Geri

   

 

 

İleri

 

٩-٨ النوع الرابع فى ذكر صيامه صلى اللّه عليه وسلم

اعلم أن المقصود من الصيام إمساك النفس عن خسيس عاداتها، وحبسها عن شهواتها، وفطامها عن مألوفاتها، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر أعمال العاملين، كما قال اللّه تعالى فى الحديث الإلهى الذى رواه مسلم: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لى وأنا أجزى به) (٢) . فأضافه تعالى إليه إضافة تشريف وتكريم، كما

قال تعالى: ناقَةُ اللّه (٣) مع أن العالم كله له سبحانه.

وقيل: لأنه لم يعبد غيره به، فلم يعظم الكفار فى عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود وغيرها.

قال فى شرح تقريب الأسانيد: واعترض بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات فإنهم يتعبدون لها بالصيام.

وأجيب: بأنهم لا يعتقدون أنها فعالة بأنفسها.

وقيل: لأن الصوم بعيد عن الرياء لخفائه، بخلاف الصلاة والحج والغزو

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٥٤٣٠) فى الأطعمة، باب: الأدم. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٠٤) فى الصوم، باب: هل يقول إنى صائم إذا شتم، ومسلم (١١٥١) فى الصيام، باب: فضل الصيام. من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

(٣) سورة الشمس: ١٣.

وغير ذلك من العبادات الظاهرات، قال فى فتح البارى: معنى النفى فى قولهم (لا رياء فى الصوم) أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم، فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء فى الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقية الأعمال، فإن الرياء يدخلها بمجرد فعلها. انتهى.

وعن شداد بن أوس مرفوعا: (من صام يرائى فقد أشرك) (١) . رواه البيهقى.

وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ.

وقيل: لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب تعالى، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه، قال القرطبى معناه: أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم، إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنه تعالى يقول:

إن الصائم يتقرب إلىّ بأمر هو متعلق بصفة من صفاتى. أو لكون ذلك من صفات الملائكة، أو لأنه تعالى هو المنفرد بعلم مقدار ثوابه وت..... حسناته، بخلافه غيره من العبادات، فقد أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، ولذا قال فى بقية الحديث: (وأنا أجزى به) وقد علم بأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك سعة العطاء، وإنما جوزى الصائم هذا الجزاء لأنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده.

والمراد بالشهوة فى الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص، لكن وقع فى رواية عند ابن خزيمة (يدع لذته من أجلى، ويدع زوجته من أجلى، وأصرح منه ما روى (من الطعام والشراب والجماع من أجلى) .

وللصيام تأثير عجيب فى حفظ الأعضاء الظاهرة، وقوى الجوارح الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب للمواد الفاسدة، واستفراغ المواد الرديئة المانعة له من صحتها، فهو من أكبر العون على التقوى، كما أشار إليه تعالى بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢)

__________

(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٢٥) من حديث شداد بن أوس- رضى اللّه عنه-.

(٢) سورة البقرة: ١٨٣.

وقال- صلى اللّه عليه وسلم- كما فى البخارى-: (الصوم جنة) (١) ، هى بضم الجيم، الوقاية والستر، أى: ستر من النار. وبه جزم ابن عبد البر، وفى النهاية: أى يقى صاحبه مما يؤذيه من الشهوات، وقال القاضى عياض: من الآثام. وقد اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصى قولا وفعلا.

وقد اختلف: هل الصوم أفضل أم الصلاة؟ فقيل الصوم أفضل الأعمال البدنية، لحديث النسائى عن أبى أمامة

قال: أتيت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللّه، مرنى بأمر آخذه عنك

قال: (عليك بالصوم فإنه لا عدل له) (٢) ، والمشهور تفضيل الصلاة، وهو مذهب الشافعى وغيره، لقوله- صلى اللّه عليه وسلم-:

(واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) (٣) رواه أبو داود وغيره. ثم إن الكلام فى صيامه- صلى اللّه عليه وسلم- على قسمين:

__________

(١) صحيح: البخارى (٧٤٩٢) فى التوحيد، باب: قول اللّه تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام اللّه) ، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

(٢) صحيح: أخرجه النسائى (٤/ ١٦٥) فى الصيام، باب: ثواب من صام يوما فى سبيل من حديث أبى أمامة- رضى اللّه عنه-.

(٣) صحيح: أخرجه ابن ماجه (٢٧٧) فى الطهارة والسنة، باب: المحافظة على الوضوء، من حديث ثوبان بن بجدد- رضى اللّه عنه- .

القسم الأول فى صيامه ص شهر رمضان

وفيه فصول:

الفصل الأول فيما كان يخص به رمضان من العبادات وتضاعف جوده ص فيه

اعلم أن (رمضان) مشتق من الرمض، وهو شدة الحر، لأن العرب لما أرادوا أن يضعوا أسماء الشهور وافق أن الشهر المذكور شديد الحر فسموه بذلك، كما سمى الربيعان لموافقتهما زمن الربيع. أولأنه يرمض الذنوب أى يحرقها، وهو ..... لأن التسمية به ثابتة قبل الشرع. ورمضان أفضل الشهور، كما حكاه الأسنوى عن قواعد الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

قال النووى: وقولهم إنه من أسماء اللّه تعالى ليس بصحيح، وإن كان قد جاء فيه أثر .....، وأسماء اللّه تعالى توقيفية لا تثبت إلا بدليل صحيح. انتهى. وقد اختلف السلف: هل فرض صيام قبل صيام رمضان أم لا؟ فالجمهور- وهو المشهور عند الشافعية- أنه لم يجب قط صوم قبل صوم رمضان، وفى وجه- وهو قول الحنفية- أول ما فرض يوم عاشوراء، فلما نزل رمضان نسخ. وسيأتى أدلة الفريقين فى الكلام على صوم عاشوراء- إن شاء اللّه تعالى-. وقد كان فرض رمضان فى السنة الثانية من الهجرة- كما تقدم- فتوفى سيدنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وقد صام تسع رمضانات.

