Geri

   

 

 

İleri

 

وآخرون    ۱

الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه

الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أبو محمد سبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وريحانته وآخر الخلفاء بنصه.

أخرج ابن سعد عن عمران بن سليمان قال الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة ما سمت العرب بهما في الجاهلية.

ولد الحسن رضي اللّه عنه في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة وروى له عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أحاديث وروت عنه عائشة رضي اللّه عنها وخلائق من التابعين: منهم ابنه الحسن وأبو الحوراء ربيعة بن سنان والشعبي وأبو وائل وابن سيرين.

وكان شبيهاً بالنبي صلى اللّه عليه وسلم سماه النبي صلى اللّه عليه وسلم الحسن وعق عنه يوم سابعه وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة وهو خامس أهل الكساء.

قال العسكري: لم يكن هذا الاسم يعرف في الجاهلية.

وقال المفضل: إن اللّه حجب اسم الحسن والحسين حتى سمى بهما النبي صلى اللّه عليه وسلم ابنيه.

وأخرج البخاري عن أنس

قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى اللّه عليه وسلم من الحسن بن علي.

وأخرج الشيخان عن البراء

قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والحسن على عاتقه وهو يقول: " اللّهم إني أحبه فأحبه " .

وأخرج البخاري عن أبي بكرة

قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة يقول " إن ابني هذا سيد ولعل اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " .

وأخرج البخاري عن ابن عمر

قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم هما ريحانتاي من الدنيا يعني الحسن والحسين.

وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري

قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " .

وأخرج الترمذي عن أسامة بن زيد

قال: رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم والحسن والحسين علي وركيه ف

قال: " هذان ابناي وابنا ابنتي اللّهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما " .

وأخرج عن أنس

قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أي أهل بيتك أحب إليك قال الحسن والحسين.

وأخرج الحاكم عن ابن عباس

قال: أقبل النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل ف

قال: نعم المركب ركبت يا غلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " ونعم الراكب هو " .

وأخرج ابن سعد عن عبد اللّه بن الزبير

قال: أشبه أهل النبي صلى اللّه عليه وسلم به وأحبهم إليه الحسن بن علي رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ولقد رأيته وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.

وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن

قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهش إليه.

وأخرج الحاكم عن زهير بن الأرقم

قال: قام الحسن بن علي يخطب فقام رجل من أزد شنوءة ف

قال: أشهد لقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واضعه في حبوته وهو يقول " من أحبني فليحبه وليبلغ الشاهد الغائب " ولولا كرامة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما حدثت به أحداً. كان الحسن رضي عنه له مناقب كثيرة سيداً حليماً ذا سكينة ووقار وحشمة جواداً مدوحاً يكره الفتن والسيف تزوج كثيراً وكان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف.

وأخرج الحاكم عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير

قال: لقد حج الحسن خمساً وعشرين حجة ماشياً وإن النجائب لتقاد معه.

وأخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال ما تكلم عندي أحد كان أحب إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فإنه كان بين الحسن وعمرو بن عثمان خصومة في أرض فعرض الحسن أمراً لم يرضه عمرو فقال الحسن فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه قال فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه.

وأخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق

قال: كان مروان أميراً علينا فكان يسب علياً كل جمعة على المنبر وحسن يسمع فلا يرد شيئاً ثم أرسل إليه رجلا يقول له بعلي وبعلي وبعلي وبك وبك وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها من أبوك؟ فتقول أمي الفرس فقال له الحسن: أرجع إليه فقل له إني واللّه لا أمحو عنك شيئاً مما قلت بأن أسبك ولكن موعدي وموعدك اللّه فإن كنت صادقاً جزاك اللّه بصدقك وإن كنت كاذباً فاللّه أشد نقمة.

وأخرج ابن سعد عن زريق بن سوار

قال: كان بين الحسن وبين مروان كلام فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له والحسن ساكت فامتخط مروان بيمينه فقال له الحسن ويحك أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج أف لك فسكت مروان.

وأخرج ابن سعد عن أشعث بن سوار عن رجل قال جلس رجل إلى الحسن فقال إنك جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن؟.

وأخرج ابن سعد على علي بن زيد بن جدعان

قال: أخرج الحسن من ماله للّه مرتين وقاسم اللّه ماله ثلاث مرات حتى إنه كان يعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفاً ويمسك خفاً.

وأخرج ابن سعد عن علي بن الحسين: قال كان الحسن مطلاقاً للنساء وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه وأحصن تسعين امرأة.

وأخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه

قال: كان الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل.

وأخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه

قال: قال علي يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق فقال رجل من همدان واللّه لنزوجنه فما رضي أمسك وما كره طلق.

وأخرج ابن سعد عن عبد اللّه بن حسن

قال: كان حسن رجلا كثير نكاح النساء وكن قلماً يحظين عنده وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت إليه.

وأخرج ابن عساكر عن جويرية بن أسماء

قال: لما مات الحسن بكى مروان في جنازته فقال له الحسين أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه فقال إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا وأشار بيده إلى الجبل.

وأخرج ابن عساكر عن المبرد

قال: قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة فقال رحم اللّه أبا ذر أما أنا فأقول: من اتكل عل حسن اختيار اللّه لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها اللّه له وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء.

ولي الحسن رضي اللّه عنه الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعته أهل الكوفة فأقام فيها ستة أشهر وأياماً ثم سار إليه معاوية والأمر إلى اللّه فأرسل إليه الحسن يبذل له تسليم الأمر إليه على أن تكون له الخلافة من بعده وعلى أن لا يطالب أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان أيام أبيه وعلى أن يقضي عنه ديونه فأجابه معاوية إلى ما طلب فاصطلحا على ذلك فظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى اللّه عليه وسلم " يصلح اللّه به بين فئتين من المسلمين " ونزل له عن الخلافة وقد استدل البلقيني بنزوله عن الخلافة التي هي أعظم المناصب على جواز النزول عن الوظائف وكان نزوله عنها في سنة إحدى وأربعين في شهر ربيع الأول وقيل الآخر وقيل في جمادى الأولى فكان أصحابه يقولون له يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار وقال له رجل السلام عليك يا مذل المؤمنين ف

قال: لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك.

ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها.

وأخرج الحاكم عن جبير بن نفير

قال: قلت للحسن إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة ف

قال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه اللّه وحقن دماء أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز.

توفي رضي اللّه عنه بالمدينة مسموماً سمته زوجته جعدة بنت الأشعث ابن قيس دس إليه يزيد بن معاوية أن تسمه فيتزوجها ففعلت فلما مات الحسن بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها ف

قال: إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا وكانت وفاته سنة تسع وأربعين وقيل في خامس ربيع الأول سنة خمسين

وقيل: سنة إحدى وخمسين وجهد به أخوه أن يخبره بمن سقاه فلم يخبره وقال اللّه أشد نقمة إن كان الذي أظن وإلا فلا يقتل بي واللّه بريء.

وأخرج ابن سعد عن عمران بن عبد اللّه بن طلحة

قال: رأى الحسن كأن بين عينيه مكتوباً " قل هو اللّه أحد " " الإخلاص: 1 " فاستبشر به أهل بيته فقصوها على سعيد بن المسيب فقال إن صدقت رؤياه فقل ما بقي من أجله فما بقي إلا أيام حتى مات.

وأخرج البيهقي وابن عساكر من طريق أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه

قال: أضاق الحسن بن علي وكان عطاؤه في كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة قال فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المنام فقال كيف أنت يا حسن؟ فقلت بخير يا أبت وشكوت إليه تأخر المال عني فقال أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك؟ فقلت نعم يا رسول اللّه فكيف أصنع فقال قل اللّهم اقذف في قلبي رجاءك وأقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحداً غيرك اللّهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إلهي رغبتي ولم تبلغه مسألتي ولم يجر على لساني مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين فخصني به يا رب العالمين قال فواللّه ما ألححت به أسبوعاً حتى بعث إلى معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت الحمد للّه الذي لا ينسى من ذكره ولا يخيب من دعاه فرأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في المنام فقال يا حسن كيف أنت؟ فقلت بخير يا رسول اللّه وحدثته بحديثي فقال يا بني هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق.

وفي الطيوريات عن سليم بن عيسى قارئ أهل الكوفة قال لما حضرت الحسن الوفاة جزع فقال له الحسين يا أخي ما هذا الجزع إنك ترد على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى علي وهما أبواك وعلى خديجة وفاطمة وهما أماك وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك وعلى حمزة وجعفر وهما عماك فقال له الحسن أي أخي إني داخل في أمر من أمر اللّه تعالى لم أدخل في مثله وأرى خلقاً من خلق اللّه لم أر مثله قط.

قال ابن عبد البر وروينا من وجوه أنه لما احتضر قال لأخيه: يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر فصرفه اللّه عنه ووليها أبو بكر ثم استشرف لها وصرفت عنه إلى عمر ثم لم يشك وقت الشورى أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى عثمان فلما قتل عثمان بويع علي ثم نوزع حتى جرد السيف فما صفت له وإني واللّه ما أرى أن يجمع اللّه فينا النبوة والخلافة فلا أعرفن ما استخلفك سفهاء الكوفة فأخرجوك وقد كنت طلبت من عائشة رضي اللّه عنها أن أدفن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت نعم فإذا مت فأطلب ذلك إليها وما أظن القوم إلا سيمنعونك فإن فعلوا فلا تراجعهم فلما مات أتى الحسين إلى أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها فقالت: نعم وكرامة فمنعهم مروان فلبس الحسين ومن معه السلاح حتى رده أبو هريرة ثم دفن بالبقيع إلى جنب أمه رضي اللّه عنها.

معاوية بن أبي سفيان رضي اللّه عنه

معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي الأموي أبو عبد الرحمن اسلم هو وأبوه يوم فتح مكة وشهد حنيناً وكان من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامه وكان أحد الكتاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

روي له عن النبي صلى اللّه عليه وسلم مائة حديث وثلاث وستون حديثاً روى عنه من الصحابة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو الدرداء وجرير البجلي والنعمان بن بشير وغيرهم ومن التابعين ابن المسيب وحميد ابن عبد الرحمن وغيرهما.

وكان من الموصوفين بالدهاء والحلم وقد ورد في فضله أحاديث قلما تثبت.

أخرج الترمذي وحسنه عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصحابي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لمعاوية " اللّهم اجعله هادياً مهدياً " .

وأخرج أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: " اللّهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب " .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير عن عبد الملك بن عمير

قال: قال معاوية: ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " يا معاوية إذا ملكت فأحسن " .

وكان معاوية رجلا طويلا أبيض جميلاً مهيباً وكان عمر ينظر إليه فيقول: هذا كسرى العرب وعن علي

قال: لا تكرهوا إمرة معاوية فإنكم لو فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها وقال المقبري: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى وتدعون معاوية وكان يضرب بحلمه المثل وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً في حلم معاوية.

قال ابن عون: كان الرجل يقول لمعاوية واللّه لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك فيقول: بماذا؟ فيقول بالخشب فيقول إذن نستقيم.

وقال قبيصة بن جابر: صحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل حلماً ولا أبطأ جهلا ولا أبعد أناة منه.

ولما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان فلما مات يزيد استخلفه على دمشق فأقره عمر ثم أقره عثمان وجمع له الشام كله فأقام أميراً عشرين سنة وخليفة عشرين سنة.

قال كعب الأحبار: لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية قال الذهبي: توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية

قال: وصدق كعب فيما نقله فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض بخلاف غيره ممن بعده فإنه كان لهم مخالف وخرج عن أمرهم بعض الممالك خرج معاوية على علي كما تقدم وتسمى بالخلافة ثم خرج علي الحسن فنزل له الحسن عن الخلافة فاستقر فيها من ربيع الأخر أو جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين فسمى هذا العام عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد وفيه ولي معاوية مروان بن الحكم المدينة.

وفي سنة ثلاث وأربعين فتحت الرخج وغيرها من بلاد سجستان وودان من برقة وكور من بلاد السودان وفيها استخلف معاوية زياد بن أبيه وهي أول قضية غير فيها حكم النبي صلى اللّه عليه وسلم في الإسلام ذكره الثعالبي وغيره.

وفي سنة خمس وأربعين فتحت القيقان.

وفي سنة خمسين فتحت قوهستان عنوة وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه وهو أول من عهد الخلافة لابنه وأول من عهد بها في صحته ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة فخطب مروان ف

قال: إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد سنة أبي بكر وعمر فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ف

قال: بل سنة كسرى وقيصر إن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما ولا في أحد من أهل بيتهما.

ثم حج معاوية سنة إحدى وخمسين وأخذ البيعة لابنه فبعث إلى ابن عمر فتشهد و

قال: أما بعد يا ابن عمر إنك كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك فيها أمير وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين أو تسعى في فساد ذات بينهم فحمد ابن عمر اللّه وأثنى عليه ثم

قال: أما بعد فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبناءهم فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين ولم أكن لأفعل وإنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم فقال يرحمك اللّه فخرج ابن عمر ثم أرسل إلى ابن أبي بكر فتشهد ثم أخذ في الكلام فقطع عليه كلامه وقال إنك لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى اللّه وإنا واللّه لا نفعل واللّه لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ثم وثب ومضى فقال معاوية: اللّهم أكفنيه بما شئت ثم قال على رسلك أيها الرجال لا تشرفن على أهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك ثم أرسل إلى ابن الزبير ف

قال: يا ابن الزبير إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخر وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما فقال ابن الزبير إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها وهلم ابنك فلنبايعه أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع ونطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبداً ثم راح فصعد معاوية المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم

قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار زعموا أن ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير لن يبايعوا يزيد وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له فقال أهل الشام واللّه لا نرضى حتى يبايعوا له على رؤوس الأشهاد وإلا ضربنا أعناقهم فقال سبحان اللّه ما أسرع الناس إلى قريش بالشر لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم ثم نزل فقال الناس بايع ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير وهم يقولون لا واللّه ما بايعنا فيقول الناس بلى وارتحل معاوية فلحق بالشام.

