Geri

   

 

 

İleri

 

الجزء الثالث

هجرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم

سبب تأخر أبي بكر وعلي في الهجرة : وأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكةَ بعدَ أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤْذَن له في الهجرة، ولم يتخلفْ معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حُبس أو فُتن ، إلا على بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قُحافة الصديق رضى اللّه عنهما، وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الهجرة، فيقول له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا تعجل لعل اللّه يجعل لك صاحباً، فيطمع أبو بكر أن يكونَه.

قريش تتشاور في أمره عليه السلام :

قال ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد صارت له شِيعة وأصحاب من غيرهم بغيرِ بلدهم ، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً، وأصابوا منهم مَنَعَة، فحذروا خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليهم ، وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم. فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قُصَي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى أمراً إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خافوه.

قال ابن إسحاق : فحدثني مَنْ لا أتهم من أصحابنا، عن ابن أبي نَجيح ، عن مجاهد بن جُبير أبي الحجاج ، وغيره ممن لا أتهم ، عن عبد اللّه بن عباس رضى اللّه عنهما

قال : لما أجمعوا لذلك ، واتَّعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمرِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، غَدَوْا في اليوم الذي اتَّعدوا له ، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الرحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه بتلة ، فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفاً على بابها؟ قالوا : من الشيخ ؟

قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتَّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأياً ونصحاً، قالوا : أجل فادخل معهم ، وقد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب ، ومن بني نوفل بن عبد مناف : طُعَيمة بن عدي ، وجُبَيْر بنُ مُطْعِم ، والحارث بن عامر بن نَوْفل. ومن بنى عبد الدار بن قُصَى : النضر بن الحارث بن كَلَدة. ومن بنى أسد بن عبد العُزَّى : أبو البَخْتَرِيّ بن هشام ، وزَمْعَة بن الأسود بن المطلب ، وحكيم بن حِزام. ومن بنى مخزوم ، أبو جهل بن هشام. ومن بني سَهْم : نُبيه ومُنبَّه ابنا الحجاج. ومن بنى جُمَح : أمية بن خلف. ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش.

فقال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، فإنا واللّه ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأياً.

قال : فتشاوروا

ثم قال قائل منهم : احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه باباً، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله ، زهيراً والنابغة، ومن مضى منهم ، من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم.

فقال الشيخ النجدي : لا واللّه ، ما هذا لكم برأي. واللّه لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم ، فيُنزِعوه من أيديكم ، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوكم على أمرِكم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا في غيره. فتشاوروا.

ثم قال قائل منهم : نخرجه من بين أظهرنا، فننفيه من بلادنا، فإذا أخرج عنا فواللّه ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع ، إذا غاب عنا وفرغنا منه ، فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت ، فقال الشيخ النجدى : لا واللّه ، ما هذا لكم برأي ، ألم تَرَوْا حُسنَ حديثه ، وحلاوةَ منطقه ، وغَلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، واللّه لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم ، فيأخذ أمرَكم من أيديكم ، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيا غير هذا.

قال : فقال أبو جهل بن هشام : واللّه إن لي فيه لرأياً ما أراكمِ وقعتم عليه بعدُ قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليداً نسيباً وسيطاً فينا، ثم نُعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً ثم يَعْمِدوا إليه ، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه ، فنستريح منه. فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالعقل ، فعقلناه لهم.

قال : فقال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل ، هذا الرأي الذي لا رأي غيره ، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له

 استخلافه صلى اللّه عليه وسلم عليّا : فأتى جبريلُ عليه السلام رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فقال : لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشِك الذي كنتَ تبيت عليه ،

قال : فلما كانت عَتْمَة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام ، فيثبون عليه ؟ فلما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكانهم ، قال لعلىِّ بن أبي طالب : نم على فراشي وتَسَجَّ بِبُرْدي هذا الحَضْرمي الأخضر، فنم فيه ، فإنه لن يَخْلُص إليك شيء تكرهه منهم ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينام في بُرْدِه ذلك إذا نام.

قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القُرظى

قال : لما اجتمعوا له ، وفيهم أبو جهل بن هشام ، فقال وهم على بابه : إن محمداً يزعُم أنكم إن تابعتموه على أمره ، كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بُعثتم من بعد موتكم ، فجُعلت لكم جِنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذَبْح ، ثم بُعثتم من بعدِ موتكم ، ثم جُعلت لكم نار تُحرقون فيها.

قال : وخرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخذ حفنةً من تُراب في يده ،

ثم قال :أنا أقول ذلك ، أنتَ أحدُهم. وأخذ اللّه تعالى على أبصارِهم عنه ، فلا يَرَوْنَه ، فجعل يَنثرُ ذلك الترابَ على رؤوسِهم وهو يتلو هؤلاءِ الآيات من يس : { يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ* عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ*تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } [يس: ١ـ٥] إلى قوله { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } [يس:٩] حتى فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هؤلاء الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا قد وضع على رأسه تراباً، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهبَ ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ،

فقال : ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا : محمداً :

قال : خيبكم اللّه ! قد واللّه خرجٍ عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسِهِ ترابا، وانطلق لحاجته ، أفما تَرَوْنَ ما بكم ؟

قال : فوضع كلُّ رجلٍ منهم يدَه على رأسِه ، فإذا عليه ترابٌ ثم جعلوا يتطلَّعون فَيَروْن علياً على الفراش مُتَسَجِّياً بِبُرْد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيقولون : واللّه إن هذا لمحمد نائمأ، عليه بُرْدُه. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام على رضى اللّه عنه عن الفراش

فقالوا : واللّه لقد كان صدَّقنا الذي حدثنا.

ما نزل في تربص المشركين بالنبي

قال ابن إسحاق : وكان مما أنزل اللّه عز وجل من القرآنِ في ذلك اليوم ، وما كانوا أجمعوا له : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّه وَاللّه خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال: ٣٠]، وقول اللّه عز وجل : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ* قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ } [الطور: ٣٠،٣١]

قال ابن هشام : المنون : الموت. وريب المنون : ما يريب ويعرض منها. قال أبو ذؤيب الهذلي

أمن المنُون ورَيْبها تتوجَّعُ   والدهرُ ليس بِمُعْتِبٍ من يَجْزعُ

وهذا البيت في قصيدة له.

قال ابن إسحاق : وأذِنَ اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك في الهجرة.

أبو بكر يطمع في المصاحبة

قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي اللّه عنه رجلاً ذا مال ، فكان حين استأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الهجرة، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا تعجلْ ، لعل اللّه يجد لك صاحباً، قد طمع بأن يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إنما يعني نفسه ، حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين ، فاحتبسهما في دارِه ، يعلفهما إعداداً لذلك.

حديث الهجرة إلى المدينة

قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم ، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها

قالت : كان لا يُخطيء رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتىَ بيتَ أبي بكر أحدَ طرفي النهار، إما بكرة

وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهريْ قومه ، أتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتى فيها :

قالت : فلما رآه أبو بكر،

قال : ما جاء رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث.

قالت : فلما دخل ، تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختى أسماءُ بنت أبي بكر، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أخرجْ عني من عندَك.

فقال : يا رسول اللّه ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي !

فقال : إن اللّه قد أذن لى في الخروج والهجرة.

قالت : فقال أبو بكر : الصحبة يا رسول اللّه.

قال : الصحبة.

قالت : فواللّه ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكى من الفرح ، حتى رأيت أبا بكر يبكى يومئذ ،

ثم قال : يا نبى اللّه إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا.

فاستأجرا عبد اللّه بن أرقط - رجلا من بنى الدّئل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سَهْم بن عمرو، وكان مشركا - يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.

من علم بأمر هجرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق : ولم يعلم فيما بلغنى، بخروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحد، حين خرج ، إلا علي ابن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر. أما على فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه ، وأمره أن يتخلف بعدَه بمكه، حتى يؤدِّيَ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الودائعَ ، التي كانت عندَه للناس ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليس بمكة أحد عندَه شىء يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يعلم من صدقه

وأمانته صلى اللّه عليه وسلم

في الغار

قال ابن إسحاق : فلما أجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخروج ، أتى أبا بكر بن أبي قحافة، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه ، وأمر أبو بكر ابنه عبد اللّه بن أبي بكر أن يتسمَّع لهما ما يقول الناسُ فيهما نهارَه ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر وأمر عامرَ بنَ فُهيرة مولاه أن يرعى غنمَهُ نهارَه ، ثم يريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى في الغارِ. وكانت أسماءُ بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.

قال ابن هشام : وحدثني بعضُ أهلِ العلم ، أن الحسنَ بنَ أبي الحسن البَصْريَّ

قال : انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلاً، فدخل أبو بكر رضي اللّه عنه قبلَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلَمِس الغار، لينظر أفيه سبع أو حية، يقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنفسِهِ

من قام بشأن الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الغار

قال ابن إسحاق : فأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغار ثلاثاً ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائةَ ناقة، لمن يرده عليهم. وكان عبد اللّه بن أبي بكر يكون في قريش نهارَه معهم ، يسمع ما يأتمرون به ، وما يقولون في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبى بكر. ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر. وكان عامر بن فُهَيْرة مولَى أبي بكر رضى اللّه عنه ، يرعى في رُعْيانِ أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنمَ أبي بكر. فاحتلبا وذبحا، فإذا عبد اللّه بن أبي بكر غدَا من عندهما إلى مكة، اتبع عامرُ ابنُ فُهَيْرة أثرَه بالغنم حتى يُعَفِّى عليه ، حتى إذا مضت الثلاثُ ، وسكن عنهما الناسُ أتاهما صاحبُهما الذي استأجراه ببعيريْهما وبعير له ، وأتتهما أسماءُ بنت أبي بكر رضى اللّه عنها بسُفْرتهما، ونسيت أن تجعل لها عِصاماً فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السّفرةَ، فإذا ليس لها عِصام ، فتحل نِطاقها فتجعله عِصاما، ثم علقتها به.

سبب تسمية أسماء بذات النطاق : فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر : ذات النطاق ، لذلك.

قال ابن هشام : وسمعت غيرَ واحد من أهل العلم يقول : ذات النطاقين ، وتفسيره : أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين : فعلقت السفرة بواحد، وانتطَقَتْ بالآخر.

راحلة الرسول

قال ابن إسحاق : فلما قَرَّب أبو بكر، رضى اللّه عنه ، الراحلتين إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قدم له أفضَلَهما،

ثم قال : اركبْ ، فداك أبي وأمى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنى لا أركب بعيراً ليس لى

قال : فهي لك يا رسول اللّه ، بأبي أنت وأمى،

قال : لا، ولكن ما الثمنُ الذي ابتعتها به ؟

قال : كذا وكذا؟

قال : قد أخذتُها به.

قال : هى لك يا رسول اللّه. فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصدِّيق رضى اللّه عنه عامرَ بن فهيرة مولاه خلفَه ، ليخدمَهما في الطريق.

أبو جهل يضرب أسماء

قال ابن إسحاق : فَحُدثت عن أسماءَ بنتِ أبي بكر أنها

قالت : لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر رضى اللّه عنه ، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم ،

فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر

قالت : قلت : لا أدري واللّه أين أبي ؟

قالت : فرفع أبو جهل يده ، وكان فاحشاً خبيثاً؟ فلطم خدي لطمةً طرح منها قُرطى.

 الجني الذي تغنى بمقدمه صلى اللّه عليه وسلم :

قالت : ثم انصرفوا. فمكثنا ثلاثَ ليالٍ ، وما ندري أينَ وَجْهُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، يتغنى بأبيات من شعر غِناءَ العرب ، وإن الناس ليتبعونه ، يسمعون صوتَه وما يَرَوْنَه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول :

جزى اللّه ربُّ الناسِ خيرَ جزائهِ   رفيقين حلاَّ خَيْمَتَىْ أم مَعْـبَدِ
هما نزلا بالبَرِّ ثم تَرَوَّحَـــــا   فأفلح من أمسى رفيقَ محمدِ
لِيهْنِ بنو كَعْبٍ مكانُ فتاتِهـــم   ومقعدُها للمؤمنين بمرصــد

نسب أم معبد :

قال ابن هشام : أم مَعْبَدِ بنت كعب ، امرأة من بنى كعب ، من خزاعة وقوله ، " حلاَّ خيمَتَيْ " و " هما نزلا بالبر ثم تروحا " عن غير ابن إسحاق.

قال ابن إسحاق : قالت أسماء بنت أبي بكر رضى اللّه عنهما فلما سمعنا قوله ، عرفنا حيث وَجْه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأن وَجْهَه إلى المدينة وكانوا أربعة : رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبو بكر الصديق رضى اللّه عنه وعامرُ بن فُهَيْرة مولى أبي بكر، وعبد اللّه بن أرْقَطْ دليلهما.

قال ابن هشام :

ويقال : عبد اللّه بن أرَيْقط.

موقف آل أبي بكر بعد الهجرة :

قال ابن إسحاق : فحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد اللّه بن الزبير أن أباه عَبَّاداً حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر،

قالت : لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وخرج أبو بكر معه ، احتمل أبو بكر ماله كلَّه ، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف ، فانطلق بها معه.

قالت : فدخل علينا جَدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره ،

فقال : واللّه إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه.

قالت : قلت : كلا يا أبت ! إنه قد ترك لنا خيراً كثيرا.

قالت : فأخذت أحجاراً فوضعتها في كُوَّةٍ في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده ،

فقلت : يا أبت ، ضع يدك على هذا المال.

قالت : فوضع يده عليه ، فقال لا بأس ، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا بلاغ لكم. لا واللّه ما ترك لنا شيئاً ولكنى أردت أن أسكن الشيخ بذلك.

سراقة بن مالك

قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جُعْشُمْ حدثه عن أبيه ، عن عمه سُرَاقة بن مالك ابن جُعْشُم ،

قال : لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكةَ مهاجراً إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائةَ ناقة لمن رده عليهم.

قال : فبَيْنا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا،

فقال : واللّه قد رأيتُ رَكَبة ثلاثة مروا عليَّ آنفاً، إني لأراهم محمداً وأصحابه ،

قال : فأومأت إليه بعينى : أن اسكت ، ثم قلت : إنما هم بنو فلان ، يبتغون ضالة بهم ،

قال : لعله ، ثم سكت.

قال : ثم مكثت قليلاً، ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسى، فقُيد لى إلى بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأخرج لي من دُبُر حجرتى، ثم أخذت قِداحي التي أستقسم بها، ثم انطلقت ، فلبست لامتى ثم أخرجت قِداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره " لا يضره ".

قال : وكنت أرجو أن أرده على قريش ، فآخذ المائة الناقة،

قال : فركبت على أثره ، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي ، فسقطت عنه

قال :

فقلت : ما هذا؟

قال : ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره " لا يضره "،

قال : فأبيت إلا أن أتبعه ،

قال : فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بى، عثر بي ، فسقطت عنه ،

قال :

فقلت : ما هذا؟

قال : ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره "

قال : فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره ، فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض ، وسقَطْت عنه ثم انتزع يديه من الأرض ، وتبعهما دخان كالإِعصار.

قال : فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع منى، وأنه ظاهر.

قال : فناديت القوم :

فقلت : أنا سُراقة بن جُعْشُم : انظرونى أكلمْكم ، فواللّه لا أريبكم ولا يأتيكم مني شىء تكرهونه.

قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبى بكر : قل له : وما تبتغى منا؟

قال : فقال ذلك أبو بكر.

قال : قلت : تكتب لى كتاباً يكون آية بيني وبينك.

قال : اكتب له يا أبا بكر.

إسلام سراقة بنِ جعشم

قال : فكتب لى كتاباً في عَظْم ، أو في رُقعة، أو في خزَفة، ثم ألقاه إليَّ ، فأخذته ، فجعلته فَي كِنانتى، ثم رجعت ، فسكتُّ فلم أذكر شيئاً مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفرغ من حُنَين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه ، فلقيته بالجِعِرَانة.

قال : فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار.

قال : فجعلوا يقرعوننى بالرماح ويقولون : إليك ماذا تريد؟

قال : فدنوت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على ناقته ، واللّه لكأنى أنظر إلى ساقه في غِرْزِهِ كأنها جُمَّارة.

قال : فرفعت يدي بالكتاب ، ثم قلت : يا رسول اللّه ، هذا كتابك ، أنا سُراقة بن جُعْشُم

قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يوم وفاء وبر، أدْنُهْ

قال : فدنوت منه ، فأسلمت. ثم تذكرت شيئاً اسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه فما أذكره ، إلا أني قلت : يا رسول اللّه ، الضالة من الإِبل تغشى حياضى، وقد ملأتها لإِبلى، هل لي من أجر في أن أسقيها؟

قال : نعم ، في كل ذات كَبد حَرَّى أجر.

قال : ثم رجعت إلى قومي فسُقت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صدقتي.

قال ابن هشام : عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم.

طريق الهجرة

قال ابن إسحاق : فلما خرج بهما دليلهما عبد اللّه بن أرْقَط ، سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل ، حتى عارض الطريق أسفل من عُسْفان ، ثم سلك بهما على أسفل أمَج ، ثم استجاز بهما، حتى عارض بهما الطريق ، بعد أن أجاز قُدَيداً، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك ، فسلك بهما الخَرَّار، ثم سلك بهما ثَنِيَّة المرة، ثم سلك بهما لِقْفا.

قال ابن هشام : ويقال ؟ لَفْتا. قال مَعْقِل بن خُوَيلد الْهُذَلي :

نزيعا مُحْلِباً من أهل لَفْت   لحىّ بين أثْلةَ والنِّحامِ

قال ابن إسحاق : ثم أجاز بهم مَدْلَجة لِقْف ثم استبطن بهما مَدْلجة محاج -

ويقال : مِجاج فيما

قال ابن هشام - ثم سلك بهما مَرْجِح مَحاجِ ، ثم تبطن بهما مَرْجِح من ذي الغَضَوين.

قال ابن هشام :

ويقال : العضوين.

ثم في ذي كَشْر، ثم أخذ بهما على الجَداجَد ، ثم على الأجْرد ثم سلك بهما ذا سَلَم مَن بطن أعداء مَدْلِجَة تِعْهِن : ثم على العَبابيد.

قال ابن هشام :

ويقال : العَبابيب :

ويقال : العِثْيانة. يريد : العبابيب.

قال ابن إسحاق : ثم أجاز بهما الفاجَّة،

ويقال : القاحَّة، فيما

قال ابن هشام : ثم هبط بهما العَرْج وقد أبطأ عليهم بعضُ ظهرهم ، فحمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجل من أسلم ، يقال له : أوس بن حجر، على جمل له - يقال له : ابن الرَّداء - إلى المدينة، وبعث معه غلاماً له ، يقال له : مسعود بن هُنَيْدة، ثم خرج بهما دليلهما من العَرْج فسلك بهما ثَنية العائر، عن يمين رَكُوبة -

ويقال : ثنية الغائر، فيما

قال ابن هشام - حتى هبط بهما في رِئْم ، ثم قدم بهما قُباء، على بنى عَمرو بن عوف ، لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين ، حين اشتد الضَّحاء ، وكادت الشمس تعتدل.

قدومه صلى اللّه عليه وسلم قباء

قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر ابن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عُوَيْمر بن ساعدة،

قال : حدثني رجال من قوس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة، وتوكفنا قدومه ، كنا نخرج إذا صلينا الصبح ، إلى ظاهر حَرَّتنا ننتظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فواللّه ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال ، فإذا لم نجد ظلاً دخلنا وذلك في أيام حارة، حتى إذا كان اليومُ الذي قدم فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، جلسنا كما كنا نجلس ، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين دخلنا البيوت ، فكان أول من رآه رجل من اليهود، قد رأى ما كنا نصنع ، وأنا ننتظر قدوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علينا، فصرخ بأعلى صوته : يا بنى قَيْلة ، هذا جَدكُم قد جاء

قال : فخرجنا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضي اللّه عنه في مثل سنه وأكثرُنا لم يكن رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل ذلك ، وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر، حتى زال الظل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه ، فعرفناه عند ذلك.

منزله صلى اللّه عليه وسلم السلام بقباء

قال ابن إسحاق : فنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- فيما يذكرون - على كُلْثوم بن هِدْم ، أخي بنى عَمرو ابن عَوْف ثم أحد بنى عُبَيْد

ويقال : بل نزل على سعد بن خَيْثمة ويقول من يذكر أنه نزل على كُلثوم بن هِدْم : إنما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هِدْم جلس الناس في بيت سعد بن خَيْثمة. وذلك أنه كان عازباً لا أهل له ، وكان منزل الأعزاب من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المهاجرين ، فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خَيْثمة، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة: بيت الأعزاب. فاللّه أعلم أي ذلك كان ، كلا قد سمعنا.

منزل أبي بكر بقباء

ونزل أبو بكر الصديق رضى اللّه عنه على خُبَيْب بن إسَاف ، أحد بنى الحارث بن الخزرج بالسُّنْح. ويقول قائل : كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زُهَيْر، أخي بنى الحارث ابن الخزرج.

منزل علي بقباء : وأقام على بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها، لحق برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فنزل معه على كلثوم بن هِدْم.

من فضائل سهل بن حنيف : فكان على بن أبي طالب ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول : كانت بقباء امرأة لا زوج لها، مسلمة. قال فرأيت إنساناً يأتيها من جوف الليل ، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئاً معه فتأخذه.

قال : فاستربت بشأنه ، فقلت لها : يا أمة اللّه ، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة، فتخرجين إليه فيعطيك شيئاً لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟

قالت : هذا سهل بن حنيف بن واهب ، قد عرف أني امرأة لا أحد لى، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها،

فقال : احتطبى بهذا، فكان على رضى اللّه عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف ، حتى هلك عنده بالعراق.

قال ابن إسحاق : وحدثني هذا، من حديث على رضى اللّه عنه : هند بن سعد بن سهل بن حنيف ، رضى اللّه عنه.

مسجد قباء

قال ابن إسحاق : فأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقباء، في بنى عمرو بن عَوْف ، يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس ، وأسس مسجده.

خروج الرسول من قباء وذهابه إلى المدينة

ثم أخرجه اللّه من بين أظهرهم يوم الجمعة وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك - فاللّه أعلم أي ذلك كان ، فأدركتْ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم الجمعةُ في بني سالم بن عَوْف ،فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي رانُونَاء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.

اعتراض القبائل له لينزل عندها : فأتاه عِتْبان بن مالك ، وعباس ابن عُبادة بن نَضلة في رجال من بنى سالم بن عوف ،

فقالوا : يا رسول اللّه ، أقم عندنا في العَدد والعُدَّة والمَنَعَة؟ قال خلوا سبيلَها : فإنها مأمورة، لناقته : فخلَّوْا سبيلَها؛ فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بَيَاضَة، تلقاه زياد بن الوليد، وفروة بن عمرو، في رجال من بنى بَيَاضة

فقالوا : يا رسول اللّه : هلم إلينا، إلى العَدد والعُدة والمَنَعة؛

قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها. فانطلقت ، حتى إذا مرت بدار بنى ساعدة، اعترضه سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، في رجال من بني ساعدة

فقالوا : يا رسول اللّه ؟ هلم إلينا إلى العدد والعُدة والمنَعة؟

قال : خلوا سبيلها؟ فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها، فانطلقت ، حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج ، اعترضه سعد ابن الربيع ، وخارجة بن زيد؟ وعبد اللّه بن رَوَاحَة، في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا رسول اللّه ، هلُم إلينا إلى العَدد والعُدة والمَنَعة

قال : خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها. فانطلقت حتى إذا مرت بدار بنى عدي بن النجار، وهم أخواله دِنْيا - أم عبد المطلب ، سَلْمى بنت عمرو إحدى نسائهم - اعترضه سَلِيط بن قَيْس ، وأبو سَلِيط ، أسَيْرة بن أبي خارجة، في رجال من بنى عدي بن النجار،

فقالوا : يا رسول اللّه ، هلم إلى أخوالك ، إلى العَدد والعُدة والمَنَعة

قال : خلوا سبيلَها فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها، فانطلقت.

مبرك الناقة : حتى إذا أتت دار بنى مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى اللّه عليه وسلم، وهو يومئذ مِرْبَد لغلامين يتيمين من بنى النجار، ثم من بنى مالك بن النجار، وهما في حِجر مُعاذ بن عَفْراء، سَهْل وسُهَيْل ابنى عمرو، فلما بركت ،ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليها لم ينزل ، وثبت فسارت غيرَ بعيد ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفتت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه ، ثم تَحلْحَلت ورزَمت وألقت بجرانِها فنزل عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فاحتمل أبو أيوب خالدُ بن زَيْد رحلَه ، فوضعه في بيته ، ونزل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وسأل عن المِرْبَد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول اللّه لَسهْل وسُهَيْل ابنىْ عمرو وهما يتيمان لي ، وسأرضيهما منه ، فاتخذْه مسجداً.

بناء مسجد المدينة :

قال : فأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبنَ مسجداً، ونزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أبي أيوب حتى بُنى مسجده ومساكنه ، فعمل فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار : ودأبوا فيه : فقال قائل من المسلمين :

لئن قعدنا والنبيُّ يعمــــلُ   لذاك منا العمل المضلِّلُ

وارتجز المسلمون قوهم يبنونه يقولون :

لا عيشَ إلا عيش الآخـــره   اللّهم ارحم الأنصار والمهاجره

قال ابن هشام : هذا كلام وليس برجز.

قال ابن إسحاق : فيقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا عيش إلا عيش الآخرة، اللّهم ارحم المهاجرين والأنصار.

عمّار والفئة الباغية :

قال : فدخل عمار بن ياسر، وقد أثقلوه باللَّبِن ، فقال يا رسول اللّه قتلوني ؟ يحملون علىّ ما لا يحملون. قالت أم سلمة زوجٍ النبي صلى اللّه عليه وسلم : فرأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينفُض وَفْرَته بيده : وكان رجلا جَعْدا، وهو يقول : ويح ابن سُمَية ليسوا بالذين يقتلونك. إنما تقتلك الفئةُ الباغية.

وارتجز على بن أبي طالب رضي اللّه عنه يومئذ :

لا يستوي من يُعمرُ المساجــــدا   يدأبُ فيه قائماً وقاعدَا

قال ابن هشام : سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر، عن هذا الرجز،

فقالوا : بلغنا أن على بن أبي طالب ارتجز به ، فلا يُدْرَى : أهو قائله أم غيره.

قال ابن إسحاق : فأخذها عمار بن ياسر، فجعل يرتجز بها.

قال ابن هشام : فلما أكثر، ظن رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه إنما يعرِّض به ، فيما حدثنا زياد بن عبد اللّه البكَّائي ، عن ابن إسحاق ، وقد سمى ابنُ إسحاق الرجلَ.

قال ابن إسحاق : فقال قد سمعتُ ما تقول منذ اليوم يا ابنَ سمية، واللّه إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك.

قال : وفى يده عصا.

قال : فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

ثم قال : ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، إن عماراً جِلْدَة ما بين عينىَّ وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يُستبق فاجتنبوه.

قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة عن زكريا، عن الشعبى،

قال : إن أول من بنى مسجداً عمار بن ياسر.

الرسول ينزل في بيت أبي أيوب

قال ابن إسحاق : فأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيت أبي أيوب ، حتى بُنى له مسجده ومساكنُهُ ، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب رحمة اللّه عليه و رضوانه.

من أدب أبيِ أيوب :

قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثد بن عبد اللّه اليَزَني عن أبي رُهْم السَّماعي

قال : حدثني أبو أيوب ،

قال : لما نزل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيتى، نزل في السُّفْل وإنا وأم أيوب في العُلو، فقلت له : يا نبي اللّه ، بأبى أنت وأمى، إنى لأكره وأعظم أنأكون فوقك ، وتكون تحتى، فأظهر أنت فكن في العُلْوِ، وننزل نحن فنكون فِي السُّفْل.

فقال : يا أبا أيوب ، إن أرفق بنا وبمن يغشانا، أن نَكون في سُفْل البيت.

قال : فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سُفله ، وكنا فوقه في المسكن ، فقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها، نكشف بها الماء، تخوّفاً أن يقطر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منه شىء فيؤذيه.

قال : وكنا نصنع له العشاء، ثم نبعث إليه ، فإذا رد علينا فضلَه تيممت أنا وأم أيوب موضع يدَه ، فأكلنا منه نبتغى بذلك البركةَ، حتى بعثنا إليه ليلة بعَشائه وقد جعلنا له بصلاً أو ثَوْماً، فرده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولم أر ليده فيه أثراً.

قال : فجئته فزعاً،

فقلت : يا رسول اللّه بأبى أنت وأمي ، رددت عَشاءَك ، لم أر فيه موضعَ يدك ، وكنت إذا رددته علينا، تيممت أنا وأم أيوب موضعَ يدك ، نبتغي بذلك البركة،

قال : إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجى؟ فأما أنتم فكلوه ، فأكلناه ، ولم نصنع له تلك الشجرة بعدُ.

تلاحق المهاجرين إلى المدينة

قال ابن إسحاق : وتلاحق المهاجرون إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلم يبق بمكة منهم أحد، إلا مفتون أو محبوس ، ولم يوعب أهل هجرة مكة بأهليهم وأموالهم إلى اللّه تبارك وتعالى وإلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا أهل دور مُسَمَّوْن : بنو مظعون من بني جُمَح ، وبنو جحش بن رِئاب ، حلفاء بني أمية، وبنو البُكَير، من بني سعد بن لَيْث ، حلفاء بني عدي بن كعب ، فإن دورَهم غُلقت بمكة هجرةً، ليس فيها ساكن.

أبو سفيان يعتدي على دار بني جحش

ولما خرج بنو جَحْش بن رِئاب من دارهم. عدا عليها أبو سفيان بن حرب ، فباعها من عمرو بن علقمة، أخي بنى عامر بن لؤى، فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم ، ذكر ذلك عبد اللّه بن جحش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ألا ترضى يا عبد اللّه أن يعطيك اللّه بها داراً خيراً منها في الجنة؟

قال : بلى؟

قال : فذلك لك.

فلما افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة، كلمه أبو أحمد في دارِهم ، فأبطأ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقال الناس لأبي أحمد : يا أبا أحمد، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في اللّه عز وجل ، فأمسك عن كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال لأبى سفيان :

أبلغْ أبا سُفيانَ عـــن   أمر عواقبه ندامهْ
دارَ ابنِ عمِّك بعتَهــا   تقضي بها عنك الغرامهْ
وحليفُكم باللّه ربّ   الناسِ مجتهد القَسَامَهْ
اذهبْ بها، اذهبْ بها   طُوِّقْتَها طَوْقَ الحمامهْ

من بقي على شركه من أهل المدينة

قال ابن إسحاق : فأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة إذ قَدِمها شهرَ ربيع الأول ، إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بُنى له فيها مسجدُه ومساكنهُ ، واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلُها، إلا ما كان من خَطْمة، وواقف ، ووائل ، وأمية، وتلك أوس اللّه ، وهم حى من الأوس ، فإنهم أقاموا على شركهم.

خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

 وكانت أول خطبة خطبها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - نعوذ باللّه أن نقول على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم ، فحمِد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ،

ثم قال :

أما بعد، أيها الناس ، فقدِّموا لأنفسكم. تَعَلَّمنُ واللّه ليُصْعَقَنَّ أحدُكم ثم لَيَدَعَنَّ غنمَه ليس لها راعٍ ، ثم ليقولنَّ له ربُّه وليس له تَرجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولي فبلَّغك ، وآتيتك مالاً وأفضلت عليك ؟ فما قدمت لنفسك ؟ فلينظرن يمينا وشمالاً فلا يرى شيئاً، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم. فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بِشِق من تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تُجزى الحسنة عشر أمثالها، إلى سبع مئة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

قال ابن إسحاق : ثم خطب رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس مرةً أخرى،

فقال : إنَّ الحمدَ للّه ، أحمدُهُ وأستعينه ، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إن أحسنَ الحديثَ كتاب اللّه تبارك وتعالى، قد أفلح من زينه اللّه في قلبه ، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنه أحسنُ الحديث وأبلغهُ ، أحبوا ما أحب اللّه ، أحبوا اللّه من كل قلوبكم ، ولا تملُّوا كلامَ اللّه وذِكْرَه ، ولا تَقْسُ عنه قلوبُكم ، فإنه من كل ما يخلق اللّه يختار ويصطفى ، وقد سماه اللّه خِيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد، والصالح من الحديث ، ومن كل ما أوتى الناس الحلال والحرام ، فاعبدوا اللّه ولا تُشركوا به شيئاً، واتقوه حق تقاته ، وأصدقوا اللّه صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابُّوا بروح اللّه بينكم إن اللّه يغضب أن يُنْكَسَ عهدُهُ ، والسلام عليكم.

الرسول يوادع اليهود وكتابه بين المسلمين

قال ابن إسحاق : وكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم ، وأقرَّهم على دينهم وأموالهم ، وشرط لهم ، واشترط عليهم :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ،

هذا كتاب من محمد الني صلى اللّه عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم ، فلحق بهم ، وجاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ،

المهاجرون من قريش على رِبْعَتِهم يتعاقلون بينهم ، وهم يَفدون عَانيهم بالمعروف والقِسط بين المؤمنين.

وبنو عوف على رِبْعتهم يتعاقلون معاقِلَهم الأولى، كل طائفة تَفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو ساعدة على رِبْعَتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى وكل طائفة منهم تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

وبنو الحارث على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة تَفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

وبنو جُشَم على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

وبنو النجار على رِبْعَتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة منهم تَفْدِي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

وبنو عَمْرو بن عَوْف على رِبْعَتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

وبنو النَّبِيت على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة تَفْدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

وبنو الأوْس على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،

وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحاً بينهم أن يُعطوه بالمعروف في فِداء أو عقل.

قال ابن هشام : المفْرَح : المثقَّل بالدَّيْن والكثير العيال. قال الشاعر :

إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانةً   وتحملُ أخرى أفرَحَتْك الودائعُ

وأن لا يحالف مؤمنٌ مولى مؤمن دونَه وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة ظُلم ، أو إثم ، أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين وإن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان وَلدَ أحدهم ، ولا يَقتلُ مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصرُ كافراً على مؤمن وإن ذمة اللّه واحدة يُجير عليهم أدناهم وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإنَّ سِلْمَ المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمنٍ في قتال في سبيل اللّه ، إلا على سواء وعدل بينهم وإن كل غازية غزت معنا يُعقب بعضها بعضاً وإن المؤمنين يُبيء بعضهم على بعض بما نال دماءَهم في سبيل اللّه ، وإن المؤمنين المتقين على أحسن هَدْي وأقومه ، وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن وإنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بَينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولىُّ المقتول ، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن باللّه واليوم الآخر، أن ينصر مُحْدِثاً ولا يؤويه ، وأنه من نصره أو أواه ، فإن عليه لعنة اللّه وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل ، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء ، فإن مردَّه إلى اللّه عز وجل ، وإلى محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإن يهودَ بني عَوْف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظَلم وأثِم ، فإنه لا يُوتِغ إلا نفسَه ، وأهلَ بيته ، وإن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عَوْف ، وإن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عَوْف ، وإن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بني عَوْف ، وإن ليهود بنى جُشَم مثل ما ليهود بني عَوْف ، وإن ليهود بنى الأوْس مثل ما ليهود بنى عَوْف ، وإن ليهود بنى ثَعْلبة مثل ما ليهود بنى عَوْف ، إلا من ظَلم وأثِم ، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته ، وإن جَفْنةَ بطن من ثعلبة كأنفسهم ، وإن لبنى الشُّطَيْبة مثل ما ليهود بنى عَوْف ، وإن البر دون الإثم وإن موالى ثعلبة كأنفسهم ، وإن بطانة يهود كأنفسهم ، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنه لا ينحجز على نار جُرْح ، وإنه من فتك فبنفسه فتك ، وأهل بيته ، إلا من ظلم ، وإن اللّه على أبر هذا وإن على اليهود نفقتَهم وعلى المسلمين نفقتَهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإِثم ، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا أثم ، وإنه لا تُجار حُرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فساده ، فإن مردَّه إلى اللّه عز وجل ، وإلى محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإن اللّه على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنهم يصالحونه ويلبسونه ، وإنهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين ، على كل أناس حصتهم في جانبهم الذي قِبَلهم وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم ، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.

قال ابن هشام :

ويقال : مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة.

قال ابن إسحاق : وإن البر دون الإثم ، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ، وإن اللّه على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وإثم ، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظَلم أو أثِم ، وان اللّه جار لمن بَرَّ واتقى، ومحمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

قال ابن إسحاق : وآخى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار قال - فيما بلغنا، ونعوذ باللّه أن نقول عليه ما لم يَقُلْ -: تآخَوْا في اللّه أخَوَيْن أخَوَيْن ثم أخذ بيد على بن أبي طالب ،

فقال : هذا أخى. فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سيد المرسلين ،

وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين ، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب رضى اللّه عنه ، أخوين ، وكان حمزة بن عبد المطلب ، أسد اللّه وأسد رسوله صلى اللّه عليه وسلم، وعم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وزيد بن حارثة، مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخوين ، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت وجعفر ابن أبي طالب ذو الجناحين ، الطيار في الجنة، ومعاذ بن جبل ، أخو بني سلمة، أخوين.
 

قال ابن هشام : وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائباً بأرض الحبشة.

قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ، ابن أبي قحافة، وخارجة بن زُهَير، أخو بَلْحَارث بن الخَزرج ، أخوين وعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه ، وعِتْبان بن مالك ، أخو بنى سالم ابن عَوْف بن عمرو بن عَوْف بن الخزرج أخوين ، وأبو عُبيدة بن عبد اللّه بن الجراح ، واسمه عامر بن عبد اللّه ، وسعد بنُ مُعاذ بن النعمان ، أخو بنى عبد الأشْهَل ، أخوين. وعبد الرحمن بن عَوْف ، وسعد ابن الربيع ، أخو بَلْحارث بن الخزرج ، أخَوَيْن ، والزبير بن العوام ، وسلامة ابن سلامة بن وَقْش ، أخو بنى عبد الأشهل ، أخوين ،

ويقال : بل الزبير وعبد اللّه بن مسعود حليف بنى زُهرة، أخوين ، وعثمان بن عفان ، وأوْس بن ثابت بن المنذِر، أخو بنى النجار، أخوين. وطلحة ابن عُبَيْد اللّه ، وكعب بن مالك ، أخو بنى سَلَمة، أخوين. وسعد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل ، وأبى بن كعب ، أخو بنى النجار. أخوين. ومُصْعَب بن عُمَير بن هاشم ، وأبو أيوب خالد بن زَيد، أخو بنى النجار : أخَويْن. وأبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة، وعَبَّاد بن بشر بن وَقْش، أخو بنى عبد الأشهل ، أخوين. وعمار بن ياسر، حليف بنى مخزوم ، وحذيفة بن اليمان ، أخو بنى عبد عَبْس ، حليف بنى عبد الأشهل : أخوين.

ويقال : ثابت بن قَيْس بن الشمَّاس ، أخو بَلحارث بن الخزرج خطيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعمار بن ياسر، أخوين. وأبو ذَر، وهو بُرَيْر بن جُنادة الغِفاري ، والمُنْذِر بن عمرو المُعْنِق ليموت ، أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج : أخوين.
 

قال ابن هشام : وسمعت غير واحد من العلماء يقول : أبو ذرّ : جُنْدَب بن جُنادة.

قال ابن إسحاق : وكان حاطب بن أبي بَلْتَعة، حليف بني أسد ابن عبد العزى، وعُوَيْم بن ساعدة أخو بنى عمرو بن عوف ، أخوين ، وسلْمان الفارسى، وأبو الدرداء، عُوَيْمر بن ثعلبة، أخو بَلْحارث بن الخزرج ، أخوين

قال ابن هشام : عُوَيْمر بن عامر،

ويقال : عُوَيمر بن زيد.

قال ابن إسحاق : وبلال ، مولى أبي بكر رضي اللّه عنهما، مُؤذِّن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأبو رُوَيْحة، عبد اللّه بن عبد الرحمن الخَثْعَمي ، ثم أحد الفَزَع ، أخوين ، فهؤلاء من سُمِّى لنا، ممن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آخى بينَهم من أصحابه.

فلما دوَّن عمر بن الخطاب الدواوين بالشام ، وكان بلال قد خرج إلى الشام ، فأقام بها مجاهداً فقال عمر لبلال : إلى من تجعل ديوانك يا بلال ؟

قال : مع أبي رُوَيْحة، لا أفارقه أبداً، للأخُوَّة التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عقد بينه وبينى، فضم إليه ، وضم ديوان الحبشة إلى خَثْعَم ، لمكان بلال منهم ، فهو في خَثْعَم إلى هذا اليوم بالشام.

 موت أبي أمامة

قال ابن إسحاق : وهَلك في تلك الأشهر أبو أمامة، أسعد بن زُرَارة، والمسجد يُبنى، أخذته الذبحة أو الشهقة.

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حزم ، عن يحيى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أسعد ابن زُرارة : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

قال : بئس الميت أبو أمامة، ليهود ومنافقي العرب يقولون : لو كان نبياً لم يمت صاحبه ، ولا أملك لنفسي ولا أصحابى من اللّه شيئاً.

نقابته عليه السلام لبني التجار

قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عُمر بن قَتادة الأنصاري : أنه لما مات أبو أمامة، أسعد ابن زُرارة، اجتمعت بنو النجار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان أبو أمامة نقيبهم ، فقالوا له : يا رسول اللّه ، إن هذا قد كان منا حيث قد علمت ، فاجعل منا رجلاً مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لهم : أنتم أخوالى، وأنا بما فيكم ، وأنا نقيبكم وكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يخص بها بعضَهم دون بعض. فكان من فضل بنى النجار الذي يَعُدُّون على قومهم ، أن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نقيبهم.

خبر الأذان

التفكير في اتخاذ علامة لحلول وقت الصلاة

قال ابن إسحاق : فلما اطمأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين ، واجتمع أمر الأنصار، استحكم أمر الإِسلام ، فقامت الصلاة، وفُرضت الزكاة والصيام ، وقامت الحدود، وفُرض الحلال والحرام ، وتبوأ الإِسلام بين أظهرهم ، وكان هذا الحى من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان. وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها، بغير دعوة، فهمَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين قدمها أن يجعل بوقاً كبوق يهود الذين يدعون به ، لصلاتهم ، ثم كرهه ثم أمر بالناقوس ، فَنُحِتَ ليُضرب به للمسلمين للصلاة.

رؤيا عبد اللّه بن زيد الأذان

فبينما هم على ذلك إذ رأى عبدُ اللّه بن زَيْد بن ثعلبة بن عبد رَبِّه ، أخو بَلْحارث بن الخزرج ، النداء، فأتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال له : يا رسولَ اللّه ، إنه طاف بيِ هذه الليلة طائفٌ : مرّ بي رجل عليه ثوبان أخضران ، يحمل ناقوساَ في يده ، فقلت له : يا عبد اللّه، أتبيع هذا الناقوس ؟

قال : وما تصنع به ؟

قال : قلت : ندعو به إلى الصلاة،

قال : أفلا أدلك على خير من ذلك ؟

قال : قلت : وما هو؟

قال : تقول : اللّه اكبرُ اللّه اكبرُ، اللّه اكبرُ، اللّه أكبرُ، أشهدُ أن لا إله إلا اللّه ، أشهدُ أن لا إله إلا اللّه ، أشهدُ أن محمداً رسولُ اللّه ، أشهد أن محمداً رسولُ اللّه ، حَىَّ على الصلاةِ، حىَّ على الصلاةِ، حىَّ على الفلاحِ ، حىَّ على الفلاحِ ، اللّه أكبرُ، اللّه أكبرُ، لا إله إلا اللّه.

أمره بلالاً بالأذان

فلما أخبرَ بها رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال إنها لرؤيا حَقٌّ ، إن شاء اللّه ، فقم مع بلال فألقها عليه ، فليؤذن بها، فإنه أنْدَى صوتاً منك. فلما أذَّن بها بلال سمعها عمر بنُ الخطاب وهو في بيته ، فخرج إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو يجر رداءَه ، وهو يقول : يا نبى اللّه والذي بعثك بالحق ، لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فللّه الحمدُ على ذلك.

رؤيا عمر في الأذان

قال ابن إسحاق : حدثني بهذا الحديث محمدُ بن إبراهيم بن الحارث ، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد رَبِّه ، عن أبيه.

قال ابن هشام : وذكر ابن جُرَيْج ، قال لى عطاء : سمعت عُبَيْد ابن عُمَيْر الليثى يقول : ائتمر النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس ، إذا رأى عمرُ بن الخطاب في المنام : لا تجعلوا الناقوس ، بل أذِّنوا للصلاة فذهب عمر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم الوحىُ بذلك ، فما راع عمر إلا بلال يؤذِّن ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أخبره بذلك : قد سبقك بذلك الوحى.

ما كان يدعو به بلال قبل الفجر

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن امرأة من بنى النجار،

قالت : كان بيتي من أطولِ بيت حولَ المسجد، فكان بلال يؤذن عليه الفجرَ كُلَّ غَداة، فيأتي بسَحَر، فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطَّى،

ثم قال : اللّهم إنى أحمدُك وأستعينُك على قريش أن يقيموا على دينك.

قالت : واللّه ما علمته كان يتركها ليلةً واحدةً.

أمر أبي قيس بن أبي أنس

قال ابن إسحاق : فلما اطمأنَّت برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم داره ، وأظهر اللّه بها دينَه ، وسرَّه بما جمع إليه من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته قال أبو قيس صِرْمة بن أبي أنس أخو بنى عَدِي بن النجار.

قال ابن هشام : أبو قيس ، صِرْمة بن أبي أنس بن صِرْمة بن مالك ابن عَدِيِّ بن عامر بن غَنْم بن عَدِي بن النجار.

قال ابن إسحاق : وكان رجلاً قد ترهَّب في الجاهلية، ولبس المُسوح ، وفارق الأوثان ، واغتسل من الجنابة وتطهر من الحائض من النساء، وَهَمَّ بالنصرانية، ثم أمسك عنها ودخل بيتاً له فاتخذه مسجداً لا تدخله عليه فيه طامِثٌ ولا جُنُبٌ ،

وقال : أعبد ربَّ إبراهيم، حين فارق الأوثانَ وكَرِهها، حتى قدم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينةَ، فأسلم وحَسُنَ إسلامهُ ، وهو شيخ كبير، وكان قوَّالاً بالحقِّ معظِّماً للّه عز وجل في جاهليته ، يقول أشعاراً في ذلك حساناً - وهو الذي يقول :

يقولُ أبو قيس - وأصبح غادياً : ألا ما استطعتُمْ من وَصَاتى فافعلُوا
فأوصيكم باللّه والبِر والتقــى   وأعراضِكم ، والبرُّ باللّه أوَّلُ
وإنْ قومُكم سادوا فلا تَحْسُدُنّهُـمْ  وإن كنتمُ أهل الرياسةِ فاعدِلُوا
وإن نزلتْ إحدى الدواهي بقومِكم  فأنفُسَكم دون العشيرةِ فاجعلُوا
وإن نابَ غُرْم فادحٌ فارفِقُوهُـمُ  وما حَمَّلُوكم في الملمَّاتِ فاحملُوا
وإن أنتمُ أمْعَرتُمُ فتعفَّفُـوا وإن  كان فضلُ الخير فيكم فأفضلُوا

قال ابن هشام : ويروى :

وإن ناب أمر فادح فارفدوهُمُ

قال ابن إسحاق : وقال أبو قَيْس صِرْمة أيضاً :

سبّحوا اللّه شرقَ كُلِّ صبــــاحٍ   طلعت شمسُه وكل هلالِ
عالم السِّر والبيان لَدَيْنَــــــا   ليس ما قال ربُّنا بضلالِ
وله الطيرُ تستريدُ وتأوي في   وكورٍ  من آمناتِ الجبالِ
وله الوحشُ بالفلاةِ تراها في   حِقافٍ  وفى ظلالِ الرمالِ
وله هَوَّدَت يهودُ ودانــــــتْ   كلَّ دينٍ إذا ذكرتَ عُضَالِ
وله شَمَّسَ النصارى وقامــــوا   كلَّ عيدٍ لربِّهم واحتفالِ
وله الراهبُ الحبيسُ تـــــراه   رَهْنَ بُؤْسٍ وكان ناعمَ بالِ
يا بَنِيَّ - الأرحامَ لا تقطعوهـــا   وصِلُوها قصيرة من طِوالِ
واتقوا اللّه في ضِعافِ اليتامـــى   رُبَّما يُسْتَحلُّ غيرُ الحلالِ
واعلموا أن لليتيمِ وليًّـــــــا   عالماً يهتدي بغيرِ السؤالِ
ثم مالَ اليتيمِ لا تأكلـــــــوه   إن مالَ اليتيمِ يرعاه وَالِي
يا بَنِىَّ - التخومَ لا تَخْزلوهـــا   إن خَزْلَ التُّخوم ذو عُقَّالِ
يا بَنِىَّ الأيامَ لا تأمَنُوهــــــا   واحذَروا مَكْرَها ومَرَّ الليالى
واعلموا أن مَرَّها لنفادِ الخَلْـــقِ   ما كانَ من جديدٍ وبالى
واجمعوا أمرَكم على البِرِّ والتقــ   ـوى وتَرْكِ الخَنَا وأخذِ الحلالِ

وقال أبو قيس صِرْمة أيضا يذكر ما أكرمهم اللّه تبارك وتعالى

به من الإسلام وما خصهم اللّه به من نزول رسوله صلى اللّه عليه وسلم عليهم :

ثوى في قريش بِضْعَ عَشْرةَ  حِجَّةً يذكِّرُ لو يَلْقى صديقاً مواتِيَا
ويَعْرِضُ في أهلِ المواسمِ نفسَه   فلم يرَ مَنْ يُؤوِي ولم يَرَ دَاعِيَا
فلما أتانا أظهرَ اللّه دينَــــه   فأصبحَ مسروراً بطيبةَ راضِيَا
وألفى صديقاً واطمأنتْ به النَّوى   وكان له عَوْناً من اللّه باديَا
يَقُصُّ لنا ما قال نوحٌ لقومـهِ   وما قال موسىِ إذ أجابَ المنادِيَا
فأصبح لا يَخْشَى من الناس واحداً   قريباً ولا يَخشى من الناسِ نَائِيَا
بذلْنا له الأموالَ من حِل مالِنا      وأنفسَنا عندَ الوغَى والتَّآسِيَا
ونعلم أن اللّه لا شىء غَيْرُهُ      ونعلمُ أن اللّه أفضلُ هاديَا
نعادِي الذي عادَى من الناسِ كلِّهم   جميعاً وإن كان الحبيبَ المُصافيَا
أقول إذا أدْعوك في كل بَيْعَةٍ :   تباركتَ قد اكثَرتُ لاسمِك داعيَا
أقولُ إذا جاوَزْتُ أرضاً مَخُوفَةً : حَنَانَيْك لا تُظْهِرْ عَلَىَّ الأعَادِيَا
فطأ مُعْرِضاً إن الحُتُوفَ كثيرة   وإنك لا تُبقى لنفسِك بَاقِيَا
فواللّه ما يدرِي الفتى كيفَ يتَّقى   إذا هو لم يجعلْ له اللّه واقيَا
ولا تَحْفِلُ النخلُ المُعِيمةُ ربَّها   إذا أصبحت رِيا وأصبح ثاويَا

قال ابن هشام : البيت الذي أوله :

فطأ مُعْرِضاً إن الحتوفَ كثيرة

والبيت الذي يليه :

فواللّه ما يدري الفتى كيف يتَّقى

لأفنون التَّغْلبى، وهو صُرَيْم بن مَعْشَر، في أبيات له.

عداوة اليهود

قبائلهم وأسماؤهم

قال ابن إسحاق : ونصبتْ عندَ ذلك أحبارُ يهودَ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العداوةَ، بغياً وحسداً وضغناً، لما خص اللّه تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم ، وأنضاف إليهم رجالٌ من الأوْس والخزرج ، ممن كان عسى على جاهليته - فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشِّرك والتكذيب بالبعث ، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومِهم عليه ، فظهروا بالإسلام ، واتخذوه جُنَّة من القتل ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهودَ، لتكذيبهم النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم، وجحودهم الإسلام ، وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويتعنتونه ، ويأتونه باللَّبس ، ليَلْبِسوا الحقَّ بالباطل ، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه ، إلا قليلاً من المسائل في الحلال والحرام ، كان المسلمون يسألون عنها.

 [من بني النضير] : حُيَىّ بن أخْطَب ، وأخواه أبو ياسر بن أخطب ، وجُدَيّ بن أخطب ، وسلام بن مشْكم ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيق ، وسلاَّم بن أبي الحُقَيق ، وأبو رافع الأعور -

وهو الذي قتله أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخيبر -

والربيع بن الربيع بن أبي الحُقيق ، وعَمرو بن جَحَّاش ، وكعْب بن الأشرف ، وهو من طيئ ، ثم أحد بنى نَبْهان ، وأمه من بنى النضير، والحجاج بن عمرو، حليف كعب ابن الأشرف ، وكَرْدَم بن قيس ، حليف كعب بن الأشرف فهؤلاء من بني النضير.

ومن بني ثعلبة بن الفِطْيَوْن : عبد اللّه بن صُوريا الأعور ، ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وابن صَلُوبا، ومُخَيْريق ، وكان حبرهم ، أسلم.

ومن بني قَينُقاع : زيد بن اللَّصِيت -

ويقال : ابن اللُّصَيْت - فيما

قال ابن هشام - وسعد بنُ حُنَيف ، ومحمود بن سَيْحان ، وعُزَيْز ابن أبي عُزَيز، وعبد اللّه بن صَيْف.

قال ابن هشام :

ويقال : ابن ضَيْف.

قال ابن إسحاق : وسُوَيْد بن الحارث ، ورفاعة بن قيس ، وفِنْحاص ، وأشْيَع ، ونُعمان بن آضا، وَبَحْرِيّ بن عمرو، وشَأس بن عديّ ، وشأس ابن قَيْس ، وزيد بن الحارث ، ونُعمان بن عَمرو، وسُكِين بن أبي سُكَين ، وعَدي بن زيد، ونعمان بن أبي أوْفَى، أبو أنس ، ومحمود بن دَحْية، ومالك بن صَيْف.

قال ابن هشام :

ويقال : ابن ضيف.

قال ابن إسحاق : وكعب بن راشد، وعازَر، ورافع بن أبي رافع ، وخالد وأزَار بن أبي أزَار.

قال ابن هشام :

ويقال : آزر بن آزر.

قال ابن إسحاق : ورافع بن حارثة، ورافع بن حُرَيْملة. ورافع ابن خارجة، ومالك بن عَوْف ، ورفاعة بن زيد بن التابوت ، وعبد اللّه ابن سَلام بن الحارث ، وكان حَبْرَهم وأعلمهم ، وكان اسمه الحُصَيْن ، فلما أسلم سماه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبدَ اللّه. فهؤلاء من بنى قَيْنُقَاع.

ومن بني قريظة : الزبير بن باطا بن وَهْب ، وعَزَّال بن شَمْوِيِل ، وكعب بن أسد، وهو صاحب عَقد بنى قريظة الذي نُقض عام الأحزاب ، وشَمويل بن زيد، وجَبَل بن عمرو بن سُكَينة، والنَّحَّام بن زيد، وقَرْدم ابن كعب ، ووهب بن زيد، ونافع بن أبي نافع ، وأبو نافع ، عَدي ابن زيد، والحارث بن عَوْف ، وكَرْدَم بن زيد، وأسامة بن حَبيب ، ورافع بن رُمَيْلة، وجَبل بن أبي قشَيْر، ووهب بن يَهوذا، فهؤلاء من بنى قريظة.

ومن يهود بني زُريق : لَبِيد بن أعْصم ، وهو الذي أخذَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن نسائِه ومن يهودِ بني حارثة : كنانة بن صُورِيا.

ومن يهود بني عمرو بن عَوْف : قَرْدم بن عمرو.

ومن يهود بني النجار: سِلْسِلة بن بَرْهام.

فهؤلاء أحبار اليهود، أهل الشرور والعداوة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، وأصحاب المسألة، والنصْب لأمْر الإِسلام الشرورَ ليطفئوه ، إلا ما كان من عبد اللّه بن سَلام ومُخَيْريق.

إسلام عبد اللّه بن سلاَم

قال ابن إسحاق : وكان من حديث عبد اللّه بن سَلاَم ، كما حدثني بعضُ أهلهِ عنه وعن إسلامه حين أسلم ، وكان حَبْراً عالماً،

قال : لما سمعتُ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عرفتُ صفتَه واسمه وزمانَه الذي كنا نتوكَّف له ، فكنتُ مُسِرًّا لذلك صامتاً عليه ، حتى قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، فلما نزل بقُباء، في بنى عَمْرو بن عوف ، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه ، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كبَّرْتُ ؟ فقالت لي عمتى، حين سمعت تكبيري : خيبك اللّه ، واللّه لو كنتَ سمعتَ بموسى بن عمران قادماً ما زدْتَ ،

قال : فقلت لها : أي عَمَّةُ، هو واللّه أخو موسى بن عمران ، وعلى دينه ، بُعث بما بُعث به. فقالت : أي ابن أخى، أهو الني الذي كنا نُخبر أنه يُبعث مع نَفْس الساعة ؟

قال : فقلت لها: نعم.

قال : فقالت : فذاك إذاً.

قال : ثم خرجتُ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأسلمتُ ، ثم رجعت إلى أهل بيتى، فأمرتهم فأسلموا.

تكذيب قومه له :

قال : وكتمت إسلامي من يهود، ثم جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت له : يا رسولَ اللّه ، إن يهود قومٌ بُهْتٌ ، وإني أحب أن تُدخلَني في بعضِ بيوتِك ، وتغيِّبني عنهم ، ثم تسألهم عنى حتى يخبروك كيف أنا فيهم ، قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابونى.

قال : فأدخلنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض بيوته ، ودخلوا عليه ، فكلموه وساءلوه ،

ثم قال لهم : أي رجل الحُصَيْن بن سلام فيكم ؟ قالوا : سيدنا وابن سيدنا، وحَبْرنا وعالمنا.

قال : فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم ، فقلت لهم : يا معشرَ يهود، اتقوا اللّه واقبلوا ما جاءكم به ، فواللّه إنكم لتعلمون إنه لرسول اللّه ، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة باسمه وصفته ، فإنى أشهدُ أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأومن به وأصدقه وأعرفه ،

فقالوا : كذبتَ ثم واقعوا بى.

قال : فقلت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألم أخبرك يا رسول اللّه أنهم قوم بُهْت ، أهل غدر وكذب وفجور!

قال : فأظهرتُ إسلامى وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمتي خالدةُ بنت الحارث ، فحسن إسلامُها.