ولما كان شهر رمضان موسم الخيرات ومنبع الجود والبركات لأن نعم اللّه فيه تزيد على غيره من الشهور، وكان سيدنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يكثر فيه من العبادات وأنواع القربات الجامعة لوجوه السعادات، من الصدقة والإحسان والصلاة والذكر والاعتكاف ويخص به من العبادات ما لا يخص به غيره من

الشهور، وكان جوده- صلى اللّه عليه وسلم- يتضاعف فى شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه تعالى يتضاعف فيه أيضا، فإن اللّه تعالى جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة.

وفى حديث ابن عباس عند الشيخين،

قال: (كان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أجود الناس، وأجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) (١) .

فبمجموع ما ذكر فى هذا الحديث من الوقت وهو شهر رمضان، والمنزل وهو القرآن، والنازل به وهو جبريل، والمذاكرة وهى مدارسة القرآن، حصل له- صلى اللّه عليه وسلم- المزيد فى الجود.

والمرسلة: المطلقة، يعنى أنه فى الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، إلى عموم النفع بجوده- صلى اللّه عليه وسلم-، كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه. ووقع عند الإمام أحمد فى آخر هذا الحديث (لا يسأل شيئا إلا أعطاه) . وتقدم فى ذكر سخائه- صلى اللّه عليه وسلم- مزيد لذلك.

وقد كان ابتداء نزول القرآن فى شهر رمضان، وكذا نزوله إلى سماء الدنيا جملة واحدة، فكان جبريل- عليه الصلاة والسلام- يتعاهده- صلى اللّه عليه وسلم- فى كل سنة، فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذى توفى فيه- صلى اللّه عليه وسلم- عارضه به مرتين (٢) ، كما ثبت فى الصحيح عن فاطمة- رضى اللّه عنها-. قال فى فتح البارى: وفى معارضة جبريلالنبى- صلى اللّه عليه وسلم- بالقرآن فى شهر رمضان حكمتان، إحداهما: تعاهده، والآخرى: تبقية ما لم ينسخ منه ورفع ما نسخ، فكان رمضان ظرفا لإنزاله جملة وتفصيلا وعرضا وإحكاما.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦) فى بدء الوحى، باب: بدء الوحى، ومسلم (٢٣٠٨) فى الفضائل، باب: كان النبى أجود الناس بالخير من الريح المرسلة. من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-.

(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٤٥٠) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبى. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

وفى المسند، عن واثلة بن الأسقع، عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أنه

قال: أنزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان(١) . وقد دل الحديث على استحباب مدارسة القرآن فى رمضان، والاجتماع عليه، وعرض القرآن على من هو أحفظ منه.

وفى حديث ابن عباس أن المدارسة بينه- صلى اللّه عليه وسلم- وبين جبريل كانت ليلا، وهو يدل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن فى رمضان ليلا، لأن الليل تنقطع فيه الشواغل وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر.

وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم رمضان، كما أخرجه الإمام أحمد والنسائى عن أبى هريرة ولفظه

قال: كان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم رمضان يقول: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير الكثير (٢) . قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل فى تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان.

وروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يدعو ببلوغ رمضان، فكان إذا دخل شهر رجب وشعبان

قال: (اللّهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان) (٣) . رواه الطبرانى وغيره من حديث أنس. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا رأى هلال رمضان

قال: (هلال رشد وخير، هلال رشد وخير هلال رشد وخير، آمنت بالذى خلقك) (٤) ، رواه النسائى من حديث أنس.

__________

(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٠٧) من حديث واثلة بن الأسقع- رضى اللّه عنه-.

(٢) صحيح: أخرجه النسائى (٤/ ١٢٩) فى الصيام، باب: ذكر الاختلاف على معمر فيه. من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-، .

(٣) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٢/ ١٦٥) عن أنس وقال: رواه البزار وفيه زائدة بن أبى الرقاد، قال البخارى: ....... الحديث وجهله جماعة، وكرره فى (٣/ ١٤٠) وقال: رواه البزار والطبرانى فى الأوسط، وفيه زائدة بن أبى الرقاد، وفيه كلام وقد وثق!.

(٤) أخرجه أبو داود (٥٠٩٢) فى الأدب، باب: ما يقول إذا رأى الهلال، بسند رجاله ثقات، إلا أنه مرسل عن قتادة.

وروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يقول إذا دخل شهر رمضان:

(اللّهم سلمنى من رمضان، وسلم رمضان لى، وسلمه منى) (١) أى: سلمنى منه حتى لا يصيا بنى فيه ما يحول بينى وبين صومه من مرض أو غيره. وسلمه لى: حتى لا يغم هلاله على فى أوله وآخره، فيلتبس علىّ الصوم والفطر، وسلمه منى: أن تعصمنى من المعاصى فيه. وهذا منه- صلى اللّه عليه وسلم- تشريع لأمته.

