضل من النبي إجماعا لتميزه بالرسالة التي هي على الأصح أفضل من النبوة خلافا لبعضهم ووجه تفضيل الرسالة على النبوة كما قال المحققون إن الرسالة تثمر هداية الأمة والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم المقرر المحدد إلى العالم صح فقط والخلاف فيهما مع اتحاد محلهما وقيامهما معا بشخص واحدا ما مع تعدد المحل فلا خلاف في أفضلية الرسالة على النبوة فقط ضرورة ضم الرسالة إليها وأراد المص بالرسول ما يعم النبي على القول بأنهما مترادفان لكنه مخالف لما عليه الجمهور كما قدمنا والأملاك جمع ملك كسفر وأسفار أو جمع مألك بهمزة قبل اللام من الالوكة وهي الرسالة ثم أخرت الهمزة عن اللام وحذفت تخفيفا لكثرة الاستعمال ويجمع لي ملائك برد الهمزة ويلحقه زيادة التاء فيقال ملائكة وبه ورد القرآن الكريم وهم باتفاق العقلاء ذوات موجودة فأئمة بأنفسها واختلف في حقيقتهم فذهب جمهور المسلمين إلى أنهم أجسام لطيفة نورانية تظهر في صور مختلفة وتقوى على أفعال شاقة لا يوصفون بأنوثة ولا بذكورة وهم قسمات قسم شانهم الاستغراق في معرفة الخلاق كما وصفهم اللّه قوله يسبحون الليل والنهار لا يفترون والقسم الثاني شانهم تدبير الأمر من السماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الإلهي لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات أمرا وهؤلاء منهم سماوية ومهم أرضية على تفصيل ذكره في الطوالع وقد جاء في صفتهم من الأحاديث ما يدل على عظمهم روي أنه عليه السلام قال أتاني ملك لم ينزل في الأرض قبلها قط برسالة من ربي فوضع رجله فوق سماء الدنيا ورجله الأخرى ثابتة في الأرض لم ير قبلها وورد أن للّه ملكا يملأ ثلث الكون وملكا يملأ ثلثيه وملكا يملأ الكون وقد ورد في عظمهم ما هو فوق ذلك فإن قيل إذا ملأ أحدهم الكون أين يكون الآخر أجيب بأنهم أنوار والأنوار لا تتزاحم ألا ترى أنه لو وضع سراج في بيت ملأه نورا فلو أتيت بعده بألف سراج وسع البيت أنوارها كلها ذكره ابن عطاء عن شيخه المرسي

وأخرج الترمذي وابن ماجة والبزار من حديث أبي ذر رضي اللّه عنه مرفوعا أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد الحديث

(٥٠) 

وأخرج الطبراني من حديث جابر رضي اللّه عنه مرفوعا ما في السماوات موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع وللطبراني أيضا نحوه من حديث عائشة رضي اللّه عنها وذكر في ربيع الأبرار عن سعيد بن المسيب قال الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتوالدون

وأما ما وقع من قصة الأكل من الشجرة أنها شجرة الخلد يأكل منها الملائكة فليس بثابت وفي هذا وما ورد من القرآن رد على من أنكر وجود الملائكة من الملاحدة والأشبه ما قال الحليمي إنهم لا يكتب لهم عمل إذ الملك هو الذي يكتب فيحتاج كل ملك إلى آخر فيتسلسل ولا يحاسبون أيضا إذ لا سيئات لهم وسيأتي تفصيله

وأما الإثابة فقيل يثابون برفع التكليف عنهم ويحتمل أن يكون لهم وراء رفع التكليف نعمة أعدها لهم ولا تبلغها عقولنا فإن اللّه تعالى يقول أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وذكر القرطبي في تفسير سورة القدر أن الروح طائفة من الملائكة جعلوا حفظة على غيرهم وقول المص رحمة اللّه كرام أي أعزاء على ربهم أو عن المعاصي فهو صفة للملائكة كما قيل ولا ينافي كون الرسل عليهم السلام مكرمين أيضا بل أكرم والأظهر أن يكون صفة لكل منهما

وقوله بالنوال بالنون متعلق بالكرام

الإعراب الواو عاطفة الجملة على الجملة التي قبلها وفرض لازم يصح أن يكون مبتدأ لوجود المسوغ وتصديق رسل خبره ويصح عكسه وهو الأنسب للمحل والأملاك بالجر عطف على رسل وكرام نعمت لهما أو للثاني ونعت الأول مقدر أي تصديق رسل كرام وتصديق أملاك كرام فيكون من قبيل الاحتباك والنوال متعلق بكرام أي مكرمين بإنعام اللّه تعالى عليهم بتلك المراتب

