٤مُرِيدُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ الْقَبِيحِ وَلَكِنْ لَيْسَ يَرْضَي بِالْمُحَالِ المريد اسم فاعل من الإرادة وهي عبارة عن صفة في الحي تقتضي الحياة وفي حقه تعالى صفة من صفات الذات له تعالى تقتضي تخصيص أحد طرفي الشئ من الفعل والترك بالوقوع في وقت دون وقت وترادفها المشيئة والرضاء عبارة عن الإرادة ويرادفها المحبة وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل السنة وقالت المعتزلة الرضاء والمحبة نفس المشيئة والإرادة وقال بعضهم إنه تعالى مريد بإرادة حادثة لا في محل وقالت الفلاسفة إنه موجب بالذات لا بإرادة ولنا الآيات الناطقة بإثبات صفة الإرادة والمشيئة له تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون قال الكستلي وجزم أصحابنا القول باستواء نسبة العلم إلى الضدين كالقدرة وإن العلم بالمصلحة لا يكون داعيا إلى الفعل ما لم تحصل الحالة المعلومة بالوجدان المسماة بالإرادة ونبهوا على ذلك بأنا لا موجود إلا ويمكن تصوره على وجه أحسن منه فوقوعه على ما هو عليه تخصيص من غير مخصص لكن أورد عليه أنه إذا جاز تعلق الإرادة بكل واحد من الضدين بدلا عن الآخر فتعلقها بإحداهما ترجيح بالمرجح وإن لم يكن كذلك بل كان تعلقها بأحدهما مقتضى ذاتها فالمريد غير قادر على الفعل بالمعنى المذكور إذ قد وجب وجود أحد الضدين فيه لا وجوبا مرتبا على تعلق إرادته بل لم يجز منه إلا وقوع هذه الضد وغارة ما يمكن أن يجاب عنه بأن تعلق الإرادة بأحد الضدين لذتها لا بمعنى أن ذاتها تقتضي المتعلق به البتة بل بمعنى أنها لا تحتاج في ذلك إلى مرجح غير ذاتها وهذا خاصة الإرادة فلا يجوز مثلها في القدرة هنا فافهم والمحال هنا هو الذي أحيل من جهة الصواب (١٢) إلى غيره والذي قبحه الشرع كالكفر والمعاصي وهو الذي أراده المص رحمه اللّه بالشر فهو واقع بإرادته لكن لم يرض به قال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر لا المحال الذين يستحيل وقوعه إذ الكفر والمعاصي موجودان واقعان بإرادته تعالى لا برضاه ولا يخفى أن المحال هو الممتنع لكن امتناعه إما شرعا أو غيره وغيره إما عقلا وعادة كالجمع بين الضدين فهو امتناع لذاته أو عادة فقط كطيران الإنسان أو عقلا فقط كالإيمان ممن علم اللّه أنه لا يؤمن فهو فيهما امتناع لغير ذاته والمراد ههنا الأول أي الممتنع شرعا كما ذكرنا إذ الممنوع شرعا ما خالف المطلوب شرعا وهو الفعل المنهي عنه حراما كان أو مكروها أو خلاف الأولى يشمل الكفر وسائر المعاصي والمناهي والمطلوب شرعا هو الفعل الفرض والواجب والمستحب يشمل الإيمان وسائر الطاعات الإعراب مريد اسم فاعل مضاف إلى مفعوله خبر مبتدء محذوف أي هو مريد الخير والشر عطف على الخير والقبيح صفة كاشفة للشر إذ ما قبح شرعا ليس فيه حسن ولكن للاستدراك دفعا لتوهم رضاه أتى به حيث كان مراد له واسم ليس مستتر راجع إلى المبتدء المقدر وجملة يرضى خبرها وبالمحال متعلق بيرضى المنفي (وحاصل معنى البيت) أنه يجب اعتقاد أن وقوع جميع الأشياء من خير وشر وإيمان وكفر وطاعة ومعصية بإرداته تعالى لكن ما كان بعيدا عن الصواب عند أولي الألباب كالكفر والقبايح والمعاصي فإنه مريد له لكنه غير راض به فيقع بمشيته وإرادته لا برضاه ولا بمحبته قال تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء اللّه وقال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وهذا مذهب أهل السنة وقالت المعتزلة جميع المعاصي واقعة بإرادة العبد على خلاف إرادة الرب فالخير من اللّه والشر من العبد كيلا ينسب القبيح إليه تعالى وهو مردود بما قدمنا وبقوله تعالى قل كل من عند اللّه * وخلق كل شئ * يضل من يشاء ويهدي من يشاء وظهور ذلك من العبد إنما هو بتقدير اللّه تعالى ومؤاخذة العبد به إنما هو بحسب كسبه وأقبح من قولهم قول النظام إن اللّه تعالى لا يقدر على خلق الجهل والقبيح مستدلا بأنا لو قدر على خلق ذلك لزم أن يكون جاهلا وقبيحا لأن خالق الجهل جاهل وخالق القبيح قبيح وهو مردود وفساده ظاهرا أيضا بعموم ما قدمنا ولا يلزم ما ذكره إذ المتصف بذلك من قام به المعنى وهو الجاهل كقائل هذه القول لا خالقهما كالكسر والجرح ونحوهما فإنه إنما يقوم بالمكسور والمجروح لا بالجارح والكاسر وما أحسن قول القائل قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن ليرضاه تكليفا لدى كل ملة دعا الكل تكليفا ووفق بعضهم وخص بتوفيق وعم بدعوة إليك اختيار الكسب واللّه خالق مريد بتدبير له في الخليفة ولم يرض فعلا قد نهى عنه شرعه تعالى وجل اللّه رب البرية قال الناظم رح (١٣) |