Geri

   

 

 

İleri

 

٣٢

كَرَامَات الْوَلِيِّ بِدَارِدُنْيَا لَهَا كَوْنٌ فَهُمْ اَهْلُ النَّوَالِ

الكرامات جمع كرامة

والمراد بها ههنا أمر خارق للعادة مقرون بالعرفان والطاعة خال عن دعوى النبوة فخرج بالقيد الأول العاديات وبالثاني ما قرن بالفسق والفجور فإنه يكون استدراجا أو سحرا أو مؤكدا لتكذيب الكاذبين كما روي أن مسيلمة اللعين دعا للأعور لتصح عينه العوراء فذهب ضوء عينه الصحيحة أيضا ويسمى هذا إهانة وبالثالث معجزات الأنبياء عليهم السلام وقد تظهر الخوارق من عوام المسلمين للتخلص من المكاره والمظالم والمحن ويسمى هذا معونة وحاصله أن الخارق للعادة ستة وهي المعجزة والإرهاص والكرامة والمعونة والاستدراج والإهانة والأولان مختصان بالأنبياء عليهم السلام والثالث بالأولياء والرابع بكل مؤمن والأخيران بالفساق والفجرة والولي هو العارف باللّه تعالى وصفاته بحسب ما يمكن المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات المباحة المعرض عن الدنيا المقبل على العقبى المديم على ذكر المولى جل شأنه وهو فعيل بمعنى فاعل سمي به لأنه تولى أمر ربه ولم يخالف أمره ونهيه أو بمعنى مفعول لأن اللّه تعالى تولى أمره والدنيا بضم الدال على الأشهر وحكى ابن قتيبة وغيره كسرها من الدنو وهو القرب سميت به لدنوها أي قربها من الآخرة أو من الزوال أو من الدنائة أو الخسة كما قال الشاعر:

أعاف دنيا تسمى من دناءتها * دنيا وإلا فمن مكروهها الداني وحقيقتها جميع المخلوقات الموجودة قبل الآخرة

وقيل الأرض مع الهواء والجو قال بعض المحققين والأول أظهر فإن قلت حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى لأنها في الأصل مؤنث أدنى تفضيل قلت الدنيا خلت عن الوصفية وأجريت مجرى ما لم يكن وصفا مما وزنه فعلى كرجعى ونهمى ومن استعمالها منكرة قول الفرزدق بيت: لا يعجبنك دنيا أنت تاركها * كم نالها من أناس ثم قد ذهبوا وكثير من القرآن مشتمل على ذمها والانصراف عنها إلى الآخرة لأنه عدوة اللّه تعالى لقطعها طريق الوصلة إليه ولذا لم ينظر إليها منذ خلقها وعدوة لأوليائه لتزيينها لهم حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وفي الخبر الحسن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللّه وما والاه وعالم أو متعلم والكون الوجود أي

(٧٢)

كرامات الأولياء لها وجود ومستلزم للجواز كجريان النيل بكتاب عمر رضي اللّه عنه والنوال: العطاء

الإعراب كرامات مضاف إلى الولي مبتدأ وبدار مضاف إلى دنيا متعلق بكون أو حال من كرامات أو من الولي لأن المضاف عامل فيه معنى ولها في محل رفع خبر قدم على المبتدأ وهو كون والجملة في محل رفع خبر

وقيل خبره محذوف تقديره حق والأظهر ما قلنا كما لا يخفى فهم الفاء تفريعية أو فصيحية هم مبتدأ وأهل النوال خبره

