Geri

   

 

 

İleri

 

١٨

لِاَ هْلِ الْخَيْرِ جَنَّاتٌ وَنُعْمَي وَ لِلْكُفَّارِ اِدْرَاكُ النَّكَالِ

أراد بأهل الخير المؤمنين بدليل مقابله وأورد هذا البيت بيانا وتفصيلا لما أجمله من الأحوال في قوله في البيت السابق فيجزيهم على وفق الخصال أي التي ماتوا عليها فيجازيهم عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر خلق الجنة للمؤمنين وخلق النار للكافرين فيثيب المطيع ويعاقب العاص تفضلا منه وعدلا لا وجوبا عليه تعالى فيجوز عليه تعالى تعذيب المطيع وإثابة العاصي إذ الكل ملكه وعبيده فيفعل في ملكه ما يشاء ويختار إلا أنه وعد المؤمنين بالخير والكافرين بالشر والتخلف في الوعد لا يليق بجناب الكريم

قال تعالى أعدت للذين آمنوا باللّه ورسله

وقال تعالى إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا إلى غير ذلك مما يدل على أنه يكرمهم فيها بأنواع للكرمات من الحلل والحور العين ومشاهدة وجهه الكريم ومجاورة الأنبياء عليهم السلام وغير ذلك من النعيم التي لا تحصى وكل ذلك بفضله وإحسانه لا وجوبا عليه تعالى وأوعد الكافرين بالشر

(٣٧)

والنيران في كثير من القرآن وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا إلى غير ذلك فيجب اعتقاد أن من مات على الكفر يستحق النار ويدخلونها بعد أن ينادى لهم و للمنافقين على رؤس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة اللّه على الظالمين وأن الجنة حق وأن النار حق لأن الآيات والأحاديث الواردة في حقهما أكثر من أن تحصى وأنكر الفلاسفة وجودهما متمسكين بأن الجنة موصوفة بأن عرضها كعرض السماوات والأرض وهذا في عالم العناصر محال لأن عالم العناصر أصغر من السماوات والأرض والأصغر لا يسع الأكبر وفي عالم الأفلاك أو عالم آخر خارج عن عالم الأفلاك يستلزم جواز الخرق والالتيام وهو باطل قلنا هذا مبني على أصلكم الفاسد

والمراد عرض الجنة مثل عرض السماوات والأرض في الماهية ولا يلزم من ذلك تساوي مقدارهما فإن الإنسان الصغير مثل الإنسان الكبير في الماهية مع عدم تساويهما في المقدار وأنهما مخلوقتان موجودتان الآن عند أهل السنة والجماعة وذهب أكثر المعتزلة إلى أنهما مخلوقتان يوم الجزاء لعدم المقتضي الآن دليلنا قصة آدم وحواء عليهما السلام وإسكانهما في الجنة وإهباطهما منها والآيات الظاهرة في إعدادهما مثل أعدت للمتقين أعدت للكافرين ولا ضرورة في العدول عن الظاهر فإن عورض بمثل

قوله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا من حيث إن الجعل مستقبل قلنا هو محتمل للحال والاستقبال فتبقى قصة آدم سالمة عن المعارض على أن الجعل يحتمل معنى التخصيص كما يقال اجعل هذا لزيد أي أخصه به فلا ينافي سبق وجودهما وإذا ثبت وجودهما الآن فلا قائل بفنائهما بعد وجودهما لكن لم يرد نص صريح في تعيين مكانهما الآن والأكثرون على أن الجنة فوق السماوات السبع تحت العرش أخذا من

قوله تعالى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى

وقوله عليه السلام سقف الجنة عرش الرحمن وإن النار تحت الأرضين السبع وقال بعض المحققين والحق تفويض ذلك إلى علم العلمي الخير والكافرين فشمل أطفالهم باعتبار التبعية لكن اختلف فيهم والصحيح التفصيل فأطفال الأنبياء عليهم السلام في الجنة بلا خلاف وكذا بقية أطفال المؤمنين على الصحيح واختلف في أطفال المشركين والأصح إنهم خدمة المؤمنين في الجنة لعدم التكليف ولا يليق بكرمه أن يعذب بالذنب وإن جاز عليه كما قدمنا ومن قال إنهم في النار مع آبائهم مستدلا

بقوله تعالى ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا فقد أول على المعنى الأول

وقيل هم على الأعراف بين الجنة والنار

وقيل يصيرون ترايا

وقيل السكوت عنهم أولى ولذا توقف فيهم الإمام أبو حنيفة رضي اللّه عنه

(٣٨)

الإعراب لأهل خبر مقدم وجنات مبتدأ مؤخر وتعمى معطوف عليه وهي بضم النون لغة في النعمة أو اسم لها وأراد بها مطلق نعم الجنة أو الروية لأنها أعظم نعم الجنان كما سيأتي وللكفار خبر مقدم وإدراك النكال مبتدأ مؤخر والجملة معطوفة على الجملة والإدراك إما بفتح الهمزة جمع درك بفتح الراء بمعنى أسفل

قال تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقد تسكن الراء في المفرد وبه قرأ الكوفيون والدرك بالكافر ما كان إلى الأسفل والدرج بالجيم ما كان إلى الأعلى

وإما بكسر الهمزة مصدرا درك إذ لحقه فيكون من إضافة المصدر إلى فاعله تنبيهات الأول نكر المص رحمه اللّه لفظ جنات للتعظيم وجمعها لأنها سبع على قول ابن عباس رضي اللّه عنهما: جنة الفردوس، جنة عدن، حنة النعيم دار الخلد، جنة المأوى، دار السلام، وعليون. في كل منها مراتب ودرجات على حسب تفاوت الأعمال قال الإمام محمد بن محمود بن السمرقندي في تفسير

قوله تعالى فهم في روضة يحبرون عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الجنة مأة درجة ما بين كل درجتين منهما كما بين السماوات والأرض والفردوس أعلاها وأوسطها محلة أي مكانا ومنها تفجر أنهار الجنة وعليها يوضع العرش يوم القيامة انتهى والثاني روي عن كعب أن الجنة في السماء السابعة بميزان بيت المقدس والصخرة ولو وقع منها حجر لوقع على الصخرة رواه عمران بن بكار وفي العرايس عن عبد اللّه قال الجنة اليوم في السماء السابعة فإذا كان غدا جعلها اللّه حيث يشاء والثالث ذكر بعض العلماء أن علامة أهل الجنة وعلامة أهل النار تظهر على الإنسان حال حياته وعند الموت لمن كشف اللّه عن بصيرته وقال بعض شراح أربعين النووية فائدة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علامة الشقوة جمود العين وقساوة القلب وحب الدنيا وطول الأمل وقال ذو النون المصري علامة السعادة: حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب ونقل الشيخ الأجهوري أن من علامة البشرى للميت أن يصفر وجهه ويعرق جبينه وتذرف عيناه دموعا ومن علامة السوء: أن تحمر عيناه وتربد شفتاه ويغط كغطيط البكر وتربد بالراء المهملة بعدها باء موحدة قال في القاموس الربدة: لون إلى الغبرة واللّه أعلم قال الناظم رحمه اللّه