الفصل الثانى فى صيامه ص برؤية الهلال

عن عائشة (كان- صلى اللّه عليه وسلم- يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام) (٢) . رواه أبو داود. قوله: (فإن غم عليكم)أى: حال بينكم وبينه غيم. (فاقدروا له) من التقدير، أى: قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما، ويؤيده قوله فى الرواية السابقة: (فإن غم عليه- صلى اللّه عليه وسلم- عد ثلاثين) وهو مفسر ل (اقدروا له)ولهذا لم يجتمعا فى رواية. ويؤكده رواية (فاقدروا له ثلاثين) (٣) .

قال المازرى: حمل جمهور الفقهاء قوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (اقدروا) على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسره فى حديث آخر، قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين، لأن الناس لو كلفوا به لضاق عليهم، لأنه لا يعرفه إلا الأفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم. انتهى.

وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة، وجمهور السلف والخلف.

__________

(١) أخرجه الطبرانى فى الدعاء، والديلمى وسنده حسن، عن عبادة بن الصامت كما فى (كنز العمال) (٢٤٢٧٧) .

(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٣٢٥) فى الصوم، باب: إذا غمى عليكم. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٠٨٠) فى الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-.

وفيه دليل: أنه لا يجوز صوم يوم الشك، ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم.

وقال الإمام أحمد بن حنبل فى طائفة: أى اقدروا له تحت السحاب، فيجوزون صوم ليلة الغيم عن رمضان، بل قال أحمد بوجوبه. وقال ابن سريج وجماعة منهم مطرف بن عبد اللّه وابن قتيبة وآخرون معناه: قدروا بحساب المنازل.

الفصل الثالث فى صومه ص بشهادة العدل الواحد

عن ابن عمر

قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أنى رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه (١) . رواه أبو داود وصححه ابن حبان.

وعن ابن عباس

قال: جاء أعرابى إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ف

قال: إنى رأيت هلال رمضان، ف

قال: (أتشهد أن لا إله إلا اللّه)

قال: نعم،

قال: (أتشهد أن محمدا رسول اللّه)

قال: نعم،

قال: (يا بلال، أذن فى الناس فليصوموا) (٢) ، رواه أبو داود والترمذى والنسائى. والمراد فى قوله- صلى اللّه عليه وسلم- فى الحديث السابق: (إذا رأيتموه) رؤية بعض المسلمين، ولا يشترط رؤية كل إنسان بل يكفى جميع الناس رؤية عدل على الأصح فى مذهبنا. وهذا فى الصوم، وأما فى الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء، إلا أبا ثور فجوزه بعدل.

قال الأسنوى: إذا قلنا بالعدل الواحد فى الصوم فلا خلاف أنه لا

__________

(١) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٣٤٢) فى الصوم، باب: فى شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-.

(٢) صحيح: أخرجه النسائى (٤/ ١٣٢) فى الصيام، باب: قبول شهادة الرجل الواحد على هلال رمضان. من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-، .

يتعدى إلى غيره، فلا يقع به الطلاق والعتق المعلقين بدخول رمضان، ولا يحل به الدين المؤجل، ولا يتم به حول الزكاة، كذا أطلقه الرافعى هنا نقلا عن البغوى، وأقره وتبعه عليه فى الروضة، وصورته: فيما إذا سبق التعليق على الشهادة، فإن وقعت الشهادة أولا، وحكم الحاكم بدخول رمضان ثم جرى التعليق فإن الطلاق والعتق يقعان. كذا نقله القاضى حسين فى تعليقه عن ابن سريج وقال الرافعى: فى الباب الثانى من كتاب الشهادات: إنه القياس، انتهى.

الفصل الرابع فيما كان يفعله ص وهو صائم

عن ابن عباس: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- احتجم وهو صائم (١) . رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى. واعلم أن الجمهور أجمعوا على عدم الفطر بالحجامة مطلقا. وعن على وعطاء والأوزاعى وأحمد وإسحاق وأبى ثور: يفطر الحاجم والمحجوم، وأوجبوا عليهما القضاء. وشذ عطاء فأوجب الكفارة أيضا. وقال بقول أحمد، من الشافعية: ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان.

ونقل الترمذى عن الزعفرانى: أن الشافعى علق القول به على صحة الحديث. قال الترمذى: كان الشافعى يقول ذلك ببغداد، وأما بمصر فمال إلى الرخصة. انتهى.

وقال الشافعى فى (اختلاف الحديث) ، بعد أن أخرج حديث شداد (كنا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى زمان الفتح، فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان. فقال- وهو آخذ بيدى-: أفطر الحاجم والمحجوم) (٢) ثم ساق حديث ابن عباس (أنه- صلى اللّه عليه وسلم- احتجم وهو صائم) (٣)

قال: وحديث ابن

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٣٨) فى الصوم، باب: الحجامة والقئ للصائم، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما- وليس فى مسلم احتجم وهو صائم.

(٢) عزاه صاحب (كنز العمال) لابن جرير، انظر (الكنز) (٢٤٣٣٧) .

(٣) تقدم.

عباس أمثلهما إسنادا، فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلىّ احتياطا، والقياس مع حديث ابن عباس. والذى أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة، انتهى.