من حديث مخيريق

قال ابن إسحاق : وكان من حديث مُخَيْريق ، وكان حَبْراً عالماً، وكان رجلاً غنياً كثير الأموال من النخل ، وكان يعرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بصفته ، وما يجد في علمه ، وغلب عليه إلف دينه ، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت ،

قال : يا معشر يهود، واللّه إنكم لتعلمون أن نصرَ محمد عليكم لحقٌّ. قالوا : إن اليومَ يوم السبت ،

قال : لا سبتَ لكم ، ثم أخذ سلاحَه ، فخرج حتى أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأحد، وعهد إلى مَنْ وراءَه من قومه : إن قُتلت هذا اليوم ، فأموالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم يصنع فيها ما أراه اللّه. فلما اقتتل الناسُ قاتل حتى قُتل. فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما بلغنى - يقول : مُخَيْريق خيرُ يهود. وقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أموالَه ، فعامة صدقاتِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة منها.

حديث صفية بنت حيي

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد اللّه ابن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم

قال : حُدثت عن صَفية بنت حيى بن أخطب أنها

قالت : كنت أحَبَّ ولد أبي إليه ، وإلى عمى أبي : ياسر، لم ألْقَهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه ،

قالت : فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، ونزل قُبَاء في بنى عَمرو بن عوف غدا عليه أبي، حُيى بن أخطب ، وعمى أبو ياسر بن أخطب ، مُغَلَّسَيْن.

قالت : فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس.

قالت : فأتَيا كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينَى.

قالت : فهشِشْتُ إليهما كما كنت أصنع ، فواللّه ما التفتَ إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغَمِّ.

قالت : وسمعت عمى أبا ياسر، وهو يقول لأبي ، حُيىِّ بن أخْطَب : أهو هو؟

قال : نعم واللّه :

قال : أتعرفه وتُثْبته ؟

قال : نعم ،

قال : فما في نفسِك منه ؟

قال : عداوتُهُ واللّه ما بَقِيتُ.

المنافقون بالمدينة

قال ابن إسحاق : وكان ممن انضاف إلى يهود ممن سمى لنا من المنافقين من الأوس والخزرج ، واللّه أعلم : من الأوس ، ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، ثم من بنى لَوْذان بن عمرو بن عوف : زُوَيّ بن الحارث.

 ومن بني حُبيب بن عمرو بن عوف : جُلاس بن سُوَيْد بن الصامت وأخوه الحارث بن سُوَيْد. وجُلاس الذي قال - وكان ممن تخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك - لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شَر من الحُمُر، فرَفع ذلك من قوله إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عميرُ بنُ سعد، أحدهم ، وكان في حِجر جُلاس ، خَلَفَ جُلاس على أمه بعد أبيه ، فقال له عُمَيْر بن سعد : واللّه يا جُلاس ، إنك لأحبُّ الناس إلىَّ، وأحسنهم عندي يداً، وأعزهم عليَّ أن يصيبه شىء يكرهه ، ولقد قلت مقالة لئن رفعتُها عليك لأفضحَنَّك ، ولئن صَمتُّ عليها ليهلكن دينى، ولإِحداهما أيسرُ علىَّ من الأخرى. ثم مشى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر له ما قال جُلاس ، فحلف جُلاس باللّه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لقد كذب علىَّ عُمَيْر، وما قلتُ ما قال عُمَيْر بن سعد.

فأنزل اللّه عز وجل فيه : { يَحْلِفُونَ بِاللّه مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللّه وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللّه عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } [التوبة: ٧٤].

قال ابن هشام : الأليم : الموجع. قال ذو الرمة يصف إبلاً :

وتَرْفعُ من صُدورٍ شَمرْدَلات   يَصُكُّ وجوهَها وهجٌ أليمُ

وهذا البيت في قصيدة له.

قال ابن إسحاق : فزعموا أنه تاب فحسُنت توبتُه ، حتى عُرف منه الخيرُ والإِسلام.

وأخوه الحارث بن سُوَيْد، الذي قتل المجذَّرَ بنَ زِياد البلوي ، وقيسَ بن زيد، أحد بني ضُبَيْعة، يوم أحد. خرج مع المسلمين ، وكان منافقاً، فلما التقى الناس عدا عليهما، فقتلهما ثم لحق بقريش.

قال ابنُ هشام : وكان المجذَّر بن زياد قتل سُوَيْدَ بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج ، فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سُوَيد غرةَ المجذَّر بن زياد، ليقتله بأبيه ، فقتله وحدَه ، وسمعت غيرَ واحد من أهل العلم يقول ، والدليل علي أنه لم يقتل قيس بن زيد، أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد.

قال ابن إسحاق : قَتل سُوَيدَ بن صامت معاذُ بن عَفْراء غِيلةً، في غير حرب ، رماه بسهم فقتله قبل يومَ بعاث.

قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ، ففاته ، فكان بمكة، ثم بعث إلى أخيه جُلاس يطلب التوبة، ليرجع إلى قومه.

فأنزل اللّه

تبارك وتعالى فيه - فيما بلغنى عن ابن عباس - : { كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللّه لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: ٨٦] إلى آخر القصة ومن بني ضُبَيْعة بن زيد بن مالك بن عَوْف بن عمرو بن عوف :

بِجَاد بن عثمان بن عامر.

ومن بني لَوْذان بن عَمْرو بن عَوْف : نَبْتَل بن الحارث ، وهو الذي قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- فيما بلغني - : من أحبَّ أن ينظر إلى الشيطان ، فلينظر إلى نَبْتَل بن الحارث ، وكان رجلاً جسيماً أذلم ثائر شعر الرأس ، أحمر العينين أسْفَع الخدَّين ، وكان يأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتحدث إليه فيسمع منه ، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين ، وهو الذي

قال : إنما محمد أذُن ، من حدّثه شيئاً صدقه.

فأنزل اللّه عز وِجل فيه : {وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّه وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّه لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦١) } [التوبة: ٦١].

قال ابن إسحاق : وحدثني بعضُ رجال بَلْعجلان أنه حُدِّث : أن جبريل عليه السلام أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له إنه يجلس إليك رجل أذلم ، ثائرُ شعرِ الرأس ، أسْفَع الخدين أحمر العينين ، كأنهما قِدْران من صُفْر، كبده أغلظ من كبدِ الحمار، ينقل حديثَك إلى المنافقين ، فاحذرْه. وكانت تلك صفةُ نَبْتَل بن الحارث ، فيما يذكرون.

ومن بنى ضُبَيعة : أبو حبيبة بن الأزْعَر، وكان ممن بنَى مسجدَ الضرار، وثعلبة بن حاطب ، ومُعَتِّب بن قُشَير، وهما اللذان عاهدا اللّه لئن اتانا من فضله لنصدَّقَنَّ ولنكونن من الصالحين ، إلخ القصة. ومُعَتِّب الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا هاهنا.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قوله {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّه غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للّه يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } [آل عمران: ١٥٤] إلى آخر القصة. وهو الذي قال يوم الأحزاب : كان محمد يَعِدُنا أن نأكلَ كنوزَ كسرى وقيصر، وأحدُنا لا يأمن أن يذهَب إلى الغائط

فأنزل اللّه عز وجل فيه : { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللّه وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا } [الأحزاب: ١٢] والحارث ابن حاطب.

قال ابن هشام : مُعَتِّب بن قُشَيْر، وثَعْلبة والحارث ابنا حاطب ، وهم من بنى أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر ليِ من أثق به من أهل العلم ، وقد نسب ابن إسحاق ثعلبةَ والحارث في بنى أمية بن زيد في أسماء أهل بدر.

قال ابن إسحاق : وعَبَّاد بن حُنَيْف ، أخو سهل بن حُنَيف وبَحْزَج ، وهم ممن كان بنى مسجد الضرَار، وعمرو بن خِذَام ، وعبد اللّه بن نَبْتَل. ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عَوْف : جارية بن عامر بن العَطَّاف ، وابناه : زيد ومُجمَّع ، ابنا جارية. وهم ممن اتخذ مسجدَ الضرار.

وكان مُجَمَّع غلاما حدثا قد جمع من القرآن أكثره ، وكان يصلى بهم فيه ، ثم إنه لما أخرب المسجدُ، وذهب رجال من بني عمرو ابن عوف ، كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم ، وكان زمان عمر بن الخطاب ، كُلِّم في مُجَمِّع ليصلى بهم

فقال : لا، أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضِّرار؟ فقال لعمر : يا أمير المؤمنين ، واللّه الذي لا إِله إلا هو، ما علمتُ بشىءٍ من أمرِهم ، ولكني كنت غلاماً قارئاً للقرآن، وكانوا لا قرآنَ معهم ، فقدمونى أصلى بهم ، وما أرى أمرَهم ، إلا على أحْسن ما ذكروا، فزعموا أن عمر تركه فصلى بقومه ومن بني أمية بن زيد بن مالك : وَديعة بن ثابت ، وهو ممن بنى مسجدَ الضرار، وهو الذي

قال : إنما كنا نخوض ونلعب.

فأنزل اللّه تبارك وتعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّه وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] إلى آخر القصة.

ومن بني عُبَيد بن مالك : خِذام بن خالد، وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره ، وبشر ورافع ، ابنا زيد.

ومن بني التَّبِيت

قال ابن هشام : النبيت : عمرو بن مالك ابن الأوس -

قال ابن إسحاق : ثم من بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوْس : مِرْبع بن قَيْظِي ، وهو الذي قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أجاز في حائطه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عامد إلى أحد : لا أحِلُّ لك يا محمد، إن كنت نبيا، أن تمر في حائطي ، وأخذ في يده حفنة من تراب ،

ثم قال : واللّه لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرَك لرميتك به ، فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : دعوه ، فهذا الأعمى، أعمى القلب ، أعمى البصيرة. فضربه سعد ابن زيد، أخو بنى عبد الأشهل بالقوس فشجَّه. وأخوه أوس بن قَيْظى وهو الذي قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الخندق : يا رسول اللّه ، إن بيوتَنا عَوْرة، فأذَنْلنا فلنرجعْ إليها.

فأنزل اللّه تعالى فيه : { يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا } [الأحزاب: ١٣].

قال ابن هشام : عَوْرة أي مُعْوَرَّة للعدو وضائعة وجمعها : عَوْرات

قال النابغة الذبيانى :

متى تَلْقَهم لا تلقَ للبيت عَوْرَةً   ولا الجارَ مَحْروماَّ وَلا الأمرَ ضائعا

 وهذا البيت في أبيات له ، والعورة أيضاً : عَوْرة الرجل ، وهى حُرْمته. والعورة أيضاً السَّوْءَة.

قال ابن إسحاق : ومن بني ظَفَر، واسم ظَفَر : كعب بن الحارث ابن الخزرج : حاطب بن أمية بن رافع ، وكان شيخاً. جسيماً قد عَسَا في جاهليته وكان له ابن من خيار المسلمين ، يقال له يزيد ابن حاطب ، أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات ، فحُمل إلى دار بني ظفر.

قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قَتادة أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت فجعلوا يقولون أبشر يابن حاطب بالجنة،

قال : فنجم نفاقُه حينئذٍ ، فجعل يقول أبوه :أجل جنة واللّه من حَرْمل ، غررتم واللّه هذا المسكين من نفسهِ.

قال ابن إسحاق : وبُشَيْر بن أبَيْرق ، وهو أبو طُعمَة، سارق الدِّرْعين ، الذي أنزل اللّه تعالى فيه : { وَلَا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّه لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمً } [النساء: ١٠٧] : وقُزْمان : حليف لهم.

قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول : إنه لمن أهل النار. فلما كان يوم أحد قاتل قتالاً شديداً حتى قتلَ بضعةَ نفر من المشركين ، فأثبتته الجراحاتُ ، فحُمل إلى دار بنى ظَفر، فقال له رجال من المسلمين : أبشر يا قُزْمَان ، فقد أبليتَ اليوم ، وقد أصابك ما ترى في اللّه.

قال : بماذا أبشر، فواللّه ما قاتلتُ إلا حمية عن قومي ، فلما اشتدت به جراحاته وآذته أخذ سهماً من كِنانتِه ، فقطع به رواهشَ يده ، فقتل نفسَه.

قال ابن إسحاق : ولم يكن في بنى عبد الأشْهل منافق ولا منافقة يُعلم ، إلا أن الضحاك بن ثابت ، أحد بنى كعب ، رهْط سعد بن ، زيد، وقد كان يُتهم بالنفاق وحُب يهود، قال حسان بن ثابت :

من مُبلغُ الضحاكِ أن عروقَــه   أعْيتْ على الإسلامِ أن تتمَجَّدَا
أتحب يُهْدانَ الحجازِ ودينَهــم   كِبدَ الحِمارِ، ولا تحب محمدا
ديناً لعَمْري لا يوافق ديننَـــا   ما استنَّ آل في الفضاءِ وخَوَّدا

 وكان جلاس بن سُوَيْد بن صامت قبل توبته - فيما بلغني - ومُعتِّب بن قُشَير، ورافع بن زيد، وبشر، وكانوا يُدْعَوْن بالإسلام ، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فدعوهم إلى الكهان ، حكام أهل الجاهلية،

فأنزل اللّه عز رجل فيهم : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: ٦٠] إلى آخر القصة.

ومن الخزرج ، ثم من بنى النجار : رافع بن وَدِيعة، وزَيْد بن عَمرو، وعَمْرو بن قيْس ، وقَيس بن عَمْرو بن سَهْل.

ومن بني جُشَم بن الخزرج ، ثم من بني سَلِمَة : الجدُّ بن قَيْس ، وهو الذي يقول : يا محمد، ائذن لي ولا تفتنِّى،

فأنزل اللّه تعالى فيهم { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِين } [التوبة: ٤٩] : إلى آخر القصة.

ومن بني عَوْف بن الخزرج : عبدُ اللّه بنُ أبَيِّ ابنُ سَلول ، وكان رأس المنافقين ، وإليه يجتمعون وهو الذي

قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ ، في غزوة بنى المصْطَلق. وفي قوله ذلك ، نزلت سورة المنافقين بأسرها. وفيه وفي وديعة - رجل من بني عوف - ومالك بن أبي قَوْقَل ، وسُوَيْد، ودَاعس وهم من رهط عبد اللّه بنُ أبي ابن سَلُول : وعبد اللّه بن أبي ابن سَلول. فهؤلاء النفر من قومِهِ الذين كانوا يدُسُّون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أن اثبتوا، فواللّه لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قُوتلتم لننصرنكم ،

فأنزل اللّه تعالى فيهم : {أَلَمْ تَرى إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللّه يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الحشر: ١١] ثم القصة من السورة حتى انتهى إلى قوله : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللّه رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: ١٦]

المنافقون من أحبار اليهود

قال ابن إسحاق : وكان ممن تعوَّذ بالإسلام ، ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق ، من أحبار يهود.

من بنى قينُقاع : سعد بن حُنَيْف ، وزَيْد بن اللُّصيْت ، ونعمان بن أوْفَى بن عمرو، وعثمان بن أوفى. وزيد بن اللُّصَيْت ،٠ الذي قاتل عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه بسوق بنى قينقاع ، وهو الذي قال ، حين ضلت ناقةُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يزعمُ محمد أنه يأتيه خبرُ السماء وهو لا يدري أين ناقته ! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وجاءه الخبر بما قال عدوُّ اللّه في رحله ، ودَلَّ اللّه ،تبارك وتعالى رسولَه صلى اللّه عليه وسلم على ناقته : "إن قائلأ

قال : يزعمُ محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته ، وإني واللّه ما أعلم إلا ما علَّمنى اللّه ، وقد دلّني اللّه عليها، فهى في هذا الشِّعْب ، قد حبستها شجرة بزمامِها، فذهب رجال من المسلمين ، فوجدوها حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكما وصف. ورافع ابن حُرَيْملة، وهو الذي قال له الرسول صلى اللّه عليه وسلم - فيما بلغنا -

حين مات : قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ورفاعة بن زَيْد بن التَّابوت ، وهو الذي قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين هبت عليه الريح ، وهو قافل من غزوة بنى المصْطَلَق ، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا تخافوا، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار. فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة وجد رفاعة بن زيد بن التَّابوت مات ذلك اليوم الذي هَبَّت فيه الريح. وسِلْسلة بنَ بِرْهام وكنانة بن صُورِيا.

طرد المنافقين من المسجد

وكان هؤلاء المنافقون يحضُرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ، ويَسْخَرون ويستهزئون بدينهم ، فاجتمع يوماً في المسجد منهم ناس ، فرآهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتحدثون بينهم ، خافضى أصواتهم ، قَد لصق بعضُهم ببعض ، فأمر بهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفاً، فقام أبو أيوب ، خالدُ ابنُ زيد بنُ كُلَيْب ، إلى عُمر بن قَيْس ، أحد بنى غَنْم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية - فأخذ برجله فسحبه ، حتى أخرجه من المسجد، وهو يقول : أتخرجني يا أبا أيوب من مرْبد بني ثعلبة، ثم أقبل أبو أيوب أيضاً إلى رافع بن وَدِيعة، أحد بني النجار فلبَّبه بردائه ثم نثره نثراً شديداً، ولطم وجهَه ، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له : أفّ لك منافقاً خبيثاً. أدراجَك يا منافق من مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن هشام : أي ارجعْ من الطريق التي جئتَ منها. قال الشاعر :

فولَّى وأدبرَ أدراجَه وقـد   باء بالظُّلْم من كان ثَمْ

وقام عُمارة بن حَزْم إلى زيد بن عمرو، وكان رجلاً طويل اللحية، فأخذ بلحيته فقاده بها قوداً عنيفاً حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عُمارة يَدَيْه فلَدَمَه بهما في صدرِهِ لَدْمَة خَرَّ منها.

قال : يقول : خدشْتني يا عُمارة

قال : أبعدك اللّه يا منافقُ ، فما أعدَّ اللّه لك من العذاب أشدُّ من ذلك ، فلا تقربنَّ مسجدَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

قال ابن هشام : اللَّدْم : الضرب ببطن الكف. قال تَميم بنُ أبيّ ابنَ مُقْبِل :

وللفؤادِ وجِيب تحتَ أبْهـــرِه   لَدْمَ الوليدِ وراءَ الغَيْبِ بالحَجرِ

قال ابن هشام : الغيب : ما انخفض من الأرض. والأبهر: عرق القلب.

قال ابن إسحاق : وقام أبو محمد ، رجل من بنى النجار، كان بدْرياً، و أبوِ محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصْرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار: إلى قَيْس بن عمرو بن سهل ، وكان قيس غلاماً شاباً، وكان لا يُعلم في المنافقين شاب غيره ، فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد. وقام رجل من بَلْخُدْرَة بن الخزرج ، رهط أبي سعيد الخُدْري ، يقال له : عبد اللّه بن الحارث حين أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له : الحارث بن عَمْرو، وكان ذا جُمَّة، فأخذ بجُمته فسحبه بها سحباً عنيفاً،على ما مر به من الأرض ، حتى أخرجه من المسجد. قال يقول المنافقُ : لقد أغلظْتَ يابن الحارث

فقال له : إنك أهل لذلك ، أي عدوَّ اللّه لما أنزل اللّه فيك : فلا تقربنَّ مسجدَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإنك نَجِس وقام رجل من بنى عَمْرو بن عَوْف إلى أخيه زُوَيِّ بن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجاً عنيفاً، وأفَّف منه ،

قال : غلب عليك الشيطان وأمْرُهُ.

فهؤلاءِ من حضر المسجدَ يومئذ من المنافقين ، وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإخراجهم.

 ما نزل في اليهود والمنافقين

ففي هؤلاء من أحبار يهود، والمنافقين من الأوس والخزرج ، نزل صدرُ سورةِ البقرة إلى المئة منها - فيما بلغني - واللّه أعلم.

يقول اللّه سبحانَه وبحمده : { الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ١،٢] أي لا شك فيه.

قال ابن هشام : قال ساعدة بن جُؤيَة الهُذَلى :

فقالوا عَهِدْنا القومَ قد حَصَروا بـه   فلا رَيْبَ أن قد كان ثَمَّ لَحيمُ

وهذا البيت في قصيدة له ، والريب أيضاً : الريبة. قال خالد بن

زُهير الهُذلي :

كأننى أرِيبُة بريْب

قال ابن هشام : ومنهم من يرويه :

كأننى أربته بريْب

وهذا البيت في أبيات له. وهو ابن أخى أبي ذُؤيْب الهُذَلي.

 { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} أي الذين يحذرون من اللّه عقوبتَه في تَرْك ما يعرفون من الهدَى، ويرجون رحمتَه بالتصديق بما جاءهم منه {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: ٣] أي يقيمون الصلاةَ بفرْضِها، ويؤتون الزكاة احتساباً لها { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } [البقرة :٤] ، أي يصدقونك بما جئت به من اللّه عز وجل ، وما جاء به مَنْ قبلك من المرسلين ، لا يفرقون بينهم ، ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [البقرة: ٤] أي بالبعثِ والقيامةِ والجنةِ والنارِ والحسابِ والميزانِ أي هؤلاء الذين يَزْعُمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك ، وبما جاءك من ربك { أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } [البقرة: ٥] أي الذين أدركوا ما طلبوا ونَجَوْا من شرِّ ما منه هربوا. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي بما أنزل إليك ، وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [البقرة: ٦] ، أي أنهم كفروا بما عندهم من ذكرك ، وجحدوا ما أخذ عليهم الميثاق لك ، فقد كفروا بما جاءك ، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك ، فكيف يستمعون منك إنذاراً أو تحذيراً، وقد كفروا بما عندهم من علمك. { خَتَمَ اللّه عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ { عن الهدَى أن يصيبوه أبدا، يعني بما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربِّك حتى يؤمنوا به ، وإن آمنوا بكلِّ ما كان قبلك {وَلَهُمْ { بما هم عليه من خلافك {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: ٧].

فهذا في الأحْبار من يهود، فيما كذبوا به من الحقِّ بعدَ معرفته.

 {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّه وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } يعنى المنافقين من الأوس والخزرج ، ومن كان على أمرهم {يُخَادِعُونَ اللّه وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:٩، ١٠] أي شك { فَزَادَهُمْ اللّه مَرَضًا } أي شكا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [البقرة: ١٠،١١] أي إنما نريد الإصلاحَ بين الفريقين : من المؤمنين وأهل الكتاب ، يقول اللّه تعالى { أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ } [البقرة: ١٢-١٤] من يهود، الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق ، وخلاف ما جاء به الرسول {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ } أي إنا على مثل ما أنتم عليه. { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } : أي إنما نستهزئ بالقوم ، ونلعب بهم ، يقول اللّه عز وجل : { اللّه يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [البقرة: ١٥].

قال ابن هشام : يَعْمَهون : يحارون تقول العرب : رجل عَمة وعامه: أي حيران ، قال رُؤبة بن العَجاج يصف بلداً :

أعْمى الهُدى بالجاهلين العُمَّه

وهذا البيت في أرجوزة له. فالعُمَّه : جمع عامه :

وأما عَمِه : فجمعه : عَمِهون. والمرأة : عَمِهة وعَمْهاء.

{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} أي الكفر بالإيمان { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}.

قال ابن إسحاق : ثم ضرب لهم مثلاً فقال تعالى :{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّه بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: ١٧] أي لا يُبصرون الحقَّ ويقولون به حتى ، إذا خرجوا به من ظلمةِ الكفر أطفئوه بكفرِهم به ونفاقهم فيه ، فتركهم اللّه في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هُدًى، ولا يستقيمون على حق {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } [البقرة: ١٨] أي لا يرجعون إلى الهُدَى، صُم بكم عُمى عن الخير، لا يرجعون إلى خير، ولا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّه مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ }.[البقرة: ١٩]

قال ابن هشام : الصَيِّب : المطهر، وهو من صاب يصوب ، مثل قولهم : السيِّد، من سادَ يسود، والميت : من مات يموت ، وجمعه صيائِب. قالَ عَلْقمة بن عَبَدَة، أحد بنى ربيعة بن مالك بن زيد مَناة ابن تميم :

كأنهمُ صابت عليهم سحابـة   صواعقُها لطيرِهنَّ دَبيبُ

وفيها :

فلا تَعْدِلي بينى وبين مُغَمَّر   سَقَتْكَ رَوَايا المُزْنِ حيثُ تَصوبُ

 وهذان البيتان في قصيدة له.

قال ابن إسحاق : أي هم من ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذَر من القتل من الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم ، على مثل ما وُصف. من الذي هو في ظُلمة الصَّيْب. يجعل أصابعَه في أذنيه من الصواعق حَذَرَ الموت. يقول : واللّه مُنْزِل ذلك بهم من النَّقْمة. أي هو محيط بالكافرين { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الحق { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أي يعرفون الحق ويتكلمون به. فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه في الكفر قاموا متحيرين { وَلَوْ شَاءَ اللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي لما تركوا من الحق بعد معرفته { إنَ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: ٢٠] ثم

قال :{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ { للفريقين جميعاً : من

الكفار والمنافقين. أي وحِّدوا ربّكم { الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا للّه أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: ٢١،٢٢]

قال ابن هشام : الأندادُ : الأمثالُ : واحدهم نِد. قال لَبيد بن ربيعة :

أحْمَدُ اللّه فلا نِدَّ لــــه   بيديْه الخيرُ ما شاء فَعَلْ

وهذا البيت في قصيدة له.

قال ابن إسحاق : أي لا تُشركوا باللّه غيرَه من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا ربَّ لكم يرزقكم غيره ، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك لا فيه. { وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا  } أي في شك مما جاءكم { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّه {، أي من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه { كُنتُمْ إِنْ صَادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة: ٢٣،٢٤] أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.

ثم رغَّبهم وحذَّرهم نقضَ الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه صلى اللّه عليه وسلم إذا جاءهم وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم ، وشأن أبيهم آدم عليه السلام وأمره ، وكيف صنع به في خالف عن طاعته ،

ثم قال : { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ { للأحبار من يهود { اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي بلائى عندكم وعند ابائكم ، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي { الذي أخذتُ في أعناقكم لنبيي أحمد، إذا جاءكم { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ { أنجز لكم ما وعدتكم على تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أي : أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره. { وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ { وعندكم من العلم فيه ما ليس عند غيركم { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ* وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة:٤١،٤٢] أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولى ومما جاء به ، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة:٤٤]، أي أتنْهوْن الناسَ عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم ، أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي.

ثم عدَّد عليهم أحداثهم ، فذكر لهم العجل وما صنعوا فيه ، وتوبته عليهم ، وإقالته إياهم ، ثم قولهم : { أَرِنَا اللّه جَهْرَةً } [النساء: ١٥٣]

قال ابن هشام : جهرة، أى ظاهراً لنا لا شىء يستره عنا. قال أبو الأخْزَر الحَمانىُّ واسمه قتيبة :

يجهر أجوافَ المياه السَّدُم

وهذا البيت في أرجوزة له.

يجهر : يقول : يظهر الماء، ويكشف عنه ما يستره من الرمل وغيره.

قال ابن إسحاق : وأخْذَ الصاعقة إياهم عند ذلك لغرّتهم ، ثم إحياءَه إياهم بعد موتهم وتظليله عليهم الغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى، وقوله لهم :{ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ } [البقرة:٥٨] أي قولوا ما أمركم به أحطّ به ذنوبَكم عنكم ، وتبديلهم ذلك من قوله استهزاءً بأمره ، وإقالته إياهم ذلك بعد هُزْئهم.

قال ابن هشام : المنُّ شيء كان يسقط في السَّحَر على شجرهم ، فَيَجْتَنونه حُلواً مثل العسل فيشربونه ويأكلونه. قال أعشَى بني قَيْس ابن ثَعْلبة :

لو أطعِموا المنَّ والسلْوَى مكانَهُمُ  ما أبصر الناسُ طُعْماً فيهمُ نَجَعَا

وهذا البيت في قصيدة له ، والسّلْوى : طير واحدتها : سَلْواة

ويقال : إنها السُّمَانى ، ويقال للعسل أيضاً : السَّلْوى. وقال خالد بن زُهير الهُذَلي :

وقاسَمَها باللّه حقّا لأنتــم   ألذ من السَّلْوَى إذا ما نَشُورُها

وهذا البيت في قَصيدة له وحِطَّة : أي حُطَّ عنا ذنوبَنا.

قال ابن إسحاق : وكان من تبديلهم ذلك كما حدثني صالح بن كَيْسان عن صالح مولى التَّوْءَمة بنت أمية بن خلف ، عن أبي هريرة ومن لا أتهم ، عن ابن عباس ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

قال : دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا منه سُجَّداً يزحفون ، وهم يقولون حِنْط في شعير.

قال ابن هشام : ويروى : حنطة في شعيرة.

قال ابن إسحاق : واستسقاءَ موسى لقومهِ ، وأمرَه إِياه أن يضربَ بعصاه الحجرَ، فانفجرت لهم منه اثنتا عشرة عينا، لكل سِبْط عين يشربون منها، قد عَلم كُلُّ سِبْط عينَه التي منها يشرب ، وقولهم لموسى عليه السلام :{ لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا } [البقرة:٦٠]

قال ابن هشام : الفوم : الحنطة. قال أمية بن أبي الصَّلت الثقفى :

فوقَ شِيزَى مثل الجوابي عليها   قِطَعٌ كالوَذِيلِ في نِقْىِ فُومِ

قال ابن هشام : الوذيل : قطع الفضة، والفوم : القمح ، واحدته : فومة. وهذا البيت في قصيدة له.

{ وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ }.

قال ابن إسحاق : فلم يفعلوا، ورفْعه الطور فوقَهم ليأخذوا ما أوتوا، والمسخ الذي كان فيهم ، إذ جعلهم قردةً بإحْداثهم ، والبقرة التي أراهم اللّه عز وجل بها العبرة في القتيل الذي اختلفوا فيه ، حتى بيَّن اللّه لهم أمره ، بعد التردد على موسى عليه السلام في صفة البقرة، وقسوة قلوبهم بعد ذلك حتى كانت كالحجارة أو أشد قسوة،

ثم قال تعالى : {وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّه } أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق {وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.

ثم قال لمحمد عليه الصلاة والسلام ولمن معه من المؤمنين يؤْيسهم منهم { أَفَتَطْمَعونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [البقرة: ٧٥]. وليس قوله " يسمعون التوراةَ " أنّ كلهم قد سمعها، ولكنه فريق منهم ، أي خاصة.

قال ابن إسحاق : فيما بلغنى عن بعض أهل العلم : قالوا لموسى :

يا موسى، قد حيل بينَنا وبين رؤية اللّه ، فأسمعنا كلامَه حين يكلمك ، فطلب ذلك موسى عليه السلام من ربه ،

فقال له : نعم مرهم فليطَّهروا، أو ليطهروا ثيابَهم ، وليصوموا، ففعلوا، ثم خرج بهم حتى أتى بهم الطورَ فلما غشيهم الغمامُ أمرهم موسى فوقعوا سُجّداً وكلمه ربه ، فسمعوا كلامه تبارك وتعالى، يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا عنه ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلما جاءهم حرَّف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا، حين قال موسى لبنى إسرائيل : إن اللّه قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذي ذكر اللّه عز وجل : إنما قال كذا وكذا، خلافاً لما قال اللّه لهم ، فهم الذين عنى اللّه عز وجل لرسوله صلى اللّه عليه وسلم.

ثم قال تعالى : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا }، أي بصاحبكم رسول اللّه ، ولكنه إليكم خاصة،{ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا }: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان فيهم

فأنزل اللّه عز وجل فيهم : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة: ٧٦] أي تقرون بأنه نبى، وقد عرفتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبركم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا لهم به ، يقول اللّه عز وجل : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّه يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ* وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ }.[البقرة:٧٧،٧٨]

قال ابن هشام ، عن أبي عُبَيْدة : إلا أمانيّ ، إلا قراءة، لأن الأمى : الذي يقرأ ولا يكتب. يقول : لا يعلمون الكتاب ، إلا أنهم يقرءونه.

قال ابن هشام : عن أبي عُبيدة ويونس ، أنهما تأولا ذلك عن العرب في قول اللّه عز وجل ، حدثني أبو عُبَيدة بذلك.

قال ابن هشام : وحدثني يونس بن حبيب النحويُّ وأبو عُبَيدة :

أن العرب تقول : تمنَّى، في معنى قرأ. وفى كتاب اللّه تبارك وتعالى:

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ } [الحج: ٨٢]

قال : وأنشدنى أبو عُبَيْدة النحوي :

تمنَّى كتابَ اللّه أولَ ليلــــهِ   وآخرَهُ وافى حِمامُ المقادِرِ

وأنشدنى أيضاً :

تمنَّى كتابَ اللّه في الليلِ خالياً   تَمنِّيَ داودَ الزَّبورَ على رِسْلِ

وواحدة الأماني : أمنيَّة. والأمانى أيضاً : أن يتمنى الرجلُ المالَ

أو غيرَه.

قال ابن إسحاق : { وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }: أي لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون نبوتك بالظن.{ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّه عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّه عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه مَا لَا تَعْلَمُونَ }.[البقرة: ٨٠]

ما ادعاه يهود في عذاب الآخرة   

قال ابن إسحاق : وحدثني

مولى لزيد بن ثابت عن عِكْرمة، أو عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس ،

قال : قَدِمَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، واليهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعةُ الاف سنة، وإنما يُعذب اللّه الناسَ في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيامِ الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب.

فأنزل اللّه في ذلك من قولهم :{ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّه عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّه عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه مَا لَا تَعْلَمُونَ* بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } [البقرة: ٨٠،٨١]. أي من عمل بمثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم به ، يحيط كفره بما له عند اللّه من حسنة { فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي خُلْد أبداً { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: ٨٢] أي من آمن بما كفرتم به ، وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً، لا انقطاع له.

قال ابن إسحاق :

ثم قال اللّه عز وجل يؤنبهم :{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } ، أي ميثاقكم { لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللّه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ }، أي تركتم ذلك كله ليس بالتنقص { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } [البقرة: ٨٤]

قال ابن هشام : تسفكون : تصبُّون. تقول العرب : سَفك دمَه ، أي صبَّه وسفك الزق أي هراقه. قال الشاعر :

وكنا إذا ما الضيفُ حَلَّ بأرضِنا   سفكنا دماءَ البُدْنِ في تُرْبةِ الحالِ

قال ابن هشام : يعنى " بالحال " : الطين الذي يخالطه الرمل ، وهو الذي تقول له العرب : السَّهلة. وقد جاء في الحديث : أن جبريل لما قال فرعونُ :{ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } [يونس: ٩٠] أخذ من حال البحر وحَمْأته ، فضرب به وجه فرعون. والحال : مثل الحمأ".

قال ابن إسحاق : { وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ }. على أن هذا حق من ميثاقى عليكمَ : } ثم أَنْتُمْ هَؤُلَاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [البقرة:٨٥] : أي أهل الشرك : حتى يُسفكوا دماءَهم معهم ، ويخرجوهم من ديارهم معهم.{ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ }: في كتابكم { إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ }، أي أتفادونهم مؤمنين بذلك ، وتخرجونهم كفاراً بذلك { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ }.[البقرة:٨٥،٨٦] فأنبهم اللّه عز وجل بذلك من فعلهم ، وقد حرَّم عليهم في التوراة سفكَ دمائِهم. وافترض عليهم فيها فداء أسراهم.

فكانوا فريقين ، منهم بنو قَيْنقاع ولَفُّهم ، حلفاء الخزرج والنضير وقريظة ولَفُّهم ، حلفاء الأوس. فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب ، خرجت بنو قَيْنقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا. دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم ، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان. لا يعرفون جنةً ولا ناراً، ولا بَعْثاً ولا قيامة، ولا كتاباً، ولا حلالاً ولا حراماً، فإذا وَضعت الحرب أوزارَها افتدوا أساراهم تصديقاً لما في التوراة، وأخذَ به بعضُهم من بعضٍ ، يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس وتفتدي النضير وقريْظة ما في أيدي الخزرج منهم. ويُطِلُّون ما أصابوا من الدماء، وقَتْلى من قُتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول اللّه تعالى لهم حين أنبهم بذلك : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ }، أي تفاديه بحكم التوراة وتقتله ، وفى حكم التوراة  أن لا تفعل ، تقتله وتُخرجه من داره وتُظاهر عليه من يُشركُ باللّه ، ويعبد الأوثان من دونه ، ابتغاء عَرَض الدنيا. ففى ذلك من فعلِهم مع الأوْس والخزرج - فيما بلغنى - نزلت هذه القصة.

ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ } أي الآيات التي وُضعت على يديه ، من إحياء الموتى، وخلْقهِ من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللّه ، وإبراء الأسقام ، والخبر بكثير من الغيوب : مما يدخرون في بيوتهم ، وما رد عليهم من التوراة مع الإِنجيل ، الذي أحدث اللّه إليه. ثم ذكر كفرَهم بذلك كله ،

فقال :{ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ }،

ثم قال تعالى : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } : في أكِنَّة. يقول عز وجل : { بَلْ لَعَنَهُمْ اللّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ* وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّه مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّه عَلَى الْكَافِرِينَ }.[البقرة: ٨٩]

قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عُمر بن قتادة عن أشياخ من قومه ،

قال : قالوا : فينا واللّه وفيهم نزلت هذه القصة، كنا قد عَلَوْناهم ظَهْراً في الجاهلية ونحن أهل الشرك وهم أهل كتاب فكانوا يقولون لنا : إن نبيًّا يُبعث الآن نتبعه قد أظَلَّ زمانهُ ، نقتلكم معه قتلَ عادٍ وإرَم. فلما بعث اللّه رسولَه صلى اللّه عليه وسلم من قريش فاتبعناه كفروا به يقول اللّه : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّه عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللّه بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللّه مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي أن جعله في غيرهم { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }.[البقرة: ٨٩،٩٠]

قال ابن هشام : فباءوا بغضب : أي اعترفوا به واحتملوه. قال

أعْشَى بنى قَيْس بن ثَعْلبة :

أصالحُكم حتى تبوءوا بمِثلها   كصرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْها قبيلُها

قال ابن هشام : يسرتها. أجلستها للولادة. وهذا البيت في قصيدة له.

قال ابن إسحاق : فالغضب على الغضب ، لغضبه عليهم فيما كانوا ضيَّعوا من التوراة، وهى معهم ، وغضب بكفرهم بهذا الني صلى اللّه عليه وسلم الذي أحدث اللّه إليهم.

ثم أنَّبهم برفع الطور عليهم ، واتخاذهم العجلَ إلهاً دون ربِّهم ، يقول اللّه تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم: { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّه خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }، [البقرة: ٩٤] أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب عند اللّه ، فأبَوْا ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. يقول اللّه جل ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام :{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } ، أي بعلمهم بما عندهم من العلم بك ، والكفر بذلك فيقال لو تمنوه يوم قال ذلك لهم ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات. ثم ذكر رغبتهم في الحياة الدنيا وطول العمر، فقال تعالى { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ } اليهود { وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ } [البقرة: ٩٦]، أي ما هو بمنجيه من العذاب ، وذلك أن المشركَ لا يرجو بعثاً بعدَ الموت ، فهو يحب طولَ الحياة، وأن اليهوديَّ قد عرف ما له في الآخرة من الخِزْي بما ضَيَّع مما عنده من العلم.

ثم قال تعالى :{ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّه } [البقرة:٩٧].

سؤال اليهود الرسول ، وإجابته

قال ابن إسحاق : حدثني عبد اللّه بنُ عبد الرحمن بن أبي حُسَيْن المَكِّى، عن شَهْر بن حَوْشَب الأشْعَري ، أن نفراً من أحبار يهود جاءوا رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فقالوا : يا محمدُ، أخبرنا عن أربعٍ نسألك عنهنَّ ، فإن فعلتَ ذلك اتبعناك وصدقناك ، وآمنا بك.

قال : فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:عليكم بذلك عهدُ اللّه وميثاقُه لئن أنا أخبرتُكم بذلك لتصدِّقُنَّنِى، قالوا : نعم ،

قال : فاسئلوا عما بَدَا لكم. قالوا : فأخبرنا كيف يشبه الولدُ أمَّه ، وإنما النطفة من الرجل ؟

قال : فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أنشدكم باللّه وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه ! قالوا : اللّهم نعم.

قالوا: فأخْبرنا كيف نومُك ؟

فقال : أنشدكم باللّه وبأيامه عند بنى إسرائيل هل تعلمون أن نومَ الذي تزعمون أنى لستُ به تنام عينه وقلبه يقظان ؟

فقالوا : اللّهم نعم

قال : فكذلك نومى؟ تنام عيني وقلبي يقظان.

قالوا : فأخبرنا عما حرَّم إسرائيلُ على نفسه ؟

قال : أنشدكم باللّه وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه كان أحَبَّ الطعام والشراب إليه ألبانُ الإِبل ولحوما وأنه اشتكى شكوى فعافاه اللّه منها فحرَّم على نفسه أحبّ الطعام والشراب إليه شكراً للّه فحرم على نفسه لحومَ الإِبل وألبانها؟ قالوا : اللّهم نعم.

قالوا : فأخبرنا عن الروح ؟

قال : أنشدكم باللّه وبأيامِهِ عند بني إسرائيل ، هل تعلمونه جبريلَ ، وهو الذي يأتيني ؟ قالوا : اللّهم نعم ، ولكنه يا محمد لنا عدو، وهو ملك ، إنما يأتى بالشدة وبسفك الدماء، ولولا ذلك لاتبعناك ،

قال :

فأنزل اللّه عز وجل فيهم : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّه مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }... إلى قوله تعالى :{ أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ* وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّه مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللّه وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أي السحر { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }.[البقرة: ١٠٠ـ١٠٣] اليهود يُنكرون نبوة سليمان عليه السلام ورد اللّه عليهم :

قال ابن إسحاق : وذلك أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما بلغنى - لما في ذكر سليمان بن داود في المرْسَلين ، قال بعضُ أحب ارهم : ألا تعجبونمن محمد، يزعم أن سليمان بن داود كان نبيًّا، واللّه ما كان إلا ساحراً.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهم { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } أي باتباعهم السحر وعملهم به { وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ }.

قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عِكْرمة، عن ابن عباس ، أنه كان لِقول : الذي حرم إسرائيلُ على نفسه زائدتا الكَبْد ، والكُلْيتان والشحْم ، إلا ما كان على الظَّهْر، فإن ذلك كان يُقَرَّب للقربان ، فتأكله النار.

 كتابه صلى اللّه عليه وسلم إلى يهود خيبر   

قال ابن إسحاق : وكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى يهود خيبر، فيما حدثني مولَى زيد بن ثابت ، عن عِكْرمة أو عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس : بسم اللّه الرحمن الرحيم : من مُحمدٍ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، صاحبِ موسى وأخيه ، والمصدِّق لما جاء به موسى :ألا إن اللّه قد قال لكم يا معشرَ أهل التوراة، وإنكم لَتَجِدُون ذلك في كتابكم : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللّه وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: ٢٩].

وإني أنشدكم باللّه ، وأنشدكم بما أنزل عليكم ، وأنشدكم بالذي أطْعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلْوَى، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله ، إلاَّ أخبرتمونى : هل تجدون فيما أنزل اللّه عليكم أن تؤمنوا بمحمد؟ إن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كُرْه عليكم.{ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ } [البقرة: ٢٥٦] فأدعوكم إلى اللّه وإلى نبيه.

قال ابن هشام : شطؤه : فراخه وواحدته : شطأة. تقول العرب قد أشطأ الزرع ، إذا أخرج فراخَه. وأزَره : عاونه ، فصار الذي قبله مثلَ الأمهات. قال امرؤ القيس بن حُجْر الكِنْديُّ :

بِمَحْنيةٍ قد آزر الضَّالَ نَبتُها   مَجَرَّ جيوش غانمين وخُيَّب

وهذا البيت في قصيدة له. وقال حُمَيد بن مالك الأَرْقَط ، أحد بنى ربيعة بن مالك بن زَيْد مَناة:

زَرْعاً وقَضباً مُؤْزَرَ النباتِ

وهذا البيت في أرجوزة له ، وسوقه : جمع ساق ، لساق الشجرة.

ما نزل في أبي ياسر وأخيه :

قال ابن إسحاق : وكان ممن نزل فيه القرآن، بخاصة من الأحبار وكفار يهود، الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليُلبسوا الحقَّ بالباطل - فيما ذُكر لي عن عبد اللّه بن عباس وجابر بن عبد اللّه بنِ رئاب - أن أبا ياسر بن أخْطَبَ مرَّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو يتلو فاتحة البقرة : { الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ } [البقرة: ١،٢] فأتى أخاه حُيَى بن أخطب في رجال من يهود،

فقال : تَعَلَّموا واللّه ، لقد سمعتُ محمداً يتلو فيما أنزل عليه ، { الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ }:

فقالوا : أنت سمعتَه ؟

فقال : نعم ، فمشى حُيى بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقالوا له : يا محمد، ألم يُذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل إليك : { الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ }؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : بَلَى قالوا : أجاءك به جبريل من عند اللّه ؟

فقال : نعم ،

قالوا: لقد بعث اللّه قبلكَ أنبياءَ، ما نعلمه بيَّن لنبى منهم ما مدة مُلكِهِ ، وما أكْل أمته غيرك ، فقال حُيِى بن أخطب ، وأقبل على من معه ،

فقال لهم : الألف واحدة، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين إنما مدة ملكه وأكْل أمته إحدى وسبعون سنة؟

ثم أقبل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فقال : يا مُحمدُ، هل مع هذا غيره ؟

قال : نعم ،

قال : ماذا؟

قال : { المص }.[الأعراف: ١]

قال : هذه واللّه أثقل وأطول ، الألف واحدة واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ،فهذه إحدى وستون ومئة سنة. بخ هل مع هذا يا محمد غيره ؟

قال : نعم { الَر }

قال : هذه واللّه أثقل وأطول ، الألف واحدة، واللام ثلاثون ، والراء مئتان ، فهذه إحدى وثلاثون ومئتان.

هل مع هذا غيره يا محمد؟

قال : نعم { المر }.

قال : هذه واللّه أثقلُ وأطول ، الألف واحدة، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مئتان ، فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة.

ثم قال : لقد لُبِّس علينا أمرُك يا محمد، حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً ؟ ثم قاموا عنه ، فقال أبو ياسر لأخيه حيى بن أخطب ولمن معه من الأحبار : ما يدريكم لعله قد جُمع هذا كلُّه لمحمد، إحدى وسبعون ، وإحدى وستون ومئة، وإحدى وثلاثون ومئتان ، وإحدى وسبعون ومئتان ، فذلك سبع مئة وأربع وثلاثون سنة،

فقالوا : لقد تشابه علينا أمره. فيزعمون أن هؤلاء الايات نزلت فيه :{ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [آل عمران: ٧]

قال ابن إسحاق : وقد سمعتُ من لا أتهم من أهل العلم يذكر :

إن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في أهل نجران ، حين قَدِموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسألونه عن عيسى ابن مريم عليه السلام.

قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمدُ بن أبي أمامة بن سَهْل بن حُنَيْف ، أنه قد سمع : أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في نفر من يهود، ولم يفسر ذلك لى. فاللّه أعلم أي ذلك كان.

كفر اليهود بالإِسلام وما نزل في ذلك  

قال ابن إسحاق : وكان فيما بلغني عن عِكْرِمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس : أن يهودَ كانوا يستفتحون على الأوْس والخزرج برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه اللّه من العربِ كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم مُعاذ بن جبل ، وبِشر بن البراء بن معرور، أخو بنى سَلمة : يا معشر يهود، اتقوا اللّه وأسْلِموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته ، فقال سَلاَّم بن مِشْكَم ، أحد بنى النَّضِير: ما جاءنا بشىء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكره لكم ؟

فأنزل اللّه في ذلك من قولهم : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّه مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّه عَلَى الْكَافِرِينَ } [البقرة: ٨٩].

و قال ابن إسحاق : وقال مالك بن الصَّيْف ، حين بُعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، - وذَكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق ، وما عَهِد اللّه إليهم فيه : واللّه ما عُهِد إلينا في محمد عهدٌ وما أخذ له علينا من ميثاق ،

فأنزل اللّه فيه : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }.[البقرة: ١٠٠ ]

وقال أبو صَلُوبا الفَطْيُونى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا محمدُ ما جئتنا بشىءٍ نعرفه ، وما أنزل اللّه عليك من آية فنتبعك لها.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قوله : { وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ } [البقرة: ٩٩].

وقال رافع بن حُرَيْمِلة، ووهب بن زيد لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا محمد، ائتنا بكتاب تُنزله علينا من السماء نقرؤه ، وفَجِّر لنا أنهاراً نتبعْك ونصدقْك ،

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهما : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }.[البقرة: ١٠٨]

قال ابن هشام : سواء : وسط السبيل. قال حسان بن ثابت:

يا وَيْحَ أنصارِ الني ورهطـهِ   بعد المُغَيَّب في سَواءِ المُلْحَدِ

 وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء اللّه تعالى

قال ابن إسحاق : وكان حُيى بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب من أشد يهودٍ للعرب حسداً، إذ خَصَّهم اللّه تعالى برسوله صلى اللّه عليه وسلم، وكانا جاهدَيْن في رَدِّ الناس بما استطاعا.

فأنزل اللّه تعالى فيهما : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّه بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.[البقرة: ١٠٩]

تنازع اليهود والنصارى عندَ الرسول صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق : ولما قَدِم أهلُ نجران من النصارى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتتهم أحبارُ يهود، فتنازعوا عندَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال رافع بن حُرَيْملة : ما أنتم على شىء وكفر بعيسى وبالإِنجيل ، فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شىء، وجحد نبوةَ موسى وكفر بالتوراة،

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهم :{ وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّه يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [البقرة: ١١٣] أي كل يتلو في كتابه تصديقَ ما كفر به ، أي يكفر اليهودُ بعيسى، وعندهم التوراة فيها ما أخذ اللّه عليهم على لسان موسى عليه السلام بالتصديق بعيسى عليه السلام ، وفى الإِنجيل ما جاء به عيسى عليه السلام ، من تصديق موسى عليه السلام ، وما جاء به من التوراة من عند اللّه ، وكل يكْفُر بما في يد صاحبه.

قال ابن إسحاق : وقال رافع بن حُرَيْمِلة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا محمدُ، إن كنت رسولاً من اللّه كما تقول ، فقل للّه فليكلمنا حتى نسمعَ كلامَه.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قوله :{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللّه أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }.[البقرة: ١١٨] وقال عبد اللّه بن صُوريا الأعور الفِطْيُوني لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما الهُدَى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تَهْتَدِ، وقالت النصارى مثل ذلك.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قول عبد اللّه بن صُوريا وما قالت النصارى :{ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } [البقرة: ١٣٥] ثم القصة إلى قول اللّه تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.[البقرة: ١٤١]

ما قالته اليهود عند صرف القبلة إلى الكعبة  

قال ابن إسحاق : ولما صُرِفت القبلة عن الشام إلى الكعبة، وصُرفت في رجب على رأس سبعةَ عشرَ شهراً من مَقْدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم رفاعةُ بن قَيْس ، وقَرْدَم بن عَمرو، وكعب بن الأشْرف ، ورافع بن أبي رافع ، والحجاج بن عمرو، حليف كعب بن الأشرف ، والربيع بن الربيع بن أبي الحُقَيق ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحُقيق ،

فقالوا : يا محمد، ما ولاَّك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعْك ونصدقْك ، وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه.

فأنزل اللّه تعالى فيهم :

{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ }. أي ابتلاء واختبار{ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّه } أي من الفتن : أي الذين ثبَّت اللّه{ وَمَا كَانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ {، أي إيمانكم بالقبلة الأولى، وتصديقكم نبيكم ، واتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة، وطاعتكم نبيكم فيها : أي ليعطينكم أجرهما جميعاً{ إِنَّ اللّه بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [البقرة: ١٤٣].

ثم قال تعالى :{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }.[البقرة: ١٤٤]

قال ابن هشام : شطره : نحوَه وقصده. قال عُمر بن أحمر الباهلي -وباهلة بن يَعْصر بن سعد بن قَيْس بن عيلان -يصف ناقة له :

تعدو بنا شَطْرَ جَمْعٍ وهى عاقدةٌ  قد كارَبَ العَقْدُ من إيفادها الحَقَبا

وهذا البيت في قصيدة له.

وقال قَيْس بن خُوَيْلد الهُذَلي يصف ناقته :

إن النَّعوسَ بها داءٌ مُخامِرها فَشَطْرَها نظرُ العَيْنين مَحْسور

وهذا البيت في أبيات له.

قال ابن هشام : والنعوس : ناقته ، وكان بها داء فنظر إليها نظر حسير، من قوله : { وَهُوَ حَسِيرٌ } [الملك: ٤].

{ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ* وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ } [البقرة: ١٤٤،١٤٥].

قال ابن إسحاق : إلى قوله تعالى : { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } [البقرة: ١٤٧]

 كتمانهم ما في التوراة

 وسأل معاذ بن جبل ، أخو بني سَلَمة، ثم وسعد بن معاذ، أخو بنى عبد الأشْهل وخارجة بن زَيْد، أخو بَلْحارث بن الخزرج ، نفراً من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم في إياه ، وأبوا أن يخبروهم عنه.

فأنزل اللّه تعالى فيهم : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللّه وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ } [البقرة: ١٥٩]

جوابهم النبي عليه السلام حين دعاهم إلى الإِسلام

قال : ودعا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم اليهودَ من أهل الكتاب إلى الإِسلام ورغبهم فيه ، وحذَّرهم عذاب اللّه ونقمته. فقال له رافع بن خَارجة، ومالك

ابن عَوْف : بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه اباءَنا، فهم كانوا أعلم وخيراً منا.

فأنزل اللّه عز وجل في ذلك من قولهما :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }.[البقرة: ١٧٠].

 جمعهم في سوق بني قينقاع

ولما أصاب اللّه عز وجل قريشاً يَوْمَ بدر جمع رسُولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يهودَ في سوق بنى قَيْنقاع ، حين قدم المدينة،

فقال : يا معشر يهود، أسْلِمُوا قبل أن يُصيبكم اللّه بمثل ما أصاب به قريشاً، فقالوا له : يا محمد، لايغرنَّك من نفسِك أنك قتلتَ نفراً من قريش، كانوا أغْماراً لا يعرفون القتال ،إنك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنا نحنُ الناسُ ، وأنك لم تَلْقَ مثلَنا،

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهم { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّه وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّه يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ }.[آل عمران: ١٢،١٣].

دخوله صلى اللّه عليه وسلم بيت المِدْرَاس

قال : ودخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بَيْتَ المِدْرَاس على جماعة من يهود، فدعاهم إلى اللّه فقال له النعمان بن عمرو، والحارث بن زيد : على أيّ دين أنت يا محمد؟

قال : على ملة إبراهيم ودينه قالا : فإن إبراهيم كان يهوديُّا، فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فهلُمَّ إلى التوراة، فهي بيننا وبينَكم ، فأبَيَا عليه.

فأنزل اللّه تعالى فيهما : { أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّه لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }.[آل عمران: ٢٣،٢٤].

 تنازع اليهود والنصارى في إبراهيمَ عليه السلام

وقال أحبارُ يهودَ ونصارى نجران حين اجتمعوا عندَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتنازعوا فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى من أهل في نجران : ما كان إبراهيم إلا نَصْرانيا.

فأنزل اللّه عز وجل فيهم :{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ* هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ، فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللّه يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ* مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّه وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }.[آل عمران: ٦٥ـ٦٨].

ما نزل في إيمانهم غُدْوَة وكفرهم عَشِيًّا

وقال عبد اللّه ابن صَيْف ، وعَدِي بن زيد، والحارث بن عَوْف ، بعضُهم لبعض : تعالَوْا نؤمنُ بما أنزل على محمد وأصحابه غُدَوة، ونكفر به عشية، حتى نَلبس عليهم دينَهم لعلهم يصنعون كما نصنع ، ويرجعون عن دينه.

فأنزل اللّه تعالى فيهم : { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّه أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.[آل عمران: ٧١ـ٧٣].

ما نزل في قول أبي رافع أتريد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى  

يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ وقال رجل من أهل نجران نصراني ، يقال له : الريِّس ، ويروى : الرُّبيِّس ، والرئيس : أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا؟ أو كما قال.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: معاذ اللّه أن أعبد غير اللّه أو آمر بعبادة غيره ، فما بذلك بعثنى اللّه ، ولا أمرنى أو كما قال.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهما : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّه الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللّه وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }... إلى قوله تعالى : { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }.[آل عمران: ٧٩ـ٨٠].

قال ابن هشام : الربانيون : العلماء الفقهاء السادة؟ واحدهم : رَبَّانى.

قال الشاعر :

لو كنتُ مُرتهِناً في القَوْس أفْتَنني   منها الكلامُ وربانىَّ أحبارِ

قال ابن هشام : القوس : صومعة الراهب. وأفتنني ، لغة تميم. وفتننى، لغة قيس.

قال جرير :

لا وَصْلَ إذ صَرمتْ هندٌ ولو وقفت  لاستنزلتنى وذا المِسْحَيْن في القَوْسِ

 أي صومعة الراهب. والرباني : مشتق من الرب ، وهو السيد. وفي كتاب اللّه :{ فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } [يوسف: ٤١] أي سيده.

قال ابن إسحاق :{ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران: ٨٠]

 ما نزل في أخذ الميثاق عليهم  

قال ابن إسحاق : ثم ذكر ما أخذ اللّه عليهم ، وعلى أنبيائهم من الميثاقِ بتصديقه إذ هو جاءهم ، وإقرارهم ،

فقال :{ وَإِذْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران: ٨٠] إلى آخر القصة.

سعيهم في الوقيعة بين الأنصار

قال ابن إسحاق : ومر شَأس ابن قيْس ، وكان شيخاً قد عسا ، عظيم الكفر شديد الضّغْن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، على نفر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الأوْس والخزرج ، في مجلس قد جمعهم ، يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم ، وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.

فقال : قد اجتمع ملأ بنى قَيْلة بهذه البلاد، واللّه ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.

فأمر فتى شاباً من يهود كان معهم ،

فقال : ، اعمدْ إليهم ، فاجلس معهم ، ثم اذكر يومَ بُعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار

 يوم بعاث

وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج ، وكان على الأوس يومئذ حُضَيْر بن سِماك الأشهلي : أبو أسَيْد بن حُضيْر؟ وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضى ، فقُتلا جميعاً.

قال ابن هشام : قال أبو قَيْس بن الأسلت :

على أنْ قد فُجِعْتُ بذي حِفــاظٍ    فعاودنى له حزن رَصينُ
فإما تقتلوه فإن عَمْــــــراً    أعَضَّ برأسِهِ عَضَبٌ سنين

وهذان البيتان في قصيدة له. وحديث يوم بُعاث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع.
 

قال ابن هشام : سنين ، مسنون ، من سَنَّه إذا شَحذَه.

