Geri

   

 

 

İleri

 

٢٠

يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ بِغَيْرِكَيْفٍ وَاِدْرَاكٍ وَضَرْبٍ مِنْ مِثَالِ

الضمير البارز في يراه لغير مذكور لكنه معلوم ذهنا بقرينة المقال أو المذكور إجمالا في قوله ونعمى إذا أراد بها رؤيته تعالى على ما قدمنا والكيف: ما هو من صفات الأجسام وتوابع المزاج والتركيب والحرارة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك سمي كيفا لأنه يسئل عنه بكيف هو فيقال أحمر أو أصفر وغير ذلك كما علم في المقولات العشرة وإدراك الشئ العلم بحقيقته على ما هو عليه وضرب المثال أراد به نوعا من المثل أي التشبيه يعني أنه اتفق أهل السنة والجماعة على أن لقاء اللّه تعالى ورؤيته لأهل الجنة في دار الآخرة حق ثابت بدليل قطعي والعقل أيضا يجوز ذلك فهو ممكن سمعا وعقلا خلافا لمن أنكر ذلك ممن أضله اللّه فيجب اعتقاد أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة قبل دخولهم الجنة وبعده بعين الرأس بالشبه ولا كيف ولا إدراك حقيقة ونهاية وإحاطة ومماسة ولا في مكان أو على مكان بل كما عرفوه في الدنيا عقلا

وقوله تعالى لا تدركه الأبصار إنما ينفي الإدراك ولا ينفي نفس الرؤية ولا يلزم من نفيه نفيها ثم إن استدلال أهل الحق على إمكان الرؤية بوجهين عقلي وسمعي ردا على من أنكر وقوع الرؤية لكن أطبق المحققون على أن إثبات صحة الرؤية بالأدلة العقلية لا يخلو من شوب والمعتمد في ذلك هو السمع وهو مختار الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي ولذا اقتصر كثير من المحققين في الاستدلال على الأدلة السمعية التي أقواها

قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فهي صريحة في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ومن الأحاديث الشاهدة على ذلك قوله عليه السلام إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر يوم القيامة وهو حديث مشهور رواه أحد وعشرون من أكابر الصحابة رضي اللّه عنهم وزيد في رواية لا تضامون في رؤيته أي لا تشكون

(٤١)

وفي رواية لا تضارون كما في شرح الحنفي وفي شرح ابن الفرس ما ثبت في الصحيح من قوله عليه السلام إنكم سترون ربكم كما ترون هذا يعني القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته أي لا يحصل لكم في رؤية ربكم أي ظلمة ضيم ولا ضرر يمنعكم من ذلك انتهى فعلي هذا تكون الرواية الأولى بالمعني أو هي رواية أخرى ولأن موسى عليه السلام قد سأل ربه الرؤية

بقوله رب أرني أنظر إليك فلو لم تكن ممكنة لكان طلبها جهلا بما يجوز في ذات اللّه تعالى وما لا يجوز وطلبا للمحال أو سفها أو عبثا بعد أن عرفه حق المعرفة والأنبياء عليهم السلام منزهون عن ذلك ولأنه علق الرؤية باستقرار الجبل أو استقراره أمر ممكن في نفسه والمعلق بالممكن ممكن لأن معناه الإخبار بثبوت المعلق عند ثبوت المعلق عليه والمحال لا يثبت على شئ من التقادير الممكنة قال العلامة رحمه اللّه في شرح العقائد وقد اعترض هذه بوجوه أقواها أن سؤال موسى عليه السلام كان لأجل قومه حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فسأل ليعلموا امتناعها كما علمه هو وبانا لا نسلم أن المعلق عليه ممكن بل هو استقرار الجبل حال الحركة وهو محال وأجيب عنه بأن كلا من ذلك خلاف الظاهر ولا ضرورة في ارتكابه على أن القوم إن كانوا مؤمنين كفاهم قول موسى عليه السلام إن الرؤية ممتنعة وإن كانوا كفارا لم يصدقوه في حكم اللّه تعالى بالامتناع وأيا ما كان يكون السؤال عبثا والاستقرار حال الحركة أيضا ممكن بأن يقع السكون بدل الحركة إنما المحال اجتماع الحركة والسكون معا آه وحاصله أنه أجمع أهل الحق على وقوع الرؤية في الآخرة وأن الآيات والأحاديث الواردة محمولة على ظواهرها ثم ظهرت مقالة المخالفين وشاعت شبههم الفاسدة وتأويلاتهم الباطلة كقولهم إن الرؤية مشروطة بكون المرئي في مكان وجهة ومقابلة من الرائي وبثبوت مسافة واتصال شعاع وكل ذلك محال في حقه تعالى وأجيب مع ما تقدم بمنع هذا الاشتراط فإنه تعالى يرى لا في مكان ولا تدرك ذاته فإنه تعالى يتجلى لأهل الجنة ويريهم ذاته في حجاب صفاته لأنهم لا يطيقون رؤية ذاته بلا حجاب وقياس الغائب على الشاهد فاسد قال الإمام في الإحياء رحمه اللّه إن الرؤية نوع كشف وعلم إلا أنها أوضح وأتم من العلم فإذا جاز تعلق العلم به ليس في جهة جاز تعلق الرؤية من غير جهة وكما جاز أن يعلم بغير كيفية وصورة جاز أن يرى كذلك وما ذكروا من الشروط إنما هي في رؤية الموجودات المحسوسة وقياس الغائب عن الحس وهو اللّه تعالى على الشاهد في الحس فاسد ودليلهم من السمعيات