وأول بعضهم حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) أن المراد به أنهما سيفطران، كقوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً (١) ، أى ما يؤول إليه.

ولا يخفى بعد هذا التأويل. وقال البغوى فى (شرح السنة) معناه: أى تعرضا للإفطار، أما الحاجم فإنه لا يأمن من وصول شئ من الدم إلى جوفه عند مصه، وأما المحجوم فإنه لا يأمن من ضعف قوته بخروج الدم، فيؤول أمره إلى أن يفطر.

وقيل: معنى أفطرا: فعلا مكروها وهو الحجامة، فصارا كأنهما غير متلبسين بالعبادة.

وقال ابن جزم: صح حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبى سعيد (أرخص النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى الحجامة للصائم) (٢) وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة، سواء كان حاجما أو محجوما. انتهى.

والحديث المذكور، أخرجه النسائى وابن خزيمة والدار قطنى، ورجاله ثقات، ولكن اختلف فى رفعه ووقفه، وله شاهد من حديث أنس عند الدار قطنى ولفظه (أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبى طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ف

قال: (أفطر هذان) ، ثم أرخص رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بعد فى الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم. ورواته كلهم من رجال البخارى إلا أن فى المتن ما ينكر، لأن فيه أن ذلك كان فى الفتح، وجعفر كان قتل قبل ذلك.

ومن أحسن ما ورد فى ذلك، ما رواه عبد الرزاق وأبو داود عن

__________

(١) سورة يوسف: ٣٦.

(٢) رواه البزار والطبرانى فى الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح، قاله الهيثمى فى (المجمع) (٣/ ١٧٠) .

عبد الرحمن بن أبى ليلى عن رجل من أصحاب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: نهى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه (١) . وإسناده صحيح، والجهالة بالصحابى لا تضر، ورواه ابن أبى شيبة عن وكيع عن الثورى بلفظ (عن أصحاب محمد- صلى اللّه عليه وسلم- قالوا: إنما نهى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عن الحجامة للصائم وكرهها للضعف) (٢) أى لئلا يضعف. انتهى ملخصا من فتح البارى واللّه أعلم.

وقالت عائشة: (كان- صلى اللّه عليه وسلم- يقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت) (٣) رواه البخارى ومسلم ومالك وأبو داود.

قالت: (وكان أملككم لإربه) (٤) أى لحاجته، تعنى أنه كان غالبا لهواه. قال ابن الأثير: أكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء، يعنون به الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلان:

أحدهما: أنه الحاجة يقال فيها؛ الأرب، والإرب، والإربة والمأربة،

والثانى: أرادت به العضو، وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة، انتهى. فمذهب الشافعى والأصحاب: أن القبلة ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى تركها، وأما من حركت شهوته فهى حرام فى حقه على الأصح عند أصحابنا.

وقوله: (فضحكت) قيل: يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف هذا،

وقيل: تعجبت من نفسها، إذ حدثت بمثل هذا مما يستحى من ذكر النساء مثله للرجال، ولكنها ألجأتها الضرورة فى تبليغ العلم إلى ذكر ذلك، وقد يكون خجلا لإخبارها عن نفسها بذلك، أوتنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون ذلك أبلغ فى الثقة بها، أو سرورا بمكانتها من النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ومحبته لها.

__________

(١) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٣٧٤) فى الصوم، باب: فى الرخصة فى ذلك، عن عبد الرحمن ابن أبى ليلى عن رجل من أصحاب النبى- صلى اللّه عليه وسلم-.

(٢) انظره: فى (فتح البارى) (٤/ ١٧٨) .

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٢٧) فى الصوم، باب: المباشرة للصائم، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٤) تقدم فى الذى قبله.

وقد روى ابن أبى شيبة عن شريك عن هشام فى هذا الحديث:

(فضحكت فظننا أنها هى) (١) . وروى النسائى عنها

قالت: أهوى إلىّ النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ليقبلنى فقلت: إنى صائمة، ف

قال: (وأنا صائم فقبلنى) (٢) . وقد روى أبو داود عن عائشة أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان يقبلها ويمص لسانها، يعنى وهو صائم (٣) . وإسناده .....، ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذى خالط ريقها.

وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يكتحل بالإثمد وهو صائم (٤) . رواه البيهقى من رواية محمد بن عبد اللّه بن أبى رافع عن أبيه عن جده. ثم

قال: إن محمدا هذا ليس بالقوى، وثقه الحاكم

وأخرج له فى مستدركه. وقالت أم سلمة: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصبح جنبا من جماع لا حلم، ثم لا يفطر ولا يقضى (٥) . رواه البخارى ومسلم.

قال القرطبى: فى هذا الحديث فائدتان:

إحداهما: أنه كان يجامع فى رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز،

الثانية: أن ذلك كان من جماع لا من احتلام، لأنه كان لا يحتلم، إذ الاحتلام من الشيطان، وهو معصوم منه، وقال غيره فى قولها: (من غير الاحتلام) إشارة إلى جواز الاحتلام عليه، وإلا لما كان لاستثنائه معنى.

وردّ: بأن الاحتلام من الشيطان، وهو معصوم منه. و

أجيب: بأن الاحتلام يطلق على الإنزال، وقد يقع الإنزال بغير رؤية شئ فى المنام.