قال ابن إسحاق : ففعل. فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الرُّكب ، أوْس بن قَيْظِى، أحد بني حارثة بن الحارث ، من الأوْس ، وجَبَّار بن صَخْر، أحد بني سَلمة من الخزرج ، فتقاولا

ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم رددناها الآن جَذَعة، فغضب الفريقان جميعاً، وقالوا : قد فعلنا موعدكم الظاهرة - والظاهرة : الحرة - السلاحَ السلاحَ. فخرجوا إليها.

فبلغ ذلك رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم ،

فقال : يا معشر المسلمين ، اللّه اللّه ، أبدعْوى ، الجاهلية، وأنا بينَ أظهرِكم بعد أن هداكم اللّه للإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به من قلوبكم ؟! فعرف القوم أنها نَزْغة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول ،اللّه صلى اللّه عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ اللّه عنهم كَيْد عدو اللّه شَأس بن قيس.

فأنزل اللّه تعالى في شأس بن قيس وما صنع : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّه وَاللّه شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ* قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ([آل عمران: ٩٨،٩٩]  وأنزل اللّه في أوْس بن قَيْظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا، عما أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ* وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّه وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّه فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }.[آل عمران: ١٠٠ـ١٠٢] .. إلى قوله تعالى : { وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: ١٠٥].

ما نزل في قولهم : ما اتبع محمداً إلا شرارنا  

قال ابن إسحاق : ولما أسلم عبدُ اللّه بن سلام وثعلبةُ بن سَعْية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عُبَيد، ومن أسلم من يهود معهم ، فآمنوا وصدَّقوا ورغبوا في الإسلام ، ورسخوا فيه ، قالت أحبار يهود، أهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين ابائهم وذهبوا إلى غيره.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهم : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّه آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [آل عمران: ١١٣].

قال ابن هشام : آناء الليل : ساعات الليل : وواحدها : إنْي. قال المُتنَخِّلُ الهُذَلي ، واسمه مالك بن عُوَيْمر، يرثي أثيْلة ابنه :

حُلْوٌ ومُر كعَطْفِ القِدْحِ شيمتهُ   في كُلِّ إنْىٍ قضاه الليلُ يَنْتَعلُ

وهذا البيت في قصيدة له وقال لبيد بن ربيعة يصف حمارَ وَحْشٍ :

يُطَرِّب آناءَ النهار كأنــه   غَوِي سقاه في التِّجارِ نديمُ

وهذا البيت في قصيدة له ،

ويقال : إنى مقصور، فيما أخبرنى يونس.

{ يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ }.[آل عمران: ١١٤].

ما نزل في نَهْي المسلمين عن مباطنة اليهود  

قال ابن إسحاق : وكان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحِلف ،

فأنزل اللّه تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* هَاأَنْتُمْ أُوْلَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ } [آل عمران: ١١٨،١١٩]، أي تؤمنون بكتابكم ، وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم كنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّه عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [آل عمران: ١١٩] إلى آخر القصة.

 دخول أبي بكر بيت المدراس

 ودخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود، فوجد منهم ناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم ، يقال له فِنْحاص ، وكان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه في حَبْر من أحبارهم ، يقال له : أشْيع ، فقال أبو بكر لفنحاص : ويحك ! يا فنحاص ! اتق اللّه وأسْلمْ ؟ فواللّه إنك لتعلم أن محمداً لرسول اللّه ، قد جاءكم بالحق من عنده ، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص لأبى بكر: واللّه يا أبا بكر، ما بنا إلى اللّه من فقر،وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغني ، ولو كان عنا غنياً ما استقرضنا أموالَنا، كما يزعم صاحبُكم ، ينهاكم عن الربا ويُعْطيناه ولو كان عنا غنياً ما أعطانا الربا

قال : فغضِب أبو بكر، فضرب وجْهَ فنحاص ضرباً شديداً،

وقال : والذي نفسي بيده ، لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك ، أيْ عدوَّ اللّه.

قال : فذهب فِنْحاص إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال : يا محمد، انظر ما صنع بى صاحبك ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعتَ ؟ فقال أبو بكر يا رسول اللّه ، إن عدو اللّه قال قولاً عظيماً : إنه زعم أن اللّه فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبتُ للّه مما قال ، وضربت وجهه. فجحد ذلك فِنحاص ،

وقال : ما قلت ذلك.

فأنزل اللّه تعالى فيما قال فنحاص رداً عليه وتصديقاً لأبى بكر :

{ لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }.[آل عمران: ١٨١]

ونزل في أبي بكر الصديق رضى اللّه عنه ، وما بلغه في ذلك من الغضب { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }.[آل عمران: ١٨٦].

 ثم قال فيما قال فنحاص والأحبار معه.من يهود { وَإِذْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ* لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: ١٨٧،١٨٨] يعنى فنحاص ، وأشْيَع وأشباههما من الأحبار، الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة، ويحبونه أن يُحمدوا بما لم يفعلوا أن يقول الناس : علماء، وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هُدى ولا حَق ، ويحبون أن يقول الناس : قد فعلوا.

 أمر اليهود المؤمنين بالبخل  

قال ابن إسحاق : وكان كَرْدَمُ ابن قيس ، حليف كعب بن الأشرف ، وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبَحْري بن عَمرو، وحُيى بن أخْطَب ، ورفاعة بن زَيْد بن التابوت ، يأتون رجالاً من الأنصار كانوا يخالطونهم ، ينتصحون لهم ، من أصحابِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيقولون لهم : لا تنفقوا أموالَكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تُسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون علامَ يكون ؟

فأنزل اللّه فيهم : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللّه مِنْ فَضْلِهِ }، أي من التوراة، التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } …إلى قوله تعالى{ وَكَانَ اللّه بِهِمْ عَلِيمًا } [النساء: ٣٧ـ٣٩]..

اليهود – لعنهم اللّه – يجحدون الحقَّ  

قال ابن إسحاق : وكان رفاعة بن زيْد بن التابوت من عظماء يهود، إذا كلم رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لوى لسانَه ،

وقال : أرْعنا سمعَك يا محمد، حتى نفهمك ، ، ثم طعن في الإِسلام وعابه.

فأنزل اللّه فيه :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ* وَاللّه أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّه وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّه نَصِيرًا* مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا }، أي راعنا سمعك { لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللّه بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }.[النساء: ٤٤ـ٤٦] وكَلم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم رؤساءَ من أحبارِ يهود، منهم : عبد اللّه بن صُوريا الأعور، وكعب بن أسد،

فقال لهم : يا معشر يهود، اتقوا اللّه وأسلموا، فواللّه إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق ، قالوا : ما نعرف ذلك يا محمد : فجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر ،

فأنزل اللّه تعالى فيهم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّه مَفْعُولًا }.[النساء: ٤٧].

قال ابن هشام : نطمس : نمسحها فنسويها،فلا يُرى فيها عينٌ ولا أنف ولا فم ، ولا شيء بما يُرَى في الوجه ، وكذلك { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } [القمر: ٣٧] المطموس العين : الذي ليس بين جفنيه شق.

ويقال : طمست الكتابَ والأثر، فلا يرى منه شىء. قال الأخطل ، واسمه الغَوْث ابن هُبَيْرة بن الصَّلْت التَّغْلبى، يصف إبلاً كَلَّفها ما ذكر:

وتُكْلِيفُناهَا كلَّ طامسةِ الصُّـوَى   شطونٍ ترى حِرْباءَها يتململُ

 وهذا البيت في قصيدة له :

قال ابن هشام : واحدة الصُّوَى : صُوَّة. والصُّوَى : الأعلام التي يُستدل بها على الطرق والماء.

قال ابن هشام : يقول : مُسِحت فاستوت بالأرض ، فليس فيها شىء ناتيء.

مَنْ حَزَّب الأحزاب  

قال ابن إسحاق : وكان الذين حَزَّبوا الأحزابَ من قريش وغطفان وبني قريظة : حُيى بن أخْطَب ، وسلام ، ابن أبي الحُقَيق ، أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحُقَيق وأبو عَمَّار، ووَحْوَح بن عامر، وهَوْذة بن قيس. فأما وَحْوَح ، وأبو عَمَّار، وهَوْذة فمن بنى وائل ، وكان سائرهم من بنى النضير. فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود، وأهل العلم بالكتاب الأول ، فسلوهم ، دينُكم خير أم دينُ محمد؟ فسألوهم ،

فقالوا : بل دينُكم خير من دينه ، وأنتم أهْدَى منه وممن اتبعه.

فأنزل اللّه تعالى فيهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ }

قال ابن هشام : الجبت عند العرب : ما عُبد من دون اللّه تبارك وتعالى : والطاغوت : كل ما أضل عن الحقِّ. وجَمْع الجِبْت : جُبوت وجمع الطاغوت طَوَاغيت.

قال ابن هشام : وبلغنا عن ابن أبي نَجِيح أنه

قال : الجبت : السحر والطاغوت : الشيطان.

{ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } [النساء: ٥١]

قال ابن إسحاق : إلى قوله تعالى :{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللّه مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا }.[النساء: ٥٤]

 إنكار اليهودِ التنزيلَ  

قال ابن إسحاق : وقال سُكَيْن وعَدي ابن زيد: يا محمد، ما نعلم أن اللّه أنزل على بَشر من شيء بعد موسى.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهما : { إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا* وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّه مُوسَى تَكْلِيمًا* رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّه عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء: ١٦٣ـ١٦٥] ودخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جماعة منهم ،

فقال لهم : أمَا واللّه إنكم لتعلمون أنى رسول من اللّه إليكم ؟ قالوا : ما نعلمه ، وما نشهد عليه.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهم :{ لَكِنْ اللّه يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّه شَهِيدًا }.[النساء: ١٦٦]

 اتفاقهم على طرح الصخرة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

 وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بنى النَّضير يستعينهم في دِية العامرييْن اللَّذَيْن قتلَ عمرو بنُ أمية الضَّمْري. فلما خلا بعضُهم ببعض قالوا : لن تجدوا محمداً أقربَ منه الآنَ ، فَمَنْ رجل يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرةً فيريحنا منه ؟ فقال عَمرو بن جحاش بن كعب : أنا فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخبر، فانصرف عنهم.

فأنزل اللّه تعالى فيه ، وفيما أراد هو وقومه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللّه وَعَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ }.[المائدة: ١١]

ادِّعاؤهم أنهم أحباء اللّه

وأتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم نعمانُ بن أضاء، وبَحْري بن عَمرو، وشأس بن عَدي ، فكلموه وكلمهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ودعاهم إلى اللّه ، وحذَّرهم نِقْمته ، فقالوا، ما تُخوفنا يا محمد، نحن واللّه أبناءُ اللّه وأحباؤه ، كقول النصارى.

فأنزل اللّه تعالى فيهم : { وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّه وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَللّه مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [المائدة: ١٨]

إنكارهم نزول كتاب من بعد موسى  

قال ابن إسحاق : ودعا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يهودَ إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذرهم غيرَ اللّه وعقوبته ، فأبَوْا عليه ، وكفروا بما جاءهم به ، فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عُبادة، وعقبة بن وهب : يا معشر يهود، اتقوا اللّه ، فواللّه إنكم لتعلمون أنه رسول اللّه ، لقد كنتم تذكرونه لنا قبلَ مبعثه وتصفونه لنا بصفته ؟ فقال رافع بن حُرَيْملة، ووهب بن يَهُوذا : ما قلنا لكم هذا قط ، وما أنزل اللّه من كتاب بعدَ موسى ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعدَه.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهما : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة: ١٩].

ثم قص عليهم خبرَ موسى وما لقى منهم ، وانتقاضهم عليه وما ردوا عليه من أمر اللّه حتى تاهوا في الأرض أربعين سنة عقوبةً.

رجوعهم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في حكم الرجم

قال ابن إسحاق : وحدثني ابنُ شهاب الزهري أنه سمع رجلاً من مُزَيْنة، من أهل العلم ، يحدِّث سعيدَ بن المسيَّب ، أن أبا هريرة حدثهم : أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المِدْراس ، حين قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينةَ، وقد زنى رجلٌ منهم بعد إحصانه بامرأة من يهودَ قد أحصنت ،

فقالوا : ابعثوا بهذا الرجلِ وهذه المرأة إلى محمد، فَسَلوه كيف الحكم فيهما، وولوه الحكم عليهما، فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية - والتجبية : الجلد بحبل من ليف مَطْلى بقارٍ ، ثم تُسَوَّد وجوههما ثم يُحملان على حِمَاريْن وتجعل وجوههما من قِبلِ أدبار الحمارين - فاتبعوه ، فإنما هو مَلِك ، وصدقوه : وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبى، فاحذروه على ما في أيديكم أن يَسْلبَكُموه ، فأتوه ،

فقالوا : يا محمد هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت ، فاحكم فيهما، فقد وليناك الحكم فيهما. فمشى رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أتى أحبارَهم في بيت المدْرَاس

فقال : يا معشر يهود أخرجوا إلىَّ علماءَكم ، فأخرج له عبد اللّه بن صوريا.

قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعضُ بنى قُرَيْظة : أنهم قد أخرجوا إليه يومئذ، مع ابن صُوريا، أبا ياسر بن أخْطَب ، ووهب بن يَهُوذا،

فقالوا : هؤلاء علماؤنا. فسألهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى حَصَّل أمرَهم ، إلى أن قالوا لعبد اللّه بن صوريا : هذا أعلم من بقيَ بالتوراة.

قال ابن هشام : من قوله : " وحدثني بعض بنى قريظة " - إلى " أعلم من بقى بالتوراة " من قول ابن إسحاق ، وما بعده من الحديث الذي قبله فخلا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكان غلاماً شابّاً من أحدثهم سِنا، فألَظَّ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسألة، يقول له : يابن صُوريا، أنْشُدك اللّه وأذكِّرك بأيامِهِ عند بنى إسرائيلَ ، هل تعلم أن اللّه حكم فيمن زنَى بعد إحصانهِ بالرجم في التوراة؟

قال : اللّهم نعم ، أما واللّه يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك لنبى مُرْسَل ولكنهم يحسدونك.

قال : فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأمر بهما فرُجما عند باب مسجده في بنى غَنْمِ بن مالك بن النجار: ثم كفر بعد ذلك ابن صُوريا، وجحد نبوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق :

فأنزل اللّه تعالى فيهم : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } [المائدة: ٤١] أي الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا، وأمروهم  به من تحريف الحكم عن مواضعه ،

ثم قال : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ } ، أي الرجم { فَاحْذَرُوا } [المائدة: ٤١] إلى آخر القصة.

قال ابن إسحاق : وحدثني محمدُ بن طلحة بن يزيد بن رَكَانة عن إسماعيل عن إبراهيم ، عن ابن عباس ،

قال : أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برجمهما، فرُجما بباب مسجده ، فلما وجدَ اليهوديُّ مَسَّ الحِجارة قام إلى صاحبته فجنأ عَليْها ، يقيها مَسَّ الحجارةِ، حتى قُتلا جميعاً.

قال : وكان ذلك مما صنع اللّه لرسوله صلى اللّه عليه وسلم في تحقيق الزنا منهما.

قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كَيْسان ، عن نافع مولى عبد اللّه ابن عُمر عن عبد اللّه بن عمر،

قال : لما حكَّموا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهما، دعاهم بالتوراة وجلس حَبْر منهم يتلوها، وقد وضع يده على آية الرجم ،

قال : فضرب عبدُ اللّه بن سَلام يد الحَبْر

ثم قال : هذه يا نبى اللّه آية الرجم ، يأبى أن يتلوَها عليك.

 فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ويحكم يا معشر يهود ما دعاكم. إلى ترك حُكم اللّه وهو بأيديكم ؟

قال : فقالوا : أما واللّه إنه قد كان فينا يُعمل به ، حتى زنا رجل منا بعد إحصانه ، من بيوت الملوك وأهل الشرف ، فمنعه الملك من الرجم ، ثم زنا رجل بعده ، فأراد أن يرجمه ،

فقالوا : لا واللّه ، حتى ترجم فلاناً، فلما قالوا له ذلك اجتمعوا فأصلحوا أمرهم على التجبية،

وأماتوا ذكر الرجم والعمل به.

قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فأنا أول من أحيا أمرَ اللّه وكتابه وعمل به ، ثم أمر بهما فرُجما عندَ باب مسجده. وقال عبد اللّه بن عمر: فكنت فيمن رجمهما.

ظلمهم في الدية   

قال ابن إسحاق : وحدثني داودُ بن الحُصَيْن عن عكْرمة، عن ابن عباس : أن الآيات من المائدة التي قال اللّه فيها : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [المائدة: ٤٢] إنما نزلت في الدية بين بنى النضير وبين بنى قُريظة، وذلك أن قتلى بنى النضير، وكان لهم شرف ، يؤدون الديةَ كاملة، وأن بنى قريظة كانوا يؤدون نصفَ الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فأنزل اللّه ذلك فيهم ، فحملهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الحقِّ في ذلك ، فجعل الديةَ سواء.

قال ابن إسحاق : فاللّه أعلم أي ذلك كان.

رغبتهم في فتنة الرسول صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن إسحاق : وقال كعب ابن أسد، وابن صلوبا، وعبد اللّه بن صُوريا، وشَأس بن قيس ، بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه ، فإنما هو بشر، فأتَوْه ، فقالوا له : يا محمد، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم ، وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود، ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة، أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليهم.

فأنزل اللّه فيهم : { وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّه إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّه أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: ٤٩،٥٠]

 إنكارهم نبوةَ عيسى عليه السلام   

قال ابن إسحاق : وأتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم نفرٌ منهم : أبو ياسر بن أخْطب ، ونافع بن أي نافع وعازر بن أبي عازر، وخالد، وزيد، وإزار بن أبي إزار، وأشْيع. فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : نؤمنُ باللّه وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ ، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتى النبيون من ربِّهم ، لا نفرِّقُ بينَ أحدٍ منهم ونحن له مسلمون ". فلما ذَكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى ابن مريم ولا بمن آمن به ،

فأنزل اللّه تعالى فيهم :{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللّه وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [المائدة: ٥٩]

 ادعاؤهم أنهم على الحق

وأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رافعُ بن حارثة، وسلام بن مِشْكم ، ومالك بن الصيْف ، ورافع بن حُرَيملة،

فقالوا : يا محمد، ألستَ تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من اللّه حقّ ؟

قال : بلَى، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ اللّه عليكم من الميثاق فيها، وكتمتُم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس ، فبَرئْتُ من إحداثِكم قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا، فإنا على الهدَى والحق ، ولا نؤمن بك ، ولا نتبعك.

فأنزل اللّه تعالى فيهم : {قل يأهلَ الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراةَ والإِنجيلَ ، وما أنزل إليكم من ربِّكم ، وليزيدَنَّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من رَبِّك طُغياناً وكُفراً، فلا تأسَ على القومِ الكافرين} .

إشراكهم باللّه   

قال ابن إسحاق : وأتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم النَّحَّامُ ابن زيد، وقَرْدَم بن كعب ، وبَحْري بن عَمْرو، فقالوا له : يا محمد، أما تعلم مع اللّه إلهاً غيرَه ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اللّه لا إله إلا هُوَ، بذلك بُعثت ، وإلى ذلك أدعو.

فأنزل اللّه فيهم وفى قولهم :{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللّه شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّه آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }.[الأنعام: ١٩،٢٠].

نهْيُ اللّه المؤمنين عن موادتهم

وكان رفاعةُ بن زيد بن التابوت ، وسُوَيد بن الحارث قد أظهرا الإِسلام ونافقا، فكان رجال من المسلمين يوادونهم.

فأنزل اللّه تعالى فيهما : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللّه إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة: ٥٧]... إلى قوله :{ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللّه أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ }.[المائدة: ٦١]

سؤالهم عن قيام الساعة

وقال جَبَل بن أبي قُشَيْر، وشَمْوِيل ابن زَيْد، لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا محمدُ، أخبرنا، متى تقومُ الساعةُ إن كنت نبياً كما تقول ؟

فأنزل اللّه تعالى فيهما : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّه وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }.[الأعراف: ١٨٧]

قال ابن هشام : أيان مُرْسَاها؟ متى مرساها، قال قيس بن الحُدَادِيَّةِ الخُزاعى :

فجئتُ ومُخْفَى السِّرِّ بينى وبينَها    لأسألها أيان من سار راجعُ ؟

 وهذا البيت في قصيدة له ، ومُرساها : منهاها، وجمعه : مَرَاسٍ. وقال الكُمَيْت بن زيد الأسدي :

والمصيبين بابَ ما أخطأ النا   سُ ومُرْسَى قواعد الإِسلامِ

 وهذا البيت في قصيدة له. ومُرْسَى السفينة حيث تنتهى. وحَفِى عنها - على التقديم والتأخير - يقول : يسألونك عنها كأنك حَفِىّ بهم تخبرهم بما لا تخبر به غيرهم. والحَفِىُّ : البَرُّ المتعهد. وفي كتاب اللّه : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } [مريم: ٤٧]وجمعه : أحفياء. وقال أعشى بنى قَيْس بن ثعلبة :

فإن تسألي عني فيا رُبُّ سائلٍ   حَفِي عن الأعشَى به حيثُ أصْعدا

وهذا البيت في قصيدة له. والحفي أيضاً : المُستحفى عن علم الشىء،المبالغ في طلبه.

 في ادعاؤهم أن عُزَيْراً ابن اللّه  

قال ابن إسحاق : وأتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: سلاَّمُ بنُ مِشْكم ، ونعمان بن أبي أوفى أبو أنس ، ومحمود ثم ابن دِحْية، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصَّيف ، فقالوا له : كيف نتبعك وقد تركت قبلَتنا، وأنت لا تزعم أن عُزيراً ابن اللّه ؟

فأنزل اللّه عز وجل في ذلك في قولهم : { وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّه وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّه ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللّه أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة: ٣٠] ألى آخر القصة.

قال ابن هشام : يضاهون : أي يُشاكل قولُهم قولَ الذين كفروا، نحو أن تحدِّث بحديث فيحدث آخر بمثله ، فهو يضاهيك.

 طلبهم كتاباً من السماء

قال ابن إسحاق : وأتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم محمودُ بن سَيْحان ، ونُعمان بن أضاء، وبَحْري بن عمرو، وعُزَيْز ابن أبي عُزَيْز، وسَلاَّم بن مِشْكم ،

فقالوا : أحقٌّ يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عند اللّه ؟فإنا لا نراه متسقاً كما تتسق التوراة. فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أما واللّه إنكم لتعرفون أنه من عند اللّه. تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، ولو اجتمعت الإِنسُ والجنُّ على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به فقالوا عند ذلك ، وهم جميع : فنحاص ، وعبدُ اللّه بن صوريا، وابن صلوبا، وكنانة بنالربيع بن أبي الحُقَيق، وأشيْع ، وكعب بن أسد، وشَمْوِيل بن زيد، وجبل بن سُكَينة : يا محمد، أما يعلِّمك هذا إنس ولا جن ؟

قال : فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أما واللّه إنكم لتعلمون أنه من عند اللّه. تجدون ذلك مكتوباً عندكم في التوراة؟

فقالوا : يا محمد، فإن اللّه يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدره منه على ما أراد، فأنزلْ علينا كتاباً من السماء نقرؤه ونعرفه ، وإلا جئناك بمثل ما تأتي به.

فأنزل اللّه تعالى فيهم وفيما قالوا :{ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: ٨٨]

قال ابن هشام : الظهير : العَوْن. ومنه قول العرب : تظاهروا عليه ، أي تعاونوا عليه. قال الشاعر :

يا سَمِىَّ النبيِّ أصبحتَ للدين   قواماً وللإِمام ظهيرَا

  أي عَوْنا وجمعه ظُهراء..

سؤالهم له صلى اللّه عليه وسلم عن ذي القرنين

قال ابن إسحاق : وقال حُيى بن أخطب ، وكعب بن أسَد، وأبو رافع ، وأشْيع ، وشَمْويل بن زيد، لعبد اللّه بن سَلاَّم حين أسلم : ما تكون النبوة في العرب ، ولكن - صاحبك مَلك ، ثم جاءوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءَه من اللّه تعالى فيه ، مما كان قص على قريش وهم كانوا ممن أمر قريشاً أن يسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه ، حين بعثوا إليهم النَّضر بن الحارث ،وعُقبة بن أبي مُعَيْط.

تهجمهم على ذات اللّه   

قال ابن إسحاق : وحُدثت عن سعيد ابن جُبير أنه

قال : أتى رهطٌ من يهود إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فقالوا : يا محمدُ، هذا اللّه خَلَقَ الخلْقَ ، فمن خلق اللّه ؟

قال : فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى انتقع لونُهُ ، ثم ساورهم غضباً لربه.

قال : فجاءه جبريلُ عليه السلام فسكَّنه ،

فقال : خَفِّضْ عليك يا محمد، وجاءه من اللّه بجوابِ ما سألوه عنه : { قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ* اللّه الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: ١ـ٤]

قال : فلما تلاها عليهم

قالوا: فصف لنا يا محمد كيف خَلْقُه كيف ذِراعه ؟ كيف عَضده. فغضب رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشد من غضبه ،الأول ، وساورهم ، فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال له مثلَ ما قال له أولَ مرة، وجاءه من اللّه تعالى بجوابِ ما سألوه. يقول اللّه تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }.[الزمر: ٦٧]

قال ابن إسحاق : وحدثني عُتبة بن مُسلم ، مولى بنى تيم ، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة،

قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : " يوشك الناسُ أن يتساءلوا بينَهم حتى يقول قائلُهم : هذا اللّه خَلَقَ الخَلْقَ ، فمن خلق اللّه ؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا : { قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ* اللّه الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: ١ـ٤]. ثم ليتفُل الرجل عن يساره ثلاثا، وليستعذْ باللّه من الشيطان الرجيم ".

قال ابن هشام : الصمد : الذي يُصمَد إليه ، ويُفْزَع إليه. قالت هند بنت مَعْبد بن نَضْلة تبكى عَمرو بن مسعود، وخالد بن نَضْلة، عميها الأسديين ، وهما اللذان قتل النعمان بن المنذر اللخمى، وبَنَى الغَرِيين اللَّذيْن بالكوفة عليها :

ألا بَكَرَ الناعى بَخَيْرَيْ بنى أسدْ   بعمرو بن مسعود وبالسيِّد الصَّمَدْ

ذكر نصارى نجران وما أنزل اللّه فيهم

معنى العاقب والسيد والأسقف

قال ابن إسحاق : وقَدِم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفدُ نصارَى نَجران ، ستون راكباً، فيهم أربعةَ عشرَ رجلاً من أشرافهم ، وفي الأربعةَ عشرَ منهم ثلاثةُ نفر إليهم يئول أمرُهم : العاقب ، أميرُ القوم وذو رأيهم ، وصاحب مشورتهم ، والذي لا يُصْدرون إلا عن رأيه ، واسمه عبدُ المسيح والسيد لهم ، ثمالهم وصاحبُ رَحْلهم ومجتَمعهم ، واسمه الأيْهم ، وأبو حارثة بن علقمة، أحد بني بكر بن وائل ، أسْقُفهم وحَبْرهم

وإمامهم ، وصاحب مِدْرَا سِهم. وكان أبو حارثة قد شَرُف فيهم ، ودرس كتبَهم ، حتى حَسُن علمه في دينهم ، فكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه ، وبَنَوْا له الكنائس ، وبسطوا عليه الكرامات ، لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم.

إسلام كُوز بن علقمة

فلما رجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. من نجران ، جلس أبو حارثة على بغلة له موجِّهاً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإلى جنبه أخ له ، يقال له : كُوز بن علقمة -

قال ابن هشام :

ويقال : كرز - فعثرت بغلة أبي حارثة، فقال كوز : تعس الأبعد : يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فقال له أبو حارثة : بل وأنت تَعستْ !

فقال : ولم يا أخي ؟

قال : واللّه إنه للنبي الذي كنا ننتظر، فقال له كوز : ا يمنعك منه وأنت تعلم بذا ؟

قال : ما صنع بنا هؤلاء القوم ، شَرَّفونا ومَولونا وأكرمونا، وقد أُبوْا إلا خِلاَفه ، فلو فعلتُ نزعوا منا كلَّ ما ترى. فأضمر عليها منه أخوه كُوز بن علقمة، حتى أسلمَ بعد ذلك.

فهو كان يُحدِّث عنه هذا الحديث فيما بلغنى.

رؤساء نجران وإسلام ابن رئيس

قال ابن هشام : وبلغنى أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتباً عندَهم. فكلما مات رئيسٌ منهم فأفْضَت الرياسة إلى غيره ، ختم على تلك الكُتب خاتماً مع الخواتم التي كانت قبله ولم يكسِرها، فخرج الرئيسُ الذي كان على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم يمشي فعثر، فقال له ابنه : تعس الأبعد، يريد الني صلى اللّه عليه وسلم فقال له أبوه : لا تفعل ، فإنه نبى، واسمه في الوضائع ، يعنى الكتب.

فلما مات لم تكن لابنهِ هِمَّة إلا أن شد فكسر الخواتم ، فوجد فيها ذِكْرَ النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأسلم فحسُن إسلامُهُ وحج ، وهو الذي يقول :

إليكَ تعدو قَلِقاً وَضينُها   مُعْترِضاً في بطنِها جَنينُها
مخالفاً دينَ النصارى دينُها

قال ابن هشام : الوضين : الحزام ، حزام الناقة، وقالَ هشام بن عروة : وزاد فيه أهلُ العراق :

مُعترضاً في بطنِها جنينُها

فأما أبو عُبَيدة فأنشدناه فيه.

صلاتهم إلى جهة المشرق

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد ابن جعفر بن الزبير،

قال : لما قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحِبرات ، ، جُبَب وأردية، في جمال رجال بني الحارث بن كعب.

قال : يقول بعضُ من رآهم من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يومئذ : ما رأينا وفداً مثلَهم ، وقد حانت صلاتُهم ، فقاموا في مسجدِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلون : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دَعُوهم فصلَّوْا إلى المشرق.

 أسماؤهم ومعتقداتهم  

قال ابن إسحاق : فكانت تسمية الأربعةَ ، عشرَ، الذين يئول إليهم أمرهم : العاقبُ وهو عبد المسيح والسَّيد وهو الأيْهم ، وأبو حارثة بن عَلْقَمة أخو بنى بكر بن وائل ، وأوْس و الحارث ، وزَيْد ، وقيْس ، و يزيد ، و نبيه ، و خوَيْلد ، وعمرو ، وخالد ، وعبد اللّه ، ويُحَنَّس ، في ستين راكباً فكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح ، والأيهم السيد وهم من النصرانية - على دين الملك ، مع اختلاف من أمرهم ، يقولون : هو اللّه ، ويقولون : هو والد اللّه. ويقولون : هو ثالث ثلاثة وكذلك قول النصرانية فهم يحتجون في قولهم : "هو اللّه " بأنّه كان يُحيى الموتى، ويبرئ الأسقام ، ويخبر بالغيوب ، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفِخ فيه فيكون طائراً، وذلك كلُّه بأمر اللّه تبارك وتعالى : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } [مريم: ٢١].

ويحتجون في قولهم : إنه ولد اللّه بأنهم يقولون : لم يكن له أب يُعلم ، وقد تكلم في المهد، وهذا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله. ويحتجون في قولهم : " إنه ثالثُ ثلاثة " بقول اللّه : فَعَلْنا، وأمرْنا، وخلقْنا، وقَضَيْنا، فيقولون : لو كان واحداً ما قال إلا فعلتُ ، وقضيتُ ، وأمرتُ ، وخلقتُ ولكنه هو وعيسى ومريم ، ففى كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن.. فلما كلَّمه الحَبْران ، قال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أسْلِما قالا : قد أسلمنا قال إنكما لم تُسلما فأسْلِما، قالا : بلَى، قد أسلمنا قبلك : قال كذبتما، يمنعكما من الإِسلام دعاؤكما للّه ولداً، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير قالا : فمن أبوه يا محمد؟ فصمت عنهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يجبهما.

ما نزل فيهم من القرآن

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قولهم ، واختلاف أمرهم كله ، صدر سورة آل عمران ، إلى بضع وثمانين آية منها، قال جل وعز : { الم* اللّه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [آل عمران:١،٢] فافتتح السورة بتنزيه نفسه عما قالوا، وتوحيده إياه بالخلق والأمر، لا شريك له فيه ، رداً عليهم ما ابتدعوا من الكفر، وجعلوا معه من الأنداد، واحتجاجاً بقولهم عليهم في صاحبهم ، ليعرفهم بذلك ضلالتهم :

فقال : الم* اللّه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ { ليس معه غيره شريك في أمره { الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [آل عمران:١،٢] الحي الذي لا يموت ، وقد مات عيسى وصُلب في قولهم. والقيوم القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول ، وقد زال عيسى في قولهم عن مكانه الذي كان به ، وذهب عنه إلى غيره. { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ {أي بالصدق فيما اختلفوا فيه ، { وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ } : التوراة على موسى، والإِنجيل على عيسى، كما أنزل الكتب على من كان قبله{ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ }، أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره. ،{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللّه لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }، أي أن اللّه منتقم ممن كفر باياته ، بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها. { إِنَّ اللّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } أي قد علم ما يريدون ، وما يكيدون ، وما يضاهون بقولهم في عيسى، إذ جعلوه إلهاً وربًّا، وعندهم من، علمه غير ذلك ، غِرَّة باللّه ، وكُفراً به. { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ }، أي قد كان عيسى ممن صُور في الأرحام ، لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صُور غيره من ولد ادم ، فكيف يكون إلهاً وقد كان بذلك المنزل.

ثم قال تعالى إنزاهاً لنفسه ، وتوحيداً لها مما جعلوا معه :{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء، الحكيم في حجته وعذره إلى عباده.

{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ }، فهن حجة الرب ، وعِصمة العباد، ودَفْع الخصوم والباطل ، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } لهن تصريف وتأويل ، ابتلى اللّه فيهنَّ العباد، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ، ألا يُصْرَفن إلى الباطل ، ولا يُحرَّفن عن الحق. يقول عز وجل :{ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أي ميل عن الهدى{ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ {، أي ما تصرف منه ، ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا، لتكون لهم حجة، ولهم على ما قالوا شبهة { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ {، أي اللبس{ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ }. ذلك على ما رَكِبوا من الضلالة في قولهم : خَلَقْنا وقَضَيْنا. يقول :{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أي الذي به أرادوا، ما أرادوا { إِلَّا اللّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } فكيف يختلف وهو قول واحد، من رب واحد. ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، واتسق بقولهم الكتاب ، وصدَّق بعضُه بعضاً، فنفذت به الحُجة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل ، ودمغ به الكفر. يقول اللّه تعالى في مثل هذا : { وَمَا يَذَّكَّرُ { في مثل هذا{ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ* رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }. أي لا تمل - قلوبنا، وإن ملنا بأحداثنا. { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران: ٥ـ ٨ ].

ثم قال :{ شَهِدَ اللّه أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ } بخلاف ما قالوا { قَائِمًا بِالْقِسْطِ }، أي بالعدل فيما يريد{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّه الْإِسْلَامُ }، أي ما أنت عليه يا محمد : التوحيد للرب ، والتصديق للرسل. { وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ } [آل عمران: ١٨،١٩] أي الذي جاءك ، أي في أن اللّه الواحد الذي ليس له شريك { بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّه فَإِنَّ اللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ* فَإِنْ حَاجُّوكَ }، أي بما يأتون به من الباطل من قولهم : خَلَقْنا وفَعلْنا وأمَرْنا، فإنما هى شُبهةُ باطلٍ قد عرفوا ما فيها من الحق { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي للّه }، أي وحده { وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ } الذين لا كتاب لهم { أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [آل عمران: ٢٠]

ما نزل من القرآن فيما اتبعه اليهود والنصارى

 ثم جمع أهل الكتابين جميعاً ، وذكر ما أحدثوا وما ابتدعوا، من اليهود والنصارى،

فقال :{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ } [آل عمران: ٢١]، إلى قوله :{ قُلْ اللّهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ } أي رب العباد، والملك الذي لا يقضى فيهم غيره { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ } ، أي لا إله غيرك{ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }، أي لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك { تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ } بتلك القدرة { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: ٢٦،٢٧] لا يقدر على ذلك غيرك ، ولا يصنعه إلا أنت أي فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إله ، من إحياء الموتى، وإبراء الأسقام والخلق للطير من الطين ، والإِخبار عن الغيوب ، لأجعله به آية للناس ، وتصديقاً له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه ، فإن من سلطاني وقدرتى ما لم أعطه : تمليكَ الملوك بأمر النبوة، ووضعها حيث شئت ، وإيلاج الليل في النهار، والنهار في الليل ، وإخراج الحى من الميت ، وإخراج الميت من الحى، ورزق من شئت من بر أو فاجر بغير حساب : فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ، ولم أملِّكه إياه ، أفلم تكن لهم في ذلك عِبرة وبينة! أن لو كان ذلك كله إليه ، وهو في علمهم يهرب من الملوك ، وينتقل منهم في البلاد، من بلد إلى بلد. ما نزل من القرآن في وعظ المؤمنين وتحذيرهم : ثم وعظ المؤمنين وحذَّرهم ،

ثم قال { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه } أي إن كان هذا من قولكم حقا، حُبًّا للّه وتعظيماً له { فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي ما مضى من كفركم { وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ *قُلْ أَطِيعُوا اللّه وَالرَّسُولَ } فأنتم تعرفونه وتجدونه في كتابكم { فَإِنْ تَوَلَّوْا } ، أي على كفرهم { فَإِنَّ اللّه لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }.[آل عمران: ٣١،٣٢]

 ما نزل في خلق عيسى وخبر مريم وزكريا

ثم استقبل لهم أمرَ عيسى عليه السلام ، وكيف كان في بدء ما أراد اللّه به ، فقال { إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.[آل عمران: ٣٣،٣٤] ثم ذكر أمر امرأة عمران ، وقولها : { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } ، أي نذرته فجعلته عتيقاً، تعبُّده للّه ، لا ينتفع به لشيء من الدنيا { فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللّه أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }، أي ليس الذكر كالأنثى كما جعلتها محرراً لك نذيرة { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [آل عمران:٣٥،٣٦] ي

قول اللّه تبارك وتعالى: { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } [آل عمران: ٣٧] بعد أبيها وأمها.

قال ابن هشام : كفَّلها : ضمَّها.

خبر زكريا ومريم عليهما السلام

قال ابن إسحاق : فذكَّرها باليتم ، ثم قص خبرَها وخبرَ زكريا وما دعا به ، وما أعطاه إذْ وهب له يحيى. ثم ذكر مريمَ ، وقول الملائكة لها :{ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }.[آل عمران: ٤٢،٤٣] يقول اللّه عز وجل : { ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ }، أي ما كنت معهم { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }.

قال ابن هشام : أقلامهم : سهامهم ، يعنى قِداحهم التي استهموا بها عليها، فخرج قِدْح زكريا فضمها، فيما قال الحسن بن أبي الحسن البَصري.

كفالة جُرَيج مريم

قال ابن إسحاق : كفلها هاهنا جُرَيْج الراهب ، رجل من بنى إسرائيل نجار، خرج السهم عليه بحملها، فحملها، وكان زكريا قد كَفَلها قبل ذلك ، فأصابت بنى إسرائيل أزمة شديدة، فعجز زكريا عن حملها، فاستهموا عليها أيهم يكفُلُها فخرج السهم على جُرَيج الراهب بكفولها فكفَلَها. { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }، أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها. يخبره بخفىِّ ما كتموا عنه من العلم عندَهم ، لتحقيق نبوته والحجة عليهم بما يأتيهم به بما أخفوا منه.

ثم قال : { إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّه يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ }، أي هكذا كان أمره ، لا كما تقولون فيه { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } أي عند اللّه { وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ } [آل عمران: ٤٥،٤٦] يخبرهم بحالاته التي يتقلب فيها في عمره ، كتقلب بنى آدم في أعمارهم ، صغاراً وكباراً، إلا أن اللّه خصه بالكلام في مهده آيةً لنبوته ، وتعريفاً للعباد بمواقع قدرته.{ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّه يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أي يصنع ما أراد، ويخلق ما يشاء من بشر أو غير بشر{ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ { مما يشاء وكيف شاء، { فَيَكُونُ { كما أراد ثم أخبرها بما يريد به ،

فقال : { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ } التي كانت فيهم من عهد موسى قبله { وَالْإِنجِيلَ } [آل عمران: ٤٨]، كتاباً آخر أحدثه اللّه عز وجل إليه لم يكن عندهم إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء بعده ،{ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } أي يحقق بها نبوتى، أنى رسول منه إليكم { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّه } الذي بعثني إليكم ، وهو ربكم { وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ }.

قال ابن هشام : الأكمه : الذي يُولد أعمى. قال رؤبة بن العَجَّاج :

هَرَّجْتُ فارتدَّ ارتداد الأكْمه

وجمعه : كُمْه.

قال ابن هشام : هَرَّجت : صحتُ بالأسد، وجلبتُ عليه. وهذا البيت في أرجوزة له. { وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّه وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ } أنى رسول اللّه من اللّه إليكم { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ* وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ } أي لما سبقنى عنها { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } ، أي أخبركم به أنه كان عليكم حراماً فتركتموه ، ثم أحله لكم تخفيفاً عنكم فتصيبون يُسره وتخرجون من تِباعاتِه { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللّه وَأَطِيعُونِي إِنَّ اللّه رَبِّي وَرَبُّكُمْ } أي تبرياً من الذي يقولون فيه ، واحتجاجاً لربه عليهم { فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }، أي هذا الذي قد حملتكم عليه وجئتكم به { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ } والعدوان عليه ، { قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّه آمَنَّا بِاللّه } هذا قولهم الذي أصابوا به الفضل من ربهم { وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } لا ما يقول هؤلاء الذين يحاجُّونك فيه { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } أي هكذا كان قولهم وإيمانهم

رفع عيسى عليه السلام

 ثم ذكر سبحانه وتعالى رفْعَه عيسى إليه حين اجتمعوا لقتله ،

فقال :{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّه وَاللّه خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }.

ثم أخبرهم ورد عليهم فيما أقروا لليهود بصَلْبه ، كيف رفعه وطهره منهم ،

فقال : { إِذْ قَالَ اللّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } ، إذ هموا منك بما هموا{ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } [آل عمران: ٥٥] ثم القصة، حتى انتهى إلى قوله : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ } يا محمد { مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } [آل عمران: ٥٨] القاطع الفاصل الحق ، الذي لا يخالطه الباطل ، من الخبر عن عيسى، وعما اختلفوا فيه من أمره ، فلا تقبلنَّ خبراً غيره.

{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّه} فاستمع { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ*الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } ، أي ما جاءك من الخبر عن عيسى {فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ} أي قد جاءك الحق من ربك فلا تمتريَنَّ فيه ،

وإن قالوا: خُلق عيسى من غير ذَكر فقد خَلقت آدم من تراب ، بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر، فكان كما كان عيسى لحماً ودماً، وشَعْراً وبَشراً، فليس خَلْق عيسى من غير ذَكر بأعجب من هذا. { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ } أي من بعدما قصصت عليك من خبره ،وكيف كان أمره ، { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه عَلَى الْكَاذِبِينَ } [آل عمران: ٥٩ـ٦١].

قال ابن هشام : قال أبو عُبَيْدة : نبتهل : ندعو باللعنة، قال أعْشَى بنى قَيْس بن ثَعْلَبة : ،

 لا تقْعُدَنَّ وقد أكَّلْتَها حَطباً   نعوذُ من شرِّها يوماً ونبتهلُ

وهذا البيت في قصيدة له. يقول : ندعو باللعنة. وتقول العرب :

بَهل اللّه فلاناً، أي لعنه ، وعليه بَهْلةُ اللّه،

قال ابن هشام :

ويقال : بُهْلة اللّه ، أي لعنة اللّه ، ونبتهل أيضاً: نجتهد، في الدعاء.

قال ابن إسحاق : { إِنَّ هَذَا } الذي جئت به من الخبر عن عيسى { لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } من أمره { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللّه وَإِنَّ اللّه لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّه عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ* قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّه وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مسلمون } [آل عمران: ٦٢ـ٦٤] فدعاهم إلى النَّصَف ، وقطع عنهم الحجة.

إباؤهم الملاعنة

 فلما أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخبرُ من اللّه عنه ، والفَصْلُ من القضاء بينَه وبينهم ، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه ، دعاهم إلى ذلك ، فقالوا له : يا أبا القاسم ، دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه. فانصرفوا عنه ، ثم خَلَوْا بالعاقب ، وكان ذا رأيهم ،

فقالوا : يا عبدَ المسيح ، ماذا ترى؟

فقال : واللّه أيا معشر النصارى لقد عَرَفتم أن محمداً لنبى مرسل ، ولقد جاءكم بالفَصْل من خبرِ صاحبِكم ، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيّاً قط فبقى كبيرُهم ، ولا نبت صغيرهم ، وإنه الاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلْف دينِكم ، والإِقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجلَ ، ثم انصرِفوا إلى بلادكم. فأتَوْا رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

فقالوا : يا أبا القاسم ، قد رأينا ألا نُلاعنك ، وأن نتركَك على دينِك ونرجع على ديننا، ولكن ابعثْ معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالِنا، فإنكم عندنا رِضاً.

أبو عبيْدة يتولى أمرهم : قال محمد بن جعفر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ائتونى العَشِية أبعث معكم القوىَّ الأمين.

قال : فكان عمر ابن الخطاب يقول : ما أحببتُ الإمارة قط حبِّى إياها يومئذٍ ، رجاء أن أكونَ صاحبَها، فرُحْتُ إلى الظهرِ مُهَجِّراً، فلما صلّى بنا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم الظهرَ سَلَّم ، ثم نظر عن يمينه وعن يسارِه ، فجعلت أتطاولُ له ليرانى، فلم يزلْ يلتمس ببصره حتى رأى أبا عُبيدة بن الجراح ، فدعاه

فقال : اخرجْ معهم ، فاقضِ بينَهم بالحقِّ فيما اختلفوا فيه ، قال عمر : فذهب بها أبو عُبَيْدة.

أخبار عن المنافقين

شقاء عبد اللّه بن أبي وأبيِ عامر بن صيفي

قال ابن إسحاق : وقدم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة - كما حدثني عاصمُ بن عُمر بن قَتادة - وسيد أهلها عبد اللّه بن أبى ابن سلول العَوْفي ثم أحد بنى الحُبْلَى، لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان ، لم تجتمع  الأوس والخزرج قبله ولا بعدَه على رجل من أحد الفريقين - حتى- جاء الإسلامُ - غيرِه ومعه في الأوْس رجل ، هو في قومه من الأوس شريف مطاع ، أبو عامر عبد عَمرو بن صَيْفى بن النعمان ، أحد بنى ضُبَيْعة بن زيد، وهو أبو حَنْظلة، الغسيل يومَ أحُد، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المُسوح ، وكان يقال له : الراهب. فشقيا بشرفهما وضَرَّهما.

 نفاق ابن أبي : فأما عبد اللّه بن أبى فكان قومه قد نظموا له الخرز يتوجوه ثم يملكوه عليهم فجاءهم اللّه تعالى برسوله صلى اللّه عليه وسلم وهُم على ذلك. فلما انصرف قومُه عنه إلى الِإسلام ضغن ، ورأى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد استلبه مُلْكاً. فلما رأى قومه قد أبَوْا إلا الإسلام دخل فيه كارهاً مُصِرا على نفاق وضَغَن.

كفر أبي عامر بن صيفي

وأما أبو عامر فأبى إلا الكفرَ والفراقَ لقومهِ حين اجتمعوا على الِإسلام ، فخرج منهم إلى مكة ببضعةَ عشرَ رجلاً مفارقاً للإِسلام ولرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - كما حدثني محمدُ بن أبى أمامة عن بعض آل حنظلة بن أبى عامر - : لا تقولوا : الراهب ، ولكن قولوا الفاسق.

جزاء ابن صيفي لتعريضه به صلى اللّه عليه وسلم  

قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن عبد اللّه بن أبى الحكم ، وكان قد أدرك وسَمِعَ ، وكان راويةً أن أبا عامر أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين قدم المدينة، قبل أن يخرج إلى مكة

فقال : ما هذا الدين الذي جئتَ به ؟ فقال جئت بالحنيفية دين إبراهيم ،

قال : فأنا عليها، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنك لستَ عليها، قال ، بلى،

قال : إنك أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها،

قال :ما فعلتُ ، ولكنى جئت بها بيضاء نقية،

قال : الكاذب أماته اللّه طريداً غريباً وحيداً – يعرض برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - أي أنك جئتَ بها كذلك. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أجل ، فمن كذب ففعل اللّه تعالى ذلك به ، فكان هو ذلك عدو اللّه ، خرج إلى مكة، فلما افتتح رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكةَ خرج إلى الطائف. فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام. فمات بها طريداً غريباً وحيداً.

الاختصام في ميراثه إلى قيصر  

وكان قد خرج معه عَلْقمة ابن عُلاثة بن عوف بن الأحْوص بن جعفر بن كلاب ، وكنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عُمير الثقفى، فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر، صاحب الروم. فقال قيصر: يرث أهلُ المِدْر أهلَ المدر، ويرث أهلُ الوَبْرِ أهلَ الوبر، فورثه كنانة بن عبد ياليل بالمدَر دون علْقمة، قال كعبُ بنُ مالك لأبى عامر فيما صنع :

معاذَ اللّه من عَمل خبيــــثٍ   كَسَعْيِكَ في العشيرةِ عبدَ عمرو
فإما قُلتَ لى شــــــرفٌ   ونخلٌ فَقِدْماً بعتَ إيماناً بكفرِ

قال ابن هشام :ويروى :

فإما قلت لي شرفٌ ومالٌ

قال ابن إسحاق :

وأما عبد اللّه بن أبي فأقام على شرفه في قومه مترددا حتى غلبه الإسلام ، فدخل فيه كارهاً.

 تعرض ابن أبي له صلى اللّه عليه وسلم وغضب قومه منه   

قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عُروة بن الزبير، عن أسامة بن زيد بن حارثة، حِبِّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

قال : ركب رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إلى سعد بن عُبادة يعوده من شَكْو أصابه على حمار عليه إكافٌ ، فوقه قطيفة فَدَكِية، مُخْتَطمة بحبل من ليف ، وأردفني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خلفه :

قال : فمر بعبد اللّه بن أبى، وهو في ظل مُزَاحمَ أطُمِه.

قال ابن هشام : مزاحم : اسم الأطم.

قال ابن إسحاق : وحوله رجال من قومه. فلما رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تَذَمم من أن يجاوزه حتى ينزل ، فنزل فسلَّم ثم جلس قليلاً، فتلا القرآن ودعا إلى اللّه عز وجل ، وذكَّر باللّه وحذَّر، وبشَّر وأنذر

قال : وهو زَامُّ لا يتكلم ، حتى إذا فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مقالته ،

قال : يا هذا، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حَقا فاجلس في بيتك فمن جاءك له فحدثْه إياه ، ومن لم يأتك فلا تَغُتَّه به ، ولا تأته في مجلسه بما يكره منه.

قال : قال عبد اللّه بن رواحة في رجال كانوا عنده من المسلمين : بلى، فاغشَنا به ، وائتنا في مجالسنا ودورنا وبيوتنا، فهو واللّه ما نحبُّ ومما أكرمنا اللّه به وهدانا له ، فقال عبد اللّه بن أبي حين رأى من خلاف قومه ما رأى :

متى ما يكنْ مولاكَ خَصْمك لا تزل   تَذِلَّ ويَصْرعْك الذين تُصارعُ
وهل ينهض البازي بغيرِ جناحِـه    وإن جُذَّ يوماً ريشُه فهو واقعُ

قال ابن هشام : البيت الثانى عن غير ابن إسحاق.

غضبه صلى اللّه عليه وسلم من قولة ابن أبي   

قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن عُروة بن الزبير، عن أسامة،

قال : وقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فدخل على سعد بن عبادة، وفي وجهه ما قال عدو اللّه ابن أبىّ،

فقال :واللّه يا رسولَ اللّه إني لأرى في وجهِك شيئاً، لكأنك سمعت شيئاً تكرهه ، قال أجل ، ثم أخبره بما قال ابن أبي : فقال سعد :

 يا رسول اللّه ! ارفق به. فواللّه لقد جاءنا اللّه بك ، وإنا لنَنْظِمَ له الخرز لنتوِّجَه. فواللّه إنه ليرى أن قد سَلَبْتَهُ مُلكاً.

ذكر من اعتلَّ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد الهجرة

مرض أبي بكر وبلال وعامر بن فهيرة  

قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عُروة، وعُمر بن عبد اللّه بن عُروة، عن عُروة ابن الزبير عن عائشة رضى اللّه عنها.

قالت : لما قدِم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، قدمها وهي أوبأ أرضِ اللّه من الحمى. فأصاب أصحابَه منها بلاءٌ وسَقَمٌ. فصرف اللّه تعالى ذلك عن نبيه صلى اللّه عليه وسلم

قالت : فكان أبو بكر،وعامر بن فُهَيْرَة، وبلال ، موليا أبي بكر، مع أبي بكر في بيت واحد. فأصابتهم الحمى، فدخلتُ عليهم أعودهم. وذلك قبل أن يُضْرَب علينا الحجابُ. وبهم ما لا يعلمه إلا اللّه من شدة الوَعْك. فدنوتُ من أبي بكر. فقلت له : كيف تجدك يا أبتِ ؟

فقال :

كلُّ امرىء مُصَبَّح في أهلِهِ   والموتُ أدْنَى من شِراكِ نَعْلِهِ

قالت :

فقلت : واللّه ما يدري أبي ما يقول :

قالت : ثم دنوتُ إلى عامر بن فُهَيْرة فقلت له كيف تجدك يا عامر؟

فقال :

لقد وجدتُ الموتَ قبلَ ذَوْقِه    إن الجبانَ حَتْفهُ مِنْ فَوْقهِ
كلُّ امرىء مجاهد بطَوْقِهِ  كالثَّوْرِ يحمى جلدهَ برَوْقهِ

 بطوقه يريد : بطاقته. فيما

قال ابن هشام :

قالت : فقلتُ واللّه

ما يدري عامر ما يقول !

قالت : وكان بلال إذا تركته الحمى اضْطَجع بفناء البيت ثم رفع عقيرتَه

فقال :

 ألا ليتَ شِعْري هل أبيتنَّ ليلة-   بفَخ وحولي إِذْخر وجليلُ
وهل أرِدَنْ يوماً مياهَ مجنَّــةٍ   وهل يَبْدُوَنْ لى شامة وطُفيل

قال ابن هشام : شامة وطفيل : جبلان بمكة.

دعاء الرسول صلى اللّه عليه وسلم بنقل وباء المدينة إلى مهيعة  

 قالت عائشة رضي اللّه عنها : فذكرتُ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما سمعت منهم.

فقلت : إنهم ليهْذُون وما يَعْقِلون من شدة الحمى.

قالت : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " اللّهم حَبِّبْ إلينا المدينةَ كما حَبَّبت إلينا مكة ، أو أشد. وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل وباءها إلى مَهْيَعَة"، ومَهْيَعة : الجُحْفَة.

قال ابن إسحاق : وذكر ابنُ شهاب الزهري ، عن عبد اللّه بن عَمرو بن العاص : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابُه

ثم أصابتهم حُمَّى المدينة. حتى جَهدوا مرضاً. وصرف اللّه تعالى ذلك عن نبيه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى كانوا ما يصلون إلا وهم قعود.

قال : فخرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم يُصلون كذلك.

فقال لهم : اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم.

قال : فتجشَّم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسُّقْم التماسَ الفضل

بدء قتال المشركين  

قال ابن إسحاق : ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تهيأ لحربه. قام فيما أمره اللّه به من جهاد عَدوِّه. وقِتال من أمره اللّه به ممن يليه من المشركين. مشركي العرب ، وذلك بعد أن بعثه اللّه تعالى بثلاث عشرة سنة.

تاريخ الهجرة

 بالإسناد المتقدم عن عبد الملك بن هشام.

قال : حدثنا زياد بن عبد اللّه البَكَّائي. عن محمد بن إسحاق المَطلِبى.

قال : قَدِم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة يومَ الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل.

لثنتي عشرة ليلةً مضت من شهر ربيع الأول ، وهو التاريخ. فيما

قال ابن هشام.

 عمره صلى اللّه عليه وسلم حين الهجرة   

قال ابن إسحاق : ورسول. اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ ابنُ ثلاثٍ وخمسين سنة. وذلك بعد أن بعثه اللّه عز وجل بثلاث عشْرة سنة. فأقام بها بقيةَ شهر ربيع الأول. وشهر ربيع الاخر، وجُمادَيَيْن ، ورجباً ، وشعبان ، وشهر رمضان ، وشوال ، وذا القعدة، وذا الحجة - وولى تلك الحَجّة المشركون - والمحرم ، ثم خرج غازياً في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمه المدينة.

غزوة وَدَّان

وهي أول غزواته عليه الصلاة والسلام

 قال ابن هشام : واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.

قال ابن إسحاق : حتى بلغ وَدَّان ، وهي غزوة الأبْواء، يريد قريشاً وبنى ضمْرة بن بكر بن عبد مُناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضَمْرة، وكان الذي وادعه منهم عليهم مَخْشِي بن عمرو الضَّمْريُّ ، وكان سيِّدَهم في زمانه ذلك ، ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلقَ كيداً فأقام بها بقيةَ صفر، وصدراً من شهر ربيع الأول.

قال ابن هشام : وهى أول غزوة غزاها.

سرية عُبَيْدة بن الحارث

وهي أول راية عقدها عليه الصلاة والسلام

أول سهم رُمي به في الإسلام  

قال ابن إسحاق : وبعث رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، في مقامِه ذاك بالمدينة عُبَيْدةَ بن الحارث بن المطلب ابن عبد مناف بن قُصى، في ستين أو ثمانين راكباً من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماءً بالحجاز، بأسفل ثنيَّة المُرَّة، فلقي بها جمعاً عظيماً من قريش فلم يكن بينهم قتال ، إلا أن سعد بن أبى وقاص قد رمَى يومئذ بسهم ، فكان أول سهم رُمى به في الِإسلام.

من فر من المشركين إلى المسلمين في هذه السرية  

ثم انصرف القومُ عن القوم ، وللمسلمين حامية. وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهرانى، حليف بنى زهرة، وعتبة ابن غزوان بن جابر المازنى، حليف بنى نوفل بن عبد مناف ، وكانا مسلمين ، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار. وكان على القوم عكرمة ابن أبى جهل.

قال ابن هشام : حدثني ابن أبى عَمرو بن العلاء، عن أبي عمرو المدنى : أنه كان عليهم مِكْرَز بن حفص بن الأخْيَف ، أحد بني مَعيص بن عامر بن لُؤَي بن غالب بن فهر.