وعن ابن المنكدر:

قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد إن كان خيراً رضينا وإن كان بلاء صبرنا.

وأخرج الخرائطي في الهواتف عن حميد بن وهب قال كانت هند بنت عتبة بن ربيعة عند الفاكة بن المغيرة وكان من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن فخلا البيت ذات يوم فقام الفاكه وهند فيه ثم خرج الفاكه لبعض حاجاته وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رأى المرأة ولى هارباً فأبصره الفاكه فانتهى إليها فضربها برجله و

قال: من هذا الذي كان عندك قالت ما رأيت أحداً ولا انتيهت حتى أنبهتني فقال لها: الحقي بأهلك وتكلم فيها الناس فخلا بها أبوها فقال لها يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني بذاك فإن يكن الرجل صادقاً دسست إليه من يقتله فتنقطع عنا المقالة وإن يكن كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن

قال: فخلفت له بما كانوا يحلفون به في الجاهلية أنه كاذب عليها فقال عتبة للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف ومعهم هند ونسوة معها تأنس بهن فلما شارفوا البلاد تنكرت حال هند وتغير وجهها فقال لها أبوها: يا بنية إني قد أرى ما بك من تغير الحال وما ذاك إلا لمكروه عندك قالت: لا واللّه يا أبتاه وما ذاك لمكروه ولكني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب فلا آمنه أن يسمني بسيماء تكون على سبة في العرب فقال لها: إني سوف أختبره لك قبل أن ينظر في أمرك فصفر بفرسه حتى أدلى ثم أدخل في إحليله حبة من الحنطة وأوكأ عليها بسير وصبحوا الكاهن فنحر لهم وأكرمهم فلما تغدوا قال له عتبة: إنا قد جئناك في أمر وقد خبأت لك خبيئاً أختبرك به فأنظر ما هو؟

قال: برة في كمرة

قال: أريد أبين من هذا قال حبة من بر في إحليل مهر فقال عتبة: صدقت أنظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهن ويضرب كتفها ويقول أنهضي حتى دنا من هند فضرب كتفها و

قال: انهضي غير رسحاء ولا زانية ولتلدين ملكاً يقال له معاوية فنظر إليها الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت إليك واللّه لأحرصن أن يكون ذلك من غيرك فتزوجها أبو سفيان فجاءت بمعاوية.

مات معاوية في شهر رجب سنة ستين ودفن بين باب الجابية وباب الصغير

وقيل: إنه عاش سبعاً وسبعين سنة وكان عنده شيء من شعر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقلامة أظفاره فأوصى أن تجعل في فمه وعينيه و

قال: افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين.

فصل في نبذ من أخباره

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن جمهان

قال: قلت لسفينة: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم

قال: كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من أشد الملوك وأول الملوك معاوية.

وأخرج البيهقي وابن عساكر عن إبراهيم بن سويد الأرمني

قال: قلت لأحمد بن حنبل: من الخلفاء؟ قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي

قلت: فمعاوية؟ قال لم يكن أحق بالخلافة في زمان على من علي.

وأخرج السلفي في الطيوريات عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن علي ومعاوية فقال اعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا فجاءوا إلى رجل قد حار به وقاتله فأطروه كياداً منهم له.

وأخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير

قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال من أنت قال جارية بن قدامة

قال: وما عسيت أن تكون؟ هل أنت إلا نحلة قال لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق واللّه ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب وما أمية إلا تصغير أمة.

وأخرج عن الفضل بن سويد

قال: وفد من جارية بن قدامة على معاوية فقال له معاوية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟ قال جارية يا معاوية دع عنك علياً فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ولا غشناه منذ صحبناه قال ويحك يا جارية ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية قال أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية قال لا أم لك

قال: أم ما ولدتني إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا قال إنك لتهددني قال إنك لم تملكنا قسرة ولم تفتتحنا عنوة ولكن أعطيتنا عهوداً ومواثيق فإن وفيت لنا وفينا وإن ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا ورجالا مداداً وأدرعاً شداداً وأسنة حداداً فإن بسطت إلينا فتراً من غدر زلفنا إليك بباع من ختر قال معاوية لا أكثر اللّه في الناس أمثالك.

وأخرج عن أبي الطفيل عامر بن وائلة الصحابي أنه دخل على معاوية فقال له معاوية: ألست من قتله عثمان؟

قال: لا ولكني ممن حضره فلم ينصره

قال: وما منعك من نصره قال لم تنصره المهاجرون والأنصار فقال معاوية أما لقد كان حقه واجباً عليهم أن ينصروه قال فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام فقال معاوية أما طلبي بدمه نصرة له فضحك أبو الطفيل ثم قال أنت وعثمان كما قال الشاعر:

لا ألفينك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادا

وقال الشعبي: أول من خطب الناس قاعداً معاوية وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه

أخرجه ابن أبي شيبة.

وقال الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.

وقال سعيد بن المسيب: أول من أحدث الأذان في العيد معاوية

أخرجه ابن أبي شيبة و

قال: أول من نقص التكبير معاوية

أخرجه ابن أبي شيبة.

وفي الأوائل للعسكري

قال: معاوية أول من وضع البريد في الإسلام وأول من اتخد الخصيان لخاص خدمته وأول من عبثت به رعيته وأول من قيل له السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته الصلاة يرحمك اللّه وأول من اتخذ ديوان الخاتم وولاه عبيد اللّه بن أوس الغساني وسلم إليه الخاتم وعلى فصه مكتوب: لكل عمل ثواب واستمر ذلك في الخلفاء العباسيين إلى آخر وقت وسبب اتخاذه له أنه أمر لرجل بمائة ألف ففك الكتاب وجعله مائتي ألف فلما رفع الحساب إلى معاوية أنكر ذلك واتخذ ديوان الخاتم من يومئذ وهو أول من اتخذ المقصورة بالجامع وأول من أذن في تجريد الكعبة وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئاً فوق شيء.

وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن أخي الزهري

قال: قلت للزهري من أول من استخلف في البيعة؟

قال: معاوية استخلفهم باللّه فلما كان عبد الملك بن مروان استحلفهم بالطلاق والعتاق.

وأخرج العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد اللّه بن معمر

قال: قدم معاوية مكة أو المدينة فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر فأقبلوا عليه وأعرض عنه ابن عباس فقال وأنا أحق بهذا الأمر من هذا المعرض وابن عمر فقال ابن عباس ولم التقدم في الإسلام أم سابقة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو قرابة منه؟ قال لا ولكني ابن عم المقتول قال فهذا أحق به يريد أبن أبي بكر قال إن أباه مات موتاً قال فهذا أحق به يريد ابن عمر قال إن أباه قتله كافر قال فذاك أدحض لحجتك أن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك فقتلوه.

وقال عبد اللّه بن محمد بن عقيل قدم معاوية المدينة فلقيه أبو قتادة الأنصاري فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار

قال: لم يكن لنا دواب

قال: فأين النواضح؟ قال عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر ثم قال أبو قتادة إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لنا: إنكم سترون بعدي أثرة قال معاوية فما أمركم؟

قال: أمرنا أن نصبر قال فاصبروا فبلغ ذلك عبد الرحمن بن حسان ابن ثابت ف

قال:

ألا أبغ معاوية بن حرب ... أمير المؤمنين نبا كلامي

فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام

وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جبلة بن سحيم

قال: دخلت على معاوية بن أبي سفيان وهو في خلافته وفي عنقه حبل وصبي يقوده فقلت له يا أمير المؤمنين أتفعل هذا؟ قال يا لكع اسكت فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من كان له صبي فليتصاب له قال ابن عساكر غريب جداً.

وأخرج ابن أبي شيبة في المنصف عن الشعبي قال دخل شاب من قريش على معاوية فأغلظ عليه فقال له يا بن أخي أنهاك عن السلطان إن السلطان يغضب غضب الصبي ويأخذ أخذ الأسد.

وأخرج عن الشعبي

قال: قال زياد استعملت رجلا فكثر خراجه فخشي أن أعاقبه فقير إلى معاوية فكتبت إليه إن هذا أدب سوء لمن قبلي فكتب إلي: أنه ليس ينبغي لي ولا لك أن نسوس الناس بسياسة واحدة: أن نلين جميعاً فتمرح الناس في المعصية أو نشتد جميعاً فنحمل الناس على المهالك ولكن تكون للشدة والفظاظة وأكون للين والرأفة.

وأخرج عن الشعبي قال سمعت معاوية يقول ما تفرقت أمة قط إلا ظهر أهل الباطل على أهل الحق إلا هذه الأمة.

وفي الطيوريات عن سليمان المخزومي قال أذن معاوية للناس إذناً عاماً فلما احتفل المجلس قال أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه فسكتوا ثم طلع عبد اللّه بن الزبير فقال هذا مقوال العرب وعلامتها أبو خبيب قال مهيم قال أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه

قال: بثلاث مائة ألف

قال: وتساوي؟ قال أنت بالخيار وأنت واف كاف قال هات فأنشده للأفوه الأودي

قال:

بلوت الناس قرناً بعد قرن ... فلم أر غير ختال وقال

قال صدق هيه

قال:

ولم أر في الخطوب أشد وقعاً ... وأصعب من معاداة الرجال

قال صدق هيه

قال:

وذقت مرارة الأشياء طراً ... فما طعم أمر من السؤال

قال: صدق ثم أمر له بثلاثمائة ألف.

وأخرج البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره واللفظ له من طرق أن مروان خطب بالمدينة وهو على الحجاز من قبل معاوية ف

قال: إن اللّه قد أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأياً حسناً وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر وفي لفظ سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن بن أبي بكر سنة هرقل وقيصر إن أبا بكر واللّه ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده فقال مروان ألست الذي قال لوالديه أف لكما فقال عبد الرحمن ألست ابن اللعين الذي لعن أباك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت عائشة رضي اللّه عنها: كذب مروان ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان بن فلان ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان بعض من لعنه اللّه.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عروة

قال: قال معاوية لا حلم إلا التجارب.

وأخرج ابن عساكر عن الشعبي

قال: دهاة العرب أربعة معاوية وعمرو ابن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد فأما معاوية فللحلم والأناة وأما عمرو فللمعضلات وأما المغيرة فللمبادهة وأما زياد فللكبير والصغير.

وأخرج أيضاً عنه

قال: كان القضاة أربعة والدهاة أربعة فأما القضاة فعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأما الدهاة فمعاوية وعمرو ابن العاص والمغيرة وزياد.

وأخرج عن قبيصة بن جابر

قال: صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلا أقرأ لكتاب اللّه ولا أفقه في دين اللّه منه وصحبت طلحة بن عبيد اللّه فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه وصحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل حلماً ولا أبطأ جهلا ولا أبعد أناة منه وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أنصع طرفاً ولا أحلم جليساً منه وصحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها.

وأخرج ابن عساكر عن حميد بن هلال أن عقيل بن أبي طالب سأل علياً فقال إني محتاج وإني فقير فأعطني فقال اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم فألح عليه فقال لرجل: خذ بيده وانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دق هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت قال تريد أن تتخذني سارقاً

قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً أن آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم قال لأتين معاوية

قال: أنت وذاك فأتى معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف ثم قال اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك به على وما أوليتك فصعد فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً على دينه فاختار دينه وأني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه.

وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلا دخل على معاوية فقال معاوية: هذا عقيل وعمه أبو لهب فقال عقيل هذا معاوية وعمته حمالة الحطب.

وأخرج ابن عساكر عن الأوزاعي قال دخل خريم بن فاتك على معاوية ومئزره مشمر وكان حسن الساقين فقال معاوية: لو كانت هاتان الساقان لامرأة فقال خريم في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين.

مات في أيام معاوية من الأعلام: صفوان بن أمية وحفصة وأم حبيبة وصفية وميمونة وسودة وجويرية وعائشة أمهات المؤمنين رضي اللّه عنهم ولبيد الشاعر وعثمان بن طلحة الحجبي وعمرو بن العاص وعبد اللّه بن سلام الحبر ومحمد بن مسلمة وأبو موسى الأشعري وزيد بن ثابت وأبو بكرة وكعب ابن مالك والمغيرة بن شعبة وجرير البجلي وأبو أيوب الأنصاري وعمران بن حصين وسعيد بن زيد وأبو قتادة الأنصاري وفضالة بن عبيد وعبد الرحمن ابن أبي بكر وجبير بن مطعم وأسامة بن زيد وثوبان وعمرو بن حزم وحسان بن ثابت وحكيم بن حزام وسعد بن أبي وقاص وأبو اليسر وقتم ابن العباس وأخوه عبيد اللّه وعقبة بن عامر وأبو هريرة سنة تسع وخمسين وكان يدعو اللّهم إني أعوذ بك من رأس الستين وإمارة الصبيان فاستجيب له وخلائق آخرون رضي اللّه عنهم.

يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي

يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي ولد سنة خمس أو ست وعشرين كان ضخماً كثير اللحم كثير الشعر وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية.

روى عن أبيه وعنه: ابنه خالد وعبد الملك بن مروان جعله أبوه ولى عهد وأكره الناس على ذلك كما تقدم.

قال الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية يرفع المصاحف فحملت ونال من القراء فحكم الخوارج فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة والمغيرة بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة فكتب إليه معاوية: إذ قرأت كتابي فأقبل معزولا فأبطأ عنه فلما ورد عليه

قال: ما أبطأ بك قال أمر كنت أوطئه وأهيئه

قال: وما هو

قال: البيع ليزيد من بعدك

قال: أو قد فعلت؟ قال نعم

قال: ارجع إلى عملك فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟

قال: وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة قال الحسن فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

وقال ابن سيرين: وفد عمرو بن حزم على معاوية فقال له أذكرك اللّه في أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم بمن تستخلف عليها ف

قال: نصحت وقلت برأيك وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم وابني أحق.