(وحاصل معنى البيت) أنه يجب على الملك تصديق كل رسل فيما جاء به من عند اللّه ربه جل وعلا تصديقا بالغا حد الجزم والقطع بالقلب واللسان إذ تصديق البعض دون البعض تكذيب للجميع وهو كفر وقد

قال تعالى في مقام الذم والتوبيخ على من أنكر البعض ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض لكن لا يجب العلم بهم تفصيلا وإن ورد في مسند أحمد أن عدة الأنبياء عليهم السلام مئة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر بل نؤمن بهم كم كانوا لكن يجب العلم ببعضهم تفصيلا كآدم ومحمد عليهما السلام فإن اللّه تعالى أرسلهم إلى الخلق لهدايتهم إلى طريق الحق وتكميل معايشهم ومعادهم فضلا منه لا وجوبا عليه تعالى

(٥١)

وأنهم صادقون في جميع ما أخبروا عن اللّه تعالى وبلغوا عنه كما أمروا وبينوا للملكلفين ما أمروا ببيانه وأنه يجب احترامهم وتعظيمهم وأن لا نفرق بين أحد منهم وأن إرسالهم رحمة من اللّه وفضلا وحكمة وعدلا فإنه تعالى لما خلق الجنة للمؤمنين والنار للكافرين وأعد فيهما من الثواب والعقاب و تفاصيل أحوالهما وطريق الوصول إلى الأول والاحتراز عن الثاني لا يستقل به العقل وكذا خلق الأجسام النافعة والضارة ولم يجعل للعقول والحواس الاستقلال بمعرفتها وكذا جعل القضايا منها ما هي ممكنات لا طريق للجزم بأحد جانبيه ومنها ما هي واجبات أو ممتنعات لا تظهر للعقل إلا بنظر دائم وبحث كامل بحيث لو اشتغل الإنسان لتعاطى أكثر مصالحه فكان من فضل اللّه تعالى ورحمته إرسال الرسل لبيان ذلك كما

قال اللّه تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فيكونون وسائط بين الحق والخلق قال شارح وقال السمنية والبراهمة إرسال الرسل محال لأنه لو أتى بما يقتضي العقل ففي العقل غنية عنه ولو آتي بخلاف مقتضى العقل فالعقل يرده ويحيله قلنا إن الرسل يأتي بما يقصر العقل عن دركه إذ قضايا العقل ثلاثة أقسام واجب وممتنع وجائز والعقل يحكم بالواجب والممتنع ولكن يتوقف في الجائز فلا يحكم فيه بشئ إلا بعد أن يقف على أن ذلك مما يتعلق به عاقبة حميدة أو ذميمة وذلك لا يصح إلا ببيان الرسول لأنه الواقف من اللّه تعالى على عواقب الأمور فلا نسلم حينئذ أن في العقل غنية عن إتيان الرسول ويجوز أن يكون تيسيرا للأمر للعاقل لئلا تتعطل أكثر مصالحه بملازمة التفكر والبحث الكامل في إدراك المقصود فيكون التنبه منه على ذلك بواسطة الرسول تنبيه قدم المص رحمه اللّه الرسل على الملائكة إشارة إلى القول الأصح من أنهم أفضل من الملائكة مطلقا وقد ذكروا في الأفضلية طرقا الأولى طريقة ابن الحاجب وجماعة من الأشاعرة وأهل الحديث والتصوف أنهم أفضل من الملائكة العلوية والسفلية وعلى هذا جمهور أهل السنة

لقوله تعالى إن اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين والملائكة من جملة العالمين وإن الملائكة ولو غير العلوية أفضل من غير الأنبياء من البشر ولو كان وليا كأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ويقابله قول بعض من أهل السنة كالباقلاني والحليمي بأفضلية الملائكة العلوية والسفلية على الأنبياء أي ما عدا نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم لأنه أفضل من الملائكة إجماعا

(٥٢)

والمراد إجماع من يعتد بإجماعهم وما وقع في الكشاف في تفسير

قوله تعالى إنه لقول رسول كريم الآية من أفضلية جبرائيل على نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم فهو فرية اعتزالية الثانية طريقة الأوحدي والبيضاوي في قصر الخلاف على الملائكة العلوية

وأما السفلية فلا خلاف في أن الأنبياء أفضل منهم

لقوله تعالى يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض

وقوله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا الثالثة طريقة الإمام الماتريدي وهي الراجحة عندنا إن خواص البشر وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة كجبرائيل وميكائيل وخواص الملائكة أفضل من عامة البشر

والمراد بهم الصلحاء كالإمام أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما وعامة البشر أفضل من عامة الملائكة وهم غير المرسل منهم كحملة العرش والكروبيين وأفضل الملائكة جبرائيل عليه السلام كما جزم به المحققون

وقال بعضهم إسرافيل عليه السلام وسيأتي تمامه إن شاء اللّه تعالى قال الناظم رحمه اللّه