شعر أبي بكر في هذه السرية   

قال ابن إسحاق : فقال أبو بكر الصديقُ رضى اللّه عنه ، في غزوة عُبَيْدة بن الحارث.

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه القصيدة لأبى بكر رضى اللّه عنه - :

أمِنْ طَيْفِ سَلْمى بالبطاحِ الدَّمائِثِ   أرِقْتَ وأمر في العشيرةِ حادثِ
ترى من لُؤي فِرقةً لا يصدُّهــا   عن الكفرِ تذكيرٌ ولا بَعْث باعثِ
رسول أتاهم صادقٌ فتكَذَّبــوا   عليه وقالوا : لست فينا بماكِثِ
إذا ما دَعَوْناهم إلى الحقِّ أدبروا   وهَرُّوا هَرِيرَ المجْحِراتِ اللواهثِ
فكم قد مَتَتْنا فيهمُ بقرابــــةٍ   وتَرْكِ التُّقى شىءٌ لهم غيرُ كارثِ
فإن يرجعوا عن كفرِهــــم   وعقوقِهم فما طَيباتُ الحِل مثلُ الخبائثِ
وإن يركبوا طغيانَهم وضلالَهـم   فليس عذاب اللّه عنهم بلابثِ
ونحن أناس من ذؤابةِ غالــب   لنا العزُّ منها في الفروعِ الأثائثِ
فأولِى بربِّ الراقِصات عشيَّـةً   حَراجيجُ تُحْدَى في السَّريحِ الرثائثِ
كأدْم ظباءٍ حولَ مكة عكَّــفٍ   يَرِدْنَ حِياضَ البئْرِ ذات النبائثِ
لئن لَم يُفيقوا عاجلاً مــــن   ضلالِهم ولستُ إذا آليْتُ قولاً بحانثِ
لتَبْتَدِرَنَّهم غارة ذاتُ مَصْـــــدَقٍ   تُحرِّمُ أطهارَ النساءِ الطوامثِ
تغادرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطيرُ حولَهــم   ولاترأفُ الكفارَ رأفَ ابنِ حارثِ
فأبلغْ بنى سَهمٍ لديْك رسالـــــةً   وكل كفورٍ يبتغي الشر باحث
فإن تَشْعَثوا عِرض على سوءِ رأيِكم    فإنِّى من أعراضِكم غيرُ شاعثِ

ابن الزبعرى يرد على أبي بكر : فأجابه عبد اللّه بن الزبَعْري السَّهْمي ،

فقال :

أمِنْ رسمِ دارٍ أقفرت بالعَثاعِثِ   بكيتَ بعينٍ دمعُها غيرُ لابثِ
ومن عَجَبِ الأيامِ والدهرُ كله   له عجب من سابقاتٍ وحادثِ
لجيشٍ أتانا ذي عُرامٍ يقـوده    عُبَيدةُ يُدْعَى في الهياجِ ابنَ حارثِ
لنتركَ أصناماً بمكةَ عُكَّفــاً   مواريثَ موروثٍ كريمٍ لوارثِ
فلما لقيناهم بسُمْرِ رُدَيْنَةٍ وجُرْدٍ   عِتاقٍ في العَجاجِ لَوَاهِثِ
وبيضٍ كأن المِلحَ فوقَ متونِها   بأيدِي كمُاةٍ كالليوثِ العوائثِ
نقيمُ بها إصْعارَ من كان مائلاً   ونشفى الذُّحولَ عاجلاً غيرَ لابثِ
فكَفُّوا على خوفٍ شديدٍ وهيْبةٍ   وأعجبهم أمر لهمِ أمرُ رائثِ
ولو أنهم لم يفعلوا ناحَ نِسوة  أيامَى لهم ،من بينِ نسْءٍ وطامثِ
وقد غُودرتْ قتلَى يخبرُ عنهــمُ   حَفِى بهم
أو غافلٌ غيرُ باحثِ
فأبلغْ أبا بكر لديك رسالــــةً   فما أنت عن أعراضِ فِهْربماكثِ
ولما تَجِبْ منى يمينٌ غليظــةٌ   تُجدد حرباً حَلْفةً غيرَحانث

قال ابن هشام : تركنا منها بيتاً واحداً، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه القصيدة لابن الزبعرى.

 سعد بن أبي وقاص يذكر رميته في هذه السرية

 قال ابن إسحاق : وقال سعد بن أبى وقاص في رميته تلك فيما يذكرون :

ألا هل أتى رسولَ اللّه أنى   حَميْتُ صحابتى بصدورِ نَبْلى
أذودُ بها أوائلَهم ذيـــــاداً   بكلِّ حُزُونة وبكلِّ سَهْلِ
فما يَعْتَدُّ رام في عَـــــدُوٍّ   بسهمٍ يا رسولَ اللّه قبلى
وذلك أن دينَكَ دينُ صِــدْقٍ   وذو حق أتيتَ به وعَدْل
يُنَجَّى المؤمنوِن به ويُجـزِي   بهِ الكفارَ عندَ مقام مَهْلِ
فمهلاً قد غوِيتَ فلا تعبنــى   غَويَّ الحىِّ وَيْحَك يابنَ جَهْلِ

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لسعد.

أول راية في الِإسلام

قال ابن إسحاق : فكانت رايةُ عبيدة ابن الحارث ـ فيما بلغنى – أولَ راية عقدها رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الإسلام ، لأحد من المسلمين. وبعض العلماء يزعم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء، قبل أن يصل إلى المدينة.

سرية حمزة إلى سيف البحر

ما فعلته هذه السرية

وبعث في مقامه ذلك ، حمزةَ بن عبد المطلب بن هاشم ، إلى سيف البحر، من ناحية الحِيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين ، وليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل ابن هشام بذلك الساحل في ثلاث مئة راكب من أهل مكة، فحجز بينهم مَجْدِيُّ بن عمرو الجهني. وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف بعضُ القوم عن بعض ، ولم يكن بينهم قتال.

من قال إن أول راية كانت لحمزة رضي اللّه عنه

وبعض الناس يقول : كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأحد من المسلمين ، وذلك أنَّ بَعْثَهُ ، وبعث عُبَيْدة كانا معاً، فشُبِّه ذلك على الناس. وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعراً يذكر فيه أن رايته أول راية عقدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإن كان حمزة قد قال ذلك ، فقد صدق إن شاء اللّه ، لم يكن يقول إلا حقا، فاللّه أعلم أي ذلك كان ، فأما ما سمعنا من أهل العلم عندنا، فعُبَيْدة بن الحارث أول من عُقد له. فقال حمزة في ذلك ، فيما يزعمون :

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لحمزة رضى اللّه عنه :

ألا يا لَقَوْمى للتحلًّمِ والجهْـــل   وللنقْصِ من رأي الرجالِ وللعَقْلِ
وللراكِبينا بالمظالمِ لم نَطَأ لهــم   حُرماتٍ من سَوَامٍ ولا أهْلِ
كأنا تَبَلْناهم ولا تَبْلَ عندَنا لهـم   غيرُ أمر بالعفافِ وبالعدلِ
وأمر بإسلامٍ فلا يقبلونـــه   وينزِلُ منهم مثلَ منزلةِ الهَزْلِ
فما بَرِحوا حتى انتدبْتُ لغارةٍ   لهم حيث حَلُّوا أبْتَغى راحةَ الفَضْلِ
بأمرِ رسولِ اللّه أول خافــقٍ   عليه لواء لم يكن لاحَ من قبلي
لواء لديه النصرُ مـــن ذي   كرامةٍ إلهٍ عزيز فعلُهُ أفضلُ الفعلِ
عَشِيةَ ساروا حاشدين وكلُّنــا   مراجله من غيظِ أصحابهِ تَغْلي
فلما تراديْنا أناخوا فعقَّلـــوا   مطايا وعَقَّلنا مدَى غَرَضِ النبل
فقلنا لهم : حبلُ الإلهِ نصيرُنـا   وما لكم إلا الضلالةُ من حَبْلِ
فثار أبو جهلٍ هنالك باغيــاً   فخابَ وردَّ اللّه كيدَ أبي جهلِ
وما نحنُ إلا في ثلاثين راكباً   وهم مئتان بعدَ واحدةٍ فَضل
فَيَا لَلُؤَيّ لا تُطيعوا غَوَاتَكـم   وفيئوا إلى الِإسلامِ والمنهجِ السهْلِ
فإنى أخاف أن يُصَبَّ عليكُـمُ   عذابٌ فتَدعوا بالندامةِ والثُّكْلِ

 أبو جهل يرد على حمزة : فأجابه أبو جهَل بن هشام ،

فقال :

عجِبتُ لأسبابِ الحفيظةِ والجهــــلِ   وللشاغبين بالخلافِ وبالبُطْلِ
وللتاركين ما وجدنا جدودَنــــــا   عليه ذَوِي الأحسابِ والسُّؤْدَدالجزْلِ
أتونا بإفكٍ كي يُضلِّوا عقولَنـــــا   وليس مُضلاً إفكَهُم عقلَ ذي عقلِ
فقلنا لهم : يا قومَنا لا تُخالفـــــوا  على قومِكم إن الخلافَ مَدَى الجهلِ
فإنكم إن تفعلوا تَدْعُ نِســـــــوةٌ   لهنَّ بواكٍ بالرزيةِ والثُّكلِ
وإن تَرجِعوا عما فعلتم فإننـــــا   بنوعمِّكمْ أهلُ الحفائظِ والفَضْلِ
فقالوا لنا : إنا وجدنا محمـــــداً   رضاً لذوي الأحلامِ منا وذي العقلِ
فلما أبوْا إلا الخلافَ وزيَّنـــــوا   جِماعَ الأمورِبالقبيحِ من الفعلِ
تيمَّمتُهم بالساحلَيْنِ بغارة لأتركهـــم   كالعَصْفِ ليس بذي أصلِ
فورَّعني مَجْدِيُّ عنهم وصُحْبتـــي   وقد وَازَروني بالسيوفِ وبالنبلِ
لإلّ علينا واجب لا نُضيعُـــــهُ  أمين قواه غير مُنْتَكثِ الحبلِ
فلولا ابنُ عمرو كنتُ غادرتُ منهـم    ملاحمَ للطير العُكوفِ بلا تَبْل
ولكنه آلى بإلّ فقَلَّصــــــــتْ   بأيمانِنَا حَدُّ السيوفِ عن القتلِ
فإن تُبقني الأيامُ أرجعْ عليهـــــمُ    ببيضٍ رِقاقِ الحدّ مُحْدَثةِ الصقلِ
بأيدي حُماةٍ من لُؤَيِّ بنِ غالــــبٍ   كرامِ المساعى في الجُدوبة والمَحْلِ

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لأبي جهل.

غزوة بواط

من استعمله صلى اللّه عليه وسلم على المدينة :

قال ابن إسحاق : ثم غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في شهر ربيع الأول ير يد قريشاً.

قال ابن هشام : واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون.

قال ابن إسحاق : حتى بلغ بُواط، من ناحية رَضْوَى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فلبث بها بقيةَ شهر ربيع الآخر وبعض جُمادى الأولى.

غزوة العشيرة

 من استعمله صلى اللّه عليه وسلم على المدينة: ثم غزا قريشاً فاستعمل ، على المدينة أبا سَلمة بن عبد الأسد فيما

قال ابن هشام:

الطريق الذي سلكه صلى اللّه عليه وسلم إلى هذه الغزوة :

قال ابن إسحاق : فسلك على نَقْب بنى دينار، ثم على فَيْفاء الخبَار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر، يقال لها: ذات الساق ، فصلى عندها. فثَمَّ مسجده صلى اللّه عليه وسلم ، وصُنع له عندها طعام ، فأكل منه ، وأكل الناسُ معه ، فموضع أثافِيِّ البُرْمة معلوم هنالك ، واستُقِىَ له من ماء به يقال له : المُشْتَرَب ، ثم ارتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فترك الخلائقَ بيساره وسلك شُعبةً يقال لها: شُعبة عبد اللّه ، وذلك اسمها اليوم ، ثم صَبَّ لليسار حتى هبط يَلْيَل ، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضَّبُوعة، واستقى من بئر بالضَّبوعة، ثم سلك الفَرْش : فَرْشَ مَلَل ، حتى لَقي الطريقَ بصُحَيْرات اليمام ، ، ثم اعتدل به الطريق ، حتى نزل العُشَيْرةَ من بطن يَنْبُع. فأقام بها جمادَى الأولى وليالىَ من جمادَى الاخرة، وادعَ فيها بنى مُدلِج وحلفاءَهم من بنى ضَمْرة، ثم رجع إلى المدينة ولم يلقَ كيداً.

وفى تلك الغزوة قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما قال. تكنيته صلى اللّه عليه وسلم عليا أبا تراب :

قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن محمد بن خَيْثَم المحاربي ، عن محمد بن كَعْب القُرَظي عن محمد ابن خَيْثم أبى يزيد، عن عمار بن ياسر،

قال : كنت أنا وعلى بن أبي طالب رفيقين. في غزوة العشيرة، فلما نزلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأقام بها رأينا أناساً من بني مُدْلج يعملون في عين لهم وفى نخل فقال لي على بن أبى طالب : يا أبا اليقظان ، هل لك في أن تأتىَ هؤلاء القوم ، فننظر كيف يعملون

قال : قلت : إن شئتَ

قال : فجئناهم ، فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثم غشينا النوم. فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في صُور من النخل، وفي دَقْعاء من التراب فنمنا، فواللّه ما أهَبَّنا إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحركنا برجله. وقد تتربنا من تلك الدَّقْعاء التي نمنا فيها، فيومئذ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعلى بن أبى طالب : مالك يا أبا تراب ، لما يرى عليه من التراب.

أشقى رجلين   

ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رَجُلين ؟

قلنا : بلى يا رسول اللّه ؟

قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليُّ على هذه - وضع يده على قَرْنه - حتى يَبُلَّ منها هذه ، وأخذ بلحيته.

قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض أهل العلم : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنما سمي عليًّا أبا تراب : أنه كان إذا عَتَب على فاطمة في شيءٍ لم يكلمْها،ولم يقل لها شيئاً تكرهه ،إلا أنه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه

قال : فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا رآى عليه الترابَ عرف أنه عاتب على فاطمة، فيقول : مالك يا أبا تراب ؟ فاللّه أعلم أي ذلك كان.

سرية سعد بن أبي وقاص

 قال ابن إسحاق : وقد كان بَعْث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما بين ذلك من غزوة سعد بن أبي وقاص ، في ثمانية رهْط من المهاجرين ، فخرج حتى بلغ الخرّار من أرض الحجاز، ثم رجع ولم يلقَ كيدا.

قال ابن هشام : ذكر بعضُ أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة.

غزوه سفوان

وهي غزوة بدر الأولى

قال ابن اسحاق :ولم يقم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالى قلائل لا تبلغ العشرحتى أغار كرز بن جابر الفهري على سَرْح المدينة، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في طلَبه ، واستعمل على المدينة زَيْد بن حارثة، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : حتى بلغ وادياً، يقال له : سَفْوان ، من ناحية بدر، وفاته كُرْزُ بنُ جابر، فلم يدركْه ، وهى غزوة بدر الأولى، ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها بقيةَ جُمَادِي الاخرة ورجباً وشعبان.

سرية عبد اللّه بن جحش

ونزول : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ } [البقرة: ٢١٧]

الكتاب الذي حمله من الرسول

وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبدَ اللّه بن جحش بن رِئاب الأسدي في رجب ، مقفلَه من بدر الأولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه ، فيمضى لما أمره به ، ولا يستكره من أصحابه أحداً.

أصحاب ابن جحش في هذه السرية

وكان أصحابُ عبد اللّه ابن جحش من المهاجرين. ثم من بنى عبد شمس بن عبد مناف : أبو حُذَيفة بن عُتْبة بن ربيعة بن عبد شمس ومن حلفائهم : عبد اللّه ابن جحش، وهو أمير القوم ، وعُكَّاشة بن مِحْصن بن حُرْثان ، أحد بنى أسد بن خزَيمة، حليف لهم.

ومن بنى نَوْفَل بن عبد مناف : عُتبة بن غَزْوان بن جابر، حليف لهم. ومن بنى زُهْرة بن كلاب : سعد بن أبى وقاص.

ومن بنى عدي بن كعب : عامر بن ربيعة، حليف لهم من عَنْز ابن وائل ، وواقد بن عبد اللّه بن عبد مناف بن عَرِين بن ثعلبة بن يَرْبوع ، أحد بنى تميم ، حليف لهم ، وخالد بن البُكَير، أحد بنى سعد ابن لَيْث ، حليف لهم. ومن بنى الحارث بن فهر : سُهَيْل بن بيضاء.

ابن جحش يفتح الكتاب

فلما سارعبد اللّه بن جحش يومين فتح الكتاب ، فنظر فيه فإذا فيه : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نَخْلة، بين مكة والطائف ، فترصَّدْ بها قريشاً وتَعلَم لنا من أخبارِهم. فلما نظرعبد اللّه بن جحش في الكتاب ،

قال : سمعا وطاعة

ثم قال لأصحابه : قد أمرنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أمضى إلى نَخْلة، أرْصُد بها قريشاً، حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحداً منكم. فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ، ومن كره ذلك فليرجع ؟ فأما أنا فماضٍ لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فمضى ومضى معه أصحابهُ ، لم يتخلفْ عنه منهم أحد.

من تخلف عن السرية وسببه

وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعْدن ، فوق الفُرُع ، يقال له : بحران ، أضل سعدُ بن أبى وقاص ، وعتبةُ بن غزوان بعيراً لهما، كانا يعتقبانه. فتخلفا عليه في طلبه ، ومضى عبد اللّه بن جحش وبقيةُ أصحابه حتى نزل بنَخْلة. فمرت به عِير لقريش تحمل زبيباً وأدَماً، وتجارة من تجارة قريش ، فيهما عمرو بن الحَضْرَمى.

السرية تلتقي بتجارة لقريش

اسم الحضرمي ونسبه :

قال ابن هشام : واسم الحضرمي : عبدُ اللّه بن عَبَّاد،

ويقال : مالك بن عَبَّاد، أحد الصَّدِف ، واسم الصِّدِف : عمرو بن مالك ، أحد السَّكون بن أشرس بن كِنْدة،

ويقال : كِنْدى.

قال ابن إسحاق : وعثمان بن عبد اللّه بن المغيرة، وأخوه نَوْفل ابن عبد اللّه المخزوميان ، والحكم بن كَيْسان ، مولى هشام بن المغيرة.

 مجرى المعركة : فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم ، فأشرف لهم عُكَّاشَة بن محصن ، وكان قد حلق رأسَه ، فلما رأوه أمنوا، وقالوا عُمَّارٌ ، لا بأس عليكم منهم.. وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب ، فقال القوم : واللّه لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم ، فليمتنعن منكم به ، ولئن قتلتوهم لتقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم وهابوا الِإقدام عليهم ، ثم شجعوا أنفسَهم عليهم ، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم ، وأخذ ما معهم. فرمى واقدُ بنُ عبد اللّه التميمى عَمرو بن الحضرمى بسهم فقتله ، واستأسر عثمانَ بنَ عبد اللّه، والحكمَ بن كَيْسان وأفلت القومَ نوفلُ ابن عبد اللّه فأعجزهم. وأقبل عبدُ اللّه بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين ، حتى قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة.

وقد ذكر بعضُ آل عبد اللّه بن جحش : أن عبد اللّه قال لأصحابه : إن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض اللّه تعالى الخمس من المغانم - فعزل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خُمس العير، وقسَّم سائرها بين أصحابه.

إنكار الرسول صلى اللّه عليه وسلم قتالهم في الأشهر الحرم  

قال ابن إسحاق : فلما قدموا على رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينةَ

قال : ما أمرتكمِ بقتال في الشهر الحرام. فوقف العيرَ والأسيرين. وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً فلما قال ذلك رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم سُقط في أيدىِ القوم ، وظنوا أنهم قد هَلكوا، وعنفهم إخوانُهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريش : قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدمَ ، وأخذوا فيه الأموالَ ، وأسروا فيه الرجالَ فقال من يرد عليهم من المسلمين، ممن كان بمكة : إنما أصابوا في شعبان.

وقالت يهود - تَفاءَلُ بذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد اللّه ، عمرو، عمرت الحرب. والحضرمى : حضرت الحرب ، وواقد بن عبد اللّه وقدت الحرب ، فجعل اللّه ذلك عليهم لا لهم.

القرآن يقر ما فعله ابن جحش

فلما أكثر الناسُ في ذلك أنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّه وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّه } [البقرة: ٢١٧]، أي إن كنتم قَتلتم في الشهر الحرام فقد صَدُّوكم عن سبيل اللّه مع الكفر به ، وعن المسجد الحرام ، وإخراجكم منه وأنتم أهلُهُ ، اكبر عند اللّه من قتل من قتلتم منهم { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ } أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه ، حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك اكبرُ عند اللّه من القتل { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا } [البقرة: ٢١٧]: أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه ، غير تائبين ولا نازعين. فلما نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرج اللّه تعالى عن المسلمين

ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العير والأسيرين ، وبعثت إليه قريش في فداءِ عُثمان بن عبد اللّه والحكم بن كَيْسان ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا نفديكموهما حتى يقدمَ صاحبانا - يعنى سعد ابن أبى وقاص ، وعُتبة بن غَزْوان - فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما، نقتل صاحبيكم. فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم. فاما الحكم بن كَيْسان فأسلم فحسن إسلامه ، وأقام عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى قُتل يوم بئر معونة شهيداً.

وأما عثمان بن عبد اللّه فلحق بمكة، فمات بها كافراً.

طمع أمير السرية في الأجر وما نزل في ذلك من القرآن

فلما تجلى عن عبد اللّه بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن ، طمعوا في الأجر،

فقالوا : يا رسول اللّه : أنطمع أن تكونَ لنا غزوة نُعْطَى فيها أجر المجاهدين ؟

فأنزل اللّه عز وجل فيها : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّه وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: ٢١٨] ، فوضعهم اللّه عز وجل من ذلك على أعظم الرجاء.

والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير.

إحلال الفيء وقسمه  

قال ابن إسحاق : وقَد ذكر بعضُ آل ، عبد اللّه بن جحش: أن اللّه عز وجل قسم الفيء حين أحلَّه ، فجعل أربعة أخماس لمن أفاءَه اللّه ، وخُمساً إلى اللّه ورسوله ، فوقع على ما كان عبد اللّه بن جحش صنع في تلك العير.

 أول غنيمة للمسلمين   

قال ابن هشام : وهي أول غنيمة غنمها المسلمون. وعَمرو بن الحضرمى أول من قتله المسلمون ، وعثمان ابن عبد اللّه ، والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون.

 شعر عبد اللّه بن جحش في هذه السرية   

قال ابن إسحاق : فقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه في غزوة عبد اللّه بن جحش ،

ويقال : بل عبد اللّه بن جحش قالها، حين قالت قريش : قد أحل. محمد وأصحابهُ الشهرَ الحرام وسفكوا فيه الدَم وأخذوا فيه المالَ ، وأسروا فيه الرجالَ -

قال ابن هشام : هي لعبد اللّه بن جحش :

تَعُدُّونَ قتلاً في الحرام عظيمـــــةً   وأعظمُ منه لو يَرَى الرشدَ راشدُ
صدودُكم عما يقول محمـــــــدٌ   وكُفْرٌ به واللّه راءٍ وشاهدُ
وإخراجُكم من مسجدِ اللّه أهلَــــه   لئلا يُرى للّه في البيتِ ساجدُ
فإنا وإن عَيَّرتمونا بقتلـــــــه   وأرجف بالِإسلامِ باغٍ وحاسدُ
سَقَينا من ابنِ الحَضرَمى رماحَنـــا   بنَخْلَةَ لما أوقَدَ الحربَ واقدُ
دما وابنُ عبد اللّه عثمان بيننــــا   يُنازعه غُلٌّ من القدِّ عاندُ

صرف القبلة إلى الكعبة

قال ابن إسحاق :

ويقالُ : صُرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانيةَ عشرَ شهراً من مَقْدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة.

غزوة بدر الكبرى

عير أبي سفيان   

قال ابن إسحاق : ثم إن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم سَمِع بأبى سفيان بن حرب مُقبلاً من الشام في عِير لقريش عظيمة، فيها أموالٌ لقريش وتجارة من تجاراتهم ، وفيها ثلاثون رجلاً من قريش أو أربعون ، منهم مَخْرَمة بن نَوْفل بن أهَيْب بن عبد مناف بن زُهرة، وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام.

قال ابن هشام :

ويقال : عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم.

سماعه صلى اللّه عليه وسلم بأبي سفيان وندب المسلمين للتجارة التي معه   

قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، وعاصم ابن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبى بكر ويزيد بن رومان عن عُروة ابن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس ، كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثُهم فيما سقته من حديث بدر.

قالوا : لما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأبى سفيان مقبلاً من الشام ، ندب المسلمين إليهم

وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل اللّه يُنْفِلُكموها. فانتدب الناسُ ، فخف بعضُهم وثقل بعضُهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يَلْقَى حرباً.

 وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبارَ ويسأل من لقي من الرّكبان تخوفا على أمر الناس. حتى أصاب خبرا من بعض الركبان. : أن محمداً قد استنفر أصحابَه لك ولعيرك ، فحذر عند ذلك ، فاستاجر ضَمْضَم بن عَمْرو الغفارى، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتىَ قريشاً فيستنفرهم إلى أموالِهم ، ويُخبرهم أن محمداً قد عرض لها في اصحابة فخرج ضمضم بن عمروسريعاً الى مكة.

 رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب

قال ابن إسحاق : فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ، ويزيد بن رومان ، عن عروة ابن الزبير، قالا : وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب ، قبل قدوم ضَمْضم مكة بثلاث ليال ، رؤيا أفزعتها. فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب.

فقالت له : يا أخى، واللّه لقد رأيتُ الليلة رؤيا أفظعتنى، وتخوفْتُ أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم عنى ما أحدثك به ؟

 فقال لها : وما رأيت ؟

قالت : رأيت راكباً أقبل على بعير له ، حتى وقف بالأبطَح ، ثم صرخ بأعلى صوته : ألا انفروا يا لَغُدُر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه ، فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، صرخ بمثلها : ألا أنفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث : ثم مَثَل به بعيره على رأس أبي قُبَيْس ، فصرخ بمثلها ثم أخذَ صخرةً فأرسلها. فأقبلت تَهْوي ، حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفضت. فما بقي بيتٌ من بيوت مكة، ولا دارٌ إلا دخلتها منها فلقة.

قال العباس : واللّه إن هذه لرؤيا، وأنتِ فاكتميها، ولا تذكريها لأحد.

انتشار حديث الرؤيا في قريش

 ثم خرج العباس ، فلقي الوليدَ ابنَ عُتبة بن ربيعة، وكان له صديقاً : فذكرها له ، واستكتمه إياها. فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى تحدثت به قريش في أنديتها.

قال العباس : فغدوتُ لأطوفَ بالبيت وأبو جهل بن هشام في رَهْط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل

قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا؟ فلما فرغت أقبلتُ حتى جلستُ معهم ، فقال لى أبو جهل : يا بنى عبد المطلب ؟ متى حدثت فيكم هذه النبية؟

قال : قلت : وما ذاك ؟

قال : تلك الرؤيا التي رأت عاتكة :

قال :

فقلت : وما رأت ؟

قال : يا بنى عبد المطلب ، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ، قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه

قال : انفروا في ثلاث ، فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يكُ حقّاً ما تقول فسيكون ، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شىء، نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذبُ أهل بيت في العرب. قال العباس : فواللّه ما كان مني إليه كبير، إلا أني جحدت ذلك ، وأنكرت أن تكون رأت شيئاً

قال : ثم تفرقنا.

فلما أمسيتُ ، لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب إلا أتتنى، فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساءَ وأنت تسمعُ ، ثم لم يكن عندك غِيَر لشىء بما سمعت ،

قال : قلت : قد واللّه فعلت ، ما كان مني إليه من كبير. وايم اللّه لأتعرضن له ، لاكفينَّكُنَّه.

ضمضم الغفاري يستنجد قريشاً لأبي سفيان

 قال فغدوتُ في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا حديد مُغْضَب أرى أني قد فاتنى منه أمر أحِب أن أدركَه منه.

قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فواللّه إنى لأمشى نحوه أتعرَّضه ، ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلاً خفيفاً، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر.

قال : إذ خرج نحو باب المسجد يشتدُّ.

قال : فقلت في نفسي : ما له لعنه اللّه ، أكلُّ هذا فَرَق مني أن أشاتمه !

قال : وإذا هو قد سمع مالم أسمعٍ : صوت ضَمْضم بن عَمرو الغِفاري ، وهو يصرخ ببطن الوادى واقفا على بعيره ، قد جدع بعيرَه ، وحوَّل رحلَه ، وشق قميصه ، وهو يقول : يا معشرَ قُريش ، اللطيمةَ اللطيمة أموالُكم مع أبى سفيان قد عَرَض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدْرِكوها، الغَوْثَ الغَوْثَ.

قال : فشغلنى عنه وشغله عنى ما جاء من الأمر.

قريش تتجهز للخروج

فتجهز الناسُ سراعاً، وقالوا : أيظن محمد وأصحابُه أن تكون كعير ابن الحضرمى، كلا واللّه ليعلَمنَّ غير ذلك. فكانوا بين رجلين ، إما خارج

وإما باعث مكانَه رجلاً. وأوعبت قريش ، فلما يتخلف من أشرافِها أحدٌ.

تخلف أبي لهب عند بدر

 إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب تخلف ، وبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة، وكان قد لاط له بأربعةِ الاف درهم كانت له عليه ، أفلس بها، فاستأجره بها على أن يجزئ عنه بعثه ، فخرج عنه ، وتخلف أبو لهب.

أمية بن خلف يحاول التخلّف  

قال ابن إسحاق : وحدثني عبدُ اللّه بن أبى نجيحٍ : أن أمية بن خلف كان أجمع القعود، وكان شيخاً جليلاً جسيما ثقيلاً، فأتاه عُقبة بن أبى مُعَيْط ، وهو جالس في المسجد بين ظهرانى قومه ، بمجمرة يحملها، فيها نار ومَجْمَر، حتى وضعها بين يديه ،

ثم قال : يا أبا علىِ، استجمر، فإنما أنت من النساء:

قال : قبحك اللّه وقبَّح ما جئت به ؟

قال : ثم تجهز فخرج مع الناس.

ما وقع بين قريش وكنانة من الحرب قبل بدر  

قال ابن إسحاق : ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا المسيرَ، ذكروا ما كان بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب ،

فقالوا : إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا، وكانت الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر-كما حدثني بعض بني عامر بن لُؤَى، عن محمد ابن سعيد بن المسيب - في ابنٍ لحفص بن الأخْيَف ، أحد بني مَعيص بن عامر بن لُؤَي ، خرج يبتغى ضالةً له بضَجنان ، وهو غلام حدث في رأسه ذُؤابة، وعليه حُلَّة له ، وكان غلاماً وضيئاً نظيفاً، فمر بعامر بن يزيد بن عامر بن المُلَوَّح ، أحد بنى يَعْمَر بن عوف ابن كعب بن عامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَناة بن كنانة، وهو بضَجْنان ، وهو سيد بنى بكر يومئذ، فرآه فأعجبه

فقال : من أنت يا غلامُ ؟

قال : أنا ابنٌ لحفصِ بن الأخْيف القرشى. فلما ولى الغلام ، قال عامر بن زيد : يا بنى بكر، ما لكم في قريش من دم ؟ قالوا : بلى واللّه ، إن لنا فيهم لدماءً

قال : ما كان رجل ليقتل هذا الغلام برَجُله إلا كان قد استوفى دمه.

قال : فتبعه رجل من بنى بكر، فقتله بدمٍ كان له في قريش؟ فتكلمت فيه قريش ، فقال عامر بن يزيد : يا معشر قريش "قد كانت لنا فيكم دماء، فما شئتم ؟ إن شئتم فأدُّوا علينا ما لنا قِبَلَكم ، ونؤدى ما لكم قبلنا، وإن شئتم فإنما هى الدماء : رجل برجل ، فتجافوا عما لكم قبلنا، ونتجافى عما لنا قبلكم ، فهان ذلك الغلام على هذا الحى من قريش، وقالوا : صدق ، رجل برجل. فلهوا عنه ، فلم يطلبوا به.

قتل مكرز عامر بن الملوح

 قال : فبينما أخوه محرز بن حَفْص بن الأخيف يسير بمر الظهران ، إذ نظر إلى عامر بن يزيد ابن الملَوَّح على جمل له ، فلما راه أقبل إليه حتى أناخ به ، وعامر متوشح سيفه ، فعلاه مكرز بسيفه حتى قتله ، ثم خاض بطنه بسيفه ؟

ثم أتى به مكة، فعلقه من الليل بأستار الكعبة. فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر بن يزيد بن عامر معلقاً بأستار الكعبة، فعرفوه فقالوا إن هذا لسيف عامر بن يزيد، عدا عليه مكرز بن حفص فقتله ، فكان ذلك من أمرهم.

فبينما هم في ذلك من حربهم ، حجز الإسلامُ بينَ الناس فتشاغلوا به ، حتى أجمعت قريش المسيرَ إلى بدلي ، فذكروا الذي بينهم وبينَ بنى بكر فخافوهم.

ما قاله مكرز شعراً في قتله عامر : وقال مكرز بن حفص في قتله عامراً :

لما رأيتُ أنه هُوَ عامــــــــر   تذكرت أشلاءَ الحبيبِ الملحَّبِ
وقلت لنفسى : إنه هُوَ عامـــــرٌ   فلا تَرْهبيه ، وانظري
أيَّ مَرْكبِ
وأيقنتُ أني إن أجَللّه ضربـــــة   متى ما أصبْه بالفُرافرِ يَعْطَبِ
خفضتُ له جأشى وألقيتُ كَلْكَلـــى   على بطلٍ شاكي السلاحِ مُجَرَّب
ولم أك لما التف روعى وروعـــه   عصارة هجن من نساء ولا أبَ
حللت به وتري ولم أنس ذحلــــه   إذا ما تناسى ذحله كل عيهب

قال ابن هشام : الفرافر في غير هذا الموضع : الرجل الأضبط ، وفى هذا الموضع : السيف ، والعيهب : الذي لا عقل له ، ويقال لتيس الظباء وفحل النعام : العيهب. قال الخليل : العيهب : الرجل الضعيف عن إدراك وتره.

قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير،

قال : لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي كان بينها وبين بنى بكر، فكاد ذلك يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى، وكان من أشراف بنى كنانة،

فقال لهم : أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشىء تكرهونه ، فخرجوا سراعاً.

خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  

قال ابن إسحاق : وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه -

قال ابن هشام : خرج يوم الاثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان - واستعمل عمرو ابن أم مكتوم - ويقال اسمه : عبد اللّه ابن أم مكتوم أخا بني عامر بن لُؤي ، على الصلاة بالناس ، ثم رد أبا لبابة من الروحاء، واستعمله على المدينة.

اللواء والرايتان  

قال ابن إسحاق : ودفع اللواء إلى مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.

قال ابن هشام : وكان أبيض.

قال ابن إسحاق : وكان أمام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهما مع على بن أبي طالب ، يقال لها: العقاب ، والأخرى مع بعض الأنصار.

عدد إبل المسلمين إلى بدر

قال ابن إسحاق : وكانت إبل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ سبعين بعيراً، فاعتقبوها فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعلى بن أبى طالب ، ومرثد بن أبى مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً، وكان حمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة، موليا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتقبون بعيراً، وكان أبو بكر، وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيراً.

قال ابن إسحاق : وجعل على السَّاقة قيس بن أبي صعصعة أخا بنى مازن بن النجار. وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ، فيما

قال ابن هشام

الطريق إلى بدر  

قال ابن إسحاق : فسلك طريقه من المدينة إلى مكة، على نَقْب المدينة، ثم على العقيق ، ثم على ذي الحُليفة، ثم على أولات الجَيْش.

قال ابن هشام ،: ذات الجيش.

قال ابن إسحاق : ثم مر على تُرْبان ، ثم على مَلَل ، ثم غَميس الحَمام من مَرَرَيْن ، ثم على صُحَيْرات اليمام ، ثم على السَّيالة، ثم على فَجِّ الرَّوْحاء، ثم على شَنُوكة، وهى الطريق المعتدلة، حتى إذا كان بعرق الظبية -

قال ابن هشام : الظبية : عن غير ابن إسحاق - لقوا رجلاً من الأعراب ، فسألوه عن الناس فلم ، يجدوا عنده خبراً. فقال له الناس : سلِّم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال : أوفيكم رسول اللّه ؟ قالوا : نعم ، فسلَّم عليه ،

ثم قال : إن كنت رسول اللّه فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه. قال له سَلَمة بن سلامة بن وَقش: لا تسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،، وأقبل علىَّ فأنا أخبرك عن ذلك. نزوت عليها، ففى بطنها منك سَخْلة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : مَهْ أفحشْتَ على الرجل ، ثم أعرض عن سَلمة ونزل رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم سَجْسج وهى بئر الرَّوْحاء ثم ارتحل منها، حتى إذا كان بالمنْصَرَف ، ترك طريق مكة بيسار، وسلك ذات اليمين على النازية، يريد بدراً، فسلك في ناحية منها، حتى جَزَع وادياً، يقال له رُحْقان ، بين النازية وبين مَضِيق الصَّفْراء، ثم على المضيق ، ثم انصب منه ، حتى إذا كان قريباً من الصفراء، بعثَ بَسْبَس ابن الجُهَنى حليفَ بني ساعدة، وعَدِي بن أبي الزّغْباء الجهنى، حليف بنى النجار، إلى بدر يتحسسان له الأخبار، عن أبي سفيان ابن حرب وغيره ، ثم ارتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقد قدمها. فلما استقبل في الصَّفراء، وهي قرية بين جَبَلين ، سأل عن جبليهما ما اسماهما؟

فقالوا: يقال لأحدهما، هذا مُسْلح ، وللآخر : هذا مُخْزِىء، وسأل عن أهلهما فقيل : بنو النار وبنو حُراق ، بطنان من بني غِفار فكرههما رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمرور بينهما، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما : فتركهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والصفراء بيسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له : ذَفِرَان ، فجزع فيه ، ثم نزل.

 ما قاله أبو بكر وعمر والمقداد تشجيعاً للجهاد

 وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار الناس ، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر الصديق ، فقال وأحسن ، ثم قام عمر بن الخطاب ، فقال وأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو

فقال : يا رسول اللّه ، امضِ لما أراك اللّه فنحن معك ، واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى :{ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }.[المائدة: ٢٤]. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغماد لجالدنا معك من دونه ، حتى تبلغه. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خيراً، ودعا له به.

استشارة الأنصار  

ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أشيروا عليَّ أيها الناس. وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس ، وأنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا : يا رسول اللّه ، إنا بُراء من ذمامِك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءَنا ونساءَنا. فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخوَّف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم.

فلما قال ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال له سعد بن معاذ : واللّه لكأنك تريدنا يا رسول اللّه ؟ قال أجل :

قال : فقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودَنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول اللّه لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخُضته لخضناه معك ، ما تخلَّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنَّا لَصُبُرٌ في الحرب ، صُدُقٌ في اللقاء، لعل اللّه يُريك منا ما تقر به عينُك ، فسِر بنا على بركة اللّه. فسُر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقول سعد، ونشَّطه ذلك ،

ثم قال : سيروا وأبشروا، فإن اللّه تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين ، واللّه لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم.

 التعرف على أخبار قريش

ثم ارتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذَفران ، فسلك على ثَنايا، يقال لها: الأصَافِر، ثم انحط منها إلى بلد يقال له : الدَّبَّة، وترك الحَنَّان بيمين وهو كَثيب عظيم كالجبل العظيم ، ثم نزل قريباً من بدر فركب هو ورجل من أصحابه.

قال ابن هشام : الرجل هو أبو بكر الصديق.

قال ابن إسحاق : كما حدثني محمد بن يحيى بن حبان : حتى وقف على شَيْخ من العرب ، فسأله عن قريش، وعن محمد وأصحابه ، وما بلغه عنهم ؟ فقال الشيخ : لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إذا أخبرتنا أخبرناك. قال أذاك بذاك ؟

قال : نعم قال الشيخ : فإنه بلغنى أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني ، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره ،

قال : ممن أنتما؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : نحن من ماء، ثم انصرف عنه. قال يقول الشيخ : ما من ماء، أمن ماء العراق ؟

قال ابن هشام : يقال : ذلك الشيخ : سفيان الضَّمْري.

قال ابن إسحاق : ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أصحابه ، فلما أمسى بعث علىَّ بن أبى طالب ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، في نفر من أصحابه ، إلى ماء بدر، يلتمسون الخبر له عليه - كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير - فأصابوا رَاويةً لقريش فيها أسْلَم ، غلام بني الحجَّاج ، وعَرِيض أبو يسار، غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما فسألوهما، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائم يصلى، فقالا : نحن سقاة قريش ، بعثونا نسقيهم من الماء فكره القومُ خبرَهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان ، فضربوهما. فلما أذلقوهما قالا : نحن لأبى سفيان ، فتركوهما. وركع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسجد سجدتيه ، ثم سلم ،

وقال : إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما،. صدقا، واللّه إنهما لقريش، أخبراني عن قريش ؟ قالا : هم واللّه وراء هذا الكَثيب الذي ترى -بالعُدْوة القُصْوى - والكثيب : العَقَنْقَل.

فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : كم القوم ؟ قالا : كثير؟

قال : ما عدتهم ؟ قالا : لا ندري ،

قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوماً تسعاً، ويوماً عشراً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : القوم فيما بين التسع مئة والألف.

ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا : عتبة ابنِ ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البخْتَري بن هشام ، وحَكيم بن حِزام ، ونوْفل بن خوَيلد، والحارث بن عامر بن نَوْفل ، وطُعَيْمة بن عَدِي ابن نَوْفل ، والنَّضْر بن الحارث ، وزَمَعَة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونُبَيه ، ومُنَبّه ابنا الحجاج ، وسُهَيل بن عمرو، وعَمرو ابن عبد ود. فأقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الناس ،

فقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.

قال ابن إسحاق : وكان بَسْبَس بن عمرو، وعدي بن أبي الزَّغْباء قد مضيا حتى نزلا بدراً، فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شَنًّا لهما يسقيان فيه ، ومجدي بن عمرو الجهنى على الماء فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر، وهما يَتلازمان على الماء، والملزومة تقول لصاحبتها : إنما تأتي العيرُ غداً أو بعد غدٍ ، فأعمل لهم ، ثم أقضيك الذي لك ، قال مَجْدِي : صدقتِ ، ثم خلَّص بينهما.

وسمع ذلك عَدي وبَسْبس ، فجلسا على بعيريهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبراه بما سمعا.

نجاة أبي سفيان بالعير

وأقبل أبو سفيان بن حرب ، حتى تقدم العير حذَراً، حتى ورد الماء؟ فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسستْ أحداً؟

فقال : ما رأيت أحداً أنكره ، إلا أنى قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ، ثم استقيا في شَنٍّ لهما، ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مُناخَهما، فأخذ من أبعارِ بعيريهما، ففته ، فإذا فيه النوى؟

فقال : هذه واللّه علائف يثرب. فرجع إلى أصحابه سريعاً، فضرب وجه عيره عن الطريق ، فساحَلَ بها، فترك بدراً بيسار وانطلق حتى أسرع.

رؤيا جُهيم عن مصارع قريش

قال : وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجُحْفة، رأى جُهَيم بن الصَّلْت بن مَخْرمة بن عبد المطلب ابن عبد مناف رؤيا،

فقال : إنى رأيت فيماّ يرى النائم ، وإنى لبين النائم واليقظان ، إذ نظرت إلى رجل قد أقبل على فرس حتى وقف ، ومعه بعير له ؟

ثم قال : قُتل عُتبة بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية بن خَلَف ، وفلان وفلان ، فعدد رجالاً ممن قُتل يوم بدرِ، من أشراف قريش ، ثم رأيته ضرب في لَبَّة بعيره ، ثم أرسله في العسكر؟ فما بقى خباء من أخْبية العسكر إلا أصابه نَضْح - من دمه.

قال : فبلغتْ أبا جهل ؟

فقال : وهذا أيضاً نبى آخر من بني المطلب ، سيعلم غداً من المقتول إن نحن التقينا.

أبو سفيان يرسل إلى قريش يطلب منهم الرجوع  

قال ابن إسحاق : ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحْرز عيره ، أرسل إلى قريش : إنكم إنما خرجتم لتَمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاها اللّه ، فارجعوا؟ فقال أبو جهل بن هشام : واللّه لا نرجع حتى نرد بدراً - وكان بدر موسماً من مواسم العرب ، يجتمع لهم به سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثاً، فننحر الجُزر، ونطعم الطعام ونُسْقي الخمر، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجَمْعنا، فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها، فامضوا.

الأخنس يرجع ببني زهرة

 وقال الأخنس بن شريق بن عمرو ابن وهب الثقفي : وكان حليفاً لبنى زُهرة وهم بالجُحْفة : يا بنى زُهرة، قد نجَّى اللّه لكم أموالكم ، وخَلَّص لكم صاحبكم مَخْرمة بن نوفل ، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله ، فاجعلوا لي جُبْنَها وارجعوا، فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في ضَيْعة، لا ما يقول هذا، يعنى أبا جهل. فرجعوا، فلم يشهدها زُهْرِيّ واحد، أطاعوه وكان فيهم مُطاعاً.

ولم يكن بقى من قريش بطن إلا وقد نَفر منهم ناس ، إلا بنى عَدِي بن كعب ، لم يخرج منهم رجل واحد، فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شَرِيق ، فلم يشهد بدراً من هاتين القبيلتين أحد، ومشى القوم. وكان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة،

فقالوا : واللّه لقد عرفنا يا بنى هاشم ، وإن خرجتم معنا، أن هواكم لمع محمد: فرجع طالب إلى مكة مع من رجع. ، وقال طالب بن أبى طالب :

لاهُمَّ إمايَغْزُوَنَّ طالـــــبْ   في عُصبةٍ محالف مُحاربْ
في مِقْنبٍ من هذه المقانــبْ   فليكن المسلوب غيرَ السالبْ
وليكن المغلوب غير الغالب

قال ابن هشام : قوله " فليكن المسلوب "، وقوله : " وليكن المغلوب " عن غير واحد من الرواة للشعر.

قريش تنزل بالعدوة والمسلمون ببدر  

قال ابن إسحاق : ومضت قريش حتى نزلوا بالعُدْوَة القُصْوَى من الوادي ، خلف العَقَنْقَل وبطن الوادي ، وهو يَلْيَل ، بين بدر وبين العَقَنْقَل الكثيب الذي خلفه قريش، والقُلُب ببدر في العُدْوة الدنيا من بطن يَلْيَل إلى المدينة.

وبعث اللّه السماء، وكان الوادي دَهْساً، فأصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه منها ما لَبَّد لهم الأرضَ ، ولم يمنعهم عن السير، وأصاب قريشاً منها مالم يقدروا على أن يرتحلوا جمعه. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبادرهم إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به.

الحباب يشير عليه صلى اللّه عليه وسلم بمكان النزول  

قال ابن إسحاق : فحُدثت عن رجال من بني سَلمة، أنهم ذكروا: أن الحُباب بن المنذر ابن الجَموح

قال : يا رسول اللّه ؟ أرأيتَ هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلَكه اللّه ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأيُ والحربُ والمكيدة؟

قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة.

فقال : يا رسول اللّه ، فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم ، فننزله ثم نُغَوِّر ما وراءه من القُلُب ، ثم نبنى عليه حوضاً فنمْلؤه ماء، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لقد أشرتَ بالرأي. فنهض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ، ثم أمر بالقُلُب فغُوِّرت ، وبنى حَوْضا على القُلُب الذي نزل عليه فملىء ماء، ثم قذفوا فيه الآنية.

بناء العريش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم  

قال ابن إسحاق : فحدثني عبد اللّه بن أبى بكر أنه حُدث : أن سعد بن معاذ

قال : يا نبى اللّه ، ألا نبتني لك عريشاً تكون فيه ، ونُعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدونا فإن أعزنا اللّه وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك ، فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلف عنك أقوام ، يا نبى اللّه ، ما نحن بأشد لك حبًّا منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك ، يمنعك اللّه بهم ، يناصحونك ويجاهدون معك ، فأثنى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خيرا ودعا له بخير، ثم بُنى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عريشٌ ، فكان فيه

ارتحال قريش ودعاء الرسول عليهم  

قال ابن إسحاق : وقد ارتحلت قريش حين أصبحت ، فأقبلت ، فلما رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تَصوَّب من العَقَنْقَل - وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي

قال : اللّهم هذه قريش قد أقبلت بخُيلائها وفخرها، تُحادُّ ك وتكذِّب رسولَك ، اللّهم فنصرَك الذي وعدتنى، اللّهم أحِنْهم الغداة.

وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وقد رأى عتبةُ بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر: إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يَرْشُدوا.

وقد كان خُفاف بن أيماء بن رَحَضة الغِفاري ، أو أبوه أيماء بن رحضة الغفاري ، بعث إلى قريش، حين مروا به ، ابناً له بجزائره أهداها لهم ،

وقال : إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا.

قال : فأرسلوا إليه مع ابنه : أن وصَلَتْك رَحِم ، قد قضيت الذي عليك فلعَمْري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم ، ولئن كنا إنما نقاتل اللّه ، كما يزعم محمد، فما لأحد باللّه من طاقة.

فلما نزل الناس أقبل نفرٌ من قريش حتى وردوا حوضَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيهم حكيم بن حزام ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعوهم : فما شرب منه رجل يومئذ إلا قُتل ، إلا ما كان من حَكيم بن حزام ، فإنه لم يُقتل ، ثم أسلم بعد ذلك ، فحسن إسلامه. فكان إذا جهد في يمينه ،

قال : لا والذي نجانى من يوم بدر.

محاولة قريش الرجوع عن القتال  

قال ابن إسحاق : وحدثني أبي : إسحاق بن يسار، وغيره من أهل العلم ، عن أشياخ من الأنصار،

قالوا: لما اطمأن القوم ، بعثوا عُمَير بن وهب الجُمَحى

فقالوا : احْزُروا لنا أصحاب محمد،

قال : فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم ،

فقال : ثلاث مئة رجل ، يزيدون قليلاً أو ينقصون ، ولكن أمهلونى حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟

قال : فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم ير شيئاً، فرجع إليهم

فقال : ما وجدت شيئاَ، ولكن قد رأيت ، يا معشر قريش، البَلايا تحمل المنايا، نواضح يَثْرب تحمل الموتَ الناقع ، قوم ليس معهم مَنَعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، واللّه ما أرى أن يُقتل رجل منهم ، حتى يَقتل رجلاً منكم ، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خيرُ العيش بعد ذلك ؟ فَرَوْ رأُيكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس ، فأتى عُتبة بن ربيعة،

فقال : يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تُذكر فيها بخير إلى آخر الدهر؟

قال : وما ذاك يا حكيم ؟

قال : ترجع بالناس ، وتحمل أمرَ حليفك عَمرو ابن الحضرمى،

قال : قد فعلتُ ، أنت عليَّ بذلك ، إنما هو حليفي ، فعلىَّ عقلُه وما أصيب من ماله ، فأت ابن الحنظلية.

الحنظلية ونسبها  

قال ابن هشام : والحنظلية أم أبى جهل ، وهى أسماء بنت مُخَرَّبة، أحد بنى نَهْشِل بن دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم - فإنى لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره ، يعنى أبا جهل بن هشام. ثم قام عُتبة بن ربيعة خطيباً،

فقال : يا معشر قريش ، إنكم واللّه ما تصنعون بأن تلْقَوْا محمداً وأصحابه شيئاً، واللّه لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه ، قَتل ابنَ عمه وابنَ خاله ، أو رجلاً من عشيرته ، فارجعوا أو خلوا بين محمد وبين سائر العرب ، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم ، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تَعَرَّضوا منه ما تريدون.

قال حَكيم : فانطلقتُ حتى جئتُ أبا جهل ، فوجدته قد نَثَل دِرْعاً له من جرابها، فهو يَهْنِئها. -

قال ابن هشام : يُهيئها -

فقلتُ له : يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا، للذي قال ،

فقال : انتفخ واللّه سَحْرُه حين رأى محمداً وأصحابه ، كلا واللّه لا نرجع حتى يحكم اللّه بيننا وبينَ محمد، وما بعتبة ما قال ، ولكنه قد رأى أن محمداً وأصحابه أكلةَ جَزُور، وفيهم ابنه ، فقد تخوَّفكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحَضْرمى،

فقال : هذا يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثأرك بعينك ، فقم فأنشد خُفْرَتَك ، ومقتل أخيك.

فقام عامر بن الحَضْرمى فاكتشف ثم صرخ : واعَمْراه. واعَمْراه ، فحميت الحرب ، وحَقِب الناس ، واستوسقوا على ما هم عليه من الشَّرِّ. وأفسد على الناس الرأيُ الذي دعاهم إليه عتبة.

 فلمابلغ عُتبة قول أبى جهل "انتفخ واللّه سَحْرُه "،

قال : سيعلم مُصَفِّرُ استِه من انتفخ سَحْرُه ، أنا أم هو؟

قال ابن هشام : السَّحْر : الرئة وما حولها مما يعلق بالحلقوم من فوق السرة. وما كان تحت السرة، فهو القُصْب ، ومنه قوله : رأيت عَمرو بن لحى يجر قُصْبَه في النار.

قال ابن هشام : حدثني بذلك أبو عبيدة.

ثم التمس عُتبة بَيْضةً ليُدخلها في رأسه ، فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته. فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه بُبرد له.

مقتل الأسود بن عبد الأسد المخزومي  

قال ابن إسحاق : وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومى، وكان رجلاً شَرِساً سيِّئ الخُلُق ،

فقال : أعاهد اللّه لأشربنَّ من حوضِهم ، أو لأهدِمَنَّه. أو لأموتَنَّ دونه ، فلما خرج ، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب ، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمَه بنصف ساقه ، وهو دون الحَوْض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه ، ثم حبا إلى الحَوْض حتى اقتحم فيه ، يريد أن يبر بيمينه ، وأتبعه حمزةُ فضربه حتى قتله في الحوض.

دعاء عتبة إلى المبارزة

قال : ثم خرج بعدُ عتبة بن ربيعة، بين أخيه شَيْبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عُتبة، حتى إذا فَصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فِتية من الأنصار ثلاثة وهم : عَوْف ، ومعُوّذ، ابنا الحارث - وأمهما عفراء - ورجل آخر، يقال : هو عبد اللّه بن رَوَاحةَ

فقالوا : من أنتم ؟

فقالوا : رهط من الأنصار

قالوا: ما لنا بكم من حاجة، ثم نادى مناديهم : يا محمد، أخرجْ إلينا اكْفاءَنا من قومنا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : قم يا عُبيدة بن الحارث ، وقم يا حمزة، وقم يا علىّ، فلما قاموا ودنوا منهم ،

قالوا: من أنتم ؟ قال عُبي دة : عبيدة، وقال حمزة : حمزة، وقال عليّ : علىّ قالوا : نعم ، أكْفاء كرام ، فبارز عبيدة، وكان أسن القوم ، عُتبة بن ربيعة وبارز حمزة شَيْبة بن ربيعة وبارز على الوليد بن عتبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله

وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه ، وكَرَّ حمزة وعليّ بأسيافهما على عُتبة فذَفَّفا عليه ، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه.

قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عُمر بن قتادة : أن عُتبة ابن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا : أكفاء كرام ، إنما نريد قومنا.

التقاء الفريقين  

قال ابن إسحاق : ثم تزاحف الناس ودنا بعضُهم من بعض ، وقد أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرَهم ،

وقال : إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنَّبْل ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العريش ، معه أبو بكر الصديق.

تاريخ وقعة بدر

فكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان.

قال ابن إسحاق : كما حدثني أبو جعفر محمد بن على بن الحسين.

ضرب الرسول ابن غزية  

قال ابن إسحاق : وحدثني حَبَّان ابن واسع بن حَبَّان عن أشياخ من قومه : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عَدَّل صفوفَ أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم ، فمر بسَواد بن غَزِيَّة، حليف بنى عدي بن النجار -

قال ابن هشام : يقال ، سَوَّاد، مثقلة، وسواد في الأنصار غير هذا، مخفف - وهو مُسْتَنْتل من الصف -

قال ابن هشام : ويقال مُسْتَنصلِ من الصف - فطعن في بطنه بالقدْح ،

وقال : استوِ يا سَوَّاد

فقال : يا رسول اللّه ، أوجعتنى وقد بعثك اللّه بالحق والعدل ،

قال : فأقدْني فكشف رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن بطنه ،

وقال : استقدْ،

قال : فاعتنقه فقبَّل بطنه :

فقال : ما حملك على هذا يا سَواد؟

قال : يا رسول اللّه ، حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخرُ العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدَك. فدعا له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخير، وقاله له.

الرسول يناشد ربه النصر  

قال ابن إسحاق : ثم عدَّل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ، ومعه فيه أبو بكر الصديق ، ليس معه فيه غيره ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يناشد ربَّه ما وعده من النصر، ويقول فيما يقول : اللّهم إن تَهْلك هذه العصابة اليوم لا تُعْبد، وأبو بكر يقول : يا نبِىِ اللّه ، بعضَ مُناشدتك ربك ، فإن اللّه مُنْجِز لك ما وعدك. وقد خفق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خَفْقةً وهو في العريش ، ثم انتبه

فقال : أبشرْ يا أبا بكر، أتاك نصرُ اللّه ، هذا جبريل آخذٌ بعنان فرس - يقوده ، على ثناياه النَّقْعُ.

أول شهيد من المسلمين

قال ابن إسحاق : وقد رُمِي مِهْجع ، مولى عمر بن الخطاب بسهم فقُتل فكان أول قتيل من المسلمين ثم رُمى حارثة بن سُرَاقة، أحد بنى عَدِي بن النجار، وهو يشرب من الحَوْض ، بسهم فأصاب نحره ، فقُتل.

الرسول يحرض على القتال

قال : ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الناس فحرَّضهم ،

وقال : والذي نفس محمد بيده ، لا يقاتلهم اليومَ رجلٌ فيُقتل صابراً محتسباً، مُقبلاً غير مُدْبر، إلا أدخله اللّه الجنة.

فقال عُمَيْر بن الحُمام أخو بني سَلمة، وفى يده تمرات يأكلهن : بَخْ بَخْ ، أفما بيني وبين أن أدخلِ الجنة إلا أن يقتلنى هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه ، فقاتل القومَ حتى قُتل.

قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عُمر بن قَتادة : أن عوف ابن الحارث ، وهو ابن عفراء قال يا رسول اللّه ، ما يُضْحك الرب من عبده ؟ قال غَمْسه يَده في العدو حاسراً. فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفَه فقاتل القوم حتى قُتل.