وقال عطية بن قيس: خطب معاوية ف

قال: اللّهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله فبلغه ما أملت وأعنه وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده وإنه ليس لما صنعت به أهلا فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك فلما مات معاوية بايعه أهل الشام ثم بعث إلى أهل المدينة من يأخذ له البيعة فأبى الحسين وابن الزبير أن يبايعاه وخرجا من ليلتهما إلى مكة.

فأما ابن الزبير فلم يبايع ولا دعا إلى نفسه وأما الحسين فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية وهو يأبى فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموماً يجمع الإقامة مرة ويريد المسير إليهم أخرى فأشار عليه ابن الزبير بالخروج وكان ابن عباس يقول له لا تفعل وقال له ابن عمر لا تخرج فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خيره اللّه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة وإنك بضعة منه ولا تنالها يعني الدنيا واعتنقه وبكى وودعه فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة وكلمه في ذلك أيضاً جابر بن عبد اللّه وأبو سعيد وأبو واقد الليثي وغيرهم فلم يطع أحداً منهم وصمم على المسير إلى العراق فقال له ابن عباس واللّه إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان فلم يقبل منه فبكى ابن عباس وقال أقررت عين ابن الزبير ولما رأى ابن عباس عبد اللّه بن الزبير قال له قد أتى ما أحببت هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز ثم تمثل:

يا لك من قنبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري

وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ومعه طائفة من آل بيته رجالا ونساء وصبياناً فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد اللّه بن زياد بقتله فوجه إليه جيشاً أربعة آلاف عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده فأبوا إلا قتله فقتل وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد لعن اللّه قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضاً.

وكان قتله بكر بلاء وفي قتله قصة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها فإنا للّه وإنا إليه راجعون وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته.

ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة والكواكب يضرب بعضها بعضاً وكان قتله يوم عاشوراء وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله.

وقيل: إنه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران وطبخوها فصارت مثل العلقم وتكلم رجل في الحسين بكلمة فرماه اللّه بكوكبين من السماء فطمس بصره.

قال الثعالبي: روت الرواة من غير وجه عن عبد الملك بن عمير الليثي

قال: رأيت في هذا القصر وأشار إلى قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين بن علي بين يدي عبيد اللّه بن زياد على ترس ثم رأيت رأس عبيد اللّه بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك فحدثت بهذا الحديث عبد الملك فتطير منه وفارق مكانه.

وأخرج الترمذي عن سلمى قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت ما يبكيك قالت رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ف

قلت: ما لك يا رسول اللّه قال شهدت قتل الحسين آنفاً.

وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس

قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنصف النهار أشعث أغبر وبيده قارورة فيها دم فقلت بأبي وأمي يا رسول اللّه ما هذا قال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم فأحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذ.

وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أم سلمة قالت: سمعت الجن تبكي على حسين وتنوح عليه.

وأخرج ثعلب في أماليه عن أبي خباب الكلبي

قال: أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب. أخبرني بما بلغني أنكم تسمعون نوح الجن ف

قال: ما تلقى أحداً إلا أخبرك أنه سمع ذلك قلت فأخبرني بما سمعت أنت

قال: سمعتهم يقولون:

مسح الرسول جبينه ... فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قري ... ش وجده خير الجدود

ولما قتل الحسين وبنو أبيه بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد فسر بقتلهم أولا ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس وحق لهم أن يبغضوه.

وأخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة

قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد.

وقال نوفل بن أبي الفرات: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد ف

قال: قال أمير المؤمنين؟ يزيد بن معاوية فقال تقول أمير المؤمنين وأمر به فضرب عشرين سوطاً.

وفي سنة ثلاث وستين بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه فأرسل إليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة وما أدراك ما وقعة الحرة ذكرها الحسن مرة فقال واللّه ما كاد ينجو منهم أحد قتل فيها خلق من الصحابة رضي اللّه عنهم ومن غيرهم ونهيت المدينة وافتض فيها ألف عذراء فإنا للّه وإنا إليه راجعون قال صلى اللّه عليه وسلم " من أخاف أهل المدينة أخافه اللّه وعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين " رواه مسلم.

وكان سبب خلع أهل المدينة له أن يزيد أسرف في المعاصي وأخرج الواقد من طرق أن عبد اللّه بن حنظلة بن الغسيل

قال: واللّه ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن ترمى بالحجارة من السماء إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة.

قال الذهبي: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل مع شربه الخمر وإتيانه المنكرات اشتد عليه الناس وحرج عليه غير واحد ولم يبارك اللّه في عمره وسار جيش الحرة إلى مكة لقتال ابن الزبير فمات أمير الجيش بالطريق فاستخلف عليهم أميراً وأتوا مكة فحاصروا ابن الزبير وقاتلوه ورموه بالمنجنيق وذلك في صفر سنة أربع وستين واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة سقفها وقرنا الكبش الذي فدى اللّه به إسماعيل وكانا في السقف وأهلك اللّه يزيد في نصف شهر ربيع الأول من هذا العام فجاء الخبر بوفاته والقتال مستمر فنادى ابن الزبير: يا أهل الشام إن طاغيتكم قد هلك فانفلوا وذلوا وتخطفهم الناس ودعا ابن الزبير إلى بيعة نفسه وتسمى بالخلافة وأما أهل الشام فبايعوا معاوية بن يزيد ولم تطل مدته كما سيأتي.

ومن شعر يزيد:

آب هذا الهم فاكتنعا ... وأمر النوم فامتنعا

راعياً للنجم أرقبه ... فإذا ما كوكب طلعا

حام حتى إنني لأرى ... أنه بالغور قد وقعا

ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا

نزهة حتى إذا بلغت ... نزلت من جلق بيعا

في قباب وسط دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا

وأخرج ابن عساكر عن عبد اللّه بن عمر

قال: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ابن عفان ذو النورين قتل مظلوماً يؤتى كفلين من الرحمة معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة والسفاح وسلام والمنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير الغضب كلهم من بين كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله.

قال الذهبي: له طرق عن ابن عمر ولم يرفعه أحد.

وأخرج الواقدي عن أبي جعفر الباقر

قال: أول من كسا الكعبة الديباج يزيد بن معاوية.

مات في أيام يزيد من الأعلام سوى الذين قتلوا مع الحسين وفي وقعة الحرة: أم سلمة أم المؤمنين وخالد بن عرفطة وجرهد الأسلمي وجابر بن عتيك وبريدة بن الحصيب ومسلمة بن مخلد وعلقمة بن قيس النخعي الفقيه ومسروق والمسور بن مخرمة وغيرهم رضي اللّه عنهم.

وعدة المقتولين بالحرة من قريش والأنصار ثلاثمائة وستة رجال.

معاوية بن يزيد

معاوية بن يزيد بن معاوية أبو عبد الرحمن ويقال له: أبو يزيد ويقال أبو ليلى استخلف بعهد من أبيه في ربيع الأول سنة أربع وستين وكان شاباً صالحاً ولما استخلف كان مريضاً فاستمر مريضاً إلى أن مات ولم يخرج إلى الباب ولا فعل شيئاً من الأمور ولا صلى بالناس وكانت مدة خلافته أربعين يوماً

وقيل: شهرين

وقيل: ثلاثة أشهر ومات وله إحدى وعشرون سنة

وقيل: عشرون سنة ولما احتضر قيل له ألا تستخلف قال ما أصبت من حلاوتها فلم أتحمل مرارتها.

عبد اللّه بن الزبير

عبد اللّه بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي كنيته أبو بكر

وقيل: أبو خبيب بضم الخاء المعجمة صحابي ابن صحابي.

وأبوه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي اللّه عنها وأم أبيه صفية عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

ولد بالمدينة بعد عشرين شهراً من الهجرة وقيل في السنة الأولى وهو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة وفرح المسلمون بولادته فرحاً شديداً لأن اليهود كانوا يقولون سحرناهم فلا يولد لهم ولد فحنكه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتمرة لاكها وسماه عبد اللّه وكناه أبا بكر باسم جده الصديق وكنيته وكان صواماً قواماً طويل الصلاة وصولا للرحم عظيم الشجاعة قسم الدهر ثلاث ليال ليلة يصلي قائماً حتى الصباح وليلة راكعاً وليلة ساجداً حتى الصباح.

روي له عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة وثلاثون حديثاً روى عنه أخوه عروة وابن أبي مليكة وعباس بن سهل وثابت البناني وعطاء وعبيدة السلماني وخلائق آخرون وكان ممن أبى البيعة ليزيد بن معاوية وفر إلى مكة ولم يدع إلى نفسه لكن لم يبايع فوجد عليه يزيد وجداً شديداً فلما مات يزيد بويع له بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان وجدد عمارة الكعبة فجعل لها ما بين على قواعد إبراهيم وأدخل فيها ستة أذرع من الحجر لما حدثته خالته عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يبق خارجاً عنه إلا الشام ومصر فإنه بويع بهما معاوية بن يزيد فلم تطل مدته فلما مات أطاع أهلهما ابن الزبير وبايعوه ثم خرج مروان بن الحاكم فغلب على الشام ثم مصر واستمر إلى أن مات سنة خمس وستين وقد عهد إلى ابنه عبد الملك والأصح ما قاله الذهبي أن مروان لا يعد في أمراء المؤمنين بل هو باغ خارجاً على ابن الزبير ولا عهده إلى ابنه بصحيح وإنما صحت خلافة عبد الملك من حين قتل ابن الزبير وأما ابن الزبير فإنه استمر بمكة خليفة إلى أن تغلب عبد الملك فجهز لقتاله الحجاج في أربعين ألفاً فحصره بمكة أشهراً ورمى عليه بالمنجنيق وخذل ابن الزبير أصحابه وتسللوا إلى الحجاج فظفر به وقتله وصلبه وذلك يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى وقيل الآخرة سنة ثلاث وسبعين.

وأخرج ابن عساكر عن محمد بن زيد بن عبد اللّه بن عمر

قال: إني لفوق أبي قبيس حين وضع المنجنيق على ابن الزبير فنزلت صاعقة كأني أنظر إليها تدور كأنها حمار أحمر فأحرقت من أصحاب المنجنيق نحواً من خمسين رجلا.

وكان ابن الزبير فارس قريش في زمانه له المواقف المشهودة.

أخرج أبو يعلى في مسنده عن ابن الزبير أن النبي صلى اللّه عليه وسلم احتجم فلما فرغ قال له يا عبد اللّه اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد فلما ذهب شربه فلما رجع قال ما صنعت بالدم

قال: عمدت إلى أخفى موضع فجعلته فيه قال لعلك شربته

قال: نعم

قال: ويل للناس منك وويل لك من الناس فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.

وأخرج عن نوف البكالي

قال: إني لأجد في كتاب اللّه المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مصلياً أحسن صلاة من ابن الزبير وكان يصلي في الحجر والمنجنيق يصيب طرف ثوبه فما يلتفت إليه وقال مجاهد ما كان باب من العبادة يعجز الناس عنه إلا تكلفه ابن الزبير ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل يطوف سباحة وقال عثمان بن طلحة: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة لا شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة وكان صيتاً إذا خطب تجاوبه الجبال.

وأخرج ابن عساكر عن عروة أن النابغة الجعدي أنشد عبد اللّه بن الزبير:

حكيت لنا الصديق لما وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم

وسويت بين الناس في الحق فاستوى ... فعاد صباحاً حالك اللون أسحم

وأخرج عن هشام بن عروة وخبيب

قال: أول من كسا الكعبة الديباج عبد اللّه بن الزبير وكان كسوتها المسوح والأنطاع.

وأخرج عن عمر بن قيس

قال: كان لابن الزبير مائة غلام يتكلم كل غلام منهم بلغة وكان ابن الزبير يكلم كل أحد منهم بلغته وكنت إذا نظرت إليه في أمر دنياه

قلت: هذا رجل لم يرد اللّه طرفة عين وإذا نظرت إليه في أمر آخرته

قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين.

وأخرج عن هشام بن عروة

قال: كان أول ما أفصح به عمي عبد اللّه ابن الزبير وهو صغير السيف فكان لا يضعه من فيه فكان أبوه إذا سمع ذلك منه يقول أما واللّه ليكونن لك منه يوم وأيام.

وأخرج عن أبي عبيدة

قال: جاء عبد اللّه بن الزبير الأسدي إلى عبد اللّه ابن الزبير بن العوام ف

قال: يا أمير المؤمنين إن بيني وبينك رحماً من قبل فلانة فقال ابن الزبير: نعم هذا كما ذكرت وإن فكرت في هذا أصبت الناس بأسرهم يرجعون إلى أب واحد وإلى أم واحدة ف

قال: يا أمير المؤمنين إن نفقتي نفدت

قال: ما كنت ضمنت لأهلك أنها تكفيك إلى أن ترجع إليهم قال يا أمير المؤمنين ناقتي قد نقبت قال أنجد بها تبرد خفها وأرفعها بسبت واخفضها بهلب وسر عليها البردين

قال: يا أمير المؤمنين إنما جئتك مستحملا ولم آتك مستوصفاً لعن اللّه ناقة حملتني إليك فقال ابن الزبير إن وراكبها فخرج الأسدي يقول:

أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ولا أمية في البلاد

من الأعياص أو من آل حرب ... أغر كغرة الفرس الجواد

وقلت لصحبتي: أدنوا ركابي ... أفارق بطن مكة في سواد

وما لي حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهلية من معاد

وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري

قال: لم يحمل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأس إلى المدينة قط ولا يوم بدر وحمل إلى أبي بكر رأس فكره ذلك وأول من حملت إليه الرؤوس عبد اللّه بن الزبير.

وفي أيام ابن الزبير كان خروج المختار الكذاب الذي ادعى النبوة فجهز ابن الزبير لقتاله إلى أن ظفر به في سنة سبع وستين وقتله لعنه اللّه.

مات في أيام ابن الزبير من الأعلام: أسيد بن حضير وعبد اللّه بن عمرو ابن العاص والنعمان بن بشير وسليمان بن صرد وجابر بن سمرة وزيد بن أرقم وعدي بن حاتم وابن عباس وأبو واقد الليثي وزيد بن خالد الجهني وأبو الأسود الدؤلي وآخرون.

