٢٢وَمَا اِنْ فِعْلُ اَصْلَحْ ذُوافْتِرَاضٍ عَلَي الْهَادِي الْمُقَدَّسْ ذِي التَّعَالِي يعني أن فعل الصلاح أو الأصلح للعبد ليس واجبا على اللّه تعالى لأنه تعالى مالك والمالك يتصرف في مملوكه كيف يشاء فإن فعل به الأصلح له كان إحسانا منه وفضلا وإن فعل به ما هو شر له كان حكمة منه وعدلا لأن وجوب فعل الأصلح عليه تعالى يوجب إبطال منته وتفضله واستحقاق شكره في الهداية وإفاضة أنواع الخير إذ من (٤٦) أدى حقا واجبا عليه لا يكون له فيه منة وهو باطل لقوله تعالى لقد من اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا الآية وقوله تعالى بل اللّه يمن عليكم أن هداكم للإيمان وفيه رد على معتزلة بغداد القائلين بوجوب الأصلح عليه تعالى بمعنى الأرفق للعبد في الدارين في الحكمة والتدبير وعلي معتزلة البصرة القائلين بأن الواجب عليه ما هو الأنفع في الدارين واتفق الفريقان على وجوب الأقدار والتمكن وفساد أصولهم في ذلك أشهر من أن يذكر لما يلزم عليها من الفساد الناشئ عما ارتكبوه من العناد إذ لو كان كما زعموا لما خلق اللّه الكافر الفقير في الدنيا المعذب في الآخرة ولما كان امتنانه تعالى على النبي صلى اللّه عليه وسلم فوق امتنانه على أبي جهل لعنه اللّه إذ فعله تعالى لكل منهما غاية مقدوره من الأصلح له ولما كان لسؤال العصمة والتوفيق وكشف الضر والبسط في الخصب والرخاء معنى لأن ما لم يفعله في حق كل أحد فهو مفسدة له يجب على اللّه تعالى تركها ولما بقي في قدرته تعالى بالنسبة إلى مصالح العباد شئ إذ قد أتى بالواجب وكل ذلك ظاهر البطلان ومولانا القادر على كل شئ منزه عنه ولذا ترك الأشعري مذهب أستاده أبي علي الجبائي حين قال له ما تقول في ثلاثة أخوة مات أحدهم مطيعا والثاني عاصيا والثالث لا يثاب ولا يعاقب قال الأشعري فإن قال الثالث يا رب لم أمتني صغيرا وما أبقيتني إلى أن أكبر فأؤمن بك وأطيعك فأدخل الجنة فقال يقول الرب كنت أعلم أنك لو كبرت لعصيت فدخلت النار فكان الأصلح أن تموت صغيرا فقال الأشعري فإن قال الثاني يا رب لم لم تمتني صغيرا لئلا أعصيك فلا أدخل النار ماذا يقول الرب فبهت الجبائي فترك الأشعري مذهبه واشتغل هو ومن تابعه بإبطال رأي المعتزلة وإثبات ما ورد به الكتاب والسنة ومضى عليه الجماعة فسموا أهل السنة والجماعة تنبيه نقل بعض محشي العقائد أن المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار: الأشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن أبي عبد اللّه أبي بردة بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو أول من خالف أبي علي الجبائي ورجع عن مذهبه كما تقدم وفي ديرا ما وراء النهر: الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجرجاني صاحب أبي (٤٧) سليمان الخوزجاني تلميذ محمد بن الحسن الشيباني من أصحاب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي اللّه عنه وما تريد قرية من قرى سمرقند وأراد المص رحمه اللّه بالافتراض في البيت مطلق اللزوم الشامل للواجب ولما فعله أولى أي ليس ذلك متعينا على اللّه تعالى بوجه من الوجوه والهادي من أسمائه تعالى أي خالق الاهتداء والمشهور عند المعتزلة الهداية هي الدلالة الموصلة إلى المطلوب وعندنا الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب حصل الوصول والاهتداء أو لم يحصل كذا قاله العلامة رحمه اللّه في شرح العقائد وأورد أن كلا من القولين منقوض أما الأول فمنقوض بقوله تعالى وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدي وأما الثاني فمنقوض بقوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت واحتمال التجوز مشترك ولا يندفع بقول من قال إنها تطلق تارة ويراد بها خلق الاهتداء ك قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت وتارة يراد بها مجرد البيان ك قوله تعالى وأما ثمود فهديناهم * وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم فتدبر قال في شرح أسماء الحسنى والهادي من أسمائه تعالى الحسنى ومعناه الدال عباده قاطبة إلى الإيمان والتوحيد بإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الآيات في الآفاق والأنفس كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين أنه الحق والمؤمنين خاصة إلى الأعمال الصالحة والملكات الفاضلة والأحوال السنية بلطف توفيقه وحسن إرشاده وتعليمه للاستهداء بقوله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم والسالكين خاصة إلى التحقيق بحقائق الأسماء والصفات والتمكن في مقامات التجليات والتوصل إلى حضرة الحضرات بجذبات عنايته ولمعات هدايته كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والمتخلق باسم الهادي نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم أصالة وكذلك سائر الأنبياء عليهم السلام كل منهم في نوبته ثم ورثة الأنبياء الداعون للخلق إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر اللّه تعالى نبيه أصالة وورثته تبعا بقوله ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أي خاصمهم وناظرهم بوجه حسن والرفع شبههم وشكوكهم بوجه لا يؤدي إلى العتو والعناد انتهى والمقدس مأخوذ من القدس بضم الدال وسكونها وهو الطهارة أو الإبعاد عن الأكدار يقال قدس في الأرض إذا ذهب فيها وبعد ولا تنافي بين المعنيين إذ الطهارة ترجع إلى البعد لأنها التنزه عن الأقذار حسية أو معنوية ومنة أدخلوا الأرض المقدسة أي (٤٨) المطهرة ومنه القدوس من أسمائه تعالى الحسنى ومعناه المطهر أي المنزه عما عدا خصائص الوجوب الذاتي والألوهية وعن التصور بالصور الحسية والخيالية والعقلية وسائر الأحكام الامكانية والطبعية في مرتبة الأحدية لا يحوم حول حمى حقيقته إدراك غيره وأما في مرتبة الواحدية فطاهر عن أن يشاركه في وجوب الوجود أو في الوجود غيره وعن أن يوجد شئ خارج عن حيطته فهو طاهر من أن يقدسه المقدسون بحق تقديسه كما أنه متعال عن أن يعرف حقيقة ذاته العارفون والمتخلق بهذا الاسم المتطهر من أرجاس الذنوب والآثام واختيار المص هذين الاسمين من قبيل مراعاة النظير باعتبار المقام كما لا يخفي على ذوي الأفهام العراب ما نافية وإن زائدة وفعل بالرفع اسم ما أو مبتدأ ولك فيه وجهان التنوين مع نقل حركة همزة أصلح إليه للضرورة وأصلح بالرفع صفة له أو بغير تنوين مضاف إلى أصلح من إضافة المصدر إلى مفعوله وأصلح مجرور بالفتح لعدم صرفه وذا بالنصب خبر ما على أنها عاملة أو بالرفع على أنه خبر فعل أصلح وعلى كل من الوجهين فهو بمعنى صاحب مضاف إلى افتراض وعلى الهادي متعلق بافتراض والمقدس صفة للّهادي وكذا ذي التعالي (وحاصل معنى البيت) إنه يجب على الموحد أن يعتقد أن فعل ما هو الأصلح للعبد ليس بواجب على اللّه تعالى الذي بيده أمر الضلالة والهداية بل هو فعال لما يريد يضل من يشاء ويهدي من يشاء إذ الكل عبيده فيتصرف فيهم كيف يشاء والهداية منه فضل والضلالة منه عدل وتقدس أن ينسب إليه وجب عليه ثم لما انتهى الكلام على ما يتعلق بالإلهيات شرع يتكلم على النبوات وما يتبعها فقال الناظم رحمه اللّه |