٢٨وَاِنَّ الْاَ نْبِيَاءَ لَفِي اَمَانٍ عَنِ الْعِصْيَانِ عَمْدًا وَانْعِزَالِ العصيان إتيان الذنب عمدا والزلة إتيان الذنب سهوا والعاصي من أتى الكبائر عمدا طائعا والمسئ من آتي الصغائر كذلك ما لم يصر عليها والأنبياء عليهم السلام معصومون عن الكبائر بالاتفاق وعن الصغائر عمدا قبل النبوة وبعدها على الصحيح وكذا عن الانعزال أي الانخلاع عن النبوة لأنه يكون نقصا في حقهم وهم مبرؤون عنه وقد أمنهم اللّه بفضله فما فيه خسة لا يصدر عنهم لا عمدا ولا سهوا وأما ما ليس فيه خسية ففي صدوره منهم خلاف والذي جزم به أبو إسحاق الإسفرايني وأبو الفتح الشهرستاني والقاضي عياض وغيرهم: أن الصغائر لا تصدر عنهم أيضا لا عمدا ولا سهوا وهو الذي ندين اللّه تعالى به كما في شرح شيخنا ونحن نقول بما قال خلافا لما قال بعض الشراح من أنهم غير معصومين عن الصغائر قال لأن اللّه أثبت لهم الشفاعة فلو عصموا عن الصغائر لوقع الضعف في مقام الشفاعة انتهى وفي هذا الاستدلال ما لا يخفى على ذوي البصائر والحق إن الصغائر لا تقع منهم عمدا وأما سهوا فيجور وقوعها عند جماعة من أهل السنة يعني ما لم يكن فيه خسية كسرقة لقمة قال النكساري وأكثر أهل الحق (٦٢) رحمهم اللّه منعوا الكبائر عمدا كانت أو سهوا وجوزوا الصغائر سهوا أي ما لم يكن فيه خسية ثم قال وأما ما نقل عنهم فهو إما بسهو أو نسيان أو محمول على ترك الأولى واشتباه المنهي بالمباح انتهى وإلى هذا أشار المص رحمه اللّه بقوله عمدا وقد توسع السعد رحمه اللّه ههنا قال وهذا إشارة إلى أن الأنبياء معصومون عن الكذب خصوصا فيما يتعلق بأمر الشرايع وتبليغ الأحكام وإرشاد الأمة إما عمدا فبالإجماع وإما سهوا فعند الأكثرين وفي عصمتهم عن سائر الذنوب تفصيل وهو أنهم معصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع وكذا عن تعمد الكبائر عند الجمهور خلافا للحشوية وإنما الخلاف في امتناعه بدليل السمع أو العقل وأما سهوا فجوزه الأكثرون وأما الصغائر فتجوز عمدا عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه وتجوز سهوا بالاتفاق إلا ما دل على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا عليه فينتهوا عنه هذا كله بعد الوحي وأما قبله فلا دليل على امتناع صدور الكبيرة انتهى فتأمل ثم قال وذهب بعض المعتزلة إلى امتناع الكبيرة لأنها توجب النفرة المانعة عن اتباعهم فتفوت مصلحة البعثة انتهى قلت والقول الذي نسبته إلى المعتزلة المؤدي إلى تقرير عصمتهم أظهر مما قاله فتدبر واللّه أعلم والحق منع وقوع الكبائر منهم مطلقا ومنه ما يوجب النفرة كقهر الأمهات والفجور والصغائر الدالة على الخسة مطلقا وأما ما ليس فيه خسة منها فجوزه بعضهم سهوا كما قدمنا وهذا الذي يجب اعتقاده في حقهم عليهم السلام فافهم ومنع الشيعة صدور الصغيرة والكبيرة قبل الوحي وبعده مطلقا إذا تقرر هذا فما نقل عن الأنبياء عليهم السلام مما يشعر بكذب أو معصية فما كان منقولا بطريق الآحاد فمردود وما كان منقولا بطريق التواتر فمصروف عن الظاهر إن أمكن وإلا فمحمول على ترك الأولى فليعتقد هذا الكلام في هذا المقام في حق صفوة الأنام عليهم الصلاة والسلام وتفصيل ذلك في الكتب المبسوطة في علم الكلام الإعراب إن بكسر الهمزة عطف على حق في البيت المتقدم أو مستأنفة أو بفتحها عطف على أمر معراج وهي حرف مشبهة بالفعل والأنبياء اسمها ولفي أمان خبرها وعن العصيان متعلق بأمان وعمدا منصوب على التمييز أو على الحال وانعزال عطف على العصيان (وحاصل معنى البيت) إنه يجب اعتقاد أن الأنبياء عليهم السلام (٦٣) كلهم كانوا مؤمنين من أول الفطرة معصومين عن الكبائر عمدا وسهوا قبل البعثة وبعدها وعن الصغائر عمدا وأنهم في أمان من الانعزال عن مرتبة النبوة والرسالة وأنهم كانوا مخبرين عن اللّه تعالى مبلغين كما أمروا صادقين فيما أخبروا به ناصحين مبشرين لأهل الإيمان والطاعة بالجنة والثواب ومنذرين لأهل الكفر والعصيان بالنار والعقاب ومبينين للناس ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم وأن اللّه تعالى أيديهم بالمعجزات الناقضات للعادات وأمنهم من سلب المقامات وعصمهم من الوقوع في المعاصي والسيئات وهذا بخلاف حال الأولياء فإنهم قد تسلب منهم الولاية كما يسلب الإيمان من المؤمن في الخاتمة نسئل اللّه حسنها وقد سئل الجنيد رحمه اللّه تعالى هل يزني العارف باللّه تعالى فقال وكان أمر اللّه قدرا مقدورا لكن ذكر بعضهم أن من رجع إنما رجع من الطريق لا من وصل إلى فريق وحقق حق التحقيق كما قال بعض المشايخ الإيمان إذا دخل القلب وتمكن حق التمكن أمن من السلب وإليه يشير قوله تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها وما رواه أبو سفيان في حديث هرقل رضي اللّه عنه وكذا الإيمان إذا تخلط بشاشة القلوب لا يسخط أبدا رواه البخاري كما في علي قاري واللّه أعلم قال الناظم رحمه اللّه |