عبد الملك بن مروان

عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو الوليد ولد سنة ست وعشرين بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير فلم تصح خلافته وبقي متغلباً على مصر والشام ثم غلب على العراق وما والاها إلى أن قتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين فصحت خلافته من يومئذ واستوثق له الأمر ففي هذا العام هدم الحجاج الكعبة وأعادها على ما هي عليه الآن ودس على ابن عمر من طعنه بحربة مسمومة فمرض منها ومات.

وفي سنة أربع وسبعين سار الحجاج إلى المدينة وأخذ يتعنت على أهلها ويستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وختم في أعناقهم وأيديهم يذلهم بذلك كأنس وجابر بن عبد اللّه وسهل بن سعد الساعدي فإنا للّه وإنا إليه راجعون.

وفي سنة خمس وسبعين حج بالناس عبد الملك الخليفة وسير الحجاج أميراً على العراق.

وفي سنة سبع وسبعين فتحت هرقلة وهدم عبد العزيز بن مروان جامع مصر وزيد فيه من جهاته الأربع.

وفي سنة اثنتين وثمانين فتح حصن سنان من ناحية المصيصة وكانت غزوة أرمينية وصنهاجة بالمغرب.

وفي سنة ثلاث وثمانين بنيت مدينة واسط بناها الحجاج.

وفي سنة أربع وثمانين فتحت المصيصة وأودية من المغرب.

وفي سنة خمس وثمانين بنيت مدينة أردبيل ومدينة برذعة بناهما عبد العزيز ابن حاتم بن النعمان الباهلي.

وفي سنة ست وثمانين فتح حصن بولق وحصن الأخرم.

وفيها كان طاعون الفتيات وسمي بذلك لأنه بدأ في النساء.

وفيها مات الخليفة عبد الملك في شوال وخلف سبعة عشر ولداً قال أحمد ابن عبد اللّه العجلي كان عبد الملك أبخر الفم وإنه ولد لستة أشهر وقال ابن سعد: كان عابداً زاهداً ناسكاً بالمدينة قبل الخلافة وقال يحيى الغساني كان عبد الملك ابن مروان كثيراً ما يجلس إلى أم الدرداء فقالت له مرة: بلغني أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك والعبادة قال إي واللّه والدماء قد شربتها وقال نافع لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميراً ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب اللّه من عبد الملك بن مروان وقال أبو الزناد: فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب وعبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وقال ابن عمر: ولد الناس أبناء وولد مروان أباً وقال عبدة بن نسي قيل لابن عمر: إنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن تنقرضوا فمن نسأل بعدكم ف

قال: إن لمروان ابناً فيها فاسألوه وقال سحيم مولى أبي هريرة رضي اللّه عنه دخل عبد الملك وهو شاب على أبي هريرة رضي اللّه عنه فقال أبو هريرة هذا يملك العرب وقال عبيدة بن رياح الغساني قالت أم الدرداء لعبد الملك ما زلت أتخيل هذا الأمر فيك منذ رأيتك قال وكيف ذاك قالت ما رأيت أحسن منك محدثاً ولا أعلم منك مسمعاً وقال الشعبي: ما جالست أحداً إلا وجدت لي عليه الفضل إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذكرته حديثاً إلا وزادني فيه ولا شعراً إلا وزادني فيه.

وقال الذهبي: سمع عبد الملك من عثمان وأبي هريرة وأبي سعيد وأم سلمة وبريرة وابن عمر ومعاوية روى عنه عروة وخالد بن معدان ورجاء ابن حيوة والزهري ويونس بن ميسرة وربيعة بن يزيد وإسماعيل بن عبيد اللّه وحريز بن عثمان وطائفة.

وقال بكر بن عبد اللّه المزني: أسلم يهودي اسمه يوسف وكان قرأ الكتب فمر بدار مروان ف

قال: ويل لأمة محمد من أهل هذه الدار فقلت له: إلى متى؟ قال حتى تجيء رايات سود من قبل خراسان.

وكان صديقاً لعبد الملك بن مروان فضرب يوماً على منكبه وقال اتق اللّه في أمة محمد إذا ملكتهم ف

قال: دعني ويحك ما شأني وشأن ذلك فقال اتق اللّه في أمرهم

قال: وجهز يزيد جيوش إلى أهل مكة فقال عبد الملك: أعوذ باللّه أيبعث إلى حرم اللّه فضرب يوسف منكبه و

قال: جيشك إليهم أعظم.

وقال يحيى الغساني: لما نزل مسلم بن عقبة المدينة زرت مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك أمن هذا الجيش أنت قلت نعم

قال: ثكلتك أمك أتدري إلى من تسير إلى أول مولود ولد في الإسلام وإلى ابن حواري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإلى ابن ذات النطاقين وإلى من حنكه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أما واللّه إن جئته نهاراً وجدته صائماً ولئن جئته ليلا لتجدنه قائماً فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم اللّه جميعاً في النار فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه.

وقال ابن أبي عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره فأطبقه و

قال: هذا آخر العهد بك.

وقال مالك: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أول من صلى في المسجد ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا فصلوا إلى العصر فقيل لسعيد بن المسيب لو قمنا فصلينا كما يصلي هؤلاء فقال سعيد بن المسيب ليست العبادة بكثرة الصلاة والصوم وإنما العابدة التفكر في أمر اللّه والورع عن محارم اللّه.

وقال مصعب بن عبد اللّه: أول من سمى في الإسلام عبد الملك عبد الملك ابن مروان وقال يحيى بن بكير: سمعت مالكاً يقول: أول من ضرب الدنانير عبد الملك وكتب عليها القرآن وقال مصعب: كتب عبد الملك على الدنانير " قل هو اللّه أحد " " الإخلاص: 1 " وفي الوجه الآخر لا إله إلا اللّه وطوقه بطوق فضة وكتب فيه ضرب بمدينة كذا وكتب خارج الطوق محمد رسول اللّه أرسله بالهدى ودين الحق.

وفي الأوائل للعسكري بسنده: كان عبد الملك أول من كتب في صدور الطوامير " قل هو اللّه أحد " " الإخلاص: 1 " وذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم مع التاريخ فكتب ملك الروم: إنكم أحدثتم في طواميركم شيئاً من ذكر نبيكم فاتركوه وإلا أتاكم من دنانيرنا ذكر ما تكرهون فعظم ذلك على عبد الملك فأرسل إلى خالد بن يزيد ابن معاوية فشاوره فقال حرم دنانيرهم واضرب للناس سككاً فيها ذكر اللّه وذكر رسوله ولا تعفهم مما يكرهون في الطوامير فضرب الدنانير للناس سنة خمس وسبعين قال العسكري وأول خليفة بخل عبد الملك وكان يسمى رشح الحجارة لبخله ويكنى أبا الذبان لبخره قال وهو أول من غدر في الإسلام وأول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء وأول من نهى عن الأمر بالمعروف ثم أخرج بسنده عن ابن الكلبي قال كان مروان بن الحكم ولي العهد عمرو بن سعيد بن العاص بعد ابنه فقتله عبد الملك وكان قتله أول غدر في الإسلام فقال بعضهم:

يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد ... جربتم الغدر من أبناء مروانا

أمسوا وقد قتلوا عمراً وما رشدوا ... يدعون غدراً بعهد اللّه كيسانا

ويقتلون الرجال البزل ضاحية ... لكي يولوا أمور الناس ولدانا

تلاعبوا بكتاب اللّه فاتخذوا ... هواهم في معاصي اللّه قرآنا

وأخرج بإسناد فيه الكديمي وهو متهم بالكذب وعن ابن جريج عن أبيه قال خطبنا عبد الملك بين مروان بالمدينة بعد قتل الزبير عام حج سنة خمس وسبعين فقال بعد حمد اللّه والثناء عليه أما بعد فلست بالخليفة المستضعف يعني عثمان ولا الخليفة المداهن يعين معاوية ولا الخليفة المأفون يعني يزيد ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال ألا وإني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم تكلفوننا أعمال المهاجرين ولا تعملون مثل أعمالهم فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا وبينكم هذا عمرو بن سعيد قرابته قرابته وموضعه موضعه قال برأسه هكذا فقلنا بأسيافنا هكذا ألا وإنا نحمل لكم كل شيء إلا وثوباً على أمير أو نصب راية إلا وإن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي واللّه لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في عنقه واللّه لا يأمرني أحد بتقوى اللّه بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ثم نزل.

ثم قال العسكري: وعبد الملك أول من نقل الديوان من الفارسية إلى العربية وأول من رفع يديه على المنبر.

قلت: فتمت له عشرة أوائل منها خمسة مذمومة.

وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن محمد بن سيرين

قال: أول من أحدث الأذان في الفطر والأضحى بنو مروان فإما أن يكون عبد الملك أو أحداً من أولاده.

وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج

قال: أخبرني غير واحد أن أول من كسا الكعبة بالديباج عبد الملك بن مروان وإن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه.

وقال يوسف بن الماجشون: كان عبد الملك إذا قعد للحكم قيم على رأسه بالسيوف.

وقال الأصمعي: قيل لعبد الملك يا أمير المؤمنين عجل عليك الشيب ف

قال: وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة؟ وقال محمد بن حرب الزيادي: قيل لعبد الملك بن مروان من أفضل الناس قال من تواضع عن رفعة وزهد عن قدره وأنصف عن قوة.

وقال ابن عائشة: كان عبد الملك إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق

قال: أعفني من أربع وقل بعدها ما شئت لا تكذبني فإن الكذوب لا رأي له ولا تجبني فيما لا أسألك فإن فيما أسألك عنه شغلا ولا تطرني فإني أعلم بنفسي منك ولا تحملني على الرعية فإني إلى الرفق بهم أحوج.

 

وقال المدائني: لما أيقن عبد الملك بالموت قال واللّه لوددت أني كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمالا ثم أوصى بنيه بتقوى اللّه ونهاهم عن الفرقة والاختلاف وقال كونوا بني أم بررة وكونوا في الحرب أحراراً وللمعروف مناراً فإن الحرب لم تدن منية قبل وقتها وإن المعروف يبقى أدره وذكره وأحلوا في مرارة ولينوا في شدة وكونوا كما قال ابن عبد الأعلى الشيباني:

إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش باليد

عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالكسر والتوهين للمتبدد

يا وليد اتق اللّه فيما أخلفك فيه إلى أن

قال: وانظر الحجاج فأكرمه فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر وهو سيفك يا وليد ويدك على من ناوأك فلا تسمعن فيه قول أحد وأنت إليه أحوج منه إليك وادع الناس إذا مت إلى البيعة فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا.

وقال غيره: لما احتضر عبد الملك دخل عليه ابنه الوليد فتمثل بهذا:

كم عائد رجلا وليس يعوده ... إلا ليعلم هل يراه يموت

فبكى الوليد ف

قال: ما هذا؟ أنحن حنين الأمة؟ إذا أنا مت فشمر وائتزر والبس جلد النمر وضع سيفك على عاتقك فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه ومن سكت مات بدائه.

قلت: لو لم يكن من مساوئ عبد الملك إلا الحجاج وتوليته إياه على المسلمين وعلى الصحابة رضي اللّه عنهم يهينهم ويذلهم قتلا وضرباً وشتماً وحبساً وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين ما لا يحصى فضلا عن غيرهم وختم في عنق أنس وغيره من الصحابة ختماً يريد بذلك ذلهم فلا رحمة اللّه ولا عفا عنه.

ومن شعر عبد الملك:

لعمري لقد عمرت في الدهر برهة ... ودانت لي الدنيا بوقع البواتر

فأضحى الذي قد كان مما يسرني ... كلمح مضى في المؤمنات الغوابر

فيا ليتني لم أعن بالملك ساعة ... ولم أله في لذات عيش نواضر

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة ... من الدهر حتى زار ضنك المقابر

وفي تاريخ ابن عساكر عن إبراهيم بن عدي

قال: رأيت عبد الملك بن مروان وقد أتته أمور أربعة في ليلة فما تنكر ولا تغير وجهه قتل عبيد اللّه بن زياد وقتل حبيش بن دلجة بالحجاز وانتقاض ما كان بينه وبين ملك الروم وخروج عمرو بن سعيد إلى دمشق.

وفيه عن الأصمعي

قال: أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل الشعبي وعبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف وابن القرية.

وأسند السلفي في الطيوريات: أن عبد الملك بن مروان خرج يوماً فلقيته امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين

قال: ما شأنك قالت توفي أخي وترك ستمائة دينار فدفع إلى من ميراثه دينار واحد فقيل هذا حقك فعمي الأمر فيها على عبد الملك فأرسل إلى الشعبي فسأله فقال نعم هذا توفي فترك ابنتين فلهما الثلثان أربعمائة وأما فلها السدس مائة وزوجة فلها الثمن خمس وسبعون واثني عشر أخاً فلهم أربعة وعشرون وبقي لهذه دينار.

وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا أبو سفيان الحميري حدثنا خالد بن محمد القرشي

قال: قال عبد الملك بن مروان من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية.

وقال أبو عبيدة: لما أنشد الأخطل كلمته لعبد الملك التي يقول فيها:

شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا

قال: خذ بيده يا غلام ف

أخرجه ثم ألق عليه من الخلع ما يغمره ثم

قال: إن لكل قوم شاعراً وشاعر بني أمية الأخطل.

وقال الأصمعي: دخل الأخطل على عبد الملك ف

قال: ويحك صف لي السكر قال أوله لذة وآخره صداع وبين ذلك حالة لا أصف لك مبلغها ف

قال: ما مبلغها قال لملكك يا أمير المؤمنين عندها أهون على من شسع نعلي وأنشأ يقول

إذا ما نديمي علني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير

خرجت أجر الذيل تيهاً كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير

قال الثعالبي: كان عبد الملك يقول ولدت في رمضان وفطمت في رمضان وختمت القرآن في رمضان وبلغت الحلم في رمضان ووليت في رمضان وأتتني الخلافة في رمضان وأخشى أن أموت في رمضان فلما دخل شوال وأمن مات.

