Geri

   

 

 

İleri

 

٢٥

اِمَامُ الْاَنْبِيَاءِ بِلَا اخْتِلَافٍ وَتَاجُ الْاَصْفِيَاءِ بِلَا اخْتِلاَلِ

الإمام هو المقتدى به إما حسا كإمام الصلاة أو معنى كالعالم والسلطان ونبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم قد جمع بينهما في الأنبياء عليهم السلام أما الأولى فقوله عليه السلام: ليلة أسري بي

(٥٤)

جمعت لي النبيون وأذن جبرائيل وأقام وصليت بهم فصلى خلفي الملائكة وأرواح الأنبياء وخبر أنه صلى بهم ركعتين ببيت المقدس قبل عروجه إلى السماء

وأما الثاني فقوله عليه السلام: ما من نبي آدم فمن صواه إلا تحت لوائي يوم القيامة والاختلاف ضد الاتفاق وحقيقته في الأحكام وقد يكون رحمة وقد يكون ظلمة والثاني كاختلاف المعتزلة والأول كما في حديث رواه الأصوليون والفقهاء لا يعرف من خرجه وإنما نقله ابن الأثير: اختلاف أمتي رحمة والتاج الزينة التي توضع على الرأس وهي أشرف أنواع الحلي لشرف محلها ولذا شبه به صلى اللّه عليه وسلم والأصفياء جمع صفي مأخوذ من الصفوة وهي الخلوص من شوائب الكدورات وصفوة كل شئ أحسنه

والمراد بهم الصافون عن الكدورات النفسية الموصوفون بالحالات القدسية والمقامات الأنسية أو الذين اصطفاهم اللّه تعالى أي اختارهم من جميع المخلوقين وفضلهم على جميع العالمين فهم صفوة البشر إذا البشر أربعة أقسام: كامل مكمل أكمل وهو نبينا صلى اللّه عليه وسلم وكامل مكمل وهم بقية الأنبياء عليهم السلام وكامل غير مكمل وهم الأولياء والصالحون ولا كامل وغير مكمل وهم من عداهم والاختلال افتعال من الخلل بمعنى أنه صلى اللّه عليه وسلم تاج الأنبياء حقا يقينا لا خلاف ولا اختلال في هذا القول بين أهل السنة والجماعة

الإعراب إمام بالجر مضاف إلى الأنبياء صفة لنبي في البيت السابق أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف وبلا اختلاف في محل رفع خبر مبتدأ محذوف أي وذلك بلا اختلاف وإعراب المصراع الثاني كإعراب الأول على الاحتمالين سواء بسواء

(وحاصل معنى البيت) أنه يجب اعتقاد أن نبينا صلى اللّه عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين والخلائق أجمعين أما فضلة على الأنبياء فل

قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس ولا شك أن خيرية الأمة على غيرها من الأمم إنما هو بحسب أكمليتهم في الدين وهي تابعة لأكملية نبيهم الذي يتبعونه والاستدلال

بقوله صلى اللّه عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر، لا يفيد تصريحه أنه أفضل من آدم إذ لا يفيد أفضليته عليه بل على أولاده وإنما يفيده قوله عليه السلام أنا سيد الناس يوم القيامة زاد في مسند أحمد ولا فخر

وقوله عليه السلام أنا أكرم الأولين والآخرين على اللّه ولا فخر أي ولا فخر أعظم من ذلك

وقوله عليه السلام أنا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر أي أقول ذلك شكرا لا فخرا ولا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي يوم القيامة فمن آخر هذا وصريح الأولين علمت أفضليته على آدم

وقوله أنا سيد ولد آدم أما للتأدب مع آدم أو لأنه علم فضل بعض بنيه عليه كإبراهيم عليه السلام ومحمد صلى اللّه عليه وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام

(٥٥)

فإذا فضل نبينا من آدم فقد فضل على آدم بالأولى ولفظ ولد في الحديث يشمل الواحد والجماعة فاندفع ما قيل إنه لا يقتضي العموم إلا لو قيل أولاد وقال ابن عباس رضي اللّه عنه إن اللّه تعالى فضل محمد صلى اللّه عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء عليهم السلام