ما استفتح به أبو جهل  

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد ابن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صُعَيْر العُذْري ، حليف بني زُهرة، أنه حدثه : لما التقى الناسُ ، ودنا بعضُهم من بعض ، قال أبو جهل بن هشام : اللّهم أقطَعنا للرحم ، وآتانا بما لا يُعْرف ، فأحِنْه الغَداةَ. فكان هو المستفتح.

الرسول يرمي المشركين بالحصباء   

قال ابن إسحاق : في إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ حفنة من الحَصْباء فاستقبل قريشاً بها،

ثم قال : شاهتِ الوجوهُ ، ثم نَفَحهم بها، وأمر أصحابه

فقال : شُدُّوا فكانت الهزيمة، فقتَل اللّه تعالى من قَتل من صناديد قريش ، وأسَر من أسر من أشرافهم. فلما وضع القومُ أيديهم يأسرون ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العريش ، وسعد بن معاذ قائمٌ على باب العريش ، الذي فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ّ ، متوشِّح السيف ، في نفر من الأنصار يحرسون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يخافون عليه كَرَّة العدو، ورأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما ذكر لى - في وجه سَعْد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : واللّه لكأنك يا سعدُ تكره ما يصنع القوم ؟

قال :أجل واللّه يا رسول اللّه ، كانت أول وقعة أوقعها اللّه بأهل الشرك. فكان الِإثخان في القتل بأهل الشرك أحبَّ إلي من استبقاء الرجال.

نهي النبي عن قتل البعض وسببه   

قال ابن إسحاق : وحدثني العباس بن عبد اللّه بن معبد، عن بعض أهله ، عن ابن عباس : أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ : إني قد عرفت أن رجالاً من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، ولا حاجة لهم بقتالنا : فمن لقى منكم أحداً من بنى هاشم فلا يقتُله ومن لقي أبا البَخْتَري بن هشام ابن الحارث بن أسد فلا يقتله ، فإنه إنما أخرج مُسْتكرَهاً.

قال : فقال أبو حُذيفة : أنقتل آباءَنا وأخواتنا وعشيرتنا. ونترك العباس ؟ واللّه لئن لقيتُه لألحِمنه السيف

قال ابن هشام : ويقال لألجمنه السيف  

قال : فبلغت رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص - قال عمر : واللّه إنه لأول يوم كَنَّانى فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأبي حَفْص - أيضرب وجه عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالسيف ؟ فقال عمر : يا رسول اللّه ، دعنى فلأضرب عنقهُ بالسيف ، فواللّه لقد نافق فكان أبو حذيفة يقول : ما أنا بامن من تلك الكلمة التي قلتُ يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عنى الشهادة. فقتل يوم اليمامة شهيداً.

 قال ابن إسحاق : وإنما نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل أبى البَخْتَري لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يؤذيه ، ولا يبلغه عنه شىء يكرهه ، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قُريش على بني هاشم وبنى المطلب. فلقيه المجَذَّر بن زياد البَلَوي ، حليف الأنصار، ثم من بني سالم بن عَوْف ، فقال المجَذَّر لأبي البَخْتري : إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد نهانا عن قتلك - ومع أبي البَختري زميل له ، قد خرج معه من مكة، وهو جُنادة بن مُلَيحة بنت زهير بن الحارث بن أسد، وجنادة رجل من بنى لَيْث واسم أبى البَخْتري : العاص -

قال : وزميلي ؟ فقال له المجذر : لا واللّه ، ما نحن بتاركى زميلك ما أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا بك وحدك ؟

فقال : لا واللّه ، إذن لأموتن أنا وهو جميعاً، لا تتحدث عني نساءُ مكة أني تركت زميلى حرصاً على الحياة. فقال أبو البَخْتري حين نازله المجذّر وأبى إلا القتال ، يرتجز :

لن يُسْلِمَ ابنُ حُرةٍ زميلَـــــهْ   حتى يموتَ أو يَرى سبيلَهْ

 فاقتتلا، فقتله المجذّر بن زياد. وقال المجذر بن زياد في قتله

أبا البَخْتري :

إما جَهِلْتَ أو نسيتَ نسبـــى   فأثبِت النسبةَ أنىِّ من بَلِى
الطاعنين برماحِ اليَزنــــي   والضاربين الكبشَ حتى ينحنِى
بشِّر بيُتمِ من أبوه البَخْتــري   أو بَشِّرن بمثلِها من بَنى
أنا الذي يُقال أصلي من بَلـى   أطعنُ بالصَّعْدةِ حتى تَنْثَني
وأعبِطِ القِرْنَ بعَضْبٍ مَشْرَفى   أرْزِمُ للموتِ كإرزامِ المَرِي
فلا ترى مجذَّراً يَفْرِي فَرِي

قال ابن هشام : " المَري " عن غير ابن اسحاق. والمَري : الناقة التي يستنزل لبنها على عُسر.

قال ابن إسحاق : ثم إن المجذَّر أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال : والذي بعثك بالحق لقد جهدتُ عليه أن يَستأسر فآتيك به ، فأبى إلا أن يُقاتلني ، فقاتلتُهُ فقتلتُه.

قال ابن هشام : أبو البَخْتري : العاص بن هشام بن الحارث بن أسد.

 مقتل أمية بن خلف :

قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه ،

قال ابن إسحاق : وحدثنيه أيضاً عن عبد اللّه بن أبى بكر وغيرهما، عن عبد الرحمن بن عوف

قال : كان أمية بن خلف لى صديقاً بمكة، وكان اسمي عبد عمرو، فتسمَّيت ، حين أسلمتُ ، عبدَ الرحمن ، ونحن بمكة، فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول : يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماكَه أبواك ؟ فأقول : نعم ، فيقول : فإني لاأعرف الرحمن ، فاجعل بينى وبينك شيئاً أدعوك به ، أما أنت فلا تجيبنى باسمك الأول ،

وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف ،

قال : فكان إذا دعانى : يا عبد عمرو، لم أجبه.

قال : فقلت له : يا أبا علىٍّ ، اجعلْ ما شئت ،

قال : فأنت عبد الإله ،

قال :

فقلت : نعم ،

قال : فكنت إذا مررت به

قال : يا عبد الِإله فأجيبه ، فأتحدث معه حتى إذا كان يوم بدر مررتُ به ، وهو واقف مع ابنه ، علىِّ ابن أمية، آخذ بيده ومعى أدراع قد استلبتها، فأنا أحملها فلما رآنى قال لى : يا عبد عمرو، فلم أجبه ،

فقال : يا عبد الِإله ؟

فقلت :نعم ،

قال : هل لك في، فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ؟

قال : قلت نعم ، ها اللّه ذا.

قال : فطرحتُ الأدراع من يدي ، وأخذت بيده ويد ابنه ، وهو يقول : ما رأيتُ كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ؟

قال : ثم خرجت أمشي بهما.

قال ابن هشام : يريد باللبن ، أن من أسرنى افتديت منه بإبل كثيرة اللبن.

قال ابن إسحاق : حدثني عبد الواحد بن أي عَوْن ، عن سعد ابن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن عوف ،

قال : قال لي أمية بن خلف ، وأنا بينه وبين ابنه ، آخذ بأيديهما : يا عبد الِإله ، مَن الرجل منكم المعلَّم بريشة نعامة في صدره ؟

قال : قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب ، قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.

قال عبد الرحمن : فواللّه إنى لأقودهما إذ رآه بلال معى - وكان هو الذي يعذّب بلالاً بمكة على ترك الِإسلام ، فيُخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت ، فيُضجعه على ظهره ثم يأمر بالصَّخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول : لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد، فيقول بلال : أحَدٌ أَحَدٌ.

قال : فلما رآه ، قال رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوتُ إن نجا

قال : قلت : أي بلال ، أبأسيري

قال : لا نجوت إن نجا.

قال : قلت أتسمع يابن السوداء،

قال : لا نجوتُ إن نجا.

قال : ثم صرخ بأعلى صوته. يا أنصارَ اللّه ، رأس الكفر أميةُ بن خلف ، لا نجوت إن نجا.

قال : فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المُسْكة وأنا أذُبُّ عنه.

قال : فأخلف رجلٌ السيفَ ، فضرب رِجْل ابنه فوقع ، وصاح أمية صيحة ما سمعتُ مثلَها قط.

قال :

فقلتْ : انجُ بنفسك ولا نجاءَ بك فواللّه ما أغنى عنك شيئاً.

قال : فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما،

قال : فكان عبد الرحمن يقول : يرحم اللّه بلالاً، ذهبت أدراعي وفَجَعني بأسيري.

الملائكة تشهد وقعة بدر  

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد اللّه ابن أبي بكر أنه حُدث عن ابن عباس

قال : حدثني رجل من بنى غِفار،

قال : أقبلتُ أنا وابن عم لى حتى أصعدنا في جبل يُشرف بنا على بدر، ونحن مُشركان ، ننتظر الوقعة على من تكون الدَّبْرة، فننتهب مع من ينتهب.

قال : فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حَمْحَمة الخيل ، فسمعت قائلاً يقول : أقدْم حَيْزومُ فأما ابن عمى فانكشف قناعُ قلبه ، فمات مكانَه ،

وأما أنا فكِدْت أهلِك ، ثم تماسكت.

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد اللّه بن أبي بكر، عن بعض بني ساعدة، عن أبي أسَيد مالك بن ربيعة، وكان شهد بدراً، قال ، بعد أن ذهب بصرُه : لو كنتُ اليوم ببدر ومعى بصري لأريتكم الشِّعْب الذي خرجتْ منه الملائكة، لا أشك فيه ولا أتمارى.

قال ابن إسحاق : وحدثني أبي : إسحاق بن يسار، عن رجال من بنى مازن بن النجار، عن أبي داود المازني ، وكان شهد بدراً،

قال : إنى لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه ، إذ وقع رأسُه قبل أن يصلَ إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري.

قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن مِقْسم ، مولى عبد اللّه ابن الحارث ، عن عبد اللّه بن عباس ،

قال : كانت سِيما الملائكة يوم بدر عمائمَ بيضاً قد أرسلوها على ظهورهم ، ويوم حُنين عمائم حمراً.

قال ابن هشام : وحدثني بعضُ أهل العلم أن على بن أبي طالب

قال : العمائم تيجان العرب وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاً وقد أرخوها على ظهورهم ، إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء.

قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن مِقْسَم ، عن ابن عباس ،

قال : ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عَدداَ ومَدداً لا يَضربون.

مقتل أبي جهل

قال ابن إسحاق : وأقبل أبو جهل يومئذ يرتجز، وهو يقاتل ويقول :

ما تَنْقِم الحربُ العَوانُ منى   بازلُ عامَيْن حديث سِنىّ

لمثلِ هذا ولدتنى أمى

قال ابن هشام : وكان شعار أصحاب رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر : أحَدٌ أحَدٌ.

قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عَدوه ، أمر بأبى جهل أن يُلْتمس في القتلى.

وكان أول من لقى أبا جهل ، كما حدثني ثَوْر بن يزيد عن عِكْرمة، عن ابن عباس ، وعبد اللّه بن أبي بكر أيضاً قد حدثني ذلك قالا : قال معاذ بن عمرو بن الجموح ، أخو بني سَلمة : سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحَرَجة -

قال ابن هشام : الحَرَجة : الشجر الملتف. وفي الحديث عن عمر بن الخطاب : أنه سأل أعرابيّاً عن الحَرَجة؟

فقال : هي شجرة من الأشجار لا يوصل إليها وهم يقولون : أبو الحَكم لا يُخلص إليه.

قال : فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمَدْتُ نحوَه ، فلما أمكننى حملت عليه ، فضربته ضربة أطنَّت قدمَه بنصف ساقه ، فواللّه ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مِرْضخة النوى حين يُضرب بها.

قال : وضربني ابنه عِكرمة على عاتقى، فطرح يدي ، فتعلقت بجلْدة من جَنْبي ، وأجهضنى القتالُ عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي ، وإني لأسحبها خلفى، فلما آذتنى وضعت عليها قدمى، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها.

قال ابن إسحاق : ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمان عثمان.

ثم مر بأبي جهل وهو عَقير: مُعَوّذ بن عفراء، فَضَرَبه حتى أثبته ، فتركه وبه رمق. وقاتل مُعَوذ حتى قُتل ، فمر عبد اللّه بن مسعود بأبي جهل ، حين أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يُلتمس في القتلى، وقد قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما بلغنى - انظروا - إن خفىِ عليكم في القتلى - إلى أثر جُرح في ركبته ، فإنى ازدحمت يوماَ أنا وهو على مأدُبة لعبد اللّه بن جُدْعان ، ونحن غلامان ، وكنت أشفَّ منه بيَسير، فدفعتُهُ فوقع على ركبتيه ، فجحش في إحداهما جَحْشاً لم يزل أثره به. قال عبد اللّه بن مسعود : فوجدته بآخر رَمَق فعرفته ، فوضعت رجلي على عُنقه -

قال : وقد كان ضبَث بن مرة بمكة، فآذانى ولكزنى، ثم قلت له : هل أخزاك اللّه يا عدوَّ اللّه ؟

قال : وبماذا أخزانى أعْمَدُ من رجل قتلتموه ، أخْبرنى لمن الدائرة اليومُ ؟

قال : قلت للّه ولرسوله.

قال ابن هشام : ضَبَثَ : قبض عليه ولَزِمه. قال ضابىء بن الحارث البُرْجمى :

فأصبحت مما كان بَيْنى وبينَكم    من الودِّ مثلَ الضابثِ الماءَ باليدِ

قال ابن هشام :

ويقال : أعَارٌ على رجل قتلتموه ، أخبرنى لمن الدائرة اليوم ؟

رأس عدو اللّه بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم   

قال ابن إسحاق : وزعم رجال من بني مخزوم ، أن ابن مسعود كان يقول : قال لى : لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رُوَيْعي الغنم

قال : ثم احتززت رأسَه

ثم جئت به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقلت : يا رسول اللّه ، هذا رأس عدو اللّه أبي جهل ؟

قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اللّه الذي لا إله غيره –

قال : وكانت يمين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم – قال قلتُ نعم ، واللّه الذي لا إله غيره ، ثم ألقيت رأسَه بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحمد اللّه.

قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي :

أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص ، ومر به : إنى أراك كأن في نفسك شيئاً، أراك تظن أني قتلت أباك ، إنى لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإنى مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فحدت عنه ، وقصد له ابن عمه على فقتله.

حديث عُكاشة بن مِحْصَن  

قال ابن إسحاق : وقاتل عُكَّاشة ابن مِحْصَن بن حُرْثان الأسدي حليف بني عبد شمس بن عبد مناف يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده ، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعطاه جِذْلاً من حَطب ،

فقال : قاتلْ بهذا يا عُكَّاشة، فلما أخذه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هزه ، فعاد سيفاً في يده طويل القامة، شديد المتْن ، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح اللّه تعالى على المسلمين ، وكان ذلك السيف يُسمى : العَوْن. ثم لم يزل عنده يَشْهد به المشاهد مع رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى قُتل في الرِّدَّة، وهو عنده ، قتله طُليحة ابن خُوَيلد الأسدي ، فقال طُليحة في ذلك :

فما ظنكم بالقومِ إذ تقتلونهـــم   أليسوا وأن لم يُسْلموا برجالِ
فإن تك أذاودٌ أصِبْنَ ونِسْــــــوة   فلن تذهبوا فِرْغاً بقتلِ حِبالِ
نصبْت لهم صدرَ الحِمالــــــةِ   إنها معاودة قِيلَ الكُماة نَزَالِ
فيوماً تراها في الجِلالِ مَصُونـــةً   ويوماً تراها غيرَ ذاتِ جِلالِ
عشيَّةَ غادرتُ ابنَ أقرمَ ثاويـــــاً   وعُكَّاشة الغَنْمِي عندَ حجالِ

قال ابن هشام : حِبال : ابن طُلَيحة بن خُوَيلد.وابن أقْرَم : ثابت ابن أقْرم الأنصاري.

قال ابن إسحاق : وعُكَّاشة بن محصن الذي قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يدخل الجنة سبعون ألفاً من أمتى على صورة القمر ليلة البدر.

قال : يا رسول اللّه ، ادع اللّه أن يجعلنى منهم ،

قال : إنك منهم ، أو اللّهم اجعله منهم ، فقام رجل من الأنصار،

فقال : يا رسول اللّه ، ادع اللّه أن يجعلنى منهم ،

فقال : سبقك بها عُكَّاشة وبردت الدعوةُ.

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيما بلغنا عن أهله : منا خيرُ فارس في العرب ، قالوا ومن هو يا رسول اللّه ؟

قال : عُكَّاشة بن مِحْصَن ، فقال

ضرار بن الأزْور الأسدي

ذاك رجل منا يا رسول اللّه ،

قال : ليس منكم ولكنه منا للحِلْف

قال ابن هشام : ونادى أبو بكر الصديق ابنَه عبد الرحمن ، وهو يومئذ مع المشركين ، فقال أين مالى يا خبيثُ ؟ فقال عبد الرحمن :

لم يَبْقَ غيرُ شِكَّةٍ ويَعْبــــوبْ   وصارمٌ يَقْتلُ ضُلاَّلَ الشِّيبْ

فيما ذكر لي عن عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي.

طرح المشركين في القليب  

قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد ابن رومان عن عُروة بن الزبير عن عائشة،

قالت : لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالقتلى أن يُطرحوا في القَليب طُرحوا فيه ، إلا ما كان من أمية بن خلف ، فإنه انتفخ في دِرْعه فملأها، فذهبوا ليحركوه ، فتزايل لحمه ، فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة. فلما ألقاهم في القليب ، وقف عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقال : يأهلَ القَليب. هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقّاً؟ فإنى قد وجدت ما وعدني ربي حقّاً.

قالت : فقال له أصحابه : يا رسول اللّه. أتكلم قوماً مَوْتَى؟

فقال لهم : لقد علموا أن ما وعدَهم ربُّهم حقّاً.

قالت عائشة : والناس يقولون : لقد سمعوا ما قلت لهم ، وإنما قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لقد علموا.

قال ابن إسحاق : وحدثني حُمَيد الطويل ، عن أنس بن مالك ،

قال : سمع أصحابُ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم من جَوف الليل وهو يقول : يأهلَ القَليب ، يا عتبةَ بن ربيعة، ويا شَيْبة بن ربيعة، ويا اُّمية بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام ، فعدَّد من كان منهم في القَليب : هل وجدتم ما وعدَ ربُّكم حقّاً؟ فإنى قد وجدتُ ما وعدني ربى حقاً؟ فقال المسلمون. يا رسول اللّه ، أتنادي قوماً قد جيفُوا؟

قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يستطيعون أنَ يجيبونى.

قال ابن إسحاق : وحدثني بعضُ أهل العلم : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يوم هذه المقالة : يأهل القَليب ، بئس عشيرةُ النبىِّ كنتم لنبيكم ، كذبتمونى وصدقنى الناس ، وأخرجتمونى وأواني الناس ، وقاتلتموني ونصرنى الناس ،

ثم قال : هل وجدتم ما وعدَكم ربُّكم حقّاً؟ للمقالة التي قال.

شعر حسان في ذلك   

قال ابن إسحاق : وقال حسانُ بن ثابت :

عرفتُ ديارَ زَيْنبَ بالكَثيبِ   كخَطِّ الوَحْى في الورقِ القَشيبِ
تداولُها الرياحُ وكل جَــــوْنٍ   من الوَسْمِىِّ منهمر سكوبِ
فأمسى رسمها خَلَقــــــاً   وأمستْ يباباً بعدَ ساكِنِها الحبيبِ
فدعْ عنك التذكُّرَ كلَّ يــــومٍ   ورُدَّ حرارةِ الصدرِ الكئيبِ
وخَبِّر بالذي لا عَيْبَ فيــــه   بصِدْقٍ غيرِ إخبارِ الكذوبِ
بما صنع المليكُ غَداةَ بـــدر   لنا في المشركين من النَّصيبِ
غداةَ كأن جَمَعَهُئم حِــــراءٌ   بدتْ أركانُة جُنْح الغروبِ
فلاقَيناهُمُ منا بجَمْــــــع   كأسْد الغابِ مردانٍ وشيبِ
أمامَ محمد قـــــد وازروه   على الأعداءِ في لَفْحِ الحروبِ
بأيديهم صَوارمُ مُرهَفـــات   وكلُّ مجرَّب خَاظِى الكُعوبِ
بنو الأوسِ الغَطارفُ وازرَتْها   بنو النجارِ في الدينِ الصليبِ
فغادرنا أبا جهل صريعـــاً   وعُتبةَ قد تركنا بالجَبوبِ
وشَيْبةَ قد تركنا في رجــال   ذوي حسبٍ إذا نُسبوا حسيبِ
يناديهم رسولُ اللّه لمـــــا   قذفناهم كباكِبَ في القَليبِ
ألم تجدوا كلامي كان حَقُّـــا   وأمرُ اللّه يأخدُ بالقَلوبِ ؟
فما نطقوا، ولو نطقوا لقالـوا:   صدقتَ وكنتَ ذا رأيٍ مُصيبِ

قال ابن إسحاق : ولما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يُلقوا في القَليب ، أخذ عتبة بن ربيعة، فسُحب إلى القليب. فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما بلغني - في وجه أبي حذيفة بن عُتبة، فإذا هو كئيب قد تغير لونه ،

فقال : يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شىء؟ أو كما قال صلى اللّه عليه وسلم

فقال : لا واللّه يا رسول اللّه ، ما شككتُ في أبي ولا في مصرعه ، ولكنى كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلإ، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الِإسلام ، فلما رأيت ما أصابه ، وذكرت ما مات عليه من الكفر، بَعْدَ الذي كنت أرجو له ، أحزنني ذلك ، فدعا له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخير، وقال له خيراً.

الفتية الذين نزل فيهم { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ }: وكان الفتية الذين قُتلوا ببدر، فنزل فيهم من القرآن ، فيما ذكر لنا : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّه وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء:٩٧]

فتية مُسَمَّين

من بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الحارث بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد.

ومن بنى مخزوم : أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن عبد اللّه ابن عُمر بن مخزوم ، وأبو قَيْس بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم.

ومن بني جمَح : علىّ بن أمية بن خلف بن وهب بن حُذافة بن جُمَح

ومن بني سهم : العاص بن مُنَبه بن الحجاج بن عامر بن حُذيفة ابن سعد بن سهم.

وذلك أنهم كانوا أسلموا، ورسول اللّه صلى اللّه عليهوسلم بمكة، فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعاً.

فيء بدر واختلاف المسلمين فيه

 ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر بما في العسكر، مما جَمع الناس ، فجُمع ، فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه : هو لنا. ومَال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه : واللّه لولا نحن ما أصبتموه ، لنحن شَغلْنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم وقال الذين كانوا يحرسون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مخافةَ أن يُخالف إليه العدو : واللّه ما أنتم بأحق به منا، واللّه لقد رأينا أن نقتل العدو إن منحنا اللّه تعالى أكتافه ، ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونَه من يمنعه ، ولكنا خِفنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كَرَّة العدو، فقمنا دونَه فما أنتم بأحق به منا.

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي واسمه صُدَيُّ بن عَجْلان فيما

قال ابن هشام -

قال : سألت عُبادة بن الصامت عن الأنفال ،

فقال : فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه اللّه من أيدينا، فجعله إلى رسوله ، فقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين المسلمين عن بَوَاء. يقول : على السواء.

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد اللّه بن أبي بكر،

قال : حدثني بعضُ بني ساعدة عن أبي أسَيد الساعدي مالك بن ربيعة،

قال : أصبتُ سيف بني عائط المخزوميين الذين يسمَّى المَرْزُبان يوم بدر، فلما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناسَ أن يردوا ما في أيديهم من النَّفْل ، أقبلتُ حتى ألقيته في النفل.

قال : وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يمنع شيئاً سُئله ، فعرفه الأرقم بن أبى الأرقم ، فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأعطاه إياه.

 بُشرى الفتح  

قال ابن إسحاق : ثم بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عندَ الفتح عبدَ اللّه بن رَواحة بشيراً إلى أهل العالية، بما فتح اللّه عز وجل على رسوله صلى اللّه عليه وسلم وعلى المسلمين ، وبعث زَيد بن حارثة إلى أهل السَّافلة. قال أسامة بن زيد : فأتانا الخبر - حين سَوَّيْنا الترابَ على رُقية ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، التي كانت عند عثمان بن عفان. كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خَلفنى عليها مع عثمان - أن زيد بن حارثة قد قدم.

قال : فجئته وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس ، وهو يقول : قُتل عتبة بن ربيعة، وشيْبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام ، وزَمْعَة بن الأسود، وأبو البَخْتري العاص بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونُبيه ومُنبه ابنا الحجاج.

قال : قلت : يا أبتِ ، أحقٌّ هذا؟

قال : نعم ، واللّه يا بني.

الرجوع إلى المدينة

 ثم أقبل رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قافلاً إلى المدينة، ومعه الأسارى من المشركين ، وفيهم عُقبة بن أبي مُعَيْط ، والنَّضر بن الحارث ، واحتمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معه النفل الذي أصيب من المشركين ، وجعل على النفل عبدَ اللّه بن كعب بن عمرو بن عَوْف بن مبذول ابن غَنْم بن مازن بن النجار فقال راجز من المسلمين

قال ابن هشام : يقال : إنه عدي بن أبى الزَّغْباء:

أقِمْ لها صدورَها يا بَسْبَـــسُ   ليس بذي الطَّلْحِ لها مُعَرَّسُ
ولا بصحراءِ غُمَيْر مَحْبَــس   إن مطايا القومِ لا تُخَيَّس
فحمْلُها على الطريق أكْيَــس   قد نصر اللّه وفرَّ الأخْنَسُ

 تهنئة المسلمين الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالفتح

ثم أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - حتى إذا خرج من مَضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية - يقال له : سير - إلى سَرْحة به فقسم هنالك النفل الذي أفاء اللّه على المسلمين من المشركين على السواء، ثم ارتحل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح اللّه عليه ومن معه من المسلمين ، فقال لهم سَلَمة بن سلامة - كما حدثني عاصم بن عُمر بن قتادة، ويزيد بن رُومان - : ما الذي تهنئوننا به ؟ فواللّه إن لقينا إلا عجائزَ صُلْعاً كالبُدْن المعقَّلة، فنحرناها، فتبسم.رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

ثم قال : أي ابن أخي ، أولئك الملأ

قال ابن هشام : الملأ:الأشراف والرؤساء.

مقتل النضر وعقبة   

قال ابن إسحاق : حتى إذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصَّفْراء قُتل النضر بن الحارث ، قتله على بن أبى طالب ، كما أخبرنى بعض أهل العلم من أهل مكة.

قال ابن إسحاق : ثم خرج حتى إذا كان بعرْق الظَّبْية قُتل عُقبة ابن أبي مُعَيْط.

قال ابن هشام : عِرْق الظَّبية عن غير ابن إسحاق.

قال ابن إسحاق : والذي أسر عُقبة : عبدُ اللّه بن سلمة أحد بني العَجْلان.

قال ابن إسحاق : فقال عُقبة حين أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقتله : فمن للصبية يا محمد؟

قال : النار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري ، أخو بنى عَمرو بن عوف ، كما حدثني أبو عُبيده بن محمد بن عمار بن ياسر.

قال ابن هشام : ويقال قتله علىُّ بن أبى طالب فيما ذكر لى ابن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم.

قال ابن إسحاق : ولقى رسولَ اللة صلى اللّه عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند،

مولى فَرْوة بن عَمرو البَياضى بحَميت مملوء حَيْساً. ،

قال ابن هشام : الحَميت : الزّق ، وكان قد تخلف عن بدر، ثم شهد المشاهد كلها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو كان حَجَّامَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنما هو أبو هند امرؤ من الأنصار.

فأنكِحوه ، وأنكِحوا إليه ، ففعلوا.

قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى قدم المدينة قبلَ الأسارَى بيوم.

قال ابن إسحاق : وحدثني عبدُ اللّه بن أبى بكر أن يحيى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة،

قال : قدم بالأسارى حين قُدم بهم ، وسَوْدة بنت زَمْعة زوج النبى صلى اللّه عليه وسلم عند آل عفراء، فىمناحتهم على عَوْف ومعوذ ابنى عفراء، وذلك قبل أن يُضرب عليهن الحجاب.

قال : تقول سَوْدة : واللّه إنى لعندهم إذ أتينا، فقيل : هؤلاء الأسارى، قد أتى بهم.

قالت : فرجعتُ إلى بيتي ، ورسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيه ، وإذا أبو يزيد سُهيل بن عمرو في ناحية الحجرة، مجموعة يداه إلى عُنقه بحبل

قالت : فلا واللّه ما ملكت نفسى حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت : أي أبا يزيد : أعطيتم بأيديكم ، ألا مُتم كراماً، فواللّه ما أنبهني إلا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من البيت : يا سَوْدة، أعلى اللّه ورسوله تُحرّضين ؟!

قالت : قلتُ : يا رسول اللّه ، والذي بعثك بالحق ، ما ملكت نفسى حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلتُ ما قلتُ

 الإيصاء بالأسارى   

قال ابن إسحاق : وحدثني نُبيه بن وهب ، أخو بني عبد الدار، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه ، وقال. استوصوا بالأسارى خيراً.

قال : وكان أبو عزيز ابن عُمَير بن هاشم ، أخو مُصْعَب بن عُمير لأبيه وأمه في الأسارى.

قال : فقال أبو عزيز: مَرَّ بى أخي مُصْعب بن عُمير ورجل من الأنصار يأسرني ،

فقال : شد يديك به ، فإن أمه ذات متاعً ، لعلها تفديه منك ، قَال وكنت في رَهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر، لوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها.

قال : فأستحيى فأردها على أحدهم ، فيردها عليَّ ما يمسها.

بلوغ مصاب قريش في رجالها إلى مكة  

قال ابن هشام : وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النَّضر بن الحارث ،

فلما قال أخوه مُصْعب بن عُمَير لأبى اليَسَر، وهو الذي أسره ، ما قال ، قال له أبو عَزيز : يا أخى، هذه وَصاتُك بى، فقال له مُصْعَب : إنه أخى دونَك. فسألتْ أمه عن أغلى ما فُدِي به قُرشي ، فقيل لها : - أربعة ألاف درهم ، فبعثته بأربعة الاف درهم ، ففدته بها.

قال ابن إسحاق : وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحَيْسُمان ابن عبد اللّه الخُزاعى،

فقالوا : ما وراءك ؟

قال : قُتل عُتبة بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية بن خَلف ، وزَمْعة بن الأسود، ونُبيه ومُنبه ابنا الحجاج ، وأبو البَخْتري بن هشام ، فلما جعل يعدد أشرافَ قريش قال صفوان بن أمية، وهو قاعد في الحِجْر : واللّه إن يَعْقل هذا فاسئلوه عنى

فقالوا : ما فعل صَفْوان بن أمية؟

قال : ها هو ذاك جالساً في الحِجْر، وقد واللّه رأيت أباه وأخاه حين قُتلا.

قال ابن إسحاق : وحدثني حُسين بن عبد اللّه بن عُبيد اللّه بن عباس ، عن عِكْرمة مولى ابن عباس ،

قال : قال أبو رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : كنتُ غلاماً للعباس بن عبد المطلب ، وكان الِإسلام قد أدخلنا أهل البيت ، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمتُ وكان العباس يهاب قومَه ويكره خلافَهم وكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه ، وكان أبو لهب قد تخلَّف عن بدر، فبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة، وكذلك كانوا صنعوا، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلاً، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش، كبته اللّه وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوةً وعِزًّا.

قال : وكنت رجلاً ضعيفأ، وكنت أعمل الأقداح ، أنحتها في حُجرة زمزم ، فواللّه إنى لجالس فيها أنحت أقداحي ، وعندي أمُّ الفضل جالسة، وقد سَرَّنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بِشَر. حتى جلس على طُنُب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري.

فبينما هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب -

قال ابن هشام : واسم أبى سفيان المغيرة - قد قدم.

قال : فقال أبو لهب : هلمَّ إليَّ ، فعندك لعمري الخبر،

قال : فجلس إليه والناس قيام عليِه ،

فقال : يابن أخي ، أخبرنى كيف كان أمر الناس ؟

قال : واللّه ما هو إلا أن لقينا القومَ فمنحناهم أكتافنا يقودوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وايم اللّه مع ذلك ما لُمت الناس ، لقينا رجالاً بيضاً، على خَيْل بُلْق ، بين السماء والأرض ، واللّه ما تُليق شيئاً، ولا يقوم لها شىء.

قال أبو رافع : فرفعت طُنُب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك واللّه الملائكة

قال : فرفع أبو لهب يده فضرب بها وجهى ضربةً شديدة.

قال : وثاورْتُه فاحتملنى فضرب بي الأرض ، ثم برك عليَّ يضربنى، وكنت رجلاً ضعيفاً. فقامت أم الفضل إلى عمود من عُمد الحجرة، فأخذته فضربته فلَعت في رأسه شَجَّة منْكَرة، وقالت : استضعفته أن غاب عنه سيدُه ؟ فقام مُولِّيا ذليلا، فواللّه ما عاش إلا سبعَ ليالٍ حتى رماه اللّه بالعَدَسة فقتلته.

قريش تنوح على قتلاها وشعر الأسود في رثاء أولاده

قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه عَبَّاد،

قال : ناحت قريش على قتلاهم ،

ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلُغَ محمداً وأصحابَه ، فيشمَتوا بكم ولا تبعثوا في أسراكم حتى تسْتأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء. قال وكان الأسود بن المطَّلب قد أصيب له ثلاثة من ولده ، زَمعة بن الأسود، وعَقيل بن الأسود، والحارث بن زَمعة، وكان يحب أن يبكي على بنيه ، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحةً من الليل ، فقال لغلام له ، وقد ذهب بصره : أنظر هل أحِلَّ النَّحْب ، هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلى أبكى على أبي حكيمة، يعنى زمعة، فإن جوفى قد احترق

قال : فلما رجع إليه الغلام

قال : إنما هي امرأة تبكى على بعير لها أضلته.

قال : فذاك حين يقول الأسود :

أتبكى أن يَضلَّ لها بعيــــرٌ   ويمنعُها من النومِ السُّهودُ
فلا تبكي على بَكْر ولكـــن   على بدرٍ تقاصرتِ الجُدودُ
على بدرٍ سَرَاةِ بنى هُصيْــصٍ   ومخزومٍ ورَهْط أبي الوليدِ
وبَكِّى إن بكيتِ على عَقيــل   وبكّى حارثاً أسَدَ الأسودِ
وبكيِّهم ولا تَسَمى جميعـــــاً   وما لأبي حَكيمةَ من نَدِيدِ
ألا قد ساد بعدَهُمُ رجـــــــال   ولولا يومُ بدر لم يَسُودوا

قال ابن هشام : هذا إقواء، وهي مشهورة من أشعارهم ، وهي عندنا إكفاء. وقد أسقطنا من رواية ابن إسحاق ما هو أشهر من هذا.

فداء أسارى قريش وفداء أبي وداعة

قال ابن إسحاق : وكان في الأسارى أبو وَداعة بن ضُبَيْرة السَّهْمى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إن له بمكة ابناً كَيِّساً تاجراً ذا مال ، وكأنكم به قد جاءكم في طلب فداء أبيه ، فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه ، قال المطلب بن أبي وَداعة - وهو الذي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عني - : صدقتم ، لا تعجلوا، وانسلَّ من الليل فقدم المدينة، فأخذ أباه بأربعة ألاف درهم ، فانطلق به.

 فداء سُهَيل بن عمرو : قال ، ثم بعثت قريش في فداء الأسارى، فقدم مِكْرَز بن حفص بن الأخْيف في فداء سُهَيل بن عمرو، وكان الذي أسره مالك بن الدُّخْشُم ، أخو بنى سالم بن عوف ،

فقال :

أسرتُ سُهيْلا فلا أبتغـــــي   أسيراً به من جميعِ الأممْ
وخِنْدف تعلم أنَّ الفتــــــى   فتاها سُهَيل إذا يُظَّلَمْ
ضربتُ بذي الشَّفْر حتى انثنـى   وأكرهتُ نفسى على ذي العَلَمْ

وكان سُهَيل رجلاً أعلم من شفته السُّفْلَى

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لمالك ابن الدُّخْشُم.

النهي عن التمثيل بالعدو   

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء، أخو بنى عامر بن لُؤَي ، أن عمر بن الخطاب قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا رسول اللّه ، دعنى أنزع ثنيتىْ سَهل بن عمرو، ويَدْلَع لسانه ، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً :

قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا أمثِّل به فيمثل اللّه بى وإن كنت نبياً.

قال ابن إسحاق: وقد بلغنى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعمر في هذا الحديث : إنه عسى أن يقوم مقاماً لا تَذمُّه. -

قال ابن هشام : وسأذكر حديث ذلك المقام في موضعه - إن شاء اللّه تعالى.

قال ابن إسحاق : فلما قاولهم فيه مِكْرَز وانتهى إلى رضاهم ، قالوا : - هاتِ الذي لنا،

قال : اجعلوا رجلى مكان رجله ، وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه ، فخَلَّوْا سبيل سُهَيل ، وحبسوا مِكْرزاً مكانه عندهم ، فقال مِكْرز :

فديتُ بأذوادٍ ثِمانٍ سِبا فَتـــى  ينال الصميمَ غُرمُها لا المواليا
رهنْتُ يدي والمالُ أيسرُ من يدي   علىَّ ولكنى خَشيت المخازِيَا

 

وقلتُ : سُهيلٌ خيرُنا فاذهبوا بـه   لأبنائِنا حتى نُديرَ الأمانيا

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا لمِكْرَز.

أسر عمرو بن أبي سفيان

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد اللّه ابن أبى بكر،

قال : كان عمرو بن أبي سفيان بن حرب ، وكان لبنت عقبة بن أبي مُعَيْط -

قال ابن هشام : أم عمرو بن أبى سفيان - بنت أبى عمرو، وأخت أبى مُعَيط بن أبى عمرو - أسيراً في يَدَيْ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، من أسرى بدر.

قال ابن هشام : أسره على بن أبى طالب.

قال ابن إسحاق : حدثني عبد اللّه بن أبي بكر،

قال : فقيل لأبى سفيان : أفد عَمراً ابنك ،

قال : أيجمع علىَّ دمى ومالى؟ قتلوا حَنْظلة، وأفْدِي عَمراً! دعوه في أيديهم يُمسكوه ما بدا لهم.

قال : فبينما هو كذلك ،محبوس بالمدينة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ خرج سعدُ بن النعمان بن أكَّال ، أخو بنى عَمرو بن عَوْف ثم أحد بني معاوية معتمراً ومعه مُرَيَّةٌ له ، وكان شيخاً مسلما، في غنم له بالنَّقيع فخرج من هنالك معتمراً، ولا يخشى الذي صُنع به ، لم يظن أنه يُحبس بمكة، إنما جاء معتمراً. وقد كان عَهِدَ قريشاً لا يَعْرضون لأحد جاء حاجاً أو معتمراً إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان ابن حرب بمكة فحبسه بابنه عَمْرو،

ثم قال أبو سفيان :

أرهطَ ابنِ أكَّالٍ أجيبوا دُعــــاءَه   تعاقدتم لا تُسلموا السَّيدَ الكَهْلاَ
فإن بنى عَمْرو لئامٌ أذِلـــــــةٌ   لئن لم يَفُكُّوا عن أسيرِهم الكَبْلا

فأجابه حسان بن ثابت

فقال :

لو كان سعد يومَ مكةَ مُطلقـــاً   لأكثرَفيكم قبلَ أن يُؤْسَرَالقَتْلا
بعَضْبٍ حُسَامٍ أو بصفراءَ نبعةٍ   تحنُّ إذا ما أنْبِضَتْ تَحْفِزُالنَّبلا

ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبروه خبره ، وسألوه أن يعطيَهم عمرو بن أبى سفيان فيفكوا. به صاحبهم ، ففعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فبعثوا به إلى أبي سفيان ، فخلى سبيل سعد.

 قصة زينب بنت الرسول وزوجها أبي العاص

قال ابن إسحاق : وقد كان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمس ، خَتْن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وزوج ابنته زينب.

قال ابن هشام : أسرهِ خِرَاش بن الصِّمَّة، أحد بني حرام.

قال ابن إسحاق : وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين ، مالاً،

وأمانة، وتجارة، وكان لهالة بنت خوَيْلد، وكانت خديجة خالته. فسألت خديجة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يزوجه ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يخالفها، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحى، فزوَّجه ، وكانت تعده بمنزلة ولدها : فلما أكرم اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم بنبوته آمنت به خديجة وبناته ، فصدَّقْنه ، وشَهدْن أن ما جاء به الحق ، ودِنَّ بدينه ، وثبت أبو العاص على شركه.

قريش تشغل الرسول عليه السلام بطلاق بناته

وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد زوج عُتبة بن أبى لهب رُقية، أو أم كلثوم. فلما بادى قريشاً بأمر اللّه تعالى وبالعداوة، قالوا : إنكم قد فَرَّغْتم محمداً من همه ، فردُّوا عليه بناتِهِ ، فاشغلوه بهنَّ فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له : فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئتَ ،

قال : لا واللّه ، إنى لا أفارق صاحبتى، وما أحب أن لى بامرأتى امرأةً من قريش. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يثنى عليه في صِهْره خيراً، فيما بلغني ، ثم مشوا إلى عُتبة بن أبى لهب ، فقالوا له : طَلِّق بنت محمد ونحن ننكحك أي امرأة من قريش شئتَ : فقال ، إن زوجتمونى بنت أبان بن سعيد بن العاص ، أو بنت سعيد بن العاص فارقتها، فزوجوه بنت سعيد بن العاص وفارقها، ولم يكن أدخل بها فأخرجها اللّه من يده كرامة لها، وهواناً له ، وخَلَفَ عليها عثمانُ بن عفان بعده.

تحريم زينب على أبى العاص بن الربيع

وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يُحل بمكة ولا يُحرم مغلوباً على أمره ، وكان الِإسلام قد فرَّق بين زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أسلمت وبين أبى العاص ابن الربيع ، إلا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرق بينهما، فأقامت معه على إسلامها وهو على شركه ، حتى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلما صارت قريش إلى بدر، صار فيهم أبو العاص بن الربيع فأصيب في الأسارَى يوم بدر، فكان بالمدينة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

رد المسلمين فدية زينب لأبي العاص

قال ابن إسحاق وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عائشة قالت لما بعث أهلُ مكة في فداءِ أسرائهم ، بعثت زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادةٍ لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بَنَى عليها

قالت : فلما رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رَقَّ لها رِقةً شديدة

وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها مالَها، فافعلوا؟

فقالوا : نعم يا رسول اللّه. فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.

 خروج زينب إلى المدينة وما أصابها عند خروجها

قال : وكان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أخذ عليه ، أو وعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك ، أن يخلى سبيل زينب ، أو كان فيما شرط عليه في إطلاقه ، ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيُعلم ما هو، إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخُلي سبيله ، بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار مكانه ،

فقال : كونا ببطن يأجَج حتى تمر بكما زينب ، فتصحباها حتى تأتياني بها. فخرجا مكانَهما، وذلك بعد بدر بشهر أو شَيْعِه ، فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فخرجت تَجَّهز.

قال ابن إسحاق : فحدثني عبد اللّه بن أبي بكر،

قال : حُدثت عن زينب أنها

قالت : بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي لقيتنى هند بنت عتبة، فقالت : يا بنت محمد، ألم يبلغنى أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟

قالت : ما أردتُ ذلك ، فقالت : أي ابنة عمي ، لا تفعلى، إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك ، أو بمال تتبلغين به إلى أبيك ، فإن عندي حاجتك ، فلا تَضْطَني منى فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال.

قالت : واللّه ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل ،

قالت : ولكنى خِفتُها، فأنكرت أن أكون أريد ذلك ، وتجهزت.

 كنانة يرجع بزينب حتى تهدأ الأصوات ضدها

فلما فرغت بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من جهازها قَدَّم لها حَمُوها كِنانةُ بن الربيعِ أخو زو جها بعيراً، فركبته ، وأخذ قوسَه وكنانته ، ثم خرج بها نهاراَ يقود بها، وهى في هَوْدج لها. وتحدث بذلك رجال من قريش ، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طُوى، فكان أول من سبق إليها هبَّار ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والفِهْري ، فروَّعها هَبَّار بالرُّمح وهي في هودجها، وكانت المرأة حاملاً - فيما يزعمون - فلما رِيعتْ طرحتْ ذا بطنها. وبرك حموها كنانة، ونثر كنانته ،

ثم قال : واللّه لا يدنو منى رجل إلا وضعت فيه سهماً، فتكَرْكر الناس عنه. وأتى أبو سفيان في جلَّة من قريش

فقال : أيها الرجل ، كف عنا نبلَك حتى نكلمَك فكف ، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه ،

فقال : إنك لم تُصب ، خر جت بالمرأة على رؤوس الناسِ علانية، وقد عرفتَ مصيبتَنا ونكبتَنا، وما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا، أن ذلك عن ذُلّ أصابنا عن مصيبتنا التي كانت ، وأن ذلك منا ضَعْف ووَهْن ، ولعَمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة، ومالنا في ذلك من ثُؤْرة، ولكن ارجع بالمرأة، حتى إذا هدأت الأصواتُ ، وتحدث الناس أن قد رددناها، فسُلَّها سِرًّا، وألحقها بأبيها

قال : ففعل. فأقامت لياليَ ، حتى إذا هدأت الأصواتُ خرج بها ليلاً حتى أسلمها إلى زيد ابن حارثة وصاحبه ، فقدما بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

شعر لأبي خيثمة في شأن زينب :

قال ابن إسحاق : فقال عبد اللّه بن رواحة : أو أبو خَيْثمة، أخو بنى سالم بن عوف في الذي كان من أمر زينب -

قال ابن هشام : هي لأبى خيثمة-:

أتانى الذي لا يقدرُ الناسُ قَــــدْرَه   لزينَب فيهم من عُقوقٍ ومَأثَم
وإخراجُها لم يُخْزَ فيها محمـــــدٌ   على مَأقِطٍ وبيننا عِطْرُ مَنْشَمِ
وأمسى أبوسفيانَ من حِلْفِ ضَمْضَـمً   ومن حربنا في رَغْمَ أنفٍ ومَنْدم
قرنَّا ابنَه عَمراً ومولَى يمينـــــه   بذي حَلَقٍ جَلْدِالصَّلاصلِ مُحكَمِ
فأقسمْتُ لا تَنْفكُّ منا كتائــب   سُراةُ خَميسٍ في لُهامٍ مُسَوَّمِ
نزوعُ قريش الكفرِ حتى نَعُلَّهـا   بخاطمةٍ فوقَ الأنوفِ بميْسَمِ
ننزلهم أكنافَ نجدٍ ونخلـةٍ وإن   يُتْهموا بالخيلِ والرَّجْلِ نُتهِمِ
يد الدهرِ حتى لا يُعَوَّجُ سِربُنـا   ونُلحقهم آثارَ عادٍ وجُرْهم
ويندَم قومٌ لم يُطيعوا محمــداً   على أمرِهم وأيّ حين تَنَدُّمِ
فأبلغْ أبا سفيانَ إما لَقِيتَه لئـن   أنتَ لم تُخلصْ سجوداً وتُسْلم
فأبشرْ بخزْيٍ في الحياةِ معُجَّلٍ  وسِرْبالِ قارٍ خالداً في جَهنمِ

قال ابن هشام : ويروى : وسربال نار.

قال ابن إسحاق : ومولى يمين أبى سفيان ، الذي يعنى : عامر ابن الحضرمي : كان في الأسَارَى وكان حلف الحضرمى إلى حرب ابن أمية.

قال ابن هشام : مولى يمين أبى سفيان ، الذي يعنى : عُقبة بن عبد الحارث بن الحضرمى، فأما عامر بن الحضرمى فقتل يوم بدر.

 شعر هند وكنانة في هجرة زينب : ولما انصرف الذين خرجوا إلى زينب لقيتهم هند بنت عتبة فقالت لهم :

أفى السِّلمِ أعْيارٌ جَفاءً وغِلظةً   وفي الحربِ أشباهُ النساءِ العَوارِكِ

وقال كنانة بن الربيع في أمر زينب ، حين دفعها إلى الرجلين :

عَجبتُ لهبَّارٍ وأوباقِ قومِـــهِ   يريدون إخفاري ببنتِ محمدِ
ولستُ أبالى ما حَيِيتُ عديدهم   وما استجمَعَتْ قبضاً يَدِي بالمهتدِ

 الرسول يستبيح دم هبار الذي روع ابنته زينب :

قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن بُكَير بن عبد اللّه بن الأشَجّ ، عن سليمان بن يسار، عن أبي إسحاق الدَّوْسي. عن أبى هريرة.

قال : بعث رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم سَرِيَّة أنا فيها. فقال لنا : إن ظفرتم بهبَّار بن الأسود، أو الرجل الاخر الذي سبق معه إلى زينب.

قال ابن هشام : وقد سمى ابنُ إسحاق الرجلَ في حديثه

وقال : هو نافع بن عبد قيس - فحرِّقوهما بالنار : قال ، فلما كان الغدُ بعث إلينا.

فقال : إنى كنت أمرتُكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموهما. ثم رأيت أنه لا ينبغى لأحد أن يعذِّب بالنارِ إلا اللّه ، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما.

إسلام أبي العاص بن الربيع

المسلمون يستولون على مال لأبي العاص وقدومه لاسترداده :

قال ابن إسحاق : وأقام أبو العاص بمكة، وأقامت زينب عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة. حين فرق بينهما الِإسلام. حتى إذا كان قُبَيل الفتح ، خرج أبو العاص تاجراً إلى الشام ، وكان رجلاً مأموناً، بمال له وأموال لرجال من قريش، أبضعوها معه ، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلاً، لقيته سَرِيَّة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأصابوا ماله ، وأعجزهم هارباً، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله ، أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاستجار بها، فأجارته ، وجاء في طلب مالهِ ، فلما خرج رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الصبح - كما حدثني يزيدُ بن رومان - فكبر وكبر الناس معه ، صرخت زينبُ من صُفَّة النساء : أيها الناس ، إنى قد أجرتُ أبا العاص ابن الربيع ،

قال : فلما سلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس ،

فقال : أيها الناس ! هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا : نعم ؟

قال : والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتُ ، إنه يُجير على المسلمين أدناهم. ثم انصرف رسول اللة صلى اللّه عليه وسلم، فدخل على ابنته ،

فقال : أي بُنَية، أكرمى مثواه ، ولا يخلصنَّ إليك ، فإنك لا تحلين له.

المسلمون يردون على أبي العاص ماله وإسلامه بعد ذلك :

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد اللّه بن أبي بكر : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى السَّرية الذين أصابوا مال أبى العاص ،

فقال لهم : إن هذا الرجل منا حيثُ قد علمتم ، أصبتم له مالاً، فإن تُحسنوا وتردوا عليه الذي له ، فإنا نُحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فَيْءُ اللّه الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحقُّ به ،

فقالوا : يا رسول اللّه ، بل نرده عليه ، فردوه عليه ، حتى إن الرجل ليأتى بالدَّلْوِ، ويأتى الرجل بالشَّنَّة وبالِإداوة، حتى إن أحدهم ليأتى بالشَظاظ ، حتى ردوا عليه مالَه بأسرِه ، لا يفقد منه شيئاً، ثم احتمله إلى مكة، فأدى إلى كلِّ ذى مال من قريش مالَه ، ومن كان أبضع معه ،

ثم قال : يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا : لا. فجزاك اللّه خيراً، فقد وجدناك وفِيّاً كريماً،

قال : فأنا أشهدُ أن لا إله إلا اللّه ، وأن محمداً عبده ورسوله ، واللّه ما منعنى من الإسلام عنده إلا تخوّفي أن تظنوا أني أردت أن آكلَ أموالَكم ، فلما أداها اللّه إليكم وفرغت منها أسلمتُ. ثم خرج حتى قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

الرسول يرد زينب إلى أبي العاص :

قال ابن إسحاق : وحدثني داودُ بن الحُصَيْن عن عِكرمة عن ابن عباس

قال : رد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينبَ على النكاح الأول لم يُحدثْ شيئاً بعد ستِ سنين.

من أمانة زوج زينب ابنة الرسول :

قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة : أن أبا العاص بن الربيع لما قَدِم من الشام ومعه أموال المشركين ، قيل له : هل لك أن تُسلم وتأخذ هذه الأموال ، فإنها أموال المشركين ؟ فقال أبو العاص : بئس ما أبدأ به إسلامى أن أخون أما نتى.

قال ابن هشام : وحدثني عبد الوارث بن سعيد التنَوري ، عن داود ابن أبي هند، عن عامر الشَّعبي ، بنحو من حديث أي عبيدة عن أبى العاص.

مَنْ مُنَّ عليه بغير فداء :

قال ابن إسحاق : فكان ممن سُمى لنا من الأسارى ممن مُنَّ عليه بغير فداء، من بني عبد شمس بن عبد مناف : أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمس مَنَّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد-أن بعثت زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بفدائه. ومن بنى مخزوم بن يقظة : المطَّلب بن حَنْطَب بن الحارث ابن عُبَيدة بن عُمر بن مخزوم ، كان لبعض بنى الحارث بن الخزرج ، فتُرك في أيديهم حتى خَلَّوا سبيله. فلحق بقومه.

قال ابن هشام : أسره خالد بن زَيْد، أبو أيوب الأنصاري ، أخو بنى النجَّار.

قال ابن إسحاق : وَصَيْفى بن أبى رفاعة بن عابد بن عبد اللّه ابن عُمر بن مخزوم ، تُرك في أيدي أصحابه ، فلما لم يأتِ أحد في فدائه أخذوا عليه ليبعثنَّ إليهم بفدائه ، فخلَّوْا سبيله ، فلم يَفِ لهم بشىء فقال حسان بن ثابت في ذلك :

وما كان صَيفيٌّ ليُوفى ذمــةً   قَفا ثعلبٍ أعيا ببعضِ الموارِدِ

قال ابن هشام : وهذا البيت في أبيات له.

قال ابن إسحاق : وأبو عزَّة، عَمرو بن عبد اللّه بن عثمان بن أهَيْب بن حُذافة بن جُمَح ، كان محتاجاً ذا بنات ، فكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال : يا رسول اللّه لقد عرفتَ مالىَ من مال ، وإنى لذو حاجة، وذو عيال ، فامنُنْ علىَّ؟ فمنَّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأخذ عليه ألا يظاهر عليه أحداً.

ما مدح به أبو عزة الرسول عندما أطلقه بغير فداء :

فقال أبو عزة.في ذلك ، يمدح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويذكر فضله في قومه :

مَنْ مُبلغ عني الرسولَ محمــداً   بأنك حقٌّ والمليكُ حَميدُ
وأنت امرؤ تدعوإلى الحقِّ والهــدَى   عليك من اللّه العظيمِ شهيدُ
وأنتَ امرؤ بوِّئتَ فينا مَبــــــاءةً   له درجاتٌ سَهْلةٌ وصعودُ
فإنك من حاربته لمُحـــــــارَبٌ   شَقِيّ ومن سالمته لسعيدُ
ولكن إذا ذُكرْتُ بدراً وأهلَــــــه   تأوَّب ما بى : حَسرةٌ وقعودُ

مقدار الفداء للأسير :

قال ابن هشام : كان فداء المشركين يومئذ أربعة الاف درهم للرجل ، إلى ألف درهم ، إلا من لا شىء له ، فمنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليه.

إسلام عُمير بن وَهْب بعد تحريض صفوان له على قتل الرسول

قال ابن إسحاق : وحدثني محمدُ بن جعفر بن الزبير، عن عُروة ابن الزبير

قال : جلس عُمَيْر بن وهب الجُمحي مع صفوان بن أمية بعد مُصاب أهل بدر من قريش - في الحِجْر - بيسير، وكان عُمير ابن وهب شَيْطاناً من شياطين قريش، وممن كان يُؤذِي رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، ويَلْقَون منه عناءً وهو بمكة، وكان ابنهُ وهب بن عُمَيْر في أسارى بدر.

قال ابن هشام : أسره رفاعة بن رافع أحد بنى زُرَيْق.

قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جَعْفر بن الزُّبير، عن عُروة ابن الزبير،

قال : فذكر أصحابَ القَليب ومُصابهم ، فقال صفوان : واللّه إنْ في العيش بعدهم خيرٌ ؟ قال له عُمير : صدقتَ واللّه ، أما واللّه لولا دَيْن علىَّ ليس له عندي قضاء، وعيالٌ أخشى عليهم الضَّيْعةَ بعدي ، لركبت إلى محمد حتى أقتلَه ، فإن لى قبلهم علة : ابنى أسير في أيديهم

قال : فاغتنمها صفوان

وقال : علىَّ دينُك ، أنا أقضيه عنك ، وعيالُك مع عيالى أواسيهم.ما بَقُوا، لا يَسَعُنى شىءٌ ويعجز عنهم فقال له عُمَير : فاكتم شأنى وشأنك

قال : أفعل.

قال : ثم أمر عُمير بسيفه ، فشُحِذ له وسُمَّ ، ثم انطلق حتى قَدِم المدينة فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم اللّه به ، وما أراهم من عدوهم ، إذ نظر عمر إلى عُمَيْر بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيفَ ،

فقال : هذا الكلب عدوُّ اللّه عُمَيْر بن وَهْب ، واللّه ما جاء إلا لشرٍّ. وهو الذي حَرَّش بينَنا، وحَزَرنا للقوم يوم بدر.

ثم دخل عُمر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقال : يا نبي اللّه ، هذا عدو اللّه عُمَيْر بنَ وَهْب قد جاء متوشِّحاً سيفَه :

قال : فأدخلْه علىَّ،

قال : فأقبل عمر حتى أخذ بحمَّالة سيفه فرط عُنقه فلبَّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاجلسوا عنده ، واحذروا عليه من هذا الخبيث ، فإنه غير مأمون ، ثم دخل به على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

من دلائل نبوته صلى اللّه عليه وسلم فلما رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه ،

قال : أرسلْه يا عمر، ادْنِ يا عُمير؟ فدنا ثم

قال : انعموا صباحاً، وكانت تحيةَ أهلِ الجاهليةِ بينَهم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فقد أكرمنا اللّه بتحيةٍ خير من تحيتك يا عُمير، بالسلام :

تحية أهل الجنة.

فقال : أما واللّه يا محمد إن كنتُ بها لحديثُ عهد.

قال : فما جاء بك يا عمير؟

قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحْسنوا فيه ،

قال : فما بال السيفُ في عنقك ؟

قال : قبَّحها اللّه من سيوف ، وهل أغنتْ عنا شيئاً؟

قال : أصدقْنى، ما الذي جئتُ له ؟

قال : ما جئتُ إلا لذلك.