وممن مات في أيام عبد الملك من الأعلام: ابن عمر وأسماء بنت الصديق وأبو سعيد بن المعلى وأبو سعيد الخدري ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع والعرباض بن سارية وجابر بن عبد اللّه وعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب والسائب بن يزيد وأسلم مولى عمر وأبو إدريس الخولاني وشريح القاضي وأبان بن عثمان بن عفان والأعشى الشاعر وأيوب بن القرية الذي يضرب به المثل في الفصاحة وخالد بن يزيد بن معاوية وزر بن حبيش وسنان بن سلمة بن المحبق وسويد بن غفلة وأبو وائل وطارق بن شهاب ومحمد بن الحنفية وعبد اللّه بن شداد بن الهاد وأبو عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود وعمرو بن حريث وعمرو بن سلمة الجرمي وآخرون.

الوليد بن عبد الملك

الوليد بن عبد الملك أبو العباس قال الشعبي: كان أبواه يترفانه فشب بلا أدب.

قال روح بن زنباع: دخلت يوماً على عبد الملك وهو مهموم ف

قال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب فلم أجده فقلت أين أنت من الوليد

قال: إنه لا يحسن النحو فسمع ذلك الوليد فقام من ساعته وجمع أصحاب النحو وجلس معهم في بيت ستة أشهر ثم خرج وهو أجهل مما كان فقال عبد الملك: أما إنه قد أعذر.

وقال أبو الزناد: كان الوليد لحاناً قال على منبر المسجد النبوي يا أهل المدينة.

وقال أبو عكرمة الضبي: قرأ الوليد على المنبر يا ليتها كانت القاضية وتحت المنبر عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك فقال سليمان: وددتها واللّه وكان الوليد جباراً ظالماً.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن شوذب قال قال عمر بن عبد العزيز وكان الوليد بالشام والحجاج بالعراق وعثمان بن حبارة بالحجاز وقرة ابن شريك بمصر امتلأت الأرض واللّه جوراً.

وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن إبراهيم بن أبي زرعة أن الوليد قال له: أيحاسب الخليفة؟

قال: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على اللّه أم داود؟ إن اللّه جمع له النبوة والخلافة ثم توعده في كتابه فقال " يا داود " الآية لكنه أقام الجهاد في أيامه وفتحت في خلافته فتوحات عظيمة وكان مع ذلك يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين ويرتب للزمنى من يخدمه وللاضراء من

يقودهم وعمر المسجد النبوي ووسعه ورزق الفقهاء والضعفاء والفقراء وحرم عليهم سؤال الناس وفرض لهم ما يكفيهم وضبط الأمور أتم ضبط.

وقال ابن أبي عبلة رحم اللّه الوليد وأين مثل الوليد افتتح الهند والأندلس وبني مسجد دمشق وكان يعطيني قطع الفضة أقسمها على قراء مسجد بيت المقدس.

ولي الوليد الخلافة بعهد من أبيه في شوال سنة ست وثمانين ففي سنة سبع وثمانين شرع في بناء جامع دمشق وكتب بتوسيع المسجد النبوي وبنائه وفيها فتحت بيكند وبخارى وسردانية ومطمورة وقميقم وبحيرة الفرسان عنوة وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة فوقف يوم النحر غلطاً وتألم لذلك.

وفي سنة ثمان وثمانين فتحت جرثومة وطوانة.

وفي سنة تسع وثمانين فتحت جزيرتا منورقة وميورقة.

وفي سنة إحدى وتسعين فتحت نسف وكش وشومان ومدائن وحصون من بحر أذربيجان.

وفي سنة اثنتين وتسعين فتح إقليم الأندلس بأسره ومدينة أرماييل وقتربون.

وفي سنة ثلاث وتسعين فتحت الديبل وغيرها ثم الكرح وبرهم وباجة والبيضاء وخوارزم وسمرقند والصغد.

وفي سنة أربع وتسعين فتحت كابل وفرغانة والشاش وسندرة وغيرها.

وفي سنة خمس وتسعين فتحت الموقان ومدينة الباب.

وفي سنة ست وتسعين فتحت طوس وغيرها وفيها مات الخليفة الوليد في نصف جمادى الآخرة وله إحدى وخمسون سنة.

قال الذهبي: أقام الجهاد في أيامه وفتحت فيها الفتوحات العظيمة كأيام عمر بن الخطاب.

قال عمر بن عبد العزيز لما وضعت الوليد في لحده إذا هو يركض في أكفانه يعني ضرب الأرض برجله.

ومن كلام الوليد لولا أن اللّه ذكر آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحداً يفعل هذا.

مات في أيام الوليد من الأعلام عتبة بن عبد السلمي والمقدام بن معدي كرب وعبد اللّه بن بشر المازني وعبد اللّه بن أبي أوفى وأبو العالية وجابر بن زيد وأنس بن مالك وسهل بن سعد والسائب بن يزيد والسائب بن خلاد وخبيب بن عبد اللّه بن الزبير وبلال بن أبي الدرداء وسعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير شهيداً قتله الحجاج لعنه اللّه وإبراهيم النخعي ومطرف وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والعجاج الشاعر وآخرون.

سليمان بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك أبو أيوب كان من خيار ملوك بني أمية.

ولي الخلافة بعهد من أبيه بعد أخيه في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين روى قليلا عن أبيه وعبد الرحمن بن هبيرة روى عنه ابن عبد الواحد والزهري وكان فصيحاً مفوهاً مؤثراً للعدل محباً للغزو ومولده سنة ستين.

ومن محاسنه أن عمر بن عبد العزيز كان له كالوزير فكان يمتثل أوامره في الخير فعزل عمال الحجاج وأخرج من كان في سجن العراق وأحيا الصلاة لأول مواقيتها وكان بنو أمية أماتوها بالتأخير.

قال ابن سيرين: يرحم اللّه سليمان افتتح خلافته بإحيائه الصلاة لمواقيتها واختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز.

وكان سليمان ينهى عن الغناء وكان من الأكلة المذكورين أكل في مجلس سبعين رمانة وخروفاً وست دجاجات ومكوك زبيب طائفي.

قال يحيى الغساني: نظر سليمان في المرآة فأعجبه شبابه وجماله فقال كان محمد صلى اللّه عليه وسلم نبياً وكان أبو بكر صديقاً وكان عمر فاروقاً وكان عثمان حيياً وكان معاوية حليماً وكان يزيد صبوراً وكان عبد الملك سائساً وكان الوليد جباراً وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات.

وكانت وفاته يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين وفتح في أيامه حرجان وحصن الحديد وسردانية وشقى وطبرستان ومدينة السقالبة.

مات في أيامه من الأعلام قيس بن أبي حازم ومحمود بن لبيد والحسن بن الحسين ابن علي وكريب مولى ابن عباس وعبد الرحمن بن الأسود النخعي وآخرون.

قال عبد الرحمن بن حسان الكناني: مات سليمان غازياً بدابق فلما مرض قال لرجاء بن حيوة من لهذا الأمر بعدي استخلف ابني قال ابنك غائب قال فابني الآخر قال صغير قال فمن ترى قال أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز قال أتخوف أخوتي لا يرضون قال تولى عمر ومن بعده يزيد بن عبد الملك وتكتب كتاباً وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختوماً قال لقد رأيت فدعا بقرطاس فكتب فيه العهد ودفعه إلى رجاء وقال أخرج إلى الناس فليبايعوا على ما فيه مختوماً فخرج فقال إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب قالوا ومن فيه قال هو مختوم لا تخبروا بمن فيه حتى يموت قالوا لا نبايع فرجع إليه فأخبره فقال انطلق إلى صاحب الشرط والحرس فأجمع الناس ومرهم بالبيعة فمن أبى فاضرب عنقه فبايعوا.

قال رجاء فبينما أنا راجع إذا هشام فقال لي يا رجاء قد علمت موقعك منا وأن أمير المؤمنين قد صنع شيئاً ما أدري ما هو وإني تخوفت أن يكون قد أزالها عني فإن يكن قد عدلها عني فأعلمني ما دام في الأمر نفس حتى أنظر فقلت سبحان اللّه يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه؟ لا يكون ذلك أبدا ثم لقيت عمر بن عبد العزيز فقال لي يا رجاء إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل أتخوف أن يكون قد جعلها إلي ولست أقوم بهذا الشأن فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص منه ما دام حياً

قلت: سبحان اللّه يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه ثم مات سليمان وفتح الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز فتغيرت وجوه بني عبد الملك فلما سمعوا وبعده يزيد بن عبد الملك تراجعوا فأتوا عمر فسلموا عليه بالخلافة فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فدنوا به إلى المنبر وأصعدوه فجلس طويلا لا يتكلم فقال لهم رجاء ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعوه فبايعوه ومد يده إليهم ثم قام فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أني لست بفارض ولكني منفذ ولست بمبتدع ولكني متبع وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم وإن هم أبوا فلست لكم بوال ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال ما هذا قال مركب الخليفة قال لا حاجة لي فيه ائتوني بدابتي فأتوه بدابته وانطلق إلى منزله ثم دعا بدواة وكتب بيده إلى عمال الأمصار.

قال رجاء: كنت أظن أنه سيضعف فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى.

يروى أن مروان بن عبد الملك وقع بينه وبين سليمان في خلافته كلام فقال له يا سليمان يا ابن اللخناء ففتح مروان فاه ليجيبه فأمسك عمر بن عبد العزيز بفيه وقال أنشدك اللّه إمامك وأخوك وله السن فسكت وقال قتلتني واللّه لقد زدت في جوفي أحر من النار فما أمسى حتى مات.

وأخرج ابن أبي الدنيا عن زياد بن عثمان أنه دخل على سليمان بن عبد الملك لما مات ابنه أيوب ف

قال: يا أمير المؤمنين إن عبد الرحمن بن أبي بكر كان يقول من أحب البقاء فليوطن نفسه على المصائب.

عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه

عمر بن عبد العزيز بن مروان الخليفة الصالح أبو حفص خامس الخلفاء الراشدين.

قال سفيان الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز

أخرجه أبو داود في سننه.

ولد عمر بحلوان قرية بمصر وأبوه أمير عليها سنة إحدى

وقيل: ثلاث وستين وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وكان بوجه عمر شجة ضربته دابة في جبهته وهو غلام فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول إن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد

أخرجه ابن عساكر.

وكان عمر بن الخطاب يقول: من ولدي رجل بوجهه شجه يملأ الأرض عدلا أخرج الترمذي في تاريخه فصدق ظن أبيه فيه.

وأخرج ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال ليت شعري من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلا كما ملئت جوراً.

وأخرج عن ابن عمر

قال: كنا نتحدث أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر فكان بلال بن عبد اللّه بن عمر بوجهه شامة وكانوا يرون أنه هو حتى جاء اللّه بعمر بن عبد العزيز.

روى عمر بن عبد العزيز عن أبيه وأنس وعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب وابن قارظ ويوسف بن عبد اللّه بن سلام وعامر بن سعد وسعيد ابن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن والربيع بن سمرة وطائفة.

روى عنه: الزهري ومحمد بن المنكدر ويحيى بن سعيد الأنصاري ومسلمة ابن عبد الملك ورجاء بن حيوة وخلائق كثيرون.

جمع القرآن وهو صغير وبعثه أبوه إلى المدينة يتأدب بها فمكان يختلف إلى عبيد اللّه بن عبد اللّه يسمع منه العلم فلما توفي أبوه طلبه عبد الملك إلى دمشق وزوجه ابنته فاطمة.

وكان قبل الخلافة على قدم الصلاح أيضاً إلا أنه كان يبالغ في التنعم فكان الذي يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا بالإفراط في التنعم والاختيال في المشية فلما ولي الوليد الخلافة أمر عمر على المدينة فوليها من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين وعزل فقدم الشام.

ثم إن الوليد عزم على أن يخلع أخاه سليمان من العهد وأن يعهد إلى ولده فأطاعه كثير من الأشراف طوعاً وكرهاً فامتنع عمر بن عبد العزيز وقال لسليمان: في أعناقنا بيعة وصمم فطين عليه الوليد ثم شفع فيه بعد ثلاث فأدركوه وقد مالت عنقه فعرفها له سليمان فعهد إليه بالخلافة.

قال زيد بن أسلم عن أنس رضي اللّه عنه: ما صليت وراء إمام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشبه صلاة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة قال زيد بن أسلم فكان يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود له طرق عن أنس

أخرجه البيهقي في سننه وغيره.

وسئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز ف

قال: هو نجيب بني أمية وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده.

وقال ميمون بن مهران: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة.

وأخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة

قال: خرج عمر ابن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ متوكئ على يده فقلت في نفسي: إن هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح اللّه الأمير من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك قال يا رياح رأيته

قلت: نعم قال ما أحسبك إلا رجلا صالحاً ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة وأني سأعدل فيها.

وأخرج أيضاً عن أبي هاشم أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في النوم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه جالس فقال لك: يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين لأبي بكر وعمر فاستخلف له عمر باللّه لرأيت هذا فخلف له فبكى عمر.

بويع بالخلافة بعهد من سليمان في صفر سنة تسع وتسعين كما تقدم فمكث فيها سنتين وخمسة أشهر نحو خلاف الصديق رضي اللّه عنه عملا فيها الأرض عدلا ورد المظالم وسن السنن الحسنة ولما قرئ كتاب العهد باسمه عقر و

قال: واللّه إن هذا الأمر ما سألته اللّه قط؟ وقدم إليه صاحب المراكب مركب الخليفة فأبى وقال ائتوني ببغلتي قال الحكم بن عمر: شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب المراكب يسألونه العلوفة ورزق خدمتها

قال: ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها فيمن يريد واجعل أثمانها في مال اللّه تكفيني بغلتي هذه الشهباء.

وقال عمر بن ذر: لما رجع عمر من جنازة سليمان قال له مولاه ما لي أراك مغتماً؟

قال: لمثل ما أنا فيه فليغتم ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني.