__________

(١) إخرجه ابن أبى شيبة فى (مصنفه) (٢/ ٣١٤) من الطريق المذكور.

(٢) أخرجه أحمد (٦/ ٢٦٩) من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٣) أخرجه أبو داود (٢٣٨٦) فى الصوم، باب: الصائم يبلغ الريق. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها- .

(٤) أخرجه الطبرانى فى الكبير، والبيهقى فى (السنن) عن أبى رافع، كما فى (..... الجامع) (٤٥٩٩) .

(٥) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٣٠) فى الصوم، باب: اغتسال الصائم، ومسلم (١١٠٩) فى الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، من حديث أم سلمة- رضى اللّه عنها-.

وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة فى الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدا، يفطر. انتهى. وقال عامر بن ربيعة: رأيته- صلى اللّه عليه وسلم- يستاك وهو صائم ما لا أعد ولا أحصى (١) . رواهأبو داود والترمذى.

الفصل الخامس فى وقت إفطاره ص

عن عبد اللّه بن أبى أوفى

قال: (كنا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى سفر فى شهر رمضان، فلما غابت الشمس

قال: (يا بلال انزل فاجدح لنا)

قال: يا رسول اللّه، إن عليك نهارا،

قال: (انزل فاجدح لنا) ،

قال: فنزل فجدح فأتى به فشرب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ثم قال بيده: (إذا غابت الشمس من ها هنا، وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم) (٢) رواه البخارى ومسلم. والجدح- بجيم ثم حاء مهملة- خلط الشئ بغيره. والمراد: خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوى.

ومعنى الحديث: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- وأصحابه كانوا صياما، فلما غربت الشمس أمره- صلى اللّه عليه وسلم- بالجدح ليفطروا، فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التى تبقى معه بعد غروب الشمس، فظن أن الفطر لا يحصل إلا بعد ذهاب ذلك، واحتمل عنده أنه- صلى اللّه عليه وسلم- لم يردها، فأراد تذكيره وإعلامه بذلك، ويؤيد هذا قوله: إن عليك نهارا، لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذى يجب صومه، وهو معنى قوله فى الرواية الآخرى: (لو أمسيت) وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده على أن ذلك نهار يحرم الأكل فيه، مع تجويزه أنه

__________

(١) أخرجه أبو داود (٢٣٦٤) فى الصوم، باب: السواك والصائم، والترمذى (٧٢٥) فى الصوم، باب: ما جاء فى السواك للصائم. من حديث عامر بن ربيعة بن كعب- رضى اللّه عنه- .

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٤١) فى الصوم، باب: الصوم فى السفر والإفطار، ومسلم (١١٠١) فى الصيام، باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار، من حديث عبد اللّه ابن أبى أوفى- رضى اللّه عنه-.

- صلى اللّه عليه وسلم- لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما، فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء واللّه أعلم. قاله النووى.

الفصل السادس فيما كان ص يفطر عليه

عن أنس: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يفطر قبل أن يصلى على رطبات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد تمرات حسا حسوات من ماء (١) . رواه أبو داود. وإنما خص- صلى اللّه عليه وسلم- الفطر بما ذكر لأن إعطاء الطبيعة الشئ الحلو مع خلو المعدة ادعى إلى قبوله وانتفاع القوى به، لا سيما قوة البصر. وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى بالظمان الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده. قاله ابن القيم.

الفصل السابع فيما كان يقوله ص عند الإفطار

عن معاذ بن زهرة: بلغه أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان إذا أفطر

قال: (اللّهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) (٢) . وهو حديث مرسل، ومعاذ هذا ذكره البخارى فى التابعين لكن

قال: معاذ أبو زهرة- وتبعه ابن أبى حاتم وابن حبان- فى الثقات. وذكره يحيى بن يونس الشيرازى فى الصحابة، وغلطه جعفر المستغفرى. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون الحديث

__________

(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٦٩٦) فى الصوم، باب: ما جاء فيما يستحب عليه الإفطار، من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه- .

(٢) أخرجه أبو داود (٢٣٥٨) فى الصوم، باب: القول عند الإفطار. من حديث معاذ بن زهرة بلاغا، وانظر (..... الجامع) (٤٣٤٩) .

موصولا، ولو كان معاذ تابعيّا، لاحتمال أن يكون الذى بلغه له صحابيّا.

قال: وبهذا الاعتبار أورده أبو داود فى السنن، وبالاعتبار الآخر أورده فى المراسيل.

وخرج ابن السنى والطبرانى فى المعجم الكبير، بسند واه جدّا، عن ابن عباس: كان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا أفطر

قال: (اللّهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، فتقبل منى إنك أنت السميع العليم) (١) . وعن ابن عمر: كان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا أفطر

قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء اللّه) (٢) ، رواه أبو داود. وزاد رزين: (الحمد للّه) فى أول الحديث.

وفى كتاب ابن السنى، عن معاذ بن زهرة

قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا أفطر

قال: (الحمد للّه الذى أعاننى فصمت ورزقنى فأفطرت) (٣) .

الفصل الثامن فى وصاله صلى اللّه عليه وسلم

عن ابن عمر: أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل،

قال: (إنى لست كهيئتكم، إنى أطعم وأسقى) (٤) . رواه البخارى ومسلم.