قال : بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحابَ القليب من قريش، ثم قلت ، لولا دين علىَّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتلَ محمداً، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك ، على أن تقتلنى له ، واللّه حائل بينك وبين ذلك ، قال عُمَيْر : أشهد أنك رسول اللّه ، قد كنا يا رسول اللّه نكذّبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحى، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فواللّه إنى لأعلم ما أتاك به إلا اللّه ، فالحمد للّه الذي هدانى للإِسلام وساقني هذا المساق ، ثم شهد شهادةَ الحقِّ. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فقهوا أخاكم في دينه ، واقرئوه القرآن ، وأطلقوا له أسيره ، ففعلوا. عمير يدعو إلى الِإسلام في مكة :

ثم قال : يا رسولَ اللّه ، إني كنت جاهداً على إطفاء نور اللّه ، شديد الأذى لمن كان على دين اللّه عز وجل ، وأنا أحب أن تأذنَ لى، فأقدم مكة، فأدعوهم إلى اللّه تعالى، وإلى رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، لعل اللّه يهديهم ، وإلا اذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم ؟ فأذن له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلحق بمكة، وكان صفوان بن أمية حين خرج عُمَيْر بن وهب ، يقول : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام ، تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان ، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه ، فحلف أن لا يكلمه أبداً، ولا ينفعه بنفع أبداً.

قال ابن إسحاق : فلما قدم عُمير مكة، أقام بها يدعو إلى الإسلام ، ويؤذِي من خالفه أذًى شديداً، فأسلم على يديه ناس كثير.

من رأى إبليس عندما نكص على عقبيه يوم بدر :

قال ابن إسحاق : وعُمير بن وهب ، أو الحارث بن هشام ، قد ذكر لى أحدهما، الذي رأى إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر، فقيل : أين ، أي سُراق ؟ ومَثَلَ عدو اللّه فذهب ،

فأنزل اللّه تعالى فيه : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ }. فذكر استدراج إبليس إياهم ، وتشبهه بسُراقة ابن مالك بن جُعْشم لهم ، حين ذكروا ما بينهم وبين بنى بكر بن عبد مَناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم. يقول اللّه تعالى : { فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ { ونظر عدو اللّه إلى جنود اللّه من الملائكة، قد أيد اللّه بهم رسولَه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ }. وصدق عدو اللّه ، رأى ما لم يَرَوْا،

وقال : { إِنِّي أَخَافُ اللّه وَاللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال: ٤٨] فذكر لي أنهم كانوا يَرَوْنه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه ، حتى إن كان يوم بدر، والتقى الجمعان نكص على عقبيه ، فأوردهم ثم أسلمهم.

قال ابن هشام : نكص : رجع : قال أوْس بن حجر، أحد بنى أسْد بن عَمرو بن تميم :

نكصتُم على أعقابِكم يومَ جئتُـمُ    تُزَجُّونَ أنفالَ الخميسِ العَرَمْرَمِ

 وهذا البيت في قصيدة له.

شعر حسان بن ثابت يفخر بقومه ويذكر خداع إبليس قريشاً :

قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت :

قومى الذين هُمُ آوَوْا نبيَّهـــم   وصدَّقوه وأهلُ الأرضِ كُفَّارُ
إلا خصائصَ أقوامٍ همُ سَلَــفٌ   للصالحين مع الأنصارِ أنصارُ
مُسْتبشرين بقَسْمِ اللّه قولُهــــم   لما أتاهم كريمُ الأصلِ مُختارُ:
أهلاً وسهلاً ففى أَمْنٍ وفــــى   سَعَةٍ نعمَ النبىُّ ونعمَ القَسْمُ والجارُ
فأنزلوه بدارٍ لا يُخاف بهــــا   من كان جارَهمُ داراً هىَ الدارُ
وقاسَمُوه بها الأمــــــوالَ إذ   قدموا مهاجرين وقَسْمُ الجاحدِ النارُ
سِرنا وساروا إلى بَــــــدْرٍ   لِحيْنهمُ لو يعلمون يقينَ العلمِ ما ساروا
دَلاَّهُمُ بغرورٍ ثم أسْلَمهــــم   إن الخبيثَ لمن والاَه غَزَّارُ
وقال إني لكم جَار فأوردَهــم   شَرَّ المواردِ فيه الخِزْى والعارُ
ثم التقينا فولَّوْا عن سَراتِهــمُ   من مُنْجدينَ ومنهم فرقة غاروا

قال ابن هشام : أنشدني قولَه : " لما أتاهم كريمُ الأصلِ مختارُ "

أبو زيد الأنصاري.

المطْعِمون من قريش

قال ابن إسحاق : وكان المطعمون من قريش ، ثم من بنى هاشم بن عبد مناف : العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس.

 ومن بني نَوْفل بن عبد مناف : الحارث بن عامر بن نَوْفل ، وطُعَيْمة ابن عدي بن نوفل ، يعتقبان ذلك.

ومن في أسد بن عبد العُزَّى : أبا البخْتري بن هشام بن الحارث ابن أسد. وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد : يعتقبان ذلك.

ومن بني عبد الدار بن قُصى : النَّضْر بن الحارث بن كَلَدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار.

قال ابن هشام :

ويقال : النضر بن الحارث بن عَلْقمة بن كَلَدة ابن عبد مناف بن عبد الدار.

قال ابن إسحاق : ومن بني مخزوم بن يقظة : أبا جهل بن هشام ابن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم.

ومن بني جُمح : أمية بن خلف بن وَهْب بن حُذافة بن جُمَح. ومن بني سَهْم بن عَمرو: نُبَيها ومُنبِّهاً ابني الحجاج بن عامر ابن حُذيفة بن سعد بن سَهْم ، يعتقبان ذلك.

ومن بني عامر بن لُؤَي : سُهيل بن عبد شمي بن عبد وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حِسْل بن عامر.

أسماء خيل المسلمين يوم بدو

قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم : أنه كان مع المسلمين يوم بدر من الخيل ، فرس مَرْثَد بن أبي مَرْثَد الغَنَوِي ، وكان يقال له : السبل وفرس المِقْداد بن عَمْرو البَهْراني ، وكان يقال له : بَعْزجة، ويقال له : سَبْحة وفرس الزبير بن العوام ، وكان يقال له : اليَعْسوب.

قال ابن هشام : ومع المشركين مائة فرس.

نزول سورة الأنفال تصف أحداث بدر

ما نزل في تقسيم الفيء بعد اختلاف المسلمين فيه :

قال ابن إسحاق : فلما انقضى أمر بدر، أنزل اللّه عز وجل فيه من القرآن الأنفال بأسرها، فكان مما نزل منها في اختلافهم في النفل حين اختلفوا فيه.{ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ } [الأنفال: ١] فكان عُبادة بن الصامت - فيما بلغني - إذا سُئل عن الأنفال ، قال ، فينا معشر أهل بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل يوم بدر، فانتزعه اللّه من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقُنا، فردَّه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقسمه. بيننا عن بَوَاء - يقول على السواء - وكان في ذلك تقوى اللّه وطاعته ، وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم وصلاح ذات البين.

ما نزل في خروج المسلمين لملاقات قريش : ثم ذكر القومَ ومسيرَهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حين عرف القومُ أن قريشاً قد ساروا إليهم ، وإنما خرجوا يريدون العير طمعاً في الغنيمة،

فقال :{ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ* يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ {: أي كراهية للقاء القوم ، وإنكاراً لمسير قريش، حين ذكروا لهم { وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } : أي الغنيمة دون الحرب { وَيُرِيدُ اللّه أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } [الأنفال: ٥ـ٧] : أي بالوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ {: أي لدعائهم حين نظروا إلى كثرة عدوهم ، وقلة عددهم { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ { بدعاء رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعائكم{ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } [الأنفال: ٩]..{ إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ {: أي أنزلت عليكم الأمنة حين نمتم لا تخافون { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً { للمطر الذي أصابهم تلك الليلة، فحبس المشركين أن يسبقوا إلى الماء، وخلى سبيل المسلمين إليه{ لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } [الأنفال : ١١] : أي ليذهب عنكم شك الشيطان ، لتخويفه إياهم عدوهم واستجلاد الأرض لهم ، حتى انتهوا إلى منزلهم الذي سبقوا إليه عدوَّهم.

ما نزل في تبشير المسلمين وتحريضهم على القتل :

ثم قال تعالى : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } : أي ازروا الذين امنوا { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّه وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقْ اللّه وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال: ١٢،١٣]،

ثم قال :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ }.{ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللّه وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الأنفال: ١٦] أي تحريضاً لهم على عدوهم لئلا ينكلوا عنهم إذا لقوهم ، وقد وعدهم اللّه فيهم ما وعدهم.

ما نزل في رميهم بالحصباء :

ثم قال تعالى، في رمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياهم بالحصباء من يده ، حين رماهم : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّه رَمَى } : أي لم يكن ذلك برميتك ، لولا الذي جعل اللّه فيها من نصرك ، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم اللّه { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا } [الأنفال: ١٧] : أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوهم ، وقلة عددهم ، ليعرفوا بذلك حقه ، ويشكروا بذلك نعمته.

ما نزل في الاستفتاح :

ثم قال : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ {: أي لقول أبى جهل : اللّهم أقطعنا للرحمِ ، وآتانا بما لا يُعرف ، فأحْنه الغَداة. والاستفتاح : الإنصاف في الدعاء.

يقول اللّه جل ثناؤه :{ وَإِنْ تَنتَهُوا } : أي لقريش{ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } : أي بمثل الوقعة التي أصبناكم بها يوم ، بدر: { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: ١٩]: أي أن عددكم وكثرتكم في أنفسكم لن تغنيَ عنكم شيئاً، وإني مع المؤمنين ، أنصرهم على من خالفهم.

القرآن يحض المسلمين على طاعة الرسول  

ثم قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }. ولا تخالفوا أمره وأنتم تسمعون لقوله ، وتزعمون أنكم منه ، { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } : أي كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة، ويُسرون له المعصية { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّه الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ }: أي المنافقين الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم ، بُكم عن الخير، صُم عن الحق ، لا يعقلون : لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتَّباعة {وَلَوْ عَلِمَ اللّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ }، أي لأنفذ لهم قولهم الذي قالوا بألسنتهم ، ولكن القلوب خالفت ذلك منهم ، ولو خرجوا معكم { لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [الأنفال: ٢١ـ٢٣] ما وفوا لكم بشيء مما خرجوا عليه { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّه وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: ٢٤] : أي للحرب التي أعزكم اللّه بها بعد الذل ، وقواكم بها بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم{ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّه وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال: ٢٦،٢٧] أى لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم ، ثم تخالفوه في السر إلى غيره ، فإن ذلك هلاك لأماناتكم ، وخيانة لأنفسكم.{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الأنفال: ٢٩] : أي فصلاً بين الحق والباطل ، ليظهر اللّه به حقكم ، ويطفىء به باطل من خالفكم.

تذكير الرسول بنعمة اللّه عليه : ثم ذَكَّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنعمته عليه ، حين مكر به القوم ليقتلوه أو يُثبتوه أو يخرجوه{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّه وَاللّه خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال: ٣٠]: أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم.

ما نزل في غرة قريش واستفتاحهم على أنفسهم : ثم ذكر غِرة قريش واستفتاحهم على أنفسهم ، إذ قالوا { وَإِذْ قَالُوا اللّهمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ } أي ما جاء به محمد { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاء { كما أمطرتها على قوم لوط { أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: ٢٧] أي بعض ما عذبت به الأمم قبلنا، وكانوا يقولون : إن اللّه لا يعذبنا ونحن نستغفره ، ولم يعذب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها. وذلك من قولهم ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أظهرهم ، فقال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم، يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم ، حين نعى سوء أعمالهم :{ وَمَا كَانَ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ { ([الأنفال: ٣٣] أي لقولهم : إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا،

ثم قال { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ اللّه } وإن كنت بين أظهرهم ، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } : أي من آمن باللّه وعبده : أي أنت ومن أتبعك ،{ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } الذين يحرمون حرمته ويقيمون الصلاة عنده : أي أنت ومن امن بك { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ } التي يزعمون أنه يدفع بها عنهم { إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً }

قال ابن هشام : المكاء : الصفير. والتصدية التصفيق. قال عنترة

ابن عَمرو بن شداد العبْسى :

ولرُبَّ قِرْنٍ قد تركتُ مُجَــدَّلاً   تَمكُو فريصتُهُ كشِدْقِ الأعْلمِ

 يعنى : صوت خروج الدم من الطعنة، كأنه الصفير : وهذا البيت

في قصيدة له. وقال الطِّرِمَّاح بن حكيم الطائي :

لها -كلَّما رِيعت - صَداة ورَكْدةَ   بمُصْدَانِ أعلَى ابنَىْ شَمامِ البَوائنِ

وهذا البيت في قصيدة له. يعنى الأرْوِية، يقول : إذا فزعت. قرعت بيدها الصَّفاةَ ثم ركدت - تسمع صدى قرعها بيدها الصَّفاة- مثل التصفيق. والمُضْدان : الحِرْز وابنا شمام جبلان

قال.ابن إسحاق : وذلك ما لا يرضي اللّه عز وجل ولا يحبه ، ولا ما افترض عليهم ، ولا ما أمرهم به{ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [الأنفال: ٣٤،٣٥] : أي لما أوقع بهم يوم بدر من القتل.

قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عائشة

قالت : ما كان بين نزول :{ يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } [المزمل: ١]، وقول اللّه تعالى فيها :{ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا* إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا* وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا } [المزمل: ١١ـ١٣] إلا يسير، حتى أصاب اللّه قريشاً بالوقعة يوم بدر.

قال ابن هشام : الأنكال : القيود واحدها : نِكْل. قال رُؤبة بن العَجَّاج :

يكفيك نِكْلى بغى كلِّ نِكْلِ

وهذا البيت في أرجوزة له.

ما نزل في معاوني أبي سفيان :

قال ابن إسحاق : ثم قال اللّه عز وجل :{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } [الأنفال: ٣٦] يعنى النفر الذين مشوا إلى أبى سفيان ، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة، فسألوهم أن يُقَووهم بها على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ففعلوا.

ثم قال { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا { لحربك { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ } [الأنفال: ٣٨] أي من قتل منهم يوم بدر.

ما نزل من الأمر بقتال الكفار

ثم قال تعالى :{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه } : أي حتى لا يُفتن مؤمن عن دينه ، ويكون التوحيد للّه خالصاً ليس له فيه شريك ، ويُخلَع ما دونه من الأنداد { فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللّه بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَإِنْ تَوَلَّوْا } عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم{ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه مَوْلَاكُمْ } الذي أعزكم ونصركم عليهم يوم بدر في كثرة عددهم وقلة عددكم { نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } [الأنفال: ٣٩،٤٠].

ما نزل في تقسيم الفيء وأسباب النصر : ثم أعلمهم مَقاسِمَ الفيء وحكمه فيه ، حين أحله لهم ، فقال{ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّه وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأنفال: ٤١] أي يوم فرقت فيه بين الحق والباطل بقدرتى يوم التقى الجمعان منكم ومنهم { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا } من الوادي { وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } من الوادي إلى مكة { وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ }: أي عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها، وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعاد منكم ولا منهم { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } أي ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم ، وقلة عددكم ما لقيتموهم { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أي ليقضي ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الكفر وأهله عن غير بلاء منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ،

ثم قال{ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّه لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال: ٤٢] أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.

ما نزل في لطفه تعالى به صلى اللّه عليه وسلم : ثم ذكر لطفه به وكيده له ،

ثم قال : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللّه فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّه سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [الأنفال:٤٣] فكان ما أراك من ذلك نعمه من نعمه عليهم ، شجعهم بها على عدوهم ، وكف بها عنهم ماتُخوِّف عليهم من ضعفهم ، لعلمه بما فيهم.

قال ابن هشام : تخوف : مبدلة من كلمة ذكرها ابن إسحاق ولم أذكرها

{ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } [الأنفال: ٤٤] أي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه ، والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته.

وعظ المسلمين وتعليمهم فنون الحرب : ثم وعظهم وفهمهم وأعلمهم الذي ينبغى لهم أن يسيروا به في حربهم ، فقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } تقاتلونهم في سبيل اللّه عز وجل{ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّه } الذي له بذلتم أنفسكمِ ، والوفاء له بما أعطيتموه من بيعتكم{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } أي لا تختلفوا فيتفرق أمركم { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أي وتذهب حدتكم { وَاصْبِرُوا إِنَّ اللّه مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال: ٤٥،٤٦] أي إني معكم إذا فعلتم ذلك { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ }: أي لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه ، الذين قالوا : لا نرجع حتى نأتى بدراً فننحر به الجُزر ونسقى بها الخمر، وتعزف علينا فيها القيان ، وتسمع العرب : أي لا يكون أمركم رياءً، ولا سُمعةً، ولا التماس ما عند الناس ، وأخلصوا للّه النية والحِسْبة في نصر دينكم ، وموازرة نبيكم ، لا تعملوا إلا لذلك ولا تطلبوا غيره.

ثم قال تعالى :{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ }

قال ابن هشام : وقد مضى تفسير هذه الاية.

قال ابن إسحاق : ثم ذكر اللّه تعالى أهل الكفر، وما يلقون عند موتهم ، ووصفهم بصفتهم وأخبر نبيه صلى اللّه عليه وسلم عنهم ، حتى انتهى إلى أن قال{ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأنفال: ٥٧] أي فنكِّل بهم من ورائهم لعلهم يعقلون { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّه وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللّه يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّه يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [الأنفال: ٥٩] أي لا يضيع لكم عند اللّه أجره في الآخرة، وعاجل خلفه في الدنيا

ثم قال تعالى :{ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا }: أي إن دعوك إلى السلم على الإسلام فصالحهم عليه { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه } إن اللّه كافيك { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.[الأنفال: ٦١]

قال ابن هشام : جنحوا للسَّلْم : مالوا إليك للسَّلْم. الجنوح : الميل. قال لَبيد بن ربيعة:

جُنوحُ الهالِكى على يَدَيْـــه   مُكِبًّا يَجْتَلى نُقَبَ النِّصالِ

وهذا البيت في قصبيدة له والسَّلْم أيضاً : الصلح ، وفىِ كتاب اللّه

عز وجل : { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ } [محمد: ٣٥]، ويقرأ : "إلى السِّلْم "، وهو ذلك المعنى. قال زُهَير بن أبى سُلْمى :

وقد قلتما إن نُدْرِك السّلْمَ واسعــــاً   بمالٍ ومعروفٍ من القولِ نَسْلَم

وهذا البيت في قصيدة له.

قال ابن هشام : وبلغنى عن الحسن بن أبى الحسن البَصري ، أنه كان يقول : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } للإِسلام. وفى كتاب اللّه تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } ،[البقرة:٢٠٨] ويقرأ { فِي السِّلْمِ } وهو الِإسلام. قال أمية بن أبى الصَّلْت:

فما أنابُوا لسَلْمٍ حين تُنْذِرُهــم   رُسْلُ الإلهِ وما كانوا له عَضُدَا

وهذا البيت في قصيدة له. وتقول العرب لدَلْو تُعمل مستطيلة : السَّلْم. قال طَرَفة بن العبد أحد بنى قَيْس بن ثَعْلبة، يصف ناقة له :

لها مِرْفقانِ أفتلانِ كأنمـــا   تمرُّ بسَلمَي دالجٍ مُتشددِ

وهذا البيت في قصيدة له.

{ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّه } هو من وراء ذلك { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ } بعد الضعف { وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } على الهدى الذي بعثك اللّه به إليهم{ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّه أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } بدينه الذي جمعهم عليه { إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.[الأنفال: ٦٢،٦٣]

ثم قال تعالى :{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّه وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ* يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } [الأنفال: ٦٤،٦٥] : أي لا يقاتلون على نية ولا حق ولا معرفة بخير ولا بشَر.

قال ابن إسحاق : حدثني عبد اللّه بن أي نَجيح عن عطاء بن أبى رَباح ، عن عبد اللّه بن عباس

قال : لما نزلت هذه الاية اشتد على المسلمين ، وأعظموا أن يُقاتل عشرون مئتين ، ومئةٌ ألفاً، فخفف اللّه عنهم ، فنسختها الآيه الأخرى، { الْآنَ خَفَّفَ اللّه عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّه وَاللّه مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال: ٦٦]

قال : فكانوا على الشِّطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم ، وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم ، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم.

ما نزل في المغانم والأسارى :

قال ابن إسحاق : ثم عاتبه

اللّه تعالى في الأسارى، وأخذ المغانم ، ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنما من عدو له.

قال ابن إسحاق : حدثني محمد أبو جعفر بن على بن الحسين ،

قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " نُصرت بالرعب ، وجُعلت لي الأرض. مسجداً وطهوراً، وأعطيت جوامعَ الكلم ، وأحلت لي الغنائمُ ولم تُحْلَل لنبى كان قبلى، وأعطيت الشفاعة، خمس لم يؤتهن نبي قبلى".

قال ابن إسحاق :

فقال : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ }: أي قبلك { أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى } من عدوه { حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ } ، أي يثخن عدوه ، حتى ينفيه من الأرض { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا } : أي المتاع ، الفداء بأخذ الرجال{ وَاللّه يُرِيدُ الْآخِرَةَ } : أي قتلهم لظهور الدين الذي يريد إظهاره ، والذي تدرك به الآخرة { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ }: أي من الأسارَى والمغانم ،{ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: ٦٧،٦٨] : أي لولا أنه سبق من أنى لا أعذِّب إلا بعد النهي ، ولم يك نهاهم ، لعذبتكم فيما صنعتم ، ثم أحلَّها له ولهم رحمة منه ، وعائدة من الرحمن الرحيم ،{ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنفال: ٦٩]

ثم قال :{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللّه فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ }.[الأنفال: ٧٠] الحض على التواصل والتواد والولاية بين المسلمين ورد المواريث إلىأهلها : وحض المسلمين على التواصل ، وجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية الدين دون من سواهم ، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض،

ثم قال{ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال: ٧٣] أي إلا يوال المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به : { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ } أي شبهة في الحق والباطل ، وظهور الفساد في إلأرض بتولي المؤمن الكافر دون المؤمن.

ثم رد المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار دونهم إلى الأرحام التي بينهم ،

فقال :{ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه } أي بالميراث { إِنَّ اللّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الأنفال: ٧٥].

من حضر بدرا من المسلمين

من شهدها من المهاجرين :

قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من شهد بدراً من المسلمين ، ثم من قريش ، ثم من بنى هاشم بن عبد مناف وبنىِ المطلب بن عبد مناف بن قُصى بن كلاب بن مُرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة.

محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سيد المر سلين ، ابن عبد اللّه بن عبد المطلب ابن هاشم ، وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم ، أسد اللّه ، وأسد رسوله ، عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعلى بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، وزَيْد بن حارثة بن شرَحْبيل بن كعب بن عبد العُزَّى بن امرئ القيس الكلبى، أنعم اللّه عليه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن هشام : زيد بن حارثة بن شَراحيل بن كعب بن عبد العُزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد وُدّ بن عَوْف بن كِنانة بن بكر بن عَوْف بن عُذْرة بن زيد اللّه بن رُفَيْدة ابن ثَوْر بن كعب بن وَبْرة.

قال ابن إسحاق : وأنسَة مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبو كَبْشة مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

قال ابن هشام : أنَسة : حَبشى، وأبو كبشة : فارسي.

قال ابن إسحاق : وأبو مَرْثَد كَنَّاز بن حِصْن بن يربوع بنِ عمرو ابن يربوع بن خَرَشة بن سعد بن طريف بن جِلاَّنَ بن غنْم بن غَنى بن يَعْصر بن سعد بن قَيْس بن عَيْلان.

قال ابن هشام : كَنَّاز بن حُصيْن.

قال ابن إسحاق : وابنه مَرْثد بن أبى مرثد، حليفا حَمزة بن عبد المطلب ، وعُبيدة بن الحارث بن المطلب. وأخواه الطّفَيْل بن الحارث ، والحُصَيْن بن الحارث ومِسْطَح ، واسمه عَوْف بن أثَاثة بن عَبَّاد بن المطلب. اثنا عشر رجلاً.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : عُثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس ، تخلف على امرأته رُقية بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسهمه ،

قال : وأجْرِى يا رسول اللّه ،

قال : وأجْرُك ، وأبو حذيفة بن ربيعة بن عبد شمس وسالم ، مولى أبي حذيفة. :

قال ابن هشام : واسم أبي حُذيفة : مِهْشَم.

قال ابن هشام : وسالم ، سائبة لثُبَيتة بنت يَغار بن زيد بن عُبيد ابن زيد بن مالك بن عَوْف بن عَمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، سيَّبته فانقطع إلى أبي حذيفة فتبناه

ويقال : كانت ثُبيتة بنت يَعار تحت أبي حذيفة بن عتبة، فأعتقت سالماً سائبة، فقيل : سالم مولى أبى حذيفة.

قال ابن إسحاق : وزعموا أن صُبيحاً مولى أبي العاص بن اْمية ابن عبد شمس تجهز للخروج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم مرض ، فحمل على بعيره أبا سَلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمر ابن مخزوم ثم شَهد صُبيح بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول صلى اللّه عليه وسلم.

وشهد بدراً من حلفاء بني عبد شمس ، ثم من بني أسد بن خُزَيمة

عبد اللّه بن جحش بن رئاب بن يَعْمَر بن صَبْرة بن مُرة ابن كبير بن غَنْم بن دُودان بن أسد، وعُكَّاشة بن مِحْصن بن حُرْثان ابن قيس بن مرة بن كبير بن غَنْم بن دودان بن أسد وشجاع بن وهب بن ربيعة بن أسد بن صُبَيْب بن مالك بن كَبير بن غَنْم بن دُودان بن اًسد، وأخوه عُقبة بن وهب ، ويزِيد بن رُقَيْش بن رِئاب ابن يَعْمَر بن صَبْرة بن مُرة بن كبير بن غنْم بن دودان بن أسد، وأبو سِنان بن مِحْصَن بن حُرْثان بن قيس ، أخو عُكَّاشة بن مِحْصَن ، وابنه سِنان بن أبى سِنان ومُحْرِز بن نَضْلة بن عبد اللّه بنمُرة بن كبير بن غَنْم بن دودان بن أسد، وربيعة بن أكثم بن سَخْبَرة بن عَمرو بن لكَيْز بن عامر بن غَنم بن دودان بن أسد.

ومن حلفاء بني كبير بن غَنْم بن دُودان بن أسد: ثَقْف بن عمرو، وأخواه : مالك بن عمرو ومُدْلج بن عمرو.

قال ابن هشام : مِدْلاج بن عمرو.

قال ابن إسحاق : وهم من بنى حجْش، ال بنى سُلَيم. وأبو مخشى حليف لهم. ستة عشر رجلاً.

قال ابن هشام : أبو مَخْشِى طائى، واسمه : سُوَيْد بن مَخْشِى.

قال ابن إسحاق : ومن بني نوفل بن عبد مناف : عُتبة بن غَزْوان ابن جابر بن وهب بن نسَيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عِكْرمة بن خَصَفَة بن قَيْس بن عَيْلان ، وخَبَّاب ، مولى عُتبة بن غَزْوان - رجلان.

ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصي : الزبير بن العوام بن خُوَيلد بن أسَد، وحاطب بن أبى بَلْتعة، وسعد مولى حاطب. ثلاثة نفر.

قال ابن هشام : حاطب بن أبى بَلْتعة، واسم أبى بَلْتعة : عَمرو، لخمى، وسعد مولى حاطب ، كلبى. -

قال ابن إسحاق : ومن بني عبد الدار بن قصي : مُصْعَب بن عُمَير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصَى ، وسُوَيبط بن سعد بن حُرَيْملة بن مالك بن عُمَيْلة بن السَّباق بن عبد الدار بن قصى ، ر جلان.

ومن بنى زهرة بن كلاب : عبد الرحمن بن عَوْف بن عبد عَوْف بن عبد بن الحارث بن زُهرة، وسعد بن أبى وقاص - وأبو وقاص مالك بن أهَيْب بن عبد مناف بن زُهْرة - وأخوه عُمَير بن أبي وقاص.

ومن حلفائهم : المقداد بن عَمْرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة ابن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زُهير بن ثَوْر بن ثعلبة ابن مإلك بن الشَّريد بن هَزْل بن قائش بن دُرَيْم بن القَّيْن بن أهْود ابن بَهْراء بن عمرو بن الحاف بن قُضاعة.

قال ابن هشام :

ويقال : هزل بن فاس بن ذر - ودَهِير بن ثَوْر.

قال ابن إسحاق : وعبد اللّه بن مسعود بن الحارث بن شَمْخ بن مخزوم بن صَاهِلة بن كَاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هُذَيْل ، ومسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العُزَّى بن حَمَالة ابن غالب بن مُحَلِّم بن عائذة بن سُبَيْع بن الهَوْن بن خُزَيمة، من القَارَة.

قال ابن هشام : القَارَة : لقب لهم.

ويقال :

قد أنْصَفَ القَارَةَ من رَامَاهَا

وكانوا رُماة.

قال ابن إسحاق : وذو الشمالين بن عبد عَمرو بن نَضلة بن غُبْشان بن سُلَيم بن مَلكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر، من خُزاعة.

قال ابن هشام : وإنما قيل له : ذو الشمالين ، لأنه كان أعسر، واسمه عُمَير.

قال ابن إسحاق : وخَبَّاب بن الأرتّ ، ثمانية نفر.

قال ابن هشام : خَبَّاب بن الأرتّ ، من بنى تميم ، وله عَقِب ، وهم بالكوفة،

ويقال : خُبَّاب من خُزاعة.

قال ابن إسحاق : ومن بنى مخزوم بن يَقَظة بن مُرة : أبو سَلَمة عَتيق بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم.

قال ابن هشام : اسم أبى بكر: عبد اللّه ، وعَتيق : لقب ، لحُسن وجهه وعتقه.

قال ابن إسحاق : وبلال ، مولى أبى بكر - وبلال مُوَلَّد من مولدي بنى جُمَح ، اشتراه أبو بكر من أمية بن خلف ، وهو بلال ابن رَباح ، لا عَقِب له ، وعامر بن فهَيْرة.

قال ابن هشام : عامر بن فُهَيرة، مُوَلَّد من مُولدي الأسْد، أسود، اشتراه أبو بكر منهم.

قال ابن إسحاق : وصُهَيْب بن سِنان ، من النَّمِر بن قاسط.

قال ابن هشام : النمر بن قاسط بن هِنْب بن أفْصى بن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار

ويقال : أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار،

ويقال : صهيب ، مولى. عبد اللّه بن جُدْعان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم

ويقال : إنه رومى. فقال بعض من ذكر أنه من النمر بن قاسط : إنما كان أسيراً في الروم فاشتُرِيَ منهم ، وجاء في الحديث عن النبى صلى اللّه عليه وسلم : "صُهيب سابقُ الروم ".

قال ابن إسحاق : وطلحة بن عُبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم ، كان بالشام ، فقدم بعد أن رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بدر، فكلمه. فضرب له بسهمه

فقال : وأجْرِي يا رسول اللّه ؟

قال : وأجرك. خمسة نفر.

قال ابن إسحاق : ومن بنى مخزوم بن يَقَظة بن مُرة : أبو سَلَمة ابن عبد الأسد. واسم أبى سَلمة : عبد اللّه بن عبد الأسد بن هلال ابن عمر بن مخزوم ، وشمَّاس بن عثمان بن الشَّريد بن سُوَيْد بن هَرْمى بن عامر بن مخزوم.

قال ابن هشام : واسم شَمَّاس : عثمان ، وإنما سُمى شماساً، لأن شَماساً من الشَّمامِسة قَدِم مكة في الجاهلية، وكان جَميلاً، فعجب ، الناس من جماله. فقال عُتبة بن ربيعة وكان خال شماس : ها أنا اتيكم بشماس أحسن منه ، فأتى بابن أخته عثمان فسُمى شَماساً، فيما ذكر ، ابن شهاب الزهري وغيره

قال ابن إسحاق : والأرْقم بن أبى الأرْقم ، واسم أبي الأرْقم : عبد مناف بن أسد وكان أسد يُكنى : أبا جُنْدب بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ، وعمار بن ياسر.

قال ابن هشام : عمار بن ياسر، عَنْسي ، من مِذْحَج.

قال ابن إسحاق : ومُعَتِّب بن عَوْف بن عامر بن الفضل بن عَفيف ابن كُليب بن حُبْشِيَّة بن سَلُول بن كعب بن عمرو، حليف لهم من خزاعة، وهو الذي يُدْعَى : عَيْهامة. خمسة نفر.

ومن بنى عدي بن كعب : عُمر بن الخطاب بن نُفَيْل بن -عبد العُزَّى بنِ رباح بن عبد اللّه بن قُرْط بن رَزَاح بن عَدي ، وأخوه زيد بن الخطاب. ومِهْجَع ، مولى عمر بن الخطاب ، من أهل اليمن ، وكان أول قتيل من المسلمين بين الصفَّين يوم بدر، رُمِىَ بسهم.

قال ابن هشام : مِهْجع ، من عَكّ بن عدنان.

قال ابن إسحاق : وعمرو بن سُرَاقة بن المعْتَمِر بن أنَس بن أذاة ابن عبد اللّه بن قُرْط بن رِياح بن رَزاح بن عَدي بن كعب ، وأخوه عبد اللّه بن سُراقة، وواقد بن عبد اللّه بن عبد مناف بن عُمر بن ثعلبة بنِ يَرْبوع بن حَنْظَلة بن مالك بن زَيد مناة بن تميم ، حليف لهم ، وخوْلي بن أبي خَوْلى، ومالك بن أبى خَوْلى، حليفان لهم.

قال ابن هشام : أبو خَوْلي ، من بنى عجل بن لُجَيْم بن صَعْب ابن علي بن بكر بن وائل.

قال ابن إسحاق : وعامر بن ربيعة، حليف ال الخطاب ، من عِنْز ابن وائل.

قال ابن هشام : عِنْز بن وائل بن قاسط بن هُنْب بن أفْصى ابن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار،

ويقال : أفْصى : بن دُعْمِى ابن جديه لة.

قال ابن إسحاق : وعامر بن البُكَير بن عبد يَالِيل بن ناشب بن غِيرَة، من بنى سعد بن ليْت ، وعاقل بن البُكَيْر وخالد بن البُكَيْر، وإياس بن البُكَيْر، حلفاء بني عدي بن كعب ، وسعيد بن زيد بن عَمرو بن نُفيل بن عبد العُزَّى بن عبد اللّه بن قِرْط بنِ رياح بن عدي بن كعب ، قدم من الشأم بعد ما قَدِم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بدر، فكلمه ، فضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسهمه ،

قال : وأجري يا رسول اللّه ؟

قال : وأجرك. أربعة عشر رجلاً.

ومن بني جُمَح بن عَمرو بن هُصَيْص بن كعب : عثمان بن مظعون ابن حبيب بن وَهْب بن حُذافة بن جُمَح ، وابنه السائب بن عثمان ، وأخواه قُدامة بن مَظعون ، وعبد اللّه بن مَظْعون ، ومَعْمَر بن حَبيب ابن وهْب بن حُذافة بن جُمَح ، خمسة نفر.

ومن بنى سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم. رجل.

قال ابن إسحاق : من بني عامر بن لؤي ، ثم من بني مالك ابن حسل بن عامر : أبو سَبْرة بن أبى رُهْم بن عبد العُزى بن أبى قيس بن عبد وُد بن نصر بن مالك بن حِسْل ، وعبد اللّه بن مَخْرَمة بن عبد العُزى بن قيْس بن عبد وُد. بن نصر بن مالك ، وعبد اللّه بن سُهَيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل - كان خرج مع أبيه سهيل بن عمرو، فلما نزل الناس بدراً فر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فشهدها معه - وعُمَيْر بن عَوْف ، مولى سُهَيل بن عمرو، وسعد ابن خَوْلة، حليف لهم. خمسة نفر.

قال ابن هشام : سعد بن خَوْلة من اليمن.

قال ابن إسحاق : ومن بني الحارث بن فِهْر : أبو عُبيدة بن الجراح ، وهو عامر بن عبد اللّه بن الجراح بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث ، وعمرو بن الحارث بن زُهَير بن أبى شداد بن ربيعة بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث وسُهَيْل بن وهب ابن ربيعة بن هلال بن أبي أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث وأخوه صفوان بن وَهْب ، وهما ابنا بيضاء وعَمرو بن أبى سَرْح بن ربيعة بن هلال ابن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث. خمسة نفر.

عدد من شهد بدراً من المهاجرين : فجميع من شهد بدراً من المهاجرين ، ومن ضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسهمه وأجره ، ثلاثة وثمانون رجلاً.

قال ابن هشام : كثير من أهل العلم ، غير ابن إسحاق ، يذكرون في المهاجرين ببدر، في بني عامر بن لؤي : وهب بن سعد بن أبى سَرْح ، وحاطب بن عمرو.

وفي بني الحارث بن فهر : عياض بن زهير.

من شهد بدراً من الأنصار

قال ابن إسحاق : وشهد بدراً مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المسلمين ، ثم من الأنصار، ثم من الأوس ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ثم من بني عبد الأشهل ابن جُشَم بن الحارث بن الخزرج بن عَمرو بن مالك بن الأوس : سعد بن مُعاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشْهل وعَمرو بن مُعاذ بن النعمان ، والحارث بن أوْس بن معاذ بن النعمان ، والحارث بن أنس بن رافع بن امرئ القيس.

ومن بني عُبَيْد بن كعب بن عبد الأشهل : سعد بن زيد بن مالك بن عُبَيْد.

ومن بني زَعُورا بن عبد الأشهل -

قال ابن هشام :

ويقال : زُعُورا - سَلَمة بن سلامة بن وَقَش بن زُغبة، وعَبَّاد بن بِشر بن وَقَش بن زغبة بن زعورا، وسَلَمة بن ثابت بنِ وَقَش، ورافع بن يزيد بن كُرْز بن سَكَن بن زَعُورا، والحارث بن خزمة بن عدي بن أبىّ ابن غَنْم بن سالم بن عَوْف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لهم من بنى عَوْف بن الخزرج ، ومحمد بن مَسْلمة بن خالد ابن عدي بن مَجْدَعة بن حارثة بن الحارث حليف لهم من بنى حارثة ابن الحارث ، وسَلَمة بن أسْلم بن حَريش بن عدي بن مَجْدَعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بنى حارثة بن الحارث.

قال ابن هشام : أسلم : بن حُرَيْس بن عَدِي

قال ابن إسحاق : وأبو الهَيْثَم بن التَّيهان ، وعُبيد بن التَّيهان.

قال ابن هشام :

ويقال : عتيك بن التَّيهان.

قال ابن إسحاق : وعبد اللّه بن سَهْل. خمسة عشر رجلاً.

قال ابن هشام : عبد اللّه بن سهل : أخو بنى زَعُورا،

ويقال : غَسَّان.

قال ابن إسحاق : ومن بني ظَفَر، ثم من بنى سَوَاد بن كعب ، وكعب : هو ظَفَر.

قال ابن هشام : ظفر : بن الخزرج بن عَمرو ابن مالك بن الأوْس : قَتَادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سوَاد، وعُبَيْد بن أوْس بن مالك بن سَوَاد. رجلان.

قال ابن هشام : عُبَيْد بن أوْس الذي يقال له : مُقَرِّن ، لأنه قَرَن أربعةَ أسرى في يوم بدر. وهو الذي أسر عَقيل بن أبي طالب يومئذ.

قال ابن إسحاق : ومن بني عبد بن رِزَاح بن كعب : نصر بن الحارث بن عَبْد، ومُعَتِّب بن عبد.

ومن حلفائهم، من بَلِيٍّ : عبد اللّه بن طارق ، ثلاثة نفر.

ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن الأوس : مسعود بن سعد بن عامر بن عَدي بن جُشَم بن مَجْدعة ابن حارثة.

قال ابن هشام :

ويقال : مسعود بن عبد سعد.

قال ابن إسحاق : وأبو عَبْس بن جَبْر بن عمرو بن زيد بن جُشَم ابن مَجْدعة بن حارثة.

ومن حلفائهم ، ثم من بلي : أبو بُرْدَة بن نِيَار، واِسمه : هَانىء ابن نيَار بن عمرو بن عُبَيْد بن كلاب بن دُهَمان بن غنْم بن ذُبْيان ابن هُمَيْم بن كاهل بن ذُهْل بن هَني بن بَلى بن عمرو بن الحاف ابن قُضاعة. - ثلاثة نفر.

قال ابن إسحاق : ومن بني عَمْرو بن عَوْف بن مالك بن الأوْس ، ثم من بنى ضُبَيْعة بن زيد بن مالك بن عَوْف بن عمرو بن عَوْف : عاصم بن ثابت بن قَيْس. وقيس أبو الأقْلح بن عِصْمة بن مالك بن أمَة بن ضُبَيْعة - ومُعَتِّب بن قُشَير بن مُلَيْل بن زيد بن العَطَّافِ ابن ضُبَيْعة، وأبو مُلَيْل بن الأزْعَر بن زيد بن العَطَّاف بن ضُبَيعة وعَمرو بن مَعْبد بن الأزْعَر بن زيد بن العطاف بن ضُبَيْعة.

قال ابن هشام : عُمَير بن مَعْبد.

قال ابن إسحاق : وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو، وعمرو الذي يقال له : بَحْزَج ابن حَنَس بن عوف بن عمرو بن عوف. خمسة نفر.

ومن بنى أمية بن زيد بن مالك : مُبَشِّر بن عبد المنذر بن زَنْبر ابن زيد بن أمية، ورفاعة بن عبد المنذر بن زَنْبر، وسعد بن عُبَيْد بن النعمان بن قَيْس بن عمرو بن زيد بن امية. وعُوَيْم بن ساعدة، ورافع ابن عُنْجدة - وعُنْجدة أمه ، فيما

قال ابن هشام - وعُبَيْد ابن أبي عُبَيْد، وثعلبة بن حَاطب.

وزعموا أن أبا لُبابة بن عبد المنذر : والحارث بن حاطب خرجا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرجعهما، وأمَّر أبا لبابة على المدينة، فضرب لهما بسهمين مع أصحاب بدر. تسعة نفر.

قال ابن هشام : ردهما : من الرَّوْحاء.

قال ابن هشام : وحاطب بن عمرو بن عُبَيْد بن أمية واسم أبى لبابة : بَشير.

قال ابن إسحاق : ومن بني عُبيد بن زيد بن مالك : أنَيْس بن قَتَادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث بن عُبيد.

ومن حلفائهم من بَلِيٍّ : مَعْن بن عدي بن الجدّ بن العَجْلان بن ضُبَيْعة،وثابت بن أقْرَم بن ثعلبة بن عدي بن العَجْلان ، وعبد اللّه بن سَلَمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن العَجْلان ، وزيد بن أسلم ابن ثعلبة بن عدي بن العَجْلان ورَبْعي بن رافع بن زيد بن حارثة ابن الجَدِّ بن العجلان. وخرج عاصم بن عدي بن الجَد بن العَجْلان ، فرده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر. سبعة نفر.

ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف : عبد اللّه بن جُبَيْر بن النعمان بن أمية بن البُرك - واسم البُرك : امرؤ القيس بن ثَعلبة - وعاصم ابن قيس.

قال ابن هشام : عاصم بن قيس : ابن ثابت بن النعمان بن أمية ابن امرئ القيس بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق : وأبو ضَيَّاح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة، وأبو حَنَّة.

قال ابن هشام : وهو أخو أبى ضَيَّاح ،

ويقال : أبو حَبَّة. ويقال لامرئ القيس : البُرك بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق : وسالم بن عُمير بن ثابت بن النعمان بن أمية ابن امرئ القيس بن ثعلبة.

قال ابن هشام :

ويقال : ثابت : بن عمرو بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق : والحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس ابن ثعلبة، وخَوَّات بن جُبَيْر بن النعمان ، ضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسهم مع أصحاب بدر. سبعة نفر.

ومن بنى جَحْجَبِى بن كُلْفة بن عوف بن عَمرو بن عوف : مُنْذِر ابن محمد بن عُقْبة بن أحَيْحَة بن الجلاح بن الحَريش بن جَحْجَبِى ابن كلفة.

قال ابن هشام :

ويقال : الحَريس بن جَحْجَبى.

قال ابن إسحاق : ومن حلفائهم من بنى أنَيْف : أبو عَقيل بن عبد اللّه بن ثَعْلبة بن بَيْحان بن عامر بن الحارث بن مالك بن عامر ابن أنيْف بن جُشَم بن عبد اللّه بن تَيْم بن إرَاش بن عامر بن عُمَيْلة بن قَسْمِيل بن فَرَان بن بَلِىّ بن عمرو بن الحَاف بن قُضاعة. رجلان

قال ابن هشام : ويقال تَميم بن إرَاشة، وقِسْميل بن فَارَان.

قال ابن إسحاق : ومن بنىِ غنْم بن السَّلْم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوْس : سعد بن خيْثمة بن الحارث بن مالك بن كعب ابن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غَتم ، ومُنذر،بن قُدامة بن عَرفجة ومالك بن قُدامة بن عَرْفجة.

قال ابن هشام : عرفجة : ابنُ كعب بن النحاط بن كَعب بن ، حارثة بن غَنْم.

قال ابن إسحاق : والحارث بن عَرْفجة، وتميم ، مولى بني غَنْم. خمسة نفر.-،

قال ابن هشام : تميم : مولى سعد بن خيثمة.

قال ابن إسحاق : ومن بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو ابن عوف : جَبْر بن عَتيك بن الحارث بن قيس.بن هَيْشة بن الحارث ابن أمية بن معاوية، ومالك بن نُميلة، حليف لهم من مزينة، والنعمان ابن عَصَر، حليف لهم من بَلِىٍّ : ثلاثة نفر.

عدد من شهد بدراً من الأوس : فجميع من شهد بدراً من الأوس مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن ضرب له بسهمه وأجره ، أحدٌ وستون رجلاً.

من شهد بدراً من ال خزرج  

قال ابن إسحاق : وشهد بدراً مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المسلمين ، ثم من الأنصار ثم من الخزرج ابن حارثة بن ثعلبة بن عَمرو بن عامر، ثم من بنى الحارث بن الخزرج ، ثم من بني امرئ القيس بن مالك بن ثَعْلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.

خارجة بن زَيْد بن أبي زُهَير بن مالك بن امرئ القيس ، وسعد ابن رَبيع بن عمرو بن أبى زُهير بن مالك بن امرئ القيس ، وعبد اللّه ابن رَوَاحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس ، وخَلاَّد بن سُوَيْد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس. أربعة نفر.

ومن بني زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج :

قال ابن هشام :

ويقال : جُلاس ، وهو عندنا خطأ - وأخوه سِماك بن سعد. رجلان.

ومن بني عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : سُبيع بن قيس بن عَيْشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي ، وعَبَّاد بن قيس بن عَيْشة، أخوه.

قال ابن هشام :

ويقال : قيس : بن عَبَسة بن أمية.

قال ابن إسحاق : وعبد اللّه بن عَبْس ، ثلاثة نفر.

ومن بني أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر، وهو الذي يُقال له : ابن فُسْحُم. رجل.

قال ابن هشام : فُسْحُم أمه ، وهى امرأة من القَيْن بن جَسْر.

قال ابن إسحاق : ومن بني جُشم بن الحارث بن الخزرج ، وزيد ابن الحارث بن الخزرج ، وهما التوأم : خُبَيْب بن إساف بن عِتَبة ابن عَمرو بن خَد يج بن عامر بن جُشَم ، وعبد اللّه بن زيد بن ثعلبة ابن عبد رَبِّه بن زيد، وأخوه حُرَيْث بن زيد بن ثعلبة، زعموا، وسُفيان بن بشر. أربعة نفر.

قال ابن هشام : سفيان بن نَسْر بن عمرو بن الحارث بن كعب ابن زيد.

قال ابن إسحاق : ومن بني جِدَارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج : تميم بن يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جِدارة، وعبد اللّه بن عُمير من بنى حارثة.

قال ابن هشام :

ويقال : عبد اللّه بن عُمير بن عدي بن أمية ابن جِدَارة.

قال ابن إسحاق : وزيد بن المزَيَّن بن قيس بن عدي بن أمية ابن جِدَارة.

قال ابن هشام : زيد بن المُريِّ.

قال ابن إسحاق : وعبد اللّه بن عُرْفطة بن عدي بن أمية بن جدارة، أربعة نفر.

ومن بنى الأبْجَر، وهم بنو خُدْرة، بن عوف بن الحارث بن الخزرج : عبد اللّه بن ربيع بن قيس بن عَمرو بن عباد بن الأبْجر، رجل. ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بنِ الخزرج وهو بنو الحُبلى -

قال ابن هشام : الحُبلى : سالم بن غنْم بن عوف ، وإنما سُمى الحُبلى، لعظم بطنه -: عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبى بن مالك بن الحارث بن عبيد المشهور بابن سلول ، وإنما سلول امرأة، وهى أم أبيّ : وأوْس ابن خَوْلى بن عبد اللّه بن الحارث بن عبيد. رجلان.

ومن بني جَزْء بن عدي بن مالك بن سالم بن غَنْم : زيد بن وديعة بن عمرو بن قَيْس بن جَزْء، وعقبة بن وهب بن كَلَدَة، حليف لهم من بنى عبد اللّه بن غطفان ، ورفاعة بن عُمر بن زيد ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غَنْم ، وعامر بن سَلَمة بن عامر، حليف لهم من أهل اليمن.

قال ابن هشام :

ويقال : عَمْرو ابن سَلَمة وهو من بَلِيٍّ ، من قُضاعة.

قال ابن إسحاق : وأبو حُمَيْضة مَعبد بن عَبَّاد بن قُشَيْر بن المقَدَّم ابن سالم بن غَنْم.

قال ابن هشام : مَعْبد بن عبادة بن قَشْغَر بن المقدَّم ،

ويقال : عُبادة بن قَيْس بن المقَدَّم..

قال ابن إسحاق : وعامر بن البُكَيْر، حليف لهم ، ستة.نفر.

قال ابن هشام : عامر بن العُكَيْر. ،

ويقال : عاصم بن البُكَيْر.

قال ابن إسحاق : ومن بنى سالمِ بن عَوْف بن عمرو بن الخَزْرج ،

ثم من بني العَجْلان بن زيد بن غنْم بن سالم : نَوْفل بن عبد اللّه ابن نَضْلة بن مالك بن العَجلان. رجل.

ومن بني أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف

قال ابن هشام : هذا غنم بن عوف ، أخو سالم بن عَوْف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، وغنم بن سالم ، الذي قبله على ما

قال ابن إسحاق - : عُبادة بن الصامت بن قَيْس بن أصرم ، وأخوه أوْس بن الصامت ، رجلان.

ومن بني دَعْد بن فِهر بن ثعلبة بن غَنْم : النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دَعْد، والنعمان الذي يقال له. قَوْقل. رجل.

ومن بني قُرْيوش بن غَنْم بنِ أمية بن لَوْذان بن سالم -

قال ابن هشام : ويقال قرْيوس بن غنْم - ثابت بن هَزّال بن عمرو بن قُرْيوش ، ر جل.

ومن بني مَرْضَخة بن غَنْم بن سالم : مالك بن الدُّخْشم بن مَرْضَخة، رجل.

قال ابن هشام : مالك بن الدُّخشم : بن مالك بن الدخشم بن مَرْضَخة.

قال ابن إسحاق : ومن بني لَوْذان بن سالم : ربيع بن إياس ابن عَمْرو بن غَنْم بن أمية بن لَوْذان ، وأخوه ورقة بن إياس ، وعمرو ابن إياس حليف لهم من أهل اليمن ، ثلاثة نفر.

قال ابن هشام :

ويقال : عمرو بن إياس ، أخو ربيعة وورقة

قال ابن إسحاق : ومن حلفائهم من بَلي ، ثم من بني غُصَيْنة -

قال ابن هشام : غُصَينة : أمهم ، وأبوهم عمرو بن عمارة - المجذَّرَ بن ذياد بن عمرو بن زُمْزمة بن عمر بن عمارة بن مالك ابن غُصَيْنة ابن عمرو بن بُتَيرة بن مَشْنُوّ بن قَسْر بن تَيْم بن إرَاش بن عامر ابن عُمَيلة بن قِسْمِيل بِن فَرَان بن بليّ بن عَمرو بن الحَاف بن قُضاعة.

قال ابن هشام :

ويقال : قَسْر بن تميم بن إرَاشة، وقِسْميل بن فَارَان. واسم المجذّر عبد اللّه.

قال ابن إسحاق : وعُبادة بن الخَشْخاش بن عمرو بن زُمْزُمَة، ونَحَّاب بن ثَعلبة بن حَزمة بن أصْرم بن عمرو بن عمارة.

قال ابن هشام : ويقال بحَّاث بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق : وعبد اللّه بن ثعلبة بن حَزَمة بن أصرم. وزعموا أن عُتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية - حليف لهم - من بهراء، قد شهد بدراً، خمسة نفر.

قال ابن هشام : عتبة بن بَهْز، من بني سليم.

قال ابن إسحاق : ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرجِ ، ثم من بنى ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة : أبو دُجانة، سَمَّاك بن خرَشة.

قال ابن هشام : أبو دجانة : سِماك بن أوس بن خَرَشة بن لَوْذان ابن عبد وُدّ بن زيد بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق : والمنذِر بن عمرو بن خُنَيْس بن حارثة بن لَوْذان بن عبد وُدّ بن زيد بن ثعلبة. رجلان.

قال ابن هشام :

ويقال : المنذر : بن عمرو بن خَنْبَش.

قال ابن إسحاق : ومن بني البَدِيِّ بن عامر بن عوف بن حارثة ابن عمرو بن الخزرج بن ساعدة : أبو أسَيد مالك بن ربيعة بن البَدِي ، ومالك بن مسعود وهو إلى البَدِي. رجلان.

قال ابن هشام : مالك بن مسعود : بن البَدِي ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم.

قال ابن إسحاق : ومن بنى طَريف بن الخزرج بن ساعدة : عبدُ رَبِّهِ بن حَقِّ بن أوْس بن وَقش بن ثعلبة بن طريف. رجل.

ومن حلفائهم ، من جُهينة : كعبُ بن حِمار بن ثعلبة..

قال ابن هشام :

ويقال : كعب : بن جَمَّاز، وهو من غُبْشَان.

قال ابن إسحاق : وضَمْرة وزياد وبَسْبس ، بنو عمرو.. ،

قال ابن هشام :ضَمْرة وزياد،ابن ابِشْر

قال ابن إسحاق : وعبد اللّه بن عامر، بن بَلِى. خمسة نفر.

ومن بني جُشَم بن الخزرج ، ثم من بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : خراش بن الصِّمَّة

ابن عمرو بن الجَموح بن زيد بن حرام ، والحُبَاب بن المنذِر بن الجموح بن زَيْد بن حرام وعُمَير بن الحُمام بن الجموح بن زيد ابن حرام وتميم مولى خراش بن الصِّمَّة، وعبد اللّه بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام ، ومعُاذ بن عمرو بن الجَموح ومُعوذ بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام ، وخَلاَّد بن عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام وعُقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام ، وحبيب ابن أسْوَد، مولى لهم ، وثابت بن ثَعْلبة بن زيد بن الحارث بن حرام. اثنا عشر رجلاً.

قال ابن هشام : وكل ما كان ها هنا الجَموح ، فهو الجَموح بن زيد بن حرام ، إلا ما كان من جد الصِّمَّة بن عمرو، فإنه الجموح ابن حرام.

قال ابن هشام : عُمَير بن الحارث : بن لَبْدَة بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق : ومن بني عُبَيْد بن عَدي بن غَنْم بن كعب بن سَلِمة، ثم من بني خنساء بن سنان بن عبيد: بِشر بن البَرَّاء بن مَعْرُور بن صخر بن مالك بن خَنْساء، والطُّفَيْل بن مالك بن خنساء، والطُّفيل بن النعمان بن خنساء، وسنان بن صَيْفي بن صَخر بن خَنْساء، وعبد اللّه بن الجَدِّ بن قيس بن صخر بن خنساء، وعُتبة بن عبد اللّه بن صخر بن خنساء، وجَبَّار بن صخر بن أمية بن خنساء، وخارجة بن حُمَيِّر، وعبد اللّه بن حُمَيِّر، حليفان لهم من أشجع ، من بنى دُهْمان. تسعة نفر.

قال ابن هشام :

ويقال : جَبَّار : بن صَخْر بن أمية بن خُنَاس.

قال ابن إسحاق : ومن بنى خُنَاس بن سِنان بن عُبيد : يزيد بن المنذِر بن سَرْح بن خُنَاس ، ومِعْقل بن المنذر بن سرح بن خُناس ، وعبد اللّه بن النعمان بن بَلْدُمَة.

قال ابن هشام :

ويقال : بُلْذُمَة وبُلْدُمَة.

قال ابن إسحاق : والضَّحَّاك بن حارثة بن زيد بن ثَعْلبة بن عُبَيْد ابن عَدِي ، وسَوَاد بن زُرَيق بن ثعلبة بن عُبَيْد بن عدي.

قال ابن هشام :

ويقال : سَوَاد : بن رِزْن بن زيد بن ثعلبة.

قال ابن إسحاق : ومَعْبد بن قَيْس بن صخر بن حَرام بن ربيعة ابن عَدىِّ بن غَنْم بن كعب بن سَلِمة.

ويقال : معبد بن قَيْس : ابن صَيْفى بن صخْر بن حرام بن ربيعة، فيما

قال ابن هشام :

قال ابن إسحاق : وعبدُ اللّه بن قَيْس بن صَخْر بن حَرام بن ربيعة ابن عدي بن غَنْم. سبعة نفر. ومن بني النعمان بن سنان بن عُبيد: عبدُ اللّه بن عبد مناف ابن النعمان ، وجابر بن عبد اللّه بن رِئاب بن النعمان ، وخُلَيْدة بن قَيْس بن النعمان. والنُّعمان بن سِنان ، مولى لهم. أربعة نفر. ومن بني سَوَاد بن غَنْم ابن كَعْب بن سلمة، ثم من بني حَديدة ابن عمرو بن غَنْم بن سواد -

قال ابن هشام : عمرو بن سواد، ليس لسَوَاد ابن يقال له غنم - : أبو المنذر، وهو يزيد بن عامر ابن حَديدة، وسُلَيم بن عمرو بن حديدة وقُطبة بن عامر بن حديدة وعنترة مولى سُلَيم بن عمرو.أربعة نفر.

قال ابن هشام : عنترة، من بني سُلَيم بن منصور،ثم من بني ذَكْوان.

قال ابن إسحاق : ومن بني عدي بن نابي بن عَمرو بن سَوَاد بن غَنْم : عَبْس بن عامر ابن عدي ، وثعلبة بن غَنَمة بنِ عدي ، وأبواليَسَر، وهو كعب بن عمرو بن عَبَّاد بن عمرو بن غنْم بن سواد، وسَهْل بن قَيْس بن أبى بن كعب بن القَيْن بن كعب بن سَوَاد، وعمرو بن طَلْق ببن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غَنْم ، ومُعاذ بن جبل بن عمرو ابن أوْس بن عائذ بن عَدي بن كعب بن عدي بن أدَئ بن سعد بن على بن أسَد بن سارِدة بن تَزيد بن جُشَم ابن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عَمرو بن عامر. ستة نفر.