(٤٢)

لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار

والجواب أولا بأن أل في الأبصار للجنس فيصدق بالبعض ولو سلم كون الأبصار للاستغراق وإفادة عموم السلب لا سلب العموم وكون الإدراك هو الرؤية مطلقا على وجه الإحاطة بجوانب المرئي أنه لا دلالة فيه على عموم الأوقات والأحوال فيجوز أن يكون المنفي الرؤية في الدنيا لا في الآخرة وهو المطلوب وقد يستدل على جواز الرؤية إذ لو امتنعت مطلقا لما حصل التمدح بنفيها كالمعدوم لا يمدح بعدم رؤيته لامتناعها وإنما التمدح أن يمكن رؤيته ولا يرى للتمنع والتعزز بحجاب الكبرياء وإن جعلنا الإدراك عبارة عن الرؤية على وجه الإحاطة بالجوانب والحدود فدلالة الآية على جواز الرؤية بل تحققها أظهر لأن المعنى أن اللّه تعالى مع كونه مرئيا لا يدرك بالأبصار لتعاليه على التناهي والاتصاف بالحدود والجوانب ومن أدلتهم أن الآية الواردة في سؤال الرؤية مقرونة بالاستنكار والاستعظام

والجواب إن ذلك لتعنتهم وعنادهم في طلبها لا لامتناعها وإلا لمنعهم موسى عليه السلام عن ذلك كما فعل حين سألوه أن يجعل لهم آلهة فقال بل أنتم قوم تجهلون فهذا مشعر بإمكان الرؤية في الدنيا أيضا وبهذا اختلفت الصحابة رضي اللّه عنهم في أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج والاختلاف في الوقع دليل الإمكان كما سيأتي

الإعراب يراه مضارع من الرؤية البصرية والضمير البارز في محل نصب مفعوله عائد إلى اللّه والمؤمنون فاعل يرى وبغير كيف متعلق بيرى ومحله نصب على الحال اللازمة من مفعول يرى أو صفة للرؤية المقدرة المفهومة من يرى والتقدير يرى المؤمنون ربهم حال كونه مغايرا للكيفيات وإدراك عطف على كيف وكذا ضرب

والمراد به النوع أو ضرب المثل والمثال الصورة ومن زائدة أي بغير تشبيه وتصوير تتمة رؤية اللّه تعالى في الدنيا هل هي جائزة عقلا يقظة ومناما تردد فيه الأئمة فمنهم من قال بالجواز ومنهم من قال بالمنع ومنهم من توقف ثم الراجح إن نبينا صلى اللّه عليه وسلم رأى به بعين رأسه ليلة المعراج مرة أو مرتين على الخلاف بدليل

قوله تعالى ثم رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى

وأما غيره فقد قال في الشيبانية و ومن قال في الدنيا يراه بعينه فذلك زنديق طغى وتمردا

وأما في المنام فذهب طائفة إلى أن رؤيته في المنام مستحيلة لأنه لا يرى في المنام إلا خيال ومثال وصورة وكلها على اللّه محال وجوز ذلك جماعة من غير كيفية وجهة ومقابلة ونقل ذلك عن كثير من السلف أنه رأى ربه في المنام منهم عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه وحكي ذلك عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه وعن أبي يزيد أنه قال رأيت ربي في المنام فقلت له كيف

(٤٣)

الطريق إليك فقال اترك نفسك ورآى ابن الحمزة القارئ أنه قرأ القرآن على اللّه تعالى من أوله إلى آخره في المنام حتى بلغ

قوله تعالى وهو القاهر فوق عباده فقال تعالى قل يا حمزة وأنت القاهر قيل هذا إنما يدل على أنه كليم اللّه لا على رؤيته ولا خفاء أن الرؤية في المنام نوع مشاهدة تكون بالقلب دون العين وهل رؤيته تعالى في الآخرة خاصة بالبشر فقيل نعم وإن الملائكة والجن لا يرون لأن الوجوه الموصوفة بالنضارة في الآية إنما هي وجوه البشر

وقيل يراه الملائكة أيضا وهو الأرجح وعليه الجمهور

وقيل وكذا مؤمنوا الجن على ما نقله على قاري في شرحه ثم قال وفي النساء أقوال أحدها إنهن لا يرينه لأنهن مقصورات في الخيام ولا يخفى ضعفه الثاني إنهن يرينه أخذا من عمومات النصوص وهو الظاهر وتمامه فيه

وأما الكفار فإنهم عن رؤيته تعالى محجوبون بلا خلاف

وقيل إنهم يرونه مرة ثم يحجبون ليكون ذلك أشد حسرة عليهم كم أنكر الرؤية من المعتزلة واللّه تعالى أعلم قال الناظم رحمه اللّه