وللبخارى: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- واصل، فواصل الناس فشق عليهم، فنهاهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يواصلوا، قالوا: إنك تواصل،

قال: (لست كهيئتكم، إنى أظل أطعم وأسقى) . وفى رواية أنس: واصل- صلى اللّه عليه وسلم- فى آخر شهر

__________

(١) أخرجه الطبرانى فى الكبير، وابن السنى كما فى (..... الجامع) (٤٣٥٠) .

(٢) حسن: أخرجه أبو داود (٢٣٥٧) فى الصوم، باب: القول عند الإفطار. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-، .

(٣) أخرجه ابن السنى، والبيهقى فى شعب الإيمان عن معاذ، كما فى (..... الجامع) (٤٣٤٨) .

(٤) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٢٢) فى الصوم، باب: بركة السحور من غير إيجاب، أخرجه مسلم (١١٠٢) فى الصيام، باب: النهى عن الوصال فى الصوم. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-.

رمضان، فواصل ناس من المسلمين فبلغه ذلك

فقال: (لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم، إنكم لستم مثلى) - أو

قال: (لست مثلكم- إنى أظل يطعمنى ربى ويسقينى) . وفى رواية: (لا تواصلوا) ، قالوا: إنك تواصل،

قال: (لست كأحد منكم، إنى أطعم وأسقى) (١) . رواه البخارى ومسلم.

والمتعمقون: هم المتشددون فى الأمر، المجاوزون الحدود فى قول أو فعل. وفى رواية سعيد بن منصور وابن أبى شيبة من مرسل الحسن: (إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى) . وعن عائشة

قالت: نهاهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- عن الوصال، رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل. ف

قال: (إنى لست كهيئتكم، إنى يطعمنى ربى ويسقينى) . رواه البخارى ومسلم إلا أن البخارى قال (نهى) ولم يقل: نهاهم. وعن أبى هريرة

قال: نهى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- عن الوصال فى الصوم، فأبوا فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: (لو تأخر لزدتكم) كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا، رواه البخارى.

والوصال: هو عبارة عن صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: وقد اختلف فى معنى قوله (يطعمنى ربى ويسقينى) .

فقيل: هو على حقيقته، وأنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يؤتى بطعام وشراب من عند اللّه كرامة له فى ليالى صيامه. وتعقب: بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا، وبأن قوله: (أظل) يدل على وقوع ذلك بالنهار، فلو كان الأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما.

وأجيب: بأن الراجح من الروايات لفظ (أبيت) دون (أظل) وعلى تقدير ثبوتها فهى محمولة على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ، لأن المتحدث عنه هو الإمساك ليلا لا نهارا، وأكثر الروايات إنما هو (أبيت) فكأن بعض الرواة عبر عنها ب (أظل) نظرا إلى اشتراكهما فى مطلق الكون. يقولون

__________

(١) تقدم فى الذى قبله.

كثيرا: أضحى فلان كذا، ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضحى، ومنه

قوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (١) فإن المراد به مطلق الوقت، ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل، وليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى من حمل لفظ (أظل)على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شئ من ذلك، لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجرى عليه أحكام المكلفين فيه، كما غسل صدره الشريف فى طست الذهب، مع أن استعمال أوانى الذهب الدنيوية محرمة.

وقال ابن المنير: الذى يفطر شرعا إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى، وليس تعاطيه من جنس الأعمال، وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة فى الجنة، والكرامة لا تبطل العادة.

وقال غيره: لا مانع من حمل الطعام والشراب على حقيقتهما، وأكله وشربه فى الليل لا يقطع وصاله خصوصية له بذلك، فكأنه لما قيل له: إنك تواصل،

قال: (إنى لست فى ذلك كهيئتكم) ، أى على صفتكم فى أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله، بل إنما يطعمنى ربى ويسقينى ولا ينقطع بذلك مواصلتى، فطعامى وشرابى على غير طعامكم وشرابكم صورة ومعنى.

وقال الجمهور: هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة، فكأنه

قال: يعطينى قوة الآكل والشارب، ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب، ويقوى على أنواع الطاعة من غير ضعف فى القوة. أو المعنى: أن اللّه يخلق فيه من الشبع والرى ما يغنيه عن الطعام والشراب، ولا يحس بجوع ولا عطش.

والفرق بينه وبين

الأول: أنه على الأول يعطى القوة من غير شبع ولا رى، بل مع الجوع والظمأ، وعلى

الثانى: يعطى القوة مع الشبع والرى.

ورجح الأول بأن الثانى ينافى حال الصائم ويفوت المقصود من الصوم

__________

(١) سورة النحل: ٥٨.

والوصال، لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها. قال القرطبى: ويبعده النظر إلى حاله- صلى اللّه عليه وسلم- فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجر.

انتهى.

ويحتمل كما قاله ابن القيم فى (الهدى) وابن رجب فى اللطائف- أن يكون المراد به ما يغذيه اللّه به من معارفه، وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه، ونعيمه بحبه والشوق إليه، وتوابع ذلك من الأحوال التى هى غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين، وبهجة النفوس، فللروح والقلب بها أعظم غذاء وأجله وأنفعه، وقد يغنى هذا الغذاء عن غذاء الأجسام مدة من الزمان كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشارب وتلهيها عن الزاد

إذا اشتكت من كلال السير أو عدها ... روح القدوم فتحيا عند ميعاد

ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيوانى، ولا سيما الفرحان الظافر بمطلوبه الذى قد قرت عينه بمحبوبه، وتنعم بقربه والرضا عنه، وألطاف محبوبه ... مكرم له غاية الإكرام مع الحب التام، أفليس هذا من أعظم غذاء لهذا المحب، فكيف بالحبيب الذى لا شئ أعظم منه ولا أجل ولا أجمل ولا أكمل ولا أعظم إحسانا، أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلا ونهارا، ولهذا

قال: إنى أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى. انتهى.