وأما حديث الصحيحين لا تخيروني على موسى وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى فمحمول على التواضع أو على أنه قبل أن يعلم أنه أفضل الخلق أو أن النهي محمول على النهي عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص بعضهم فإنه كفرا أو عن تفضيل في نفس النبوة التي لا تفاوت فيها والتفاوت إنما هو في مراتب الكمال وكمال الصفات والأعمال حكي عن أبي المعالي أنه سئل في مجلسه عن الدليل على أنه اللّه تعالى لا يوصف بالجهة ولا بحدودها فقال نعم قوله صلى اللّه عليه وسلم لا تفضلوني على يونس بن متى فقال السائل إني أريد أن أعرف وجه الدليل فقال إن اللّه تعالى أسري بعبده إلى فوق سبع سماوات حتى سمع صرير الأقلام فلم يكن سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم في علو مكان بأقرب إلى اللّه تعالى من يونس في بعد مكانه فإن اللّه تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام وإنما يتقرب إليه بأحسن الأعمال انتهى ولا شك أنه صلى اللّه عليه وسلم لم يدانه أحد من الخلق في استجماع جميع الكمالات لما تواتر من أحواله قبل النبوة وحال الدعوة وبعد تمامها ولا في أخلاقه العظيمة وأحكامه الحكيمة وإقدامه من حين تهجم به الأبطال وولوعه وتمسكه بعصمة اللّه تعالى في جميع الأحوال وثباته على حالة واحدة لدى الوقائع والأهوال بحيث لم يجد أعداؤه مع شدة عداوتهم وحرصهم على الطعن فيه مطعنا ولا إلى القدح فيه سبيلا مع الاستمرار فيه على ذلك ثلاثة وعشرين سنة حتى أظهر اللّه دينه على سائر الأديان ونصره على أعدائه وأحيى آثاره بعد موته صلى اللّه عليه وسلم إلى يوم القيامة ببقاء شريعته وقد ادعى ذلك الأمر العظيم بين أظهر قوم لا كتاب لهم ولا حكم معهم وبين لهم الكتاب والحكمة وعلمهم الأحكام والشرائع وأتم لهم مكارم الأخلاق الجميلة وأكمل كثيرا من الناس في الفضائل العلمية والعملية ونور العالم بالإيمان ونور التوحيد والعمل الصالح وأظهر اللّه دينه على الدين كله كما وعده ونسخ بشريعته سائر الشرائع إلى غير ذلك مما لا يحصره العد والعقل يجزم بامتناع اجتماع هذا المجموع في غيره من المخلوقين فهو أفضل المخلوقين وحبيب رب العالمين والحبيب فوق الخليل على الراجح لخبر البيهقي: أن اللّه تعالى قال ليلة الإسراء يا محمد سل تعط فقال يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما فقال ألم أعطك

(٥٦)

خيرا من هذا إلى قوله واتخذتك حبيبا أو ما في معناه ولأن الحبيب وصل بلا واسطة بخلاف الخليل

وقال تعالى في حق نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم فكان قاب قوسين أو أدنى وقال في حق الخليل: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض والخليل قال ولا تخزني اللّه النبي والخليل قال في المحنة حسبي اللّه والحبيب قيل له يا أيها النبي حسبك اللّه على أنه صلى اللّه عليه وسلم يوصف بالخليل أيضا كما يوصف بالحبيب وإبراهيم عليه السلام يوصف أيضا بالحبيب قال بعض المحققين وما يظن من الاستدلال بما ذكر اختصاص محمد صلى اللّه عليه وسلم بالحبيب واختصاص إبراهيم عليه السلام بالخليل فهو غلط وجهل وإنما المفهوم من تفضيل ذات محمد على ذات إبراهيم عليهما السلام مع قطع النظر عن وصف المحبة والخلة وهذا لا نزاع فيه وإنما النزاع في الأفضلية المستندة إلى أحد الوصفين والذي قامت عليه الأدلة استنادها إلى وصف الخلة الموجودة في كل من الخلتين فخلة كل منهما أفضل من محبته واختصاصها بهما عليهما السلام لتوفر معناها فيهما أكثر من بقية الأنبياء إذ هي من الخلة بالضم وهي صفاء المودة ولكون هذا التوفر في نبينا أكثر منه في إبراهيم كانت خلته أرفع من خلة إبراهيم عليه السلام ذكره ابن القيم ففيه دلالة على ثبوت وصف الخلة والمحبة لكل منهما ويلي محمدا في الأفضلية إبراهيم عليه السلام ونقل بعضهم الإجماع على ذلك لخبر الصحيحين خير البرية خص منه محمد صلى اللّه عليه وسلم فبقي على عمومه فموسى وعيسى ونوح عليهم السلام الثلاثة بعد إبراهيم ولم يرد التفضل بينهم فيجب الكف عنه وهم أي الخمسة أولوا العزم من الرسل المذكورون في سورة الأحقاف أي أصحاب الجد والاجتهاد وسائر الأنبياء بعد الخمسة أفضل من غيرهم على تفاوت في درجاتهم بما خص به كل منهم من غير النبوة فهم فيها سواء ومن الملائكة كما قدمنا قال شارح وخواص البشر وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة وخواص الملائكة وهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والمقربون والكروبيون أفضل من عوام بني آدم وعوام بني آدم وهم الأتقياء أفضل من عوام الملائكة وعوام الملائكة أفضل من فسقة البشر دليلنا

قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس والمسجود له أفضل من الساجد فإذا ثبت تفضيل الخواص على الخواص ثبت تفضيل العوام على العوام، وعوام الملائكة خدام أهل الجنة والمخدوم أفضل من الخدم إلا أن الفساق عصاة فلا يكونون أفضل من الملائكة المبرئين عن المعاصي والذنوب

(٥٧)

ولا يرد إبليس وكفره وقد كان من الملائكة بدليل صحة استثنائه منهم في

قوله تعالى فسجدوا إلا إبليس لأنه لم يكن من الملائكة حقيقة بل كان جنيا مستورا بينهم لكنه لما كان من الملائكة في صفتهم من العبادة ورفعة القدر وغير ذلك صح استثناؤه منهم تغليبا

وأما هاروت وماروت فالأصح أنهما ملكان لم يصدر عنهما كفر ولا كبيرة وتعذيبهما إنما هو على وجه المعاتبة وكانا يعظان الناس ويعلمان السحر ويقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر ولا كفر في تعليم السحر بل في اعتقاده والعمل به فافهم قال الناظم رحمه اللّه