Geri

   

 

 

İleri

 

٤٠

وَاِيمَانُ الْمُقَلِّدِ ذُواعْتِبَارٍ بِاَنْوَاعِ الدَّلَائِلِ كَالنِّصَالِ

المقلد اسم فاعل من التقليد وهو قبول قول الغير بلا استدلال

والمراد به ههنا العقد الجازم بما يأتي به الشرع من العقائد بدون استدلال ونظر بل آخذا من الغير فيكفي في صحة الإيمان ممن لم يكن أهلا للنظر والاستدلال التلفظ بالشهادتين المبني على العقد الجازم ويقاس غير الإيمان من التكاليف عليه وأراد بالاعتبار الاعتداد بالشئ والأنواع جمع نوع وهو المقول على كثيرين مختلفين بالعدد دون الحقيقة حقيقيا كان أو إضافيا

والمراد بها ههنا العقل والنقل وفعله صلى اللّه عليه وسلم والإجماع فجعل كلا منها نوعا والدلائل جمع دليل وهو عند الأصوليين ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري فهو عندهم ما يستدل بوقوعه أي بشئ من حالاته على وقوع غيره وهو المناسب ههنا وعند غيرهم هو الذي يلزم من العلم به العلم بشئ آخر وهو المدلول فالعالم عند الأصوليين دليل على إثبات الصانع وعند غيرهم ما ينتجه الحكم عليه من القضايا كالعالم حادث وكل حادث له صانع وهذا ظاهر كلام بعض المحققين من الأصوليين فإنهم لا يطلقون الدليل على القضايا بل على المفردات فقط ولم نظفر بتصريحهم بذلك بل كلامهم عام كما علم في محله والنصال جمع نصل وهو حديدة السيف والسهم ونحوهما أي الدلائل القطعية

الإعراب الواو عاطفة قصة على قصة أو استينافية وإيمان مبتدأ مضاف والمقلد مضاف إليه وذو مرفوع على الخبرية مضاف إلى اعتبار وبأنواع متعلق بمقدر أي ثابت أو ثبت ذلك بأنواع الدلائل ولا يصح تعلقه باعتبار كما لا يخفى على أهل الاعتبار

وقيل متعلق بالمقلد أي يكتفي بإيمان من قلد بالدلائل القطعية قيل فيه نظر لأنه يكون ناظرا لا مقلدا يعني إذا أريد بالدلائل مصنوعاته تعالى أما إذا أريد بها ما قدمنا فلا مانع

وقوله كالنصال في محل النصب حال من أنواع الدلائل أو في محل الجر صفة للدلائل أي المماثلة للنصال

(وحاصل معنى البيت) أن إيمان المقلد معتبر عند الأكثر ثبت ذلك بأدلة قطعية كالنصال القاطعة واضحة لا شبهة فيها أو في صحة تقليده بها كقوله عليه السلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وكان عليه السلام

(٨٨)

يكتفي في إيمان

الأعراب الخالين عن النظر بمجرد التلفظ بكلمتي الشهادة وكذلك الصحابة من بعده قال الشارح الحنفي قال أبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي رضوان اللّه عليهم أجمعين إيمان المقلد صحيح ولكنه عاص بترك الاستدلال عليه وهذا مذهب أهل السنة وقالت المعتزلة إيمان المقلد ليس بصحيح إذ لا معرفة له والإيمان هو المعرفة فهو لا مؤمن ولا كافر وحكم أو هاشم من رؤسائهم بكفره وهو مردود بما قدمنا والصحيح ما عليه أهل العلم واللغة من أن الإيمان هو التصديق مطلقا فإذا أخبر المقلد بما يجب عليه الإيمان به فأذعن له وانقاد إليه كان مؤمنا ويدل على صحته أيضا قوله عليه السلام حين سئله جبريل عن الإيمان: أن تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره فإنه عليه السلام ما أجاب إلا بمجرد التصديق وهو حاصل في المقلد

والجواب عن شبهتهم أن المعرفة غير الإيمان بدليل انفكاكه عنها فإن أهل الكتاب يعرفون اللّه كما يعرفون أبنائهم ولكن لا يصدقون كما نطق به القرآن وهذا إنما هو في حق من نشأ على شاهق جبل ولم يبق له التفكر في العالم ولا في الصانع حتى أخبر بذلك فصدقه

وأما من نشأ في بلاد مسلمين وسبح اللّه تعالى عند رؤيته صنعا من صنايعه فهو خارج عن التقليد خصوصا بعد انتشار الدين ووضوح البراهين حتى أن الصبي المميز إذا تأمل في هذا الملكوت علم أن صانعه واحد أحد فرد صمد مستحق لجميع العبادات

ثم اعلم أن الإيمان هو التصديق بجميع ما جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم من عند اللّه بالقلب مع القبول والانقياد واختلف في النطق به فقيل شطر واختاره بعض أئمتنا الحنفية كشمس الأئمة وفخر الإسلام البزدوي رحمهم اللّه حيث ذهبوا إلى أنه التصديق بالقلب فقط والإقرار شرط لإجراء أحكام الإسلام في الدنيا فمن صدق بجنانه حق التصديق بما قدمنا وانقاد إليه كان مؤمنا عند اللّه تعالى وإن لم يتلفظ بلسانه غير معاند وعلى الأول لا يكون مؤمنا قال شيخنا وخلاصة الكلام إن إيمان المقلد صحيح عند الأئمة الأربعة رحمهم اللّه وكان عاصيا بترك الاستدلال على أنه قل لنا يرى مقلد في الإيمان باللّه تعالى إذ المعتبر في الاستدلال على ذلك الاستدلال والنظر على طريق العامة كالاستدلال بحدوث الحوادث على وجوده تعالى وعلى صفاته من العلم والإرادة والقدرة وغيرها وكلام العوام في الأسواق محشوة بذلك واللّه أعلم بالصواب. قال الناظم رحمه اللّه تعالى

(٨٩)