Geri

   

 

 

İleri

 

٣٠

وَذُوالْقَرْنَيْنِ لَمْ يُعْرَفْ نَبِيًّا كَذَا لقْمَانُ فَاحْذَرْعَنْ جِدَالِ  

ذو القرنين هو الإسكندر الرومي صاحب الخضر قيل إنه لقب بذلك لأنه ملك فارس والروم أو المشرق والمغرب أو لأنه طاف قرني الشمس شرقا وغربا أو لأنه كان له قرنان أي ضفيرتان أو لأن أباه سد فرج أمه حال ولادته برجله حتى يتحكم الوقت المطلوب فيه ولادته فيبلغ من الملك ما أمله فأثر ذلك في رأسه وصار له كالقرنين من وضع الرجل في وسط رأسه

وقيل يحتمل أن يكون وصف بذلك لشجاعته كما يقال للشجاع كبش ينطح أقرانه

وقيل غير ذلك وقد اتفقوا على أنه كان رجلا مؤمنا صالحا ملكا عادلا وصل المشرق والمغرب ودخل في الظلمة لطلب ماء الحياة حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة قال البيضاوي ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها فيه كذلك إذ لم يكن في مطمح نظره غير الماء أي ماء الحياة وهو وجد عندها قوما فكانوا كفارا فخيره اللّه تعالى فيهم بين التعذيب وبين أن يرشدهم ويعلمهم الشرايع قيل وكان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما يلفظه البحر ثم إن لما لم يبلغ مراده توجه إلى المشرق حتى إذا بلغ مطلع الشمس أي الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولا من معمورة الأرض ثم توجه حتى بلغ السدين أي الجبلين الذين بنى بينهما سده وهما جبلا أرمينية وآذربيجان

وقيل وهو الصواب جبلان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج ووجد عندها قوما فشكوا إليه تعدى يأجوج ومأجوج وفسادهم في الأرض في أموالهم وزروعهم وعرضوا عليه أن يعينوه بأموالهم ليسد بينهم وبينهم فأعرض عن أخذ شئ منهم وقال ما مكني فيه ربي من الملك خير مما تبذلون لي ولكن أعينوني بعملة وآلات وآتوني زبر الحديد قيل إنه حفر الأساس حتى باغ الماء وجعله من الصخر والنحاس المذاب ولما ساوى وجه الأرض جعل زبر الحديد طاقين بينهما ورفعه كذلك حتى ساوى أعلى الجبلين وملأ بينهما الفحم والحطب ثم وضع المنافيخ حتى صار الجميع نارا ثم صب النحاس فذاب عليهما والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا فلما رآه على تلك الحالة وعلم أنه يمنع يأجوج ومأجوج أو بقيام الساعة جعله دكا مستويا بالأرض

(٦٦)

وكان وعد ربي حقا كائنا لا محالة ويأجوج ومأجوج إخواننا من الأبوين على الصحيح من أولاد آدم وحواء

وقيل من الأب فقط من مني سقط من آدم على الأرض فخلقوا منه والأول هو الصحيح فهم من أولاد يافث بن نوح عليه السلام لما رواه الحاكم عن معاوية رضي اللّه عنه أن أولاد نوح عليه السلام سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم وفي كل هؤلاء خير وولد حام السودان والبربر والقبط وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، ثم إن الإسكندر بعد رجوعه من بناء السد أدركته الوفاة قبل أن يصل إلى مملكته قيل إنه أوصى أمه أن تصنع طعاما وتدعوا إليه جميع أهل مملكته وتأمر أن لا يأكل منه من أصيب في عمره فلما وصل إليها ذلك فعلت ودعت الناس وأمرتهم كذلك فلم يتقدم أحد إلى الطعام فسألتهم وقالوا هل في الناس من لم تصبه مصيبة فقالت رحم اللّه ولدي وعظني حيا وميتا وقد اختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه وعدله قال ابن جماعة أختلف في نبوته فقيل ليس بنبي بل كان ملكا عادلا وهو الحق واختلف أيضا في لقمان فقيل نبي