وعن عمر بن مهاجر وغيره أن عمر لما استخلف قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم

قال: أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد صلى اللّه عليه وسلم ألا وإني لست بفارض ولكني منفذ ولست بمبتدع ولكني متبع ولست بخير من أحدكم ولكني أثقلكم حملا وإن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وعن الزهري قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد اللّه يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات فكتب إليه بالذي سأل وكتب إليه أنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله في مثل زمانك ورجالك كنت عند اللّه خيراً من عمر.

وعن حماد أن عمر لما استخلف بكى ف

قال: يا أبا فلان أتخشى علي؟

قال: كيف حبك للدرهم؟

قال: لا أحبه قال لا تخف فإن اللّه سيعينك.

وعن مغيرة

قال: جمع عمر حين استخلف بني مروان ف

قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانت له فدك ينفق منها ويعول منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيمهم وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها؟ فأبى فكانت كذلك حياة أبي بكر ثم عمر ثم أقطعها مروان ثم صارت لعمر بن عبد العزيز فرأيت أمراً منعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاطمة ليس لي بحق وإن أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وعن الليث

قال: لما ولي عمر بدأ بلحمته وأهل بيته فأخذ ما بأيديهم وسمى أموالهم مظالم.

وقال أسماء بن عبيد: دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على عمر بن عبد العزيز ف

قال: يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطوننا عطايا فمنعتناها ولي عيال وضيعة أفتأذن لي أن أخرج إلى ضيعتي لما يصلح عيالي؟ فقال عمر: أحبكم من كفانا مؤنته ثم قال له: أكثر ذكر الموت فإن كنت في ضيق من العيش وسعه عليك وإن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك.

وقال فرات بن السائب: قال عمر بن عبد العزيز لامرأته فاطمة بنت عبد الملك وكان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال وإما أن تأذني لي في فراقك فإنه أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد قالت: لا بل اختارك عليه وعلى أضعافه فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين فلما مات عمر واستخلف يريد قال لفاطمة إن شئت رددته إليك قالت لا واللّه لا أطيب به نفساً في حياته وأرجع فيه بعد موته.

وقال عبد العزيز: كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: إن مدينتنا قد خربت فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرمها به فعل فكتب إليه عمر إذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه مرمتها والسلام.

وقال إبراهيم السكوني: قال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت منذ علمت أن الكذب شين على أهله.

وقال قيس بن جبير: مثل عمر في بني أمية مثل مؤمن آل فرعون.

وقال ميمون بن مهران: إن اللّه كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي وإن اللّه تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز.

وقال وهب بن منبه: إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز.

وقال محمد بن فضالة: مر عبد اللّه بن عمر بن عبد العزيز براهب في الجزيرة فنزل إليه الراهب ولم ينزل لأحد قبله وقال أتدري لم نزلت إليك قال لا

قال: لحق أبيك إنا نجده في أئمة العدل بموضع رجب من الأشهر الحرم ففسره أيوب بن سويد بثلاثة متوالية: ذي العقدة وذي الحجة والمحرم أبي بكر وعمر وعثمان ورجب منفرد منها عمر بن عبد العزيز.

وقال حسن القصاب: رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية في خلافة عمر ابن عبد العزيز فقلت سبحان اللّه ذئب في غنم لا يضرها فقال الراعي إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس.

وقال مالك بن دينار لما ولي عمر عبد العزيز قالت رعاء الشاء: من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة عدله كف الذئاب عن شائناً.

وقال موسى بن أعين: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاة والذئب ترعى في مكان واحد فبينما نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب للشاة فقلت ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك فحسبوه فوجدوه مات تلك الليلة.

وقال الوليد بن مسلم: بلغنا أن رجلا كان بخراسان

قال: أتاني آت في المنام ف

قال: إذا قام أشج بني مروان فانطلق فبايعه فإنه إمام عدل فجعلت أسأل كلما قام خليفة حتى قام عمر بن عبد العزيز فأتاني ثلاث مرات في المنام فارتحلت إليه فبايعته.

وعن حبيب بن هند الأسلمي

قال: قال لي سعيد بن المسيب: إنما الخلفاء ثلاثة: أبو بكر وعمر وعمر بن عبد العزيز قلت له: أبو بكر وعمر قد عرفناهما فمن عمر قال إن عشت أدركته إن مت كان بعدك قلت ومات ابن المسيب قبل خلافة عمر.

وقال ابن عون: كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء

قال: نهى عنه إمام الهدى يعني عمر بن عبد العزيز.

وقال الحسن: إن كان مهدي فعمر بن عبد العزيز وإلا فلا مهدي إلا عيسى ابن مريم.

وقال مالك بن دينار: الناس يقولون مالك زاهد إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها.

وقال يونس بن أبي شبيب: شهدت عمر بن عبد العزيز وإن حجزه إزاره لغائبه في عكنه ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت.

وقال ولده عبد العزيز: سألني أبو جعفر المنصور كم كانت غلة أبيك حين أفضت الخلافة إليه

قلت: أربعين ألف دينار قال فكم كانت حين توفي؟ قلت أربعمائة دينار ولو بقي لنقصت.

وقال مسلمة بن عبد الملك دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فإذا عليه قميص وسخ فقلت لفاطمة بنت عبد الملك ألا تغسلون قميصه قالت: واللّه ما له قميص غيره.

قال أبو أمية الخصي غلام عمر: دخلت يوماً على مولاتي فغدتني عدساً فقلت كل يوم عدس قالت يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين.

قال ودخل عمر الحمام يوماً فأطلى فولي عانته بيده.

قال: ولما احتضر بعثني بدينار إلى أهل الدير و

قال: إن بعتموني موضع قبري وإلا تحولت عنكم فأتيتهم فقالوا: لولا أنا نكره أن يتحول عنا ما قبلناه.

وقال عون بن المعمر: دخل عمر على امرأته فقال يا فاطمة عندك درهم أشتري به عنباً فقالت لا وقالت وأنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم تشتري به عنباً قال هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غداً في جهنم.

وقالت فاطمة امرأته: ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة ولا من احتلام منذ استخلفه اللّه حتى قبضه.

وقال سهل بن صدقة: لما استخلف عمر سمع في منزله بكاء فسألوا عن ذلك فقالوا: إن عمر خير جواريه ف

قال: قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم فمن أحب أن أعتقه أعتقته ومن أحب أن امسكه أمسكته وإن لم يكن مني إليها حاجة فبكين إياساً منه قالت فاطمة امرأته: كان إذ دخل البيت ألقى نفسه في مسجده فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع.

وقال الوليد بن أبي السائب: ما رأيت أحداً قط أخوف من عمر.

وقال سعيد بن سويد: صلى عمر بالناس الجمعة وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إن اللّه قد أعطاك فلو لبست فنكس ملياً ثم رفع رأسه ف

قال: إن أفضل القصد عند الجدة وأفضل العفو عند القدرة.

وقال ميمون بن مهران سمعت عمر يقول: لو أقمت فيكم خمسين عاماً ما استكملت فيكم العدل إني لأريد الأمر وأخاف أن لا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعاً من الدنيا فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا.

وقال إبراهيم بن ميسرة: قلت لطاوس: هو المهدي يعني عمر بن عبد العزيز قال هو مهدي وليس به إنه لم يستكمل العدل كله.

وقال عمر بن أسيد: واللّه ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون فما يبرح بماله كله قد أغنى عمر الناس.

وقالت جويرية: دخلنا على فاطمة ابنة علي بن أبي طالب رضي اللّه عنها فأثنت على عمر بن عبد العزيز وقالت لو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد.

وقال عطاء بن أبي رباح حدثتني فاطمة امرأة عمر أنها دخلت عليه وهو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته فقالت يا أمير المؤمنين ألشيء حدث؟ قال يا فاطمة إني تقلدة من أمر أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم أسودها وأحمرها: فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت أن لا تثبت لي حجة فبكيت.

وقال الأوزاعي: إن عمر بن عبد العزيز كان جالساً في بيته وعنده أشراف بني أمية فقال أتحبون أن أولي كل رجل منكم جنداً فقال رجل منهم: لم تعرض علينا ما لا تفعله؟

قال: ترون بساطي هذا؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى وفناء وإني أكره أن تدنسوه بأرجلكم فكيف أوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم هيهات لكم هيهات فقالوا له لم أمالنا قرابة أمالنا حق قال ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سوءاً إلا رجلا من المسلمين حبسه عني طول شقته.

وقال حميد: أملي علي الحسن رسالة إلى عمر بن عبد العزيز فأبلغ ثم شكا الحاجة والعيال فأمر بعطائه.

وقال الأوزاعي: كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثة أيام ثم عاقبه كراهة أن يعجل في أول غضبه.

وقال جويرية بن أسماء: قال عمر بن العزيز: إن نفسي تواقة لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه فلما أعطيت ما لا شيء فوقه من الدنيا تاقت نفسي إلى ما هو أفضل منه يعني الجنة.

وقال عمرو بن مهاجر: كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين.

وقال يوسف بن يعقوب الكاهلي: كان عمر يلبس الفروة الكبل وكان سراج بيته على ثلاث قصبات فوقهن طين.

وقال عطاء الخراساني: أمر عمر غلامه أن يسخن له ماء فانطلق فسخن قمقماً في مطبخ العامة فأمر عمر أن يأخذ بدرهم حطباً يضعه في المطبخ.

وقال عمر بن مهاجر: كان عمر يسرج عليه المشعة ما كان في حوائج المسلمين فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها ثم أسرج عليه سراجه.

وقال الحكم بن عمر: كان للخليفة ثلاثمائة حرسي وثلاثمائة شرطي فقال عمر للحرس إن لي عنكم بالقدر حاجزاً وبالأجل حارساً من أقام منكم فله عشرة دنانير ومن شاء فليلحق بأهله.

وقال عمرو بن مهاجر: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحاً فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحاً ف

قال: ما أطيب ريحه وأحسنه أرفعه يا غلام للذي أتى به وأقرئ فلاناً السلام وقل له: إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب ف

قلت: يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يأكل الهدية ف

قال: ويحك إن الهدية كانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم هدية وهي لنا اليوم رشوة.

وقال إبراهيم بن ميسرة: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب أحداً في خلافته غير رجل تناول من معاوية فضربه ثلاثة أسواط.

وقال الأوزاعي لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة كلموه في ذلك ف

قال: لن يتسع مالي لكم وأما هذا المال فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد.

وقال أبو عمر: كتب عمر بن عبد العزيز برد أحكام من أحكام الحجاج مخالفة لأحكام الناس.

وقال يحيى الغساني: لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقة ونقباً فكتبت إليه أعلمه حال البلد وأسأله آخذ الناس بالظنة وأضربهم على التهمة أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة فكتب إلى أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة فإن لم يصلحهم الحق فلا أصحلهم اللّه قال يحيى ففعلت ذلك فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقلها سرقة ونقباً.

وقال رجاء بن حيوة: سمرت ليلة عند عمر فغشي السراج وإلى جانبه وصيف

قلت: ألا أننهه

قال: لا

قلت: أفلا أقوم؟ قال ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه فقام إلى بطة الزيت وأصلح السراج ثم رجع و

قال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.

وقال نعيم كاتبه: قال عمر: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة.

وقال مكحول: لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد ولا أخوف للّه من عمر ابن عبد العزيز.

وقال سعيد بن أبي عروبة: كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله.

وقال عطاء: كان عمر بن عبد العزيز يجمع في كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة ثم يبكون حتى كان بين أيديهم جنازة.

وقال عبيد اللّه بن العيزار: خطبنا عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من طين ف

قال: أيها الناس أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب حي لعرق له في الموت والسلام عليكم.

وقال وهيب بن الورد: اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك: قل لأبيك: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا وإن أباك قد حرمنا ما في يديه فدخل على أبيه فأخبره فقال لهم إن أبي يقول لكم إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.

وقال الأوزاعي: قال عمر بن عبد العزيز: خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم فإنهم خير منكم وأعلم.

و

قال: قدم جرير فطال مقامه بباب عمر بن عبد العزيز ولم يلتفت إليه فكتب إلى عون بن عبد اللّه وكان خصيصاً بعمر:

يا أيها القارئ المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني

أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أني لدي الباب كالمصفود في قرن

وقال جويرية بن أسماء: لما استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه بلال بن أبي بردة فهنأه وقال من كانت الخلافة شرفته فقد شرفتها ومن كانت زانته فقد زنتها وأنت كما قال مالك بن أسماء:

وتزيدين أطيب الطيب طيبا ... أن تمسيه أين مثلك أينا

وإذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا

قال جعونة: لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جعل عمر يثني عليه ف

قال: يا أمير المؤمنين لو بقي كنت تعهد إليه؟ قال لا

قال: ولم وأنت تثني عليه؟ قال أخاف أن يكون زين في عيني منه ما زين في عين الوالد من ولده.

وقال غسان عن رجل من الأزد: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: أوصني

قال: أوصيك بتقوى اللّه وإيثاره تخف عنك المؤنة وتحسن لك من اللّه المعونة.

وقال أبو عمرو: دخلت ابنة أسامة بن زيد على عمر بن عبد العزيز فقام لها ومشى إليها ثم أجلسها في مجلسه وجلس بين يديها وما ترك لها حاجة إلا قضاها.

وقال الحجاج بن عنبسة: اجتمع بنو مروان فقالوا: لو دخلنا على أمير المؤمنين فعطفناه علينا بالمزاح فدخلوا فتكلم رجل منهم فمزح فنظر إليه عمر فوصل له رجل كلامه بالمزاح فقال لهذا اجتمعتم؟ لأخس الحديث ولما يورث الضغائن؟ إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب اللّه فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإن تعديتم ذلك فعليكم بمعاني الحديث.

وقال إياس بن معاوية بن قرة: ما شبهت عمر بن عبد العزيز إلا برجل صناع حسن الصنعة ليس له أداة يعمل بها يعني لا يجد من يعينه.

وقال عمر بن حفص: قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا من الخير.

