الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد اللّه بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري المتوفى سنة ٣٢٤ هـ ٩٣٥ م بسم اللّه الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال الشيخ الإمام العالم أبو الحسن علي بن إسماعيل بن علي بن أبي بشر الأشعري البصري رحمه اللّه: ١- الحمد للّه الواحد الأحد، العزيز الماجد، المتفرد بالتوحيد، والمنفرد بالتمجيد، الذي لا تبلغه صفات العبيد، ليس له مثل ولا نديد، وهو المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، جل عن اتخاذ الصواحب والأولاد، وتقدس عن ملابسة الأجناس والأرجاس، ليست له عثرة تقال، ولا حد يضرب له مثال، لم يزل (٢/ ٨) بصفاته أولا قديرا، ولا يزال عالما خبيرا، استوفى الأشياء علمه، ونفذت فيها إرادته، فلم تعزب عليه خفيات الأمور، ولم تغيره سوالف صروف الدهور، ولم يلحقه في خلق شيء مما خلق كلال ولا تعب، ولا مسه لغوب ولا نصب، خلق الأشياء بقدرته، ودبرها بمشيئته، وقهرها بجبروته، وذللّها بعزته، فذل لعظمته المتكبرون، واستكان لعز ربوبيته المتعظمون، وانقطع دون الرسوخ في علمه العالمون، وذلت له الرقاب، وحارت في ملكوته فطن ذوى الألباب، وقامت بكلمته السماوات السبع، واستقرت الأرض المهاد، وثبتت الجبال الرواسي، وجرت الرياح اللواقح، وسار في جو السماء السحاب، وقامت على حدودها البحار، وهو اللّه الواحد القهار . ٢- فنحمده كما حمد نفسه، وكما هو أهله ومستحقه، وكما حمده الحامدون من جميع خلقه، ونستعينه استعانة من فوض الأمر (٢/ ٩) إليه، وأقر أنه لا منجى ولا ملجأ إلا إليه، ونستغفره استغفار مقر بذنبه، معترف بخطيئته . ونشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، إقرارا بوحدانيته، وإخلاصا لربوبيته، وأنه العالم بما تظن الضمائر، وتنطوي عليه السرائر، وما تخفيه النفوس، وما تجن البحار، وما تواريه الأسراب، (وما تفيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار) ، لا توارى عنه كلمة، ولا تغيب عنه غائبة، (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) من الآية (٥٩) . ويعلم ما يعمل العاملون وما ينقلب إليه المنقلبون . ٣ - ونستهديه بالهدى، ونسأله التوفيق لمجانبة الردى . ٤ - ونشهد أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم عبده ورسوله، ونبيه وأمينه وصفيه، أرسله إلى خلقه بالنور الساطع، والسراج اللامع، والحجج الظاهرة، والبراهين والآيات الباهرة، والأعاجيب القاهرة، فبلّغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وجاهد في اللّه حق جهاده، حتى تمت كلمة اللّه عز وجل، وظهر أمره، وانقاد الناس إلى الحق خاضعين، حتى أتاه اليقين، لا وانيا ولا مقصرا، (٢/ ١٠) فصلوات اللّه عليه من قائد إلى هدى مبين، وعلى أهل بيته الطيبين، وعلى أصحابه المنتخبين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين . عرَّفنا اللّه به الشرائع والأحكام، والحلال والحرام، وبيَّن لنا به شريعة الإسلام، حتى انجلت عنا طخياء الظلام، وانحسرت عنا به الشبهات، وانكشفت عنا به الغيابات، وظهرت لنا به البينات . وجاءنا بـ (كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد) من الآية (٤١ -٤٢) جمع فيه علم الأولين والآخرين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط اللّه المستقيم، وحبل اللّه المتين، فمن تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى، وفي الجهل تردى، وحـثـنا اللّه في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فقال عز وجل: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) من الآية (٧) ، (٢/ ١١) وقال عز وجل: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) من الآية (٦٣) ، وقال تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) من الآية (٨٣) ، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول) من الآية (٥٩) ، يقول: إلى كتاب اللّه وسنة رسوله: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يـوحى) ، وقال تعالى: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إن أتبع إلا ما يوحى إلي) من الآية (١٥) ، (٢/ ١٢) وقال: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) من الآية (٥١) فأمرهم أن يسمعوا قوله، ويطيعوا أمره، ويحذروا مخالفته، وقال: (وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول) من الآية (٩٢) فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه كما أمرهم بالعمل بكتابه . ٥ - فنبذ كثير ممن غلبت عليهم شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان سنن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم وراء ظهورهم، ومالوا إلى أسلاف لهم قلدوهم دينهم، ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن نبي اللّه عليه الصلاة والسلام، ودفعوها وأنكروها وجحدوها افتراء منهم على اللّه، (قد ضلوا وما كانوا مهتدين) من الآية (١٤) . أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه، وأحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، تغر أهلها وتخدع سكَّانها، (٢/ ١٣) قال اللّه تعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) الآية من الآية (٤٥) . من كان فيها في حيـرة أعقبته بعدها عبرة، ومن أعطته من سرائها بطنا أعقبته من ضرائها ظهرا، غرارة غرور ما فيها، فانية فَانٍ ما فيها، كما ب قوله تعالى: (كل من عليها فان) (٢٦) ، فاعملوا رحمكم اللّه للحياة الدائمة، ولخلود الأبد، فإن الدنيا تنقضي على أهلها، وتبقى الأعمال قلائد في رقاب أهلها . واعلموا أنكم ميتون، ثم إنكم من بعد موتكم إلى ربكم راجعون، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) من الآية (٣١) . فكونوا بطاعة ربكم عاملين، وعما نهاكم منتهين . (٢/ ١٤) فصل في قول أهل الزيغ والبدع:أما بعد: فإن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم ومن مضى من أسلافهم، فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل به اللّه سلطانا، ولا أوضح به برهانا، ولا نقلوه عن رسول رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين . وخالفوا روايات الصحابة رضي اللّه عنهم عن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم في رؤية اللّه عز وجل بالأبصار، وقد جاءت في ذلك الروايات من الجهات المختلفات، وتواترت بها الآثار وتتابعت بها الأخبار . (٢/ ١٥) وأنكروا شفاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للمذنبين، ودفعوا الروايات في ذلك عن السلف المتقدمين . وجحدوا عذاب القبر، وأن الكفار في قبورهم يعذبون، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعـون رضي اللّه عنهم أجمعين . ودانوا بخلق القرآن نظيرا لقول إخوانهم من المشركين؛ الذين قالوا: (إن هذا إلا قول البشر) (٢٥) . وأثبتوا أن العباد يخلقون الشر، نظيرا لقول المجوس الذين أثبتوا خالقين: أحدهما الخير، والآخر يخلق الشر . وزعمت القدرية أن اللّه تعالى يخلق الخير، والشيطان يخلق الشر . وزعموا أن اللّه تعالى يشاء ما لا يكون، ويكون مالا يشاء، خلافا لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، وردا لقول اللّه تعالى (٢/ ١٦) : (وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّه) من الآية (٣٠) فأخبر تعالى أنا لا نشاء شيئا إلا وقد شاء اللّه أن نشاءه . ولقوله: (ولو شاء اللّه ما اقتتلوا) من الآية (٢٥٣) ، ول قوله تعالى: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) من الآية (١٣) ، ول قوله تعالى: (فعال لما يريد) من الآية (١٠٧) ، ولقوله تعالى مخبرا عن نبيه شعيب صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللّه ربنا، وسع ربنا كل شيء علما) من الآية (٨٩) . ولهذا سماهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجوس هذه الأمة؛ لأنهم دانوا بديانة المجوس، وضاهوا أقاويلهم . وزعموا أن للخير والشر خالقين، كما زعمت المجوس ذلك، وأنه يكون من الشرور ما لا يشاء اللّه كما قالت المجوس . وأنهم يملكون الضر والنفع لأنفسهم من دون اللّه عز (٢/ ١٧) وجل، ردا لقول اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء اللّه) (١٨٨) ، وإعراضا عن القرآن، وعما أجمع عليه أهل الإسلام . وزعموا أنهم منفردون بالقدرة على أعمالهم دون ربهم، فأثبتوا لأنفسهم الغنى عن اللّه عز وجل، ووصفوا أنفسهم بالقدرة على ما لم يصفوا اللّه عز وجل بالقدرة عليه، كما أثبت المجوس لعنهم اللّه للشيطان من القدرة على الشر ما لم يثبتوا للّه عز وجل، فكانوا مجوس هذه الأمة؛ إذ دانوا بديانة المجوس، وتمسكوا بأقاويلهم ومالوا إلى أضاليلهم . وقنطوا الناس من رحمة اللّه، وآيسوهم من روحه، وحكموا على العصاة بالنار والخلود فيها، خلافا لقول اللّه تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) من الآية (٤٨) . وزعموا أن من دخل النار لا يخرج منها، خلافا لما جاءت به الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن اللّه عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امْتَحَشُوا فيها (٢/ ١٨) وصاروا حمما) . ودفعوا أن يكون للّه وجه مع قوله عز وجل: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (٢٧) وأنكروا أن له يدان مع قوله سبحانه: (لما خلقت بيدي) من الآية (٧٥) . وأنكروا أن يكون له عينان مع قوله سبحانه: (تجري بأعيننا) من الآية (١٤) ، وقوله: (ولتصنع على عيني) (٣٩) . وأنكروا أن يكون له سبحانه علم مع قوله: (أنزله بعلمه) من الآية (١٦٦) . وأنكروا أن يكون له قوة مع قوله سبحانه: (ذو القوة المتين) من الآية (٥٨) . ونفوا ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (أن اللّه (٢/ ١٩) عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا) وغير ذلك مما رواه الثقات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وكذلك جميع أهل البدع من الجهمية والمرجئة والحرورية، أهل الزيغ فيما ابتدعوا وخالفوا الكتاب والسنة، وما كان عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه رضى اللّه عنهم أجمعين، وأجمعت عليه الأمة كفعل المعتزلة والقدرية وأنا ذاكر ذلك بابا بابا، وشيئا شيئا إن شاء اللّه تعالى وبه المعونة . (٢/ ٢٠) فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة:فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافعة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون . قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب اللّه ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل - نضر اللّه وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي (٢/ ٢١) أبان اللّه به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيع الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة اللّه عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم . وجملة قولنا: أنا نقر باللّه وملائكته وكتبه ورسله، وبما جاءوا به من عند اللّه، وما رواه الثقات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئا، وأن اللّه عز وجل إله واحد لا إله إلا هو، فرد صمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق . وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور . وأن اللّه تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن الممارسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش، وفوق كل شيء، إلى تخوم الثرى، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء، بل هو رفيع الدرجات عن العرش، كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد . (٢/ ٢٢) وأن له سبحانه وجها بلا كيف، كما قال: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (٢٧) . وأن له سبحانه يدين بلا كيف، كما قال سبحانه: (خلقت بيدي) من الآية (٧٥) ، وكما قال: (بل يداه مبسوطتان) من الآية (٦٤) . وأن له سبحانه عينين بلا كيف، كما قال سبحانه: (تجري بأعيننا) من الآية (١٤) . وأن من زعم أن أسماء اللّه غيره كان ضالا . وأن للّه علما كما قال: (أنزله بعلمه) من الآية (١٦٦) ، وكما قال: (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) من الآية (١١) . ونثبت للّه السمع والبصر، ولا ننفى ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج . (٢/ ٢٣) ونثبت أن للّه قوة، كما قال: (أولم يروا أن اللّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) من الآية (١٥) . ونقول: إن كلام اللّه غير مخلوق، وأنه سبحانه لم يخلق شيئا إلا وقد قال له كن، كما قال: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (٤٠) . وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير أو شر إلا ما شاء اللّه، وأن الأشياء تكون بمشيئة اللّه عز وجل، وأن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله، ولا يستغني عن اللّه، ولا يقدر على الخروج من علم اللّه عز وجل . وأنه لا خالق إلا اللّه، وأن أعمال العباد مخلوقة للّه مقدرة، كما قال سبحانه: (واللّه خلقكم وما تعملون) (٩٦) ، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا، وهم يخلقون، (٢/ ٢٤) كما قال: (هل من خالق غير اللّه) من الآية (٣) ، وكما قال: (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) من الآية (٢٠ /١٦) ، وكما قال سبحانه: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) (١٧ /١٦) ، وكما قال: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) (٣٥ /٥٢) ، وهذا في كتاب اللّه كثير . وأن اللّه وفق المؤمنين لطاعته، ولطف بهم، ونظر لهم، وأصلحهم وهداهم، وأضل الكافرين ولم يهدهم، ولم يلطف بهم بالإيمان، كما زعم أهل الزيغ والطغيان، ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين . وإن اللّه يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم حتى (٢/ ٢٥) يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين، كما علم وخذلهم وطبع على قلوبهم . وأن الخير والشر بقضاء اللّه وقدره، وإنا نؤمن بقضاء اللّه وقدره، خيره وشره، حلوه ومره، ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلا بإذن اللّه، كما قال عز وجل: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء اللّه) (١٨٨ /٧) . ونلجئ أمورنا إلى اللّه، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه سبحانه وتعالى . ونقول: إن كلام اللّه غير مخلوق، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر . وندين بأن اللّه يُرى في الآخرة بالأبصار، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ونقول: إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة، كما قال (٢/ ٢٦) سبحانه: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (١٥ /٨٣) ، وإن موسى صلى اللّه عليه وسلم سأل اللّه عز وجل الرؤية في الدنيا، وأن اللّه تعالى تجلى للجبل فجعله دكا، فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا . وندين بأن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه ما لم يستحله، كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج، وزعمت أنهم كافرون . ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبهها مستحلا لها، غير معتقد لتحريمها كان كافرا . ونقول: إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيمانا . وندين اللّه عز وجل بأنه يقلب القلوب بين أصبعيـن من أصابعه، وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع، والأرضين على (٢/ ٢٧) أصبع، كما جاءت الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غير تكييف . وندين بأن لا ننزل أحدا من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنة ولا نارا، إلا من شهد له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالجنة، ونرجو الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين، أجارنا اللّه منها بشفاعة سيدنا وحبيبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ونقول: إن اللّه عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض، وأن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، وأن اللّه عز وجل يوقف العباد في الموقف، ويحاسب المؤمنين . وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التي رواها الثقات عدل عن عدل، حتى تنتهي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . (٢/ ٢٨) وندين بحب السلف الذين اختارهم اللّه تعالى لصحبة نبيه صلى اللّه عليه وسلم، ونثني عليهم بما أثنى اللّه به عليهم، ونتولاهم أجمعين . ونقول: إن الإمام الفاضل بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبو بكر الصديق رضى اللّه عنه، وأن اللّه سبحانه وتعالى أعز به الدين، وأظهره على المرتدين، وقدمه المسلمون بالإمامة، كما قدمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للصلاة، وسموه بأجمعهم خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه، ثم عثمان بن عفان رضى اللّه عنه، وأن الذين قتلوه قتلوه ظلما وعدوانا، ثم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه . فهؤلاء الأئمة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وخلافتهم خلافة النبوة (٢/ ٢٩) . ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها، ونتولى سائر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ونكف عما شجر بينهم . وندين بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون، مهديون فضلاء، لا يوازنهم في الفضل غيرهم . ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل عن النزول إلى سماء الدنيا، وأن الرب عز وجل يقول: (هل من سائل، هل من مستغفر) ، وسائر ما نقلوه و أثبتوه خلافا لما قاله أهل الزيغ والتضليل . ونعوِّل فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى اللّه عليه وسلم، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين اللّه (٢/ ٣٠) ما لم يأذن لنا، ولا نقول على اللّه مالا نعلم . ونقول: إن اللّه عز وجل يجيء يوم القيامة، كما قال سبحانه: (وجاء ربك والملك صفا صفا) (٢٢ /٨٩) . وأن اللّه مقرب من عباده كيف شاء بلا كيف، كما قال تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) من الآية (١٦ /٥٠) ، وكما قال سبحانه: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) (٨ - ٩ / ٥٣) . ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد، وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وفاجر، كما روى أن عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهم كان يصلي خلف الحجاج . (٢/ ٣١) وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر، خلافا لقول من أنكر ذلك . ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة . وندين بإنكار الخروج بالسيف، وترك القتال في الفتنة، ونقر بخروج الدجال -أعاذنا اللّه من فتنته - كما جاءت به الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ونؤمن بعذاب القبر، ومنكر ونكير عليهما الصلاة والسلام، ومساءلتهما المدفونين في القبور . ونصدق بحديث المعراج، وتصحيح كثير من الرؤيا في المنام، ونقر أن لذلك تفسيرا . ونرى الصدقة على موتى المسلمين، والدعاء لهم، ونؤمن بأن اللّه ينفعهم بذلك . ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحرا، وأن السحر كائن موجود في الدنيا . (٢/ ٣٢) وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة، برهم وفاجرهم، وتوارثهم . ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان، وأن من مات وقتل فبأجله مات وقتل . وأن الأرزاق من قبل اللّه سبحانه، يرزقها عباده حلالا وحراما، وأن الشيطان يوسوس الإنسان، ويشككه ويخبطه، خلافا للمعتزلة والجهمية، كما قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) من الآية (٢٧٥ /٢) ، وكما قال: (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) (٤ - ٦ /١١٤) . (٢/ ٣٤) ونقول: إن الصالحين يجوز أن يخصهم اللّه تعالى بآيات يظهرها عليهم . وقولنا في أطفال المشركين أن اللّه تعالى يؤجج لهم في الآخرة نارا، ثم يقول لهم اقتحموها، كما جاءت بذلك الرواية . وندين اللّه عز وجل بأنه يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، وما كان وما يكون، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين . ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعة، ومجانبة أهل الأهواء . وسنحتج لما ذكرناه من قولنا، وما بقى منه مما لم نذكره بابا بابا، وشيئا شيئا إن شاء اللّه عز وجل . (٢/ ٣٥) |