وقيل لا بل هو ولي وهو الحق انتهى

ثم اعلم أن الإسكندر اثنان، رومى وهو صاحب الخضر وهو الذي بنى السد كما ذكرنا وهو الذي فيه الخلاف والصحيح عدم نبوته ولا يلزم ثبوتها بخطاب اللّه تعالى إليه في

قوله تعالى قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا

لاحتمال ذلك أن يكون بالإلهام قال البيضاوي رحمه اللّه ونداء اللّه إياه إن كان نبيا فبوحي وإن كان غير نبي فبإلهام أو على لسان نبي انتهى ظاهر كلامه أنه لم يقطع فيه بشئ

وأخرج الطبراني أن رجلا سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذي القرنين فقال كان من الروم فأعطي ملكا فصار إلى مصر وبنى الإسكندرية الحديث وكان على عهد إبراهيم الخليل عليه السلام قيل إنه حج ماشيا ودخل المسجد الحرام قيل إنه لما دخله أخبر أن فيه إبراهيم الخليل عليه السلام فخرج إلى لقائه فسلم على إبراهيم عليه السلام وصافحه ويقال إنه أول من صافح ولما لم يرد قاطع بنبوته ولا بعدمها بل الأظهر عدمها قال المص لم يعرف نبيا ولم يقل ليس بنبي لما علم أن نفي النبوة عن نبي كفر كجعل من ليس بنبي نبيا ولذا قال المحققون الأولى أن لا يقتصر في الأنبياء على عدد معين لأن اللّه تعالى خاطب نبيه صلى اللّه عليه وسلم في حقهم

بقوله منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك فبعضهم لم يذكر للنبي صلى اللّه عليه وسلم فعد من

(٦٧)

ليس بنبي نبيا مخالفة للكتاب الثاني يوناني وهو صاحب أرسطو وليس الخلاف فيه وكان هذا قريبا من زمن عيسى عليه السلام وبين زمن إبراهيم وزمن عيسى عليهما السلام أكثر من ألفي عام والأكثرون على هذا

وقيل الأول عمر ألفي سنة لما روي أن قس بن ساعدة لما خطب بسوق عكاظ قال في خطبته يا معشر أياد بن الصعب ذو القرنين قد ملك الخافقين وأذل الثقلين وعمر الفين ثم كان لحظة عين والأول هو الصحيح ونقل عن المفسرين أنهم قالوا ملك الدنيا شرقا وغربا مؤمنان سليمان عليه السلام وذو القرنين وكافران نجت النصر ونمرود بن كنعان

الإعراب ذو القرنين مبتدأ ويعرف مبني للمفعول مجزوم بلم ونائب فاعله مستتر أي ذو القرنين ونبيا مفعول ليعرف على أنه بمعنى يعتقد ومحل هذه الجملة رفع خبر مبتدأ كذا جار ومجرور في محل رفع خبر قدم على المبتدء وهو لقمان فاحذر أمر فاعله ضمير من صلح لهذا الخطاب والغاء فيه واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا علمت ذلك فاحذر عن جدال متعلق به

(وحاصل معنى البيت) احذر أيها العاقل أن تجادل في إثبات نبوة ذي القرنين ونبوة لقمان فإن ظاهر الأدلة يشير إلى نفي نبوتهما ونبوة نحوهما كالخضر فقيل إنه نبي

وقيل ولي

وقيل رسولا فلا ينبغي لأحد أن يقطع بنفي أو إثبات لما علمت أن اعتقاد نبوة من ليس بنبي أو نفي نبوة نبي من الأنبياء كفر كما قدمنا تتمة لقمان هو ابن باعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر أبو إبراهيم عليه السلام وأخذ عنه العلم وكان يفتي قبل مبعثه فلما بعث قطع الفتوى فقيل له ألا تفتي فقال ألا أكتفي إذا كفيت يعني كفيت أمر الفتوى ببعثة داود عليه السلام والجمهور على أنه ليس بنبي كما قدمنا بل حكيم تلمذ لألفي نبي واللّه تعالى أعلم بالصواب. قال الناظم رحمه اللّه رحمة واسعة