وقال يحيى الغساني: كان عمر ينهى سليمان بن عبد الملك عن قتل الحرورية ويقول: ضمنهم الحبس حتى يحدثوا توبة فآتى سليمان بحروري فقال له سليمان: هيه فقال الحروري: وماذا أقول يا فاسق بن الفاسق فقال سليمان: علي بعمر ابن عبد العزيز فلما جاء

قال: اسمع مقالة هذا فأعادها الحروري فقال سليمان لعمر: ماذا ترى عليه؟ فسكت

قال: عزمت عليك لتخبرني بماذا ترى عليه

قال: أرى عليه أن تشتمه كما شتمك قال ليس الأمر كذلك فأمر به سليمان فضربت عنقه وخرج عمر فأدركه خالد صاحب الحرس فقال يا عمر كيف تقول لأمير المؤمنين ما أرى عليه إلا أن تشتمه كما شتمك؟ واللّه لقد كنت متوقعاً أن يأمرني بضرب عنقك قال ولو أمرك لفعلت؟ قال إي واللّه فلما أفضت الخلافة إلى عمر جاء خالد فقام مقام صاحب الحرس فقال عمر يا خالد ضع هذا السيف عنك و

قال: اللّهم إني قد وضعت لك خالداً فلا ترفعه أبداً ثم نظر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن مهاجر الأنصاري وقال يا عمرو واللّه لتعلمن أنه ما بيني وبينك قرابة إلا قرابة الإسلام ولكن سمعتك تكثر تلاوة القرآن ورأيتك تصلي في موضع تظن أن لا يراك أحد فرأيتك تحسن الصلاة وأنت رجل من الأنصار خذ هذا السيف فقد وليتك حرسي.

وقال شعيب: حدثت أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه فقال يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غداً إذا سألك فقال رأيت بدعة فلم تمتها أو سنة فلم تحيها فقال أبوه: رحمك اللّه وجزاك من ولد خيراً يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة وعروة عروة ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقاً يكثر فيه الدماء واللّه لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق في سببي محجمه من دم أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيى فيه سنة؟.

وقال معمر: قال عمر بن عبد العزيز: قد أفلح من عصم من المراء والغضب والطمع.

وقال أرطأة بن المنذر: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو اتخدت حرساً واحترزت في طعامك وشرابك ف

قال: اللّهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئاً دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي.

وقال عدي بن الفضل سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب فقال اتقوا اللّه أيها الناس وأجملوا في الطلب فإنه إن كان لأحدكم رزق في رأس جبل أو حضيض أرض يأته.

وقال أزهر رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وعليه قميص مرقوع.

وقال عبد اللّه بن العلاء: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب في الجمع بخطبة واحدة يرددها ويفتتحها بسبع كلمات الحمد للّه نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضل له ومن يضللّه فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعص اللّه ورسوله فقد غوى ثم يوصي بتقوى اللّه ويتكلم ثم يختم خطبته الأخيرة بهؤلاء الآيات " يا عبادي الذين أسرفوا " " الزمر: 53 " إلى تمامها.

وقال حاجب بن خليفة البرجمي: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة فقال في خطبته: ألا إن ما سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصاحباه فهو دين تأخذ به وتنتهي إليه وما سن سواهما فإنا نرجئه.

أسند جميع ما قدمته أبو نعيم في الحلية.

وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال دخلنا على عمر بن عبد العزيز يوم العيد والناس يسلمون عليه ويقولون تقبل اللّه منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد عليهم ولا ينكر عليهم.

قلت: هذا أصل حسن للتهنئة بالعيد والعام والشهر.

وأخرج عن جعونة

قال: ولى عمر بن عبد العزيز عمرو بن قيس السكوني الصائفة ف

قال: أقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم ولا تكن في أولهم فتقتل ولا في آخرهم فتفشل ولكن كن وسطاً حيث يرى مكانك ويسمع صوتك.

وأخرج عن السائب بن محمد

قال: كتب الجراح بن عبد اللّه إلى عمر بن عبد العزيز: إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فكتب إليه عمر أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فأبسط ذلك فيهم والسلام.

وأخرج عن أمية بن زيد القرشي

قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا أملى علي كتابه

قال: اللّهم إني أعوذ بك من شر لساني.

وأخرج عن صالح بن جبير

قال: ربما كلمت عمر بن عبد العزيز في الشيء فيغضب فأذكر أن في الكتاب مكتوباً اتق غضبه الملك الشاب فأرفق به حتى يذهب غضبه فيقول لي بعد ذلك: لا يمنعك يا صالح ما ترى منا أن تراجعنا في الأمر إذا رأيته.

وأخرج عن عبد الحليم بن محمد المخزومي

قال: قدم جرير بن عطية بن الخطفي علي عمر بن عبد العزيز فذهب ليقول فنهاه عمر ف

قال: إنما أذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال: أما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاذكره ف

قال:

إن الذي ابتعث النبي محمداً ... جعل الخلافة للأمير العادل

رد المظالم حقها بيقينها ... عن جورها وأقام ميل المائل

واللّه أنزل في القرآن فريضة ... لابن السبيل وللفقير العائل

إني لأرجو منك خيراً عاجلا ... والنفس مغرمة بحب العاجل

فقال له عمر: ما أجد لك في كتاب اللّه حقاً

قال: بلى يا أمير المؤمنين إنني ابن سبيل فأمر له من خاصة ماله بخمسين ديناراً.

وفي الطويريات أن جرير بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه على عمر بن عبد العزيز فسأله عمر عن حال ابنه ثم قال له علمه الفقه الأكبر قال وما الفقه الأكبر؟ قال القناعة وكف الأذى.

وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي

قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال صف لي العدل ف

قلت: بخ سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أباً ولكبيرهم ابناً وللمثل منهم أخاً وللنساء كذلك وعاقب الناس على قدر ذنوبهم وعلى قدر أجسادهم ولا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتعد من العادين.

وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما مست النار حتى كان يتوضأ من السكر.

وأخرج عن وهيب أن عمر بن عبد العزيز

قال: من عد كلامه من عمله قل كلامه.

وقال الذهبي: أظهر غيلان القدر في خلافة عمر بن عبد العزيز فاستتابه ف

قال: لقد كان كنت ضالا فهديتني فقال عمر: اللّهم إن كان صادقاً وإلا فاصلبه واقطع يديه ورجليه فنفذت فيه دعوته فأخذ في خلافة هشام بن عبد الملك وقطعت أربعته وصلب بدمشق في القدر.

وقال غيره كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب في الخطبة فلما ولي عمر ابن عبد العزيز أبطله وكتب إلى نوابه بإبطاله وقرأ مكانه " إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان " " النحل: 90 " الآية فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن.

وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا أحمد بن عبيد

قال: قال عمر بن عبد العزيز قبل خلافته:

أنه الفؤاد عن الصبا ... وعن انقياد للّهوى

فلعمر ربك إن في ... شيب المفارق والجلا

لك واعظاً لو كنت تت ... عظ اتعاظ ذوي النهى

حتى متى لا ترعوي ... وإلى متى وإلى متى؟

ما بعد أن سميت كه ... لا واستلبت اسم الفتى

بلي الشباب وأنت إن ... عمرت رهن للبلى

وكفى بذلك زاجراً ... للمرء عن غي كفى

فائدة: قال الثعالبي في لطائف المعارف: كان عمر بن الخطاب أصلع وعثمان وعلي ومروان بن الحكم وعمر بن عبد العزيز ثم انقطع الصلع عن الخلفاء.

فائدة: قال الزبير بن بكار قال الشاعر في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز:

بنت الخليفة والخليفة جدها ... أخت الخلائف والخليفة زوجها

قال: فلم تكن امرأة تستحق هذا النسب إلى يومنا هذا غيرها.

قلت: ولا يقال في غيرها هذا إلى يومنا هذا.

ذكر مرضه ووفاته

قال أيوب: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ف

قال: واللّه لأن يعذبني اللّه بكل عذاب إلا النار أحب إلي من أن يعلم اللّه مني أني أراني لذلك الموضع أهلا.

وقال وليد بن هشام: قيل لعمر في مرضه: ألا تتداوى؟ فقال لقد علمت الساعة التي سقيت فيها ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني أو أوتى بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت.

وقال عبيد بن حسان: لما احتضر عمر بن العزيز

قال: اخرجوا عني فقعد مسلمة وفاطمة على الباب فسمعوه يقول مرحباً بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان ثم قال " تلك الدار الآخرة " " القصص: 83 " الآية ثم هدأ الصوت فدخلوا فوجدوه قد قبض رضي اللّه عنه.

وقال هشام: لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن البصري: مات خير الناس.

وقال خالد الربعي: إنا نجد في التوراة أن السماوات والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحاً.

وقال يوسف بن ماهك: بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم أمان من اللّه لعمر بن عبد العزيز من النار.

وقال قتادة: كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده: بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه عمر إلى يزيد بن عبد الملك سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إلا هو أما بعد فإني كتبت وأنا دنف من وجعي وقد علمت أني مسؤول عما وليت يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئاً فإن رضي عني فقد أفلحت ونجوت من الهوان الطويل وإن سخط علي فيا ويح نفسي إلى ما أصبر أسأل اللّه الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته وأن يمن علي برضوانه والجنة فعليك بتقوى اللّه الرعية الرعية فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلا والسلام أسند هذا كله أبو نعيم في الحلية.

توفي عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه بدير سمعان بكسر السين من أعمال حمص لعشر بقين وقيل لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة وله حينئذ تسع وثلاثون سنة وستة أشهر وكانت وفاته بالسم كانت بنو أمية قد تبرموا به لكونه شدد عليهم وانتزع من أيديهم كثيراً مما غصبوه وكان قد أهمل التحرز فسقوه السم.

قال مجاهد: قال لي عمر بن عبد العزيز ما يقول الناس في؟

قلت: يقولون مسحور

قال: ما أنا بمسحور وإني لأعلم الساعة التي سقيت فيها ثم دعا غلاماً له: فقال له: ويحك ما حملك على أن تسقيني السم؟

قال: ألف دينار أعطيتها وعلى أن أعتق

قال: هاتها

قال: فجاء بها فألقاها في بيت المال وقال اذهب حيث لا يراك أحد.

مات في أيامه من الأعلام: أبو أمامة سعد بن سهل بن حنيف وخارجة ابن زيد بن ثابت وسالم بن أبي الجعد وبسر بن سعيد وأبو عثمان النهدي وأبو الضحى وشهر بن حوشب الشامي وحنش بن عبد اللّه الصنعاني ومسلم ابن يسار البصري وعيسى بن طلحة بن عبد اللّه القرشي التيمي أحد أشراف قريش وعقلائها وعلمائها.

يزيد بن عبد الملك بن مروان

يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو خالد الأموي الدمشقي.

ولد سنة إحدى وسبعين وولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز بعهد من أخيه سليمان كما تقدم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما ولي يزيد

قال: سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز فأتى بأربعين شيخاً فشهدوا له ما على الخلفاء حساب ولا عذاب.

وقال ابن الماجشون: لما مات عمر بن عبد العزيز قال يزيد واللّه ما عمر بأحوج إلى اللّه مني فأقام أربعين يوماً يسير بسيرة عمر بن عبد العزيز ثم عدل عن ذلك.

وقال سليم بن بشير: كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك حين احتضر: سلام عليك أما بعد فإني لا أراني إلا لما بي فاللّه اللّه في أمة محمد فإنك تدع الدنيا لمن لا يحمدك وتقضي إلى من لا يعذرك والسلام.

وفي سنة اثنتين خرج يزيد بن المهلب على الخلافة فوجه إليه مسلمة بن عبد الملك ابن مروان فهزم يزيد وقتل وذلك بالعقير موضع بقرب كربلاء.

قال الكلبي: نشأت وهم يقولون: ضحى بنو أمية يوم كربلاء بالدين ويوم العقير بالكرم.

مات يزيد في أواخر شعبان سنة خمس ومائة.

وممن مات في خلافته من الأعلام: الضحاك بن مزاحم وعدي بن أرطاة وأبو المتوكل الناجي وعطاء بن يسار ومجاهد ويحيى بن وثاب مقرئ الكوفة وخالد بن معدان والشعبي عالم العراق وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت وأبو قلابة الجرمي وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري وآخرون.

هشام بن عبد الملك

هشام بن عبد الملك أبو الوليد ولد سنة نيف وسبعين واستخلف بعهد من أخيه يزيد.

قال مصعب الزبيري: رأى عبد الملك في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فسأل سعيد بن المسيب ف

قال: يملك من ولده لصلبه أربعة فكان آخرهم هشام.

وكان هشام حازماً عاقلا كان لا يدخل بيت ماله مالا حتى يشهد أربعون قسامة: لقد أخذ من حقه ولقد أعطى لكل ذي حق حقه.

وقال الأصمعي: أسمع رجل مرة هشاماً كلاماً فقال له يا هذا ليس لك أن تسمع خليفتك.

قال: وغضب مرة على رجل فقال واللّه لقد هممت أن أضربك سوطاً.

وقال سحبل بن محمد ما رأيت أحداً من الخلفاء أكره إليه الدماء ولا أشد عليه من هشام.

وعن هشام أنه

قال: ما بقي شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته إلا شيئاً واحداً أخاً أرفع مؤنة التحفظ فيما بيني وبينه.

وقال الشافعي لما بنى هشام الرصافة بقنسرين أحب أن يخلو يوماً لا يأتيه فيه غم فما انتصف النهار حتى أتته ريشة بدم من بعض الثغور فأوصلت إليه فقال ولا يوماً واحداً.

وقيل: إن هذا البيت له ولم يحفظ له سواه:

إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال

مات في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة.

وفي سنة سبع من أيامه فتحت قيصرية الروم بالسيف وفي سنة ثمان فتحت خنجرة على يد البطال الشجاع المشهور وفي سنة اثنتي عشرة فتحت خرشنة في ناحية ملطية.

