٣٩وَلَمْ يَلْعَنْ يَزِيدًا بَعْدَ مَوْتٍ سِوَي الَمُكْثَارِ فِي الْاَغْرَاءِ غَالِ وجه مناسبة إيراد هذا البيت ههنا أنه كما يجب التفضيل والتعظيم للصحابة رضي اللّه عنهم وكذلك للتابعين رضي اللّه عنهم أجمعين يجب الكف عن التكلم في حقهم بما لا يليق وما وقع بينهم من التشاجر وما وقع من بعضهم من السقطات وخص يزيد بالذكر لرد الخلاف في جواز لعنه وليفيد أن التكلم في حق غيره من الصحابة والتابعين ممن لم يقع منه ما وقع (٨٥) من يزيد من قبيح الأفعال لا يجوز بالأولى واللعن الطرد والإبعاد واصطلاحا يحتمل معنيين الأول البعد عن رحمة اللّه تعالى وهو مراد المص وهذا لا يجوز إلا في حق من قطع بموته على الكفر أو يئس من توبته كإبليس والثاني البعد عن مقام الأبرار ودرجات الأخيار وهو محمل ما ورد من لعن نحو الفاسق والظالم وآكل الربا المسلم ونحوهم كما سيأتي ويزيد هو ابن معاوية بن أبي سفيان رضي اللّه عن أبيه وجده والمكثار مفعال وهو كثير اللغو في ما لا يعني قيل أراد بهم الروافض والمعتزلة والإغراء بكسر الهمزة والمد الإفساد والتحريض عليه وغال بالغين المعجمة اسم فاعل من الغلو وهو المبالغة في التعصب الإعراب يلعن مجزوم بلم ويزيد مفعوله وصرفه للضرورة وبعد موت في محل نصب حال من يزيد وحذف الضمير الرابط للضرورة أي حال كونه ميتا ولو ذكره ووقف عليه بالسكون لاستقام أيضا وقيل تنوينه عوض عن الضمير وسوى أداة استثناء مفرع في محل رفع فاعل لم يلعن مضاف إلى المكثار في الإغراء جار ومجرور إما متعلق بالمكثار وغال صفة لأنه في معنى النكرة أو بدل منه ومعمول غال محذوف دل عليه ما قبله أي غال في الإغراء وإما متعلق بغال قدم عليه وغال بدل من المكثار أو حال منه ووقف عليه بالسكون أي حال كونه غاليا في الإغراء (وحاصل معنى البيت) لم يلعن يزيدا ميتا وكذا حيا بالأولى إلا كل باغ مفتر كثير اللغو مخالف لأهل السنة والجماعة أو لما عليه الجمهور منهم فاحترز أيها العاقل عن شمته واكفف عن لعنه فإنك لست مكلفا بذلك ولا مسؤولا عنه في الآخرة وما قاله الروافض والخوارج وبعض المعتزلة وذهب إليه التفتازاني من جواز لعنه لرضاه بقتل الحسين واستبشاره به وإهانة أهل بيت النبوة وقوله: ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل وأن ذلك يؤذن بكفره إذ معناه أنه يتمنى لو وجد كفار قريش الذين قتلوا ببدر كأبي جهل فيروا إهانته لأهل المدينة وفعله ببيت النبوة فمردود فقد نقل في التمهيد أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين رضي اللّه عنه وإنما أمرهم بطلب البيعة منه أو بأخذه وحمله إليه حيا فهم قتلوه من غير حكمه وكان ذلك من عبيد اللّه بن زياد حيث جيش عليه الجيوش من الكوفة فلاقوه في كربلا فقتلوه والقصة مذكورة في المطولات على أن الأمر بقتل الحسين بل نفس قتل غير الأنبياء مباشرة من غير استحلال لا يوجب جزاء اللعن على مقتضى أهل السنة إذ غاية الأمر أنه إذا لم يستحله يكون بذلك فاسقا لا كافرا ولا يجوز لعن الفاسق المؤمن بل ولا الكافر الحي بعينه لاحتمال موته مؤمنا ما لم يتحقق (٨٦) موته على الكفر وبغير عينه يجوز ك قوله تعالى ألا لعنة اللّه على الظالمين وقوله عليه السلام لعن اللّه آكل الربا وموكله الحديث ونحو ذلك ومن المحقق أن يزيد لم يخرج عن كونه من المصلين وقد نهى صلى اللّه عليه وسلم عن لعن المصلين وقد توسع بعضهم وقالوا نحن لا نتوقف في لعنه لما صدر منه وقال السعد التفتازاني على العقائد رحمه اللّه واختلفوا في لعن يزيد بن معاوية فذكر في الخلاصة وغيرها أنه لا ينبغي اللعن عليه ولا على الحجاج لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن لعن المصلين ومن كان مه أهل القبلة وما نقل من لعن النبي صلى اللّه عليه وسلم لبعض من أهل القبلة فلما أنه يعلم من أحوال الناس ما لم يعلمه غيره وبعضهم أطلقوا اللعن عليه لما أنه كفر حين أمر بقتل الحسين رضي اللّه عنه واتفقوا على جواز اللعن على من قتله أو أمر به أو أجازه أو رضي به والحق إن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت النبوة مما تواتر معناه وإن كان تفاصيلها آحادا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة اللّه عليه وعلى أنصاره وأعوانه انتهى فتدبر ونقل علي قاري رحمه اللّه الباري أيضا عن بعض العراقيين لعنة لما أنه كفر بما استحل من محارم اللّه بفعله في أهل البيت ثم قال ولا يخفى أن الاستحلال أمر قلبي غائب عن ظاهر الحال ولو فرض وجوده أو لا يحتمل أنه مات تائبا آخرا فلا يجوز لعنه باطنا ولا ظاهرا انتهى والحاصل إن الظاهر من كلامهم أن الاختلاف في جواز لعنه مبني على أنه هل كفر بذلك حيث ثبت صدوره منه أو لا وذلك مبني على أنه هل استباح ذلك أم لا ولم يظهر لنا حقيقة الحال فأولى لنا السكوت عن شأنه فإنه أسلم وأورع على أنا لم نكلف بلعنه ولا نسأل بتركه في الآخرة فلا يضرنا السكوت عنه مع أن لعنه يوجب السؤال وإن لم يكن فيه نكال غاية الأمر أنه يجب علينا الإنكار ما وقع منه من قبيح الأفعال لأنه مسبب على كل حال واللّه أعلم بحقيقة الحال. تتمة يجب الكف عما وقع بين الصحابة رضي اللّه عنهم أجمعين ونعتقد أن الكل مأجورون إذا الطعن فيهم إن كان مما يخالف الدليل القطعي كقذف عائشة رضي اللّه عنها أو سب أحد الشيخين فهو كفر وإلا ففسق واعتزال ما لم يكن من الطاعن عن اجتهاد ممكن فجائز منه كقول علي رضي اللّه عنه وكرم اللّه وجهه في حق معاوية رضي اللّه عنه وأهل الشام إنهم إخواننا بغو علينا وفي الجملة لم ينقل عن أحد من السلف المعتبرين جواز التكلم في حق معاوية وأمثاله لأنهم كانوا مجتهدين والمجتهد مأجور وإن أخطأ ولم يسلم إن أمرهم (٨٧) لم يكن عن اجتهاد فغاية أمرهم البغي والخروج على الإمام وهو فسق والفسق عند أهل السنة لا يخرج عن الإيمان كما قدمنا واللّه تعالى أعلم وأحكم. قال الناظم رحمه اللّه تعالى |