وحكى النووى فى شرح المهذب، كما قاله فى شرح تقريب الأسانيد:

أن معناه أن محبة اللّه تشغلنى عن الطعام والشراب.

قال: والحب البالغ يشغل عنهما. انتهى.

فإن قلت: لم آثر اسم الرب دون اسم الذات المقدسة فى قوله: (يطعمنى ربى) دون أن يقول: يطعمنى اللّه؟

أجيب: بأن التجلى باسم الربوبية أقرب إلى العباد من الإلهية، لأنه تجلى عظمة لا طاقة للبشر بها، وتجلى الربوبية تجلى رحمة وشفقة.

وقد اختلف الناس فى الوصال لنا، هل هو جائز أو محرم أو مكروه؟

فقال طائفة: إنه جائز إن قدر عليه، وهذا يروى عن عبد اللّه بن الزبير وغيره من السلف، وكان ابن الزبير يواصل الأيام، وروى ابن أبى شيبة بإسناد صحيح أنه كان يواصل خمسة عشر يوما، وذكر معه من الصحابة أيضا أخت أبى سعيد، ومن التابعين عبد الرحمن بن أبى معمر، وعامر بن عبد اللّه بن الزبير، وإبراهيم بن يزيد التيمى، وأبا الجوزاء، كما نقله أبو نعيم فى الحلية.

ومن حجتهم أنه- صلى اللّه عليه وسلم- واصل بأصحابه بعد النهى، فلو كان النهى للتحريم لما أقرهم على فعله، فعلم أنه أراد بالنهى الرحمة لهم والتخفيف عنهم، كما صرحت به عائشة فى حديثها، فمن لم يشق عليه ولم يقصد موافقته أهل الكتاب فى تأخيرهم الفطر. ولا رغب عن السنة فى تعجيل الفطر لم يمنع من الوصال.

ومن أدلة الجواز أيضا: إقدام الصحابة عليه بعد النهى، فدل على أنهم فهموا أن النهى للتنزيه لا للتحريم، وإلا لما قدموا عليه. وقال الأكثرون: لا يجوز الوصال، وبه قال مالك وأبو حنيفة، ونصالشافعى وأصحابه على كراهته، ولهم فى هذه الكراهة وجهان: أصحهما: أنها كراهة تحريم،

والثانى: أنها كراهة تنزيه. واختار ابن وهب وأحمد بن حنبل وإسحاق جواز الوصال إلى السحر، لحديث أبى سعيد عند البخارى: (عنه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) (١) ، وهذا الوصال لا يترتب عليه شئ مما يترتب على غيره، لأنه فى الحقيقة بمنزلة عشائه، إلا أنه يؤخره، لأن الصائم له فى اليوم والليلة أكلة، فإذا أكلها فى السحر كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره، وكان أخف لجسمه فى قيام الليل، ولا يخفى أن محل ذلك ما لم يشق على الصائم، وإلا فلا يكون قربة.

وقد صرح فى الحديث بأن الوصال من خصائصه- صلى اللّه عليه وسلم-

__________

(١) أخرجه الدارمى (١٧٠٥) فى الصوم، باب: النهى عن الوصال فى الصوم. من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى اللّه عنه-.

فقال: (إنى لست كهيئتكم) . وفى الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب

قال: قال- صلى اللّه عليه وسلم-: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) (١) قالوا: فجعله مفطرا حكما بدخول وقت الفطر وإن لم يفطر، وذلك يحيل الوصال شرعا. واحتج الجمهور للتحريم: بعموم النهى فى قوله- صلى اللّه عليه وسلم-:

(لا تواصلوا) وأجابوا عن قوله (رحمة) بأنه لا يمنع ذلك كونه منهيا عنه للتحريم، وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم،

وأما الوصال بهم يوما ثم يوما، فاحتمل للمصلحة فى تأكيد زجرهم وبيان الحكمة فى نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال، وهى الملل من العبادة، والتعرض للتقصير فى بعض وظائف الدين، من إتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها، وسائر الوظائف المشروعة فى نهاره وليله. وأجابوا أيضا بقوله- صلى اللّه عليه وسلم-:

(إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم) إذ لم يجعل الليل محلّا لسوى الفطر، فالصوم فيه مخالف لوضعه. وروى الطبرانى فى الأوسط من حديث أبى ذر أن جبريل قال للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (إن اللّه قد قبل وصالك، ولا يحل لأحد بعدك) . ولكن إسناده ليس بصحيح ولا حجة فيه.

الفصل التاسع فى سحوره صلى اللّه عليه وسلم

عن أبى هريرة عن رجل من أصحاب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: دخلت على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وهو يتسحر ف

قال: (إنها بركة أعطاكم اللّه إياها فلا تدعوه) (٢) . رواه النسائى. وعن العرباض بن سارية

قال: دعانى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إلى السحور فى رمضان

قال: (هلم إلى الغداء المبارك) (٣) . رواه

__________

(١) تقدم.