وممن مات في أيامه من الأعلام: سالم بن عبد اللّه بن عمر وطاوس وسليمان ابن يسار وعكرمة مولى ابن عباس والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكثير عزة الشاعر ومحمد بن كعب القرظي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وأبو الطفيل عامر بن واثلة الصحابي آخرهم موتاً وجرير والفرزدق وعطية العوفي ومعاوية بن قرة ومكحول وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر الباقر ووهب بن منبه وسكينة بنت الحسين والأعرج وقتادة ونافع مولى ابن عمر وابن عامر مقرئ الشام وابن كثير مقرئ مكة وثابت البناني ومالك بن دينار وابن محيصن المقرئ وابن شهاب الزهري وخلائق آخرون.

ومن أخبار هشام: أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة

قال: أراد هشام ابن عبد الملك أن يوليني خراج مصر فأبيت فغضب حتى اختلج وجهه وكان في عينيه الحول فنظر إلي نظر منكر وقال لتلين طائعاً أو لتلين كارهاً فأسكت عن الكلام حتى سكن غضبه فقلت يا أمير المؤمنين أتكلم؟ قال نعم

قلت: إن اللّه قال في كتابه العزيز " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها " " الأحزاب: 72 " الآية فواللّه يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين ولا أكرههن إذ كرهن وما أنا بحقيق أن تغضب على إذ أبيت وتكرهني إذا كرهت فضحك وأعفاني.

وأخرج عن خالد بن صفوان

قال: وفدت على هشام بن عبد الملك ف

قال: هات يا ابن صفوان

قلت: إن ملكاً من الملوك خرج متنزهاً إلى الخورنق وكان ذا علم مع الكثرة والغلبة فنظر وقال لجلسائه لمن هذا قالوا للملك قال فهل رأيتم أحداً أعطي مثل ما أعطيت؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة فقال إنك قد سألت عن أمر أفتأذن لي بالجواب

قال: نعم

قال: أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثاً وهو زائل عنك إلى غيرك كما صار إليك؟ قال كذا هو

قال: فتعجب بشيء يسير لا تكون فيه إلا قليلا وتنقل عنه طويلا فيكون عليك حساباً

قال: ويحك فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ وأخذته قشعريرة

قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة اللّه بما ساءك وسرك وإما أن تنخلع من ملكك وتضع تاجك وتلقى عنك أطمارك وتعبد ربك قال إني مفكر الليل وأوافيك السحر فلما كان السحر قرع عليه بابه فقال إني اخترت هذا الجبل وفلوات الأرض وقد لبست علي أمساحي فإن كنت لي رفيقاً لا تخالف فلزما الجبل حتى ماتا وفيه يقول عدي بن زيد العبادي:

أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام بل أنت جاهل ومغرور

من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك أبوسا ... سان أم أين قبله سابور

وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم لم يبق منهم مذكور

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجل ... ة تجبى إليه والخابور

شاده مرمراً وجللّه كل ... ساً فللطير في ذراه وكور

لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور

وتذكر رب الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللّهدي تذكير

سره ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرض والدير

فارعوي قلبه وقال وما غب ... طة حي إلى الممات يصير

ثم بعد الفلاح والملك والأم ... ة وارتهم هناك القبور

ثم صاروا كأنهم ورق ج ... ف فألوت به الصبا والدبور

قال: فبكى هشام حتى اخضلت لحيته وأمر بابنتيه وطي فرشه ولزم قصره فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان وقالوا ما أردت إلى أمير المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته ف

قال: إليكم عني فإني عاهدت اللّه أن لا أخلو بملك إلا ذكرته اللّه تعالى.

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الخليفة الفاسق أبو العباس.

ولد سنة تسعين فلما احتضر أبوه لم يمكنه أن يستخلفه لأنه صبي فعقد لأخيه هشام وجعل هذا ولي العهد من بعد هشام فتسلم الأمر عند موت هشام في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة وكان فاسقاً شريباً للخمر منتهكاً حرمات اللّه أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه وخرجوا عليه فقتل في جمادى الآخر سنة ست وعشرين.

وعنه أنه لما حوصر

قال: ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أرفع عنكم المؤن؟ ألم أعط فقراءكم؟ فقالوا: ما ننقم عليك في أنفسنا لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم اللّه وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر اللّه.

ولما قتل وقطع رأسه وجيء به يزيد الناقص نصبه على رمح فنظر إليه أخوه سليمان بن يزيد ف

قال: بعداً له أشهد أنه كان شروباً للخمر ماجناً فاساقاً ولقد راودني على نفسي.

وقال المعافى الجريري: جمعت شيئاً من أخبار الوليد ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه وسخافته وما صرح به من الإلحاد في القرآن والكفر باللّه.

وقال الذهبي: لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة بل اشتهر بالخمر والتلوط فخرجوا عليه لذلك.

وذكر الوليد مرة عند المهدي فقال رجل كان زنديقاً المهدي مه خلافة اللّه عنده أجل من أن يجعلها في زنديق.

وقال مروان بن أبي حفصة: كان الوليد من أجمل الناس وأشدهم وأشعرهم.

وقيل أبو الزناد: كان الزهري يقدح أبداً عند هشام في الوليد ويعيبه ويقول ما يحل لك إلا خلعه فما يستطيع هشام ولو بقي الزهري إلى أن يملك الوليد لفتك به وقال الضحاك بن عثمان: أراد هشام أن يخلع الوليد ويجعل العهد لولده فقال الوليد:

كفرت يداً من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن بالفضل والمن

رأيتك تبني جاهداً في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني

أراك على الباقين تجني ضغينة ... فيا ويحهم إن مت من شر ما تجني

كأني بهم يوماً وأكثر قيلهم ... ألا ليت أنا حين يا ليت لا تغني

وقال حماد الراوية كنت يوماً عند الوليد فدخل عليه منجمان فقالا نظرنا فيما أمرتنا فوجدناك تملك سبع سنين قال حماد فأردت أن أخدعه فقلت كذباً ونحن أعلم بالآثار وضروب العلم وقد نظرنا في هذا فوجدناك تملك أربعين سنة فأطرق ثم

قال: لا ما قالا يكسرني ولا ما قلت يغرني واللّه لأجبين المال من حله جباية من يعيش الأبد ولأصرفنه في حقه صرف من يموت الغد.

وقد ورد في مسند أحمد حديث " ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشد على هذه الأمة من فرعون لقومه " .

وقال ابن فضل في اللّه المسالك: الوليد بن يزيد الجبار العنيد لقباً ما عداه ولقما سلكه فما هداه فرعون ذلك العصر الذاهب والدهر المملوء بالمعائب يأتي يوم القيامة يقدم قومه فيوردهم النار ويرديهم العار وبئس الورد المورود والمورد المردى في ذلك الموقف المشهود رشق المصحف بالسهام وفسق ولم يخف الآثام.

وأخرج الصولي عن سعيد بن سليم

قال: أنشد ابن ميادة الوليد بن يزيد شعره الذي يقول فيه:

فضلتم قريشاً غير آل محمد ... وغير بني مروان أهل الفضائل

فقال له الوليد: أراك قد قدمت علينا آل محمد فقال ابن ميادة: ما أراه يجوز غير ذلك وابن ميادة هذا هو القائل في الوليد أيضاً من قصيدة طويلة:

هممت بقول صادق أن أقوله ... وإني على رغم العداة لقائله

رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً ... شديداً بأعباء الخلافة كاهله

يزيد الناقص أبو خالد بن الوليد

يزيد الناقص أبو خالد بن الوليد بن عبد الملك لقب بالناقص لكونه نقص الجند من أعطياتهم وثب على الخلافة وقتل ابن عمه الوليد وتملك.

وأمه شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد وأم فيروز بنت شيرويه بن كسرى وأم شيرويه بنت خاقان ملك الترك وأم أم فيروز بنت قيصر عظيم الروم فلهذا قال يزيد يفتخر:

أنا ابن كسرى وأبي مروان ... وقيصر جدي وجدي خاقان

قال الثعالبي: أعرق الناس في الملك والخلافة من طرفيه.

ولما قتل يزيد الوليد قام خطيباً فقال أما بعد إني واللّه ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا طمعاً ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في الملك وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي ولكن خرجت غضباً للّه ولدينه وداعياً إلى كتابه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم حين درست معالم الهدى وطفئ نور أهل التقوى وظهر الجبار المستحل الحرمة والراكب البدعة فلما رأيت ذلك أشفقت إذ غشيكم ظلمة لا تقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم وقسوة من قلوبكم وأشفقت أن يدعو كثيراً من الناس إلى ما هو عليه فيجيبه فاستخرت اللّه في أمري ودعوت من أجابني من أهلي وأهل ولايتي فأراح اللّه منه البلاد والعباد ولاية من اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه أيها الناس إن لكم عندي إن وليت أموركم أن لا أضع لبنة على لبنة ولا حجراً على حجر ولا أنقل مالا من بلد حتى أسد ثغره وأقسم بين مصالحه ما تقوون به فإن فضل فضل رددته إلى البلد الذي يليه حتى تستقيم المعيشة وتكونوا فيه سواء فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم فأنا لكم وإن ملت فلا بيعة لي عليكم وإن رأيتم أحداً أقوى مني عليها فأردتم بيعته فأنا أول من يبايعه ويدخل في طاعته وأستغفر اللّه لي ولكم.

وقال عثمان بن أبي العاتكة: أول من خرج بالسلاح في العيدين يزيد بن الوليد خرج يومئذ بين من صفين من الخيل عليهم السلاح من باب الحصن إلى المصلى.

وعن أبي عثمان الليثي قال يزيد الناقص: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزد في الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل المسكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا.

وقال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي رحمه اللّه يقول لما ولي يزيد بن الوليد دعا الناس إلى القدر وحملهم عليه وقرب أصحاب غيلان.

ولم يمتنع يزيد بالخلافة بل مات من عامه في سابع ذي الحجة فكانت خلافته ستة أشهر ناقصة وكان عمره خمساً وثلاثين سنة وقيل ستاً وأربعين سنة ويقال إنه مات بالطاعون.

إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك

إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك أبو إسحاق بويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد الناقص فقيل إنه عهد إليه وقيل لا.

قال برد بن سنان: حضرت يزيد بن الوليد وقد احتضر فأتاه قطن ف

قال: أنا رسول من وراء بابك يسألونك بحق اللّه لما وليت أمرهم أخاك إبراهيم فغضب فقال أنا أولى بإبراهيم ثم

قال: يا أبا العلاء إلى من ترى أعهد؟ قلت أمر نهيتك عن الدخول فيه فلا أشير عليك في آخره قال وأغمي عليه حتى حسبته قد مات فقعد قطن فافتعل كتاباً بالعهد على لسان يزيد ودعا ناساً فاستشهدهم عليه ولا واللّه ما عهد يزيد شيئاً.

ومكث إبراهيم في الخلافة سبعين ليلة ثم خلع خرج عليه مروان بن محمد وبويع فهرب إبراهيم ثم جاء وخلع نفسه من الأمر وسلمه إلى مروان وبايع طائعاً.

وعاش إبراهيم بعد ذلك إلى سنة اثنتين وثلاثين فقتل فيمن قتل من بني أمية في وقعة السفاح.

وفي تاريخ ابن عساكر سمع إبراهيم من الزهري وحكى عن عمه هشام وحكى عنه ابنه يعقوب وأمه أم ولد وهو أخو مروان الحمار لأمه.

وكان خلعه يوم الاثنين لأربع عشرة خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومائة.

وقال المدائني لم يتم لإبراهيم أمر كان قوم يسلمون عليه بالخلافة وقوم يسلمون عليه بالإمرة وأبى قوم أن يبايعوا له وقال بعض شعرائهم:

نبايع إبراهيم في كل جمعة ... إلا أن أمراً أنت واليه ضائع

وقال غيره كان نقش خاتم إبراهيم إبراهيم يثق باللّه.

مروان الحمار

مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية أبو عبد الملك بن محمد بن مروان ابن الحكم ويلقب بالجعدي نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم وبالحمار لأنه كان لا يجف له لبد في محاربة الخارجين عليه.

كان يصل السير بالسير ويصبر على مكاره الحرب ويقال في المثل: فلان أصبر من حمار في الحروب فلذلك لقب به وقيل لأن العرب تسمي كل مائة سنة حماراً فلما قارب ملك بني أمية مائة سنة لقبوا مروان بالحمار لذلك.

ولد مروان بالجزيرة وأبوه متوليها سنة اثنتين وسبعين وأمه أم ولد.

وولي قبل الخلافة ولايات جليلة وافتتح قونية سنة خمس ومائة.

وكان مشهوراً بالفروسية والإقدام والرجلة والدهاء والعسف فلما قتل الوليد وبلغه ذلك وهو على أرمينية دعا إلى بيعة من رضي المسلمون فبايعوه فلما بلغه موت يزيد أنفق الخزائن وسار فحارب إبراهيم فهزمه وبويع مروان وذلك في نصف صفر سنة سبع وعشرين واستوثق له الأمر فأول ما فعل أمر بنبش يزيد الناقص ف

أخرجه من قبره وصلبه لكونه قتل الوليد.

ثم أنه لم يتهن بالخلافة لكثرة من خرج عليه منكل جانب إلى سنة اثنتين وثلاثين فخرج عليه بنو العباس وعليهم عبد اللّه بن علي عم السفاح فسار لحربهم فالتقى الجمعان بقرب الموصل فانكسر مروان فرجع إلى الشام فتبعه عبد اللّه ففر مروان إلى مصر فتبعه صالح أخو عبد اللّه فالتقيا بقرية بوصير فقتل مروان بها في ذي الحجة من السنة.

مات في أيامه من الأعلام: السدي الكبير ومالك بن دينار الزاهد وعاصم بن أبي النجود المقري ويزيد بن أبي حبيب وشيبة بن نصاح المقري ومحمد بن المنكدر وأبو جعفر يزيد بن القعقاع مقرئ المدينة وأبو أيوب السختياني وأبو الزناد وهمام بن منبه وواصل بن عطاء المعتزلي.

وأخرج الصولي عن محمد بن صالح قال لما قتل مروان الحمار قطع رأسه ووجه به إلى عبد اللّه بن علي فنظر إليه وغفل فجاءت هرة فاقتلعت لسانه وجعلت تمضعه فقال عبد اللّه بن علي لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان في فم هرة لكفانا ذلك.