١٢وَرَبُّ الْعَرْشِ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكِنْ بِلَاوَصْفِ التَّمَكُّنِ وَاتِّصَالِ يعني أنه يجوز أن يقال إن اللّه تبارك وتعالى فوق العرش لقوله تعالى الرحمن على العرش استوى لكن نعتقد أن ذلك الاستواء لا كاستواء الأجسام وأن تلك الفوقية لا كالفوقيات المقتضية للجهات والمماسة والمحاذاة وارتفاع الجسم على الجسم والتمكن فإن ذلك محال في حقه تعالى بل تفوض حقيقة العلم بذلك إليه تعالى معتقدين الفوقية مع جهلنا بحقيقة الكيفية (٢٧) وهذا طريقة المتقدمين من الخائفين من أئمة الدين فإن السلف ومن تابعهم كالأئمة الأربعة مشو على ذلك قال الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي اللّه عنه من قال لا أعرف اللّه في السماء هو أم في الأرض فقد كفر لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن يوهم ذلك فهو مشبه وسئل الإمام مالك رضي اللّه عنه عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وسئل الإمام الشافعي رضي اللّه عنه عن ذلك فقال آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الامساك وسئل الإمام أحمد رضي اللّه عنه فقال استوى كما أخبر لا كما يخطر بقلب البشر فعلم بهذا أنه لا خلاف بين الأئمة الأربعة في ذلك ومن زعم أن بينهم اختلافا في ذلك فقد أعظم الفرية على أئمة الأمة وأساء بهم الظن نعوذ باللّه من ذلك وكذلك يقولون في كل ما جاء من المتشابهات في كتاب أو سنة كقوله تعالى خلقت بيدي * ولتصنع على عيني * اللّه نور السماوات والأرض وقوله صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه خلق آدم على صورته كما مر وقوله إن اللّه يضحك لأوليائه حتى تبدو نواجده وغير ذلك مما يوهم التشبيه فنفوض الأمر لجميع ذلك إليه تعالى كما فوضوا ولا تشتغل بتآويله وتفاسيره لعدم تكليفنا به مع اعتقاد أنه تعالى ليس بجسم ولا شبيه بالمخلوقات وأن جميع علامات الحدوث ممتنعة عليه تعالى فإن قلت ما الحكمة في تنزيل المتشابهات قلنا نجعله مما تقدم واللّه أعلم بمراده وقيل ليعلم العالمون عجزهم وقصور أفهامهم عن معرفة جميع كلام ربهم كما قال تعالى وما يعلم تأويله إلا اللّه فيفوضون العلم بما لا يدركون معناه إليه تعالى والتفويض إليه تعالى كمال العبودية في العبد ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء كما قال بعض المحققين: والعجز عن درك الإدراك إدراك والبحث في سر ذات اللّه إشراك وقال بعضهم تفسير المتشابهات وتأويلها عبادة في العبد وتسليمها عبودية في العبد والعبودية فوق العبادة إذا العبودية الرضاء بما يفعل الرب والعبادة فعل ما يرضي الرب والرضاء فوق العمل حتى كان ترك الرضاء كفرا وترك العبادة فسقا والعبادة تسقط في الآخرة والعبودية لا تسقط في الدارين انتهى وأما على طريقة الخلف فإنهم يؤلون كل ما ورد من المتشابهات فيؤولون الاستواء بالاستيلاء واليد بالقدرة والقهر والضحك بالرضاء إلى غير ذلك وتوسط بعضهم وتابعه جماعة كالكمال بأن الهمام في المسايرة وفصل بين ما إذا دعت الحاجة إلى التأويل كدفع خلل يدخل في فهم وبين أن لا تدعو الحاجة وهذا كمال من الكمال واللّه أعلم بحقيقة الحال الإعراب رب مبتدأ مضاف إلى العرض والإضافة للتشريف كرب الكعبة وفوق منصوب على الظرفية في محل رفع خبر المبتدأ أي كائن (٢٨) درته فوق ولكن للاستدراك والاحتراس وقوله بلا وصف متعلق بما تعلق به الظرف ووصف مضاف والتمكن مضاف إليه واتصال معطوف على التمكن (وحاصل معنى البيت) إنه تعالى قد استوى كما أخبر لإطلاق الآية فهو فوق العرش لكنه تعالى غير متصف بالتمكن والاتصال كتمكن الأجسام واتصالها لاحتياجها إلى مكان تقوم فيه ومكان تستقر عليه وكل تلك من صفات الحدوث وربنا منزه عن ذلك تتمة المشهور إن العرش جسم وإنه أعظم المخلوقات جرما ولذا خص بالذكر إذ في قدرة اللّه متسع فيجب الإيمان بذلك وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه إن بين كل سمائين خمسمائة عام وبين الكرسي وبين العرش خمسمائة عام والعرش فوق الماء واللّه فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وروي عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين أن السماوات والأرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش وعن أبي ذر رضي اللّه عنه قال قلت يا رسول اللّه أيما أنزل عليك أعظم قال الكرسي ثم قال يا أبا ذر ما السماوات السبع من الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة كما في شرح خليل رحمه اللّه وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما لما خلق اللّه حملة العرش قال لهم احملوا عرشي فلم يطيقوا فخلق مع كل ملك منهم من أعوانهم مثل جنود سبع سماوات وسبع أرضين وما في الأرض من عدد الحصى والثري وقال احملوا عرشي فلم يطيقوا فقال قولوا لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم فقالوها فاستقلوا بعرش ربنا فنفذت أقدامهم في الأرض السابعة فلم تستقر فكتب في قدم كل ملك منهم اسما من أسمائه فاستقرت أقدامهم قال الناظم رحمه اللّه |