(٢) صحيح: أخرجه النسائى (٤/ ١٤٥) فى الصيام، باب: فضل السحور، من حديث عبد اللّه بن الحارث عن رجل من أصحاب النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. .

(٣) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٣٤٤) فى الصوم، باب: من سمى السحور الغداء، والنسائى (٤/ ١٤٦) فى الصيام، باب: تسمية السحور غداء. من حديث خالد بن معدان- رضى اللّه عنه-.

أبو داود والنسائى. وعن أنس

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وذلك عند السحور-: (يا أنس إنى أريد الصيام فأطعمنى شيئا) ، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعد ما أذن بلال،

قال: (يا أنس انظر رجلا يأكل معى) فدعوت زيد بن ثابت فجاء ف

قال: إنى أريد شربة سويق وأنا أريد الصيام، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (وأنا أريد الصيام) فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة (١) . رواه النسائى. وعن زر بن حبيش: قلنا لحذيفة: أى ساعة تسحرت مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم

قال: (هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع) (٢) رواه النسائى أيضا. وعن زيد بن ثابت

قال: تسحرنا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ثم قمنا إلى الصلاة. قال أنس بن مالك: قلت: كم كان قدر ما بينهما؟

قال: قدر خمسين آية (٣) . رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى.

والمراد آية متوسطة، لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة. قال ابن أبى جمرة: كان- صلى اللّه عليه وسلم- ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله، لأنه لو لم يتسحر لا تبعوه فشق على بعضهم، ولو تسحر فى جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم، فقد يفضى إلى ترك الصبح، أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر. وقال القرطبى: فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر، فهو معارض لقول حذيفة (هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع) . انتهى. وأجاب فى فتح البارى: بأن لا معارضة، بل يحمل على اختلاف الحال، فليس فى رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة.

__________

(١) صحيح الإسناد: أخرجه النسائى (٤/ ١٤٧) فى الصيام، باب: السحور بالسويق والتمر، من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-.

(٢) حسن الإسناد: أخرجه النسائى (٤/ ١٤٢) فى الصيام، باب: تأخير السحور وذكر الاختلاف على زر فيه. من حديث حذيفة بن اليمان- رضى اللّه عنه-.

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٢١) فى الصوم، باب: قدر كم بين السحور وصلاة الفجر، ومسلم (١٠٩٧) فى الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره، من حديث أنس عن زيد بن ثابت- رضى اللّه عنه-.

الفصل العاشر فى إفطاره ص فى رمضان فى السفر وصومه

عن جابر أن رسول اللّه خرج عام الفتح إلى مكة فى رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، وصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، ف

قال: (أولئك العصاة، أولئك العصاة) . زاد فى رواية: فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينتظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر. رواه مسلم. وعن ابن عباس

قال: سافر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارا ليراه الناس، وأفطر حتى قدم مكة. وكان ابن عباس يقول صام رسول اللّه-صلى اللّه عليه وسلم- فى السفر وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر (١) ، رواه البخارى ومسلم.

ولمسلم: أن ابن عباس كان لا يعيب على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى السفر وأفطر.

قال النووى- رحمه اللّه-:

اختلف العلماء فى صوم رمضان فى السفر.

فقال بعض أهل الظاهر: لا يصح صوم رمضان فى السفر، فإن صامه لم ينعقد، ويجب قضاؤه، لظاهر الآية (٢) ولحديث (ليس من البر الصيام فى السفر) (٣) . وفى الحديث الآخر (أولئك العصاة) (٤) .

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٤٢٧٩) فى المغازى، باب: غزوة الفتح فى رمضان، ومسلم (١١١٣) فى الصيام، باب: جواز الصوم والفطر فى شهر رمضان للمسافر. من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-.

(٢) سورة البقرة: ١٨٤.

(٣) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٤٠٧) فى الصوم، باب: اختيار الفطر. من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-.

(٤) تقدم.

وقال جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه فى السفر، وينعقد ويجزيه، واختلفوا فى أن الصوم أفضل أم الفطر أم هما سواء؟ فقال مالك وأبو حنيفة والشافعى والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر، فإن تضرر به فالفطر أفضل، واحتجوا بصومه- صلى اللّه عليه وسلم-، ولأنه يحصل به براءة الذمة فى الحال.

وقال سعيد بن المسيب والأوزاعى وأحمد وإسحاق وغيرهم: الفطر أفضل مطلقا، وحكاه بعض أصحابنا قولا للشافعى، وهو غريب، واحتجوا بما سبق لأهل الظاهر، وبقوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (هى رخصة من اللّه فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) (١) وظاهره ترجيح الفطر.

وأجاب الأكثرون: بأن هذا كله فيمن يخاف ضررا، أو يجد مشقة، كما هو صريح فى الأحاديث، واعتمدوا حديث أبى سعيد الخدرى

قال: (كنا نغزوا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، ولا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن) ، وهذا صريح فى ترجيح مذهب الأكثرين، وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة. وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء لتعادل الأحاديث.

والصحيح: قول الأكثرين، واللّه أعلم.

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (١١٢١) فى الصيام، باب: التخيير فى الصوم والفطر فى السفر. من حديث حمزة بن عمرو الأسلمى- رضى اللّه عنه-.