(وحاصل معنى البيت) أن كرامات الأولياء حال كونهم في الدنيا لها وجود وثبوت وقوع أي حال حياتهم وكذا بعد الموت بمعنى إكرامه في قبره وإدخال حضرة فيه وتوسيعه لا بمعنى تصرفه في العالم كما يعتقده جهلة العوام والمتصرف والمؤثر حقيقة هو اللّه تعالى وذكر هؤلاء الأخيار سبب عادي في في ذلك التأثير وذلك مثل الكسب العادي ولا ينافيه قول الناظم بدار دنيا لأن البرزخ من أحكام الدنيا إلا أنه أراد بالكرامات المعنى الأول فيكون القيد احترازيا واعلم أن الدلائل على حقية الكرامات ووقوعها قد تواترت عن كثير من الصحابة رضي اللّه عنهم وممن بعدهم بحيث لا يمكن إنكارها إلا ممن أعمى اللّه بصيرته خصوصا الأمر المشترك أعني مطلق الكرامة وإن كان تفاصيلها آحادا فمن أنكر كرامات الأولياء كان خارجيا معتزليا لأنه ينكر كلام اللّه تعالى

قال تعالى لأم موسى فألقيِه في اليم وهو كرامة لها

وقال تعالى وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك وهو آصف بن برخيا وكان وزير سليمان بن داوود عليهما السلام ولم يكن آصف نبيا فأتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان عليه السلام إليه في تلك الساعة من المسافة البعيدة وكذا ظهور الطعام والشراب لمريم رضي اللّه عنها فإنه كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند اللّه وكذا تكلم الكلب لأصحاب الكهف فلما جاز أن يكون في الأمم السابقة كرامات للأولياء جاز أن يكون في أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم أشرف الأنبياء فأمته أشرف الأمم فجاز أن يخص اللّه تعالى منهم من شاء بكرامات كسماع سارية رضي اللّه عنه في العسكر وهو بنهاوند قول عمر بالمدينة: يا سارية الجبل الجبل وبينهما أكثر من خمسمأة فرسخ وكذا جريان النيل بكتاب عمر رضي اللّه عنه وسكون الأرض بضربة لها بدرته حين زلزلت زلزلة عظمة

(٧٣)

وقال لها اسكني أنا عدل فسكنت ومنعه النار التي كانت تأتي المدينة كل عام نشر ثوبه في وجهها ولم تأت بعد ذلك وكشرب خالد رضي اللّه عنه قدحا من السم وكالمشي على الماء كما وقع لكثير من الأولياء وفي الهواء كما نقل عن جعف بن أبي طالب وعن لقمان السرخسي وغيرهما وكلام الجماد كما روي أنه بين يدي سلمان وأبي درداء رضي اللّه عنهما قصعة فسبحت وسمعا تسبيحها وكما روي أنه عليه السلام قال بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها إذ التفتت إليه وقالت إني لم أخلق لهذا وإنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان اللّه بقرة تتكلم وغير ذلك مما وقع للأولياء من خوارق العادات وكل ذلك من معجزاته صلى اللّه عليه وسلم لأن الولي تابع له وكل كرامة لو لي تكون معجزة لمتبوعه ولا عبرة لانكار المعتزلة كرامات الأولياء واستدلالهم بأنا لو جاز ظهور خوارق العادات من الأولياء لاشتبهت الكرامة بالمعجزة ولم يتميز بين النبي والولي لأنا نقول إن ظهور الخارق من الولي ليس معه دعوى نبوة بخلافه من النبي وهو الفارق لأنه مأخوذ في تعريف المعجزة دون الكرامة.

تتمة ينبغي للولي الذي أكرمه اللّه تعالى أن يجتهد في كتمان ما خصه اللّه به من الكرامات ولا يظهره بالدعوى فإنه انحطاط في درجته ونقصان في مرتبته لاستر بينه وبين ربه فلا ينبغي أن يبوح به كما قال قائلهم * من باح بالسر كان القتل سيمته *

وأما ما يظهره بعضهم مما يزعم به المكاشفات والعلم بالمغيبات مع جهله بأمور الدين فإنما هو شأن الدجالين الزائغين عن الحق المبين الضالين المضلين وسيأتي تمامه والحمد للّه رب العالمين قال الناظم رحمه اللّه