Geri

   

 

 

İleri

 

٢٦

وَ بَاقٍ شَرْعُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ اِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَارْتِحَالِ

باقي كقاض اسم فاعل من البقاء بمعنى الدوام والشرع شرعا وضع إلهي لما يتعرف العباد منه أحكام عقايدهم وأفعالهم وأقوالهم يترتب عليه صلاحهم في الدارين فذلك الموضوع بالوضع الإلهي هو الشريعة وهي فعيلة بمعنى مفعولة ويطلق الشرع أيضا بهذا المعني على ذلك الموضوع من إطلاق المصدر على اسم المفعول كما هو المراد ههنا وأصل معنى الشرع الإظهار من شرع إذا أظهر ومنه الشريعة للطريقة الظاهر المسلوك فالمناسبة بين المنقول منه والمنقول إليه ظاهرة والشريعة والملة والدين ألفاظ مترادفة ويوم القيامة هو المشهود سمي به لأن الناس يقومون فيه ثلاثمائة سنة لا يأتيهم فيها خبر وعن أبي سعيد الخدري أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وورد في الحديث حساب أمتي كركعتي الفجر

وقيل سمي به لأن الناس يقومون فيه من قبورهم والارتحال من الرحلة بالكسر وهي الانتقال من مكان إلى آخر ومنه رحلة الشتاء والصيف

والمراد هنا الرحلة الكبرى وهي انتقال الناس من الدنيا إلى الآخرة العراب باق خبر مقدم وشرعه مبتدأ مؤخر وفي كل وقت متعلق بالخبر وهو كالتأكيد إذ يلزم من بقائه ممتدا إلى يوم القيامة بقاؤه في كل وقت إذ قوله إلى يوم القيامة غاية لبقاء شرعه وارتحال عطف على القيامة أو على يوم القيامة عطف تفسير أي وإلى يوم ارتحال لقوله عليه السلام القبر أول منزل من منازل الآخرة

(وحاصل معنى البيت) إن شريعة نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم باقية على الدوام مستمرة إلى يوم القيامة ولا يرد نزول عيسى عليه السلام كما قدمنا وسيأتي وهذا من أعظم خصائص نبينا صلى اللّه عليه وسلم فإن شريعته نسخت جميع الشرايع مع استمرارها إلى يوم

(٥٨)

القيامة وما خص به صلى اللّه عليه وسلم في ذاته وصفاته وأفعاله وأحواله وشريعته وأمته يكاد أن لا يحصى وقد جمع بعضهم في مؤلف على حدة لا يسعه هذا المختصر كانشقاق القمر ومجئ الشجر وتسبيح الحصى وكلام البهائم ونبع الماء بين أصابعه الشريفة والمعراج ورؤية ربه في الدنيا كما سيأتي وغير ذلك وكذا ما نقل من أوصاف حليته ولطف خلقته ومحاسن صورته ومكارم أخلاقه وجميل مكارمه وأفعاله وصفاته وهذه وأن يشاركه في بعضها غيره من الأنبياء عليهم السلام إلا أنه لم تجتمع جميعها في أحد قط لا قبله ولا بعده وقد روي أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان كلما نظر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في صغره وتأمل في أوصافه يقول ما خلق هذا إلا لأمر عظيم فلما دعاه إلى الإسلام قال هذا الذي كنت أرجو منك حتى في اسمه عليه السلام كما قال مادحة بيت:

وشق له من اسمه كي يجله * فذو العرش محمود وهذا محمد وقرن اسمه باسمه في كلمة الشهادة: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ورفع ذكره

بقوله تعالى ورفعنا لك ذكرك وكمال رفع ذكره استمراره إلى يوم القيامة وذلك ببقاء شريعته المؤيدة بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الدال على صدق دعواه فيما جاء به من عند اللّه المرشد إلى الإيمان في كل وقت وزمان فهو من أعظم خصائصه عليه السلام

وأما من قبله من الأنبياء عليهم السلام فخصه اللّه من المعجزات بما يثبت به دعواه بحسب زمانه فإذا انقضى زمانه انقضت معجزاته كقلب العصى حية وإخراج اليد بيضاء في زمن موسى عليه السلام لأن الغلبة فيه كانت بالسحر فأتاهم بما هو فوق ذلك وفي زمن سليمان عليه السلام كانت بالملك فأتاهم بملك لم ينله غيره وفي زمن عيسى عليه السلام كانت بالطب فأتاهم بما هو أبهر منه أعني إحياء الموتى وفي حديث النجاري ما من نبي إلا أعطى ما بمثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللّه تعالى إلى وفي معناه قولان غير متنافيين يرجع حاصلهما إلى أن معجزات الأنبياء عليهم السلام انقرضت بانقراض أعصارهم مع كونها حسية تشاهد بالأبصار كعصاة وناقة صالح فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة تشاهد بالبصيرة فيشاهدها كل من جاء بعد الأول وإنما كان أكثر معجزات الأمم السابقة حسية لبلادتهم وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية لفرط ذكائهم وشدة أفهامهم واللّه أعلم. قال الناظم رحمه اللّه:

(٥٩)