٢١فَيَنْسَوْنَ النَّعِيمَ اِذَا رَاَوْهُ فَيَاخُسْرَانَ اَهْلِ الْاِعْتِزَالِ يعني أن المؤمنين إذا رأوا ربهم في الجنة ينسون نعيمها وقصورها وما أعد لهم فيها من الخيرات مما لأعين رأت ولا أذن سمعت إذ كل ذلك في جنب لقاء الرب الكريم كخردلة بالنسبة إلى الكنز العظيم وقد روي الإمام هشام عن الحسن أنه قال إن اللّه عز وجل ليتجلى لأهل الجنة فإذا رأوه نسو نعيم الجنة وما أعد لهم فيها وأشار بقوله فيا خسران ا ه إلى أن المعتزلة في تلك الحالة يكونون خاسرين متحسرين لاحتجابهم عن رؤيته تعالى ومنعهم عن تلك النعمة العظيمة لأنهم أنكروا الرؤية فحرموها علما بزعمهم ومجازاة لهم قال علي قاري رحمه اللّه وفي البيت إشارة إلى حرمان المعتزلة عن الرؤية وإن دخلوا الجنة وذلك بإنكارهم جزاء وفاقا لإصرارهم وللحديث القدسي أنا عند ظن عبدي بي انتهى قال شيخنا فأفاد أن المعتزلة يدخلون الجنة ولايحرمونها لأن الاعتزال كبيرة والكبيرة لا توجب الخلود في النار انتهى وفيه نظر لأن المص رحمه اللّه إن أراد بأهل الاعتزال هؤلاء الذين لا يكفرون ببدعتهم فيكونون منابذا لإطلاقهم في البيت المتقدم في قوله يراه المؤمنون لأن هؤلاء مؤمنون عاصون فكان الواجب التنصيص على (٤٤) التخصيص وبيان الدليل وإن أراد بهم مطلق المعتزلة أو الذين يكفرون ببدعتهم فيصح إطلاقه المتقدم ويبطل ما قاله الشيخان المذكوران ويكون المراد حقيقة الخسران في قوله فيا خسران أهل الاعتزال قال شارح قال الجوهري خسرت الشئ بالفتح وأخسرته: نقصته والخسار والخسارة والخسرى: الضلالة والهلاك يقال الهالك خاسر لأنه خسر نفسه وأهله يوم القيامة ومنع منزلته من الجنة إذا علم ذلك فإن كان الناظم من القائلين بكفرهم انخرط كلامه في سلك هذا المعنى الذي ذكر للخسران وإن لم يره وهو الراجح فمراده أصل معنى الخسران لإتمامه فتأمل وروي عن عمر رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعائشة رضي اللّه عنها إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا إنما هم أصحاب البدع والأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء فليس لهم توبة وأنا برئ منهم وهم برءاء منا وفي الحديث وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة رواه أبو داود والترمذي وجاء هذا الحديث في بعض الروايات فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وقال بعض المفسرين، المغضوب عليهم: هم أهل البدعة وعن عطاء الخراساني لما نزل قوله تعال ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما صرخ إبليس صرخة عظيمة اجتمع عليه جنوده من أقطار الأرض قائلين ما هذه الصرخة التي أفزعتنا قال أمر أنزل بي لم ينزل قط أعظم منه قالوا وما هو فتلا عليهم الآية وقال هل عندكم من حيلة قالوا ما عندنا حيلة فقال اطلبوا وإني سأطلب قال فلبثوا ما شاء اللّه ثم صرح صرخة أخرى أعظم من الأولى فاجتمعوا عليه وقالوا ما هذه الصرخة التي أعظم من الأولى قال هل وجدتم شيئا قالوا لا قال لكني وجدت قالوا وما وجدت قال أزين لهم البدع حتى يتخذوها دينا ثم لا يتوبون ولا يستغفرونه فأبلغ المقصود وجاء في الحديث أبي اللّه أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته وأخرج أبو نعيم: أهل البدعة شر الخلق والخليقة وهما مترادفان وقيل المراد بالأول البهائم وبالثاني غيرهم وأخرج غيره أصحاب البدع كلاب النار قال بعض المحققين واعلم أن أهل البدعة سبعة: المعتزلة القائلون بأن العباد خالقوا أفعالهم وهم الذين ينفون الرؤية ويقولون بوجوب الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة الثانية الشيعة المفرطون في محبة علي كرم اللّه وجهه ورضي اللّه عنه (٤٥) وهم اثنان وعشرون فرقة الثالثة الخوارج المفرطة المكفرة المؤمن أذنب ذنبا كبيرا وهم عشرون فرقة الرابعة المرجئة القائلون بأنا لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم خمس فرق الخامسة النجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال وللمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام وهم ثلث فرق السادسة الجبرية القائلون بسلب الاختيار عن العباد وهم فرقة السابعة المشبهة الذين يشبهون الخالق بالخلق وهم فرقة أيضا فتلك اثنان وسبعون فرقة كلهم في النار والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة كما ورد ستفترق أمتي من بعدي على بضع وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهي من كان على ما أنا عليه وأصحابي وقدمناه فإن قلت فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله عليه السلام لا تجتمع أمتي على الضلالة قلت المراد بالأول أمة الدعوة وبالثاني أمة المتابعة فافهم الإعراب فينسون عطف على يراه المؤمنون وفاعل ينسون ضمير مستتر يرجع إلى المؤمنين والنعيم مفعوله والمراد به الجنة وما أعد لهم فيها كما مرا أو نفس التنعم بذلك وإذا وقتية وقوله فيا خسران منادى منصوب مضاف إلى أهل وهو نداء عليهم بالخسران أو منصوب بفعل مقدر والمنادى محذوف أي يا قوم احذروا خسران أهل الاعتزال وحرمانهم من النعمة الكبرى بما أسلفوه قال شيخنا تبعا لغيره وقول الشارح المقدسي أنه متبدأ سوغ الابتداء به وصفه تقديرا أي يا خسران عظيم غير مستقيم وفيه نظر إذ لا مانع من ذلك فقد جوزوا الابتداء بالنكرة الموصوفة تقديرا كما قالوا شرا أهر ذا ناب ذكره العلامة رحمه اللّه في المختصر ردا لمذهب السكاكي فعلم به أنه يجوز في خسران الرفع على جعل المنادى محذوفا أي يا قوم خسران عظيم كائن لأهل الاعتزال لأن الخسران من قبيل المشكك يطلق على فوات بعض الشئ وعلى فوات كله كما قدمنا واللّه أعلم وأحكم قال الناظم رحمه اللّه |