١٠وَ فِي اْلاَ ذْهَانِ حَقٌّ كَوْنَ جُزْءٍ بِلَاوَصْفِ التَّجَزِّي يَاابْنِ خَالِ الأذهان جمع ذهن وهو قوة مدركة ينتقش فيها صور جميع المحسوسات والمعقولات وقد تسمى بالحافظة والنقش الحاصل فيها يسمى علما وإدراكا ومعرفة وتصورا وتعقلا وقد يطلق الذهن على العقل ويحتمل إرادته ههنا وقوله حق أي ثابت متقرر في عقول أولي الألباب من أهل السنة كون الجزء أي وجوده بلا وصف التجزي ممكن وواقع وقوله يا ابن بكسر النون منادى حذف منه ياء المتكلم أي يا ولدي وقوله خال أي الجزء خال عن وصف التجزي وحاصل هذه المسألة أن المتكلمين من أهل السنة والجماعة ذهبوا إلى إثبات وجود الجزء الذي لا يتجزى في الخارج وإن لم ير عادة إلا بانضمامه إلى غيره كما قدمنا وعبروا عنه بالنقطة وقالت المعتزلة يتصور تجزيه عقلا وفعلا إلى ما لا نهاية له وهذا القول ظاهر الفساد لأنه يشعر بأن لا تكون الخردلة أصغر من الجبل العظيم ولا الجبل العظيم أكبر (٢٣) من الخردلة إذ أجزاء كل منهما غير متناهية وما لا يتناهى كيف يكون أصغر مما لا يتناهى أو أكبر منه وفائدة هذا الخلاف تظهر في ثلاثة أمور أحدها وصفه تعالى بالقدرة على خلق الجزء الذي لا يتجزى فعندنا يوصف به تعالى وهو على كل شئ قدير ولأنه ممكن وعندهم لا يوصف لكونه محالا والثاني في الاحصاء والدليل لنا عليه قوله تعالى وأحصى كل شئ عددا فلو لم يكن نهاية لما يتحقق الاحصاء من حيث العدد فيلزم الخلف في كلامه تعالى والثالث في مسألة الحوض الكبير إذا وقع فيه نجاسة فعندنا لا يتنجس ما لم يظهر أثرها وعندهم يتنجس وإن قلت النجاسة لأنه لا يتناهى تجزيها فكان في كل قطرة من قطرات الماء نجاسة الإعراب في الأذهان متعلق بحق أي ثابت في الأذهان وحق خبر مقدم وكون مبتدأ مؤخر وبلا وصف التجزي صفة جزء وخال صفة بعد صفة ويا ابني جملة ندائية معترضة بين الصفتين (وحاصل معنى البيت) إن وجود الجزء الذي لا يوصف بالتجزي الخالي بنفسه عن قبول التجزي ثابت ومتحقق في عقول أهل السنة والجماعة وله ثبوت وتحقق في الأذهان واللّه تعالى قادر على خلقه خلافا لما يقوله المعترضة وقد علمت بطلان قولهم وكون خالي صفة كما قلنا ومشى عليه بعض الشراح مفيد كما ترى وقال شيخنا في شرحه وقوله يا ابن خالي ترحم وتلطف لأن ابن الخال له رحم فكأنه قال إني نصحت لك القول بذكر هذه الفوائد النافعة كما ينصح ذو الرحم رحمه أنتهي وعلى كل فهو تتميم للبيت لكن حمله على الأول المفيد أولى تنبيه اعلم أن في إثبات الجوهر الفرد الذي لا يقبل التجزي نجاة من كثير من ظلمات أهل الاعتزال مثل إثبات الهيولى والصورة المؤدي إلى قدم العالم ونفي حشر الأجساد لأن إثباتهما موقوف على نفي الجزء الذي لا يتجزى فإذا ثبت بطل إثبات الهيولى والصورة والحشر مبني على حدوث العالم وانفطار السماوات وكون الصانع مختارا وإلا لصار الكل منتفيا على تقدير قدم العالم واعلم أن الهيولى أربعة أنواع، هيولى الصناعة، وهيولى الطبيعة، وهيولى الشكل، وهيولى الأولى فهيولى الصناعة، كل جسم يعمل منه الصانع مصنوعه كالحديد للحداد مثلا يعمل منه السيف والسكين والفأس وغير ذلك فكلها معمولة من جوهر واحد وهو الحديد فهو الهواء والماء والنار والتراب لأن ما تحت فلك القمر من الكائنات أعني المعادن والنبات والحيوان إنما يكون من هذه الأربعة وإليها ينتقل عند الفساد والنوع الثالث هيولى الشكل وهو الجسم المطلق الذي يحصل من جملة العالم الجسماني أعني الأفلاك والكواكب والأركان الأربعة والمواليد الثلث والنوع الرابع وهو الهيولى الأولى فعند بعضهم (٢٤) هو الجزء الذي لا يتجزى وعند آخرين منهم ذات قائمة بنفسها يحل فيها الجسمية فيولد من ذلك القابل وذلك المقبول ذات الجسم فليحفظ هذا الكلام فإنه من مزالق الأقدام قال السعد رحمه اللّه فإن قيل هل لهذا الخلاف ثمرة قلنا نعم له ثمرة وهي أن في إثبات الجوهر نجات من كثير من ظلمات الفلاسفة مثل إثبات الهيولى والصورة المؤدي إلى قدم العالم ونفي حشر الأجساد وكثير من أصول الهندسة المبني عليها دوام حركة السماوات وامتناع الخرق والالتيام انتهى واللّه أعلم قال الناظم رحمه اللّه |