قال ابن هشام : أوْس : بن عبَّاد بن عدي بن كعب بن عمرو ابن أدَيّ بن سعد.

قال ابن هشام : وإنما نَسب ابن إسحاق معاذ بن جبل في بنى سَوَاد، وليس منهم ، لأنه فيهم

قال ابن إسحاق : والذين كسروا آلهة بني سَلمة : مُعاذ بن جبل ، وعبد اللّه بن أنيس وثعلبة بن غَنمة وهم في بنى سواد بن غَنْم.

قال ابن إسحاق : ومن بني زُرَيق بن عامر بن زريق بن عبد

حارثة بن مالك بن غضب بن جُشَم بن الخزرج ، ثم من بني مُخَلَّد ابن عامر بن زريق -

قال ابن هشام :

ويقال : عامر : بن الأزْرق - قَيْس بن محصن بن خالد بن مخلد.

قال ابن هشام :

ويقال : قيس : بن حصن.

قال ابن إسحاق : وأبو خالد وهو الحارث بن قَيْس بن خالد ابن مُخَلَّد، وجُبَير بن إياس بن خالد بن مُخَلَّد، وأبو عُبادة، وهو سعد بن عثمان بن خَلَدَة بن مُخَلَّد، وأخوه عقبة بن عثمان بن خَلَدة، ابن مُخلَّد، وذَكْوان بن عبد قيس بن خَلَدة بن مُخَلَّد ومسعود بن عامر بن خَلَدة بن مُخَلَّد. سبعة نفر.

ومن بني خالد بن عامر بن زُرَيق : عَبَّاد بن قيس بن عامر بن خالد. رجل.

ومن بني خالد بن عامر بن زُرَيق : أسعد بن يزيد بن الفاكِه بن زيد بن خَلَدة، والفاكِه بن بِشر بن الفاكه بن زيد بن خَلَدة.

قال ابن هشام : بُسْر بن الفاكه.

قال ابن إسحاق : ومُعاذ بن ماعِص بن قَيْس بن خَلَدة، وأخوه : عائذ بن ماعِص بن قيس بن خَلَدة، ومسعود بن سعد بن قيس بن خَلَدة. خمسة نفر.

ومن بني العجلان بن عمرو بن عامر بن زُرَيق : رفاعة بن العجلان وأخوه خَلاّد بن رافع بن مالك بن العَجْلان ، وعُبيد بن زيد بن عامر ابن العَجلان. ثلاثة نفر.

ومن بني بَياضة بن عامر بن زُرَيق : زياد بنِ لَبيد بن ثعلبة بن سِنان بن عامر بن عدي بن أميَّة بن بَياضة، وفرْوة بن عمرو بن وَذْفة بن عبيد بن عامر بن بياضة.

قال ابن هشام :

ويقال : وَدْفَة.

قال ابن إسحاق : وخالد بن قَيْس بن مالك بن العَجْلان بن عامر

ابن بَياضة ورُجَيْلة بن ثعلبة بن خالد بن ثَعْلبة بن عامر بن بَياضة.

قال ابن هشام :

ويقال : رُخَيْلة.

قال ابن إسحاق : وعَطية بن نُوَيْرة بن عامر بن عطية بن بَياضة، وخليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن فُهَيْرة بن بياضة. ستة نفر.

قال ابن هشام :

ويقال : عُلَيفة.

قال ابن إسحاق : ومن بني حَبيب بن عبد حارثة بن مالك بن

 غضب بن جُشَم بن الخزرج : رافع بن المعَلَّى بن لَوْذان بن حارثة ابن عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب رجل.

قال ابن إسحاق : ومن بني النجار، وهو تَيْم اللّه بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ، ثم من بني غَنْم بن مالك بن النجار، ثم من بنى ثعلبة بن عبد عوف بن غنم : أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب ابن ثعلبة. رجل.

ومن بني عُسَيْرة بن عبد عَوْف بن غَنْم : ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة. رجل.

قال ابن هشام :

ويقال : عُسَيْر، وعُشَيْرة.

قال ابن إسحاق : ومن بني عمرو بن عَوْف بن غَنْم : عُمارة ابن حَزْم بنِ زيد بن لَوْذان بن عَمرو، وسُراقة بن كعب بن عبد العُزى بن غزِيَّة بن عمرو. رجلان.

ومن بني عُبَيْد بن ثعلبة بن غَنْم : حارثة بن النعمان بن زيد بن عُبَيْد، وسُلَيم بن قيس بن قَهْد : واسم قَهْد : خالد بن قَيس بن عُبيد. رجلان.

قال ابن هشام : حارثة بن النعمان : ابن نَفْع بن زيد.

قال ابن إسحاق : ومن بني عائذ بن ثعلبة بن غنم - ويقال عابد فيما

قال ابن هشام -: سُهَيْل بن رافع بن أبى عمرو بن عَائذ، وعَدِي بن الزَّغْباء، حليف لهم من جُهَينة. رجلان.

ومن بني زيد بن ثَعلبة بن غَنْم : مسعود بن أوْس بن زيد، وأبو خُزَيْمة بن أوس بن زيد بن أصْرَم بن زيد، ورافع بن الحارث بن سَوَاد بن زيد. ثلانة نفر.

ومن بني سَوَاد بن مالك بن غنم : عَوْف ، ومُعَوّذ، ومُعاذ، بنو الحارث بن رفاعة بن سَوَاد، وهم بنو عَفْراء.

قال ابن هشام : عفراء بنت عُبيد بن ثَعْلبة بن غَنْم بن مالك ابن النجار،

ويقال : رِفاعة : بن الحارث بن سواد.

قال ابن إسحاق : والنعمان بن عمرو بن رِفاعة بن سَوَاد،

ويقال : نُعَيْمان فيما

قال ابن هشام:

قال ابن إسحاق : وعامر بن مُخلد بن الحارث بن سَوَاد، وعبد اللّه ابن قَيْس بن خالد بن خَلَّدة بن الحارث بن سَوَاد، وعُصَيْمة، حليف لهم من أشْجَع ، ووَديعة بن عَمرو، حليف من جُهَينة، وثابت بن عَمْرو ابن زيد بن عَدِي بن سَوَاد. وزعموا أن أبا الحمراء، مولى الحارث ابن عفراء، قد شهد بدراً. عشرة نفر.

قال ابن هشام : أبو الحمراء، مولى الحارث بن رفاعة.

قال ابن إسحاق : ومن بني عامر بن مالك بن النجار - وعامر : مبذول - ثم من بني عَتيك بن عمرو بن مَبْذول : ثعلبة بن عمرو ابن مِحْصَن بن عَمرو بن عَتيك ، وسَهْل بن عتيك بن عمرو بن النعمان ابن عَتيك ، والحارث بن الصِّمَّة بن عمرو بن عَتيك ، كُسر به بالروحاء فضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسهمه. ثلاثة نفر.

ومن بني عَمرو بن مالك بن النجار - وهم بنو حُدَيْلة - ثم من بني قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار.

قال ابن هشام : حُدَيلة بنت مالك بن زيد اللّه بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غَضْب بن جُشَم بن الخزرج ، وهي أم معاوية ابن عمرو بن مالك بن النجار، فبنو معاوية ينتسبون إليها.

قال ابن إسحاق : أبي بن كعب بن قَيْس ، وأنس بن معُاذ بن أنس بن قيس. رجلان. ومن بني عَدي بن عمرو بن مالك بن النجار -

قال ابن هشام : وهم بنو مَغَالة بنت عوف بن عبد مَناة بن عمرو ابن مالك بن كنانة بن خُزَيمة،

ويقال : إنها من بني زُرَيْق ، وهي أم عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، فبنو عدي ينسبون إليها - : أوْسُ بن ثابت بن المُنذر بن حَرام بن عمرو بن زيد مَناة بن عَدي ، وأبو شيخ أبىُّ بن ثابت بن المنذِر بن حرام بن عمرو بن زيد مَناة بن عدي.

قال ابن هشام : أبو شيخ بن أبَيُّ بن ثابت ، أخو حسان بن ثابت.

قال ابن إسحاق : وأبو طلحة، وهو زيد بن سَهْل بن الأسود ابن حَرام بن عَمرو بن زيد بن عدىّ. ثلاثة نفر.

ومن بني عدي بن النجار، ثم من بني عدي بن عامر بن غنم ابن النجار : حارثة بن سُراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر، وعُمرو بن ثعلبة بن وَهْب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر وهو أبو حَكيم ، وسَليط بن قَيْس بن عمرو بن عتيك ابن مالك بن عدي بن عامر، وأبو سَليط ، وهو أسَيْرة بن عمرو، وعمرو أبو خارجة بن قَيْس بن مالك بن عدي بن عامر، وثابت ابن خَنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر، وعامر بن أمية ابن زيد بن الحَسْحَاس بن مالك بن عَدي بن عامر، ومُحْرِز بن عامر بن مالك بن عدي بن عامر، وسَوَاد بن غَزِيّة بن أهَيْب ، حليف لهم من بَلِي. ثمانية نفرة

قال ابن هشام :

ويقال : سَوَّاد.

قال ابن إسحاق : ومن بني حَرَام بن خنْدب بن عامر بن غَنْم ابن عَدي بن النجار : أبو زيد قَيْس بن سَكَن بن قَيْس بن زَعُوراء ابن حرام ، وأبو الأعْور بن الحارث بن ظالم بن عَبْس بن حرام.

قال ابن هشام :

ويقال : أبو الأعور : الحارث بن ظالم.

قال ابن إسحاق : وسُلَيْم بن مِلْحان ، وحرام بن مِلْحان - واسم ملحان : مالك بن خالد بن زيد بن حرام. أربعة نفر.

ومن بني مازن بن النجار، ثم من بنى عَوْف بن مَبْذول بن عَمرو ابن غنم بن مازن بن النجار : قَيس بن أبي صَعْصعة، واسم أبى صَعْصعة : عمرو بن زيد بن عوف - وعبد اللّه بن كعب بن عَمرو بن عَوْف وعُصَيْمة، حليف لهم من بنى أسد بن خُزَيمة. ثلاثة نفر.

ومن بني خنساء بن مبذول بن عمرو بن مازن : أبو داود عُمَيْر ابن عامر بن مالك بن خَنْساء، وسُراقة بن عمرو بن عَطِية بن خَنْساء. رجلان.

ومن بني ثَعْلَبة بن مازن بن النجار: قَيْس بن مُخَلَّد بن ثعلبة ابن صَخْر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة. رجل.

ومن بني دينار بن النجار، ثم من بني مسعود بن عبد الأشهل ابن حارثة بن دينار بن النجار : النُّعمان بن عبدِ عمرو بن مسعود، والضحَّاك بن عبد عمرو بن مسعود، وسُلَيم بن الحارث بن ثعلبة ابن كعب بن حارثة بن دينار، وهو أخو الضحاك ، والنعمان ابنى عبد عمرو، لأمهما، وجابر بن خالد بن عبد الأشهل بن حارثة، وسعد ابن سُهَيْل بن عبد الأشهل. خمسة نفر.

ومن بني قَيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينار بن النجار : كعب بن زيد بن قيس وبُجَيْر بن أبي بُجَيْر، حليف لهم. رجلان.

قال ابن هشام : بُجَير : من عَبْس بن بغيض بن رَيْث بن غَطَفان ، ثم من بنى جَذيمة بن رَوَاحة.

عدد من شهد بدراً من الخزرج  

قال ابن إسحاق : فجميع من شهد بدراً من الخزرج مئة وسبعون رجلاً.

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم يذكر في الخزرج ببدر، في بني العَجْلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عمرو بن عوف بن الخزرج : عِتْبان بن مالك بن عَمرو بن العَجْلان ، ومُلَيْل بن وَبَرة ابن خالد بن العَجْلان ، وعِصْمة بن الحُصَيْن بن وَبَرة بن خالد بن العَجْلان.

وفى بنى حَبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غَضب بن جُشم ابن الخزرج ، وهم في بني زُرَيق هلال بن المعَلَّى بن لَوْذان بن حارثة ابن عَدِي بن زيد بن ثَعْلبة بن مالك بن زيد مناة بن حبيب.

عدد من شهد بدراً من المهاجرين والأنصار

 قال ابن إسحاق : فجميع من شهد بدراً من المسلمين ، من المهاجرين والأنصار من شهدها منهم ، ومن ضُرب له بسهمه وأجره ، ثلاثمائة رجل وأربعة عشر رجلاً، من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلاً، ومن الأوس واحد وستون رجلاً، ومن الخزرج مئة وسبعون رجلاً.

من استُشهد من المسلمين يوم بدر

من المهاجرين : واستشهد من المسلمين يوم بدر، مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، من قريش، ثم من بني المطلب بن عبد مناف : عُبيدة بن الحارث بن المطلب ، قتله عُتبة بن ربيعة، قطع رجله ، فمات بالصفراء رجل.

ومن بني زُهرة بن كلاب : عُمير بن أبى وقاص بن أهَيْب بن عبد مناف بن زُهرة، وهو أخو سعد بن أبي وقاص ، فيما

قال ابن هشام ، وذو الشِّمالين بن عبد عمرو بن نَضْلة، حليف لهم من خزاعة ثم من بني غُبْشان. رجلان.

ومن بني عدي بن كعب بن لُؤَي : عاقل بن البُكَيْر. حليف لهم من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مَناة بن كنانة، ومِهْجَع ، مولى عمر بن الخطاب. رجلان.

ومن بنى الحارث بن فِهر : صفوان بن بَيْضاء رجل. ستة نفر.

من الأنصار : ومن الأنصار: ثم من بنى عمرو بن عوف : سعد بن خَيْثمة، ومُبَشَّر بن عبد المنذر بن زَنبر. رجلان.

ومن بني الحارث بن الخزرج : يزيد بن الحارث ، وهو الذي يقال له. ابن فُسْحُمْ. رجل.

ومن بني سَلمة، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عُمَيْر بن الحُمام. رجل.

ومن بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جُشم : رافع ابن المعلَّى. رجل.

ومن بنى النجار : حارثة بن سراقة بن الحارث. رجل.

ومن بنى غَنْم بن مالك بن النجار : عَوْف ومُعَوذ، ابنا الحارث ابن رفاعة بن سواد، وهما ابنا عفراء. رجلان. ثمانية نفر.

من قُتل ببدر من المشركين

وقتل من المشركين يوم بدر من قُريش ، ثم من بني عبد شس ابن عبد مناف : حَنْظَلة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس ، قتله زيدُ بن حارثة، مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما

قال ابن هشام ،

ويقال : اشترك فيه حَمزة وعلي وزيد، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : والحارث بن الحَضْرمي ، وعامر بن الحَضْرمي حليفان لهم ، قتل عامراً : عَمَّار بن ياسر، وقتل الحارثَ : النعمانُ ابن عصر، حليف للأوس ، فيما

قال ابن هشام. وعُمَير بن أبي عُمير، وابنه : موليان لهم. قتل.عُميرَ. بنَ أبي عمير : سالمٌ مولى أبى حذيفة، فيما

قال ابن هشام

قال ابن إسحاق : وعُبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، قتله الزبيرُ بن العوام ، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية، قتله على بن أبى طالب. وعقبة بن أبى مُعَيط بن أبي عمرو بن أمية ببن عبد شمس ، قتله عاصم بن ثابت بن أبى الأقْلح ، أخو بنى عمرو بن عوف ، صبراً.

قال ابن هشام :

ويقال : قتله على بن أبي طالب.

قال ابن إسحاق :.وعتبة بن ربيعة عبد شمس ، قتله عُبيدة بن الحارث بن المطلب.

قال ابن هشام : اشترك فيه هو وحمزة وعلىٌّ.

قال ابن إسحاق : وشَيْبة بن ربيعة بن عبد شمس ، قتله حمزةُ ابن عبد المطلب. والوليد بن عتبة بن ربيعة، قتله على بن أبى طالب ، وعامر بن عبد اللّه ، حليف لهم من بني أنمار بن بَغيض ، قتله على ابن أبى طالب : اثنا عشر رجلاً.

ومن بني نوفل بن عبد مناف : الحارث بن عامر بن نَوْفل ، قتله - فيما يذكرون - خَبيبُ بنِ أبي إساف ، أخو بنى الحارث بن الخزرج ، وطُعَيْمة بن عدي بن نوْفل ، قتله على بن أبى طالب ،

ويقال : حمزة بن عبد المطلب. رجلان.

ومن بني أسد بن عبد العُزَّى بن قصى : زَمَعَة بن الأسْوَد بن المطلب بن أسد.

قال ابن هشام : قتله ثابتُ بن الجِذْع ، أخو بنى حرام ، فيما

قال ابن هشام:

ويقال : اشترك فيه حمزةُ وعلي بن أبى طالب وثابت.

قال ابن إسحاق : والحارث بن زَمَعة، قتله عمار بن ياسر - فيما

قال ابن هشام - وعقيل بن الأسْود بن المطلب ، قتله حمزة وعلىٌّ ، اشتركا فيه - فيما

قال ابن هشام - وأبو البَخْتَري ، وهو العاص بن هشام بن الحارث بن أسد، قتله المجَذَّر بنِ ذياد البَلَوِي.

قال ابن هشام : أبو البَخْتري : العاص بن هاشم.

قال ابن إسحاق : ونَوْفَل بن خُوَيلد بن أسد، وهو ابن العَدَوية، عدي بن خُزاعة، وهو الذي قرن أبا بكر الصديق ، وطلحةَ بن عُبيد اللّه حين أسلما في حبل ، فكانا يُسميان : القرينين لذلك ، وكان من شياطين قريش - قتله علي بن أبي طالب. خمسة نفر. ومن بنى عبد الدار بن قُصَي : النضرُ بن الحارث بن كَلَدة بن عَلْقمة بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله علي بن أبي طالب صبراً عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصفراء، فيما يذكرون ،

قال ابن هشام : بالأثيل.

قال ابن هشام :

ويقال : النضر بن الحارث بن عَلْقمة بن كَلَدَة بن عبد مناف. ،

قال ابن إسحاق : وزيد بن مُلَيص مولى عُمَير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. رجلان.

قال ابن هشام : قتل زيدَ بن مُلَيْص بلالُ بنُ رَباح ، مولى أبى بكر، وزيد حليف لبني عبد الدار، من بنى مازن بن مالك بن عمرو ابن تميم ،

ويقال : قتله المِقْداد بن عمرو.

قال ابن إسحاق : ومن بنى تَيْم بن مرة : عُمَير بن عثمان بن عَمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم.

قال ابن هشام : قتله عليُّ بن أبي طالب.

ويقال : عبدُ الرحمن ابن عوف.

قال ابن إسحاق : وعثمان بن مالك بن عُبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب ، قتله صُهَيْب بن سِنان : رجلان.

ومن بنى مخزوم بن يَقَظة بن مُرَّة : أبو جهل بن هشام - واسمه عَمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد اللّه بن عَمرو بن مخزوم -

ضربه مُعاذ بن عمرو بن الجَموح ، فقطع رجله ، وضرب ابنه عِكْرمة يد معاذ فطرحها، ثم ضربه مُعَوّذ بن عفراء حتى أثبته ، ثم تركه وبه رَمَق. ثم ذَفَّفَ عليه عبدُ اللّه بن مسعود، واحتز رأسَه ، حين أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يلتمس في القتلى - والعاص بن هشام بن المغيرة بن عبد اللّه بن عُمر بن مخزوم ، قتله عمر بن الخطاب ، ويزيد بن عبد اللّه ، حليف لهم من بنى تميم.

قال ابن هشام : ثم أحد بنى عَمْرو بن تميم ، وكان شُجاعاً، قتله عمَّار بن ياسر.

قال ابن إسحاق : وأبو مسافع الأشعري ، حليف لهم ، قتله أبو دُجانة الساعدي - فيما

قال ابن هشام - وحَرْملة بن عمرو، حليف لهم.

قال ابن هشام : قتله خارجة بن زَيْد بن أبى زهير، أخو بَلْحارث ابن الخزرج ،

ويقال : بل على بن أبي طالب - فيما

قال ابن هشام - وحرملة، من الأسد.

قال ابن إسحاق : ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة، قتله علي ابن أبى طالب - فيما

قال ابن هشام - وأبو قَيْس بن الوليد بن المغيرة.

قال ابن هشام : قتله حمزة بن عبد المطلب.

قال ابن إسحاق : وأبو قَيْس بن الفاكه بن المُغيرة، قتله علي ابن أبي طالب ،

ويقال : قتله عمار بن ياسر، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : ورِفاعة بن أبى رِفاعة بن عابد بن عبد اللّه ابن عُمر بن مخزوم ، قتله سعد بن الربيع ، أخو بَلْحارث بن الخزرج ، فيما

قال ابن هشام : والمنذِر بن أبي رفاعة بن عابد قتله مَعْن بن عدي بن الجَدّ بن العَجْلان حليف بنى عُبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف فيما

قال ابن هشام ، وعبد اللّه بن المنذِر ابن أبى رفاعة بن عابد، قتله على بن أبى طالب ،. فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : والسائب بن أبى السائب بن عابد بن عبد اللّه ابن عمر بن مخزوم.

قال ابن هشام : السائب بن أبى السائب شريك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي جاء فيه الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " نعم الشريكُ السائبُ لا يُشارى ولا يُمارى " وكان أسلم فحسن إسلامه - فيما بلغنا - واللّه أعلم.

وذكر ابنُ شهاب الزهري عن عبيد اللّه بن عُتبة، عن ابن عباس أن السائب بن أبى السائب بن عبد اللّه بن عُمر بن مخزوم ممن بايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قريش، وأعطاه يوم الجِعِرَّانة من غنائم حُنين.

قال ابن هشام : وذكر غير ابن إسحاق : أن الذي قتله الزبير ابن العوام.

قال ابن إسحاق : والأسود بن عبد الأسَد بن هلال بن عبد اللّه ابن عُمر بن مخزوم ، قتله حمزة بن عبد المطلب ، وحاجب بن السائب ابن عُوَيْمر بن عمر بن عائذ بن عبد بن عمران بن مَخْزوم -

قال ابن هشام :

ويقال : عائذ : بن عمران بن مخزوم ،

ويقال : حاجز بن السائب - والذي قتل حاجبَ بن السائب : عَلىُّ بن أبى طالب.

قال ابن إسحاق : وعُوَيْمر بن السائب بن عُوَيْمر، قتله النعمان بن مالك القَوْقَلى مبارزةً، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : وعَمْرو بن سُفيان ، وجابر بن سُفيان ، حليفان لهم من طىّ، قتل عَمراً يزيدُ بن رُقَيش، وقتل جابراً : أبو بُرْدَة بن نَيَّار فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : سبعة عشر رجلاً.

ومن بنى سَهْم بن عمرو بن هُصَيْص بن كعب بن لؤي : مُنَبِّه ابن الحجاج بن عامر بن حُذيفة بن سعد بن سهم ، قتله أبو اليَسَر، ، أخو بني سَلِمة، وابنه العاص بن مُنَبِّه بن الحجاج قتله على بن أبي طالب ، فيما

قال ابن هشام. ونبَيْه بن الحجاج بن عامر قتله حمزة ابن عبد المطلب وسعد بن أبى وقاص اشتركا فيه ، فيما

قال ابن هشام ، وأبو العاص بن قَيْس بن عَدِي بن سعد بن سهم.

قال ابن إسحاق : وعاصم بن عَوْف بن ضُبَيْرة بن سعيد بن سَهْم ، قتله أبو اليَسَر، أخو بنى سلمة، فيما

قال ابن هشام: خمسة نفر.

ومن بني جُمح بن عمرو بن هُصَيْص بن كعب بن لؤي : أمية ابن خلف بن وهب بن جُمَح ، قتله رجل من الأنصار من بنى مازن.

قال ابن هشام : بل قتله مُعاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخَبيب ابن إساف ، اشتركوا في قتله.

قال ابن إسحاق : وابنه علي بن أمية بن خَلف ، قتله عَمَّار بن ياسر، وأوْس بن مِعْير بن لوذان بن سعد بن جُمَح ، قتله علي بن أبي طالب فيما

قال ابن هشام ،

ويقال : قتله الحُصَيْن بن الحارث ابن المطلب وعثمان بن مَظْعون ، اشتركا فيه ، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : ثلاثة نفر.

ومن بني عامر بن لؤي : معاوية بن عامر،.حَليف لهم من عبد القَيْس ، قتله علي بن أبى طالب

ويقال : قتله عُكَّاشة بن مِحْصَن ، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : ومَعْبد بن وهب ، حليف لهم من بني كَلْب بن عوف بن كعب بن عامر بن لَيْث ، قتل معبداً خالد وإياس ابنا البُكَير،

ويقال : أبو دُجانة، فيما

قال ابن هشام. رجلان.

عدد من قُتل من المشركين يومَ بدر :

قال ابن هشام: فجميع من أحصى لنا من قَتْلى قريش يوم بدر. خمسون رجلاً.

قال ابن هشام : حدثني أبو عُبيدة، عن أبي عمرو : أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلاً، والأسرى كذلك ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد ابن المسيَّب ، وفى كتاب اللّه تبارك وتعالى{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } [آل عمران: ١٦٥] بقوله لأصحاب أحد - وكان من استشهد منهم سبعين رجلاً - يقول : قد أصبتم يوم بدر مثلَيْ من استُشهد منكم يوم أحد، سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً. وأنشدني أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك :

فأقام بالعَطَنِ المعَطَّن منهـــم   سبعون: عُتبة منهم والأسْوَدُ

قال ابن هشام : يعنى قتلي بدر. وهذا البيت في قصيدة له في حديث يوم أحد، سأذكرها إن شاء اللّه تعالى في موضعها.

قال ابن هشام : وممن لم يذكر ابنُ إسحاق من هؤلاء السبعين القتلى :

من بني عبد شمس بن عبد مناف : وهب بن الحارث ، من بنى أنْمار بن بَغيض ، حليف لهم وعامر بن زيد، حليف لهم من اليمن رجلان.

ومن بنى أسد بن عبد العُزَّى : عقبة بن زيد، حليف لهم من اليمن ، وعُمير مولى لهم. رجلان.

ومن بني عبد الدار بن قصي : نُبَيْه بن زيد بن مُلَيْص ، وعُبَيد ابن سَليط ، حليف لهم من قيس. رجلان.

ومن بني تيم بن مرة : مالك بن عبيد اللّه بن عثمان ، وهو أخو طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان أسر فمات في الأسَارى، فعُد في القتلى،

ويقال : وعمرو بن عبد اللّه بن جدعان. رجلان.

ومن بني مخزوم بن يقظة : حُذَيفة بن أبي حُذَيفة بن المغيرة، قتله سعد بن أبي وقاص وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة، قتله صُهَيْب ابن سنان ، وزهير بن أبى رفاعة، قتله أبو أسَيْد مالك بن ربيعة، والسائب ابن أبى رفاعة. قتله عبد الرحمن بن عوف ، وعائذ بن السائب بنعويمر، أسر ثم افتُدي فمات في الطريق من جِراحةٍ جرحه إياها حمزةُ ابن عبد المطلب ، وعُمَيْر حليف لهم من طيِّى ، وخيار، حليف لهم من القارة، سبعة نفر.

ومن بني جُمح بن عمرو: سَبْرة بن مالك ، حليف لهم. رجل. ومن بني سهم بن عمرو: الحارث بن مُنَبِّه بن الحجاج ، قتله صُهَيْب بن سنان ، وعامر بن عوف بن ضُبيرة أخو عاصم بن ضبيرة، قتله عبد اللّه بن صلمة العجلانى،

ويقال : أبو دُجانة، رجلان.

ذكرأسرى قريش يوم بدر

قال ابن إسحاق : وأسر من المشركين من قريش يوم بدر، من بني هاشم بن عبد مناف : عقيل بن أبي طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطَّلب بن هاشم.

ومن بني المطَّلب بن عبد مناف : السائب بن عُبَيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطَّلب ونُعمان بن عمَرو بن عَلْقمة بن المطلب. رجلان.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : عمرو بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس والحارث بن أبى وجزة بن أبي عمرو ابن أمية بن عبد شمس.

ويقال : ابن أبى وَحرة، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : وأبو العاص بن الربيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمس ، وأبو العاص بن نوفل بن عبد شمس.

ومن حلفائهم : أبو رِيشَة بن أبي عمرو وعمرو بن الأزْرق وعُقبة بن عبد الحارث بن الحَضْرَمى، سبعة نفر.

ومن بني نوفل بن عبد مناف : عدي بن الخِيار بن عدي بن نوفل وعثمان بن عبد شمس ابن أخى غَزْوان بن جابر، حليف لهم من بنى مازن بن منصور وأبو ثَوْر، حليف لهم. ثلاثة نفر. ومن بني عبد الدار بن قصي : أبو عَزيز بن عُمَيْر بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار، والأسود بن عامر، حليف لهم. ويقولون؟ نحن بنو الأسود بن عامر بن عمرو بن الحارث بن السبَّاَّق. رجلان.

 ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي : السائب بن أبي حُبَيْش ابن المطلب بن أسد، والحُوَيْرث بن عباد بن عثمان بن أسد.

قال ابن هشام : هو الحارث بن عائذ بن عُثمان بن أسد.

قال ابن إسحاق : وسالم بن شَمَّاخ ، حليف لهم : ثلاثة نفر" ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة : خالد بن هشام بن المغيرة ابن عبد اللّه بن عُمر بن مخزوم ، وأمية بن أبي حذَيفة بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعثمان بن عبد اللّه بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ، وصيفي بن أبي رفاعة بن عابد بن عبد اللّه وأبو المنذر بن أبى رفاعة بن عابد بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ، وأبو عطاء عبد اللّه بن أبى السائب بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم والمطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم ، وخالد بن الأعلم ، حليف لهم ، وهو كان فيما يذكرون أول من ولىّ فارا منهزما ،وهو الذي يقول :

ولسنا على الأدبارِ تَدْمى كلومُنا   ولكن على أقدامِنا يَقْطُرُ الدمُ

تسعة نفر.

قال ابن هشام : ويروى : " لسنا على الأعقاب ".

وخالد بن الأعلم ، من خزاعة؛

ويقال : عُقيليّ.

قال ابن إسحاق : ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : أبو وَداعة بن ضُبَيرة بن سعيد بن سعد بن سَهْم ، كان أوِل أسير أفتدي من أسرى بدر افتداه ابنه المطلب بن أبي وَداعة؛ وفرْوة بن قيْس بن عدي بن حُذافة بن سعد بن سهم ، حنظلة بن قبيصة بن ، حذافة بن سعد بن سهم ، والحجاج بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم. أربعة نفر.

ومن بني جُمَح بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبد اللّه بن أبى بن خلف بن وهب بن حُذافة بن جُمَح ، وأبو عَزَّة عمرو بن عبد بن عثمان بن وُهَيب بن حذافة بن جُمَح ، والفاكه ، مولى أمية ابن خلف ، ادعاه بعد ذلك رَباح بن المغترف ، وهو يزعم أنه من بنى شَمَّاخ بن مُحارِب بنِ فهر -

ويقال : إن الفاكه : ابن جرول ابن حِذْيم بن عوف بن غضب بن شَماخ بن مُحارب بن فِهر -

ووهب بن عمير بن وهب بن خَلف بن وهب بن حُذافة بن جُمَح ، وربيعة بن دَرَّاج بن العَنْبس بن أهْبان بن وهب بن حذافة بن جمح ، خمسة نفر.

ومن بنى عامر بن لؤي : سُهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدُ وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، أسره مالك بن الدُّخْشُم ، أخو بني سالم بن عَوْف ، وعبد بن زَمَعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وعبد الرحمن بن مَشْنوء بن وَقْدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن مالك بن حِسْل بن عامر. ثلاثة نفر.

ومن بني الحارث بن فى : الطُّفَيل بن أبى قنَيْع ، وعُتبة بن عمرو بن جَحْدم. رجلان

قال ابن إسحاق : فجميع من حفظ لنا من الأسارى ثلاثة وأربعون رجلاً.

قال ابن هشام : وقع من جملة العدد رجل لم نذكر اسمه.

وممن لم يذكر ابن إسحاق من الأسارى : من بنى هاشم بن عبد مناف : عُتبة، حليف لهم من بنى فِهر : رجل. ومن بني المطلب بن عبد مناف : عَقيل بن عمرو، حليف لهم ، وأخوه تميم بن عمرو، وابنه. ثلاثة نفر.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : خالد بن أسيد بن أبى العِيص ، وأبو العَريض يَسار، مولى العاص بن أمية. رجلان.

ومن بني نوفل بن عبد مناف : نَبْهان ، مولى لهم. رجل

ومن بني أسد بن عبد العزي : " عبيد اللّه بن حميد بن زهير بن الحارث. رجل. ، ومن بني عبد الدار بن قصي : عَقِيل ، حليف لهم من اليمن. رجل. ومن في تَيْم بن مرة : مُسَافع بن عِياض بن صَخْر بن عامر بن كعب بن سعد بن تَيْم ، وجابر بن الزبير، حليف لهم. رجلان.

ومن بني مخزوم بن يقظة :قيس بن السائب. رجل. ومن بني جُمَح بن عمرو : عمرو بن أبى بن خلف ، وأبو رُهْم بن عبد اللّه ، حليف لهم ، وحليف لهم ذهب عنى اسمه ، وموليان لأمية بن خلف ، أحدهما نِسْطاس ، وأبو رافع ، غلام أمية بن خلف ، ستة نفر. ومن بني سَهْم بن عمرو : أسلم : مولى نُبيه بن الحجاج رجل ، ومن بني عامر بن لؤي : حبيب بن جابر، والسائب بن مالك رجلان.

ومن بنى الحارث بن فهر: شافع وشَفيع ، حليفان لهم من أرض اليمن رجلان.

ما قيل من الشعر في يوم بدر

ما قاله حمزة بن عبد المطلب :

قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر فى يوم بدر، وتراد به القوم بينهم لما كان فيه ، قول حمزة بن عبد المطلب ، يرحمه اللّه.

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها:

ألم ترَ أمراً كان من عَجَبِ الدهرِ   وللحَيْن أسبابٌ مُبَينة الأمْرِ
وما ذاك إلا أن قوماً أفادهـــم   فخانوا تَواصٍ بالعقوقِ وبالكفرِ
عشية راحُوا نحوَ بدرٍ بجمعِهم   فكانوا رهوناً للركيةِ من بَدْرِ
وكنا طلبنا العيرَ لم نبغِ غيرَها   فساروا إلينا فالتقينا على قَدْرِ
فلما التقينا لم تكنْ مَثْنَويَّـــةٌ   لنا غير طعنٍ بالمثقفة السُّمْر

وضربٍ ببيضٍ يختلى الهامَ حَدُّها   مُشهَّرة الألوانِ بيِّنة الأثر
ونحن تَركنا عُتبةَ الغىِّ ثاويـــاً   وشَيْبة في القتلى تَجَرْجَمَ في الجَفْرِ
وعمرو ثَوَى فيمن ثَوَى من حُماتِهم  فشُقَّتْ جيوبُ النائحاتِ على عمرو
جيوبُ نساءٍ من لُؤَيِّ بنَ غالبٍ   كرامً تفرعْنَ الذوائبَ منْ فِهرِ
أولئك قومٌ قُتِّلوا فى ضلالِهـم   وخَلَّوا لواءً غيرَ مُحْتَضَرِ النصرِ
 لِواءُ ضلالٍ قاد إبليسُ أهلَــــه   فخاس بهم ،إن الخبيثَ إلى غَدْر
وقال لهم ، إذ عاينَ الأمرَ واضحـاً   بَرِئْتُ إليكم ما بيَ اليومَ من صَبْرِ
فإنى أرى ما لا تَرَوْنَ وإننــــى   أخاف عقابَ اللّه واللّه ذو قَسْرِ
فقدَّمهم للحَيْن حتى تورطـــــوا   وكان بما لم يَخْبُر القومُ ذا خُبْرِ
فكانوا غَداةَ البئرِ ألفاً وجمعُنــــا   ثلاثُ مئينٍ كالمسَدمة الزُّهْرِ
وفينا جنودُ اللّه حين يمدُّنـــــا   بهم فى مقام ثم مُستوْضَحِ الذكرِ
فشد بهم جبريلُ تحتَ لوائِنــــا   لدى مأزقٍ فيه مناياهمُ تجري

رد هشام بن المغيرة على ما قاله حمزة : فأجابه الحارث

ابن هشام بن المغيرة،

فقال :

ألا يا لقَومي للصبابةِ والهجـــرِ   وللحزنِ مني والحرارةِ في الصدرِ
وللدمعِ من عينيَّ جَوْداً كأنــــه   فريدُ هَوَى من سِلكِ ناظمةٍ يجري
على البطلِِ الحلوِ الشمائل إذ ثَـوى   رهينَ مقامٍ للرَّكيةِ من بدرِ
فلا تبعُدْن يا عمرُو من ذي قرابــةٍ   ومن ذي نِدَامٍ كان ذا خُلُقٍ غمرِ
فإن يك قوم صادفوا منكَ دَوْلـــةً   فلا بد للأيام من دُوَلِ الدهرِ
فقد كنتَ في صَرْف الزمانِ الذي مضى  تُريهم هَواناً مَنك ذا سُبُلٍ وَعْرِ
فإلا أمُتْ يا عمرو أتركْك ثائــراً   ولا ابقِ بُقْيا في إخاءٍ ولا صِهْرِ
وأقطع ظهراً من رجالٍ بمعشــر   كرامٍ عليهم مثلَ ما قطعوا ظهرِي
أغرَّهم ما جمَّعوا من وَشيظـــةٍ   ونحنُ الصميمُ في القبائلِ من فِهْرِ
فيا لَلُؤَي ذَبِّبوا عن حريمِكم   وآلهةٍ لا تتركوها لذي الفَخْرِ
توارثها آباؤكم وورثتــمُ   أواسيها والبيتَ ذا السقفِ والسِّترِ
فما لحليمٍ قد أراد هلاكَكـم   فلا تَعْذروه آلَ غالب من عُذْرِ
وجدُّوا لمن عاديتمُ وتوازروا  وكونوا جميعاً في التأسِّي وفي الصبرِ
لعلَكم أن تَثأروا بأخيكـــمُ   ولاشىءَ إن لم تثأروا بذوي عَمْرو
بمطَّرداتٍ فى الأكفِّ كأنهـا   وميضٌ تُطيرُ الهامَ بينة الأثرِ
كأن مَدبَّ الذرِّ فوقَ متونِهـا   إذا جُرِّدَتْ يوماً لأعدائِها الخُزْرِ

قال ابن هشام : أبدلنا من هذه القصيدة كلمتين مما روى ابن إسحاق ، وهما " الفخر " في آخر البيت ، و " فما لحليم " في أول البيت لأنه نال فيهما من النبي صلى اللّه عليه وسلم شعر لعلي بن أبي طالب في يوم بدر :

قال ابن إسحاق : وقال على بن أبي طالب فى يوم بدر:

قال ابن هشام : ولم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها ولا نقيضتها، وإنما كتبناهما لأنه يقال : إن عمرو بن عبد اللّه بن جُدْعان قُتل يوم بدر، ولم يذكره ابن إسحاق في القتلى، وذكره في هذا الشعر :

ألم تر أن اللّه أبلَى رسولَـــه   بلاءَ عزيز ذي اقتدارٍ وذي فَضلِ
بما أنزل الكفارَ دارَ مذلـــةٍ   فلاقوا هَواناً من إسارٍ ومن قَتْلِ
فأمسى رسولُ اللّه قد عَزَّ نصرُهُ   وكان رسولُ اللّه أرسل بالعدلِ
فجاء بفرقانٍ من اللّه مُنْـــزَلٍ   مُبينة آياتُهُ لذوِي العقلِ
فآمن أقوامٌ بذاك وأيقنــــوا   فأمْسَوْا بحمدِ اللّه مجتمعي الشملِ
وأنكر أقوام فزاغت قلوبُهـــم   فزادهمُ ذو العرشِ خَبْلاً على خَبلِ
وأمكن منهم يومَ بدرٍ رسولَــه   وقوماً غِضاباً فعلهم أحسنُ الفعلِ
بأيديهمُ بيضٌ خِفاف عَصوا بها   وقد حادثوها بالجلاءِ وبالصَّقْلِ
فكم تركوا من ناشئ ذي حَمِّيـةٍ   صريعاً ومن ذي نَجْدةٍ منهمُ كَهْلِ
تبيتُ عيونُ النائحاتِ عليهــمُ   تجود بإسْبالِ الرشاش وبالوَبْلِ
نوائحَ تنعى عُتبةَ الغَي وابنَـه   وشيبةَ تنعاه وتنعى أبا جَهْلِ
وذا الرِّجْل تنعَى وابنُ جُدعان فيهم   مُسَلِّبَةً حَرَّى مُبينةَ الثُّكْلِ
ثَوَى منهمُ فى بئرِ بدر عصابةٌ   ذوي نَجَداتٍ في الحروبِ وفي المحْلِ
دعا الغىُّ منهم من دعا فأجابه   وللغىِّ أسبابٌ مُرَمَّقةُ الوصْلِ
فأضحوا لدى دارِ الجحيمِ بمعزِلٍ   عن الشَّغبِ والعدوانِ في أشغلِ الشُّغلِ

شعر الحارث بن هشام يرد به على عَليٍّ رضي اللّه عنه :

فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة،

فقال :

عجبتُ لأقوامٍ تغنَّى سفيهُهُم   بأمر سَفاهٍ ذي اعتراض "وذي بُطْلِ
تغنى بقتلَى يوم بَدْرٍ تتابعوا   كرام المساعى من غلام ومن كهلِ
مصاليتَ بيضٍ من لُؤَيِّ بن غالب   مطاعينَ في الهيجا مَطاعيم في المَحْل
أصيبوا كراماً لم يَبيحوا عشيرةً   بقومٍ سواهم نازِحى الدار والأصْلِ
كما أصبحتْ غسانُ فيكم بطانةً   لكم بدلاً منا فيا لك من فِعْل.
عُقوقاً وإثماً بَيِّناً وقطيعـــةً   يَرى جورَكم فيها ذوو الرأي والعقلِ
فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهـم   وخيرُ المنايا ما يكون من القتلِ
فلا تفرحوا أن تَقْتلوهم فقتلُهـم   لكم كائنٌ خَبْلاً مُقيما على خَبْلِ
فإنكم لن تَبرحُوا بعدَ قتلِهـــم   شتيتاً هَواكم غيرُ مجتمعى الشَّمْلِ
بفقد ابنِ جُدْعان الحميدِ فعالـهُ   وعُتبةَ والمدعو فيكم أبا جَهْلِ
وشيْبَة فيهم و الوليد وفيهــمُ   أميةُ مأوَى المعتَرين وذو الرِّجْل
أولئك فابْكِ ثم لا تبكِ غيرَهـم   نوائحُ تدعو بالرَّزِيَّة والثُّكْلِ
وقولوا لأهلِ المكَّتين تحاشـدوا  وسيروا إلى آطامِ يثربَ ذي النخلِ
جميعاً وحامُوا آل كعبٍ وذَبّبـوا   بخالصةِ الألوانِ مُحدَثة الصقْلِ
وإلا فبيتوا خائفين وأصْبِحـوا   أذلَّ لوطءِ الواطئين من النعْلِ
على أنني واللاتِ يا قومُ فاعلموا   بكم واثقٌ أن لا تُقيموا على تَبْل
سِوى جمعِكم للسابغاتِ وللقَنـا   وللبَيْض والبِيض القواطعِ والنَّبلِ

شعر ضرار بن الخطاب في يوم بدر : وقال ضرار بن الخطاب.

ابن مرداس ، أحد بنى محارب بن فهر، في يوم بدر :

عجبتُ لفخرِ الأوْسِ والحَيْنُ دائرٌ    عليهم غداً والدهرُ فيه بصائرُ
وفخر بنى النجار إن كان معشـرٌ   أصيبوا ببدرٍ كلهم ثَمَّ صابرُ.
فإن تك قَتْلى غُودِرتْ من رجالِنـا  فإنا رجال بعدَهم سنغادرُ
 وترْدِي بنا الجُرْدُ العناجيجُ وسطَكم   بني الأوْسِ حتى يَشْفي النَفَس ثائرُ
ووسْطَ بنى النجارِ سوف نَكُرُّهـا  لها بالقَنا والدارعين زَوافِرُ
فنترك صَرْعَى تَعْصِبُ الطيرُ حولَهم    وليس لهم إلا الأمانيَّ ناصرُ
وَتبْكيهمُ من أهل يثرب نســـوة    لهنَّ بها ليل عن النومِ ساهرُ
وذلك أنا لا تزالُ سيوفُنـــــا  بهنَّ دَمٌ -ممن يحاربنَ –مَائرُ
فإن تَظْفَروا في يومِ بدر فإنمـــا    بأحمدَ أمسى جَدُّكم وهو ظاهرُ
وبالنفرِ الأخيارِ هم أوليــــاؤه  يحامون في اللأواءِ والموتُ حاضرُ
يُعدُّ أبو بكر وحَمزةُ فيهـــــمُ  ويُدعى علي وسْطَ من أنت ذاكرُ
ويُدعى أبو حفصٍ وعثمانُ منهـمُ  وسعد إذا ما كان في الحربِ حاضرُ
أولئك لا من نَتَّجتْ فى ديارِهــا  بنو الأوسِ والنجار حين تُفاخرُ
ولكنْ أبوهمْ من لُؤيِّ بن غالــبٍ   إذا عُدت الأنسابُ كعب وعامرُ
هم الطاعنون الخيلَ في كلِّ مَعْرَكٍ   غَداةَ الهِياجِ الأطيبون الأكاثرُ

شعر كعب بن مالك يرد على ضرار بن الخطاب : فأجابه

كعب بن مالك ، أخو بني سَلمة،

فقال :

عجبت لأمرِ اللّه واللّه قــادر    على ما أراد، ليس للّه قاهرُ
قضَى يومَ بدر أن نلاقِيَ مَعشراً    بغَوْا وسبيلُ البغي بالناسِ جائرُ
وقد حَشدوا واستنفروا من يليهم    من الناسِ حتى جَمعهم مُتكاثرُ
وسارت إلينا لا تحاولُ غيرَنـا    بأجمعِها كعبٌ جميعاً وعامرُ
وفينا رسولُ اللّه والأوسُ حولَه  له مَعْقِل منهم عزيز وناصرُ
وجَمْعُ بني النجارِ تحت لوائهِ   يُمَثَّوْن في الماذِيِّ والنقعُ ثائرُ
فلما لقِيناهم وكل مجاهـــدٌ   لأصحابهِ مُستَبسلُ النفسِ صابرُ
شَهِدنا بأن اللّه لا رَبَّ غيـرَه   وأن رسولَ اللّه بالحقِّ ظاهرُ
وقد عريت بيضٌ خِفاف كأنها   مقاييسُ يُزْهِيها لعَيْنيك شاهرُ
بهن أبدنا جمعَهم فتبــدَّدوا   وكان يُلاقي الحَيْن من هو فاجرُ
فكُبَّ أبو جهلٍ صريعاً لوجههِ   وعتبةُ قد غادرْنَه وهو عاثرُ
وشبيبةُ والتيمىُّ غادرْن فى الوغَى   وما منهمُ إلا بذى العرشِ كافرُ
فأمْسَوْا وقودَ النارِ فىِ مستقرِّها   وكلُّ كفور في جهنمَ صائرُ
تَلَظىَّ عليهم وهْيَ قد شبَّ حَمْيُها   بزُبَرِ الحديدِ والحجارة سجرُ
وكان رسولُ اللّه قد قال أقبلوا   فوَلَّوْا وقالوا : إنما أنت ساحرُ
لأمر أراد اللّه أن يَهلِكوا بـه   وليس لأمر حَمَّه اللّه زاجرُ

شعر عبد اللّه بن الزبعرى يبكي قتلى بدر : وقال عبد اللّه

ابن الزبعري السهمى يبكى قتلَى بدر:

قال ابن هشام : وتروى للأعْشَى بن زُرارة بن النباش ، أحد بني أسَيْد بن عمرو بن تميم ، حليف بني نَوْفل بن عبد مناف.

قال ابن إسحاق : حليف بني عبد الدار :

ماذا على بدر وماذا حوله  من فِتيةٍ بيضِ الوجوهِ كرامِ
تركوا نُبَيْهاً خلفَهم ومُنَبِّهـــاً  وابنَىْ ربيعة خيرَ خَصْمِ فِئام
والحارثَ الفياضَ يبرُق وجهُهُ  كالبدرِ جَلَّى ليلةَ الإِظلامِ
والعاصَى بنَ مُنَبِّه ذا مِــرةٍ  رُمحاً تميماً غيرَ ذي أوْصامِ
تَنْمَى به أعراقُهُ وجُـــدودُه  ومآثر الأخوالِ والأعمامِ
وإذا بكى باكٍ فأعولَ شَجْوهُ  فعلى الرئيسِ الماجدِ ابن هشامِ
حَيَّا الإِلهُ أبا الوليدِ ورهطَه  ربُّ الأنام ، وخَصَّهم بسلامِ

شعر حسان بن ثابت يرد على ابن الزبعرى :

فأجابه حسان ابن ثابت الأنصاري ،

فقال :

ابْكِ بكت عيناك ثم تبــادرَتْ  بدَمٍ –تُعَلُّ غُروبُها-سَجَّامِ
ماذا بكيتَ به الذين تتابعــوا  هَلا ذكرت مكارِمَ الأقوامِ
وذكرْتَ منا ماجداً ذا هِمَّــةٍ  سَمْحَ الخلائقِ صادقَ الإقدام
أعنى النبيَّ أخا المكارمِ والنَّدَى  وأبرَّ من يُولي على الإقْسامِ
فلمثلهِ ولمثلِ ما يدعو لــه  كان الممَدَّحَ ثَمَّ غيرَ كَهامِ

شعر لحسان في يوم بدر أيضاً : وقال حسان بن ثابت الأنصاري أيضاً :

تَبَلَتْ فؤادَك فى المنامِ خَريـدة  تسقى الضَجيعَ ببارِدٍ بسامِ
كالمِسْكِ تحلطه بماءِ سحابةٍ أو  عاتقٍ كدم الذبيح مُدَامِ
نُفُجُ الحقيبةِ بُوصُها متنضــدٌ  بَلهاءُ غيرُ وشَيكةِ الإِقسامِ
بُنيت على قطنٍ أجَمَّ كأنـــه  فُضُلاً إذا قعدتْ مَدَاكُ رُخامِ
وتكاد تَكسَل أن تجيءَ فِراشَهـا    في جِسْمِ خَرْعَبةٍ وحُسنِ قَوَامِ
أما النهارُ فلا أفترُ ذكرَهـــا  والليل تُوزعني بها أحلامي
أقسمْت أنساها وأتركُ ذِكرَهـا  حتى تُنيَّبَ في الضريحِ عظامي
يا مَنْ لعاذلةٍ تَلومُ سفاهـــةً  ولقد عَصَيْتُ على الهوى لُوَّامِى
بَكرَتْ علىَّ بسُحْرَةٍ بعدَ الكَـرَى    وتقارُبٍ من حادثِ الأيام
زَعمتْ بأن المرءَ يكرُبُ عُمْـرَه    عدم لمعتَكِر من الأصْرامِ
إن كنتِ كاذبةَ الذي حدَّثتَنــي  فنجوتِ مَنْجى الحارثِ بنِ هشامِ
تَرك الأحبةَ أن يُقاتل دونَهــم    ونجا برأسِ طِمرَّةٍ ولجامِ
تذر العَناجيج الجيادَ بقفْـــرةٍ    مرَّ الدَّموكِ بمُحْصَدٍ ورِجَامِ
مَلأتْ به الفَرْجَيْن فارمدَّت بـه  وثَوَى أحبتُه بشرِّ مُقامِ
وبنو أبيه ورَهطُه في مَعْــركٍ  نصر الإلهُ به ذوي الإسلام
طحنتْهُمُ ، واللّه يُنفذ أمـــرَه  حَربٌ يُشَبُّ سعيرُها بضرامِ
لولا الإلهُ وجَرْيُها لتركْنـــه    جَزَرَ السباعِ ودُسْنَه بحوامِي
من بينِ مأسور يُشدَّ وَثاقُـــهُ    صَقْر إذا لاقَى الأسنةَ حَامى
ومجدَّلٍ لا يستجيب لدعــوةٍ    حتى تزولَ شوامخُ الأعلامِ
بالعارِ والذلِّ المبيــنِ إذا رأى   بيضَ السيوفِ تَسوق كلَّ هُمامِ
بِيَدَيْ أغر إذا انتمى لم يُخــْزِهِ    نسبُ القِصار سَمَيْدَعٍ مِقْدامِ
بيضٌ إذا لاقت حديداً صَمَّمــت   كالبرقِ تحتَ ظلالِ كلِّ غَمامِ

شعر للحارث بن هشام يرد على حسان : فأجابه الحارث بن هشام ، فيما ذكر ابن هشام ،

فقال :

اللّه أعلمُ ما تركتُ قتالَهــــمٍ   حتى حَبَوْا مُهْري بأشقَرَ مُزْبِدِ
وعرفت أنى إن أقاتلْ واحــدا   أقتل ولا يَنْكى عَدوِّيَ مَشْهدِى
فصددْتُ عنهم والأحبة فيهــمُ   طَمعاً لهم بعقابِ يومٍ مُفْسِدِ

قال ابن إسحاق : قالها الحارث يعتذر من فراره يوم بدر.

قال ابن هشام : تركنا من قصيدة حسان ثلاثة أبيات من آخرها، لأنه أقذع فيها.

شعر آخر لحسان في يوم بدر :

قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضاً :

لقد علمتْ قريش يومَ بــدر   غَداةَ الأسرِ والقَتْلِ الشديدِ
بأنا حينَ تَشْتَجِرُ العوالــي   حُماةُ الحربِ يومَ أبي الوليدِ
قتلْنا ابنَىْ ربيعةَ يومَ سـارَا   إلينا فى مُضاعفةِ الحديدِ
وفر بها حكيم يومَ جالــت   بنو النجارِ تخطرُ كالأسودِ
وولَّت عند ذاك جموع فِهـرٍ   وأسلمها الحُوَيرثُ من بعيدِ
لقد لاقيتمُ ذلاُّ وقتـــــلا   جهيزاً نافذاً تحتَ الوريدِ
وكلُّ القومِ قد وَلَّوْا جميعــاً   ولم يَلْووا على الحسبِ التليدِ

وقال حسان بن ثابت أيضاً:

يا حارِ قد عَوَّلْتَ غير معُـوَّلِ   عند الهياجِ وساعةَ الأحسابِ
إذ تمتَطى سُرُحَ اليدين نجيبـةً   مَرْطَى الجراءِ طويلةَ الأقرابِ
والقوم خلفك قد تركتَ قتالَهـم   ترجو النجاةَ وليس حين ذَهاب
ألاَّ عَطفتَ على ابن أمِّك إذ ثوى   قَعْصَ الأسنةِ ضائعَ الأسلابِ
عجلَ المليكُ له فأهلك جمعَـه   بشَنارِ مُخزيةٍ وسوءِ عذابِ

قال ابن هشام : تركنا منها بيتاً واحداً أقذع فيه.

قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضاً.

قال ابن هشام :

ويقال : بل قالها عبد اللّه بن الحارث السهمي :

مُسْتشعِري حَلَقِ المَاذِيِّ يقدُمُهـم   جَلْدُ النَّحيزةِ ماضٍ غيرُ رِعديدِ
أعنى رسولَ إله الخلقِ فَضَّلـه  على البريةِ بالتقوَى وبالجودِ
وقد زَعمتم بأن تحموا ذمارَكـم  وماءُ بدر زعمتم غيرُ مَورودِ
ثم وردْنا ولم نسمع لقولِكـــم  حتى شَرِبنا رَواءً غير تَصْريدِ
مُستعصِمين بحبلٍ غيرِ منجـذمِ  مُستحكَمٍ من حبالِ اللّه ممدودِ
فينا الرسولُ وفينا الحقُّ نتبعـه  حتى المماتَ ونصر غيرُ محدودِ
وافٍ وماضٍ شهاب يُستضاءُ به  بدرٌ أنارَ على كلِّ الأماجيدِ

قال ابن هشام : بيته : "مستعصمين بحبل غير منجذم " عن أبي زيد الأنصاري.

قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضاً :

خابت بنو أسَدٍ وآب غَزِيُّهـمِ  يومَ القليبِ بَسَوْءةٍ وفُضوحِ
منهمِ أبو العاصى تجدَّل مُقْعَصاَ  عن ظهرِ صادقةِ النجاءِ سَبُوحِ
حَيْناَ له من كل مانع بسلاحـهِ    لما ثَوَى بمقامهِ المذبوحِ
والمرءُ زَمْعةُ قد تركْنَ ونَحرُه    يَدْمَى بعاندِ مُعْبَطٍ مَسفوحِ
متوسِّداً حُرَّ الجبينِ مُعَفَّــراً     قد عُر مارِنُ أنفِهِ بقُبوحِ
ونجا ابنُ قيسٍ فى بقيةِ رَهْطِه    بشَفا الرّماق مُوَلياً بجروحِ

وقال حسان بن ثابت أيضاً :

ألا ليت شِعْري هل أتى أهلَ مكةٍ  إبارتُنا الكفارَ في ساعةِ العُسْر
قتلنا سَراةَ القومِ عند مجالِنا  فلم يَرْجعوا إلا بقاصمةِ الظهر
قتلنا أبا جهلٍ وعُتبةَ قبلَه  وشَيْبةُ يكْبو لليدَيْن وللنحرِ
قتلنا سُوَيْداً ثم عُتبةَ بعدَه وطُعمة   أيضاً عندَ ثأئرةِ القَتْرِ
فكم قد قتلنا من كريمٍ مُرَزَّءٍ   له حسبٌ في قومِهِ نابِه الذكرِ
تركناهم للعاوياتِ يَنُبنَهمْ  ويَصْلَوْنَ ناراً بعدُ حَاميةَ القعر
لَعَمْرك ما حامتْ فوارسُ مالكٍ  وأشياعُهم يومَ التقينا على بدرِ

قال ابن هشام : أنشدنى أبو زيد الأنصاري بيته قتلنا أبا جهلٍ وعُتبةَ قبله وشَيْبةُ يكبو لليدين وللنحر

قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضاً :

نجَّى حكيماً يومَ بدر شَدُّه كنجاءِ مُهرمن بناتِ الأعْوجِ
لما رأى بدراً تسيل جِلاههُ بكتيبةٍ خضراءَ من بَلْخَزْرَجِ
لا يَنكُلون إذا لَقُوا أعداءَهم يمشون عائدةَ الطريقِ المنْهَجِ
كم فيهمُ من ماجدٍ ذي مَنْعةٍ بطلٍ بمَهلكةِ الجبانِ المُحْرَجِ
ومُسَوَّدٍ يعطي الجزيلَ بكفِّه حَمَّالِ أثقالِ الدِّيات مُتَوجِ
زَيْنِ النَّدِيِّ مُعاوِدٍ يومَ الوَغَى ضَرْبَ الكُماةِ بكلِّ أبْيَضَ سَلْجَجِ

قال ابن هشام : قوله سَلْجج ، عن غير ابن إسحاق.

