٢٧وَحَقٌّ اَمْرُ مِعْرَاجٍ وَصِدْقٌ فَفِيهِ نَصُّ اَخْبَارٍ عَوَالِ الحق: الثابت من حق الشئ إذا ثبت والحق معرفا من أسمائه تعالى الحسنى وله إطلاقات كثيرة فيطلق على الديون والمطالبات وعلى الأمر العظيم الشأن ومنه حتى فاجأه الحق وهو بغار حراء وعلى الحكم المطابق للواقع وعلى العقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك وعلى الأعيان الثابتة نحو الجنة حق والنار حق بمعنى ثابتة الوجود وعلى الأفعال الصابية وعلى الأقوال الصادقة وهو المراد ههنا ويحتمل المعنيين الأخيرين أيضا أي القول بالعروج حق أو عروجه عليه السلام أمر حق أو المعنى: اعتقاد أمر المعراج واجب والمعراج مفعال بكسر الميم من العروج وهو الصعود إلى الأعلى ويجمع على معارج وبه ورد التنزيل ويجمع أيضا على معاريج كمفاتيح ومفتاح قال تعالى ذي المعارج وقال وعنده مفاتح الغيب والمعارج المصاعد أي الدرجات يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح أو يرتقي فيها المؤمنون في سلوكهم إلى دار ثوابهم وأن الملائكة يعرجون فيها كما قال اللّه تعالى تعرج الملائكة والروح إليه والصدق ضد الكذب وقد شاع استعماله في الأقوال فقط فهو أخص من الحق لما قدمنا والنص مصدر بمعنى المنصوص تقول نصصت الحديث إلى فلان أي رفعته إليه وأما اصطلاحا فهو اللفظ الدال في محل النطق على معنى لا يحتمل غيره ممن يعتد به والأخبار بفتح الهمزة جمع خبر وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته من حيث هو خبر وإن قطع بأحدهما الأمر الخارج كما قدمنا وعند البيانين ما يحصل مدلوله في الخارج بعين الكلام الأول أي ما له خارج صدق أو كذب وليس بينهم واسطة خلافا للجاحظ الإعراب حق خبر مقدم وأمر معراج مبتدأ مؤخر وصدق عطف على حق وقوله ففيه الفاء تعليلية والجار والمجرور في محل الرفع خبر مقدم والضمير راجع إلى معراج ونص مبتدأ مؤخر مضاف إلى أخبار وعوال كغواش جمع عال نعت أخبار (وحاصل معنى البيت) أنه يجب اعتقاد أن نبينا محمدا صلى اللّه عليه وسلم عرج بروحه وجسده يقظة بعد أن أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى من بيت المقدس إلى السماوات العلى إلى السدرة المنتهى إلى حيث شاء اللّه تعالى وكلمه ربه فسمع كلامه ورآه بعين رأسه على ما عليه جماهير العلماء ومن أنكر (٦٠) هذا يكون مبتدعا ومن أنكر الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يكون كافرا لثبوته بالدليل القطعي قال تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا وهي التي رآها ليلة الأسرى من العجائب ولقاء الأنبياء عليهم السلام وصلاته بهم وبالملائكة وغير ذلك وقد تواردت الروايات بشق صدره ليلة الإسراء حين جاء به جبرائيل بالبراق ففي البخاري وغيره أنه شق قلبه فيها وهو بالمسجد قبل أن يخرج به إلى ركوب البراق وروي الشق أيضا مرة عند حليمة وهو ابن سنتين وشهرين أو ثلاثة وروي أيضا أخرى وهو ابن عشر سنين أو نحوها فيما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه وروي أيضا أخرى عند مجئ جبرائيل إليه بالوحي وهو بغار حراء رواه أبو نعيم وروي خامسة ولم تثبت وآخرها كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف وصح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في رواية أنه صلى اللّه عليه وسلم رأى ربه ببصره وفي أخرى أنه رآه بقلبه قال بعض المحققين ولا مخالفة بين الروايتين لأنه صح عنه كما رواه الطبراني بإسناد رجاله أنه عليه السلام رأى ربه مرتين واحدة بالعين وواحدة بالقلب بمعين أنه خلق فيها إدراك البصر وإنكار عايشة رضي اللّه عنها الرؤية بالبصر فيهما رواه مسلم عنها وهوا أن مسروقا قال لها لما أنكرت الرؤيا ألم يقل اللّه ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى فقالت أنا أول من سأل عن هذه الآية سئلت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل رأيت ربك قال لا إنما رأيت جبرائيل لأنها إنما سألت عما في الآية فأجاب بها عليه السلام بأنه لم يره في قصة الآية وهي غير قصة المعراج وهذا الذي اختاره جماعة من المحققين كابن حجر والنسفي في عقايده وغيرهما وصحح السعد رحمه اللّه والمعراج لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في اليقظة بشخصه إلى السماء ثم إلى ما شاء اللّه حق) أي ثابت بالخبر المشهور حتى أن منكره يكون مبتدعا وإنكاره وادعاء استحالته إنما يترتب على أصول الفلاسفة وإلا فالخرق والالتيام جائز عندنا والأجسام متماثلة يصح على ما يصح على الآخر واللّه تعالى قادر على الممكنات كلها فقوله في اليقظة إشارة إلى الرد على من زعم أن المعراج كان في المنام على ما روي عن معاوية رضي اللّه عنه أنه سئل عن المعراج فقال كانت رؤيا صالحة وروي عن عائشة رضي اللّه عنه أنها قالت ما فقد جسد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة المعراج وقد (٦١) قال تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس وأجيب بأن المراد الرؤيا بالعين والمعنى ما فقد جسد محمد عن الروح بل كان مع روحه وكان المعراج للروح والجسد معا وقوله بشخصه إشارة إلى الرد على ما زعم أنه كان للروح فقط ولا يخفى أن المعراج في المنام أو بالروح ليس مما ينكر كل الإنكار والكفرة أنكروا أمر المعراج غاية الإنكار بل كثير من المسلمين قد ارتدوا بسبب ذلك وقوله إلى السماء إشارة إلى الرد على من زعم أن المعراج في اليقظة لم يكن إلا لبيت المقدس على ما نطق به الكتاب وقوله ثم إلى ما شاء اللّه إشارة إلى اختلاف السلف فقيل إلى الجنة وقيل إلى العرش وقيل إلى طرف العالم فالإسراء وهو من المسجد الحرام إلى البيت المقدس قطعي ثبت بقوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا الآية والمعراج من الأرض إلى السماء مشهور وإلى سماء الجنة أو العرش أو غير ذلك آحاد ثم الصحيح أنه عليه السلام إنما رأى ربه بفؤاده لا بعينه انتهى فتأمل فإنه مع مفهوم قوله ليس مما ينكر كل الإنكار مثل الإنكار واللّه تعالى أعلم قال الناظم رحمه اللّه |