قال ابن إسحاق : وقال حسان أيضاً :

فما نخشى - بحوْلِ اللّه - قوماً وإن كَثروا وأجمعَتِ الزحوفُ
إذا ما ألَّبوا جمعاً علينا كفانا حدَّهم رب رءوفُ
سموْنا يومَ بدرٍ بالعوالِى سِراعاً ما تُضعْضِعْنا الحتوفُ
فلم ترَ عُصبةً فى الناس أنْكَى لمن عادوا إذا لَقِحَتْ كُشوف
ولكنا توكَّلْنا وقُلنا مآثرُنا ومَعْقِلنا السيوفُ
لقيناهُم بها لما سَمَوْنا ونحنُ عصابةٌ وهُمُ ألوفُ

 وقال حسان بن ثابت أيضاً، يهجو بني جُمَح ومن أصيب منهم :

جمحَت بنو جُمَح لِشقْوةِ جدّهمٍ إن الذليلَ مُوَكَّل بذليلِ
قُتلت بنو جُمَحٍ ببدرٍ عَنْوَة وتخاذلوا سَعْياً بكلِّ سبيلِ
جحدُوا الكتابَ وكذبوا بمحمدٍ واللّه يُظهرُ دينَ كلِّ رسولِ
لعن الإلهُ أبا خُزيمةَ وابنَه والخالدَيْن ، وصاعِدَ بن عقيلِ

شعر عبيدة بن الحارث في يوم بدر ويذكر قطع رجله :

قال ابن إسحاق : وقال عبيدة بن الحارث بن المطلب فى يوم بدر، وفى قطع رجله حين أصيب ، في مبارزته هو وحمزة وعلي حين بارزوا عدوهم -

قال ابن هشام ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لعبيدة :

ستبلُغُ عنا أهلَ مكةَ وقعة يَهُبُّ لها من كان عن ذاك نائيَا
بعُتبةَ إذ ولَّى وشيبةَ بعدَه وما كان فيها بِكْرُ عُتبة راضيَا
فإن تقطعوا رِجلى فاٍنى مُسلم أرَجِّى بها عيشاً من اللّه دانيا
مع الحورِ أمثالِ التماثيلِ أُخلصتْ مع الجنةِ العُليا لمن كان عَاليَا
وبعْتُ بها عيشاً تعرَّقْتُ صَفْوَه وعالجتُهُ حتى فقدْتُ الأدانيَا
فأَكرمنى الرحمنُ من فضلِ مَنِّهِ بثوبٍ من الإسلامِ غطَّى المسَاوِيَا
وما كان مَكْروهاً إلىَّ قتالُهم غداةَ دعا الأكفاءَ من كان داعيَا
ولم يَبْغِ إذ سالوا النبيَّ سواءنا ثَلاَثتنا حتى حَضَرْنا المناديا
لقِيناهمُ كالأسْدِ تخطرُ بالقَنا نُقاتل فى الرحمن من كان عاصيَا
فما بَرِحَتْ أقدامُنا من مقامِنا ثَلاثتنا حتى أزيروا المنائيا

قال ابن هشام : لما أصيبت رجل عبيدة

قال : أما واللّه لو أدرك

أبو طالب هذا اليوم لعلم أنى أحق منه بما قال حين يقول :

كذبتم وبيتِ اللّه يُبْزَى محمد ولما نُطاعِنْ دونَه ونُناضلِ
ونُسلمه حتى نُصرَّعَ حولَه ونَذْهَلُ عن أبنائِنا والحلائلِ

 وهذان البيتان فى قصيدة لأبي طالب ، وقد ذكرناها فيما مضى

من هذا الكتاب.

 شعر كعب بن مالك في رثاء عبيدة :

قال ابن إسحاق : فلما هلك عبيدة بن الحارث من مصاب رجله يوم بدر، قال كعب بن مالك الأنصارى يبكيه :

أيا عَينُ جودي ولا تبخَلى بدَمْعِكِ حفا ولا تنْزُرِي
على سيدٍ هَدَّنا هُلكهُ كريم المَشاهِدِ والعُنْصرِ
جريء المقدَّم شاكى السلاحِ كريم النَّثا طيب المَكسِرِ
عُبيدة أمسى ولا نرتجيه لعُرفٍ عرانا ولا مُنْكرِ
وقد كان يحمى غداةَ القتالِ حاميةَ الجيش بالمِبترِ

شعر لكعب بن مالك في يوم بدر : وقال كعب بن مالك

أيضاً، في يوم بدر : -

ألا هل أتى غسانَ فى نأيِ دارِها وأخبَرُ شىءٍ بالأمورِ عليمُها

بأن قد رمتنا عن قِسِى عداوة مَعدّ مَعا جُهالُها وحليمُها

لأنا عبدنا اللّه لم نرْجُ غيرَه رجاءَ الجِنانِ إذ أتانا زعيمُها

نبي له في قومهِ إرْثُ عِزة وأعراقُ صِدقِ هذَّبتها أرُومُها

فساروا وسِرْنا فالتقينا كأننا أسودُ لِقاء لا يُرجَّى كليمُها

ضربناهُمُ حتى هوى فى مَكَرِّنا لمنْحر سَوْءٍ من لُؤي عظيمُها

فولوا ودسناهم ببيضٍ صوارمٍ سواءٌ علينا حِلفُها وصَميمُها

وقال كعب بن مالك أيضاً :

لعَمْر أبيكما يابْنَيْ لُؤَيّ على زَهْو لديكم وانتِخاءِ

لَما حامتْ فوارسُكم ببدرٍ ولا صَبروا به عندَ اللقاءِ

وردناه بنورِ اللّه يجلُو دُجَى الظَّلماءِ عنا والغطاءِ

رسولُ اللّه يَقْدُمنا بأمر من أمْرِ اللّه أحكمَ بالقضاءِ

فما ظفرت فوارسُكم ببدرٍ وما رَجعوا إليكمْ بالسَّوَاءِ

فلا تعجلْ أبا سُفيانَ وارقُبْ جيادَ الخيل تطلُعُ من كَداءِ

بنصرِ اللّه روحُ القدْسِ فيها ومِيكالٌ ، فيا طِيبَ المَلاءِ

شعر طالب في مدحه صلى اللّه عليه وسلم وبكاء قتلى قريش : وقال طالب ابن أبى طالب ، يمدح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويبكى أصحاب القليب من قريش يوم بدر :

ألا إن عَيْنى أنفدَتْ دمعَها سَكْباً تبكى على كعبٍ وما إن ترى كَعْبَا

ألا إن كَعباً في الحروبِ تخاذلوا وأرْداهُمُ ذا الدهرِ واجترحوا ذَنْبَا

وعامر تَبكى للملماتِ غُدوة فياليت شِعْري هل أرى لهما قُربَا

هما أخوايَ لن يُعَدَّا لِغَيةٍ تُعدُّ ولن يُستامَ جارهُما غَصْبَا

فيا أخوينا عَبدَ شمسٍ ونوفلاٌ فِداً لكما لا تبعثوا بينَنا حَرْبَا "

ولا تُصبحوا من بعدِ وُدِّ وألفةٍ أحاديثَ فيها كلُّكم يشتكي النكْبَا

ألم تعلموا ما كان في حربِ داحسٍ وجيش أبى يكسومَ إذ مَلَئوا الشِّعبَا

- فلولا دفاعُ اللّه لا شيءَ غيرهُ لأصبحتمٌ لا تَمنعون لكم سِربَا

فما إن جَنينا فى قريشٍ عظيمةً سوى أن حَمَينا خيرَ من وطِئَ التُّربا

أخا ثقةٍ في النائباتِ مُرَزَّأً كريماً نثاه لا بَخيلاً و لا ذَرْبا

يطيفُ به العافونَ يغشون بابَه يَؤُمون بحراً لا نزوراً ولا صَرْبَا

فواللّه لا تنفكّ نفسى حزينةً تَمَلْمَلُ حتى تَصدُقوا الخزرجَ الضربا

ضرار بن الخطاب يرثي أبا جهل بعد غزوة بدر : وقال

ضرار بن الخطاب الفهرى، يرثى أبا جهل :

ألا من لِعَيْنٍ باتتِ الليلَ لم تَنَمْ تُراقب نَجماً في سوادٍ من الظُّلَمْ

كأن قذى فيها وليس بها قَذًى سوى عَبْرةٍ من جائلِ الدمع تَنْسَجِمْ

فبلِّغ قريشاً أن خيرَ نَديِّها وأكرمَ من يمشي بساقٍ على قَدَمْ

ثَوَى يومَ بدرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ رَهنُها كريمُ المساعي غيرُ وَغْدٍ ولا بَرمْ

فآليتُ لا تنفَكُّ عيني بعَبْرةٍ على هالكٍ بعدَ الرئيسِ أبى الحكمْ

على هالك أشجَى لُؤَيَّ بن غالبٍ أتته المنايا يومَ بدر فلم يَرِمْ

ترى كسَرَالخَطّيُّ في نحرِ مُهرِهِ لدى بائنٍ من لحمه بينها خِذَمْ

وما كان ليثٌ ساكنٌ بطنَ بِيشةٍ لدى غَلَلٍ يجرى ببطحاء في أجَمْ

بأجرأ منه حين تختلف القَنا وتُدْعَى نَزَالِ في القَماقمةِ البُهمْ

فلا تجزعوا آلَ المغيرةِ واصبروا عليه ومن يجزعْ عليه فلم يُلَم

وجِدُّوا فإن الموتَ مَكرمةٌ لَكم وما بعدَه فى آخر العيشِ من ندَمْ

وقد قلتُ إن الريحَ طيبة لكم وعِزَّ المقام غير شكّ لذى فَهَمْ -

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار.

الحارث يرثي أخاه أبا جهل :

قال ابن إسحاق : وقال الحارث ابن هشام ، يبكى أخاه أبا جهل :

ألا يالهفَ نفسى بعَد عمرو وهل يُغنى التلهفُ من قتيلِ

يخبرني المخبِّر أن عَمراً أمام القومِ في جَفْر مُحيلِ

فَقِدْماً كنت أحْسب ذاك حقُّا.وأنتَ لما تَقَدَّم غيرُ فِيلِ

وكنتُ بنعمةٍ ما دمتَ حياً فقد خُلفْتَ في دَرَجِ المسيلِ

كأني حين أمسى لا أراه ضعيفُ العَقْد ذو هَم طويلِ

على عمرو إذا أمسيتُ يوماً وطَرْفٌ من نَذكُّرِه كليل

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها للحارث بن هشام ،

وقوله : "فى جفر " عن غير ابن إسحاق.

شعر أبي بكر بن الأسود في رثاء قتلى قريش :

قال ابن إسحاق : وقال أبو بكر بن الأسْوَد بن شُعوب الليثى،-وهو شداد ابن الأسود :

تحَيّي بالسلامةِ أمَّ بَكْر وهل لى بعد قومى مِن سلامِ

فماذا بالقَليبِ قليبِ بدرٍ من القَيْناتِ والشَّرْبِ الكرامِ

وماذا بالقليب قليبِ بدرٍ من الشِّيزَى تُكلَّل بالسنام

وكم لكِ بالطًّويِّ طَويِّ بدرٍ من الحَوْماتِ والنَّعَمِ المسام

وكم لك بالطَّوِيِّ طَوِيِّ بدرٍ من الغاياتِ والدُّسُعِ العظامِ

وأصحابِ الكريمِ أبي علىٍّ أخى الكاسِ الكريمةِ والنِّدامِ

وإنك لو رأيتَ أبا عقيلٍ وأصحاب الثَّنيةِ من نَعامِ

إذا لظللت من وَجدٍ عليهم كأمِّ السَّقْب جائلةِ المَرامِ

يُخبرنا الرسولُ لسَوْفَ نحيا وكيفَ لقاءُ أصداءٍ وَهَامِ

قال ابن هشام : أنشدني أبو عُبيدة النحوي :

يخبِّرنا الرسولُ بأنْ سَنَحْيا وكيف حياةُ أصداءٍ وهامِ

قال : وكان قد أسلم ثم ارتد.

 أمية بن أبي الصلت يرثى من أصيب من قريش يوم بدر:

و قال ابن إسحاق : وقال أمية بن أبى الصَّلْت ، يرثى من أصيب من قُريش يوم بدر :

ألا بَكِيتِ على الكرامِ بنى الكرامِ أولى الممادِحْ

كبكا الحمامِ على فرو عِ الأيْكِ فى الغُصنِ الجوانحْ

يبكين حَرَّى مُستكيناتٍ يَرُحْنَ مع الروائحْ

أمثالهنَّ الباكياتِ المعولاتِ من النوائحْ

من يَبْكِهمْ يَبْكِ على حُزْنٍ ويَصدُق كل مادحْ

ماذا ببدرِ فالعَقَنقَلِ من مَرازبةٍ جَحاجِحْ

فمدافع البرْقَين فالحنان من طَرَفِ الأوَاشِحْ

شُمْطٍ وشبانٍ بَهَاليلٍ مَغاويرِ وحَاوِحْ

ألا تَرَوْنَ لِمَا أرَى وقدْ أبانَ لكلِّ لامحْ

أن قد تغيَّر بطنُ مكةَ فَهْيَ مُوحشةُ الأباطحْ

من كل بِطريقٍ لبِطريق نَقىِّ اللونِ واضحْ

دُعموصُ أبواب الملو كِ وجائب لِلخِرقِ فاتح

من السَّراطمةِ الخَلاجِمة المَلاوثةِ المَناجِحْ

القائلين الفاعلين الآمرينَ بكلِّ صالحْ

المُطعمين الشحمَ فوقَ الخبزِ شَحْماً كالأنافِحْ

نُقلُ الجفانِ مع الجفانِ إلى جفانٍ كالمناضِحْ

ليست بأصفار لمن يَعْفو ولا رَح رَحارِحْ

للضيفِ ثم الضيفِ بعدَ الضيفِ والبُسُط السَّلاطِحْ

وُهُبُ المئينَ من المئينَ إلى المئينَ من اللواقِحْ

سَوْق المؤَبَّلِ للمُؤبَّلِ صادراتٍ عن بَلادِحْ

لكرامِهم فوقَ الكرامِ مَزيَّة وَزْنَ الرواجحْ

كتثاقُلِالأرطال بالقِسطاسِ في الأيدِي الموائح

خَذَلتهمُ فئةَ وهم يَحمون عوراتِ الفضائحْ

الضاربين التَّقدمية بالمهنَّدةِ الصفائحْ

ولقد عناني صوتُهم من بين مُسْتَسْقٍ وصائحْ

 للّه دَرّ بني عَلي أيم منهم ونَاكحْ

إن لم يُغيروا غارةً شَعْواءَ تُجْحِر كلَّ نابحْ

بالمُقْرَبات ، المُبعَداتِ ، الطامحاتِ من الطوَامحْ

مُرْداً على جُرْدٍ إلى أسْدٍ مُكالِبةٍ كوالحْ

ويُلاقِ قِرْنٌ قِرنَه مَشْيَ المصافِحِ للمصافحْ

بزُهاءِ ألفٍ ثم ألفٍ بَيْن ذي بَدَنٍ ورامحْ

قال ابن هشام : تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأنشدنى غير واحد من أهل العلم بالشعر- بيته :

ويُلاق قِرنٌ قِرْنه مَشْى المصافحِ للمصافحْ

وأنشدنى أيضاً :

وُهُبُ المئين من المئينَ إلى المئين من اللواقحْ

سَوْق المؤبل للمؤبل صادرات عن بلادح

شعر أمية في رثاء زمعة وقتلى بني أسد :

قال ابن إسحاق :

وقال أمية بن أبي الصلت ، يبكي زَمعَة بن الأسود، وقَتْلى بنى أسد :

عينُ بَكِّى بالمسجلاتِ أبا الحارثِ لا تَذْخَرِي عَلَى زَمَعهْ

وابكى عقيلَ بنَ أسْود أسدَ البأسِ ليومِ الهياجِ والدَّفْعَهْ

تلك بنو أسَدٍ إخوة الجوْزاءِ لا خانَة ولا خَدَعَهْ

هُمُ الأسرةُ الوسيطة من كعببٍ وهم ذِرْوةُ السَّنامِ والقَمَعه

أنبتوا من معاشر شَعَرَ الرأسِ وهُم ألحقوهم المنَعَهْ

أمسى بنو عمِّهم إذا حضر البأسُ أكبادُهم عليهمُ وَجِعَهْ

وهم المطعِمون إذا قَحطَ القَطْرُ وحالت فلا ترى قَزَعَهْ

قال ابن هشام : هذه الرواية لهذا الشعر مختلطة؛ ليست بصحيحة البناء، لكن أنشدني أبو مُحْرز خلف الأحمر وغيره ، وروى بعضٌ ما لم يروِ بعضٌ :

عَيْنُ بَكى بالمسبلاتِ أبا الحارثِ لا تَذْخَري على زَمَعَهْ

وعقيلَ بنَ أسْوَدٍ أسدَ البأسِ ليومِ الهِياجِ والدَّفَعَهْ

فعلَى مثلِ هُلْكِهم خَوَتِ الجوْزاءُ، لا خانةٌ ولا خَدَعَهْ

وهمُ الأسرةُ الوسيطةُ من كَعبٍ ، وفيهم كَذِرْوةِ القَمَعَهْ

أنْبتُوا من معاشر شعرَ الرأسِ ، وهم ألحقوهم المنَعَهْ

فبنو عمِّهم إذا حضر البأسُ عليهم أكبادُهم وجِعَهْ

وهم المُطعمُونَ إذا قحط القطْرُ وحالت فلا ترى قَزَعَهْ

شعر معاوية بن زهير في يوم بدر :

قال ابن إسحاق : وقال أبو أسامة، معاويةُ بن زُهَير بن قَيْس بن الحارث بن سعد بن ضُبَيْعة بن مازن بن عَدي بن جُشَم بن معاوية حليف بنى مخزوم قال ابن هشام : وكان مشركاً وكان مَرَّ بهُبَيْرة بن أبى وهب وهم منهزمون يوم بدر، وقد أعيا هُبَيْرة، فقام فألقى عنه درعَه وحمله فمضى به ،

قال ابن هشام : وهذه أصح أشعار أهل بدر :

ولما أن رأيتُ القومَ خَفُّوا وقد زالت نعامتُهم لنَفْرِ

وإن تُركَتْ سراةُ القومِ صَرْعَى كأن خيارَهم أذْباحُ عِتْرِ

وكانت جُمَّة وافت حِماماً ولُقِّينا المنايا يومَ بدرِ

صُدُّ عن الطريقِ وأدركونا كأن زُهاءَهم غَطَيَانُ بَحْرِ

وقال القائلون : مَن ابنُ قيس ؟

فقلت : أبو أسامة، غير فَخْرِ

أنا الجُشَمِيُّ كيما تَعرفوني أبَيِّنُ نسبتى نقراً بنقْر

فإن تك في الغَلاصمِ من قريش فإني من معاويَةَ بنِ بكرِ

فأبلغْ مالكاً لما غُشينا وعندك مالِ –إن نبأتَ –خُبري

وأبلغْ إن بلغتَ المرءَ عنا هُبَيْرة، وهْوَ ذو عِلمٍ وقَدْرِ

بأنى إذ دُعيت إلى أفَيْدٍ كَرَرْتُ ولم يَضِقْ بالكرِّ صدري

عشيةَ لا يَكَرُّ على مُضافٍ ولا ذي نَعمةٍ منهم وصِهْر

فدونكمُ بني لَأيٍ أخاكم ودونَكِ مالكاً يا أمَّ عمرِو

فلولا مَشْهدي قامت عليه مُوَفَّقَةُ القوائمِ أمُّ أجْري

دَفُوعٌ للقبورِ بمنكبَيْها كأن بوجهِهَا تحميمُ قِدْرِ

فأقسمُ بالذي قد كان ربي وأنصَابٍ لدَى الجمراتِ مُغْرِ

لسوف ترَوْن ما حَسبى إذا ما تبدَّلت الجلودُ جلودَ نمرِ

فما إنْ خادر من أسْدِ تَرْج مُدِل عَنْبَس فى الغيلِ مُجْرِي

فقد أحمى الأباءةَ من كُلافٍ فما يدنو له أحد بنقرِ

بِخَلّ تَعجزُ الحُلَفاءُ عنه يواثبُ كلَّ هَجْهَجَةٍ وزَجْرِ

بأوشَكَ سَوْرَةً مني إذا ما حَبَوْتُ له بقَرْقَرَةٍ وهَدْرِ

ببيضٍ كالأسنَّةِ مُرْهَفَاتٍ كأن ظُباتِهنَّ جَحيمُ جَمْرِ

واكلَفَ مُجنإٍ من جلدِ ثَوْر وصفراء البُراية ذاتَ أزْرِ

وأبيضَ كالغديرِ ثَوَى عليه عُمَيْر بالمداوسِ نصفَ شَهْرِ

أرَفِّلُ في حمائلهِ وأمشِي كمِشْيةِ خادرٍ ليثٍ سِبَطْرِ

يقول ليَ الفتى سَعدٌ هَدِيّا

فقلتُ : لعله تقريبُ غَدْر

وقلت أبا عَدِيّ لا تَطُرْهم وذلك اٍن أطعْتَ اليومَ أمري

كدأبِهمُ بفروةَ إذ أتاهمْ فظلَّ يُقادُ مكتوفاً بضفرِ

قال ابن هشام : وأنشدني أبو مُحْرز خلف الأحمر :

نَصُدُّ عن الطريق وأدركونا كأن سِراعَهم تيارُ بحرِ وقوله :

مدلّ عنبس في الغيلِ مُجْري - عن غير ابن إسحاق.

قال ابن إسحاق : وقال أبو أسامة أيضاً :

ألا من مُبلغٍ عنى رسولا مُغَلْغَلةً يُثَبتُها لطيفُ

ألم تعلمْ مَرَدي يومَ بدرٍ وقد بَرَقَتْ بجنْبيْكَ الكُفوفُ

وقد تُركت سَراةُ القومِ صَرْعَى كأن رؤوسهم حَدَجٌ نَقيفُ

وقد مالت عليك ببطْنِ بدر خلافَ القومِ داهيةٌ خَصيف

فنجَّاه من الغَمراتِ عَزْمي وعونُ اللّه والأمرُ الحَصيفُ

ومُنقلَبى من الأبواءِ وحْدي ودونك جَمعُ أعداءٍ وُقوفُ

وأنتَ لمَنْ أرادكَ مُستكينٌ بجنبِ كُراشَ مَكلومٌ نَزِيفُ

وكنت إذا دعاني يومَ كربٍ من الأصحابِ داعٍ مُستضيفُ

فأسمعنى ولو أحببت نفسى أخٌ فى مثلِ ذلك أو حليفُ

أرُدُّ فأكشِفُ الغُمَّى وأرْمِى إذا كَلَحَ المَشافرُ والأنوفُ

وقِرنٍ قد تركتُ على يديه ينوءُ كأنه غُصْن قَصيفُ

دلفْتُ له إذا اختلطوا بحَرَّى مُسَحْسَحةٍ لعانِدِها حَفيفُ

فذلك كان صُنعي يومَ بدرٍ وقبلُ أخو مُداراةٍ عَزوفُ

أخوكم فى السنين كما عَلمتم وحَربٍ لا يزالُ لها صَريفُ

ومِقدام لكم لا يَزْدهينىِ جَنانُ الليلِ والأنَسُ اللفيفُ

أخوض الصَّرَّةَ الجمَّاءَ خَوْضاَ إذا ما الكلْبُ ألجأه الشَّفيفُ

قال ابن هشام : تركت قصيدة لأبى أسامة على اللام ، ليس فيها ذكر بدر إلا في أول بيت منها والثاني ، كراهة الإكثار.

شعر لهند بنت عتبة تبكي أباها يوم بدر :

قال ابن إسحاق :

وقالت هند بنت عُتبة بن ربيعة تبكى أباها يوم بدر:

أعينَىَّ جوادا بدمعٍ سَرِبْ على خيرِ خِنْدِفَ لم ينقلبْ

تداعى له رهطُهُ غُدوةً بنو هاشمٍ وبنو المطلبْ

يُذيقونه حَدَّ أسيافِهم يَعُلُّونَه بعد ما قد عَطِبْ

يَجرونه وعفيرُ التراب على وجههِ عارياً قد سُلبْ

وكان لنا جَبلاً راسياً جميلَ المَرارة كثيرَ العُشُبْ

وأمَّا بُرَيُ فلم أعْنِه فأوتِىَ من خير ما يَحتَسب

 وقالت هند أيضاً :

يريبُ علينا دهرُنا فيسوءنا ويأبَى فما تأتي بشيءٍ يغالبُهْ

أبعدَ قتيلٍ من لؤيِّ بنِ غالبٍ يُراع أمرؤ إن مات أو مات صاحبُهْ

ألا رُبَّ يوم قد رُزئت مُرَزَّءًا تروح وتغدو بالجزيلِ مواهبُهْ

فأبلغْ أبا سًفيانَ عنى مَالكاً فإن ألْقَهْ يوماً فسوف أعاتبهْ

فقد كان حرب يُسعِرُ الحربَ إنه لكلِّ امرىء في الناسِ مولًى يطالبُهْ

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند.

قال ابن إسحاق : وقالت هند أيضاً :

للّه عَيْنا مَنْ رَأى هُلْكا كَهُلْكِ رِجَالِيَهْ

يا رُبَّ باكٍ لى غدا فى النائباتِ وباكيهْ

كما غادروا يومَ القليب غداةَ تلك الوَاعيهْ

من كلِّ غيث فى السنين إذا الكواكبُ خاويهْ

قد كنتُ أحذَرُ ما أرى فاليوم حَقَّ حَذارية

قد كنت أحْذَرُ ما أرى فأنا الغَداةَ مُوامِيَهْ

يا رُبَّ قائلةٍ غداً يا ويح أمِّ مُعاويهْ

قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند.

قال ابن إسحاق : وقالت هند أيضاً :

يا عينُ بكِّي عُتُبه شيخاً شديد الرَّقبه

يُطعم يوم المسغبه يدفع يوم المغلَبه

إني عليه حَرِبَهْ ملهوفة مُسْتَلبه

لنهبطنَّ يثربَهْ بغارةٍ مُنْثعبهْ

فيها الخيولُ مُقْرَبه كلُّ جوادٍ سَلْهَبَهْ

شعر صفية بنت مسافر في رثاء أهل القليب في بدر: وقالت صفية بنتُ مسافر بن أبى عَمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، تبكي أهل القليب الذين أصيبوا يوم بدر من قريش وتذكر مصابَهم :

يا مَن لعين - قَذَاها عائرُ الرمدِ حَدَّ النهارِ وقَرْنُ الشمسِ لم يَقِدِ

أخبرت أن سَراةَ الأكرمين معاً قد أحرَزتْهم مناياهُم إلى أمَدِ

وفَرَّ بالقومِ أصحابُ الركابِ ولم تَعطِفْ غَداتئِذٍ أم على ولدِ

قُومي صَفِيَّ ولا تنسى قرابتَهم وإن بكيتِ فما تبكين من بُعُدِ

كانوا سقُوبَ سماء البيت فانقصفتْ فأصبح السَّمْك منها غيرَ ذي عَمَدِ

 قال ابن هشام : أنشدني بيتها : كانوا سقوب " بعض أهل العلم بالشعر.

قال ابن إسحاق : وقالت صفية بنت مسافر أيضاً :

ألا يا مَنْ لعينٍ للتبكى دمعُها فانِ

كغَرْبَىْ دالجِ يَسْقِى خِلالَ الغَيِّثِ الدانِ

وما ليثُ غريفٍ ذو أظافير وأسنانِ

أبو شِبْلَيْنِ وَثَّابٌ شديدُ البطشِ غَرْثانِ

كحِبِّي إذ تولَّى ووجوهُ القوم ألوانُ

وبالكفِّ حسام صارمٌ أبيضُ ذُكران

وأنت الطَّاعنُ النجلاءَ منها مُزبذ آن

قال ابن هشام : ويروون قولها : " وما ليث غريف " إلى آخرها، مفصولاً من البيتين اللذين قبله.

رثاء هند بنت أثاثة عباد بن المطلب :

قال ابن إسحاق :

وقالت هند بنت أثاثة بن عَبَّاد بن المطلب ترثى عُبيدة بن الحارث ابن المطلب :

لقد ضمِّن الصفراءُ مجداً وسؤدَداً وحِلماً أصيلاً وافرَ اللُّبِّ والعقْلِ

عبيدةَ فابكيه لأضيافِ غُربةٍ وأرملةٍ تهوِي لأشْعثَ كالجَذْلِ

وبكِّيه للأقوامِ فى كلِّ شَتوةٍ إذا احمرَّ آفاقُ السماءِ من المَحْلِ

وبكِّيه للأيتامِ والريحُ زَفْرَة وتشْبيب قِدرٍ طالما أزْبدت تَغْلى

فإن تُصبح النيرانُ قد مات ضَوْؤها فقد كان يُذْكِيهنَّ بالحطَبِ الجَزْلِ

لطارقِ ليلٍ أو لملتمسِ القِرَى ومُسْتنبحٍ أضْحَى لديه على رِسْلِ

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لهند.

شعر قتيلة بنت الحارث تبكي أخاها النضر:

قال ابن إسحاق : وقالت قُتَيلة بن الحارث ، أخت النضر بن الحارث ، تبكيه :

يا راكباً إن الأثيْل مظنة من صُبحِ خامسةٍ وأنت مُوَفَّقُ

أبلغْ بها مَيْتاً بأن تحيةً ما إن تزالُ بها النجائبُ تَخْفقُ

مني إليك وعَبرةً مسفوحةً جادت بواكفِها وأخرى تخنُقُ

هل يسمعنِّي النضرُ إن ناديتُهُ أم كيف يسمع مَيِّتٌ لا ينطقُ

أمحمد يا خيرَ ضنْءِ كريمةٍ فى قومِها والفحلُ فحلٌ مُعْرقُ

ما كان ضَرَّك لو مَنَنْت وربما مَنَّ الفتى وهو المَغيظُ المحْنَقُ

أو كنت قابلَ فديةٍ فليُنفقنَّ بأعز ما يغلو به ما يُنفَقُ فالنضرُ أقربُ

من أسَرْتَ قرابةً وأحقُّهم إن كان عِتْقٌ يُعتَقُ

ظلتْ سيوفُ بنى أبيه تَنُوشُهُ للّه أرحامٌ هناك تُشققُ

صَبراً يُقاد إلى المنية مُتْعَباً رَسْف المقيَّد وهُو عانٍ مُوثَقُ

قال ابن هشام : فيقال ، واللّه أعلم : إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر،

قال : لو بلغنى هذا قبل قتله لمننت عليه.

قال ابن إسحاق : وكان فراغُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بدر في عَقِب شهر رمضان أو في شوال.

غزوة بني سليم بالكدر

قال ابن إسحاق : فلما قَدِم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يقم بها إلا سبعَ ليالٍ حتى غزا بنفسه ، يريد بنى سُلَيْم.

قال ابن هشام : واستعمل على المدينة سِباعَ بن عُرْفُطة الغفاريَّ ، أو ابن أم مكتوم.

قال ابن إسحاق : فبلغ ماءً من مياههم ؛ يقال له : الكُدْر، فأقام عليه ثلاثَ ليالٍ ثم رجع إلا المدينة، ولم يلقَ كيداً، فأقام بها بقيةَ شوال وذا القعدة، وأفدى فى إقامته تلك جُلَّ الأسارى من قريش.

غزوة السويق

اعتداء أبي سفيان وخروج الرسول خلفه :

قال : حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام :

قال : حدثنا زياد بن عبد اللّه البَكَّائى، عن محمد بن إسحاق المُطَّلبِى، قال ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السَّويق فى ذي الحجة، وولىَ تلك الحجة المشركون من تلك السنة، فكان أبو سفيان كما حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير، ويزيد ابن رُومَان ومن لا أتَّهم ، عن عبد اللّه بن كعب بن مالك ، وكان من أعلم الأنصار، حين رجع إلى مكة، ورجع فَلُّ قريش من بدر، نذر أن لا يُمس رأسَه ماءً من جنابة حتى يغزوَ محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، فخرج في مئتى راكب من قُريش ليبر يمينَه ، فسلك النَّجْدِية، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له : ثَيْب ، من المدينة على بريد أو نحوه ، ثم خرج من الليل ، حتى أتى بني النَّضِير تحت الليل ، فأتى حُيىَّ بنَ اْخْطَب ، فضرب عليه بابه ، فأبى أن يفتح له بابه وخافه ، فانصرف عنه إلى سَلاَّم بن مِشْكم ، وكان سيد بني النضير فى زمانه ذلك ، وصاحب كَنزِهم. فاستأذن عليه ، فأذن له ، فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ، ثم خرج في عقبِ ليلته حتى أتى أصحابه. فبعث رجالاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها : العُرَيْض فحرقوا فى أصْوار من نخل بها، ووجدوا بها رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حَرْث لهما، فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين ونذر بهم الناس. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في طلبهم ، واستعمل على المدينة بَشير بن عبد المنذِر، وهو أبو لبابة فيما

قال ابن هشام ، حتى بلغ قَرقَرة الكُدْر، ثم انصرف راجعاً وقد فاته أبو سفيان وأصحابه ، وقد رأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء، فقال المسلمون ، حين رجع بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا رسول اللّه ، أتطمع لنا أن تكون غزوة؟

قال : نعم.

سبب تسمية هذه الغزوة باسمها   

قال ابن هشام : وإنما سُميت غزوة السويق ، فيما حدثنى أبو عُبَيدة : أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق ، فهجم المسلمون على سويق كثير فسُميت غزوة السويق.

ما قاله أبو سفيان شعراً في هذه الغزوة  

قال ابن إسحاق : - وقال أبو سفيان بن حرب عند منصرفه ، لما صنع به سَلام بنِ مِشْكم :

وإنى تخيرتُ المدينةَ واحداً لحلف فلم أندمْ ولم أتَلَوَّم

سقانى فروَّاني كميتاً مُدامةً على عَجَلٍ مني سَلام بن مِشْكمَ

ولما تولى الجيش قلتُ ولم أكن لأقْرِحَه : أبشرْ بعزٍّ ومغْنَم

تأمَّلْ فإن القومَ سِر وإنهم صريحُ لؤي لا شَماطيط جُرْهُمِ

وما كان إلا بعض ليلةِ راكبٍ أتى ساعياً من غيرِ خَلَّةِ مُعْدمِ

غزوة ذي أَمَر

فلما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوة السَّويق ، أقامِ بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريباً منها، ثم غزا نجداً، يريد غَطَفان ، وهى غزوة ذي أمَر، واستعمل على المدينة عثمانَ بن عفان ، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : فأقام بنجد صفراً كلَّه أو قريباً من ذلك ، ثم رجع إلى المدينةِ، ولم يلقَ كيداً. فلبث بها شهرَ ربيع الأول كلَّه ، أو إلا قليلاً منه.

غزوة الفُرُع من بحران

 ثم غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يريد قريشاً، واستعمل على المدينة ابنَ أم مكتوم ، فيما

قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق : حتى بلغ بَحْران ، مَعْدِناً بالحجاز من ناحية الفُرُعِ ، فأقام بها شهرَ ربيع الآخر وجُمادى الأولَى، ثم رجع إلى المدينة ولم يَلْقَ كيداً.

أمر بني قَينُقاع

ما قاله لهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم وردهم عليه :

قال : وقد كان فيما بين ذلك ، من غزو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمرُ بنى قَيْنُقاع. كان من حديث بني قَيْنُقَاع أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جمعهم بسوق بنى قَيْنُقَاع ،

ثم قال : يا معشر يهود، احذَرُوا من اللّه مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسْلموا فإنكم قد عَرَفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابِكم وعهدِ اللّه إليكم ؛ قالوا : يا محمد، إنك ترى أنا قومُك ؟!

لا يَغُرَّنك أنك لقيتَ قوماً لا علم لهم بالحرب ، فأصبت منهم فرصةً، إنا واللّه لئن حاربناك لتعلَمنَّ أنا نحنُ الناسُ.

ما نزل فيهم من القرآن  

قال ابن إسحاق : فحدثني مولى قال زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة عن ابن عباس ،

قال : ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} [آل عمران:١١،١٢]: أي أصحاب بدر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقريش {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّه وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّه يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: ١٢،١٣].

بنو قينقاع أول من نقض عهده صلى اللّه عليه وسلم :

قال ابن إسحاق :

وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة : أن بنى قينقاع كانوا أولَ يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وحاربوا فيما بينَ بدر وأحد.

سبب حرب المسلمين إياهم   

قال ابن هشام : وذكر عبد اللّه ابن جعفر بن المِسْوَر بن مَخْرَمة، عن أبى عون ،

قال : كان من أمر بني قَيْنقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلبٍ لها، فباعته بسوق بني قَيْنُقاع ، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشفِ وجهها، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرِها، فلما قامت انكشفت سوءتُها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ، وكان يهودياً، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون ، فوقع الشرُّ بينهم وبين بنى قَيْنُقاع.

تدخل ابن أبي في شأنهم معه صلى اللّه عليه وسلم   

قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة،

قال : فحاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه ، فقام إليه عبدُ اللّه بنُ أبى ابنُ سلول ، حين أمكنه منهم ،

فقال : يا محمد، أحسن في مواليَّ ، وكانوا حلفاء الخزرج.

قال : فأبطأ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

فقال : يا محمدُ أحسنْ فى مَوَاليَّ ،

قال : فأعرض عنه. فأدخل يَده في جَيْبِ دِرْعِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

قال ابن هشام : وكان يقال لها : ذات الفُضول.

قال ابن إسحاق : فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أرسلْني ، وغضب رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُلَلاً

ثم قال : ويْحك ! أرسلْني ؛

قال : لا واللّه لا أرسلك حتى تُحسنَ في موالىَّ، أربعمائةِ حاسر وثلاثمائةِ دارعٍ قد منعوني من الأحمر والأسود، تَحْصُدهم في غَداةٍ واحدة، إنى واللّه امرؤ أخشى الدوائرَ؛

قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هم لك.

مدة حصار بني قينقاع   

قال ابن هشام : واستعمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المدينة فى محاصرته إياهم بشير بن عبد المنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.

خلع ابن الصامت بني قينقاع وما نزل فيه من القرآن وفي ابن أُبَي

قال ابن إسحاق : وحدثني أبى: إسحاقُ بن يسار، عن عُبادة بن الوَليد بن عبادة بن الصامت

قال : لما حاربت بنو قينقاع رِسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبدُ اللّه بنُ أبي ابنُ سلول وقام دونهم. ومشى عبادةُ بن الصامت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان أحد بني عَوْف ، لهم من حِلفه مثلُ الذى لهم من عبد اللّه بن أبي ، فخلعهم إلى رسول صلى اللّه عليه وسلم، وتبرأ إلى اللّه عز وجل ، وإلى رسوله صلى اللّه عليه وسلم من حلفِهم ،

وقال : يا رسول اللّه ، أتولى اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين ، وأبرأ من حِلف هؤلاء الكفار وولايتهم.

قال : ففيه وفى عبد اللّه بن أبى نزلت هذه القصة من المائدة{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّه لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي لعبد اللّه بن أبى وقوله : إنى أخشى الدوائر {يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّه أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ* وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: ٥١ـ٥٣] ثم القصة إلى قوله تعالى :{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.[المائدة: ٥٥] وذكر لتولي عبادة بن الصامت اللّه ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بنى قينقاع وحلفهم وولايتهم :{ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه هُمْ الْغَالِبُونَ}.[المائدة: ٥٦]

سرية زيد بن حارثة إلى القَردة

زيد بن حارثة يصيب العير

قال ابن اسحاق : وسرية زيد ابن حارثة التى بعثه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيها، حين أصاب عيرَ قريش ، وفيها أبو سفيان بن حرب ، على القَردة، ماء من مياه نجد. وكان من حديثها : أن قريشاً خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون إلى الشام ، حين كان من وقْعة بدر ما كان ، فسلكوا طريقَ العراق ، فخرج منهم تجار، فيهم : أبو سفيان بن حرب ، ومعه فضة كثيرة، وهم عُظْمُ تجارتهم ، واستأجروا رجلاً من بنى بكر بن وائل ، يقال له فُرات بن حَيَّان يدلهم في ذلك على الطريق.

قال ابن هشام : فُرات بن حيان ، من بنى عِجْل ، حليف لبني سَهْم.

قال ابن إسحاق : وبعث رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم زَيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها، وأعجزه الرجالُ ، فقدم بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قاله حسان في هذه الغزوة : فقال حسان بن ثابت بعد أحد فى غزوة بدْر الآخرة يؤنِّب قريشاً لأخذهم تلكَ الطريق :

دعوا فَلَجاتِ الشامِ قد حال دونَها جلاد كأفواهِ المَخاضِ الأواركَ

بأيدي رجالٍ هاجروا نحوَ ربهم وأنصارهِ حقا وأيدي الملائك

إذا سلكتْ للغَوْرِ من فيِ عالجٍ فقولا لها ليس الطريقُ هنالك

 قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات لحسان بن ثابت ، نقضها عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وسنذكرها ونقيضتها إن شاء اللّه في موضعها.

مقتل كعب بن الأشرف

استنكاره ما فعله المسلمون بقريش في بدر   

قال ابن إسحاق : وكان من حديث كعب بن الأشرف : أنه لما أصيب أصحاب بدر، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، وعبد اللّه بن رواحة إلى العالية بشيرين ، بعثهما رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى مَن بالمدينة من المسلمين بفتح اللّه عز وجل عليه ، وقتْل من قتل من المشركين ، كما حدثني عبد اللّه بن المُغيث بن أبى بُرْدة الظَّفَري ، وعبد اللّه بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم ، وعاصم بن عمر بن قتادة، وصالح بن أبى أمامة بن سهل ، كل قد حدثنى بعضَ حديثه ، قالوا : قال كعبُ بن الأشرف ، وكان رجلاً من طَيئِّ ، ثم أحد بني نَبْهان وكانت أمه من بنى النَّضير، حين بلغه الخبر : أحقُّ هذا؟ أترون محمداً قتل هؤلاء الذين يُسمِّي هذان الرجلان - يعنى زيداً وعبدَ اللّه بن رواحهَ - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، واللّه لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم ، لبطنُ الأرضِ خير من ظهرِها.

ما قاله كعب تحريضاً على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فلما تيقن عدوُّ اللّه الخبرَ، خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطَّلب بن أبي وَداعَة بن ضُبَيْرة السَّهْمي ، وعنده عاتكة بنت أبي العِيص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف ، فأنزلته وأكرمته ؛ وجعل يحرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وينشد الأشعارَ، ويبكى أصحابَ القليب من قريش، الذين أصيبوا ببدر،

فقال :

طحنتْ رَحَى بدرٍ لمهلكِ أهلِهِ ولمثلِ ،بدر تَسْتَهِلُّ وتَدْمَعُ

قُتلتْ سَراةُ الناسِ حولَ حياضِهم لا تَبْعَدوا إن الملوكَ تُصرَّعُ

كم قد أصيب به منَ ابْيض ماجدٍ ذي بَهْجة يأوِي إليه الضُّيَّعُ

طَلْقَ اليَدَيْنِ إذا الكواكبُ أخلَفتْ حَمَّالُ أثقالٍ يسود ويَرْبَعُ

ويقول أقوام أسَرُّ بسُخْطِهم إنَّ ابن الاشرفِ ظلَّ كعبا يجزَعُ

صَدقوا فليتَ الأرضَ ساعةَ قُتِّلوا ظلتْ تسوخُ بأهلِها وتُصَدَّعُ

صار الذي أثَرَ الحديثَ بطعْنِه أو عاش أعمى مُرْهَشاً لا يسْمعُ

نُبئتُ أن بنى المُغيرةِ كلَّهم خشعوا لقتلِ أبى الحكيمِ وجُدِّعوا

وابنا ربيعةَ عندَه ومُنَبِّهٌ ما نال مثل المُهْلكين وتُبّعُ

نُبئْتُ أن الحارثَ بنَ هِشامِهم فى الناس يَبْني الصالحاتِ ويجمعُ

ليزورَ يثربَ بالجموعِ وإنما يَحْمى على الحسبِ الكريمُ الأروعُ

قال ابن هشام : قوله " تُبَّع "، " وأسر بسخطهم "، عن غير ابن إسحاق.

ما رد به عليه حسان رضي اللّه عنه :

قال ابن إسحاق : فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري :

فقال :

أبكَى لكَعْبٍ ثُمَّ عُلَّ بعَبْرةٍ منه وعاش مُجَدّعاً لا يسمعُ

ولقد رأيتُ ببطنِ بدر منهمُ قَتلَى تَسُحُّ لها العيونُ وتدمَعُ

فابكى فقد أبكيتَ عبداً راضعا شِبْهَ الْكُلَيبِ إلى الكُلَيْبَهِّ يَتبعُ

ولقد شفى الرحمنُ منَّا سيداً وأهانَ قوماً قاتَلُوه وصُرِّعُوا

ونجا وأفلتَ منهمُ مَن قلبهُ شَغَفٌ يَظَلُّ لخوفهِ يتصدَّعُ

قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان. وقوله "أبكى لكعب عن غير ابن إسحاق.

ما ردت به امرأة من المسلمين على كعب   

قال ابن إسحاق : وقالت امرأة من المسلمين من بني مُرَيد، بطن من بَلِيّ ، كانوا حلفاء فى بنى أمية بن زيد، يقال لهم : الجعادرة، تُجيب كعباً -

قال ابن إسحاق : اسمها ميمونة بنت عبد اللّه ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه الأبيات لها، وينكر نقيضتها لكعب بن الأشرف.

تحنَّن هذا العبدُ كلَّ تَحنُّنٍ يبكي على قَتْلَى وليس بناصبِ

بكتْ عينُ من يبكي لبدر وأهلهِ وعُلّت بمثلَيْها لؤىُّ بنُ غالبِ

فليتَ الذين ضُرِّجوا بدمائِهم يرى ما بهم من كان بين الأخاشبِ

فيعلم حقُّا عن يقينٍ ويُبْصروا مَجَرَّهم فوقَ اللِّحَى والحواجبِ

ما أجابها به كعب بن الأشرف : فأجابها كعب بن الأشرف ،

فقال :

ألا فازجروا منكم سَفيهاً لتسلموا عن القولِ يأتى منه غيرَ مُقَارِبِ

أتشتُمني أن كنتُ أبكى بَعبرةٍ لقومٍ أتانى وُدُّهم غيرُ كاذبِ

فإني لباكٍ ما بقيتُ وذاكرٌ مآثر قومٍ مجدُهم بالجباجبِ

لَعَمْري لقد كانت مُرَيْد بمعزِلٍ عن الشرِّ فاحتالت وجوه الثعالب

فحُقَّ مُرَيْد أن تُجَدَّ أنوفُهم بشتمِهمُ حيىْ لؤي بن غالب

وهبتُ نصيبى من مُرَيْد لجَعْدَر وفاءً وبيتُ اللّه بينَ الأخاشبِ

تشبيب كعب بنساء المسلمين والأخذ في قتله : ثم رجع كعبُ بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساءِ المسلمين حتى آذاهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما حدثنى عبد اللّه بن المغيث بن أبي بُردة : من لى بابن الأشرف ؟ فقال له محمد بن مَسْلَمة، أخو بني عبد الأشْهل : أنا لك به يا رسول اللّه ، أنا أقتله ،

قال : فافعل إن قدرت على ذلك.

فرجع محمد بن مَسْلَمة فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما يُعْلِق به نفسَه ، فذُكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدعاه ،

فقال له : لم تركت الطعامَ والشراب ؟

فقال : يا رسول اللّه ، قلت لك قولاً لا أدري هل أفَينَ لك به أم لا؟

فقال : إنما عليك بالجهد،

فقال : يا رسول اللّه ، إنه لا بد لنا من أن نقول : قال قولوا ما بدا لكم ، فأنتم في حِلّ من ذلك. فاجتمع فى قتله محمد بن مَسْلمة،وسِلْكان ابن سلامة بن وَقش، وهو أبو نائلة، أحدُ بنى عبد الأشْهَل ، وكان أخا كعبِ بن الأشرف من الرضاعة، وعبَّاد بن بشر بن وَقْش، أحد بني عبد الأشهل ، والحارث بن أوْس بن مُعاذ، أحد بنى عبد الأشهل ، وأبو عَبْس بن جَبْر، أحد بنى حارثة.

ثم قدَّموا إلى عدو اللّه كعبِ بن الأشرف ، قبل أن يأتوه ، سِلْكان ابن سَلامة، أبا نائلة، فجاءه فتحدث معه ساعة، وتناشدوا شعراً، وكان أبو نائلة يقول الشعر.

ثم قال : ويحك يابن الأشرف ! إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرَها لك ، فاكتمْ عني ،

قال : أفعل ،

قال : كان قدوم هذا الرجل علينا بلاءً من البلاء، عادتنا به العرب ، ورمتنا عن قَوْس واحدة، وقلعت عنا السبل حتى ضاع العيالُ ، وجُهِدت الأنفسُ ، وأصبحنا قد جُهِدْنا وجُهِد عيالُنا.

قال كعب : أنا ابن الأشرف ، أما واللّه لقد كنت أخبرك يابنَ سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول ، فقال له سلكان : إنى قد أردت أن تبيعنا طعاماً ونرهنك ونوثق لك ، ونحسن فى ذلك ، فقال أترهنونى أبناءَكم ؟

قال : لقد أردت أن تفضحَنا، إن معى أصحاباً لي على مثل رأيى، وقد أردت أن اتيك بهم فتبيعهم وتُحسن فى ذلك ، ونرهنك في الحَلْقة ما فيه وفاء، وأراد سِلْكان أن لا ينكر السلاحَ إذا جاءوا بها،

قال : إن فى الحَلْقة لوفاء.

قال : فرجع سِلْكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، وأمرهم أن يأخذوا السلاحَ ، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه ، فاجتمعوا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال ابن هشام :

ويقال : أترهنوني نساءَكم ؟

قال : كيفَ نرهنك نساءَنا، وأنت أشبُّ أهل يثرب وأعْطرهم ،

قال : أترهنوني أبناءكم ؟

قال ابن إسحاق : فحدثني ثَوْر بن يزيد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس.

قال : مشى معهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بقيع الغَرقَد، ثم وجَّههم ،

فقال : انطلقوا على اسم اللّه ، اللّهم أعنهم ، ثم رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بيته ، وهو في ليلة مقمرة وأقبلوا حتى انتهوا إلى حِصْنه ، فهتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعُرْس ، فوثب فى ملحفتِه فأخذت امرأته بناحيتها، وقالت : إنك امرؤ مُحَارَب ، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون فى هذه الساعة

قال : إنه أبو نائلة، لو وجدنى نائماً لما أيقظنى، فقالت : واللّه إني لأعرف في صوته الشرَّ،

قال : يقول لها كعب :

لو يُدْعَى الفتى لطعنةٍ لأجاب.

فنزل فتحدث معهم ساعة، وتحدثوا معه ،

ثم قال : هل لك يابن الأشرف أن تتماشى إلى شِعْب العجوز، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ؟

قال : إن شئتمِ. فخرجوا يتماشَوْن ، فمشَوْا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فوْد رأسِه ، ثم شم يدَه

فقال : ما رأيت كالليلةِ طيباً أعطر قطّ ، ثم مشى ساعةً، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ، ثم مشى ساعةً، ثم عاد لمثلها، فأخذ بفود رأسه ،

ثم قال : اضربوا عدو اللّه ،فضربوه ، فاختلفت عليه أسيافهم ، فلم تُغْن شيئاً.

قال محمد بن مَسْلمة : فذكرت مِغْوَلاً في سيفىٍ ، حين رأيت أسيافنا لا تغنى شيئاً، فأخذته وقد صاح عدو اللّه صيحة لم يَبْقَ حولَنا حِصنٌ إلا وقد أوقدت عليه نار

قال : فوضعته فى ثنَّته ثم تحاملت عليه حتى بلغتُ عانتَه فوقع عدوُّ اللّه ، وقد أصيب الحارث بن أوْس ابن معاذ، فجُرح فى رأسه أو فى رجله ، أصابه بعضُ أسيافنا.

قال : - فخرجنا حتى سلكنا على بنى أمية بن زيد، ثم على بنى قُرَيظة، ثم على بُعاث حتى أسْندْنا في حَرَّة العُرَيْض ، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ، ونزفه الدم ، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتبع آثارَنا.

قال : فاحتملناه فجئنا به رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم آخر الليل ، وهو قائم يصلى، فسلمنا عليه فخرج إلينا، فأخبرناه بقتلِ عدوِّ اللّه ، وتفل على جُرح صاحبنا، فرجع ورجعنا إلى أهلِنا فأصبحنا وقد خافت يهودُ لوقعتِنا بعدوِّ اللّه ، فليس بها يهوديٌّ إلا وهو يخاف على نفسهِ.

ما قاله كعب بن مالك في هذه الحادثة :

قال ابن إسحاق :

فقال كعب بن مالك :

فغودر منهمُ كعب صريعاً فَذُلَّت بعدَ مصرعهِ النضيرُ

على الكفَّين ثَمَّ وقد عَلَتْه بأيدينا مُشَهَّرة ذكورُ

بأمرِ محمدٍ إذ دَسَّ ليلاً إلى كعبٍ أخا كعبٍ يَسيرُ

فماكرَهُ فأنزلَه بمكْر ومحمود أخو ثقةٍ جَسُورُ

قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له في يوم بني النضير، سأذكرها - إن شاء اللّه فى حديث ذلك اليوم.

ما قاله حسان في هذه الحادثة :

قال ابن إسحاق : وقال حسانُ بنَ ثابت يذكر قَتْل كعبِ بنِ الأشرف وقَتْل سلام بن أبي الحُقَيْق :

للّه دَرُّ عِصابةً لاقيتَهم يابنَ الحقيق وأنت يابنَ الأشرفِ

يَسْرُون بالبيضِ الخِفافِ إليكمُ مرحاً كأسْدٍ في عرين مُغْرِفِ

حتى أتوكم فى محلِّ بلادِكم فسقَوْكم حتفاً ببيضٍ ذُففِ

مستنصرين لنصرِ دينِ نبيِّهم مستصغِرين لكلِّ أمر مُجْحِفِ

قال ابن هشام : وسأذكر قتل سلام بن أبى الحقيق في موضعه - إن شاء اللّه.

وقوله : " ذفف " عن غير ابن إسحاق.

أمر محيصة وحويصة

لوم حويصة محيصة لقتله يهوديًّا 

قال ابن إسحاق : وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : من ظفرتم به من رجالِ يهودٍ فاقتلوه ، فوثب مُحَيِّصة ابن مسعود.

قال ابن هشام : مُحَيِّصة

ويقال : محيصة بن مسعود بن كعب ابن عامر بن عَدي بن مَجْدَعة بن حارثة بن. الحارث بن الخزرج ابن عَمرو بن مالك بن الأوْس - على ابن سُنَيْنة؟

قال ابن هشام : ويقالُ شُنَينة - رجل من تُجَّار يهود، كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان. حُوَيصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم ، و كان أسَنَّ من مُحَيِّصة، فلما قتله جعل حُوَيِّصة يضربه ، ويقول : أي عدوَّ. اللّه ، أقتلتَه ، أما واللّه لرُبَّ شحمٍ في بطنك من ماله.

قال مُحَيصة :

فقلت : واللّه لقد أمرنى بقتله. من لو أمرنى بقتلك لضربتُ عنقَك قال فواللّه إن كان لأول إسلام حُويِّصة

قال : آوللّه ، لو أمرك محمد بقتلى لقتلتنى؟ قال. : نعم واللّه لو أمرنى بضرب عنقك. لضربتُها!

قال : واللّه إن دِيناً بلغ بك هذا لعجب ، فأسلم حُوَيِّصة

ما قاله محيصة في ذلك شعراً 

قال ابن إسحاق : حدثنى هذا الحديث مولى لبنى حارثة، عن. ابنة مُحَيصة، عن أبيها مُحَيِّصة.  قال محيصة فى ذلك.

يلوم ابنُ أمِّى لو أبرْت بقتله لطبَّقت ذِفراه بأبيضِ قاضبِ

حُسامٍ كلوْنِ الملحِ أخْلِصَ صَقْلهُ متي ما أصوِّبْه فليس بكاذبِ

وما سرني أنى قتلتُك طائعاً وأن لنا ما بين بُصْرى ومأرِبِ

رواية أخرى في قيل محيصة اليهوديَّ

قال ابن هشام : وجدتني أبو عُبيدة عن أبي عَمرو المدني ،

قال : لما ظَفر رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ببني قُريظة أخذ منهم نحواً من أربعمائة رجل من اليهود، وكانوا  حلفاءَ الأوس على الخزرج ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن تُضرب أعناقُهم ، فجعلت الخزرج تضرب أعناقهم ، ويسرّهم ذلك ، فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. إلى الخزرج ووجوههم مستبشرة ونظر إلى الأوْس فلم ير ذلك فيهم ، فظن أن ذلك. للحِلْف الذي بين الأوْس. وبين بنى قريظة ولم يكن بقي من بنى قُرَيظة إلا اثنا عشر رجلاً، فدفعهم إلى الأوس ، فدفع ، إلى كلِّ رجلين من الأول رجلاً من بنى قريظة

وقال : ليضرب فلان . وليذفِّف فلان.فكان ممن دفع إليهم كعب بن يهوذا،وكان عظيماً فى بني قريظة، فدفعه إلى مُحَيصة بن مسعود، وإلى أبى بُرْدة بن نيار وأبو بُردة الذي رخص له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أن يذبح جذعاً من المعز فى الأضحى -

وقال : ليضربه مُحَيصة وليذفف عليه أبو بُرْدة، فضربه ضربة لم تقطع ، وذفف أبو بُرْدة فأجهز عليه.

فقال حويصة، وكان كافراً، لأخيه محيصة : أقتلت كعب بن يهوذا؟

قال : نعم ، فقال حُوَيصة : أما واللّه لرُبَّ شحمٍ قد نبت فى بطنك من ماله ، إنك للئيم يا مُحيصة، فقال له محيصة : لقد أمرنى بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك ، فعجب من قوله ثم ذهب عنه متعجباً.

فذكروا أنه جعل يتيقظ من الليل : فيعجب من قول أخيه مُحَيصة.

حتى أصبح وهو يقول : واللّه إن هذا لدِينٌ. ثم أتى النبى صلى اللّه عليه وسلم فأسلم ، فقال مُحَيصة فى ذلك أبياتاً قد كتبناها.

قال ابن إسحاق : وكانت إقامة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بعد قدومه من نجران ، جمادى الآخرة ورجباً وشعبانَ وشهرَ رمضان ، وغزته قريش غزوة أحد فى شوال سنة ثلاث.

تمّ بعون اللّه الجزء الثالث من السيرة النبوية-لابن هشام ويليه إن شاء اللّه - الجزء الرابع وأوله : غزوة أحُد أعان اللّه على إتمامه