٩-٤ القسم الثانى فى صلاته ص النوافل وأحكامها وفيه بابان:الباب الأول فى النوافل المقرونة بالأوقات وفيه فصلان:الفصل الأول فى رواتب الصلوات الخمس والجمعةالفرع الأول: فى أحاديث جامعة لرواتب مشتركة عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى قبل الظهر، ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين فى بيته، وبعد صلاة العشاء ركعتين، وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى فى بيته ركعتين (١) . قال: وأخبرتنى حفصة أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح، وبدا له الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة (٢) . رواه البخارى. فهذه عشر ركعات، لأن الركعتين بعد الجمعة لا يجتمعان مع الركعتين بعد الظهر، إلا لعارض، بأن يصلى الجمعة وسنتها التى __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٨٨٥) فى الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة وقبلها، ومسلم (١٤٦١) فى الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٥٨٣) فى الأذان، باب: الأذان بعد الفجر، ومسلم (١١٨٤) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتى سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما، من حديث حفصة- رضى اللّه عنها-. بعدها، ثم يتبين له فسادها فيصلى الظهر ويصلى بعدها سنتها كما نبه عليه الشيخ ولى الدين العراقى. واختلف فى دلالة (كان) على التكرار، وصحح ابن الحاجب أنها تقتضيه، قال: وهذا استفدناه من قولهم: كان حاتم يقرى الضيف، وصحح الإمام فخر الدين فى (المحصول) أنها لا تقتضيه، لا لغة ولا عرفا، و قال النووى فى شرح مسلم، إنه المختار الذى عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين. وذكر ابن دقيق العيد أنها تقتضيه عرفا. فعلى هذا: ففى الحديث دلالة على تكرار هذه النوافل من النبى-صلى اللّه عليه وسلم- وأنه كان دأبه وعادته. وعن عائشة: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى فى بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلى بالناس، ثم يدخل فيصلى ركعتين، وكان يصلى بالناس المغرب ثم يدخل فيصلى ركعتين، ثم يصلى بالناس العشاء ويدخل بيتى فيصلى ركعتين، الحديث، وفى آخره: وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين (١) . رواه مسلم، فهذه ثنتا عشرة ركعة. وعنها: كان- صلى اللّه عليه وسلم- لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة (٢) . وفى رواية: لم يكن يتركهما سرّا وعلانية، فى سفر ولا حضر ركعتان قبل الصبح وركعتان بعد العصر (٣) . رواه البخارى ومسلم. الفرع الثانى: فى ركعتى الفجر قالت عائشة: لم يكن- صلى اللّه عليه وسلم- على شئ من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتى الفجر (٤) . رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى. __________ (١) صحيح: أخرجه مسلم (١٢٠١) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (١١١٠) فى الجمعة، باب: الركعتين قبل الظهر، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٥٩٢) فى مواقيت الصلاة، باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها، ومسلم (٨٣٥) فى صلاة المسافرين، باب: معرفة الركعتين اللتين كان يصليها النبى بعد العصر، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٤) صحيح: أخرجه البخارى (١١٦٢) فى الجمعة، باب: تعاهد ركعتى الفجر ومن سماهما تطوعا، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. ولمسلم (لهما أحب إلىّ من الدنيا جميعا) (١) وكان يصليهما إذا سكت المؤذن بعد أن يستنير الفجر ويخففهما (٢) . رواه الشيخان وهذا لفظ النسائى. واختلف فى حكمة تخفيفهما فقيل: ليبادر إلى صلاة الصبح فى أول الوقت، وبه جزم القرطبى، وقيل: ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين، كما كان يصنع فى صلاة الليل كما تقدم، ليدخل فى الفرض أو ما شابهه فى الفضل بنشاط واستعداد تام. وقد ذهب بعضهم إلى إطالة القراءة فيهما، وهو قول أكثر الحنفية، ونقل عن الشعبى، وأورد البيهقى فيه حديثا مرفوعا من مرسل سعيد بن جبير، وفى سنده راو لم يسم، وخص بعضهم ذلك بمن فاته شئ من قراءته فى صلاة الليل، فيستدركها فى ركعتى الفجر، وأخرجه ابن أبى شيبة بسند صحيح عن الحسن البصرى. كان كثيرا ما يقرأ فى الأولى منهما قُولُوا آمَنَّا بِاللّه وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا (٣) الآية التى فى البقرة، وفى الآخرة قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إلى قوله: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٤)(٥) . رواه مسلم وأبو داود والنسائى من رواية ابن عباس. وفى رواية أبى داود، من حديث أبى هريرة قُولُوا آمَنَّا بِاللّه وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا (٦) فى الركعة الأولى، وبهذه الآية رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ __________ (١) صحيح: أخرجه مسلم (٧٢٥) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتى سنة الفجر والحث عليهما، والترمذى (٤١٦) فى الصلاة، باب: ما جاء فى ركعتى الفجر من الفضل، وقال: حديث عائشة: حديث حسن صحيح. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٧٢٤) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتى سنة الفجر والحث عليهما، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٣) سورة البقرة: ١٣٦. (٤) سورة آل عمران: ٦٤. (٥) صحيح: أخرجه مسلم (٧٢٧) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتى الفجر والحث عليهما، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-. (٦) سورة البقرة: ١٣٦. فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (١) أو إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (٢) قال أبو داود: شك الراوى (٣) . وقال أبو هريرة: قرأ فى ركعتى الفجر قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (٤) وقُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٥) (٦) رواه مسلم وأبو داود والترمذى. وقد روى ابن ماجه بإسناد قوى، عن عبد اللّه بن شقيق عن عائشة قالت: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى ركعتين قبل الفجر، وكان يقول: (نعم السورتان يقرأ بهما فى ركعتى الفجر قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (٧) وقُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٨) (٩) ) . ولابن أبى شيبة من طريق ابن سيرين عن عائشة: كان يقرأ فيهما بهما. وللترمذى والنسائى من حديث ابن عمر: رمقت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- شهرا فكان يقرأ بهما (١٠) . __________ (١) سورة آل عمران: ٥٣. (٢) سورة البقرة: ١١٩. (٣) حسن: أخرجه أبو داود (١٢٦٠) فى الصلاة، باب: فى تخفيفهما، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-. (٤) سورة الكافرون: ١. (٥) سورة الإخلاص: ١. (٦) صحيح: أخرجه مسلم (٧٢٦) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتى سنة الفجر والحث عليهما، والنسائى (٩٤٥) فى الافتتاح، باب: القراءة فى ركعتى الفجر بقل يا أيها الكافرون، وابن ماجه (١٤٤٨) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيما يقرأ فى الركعتين قبل الفجر، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-. (٧) سورة الكافرون: ١. (٨) سورة الإخلاص: ١. (٩) صحيح: أخرجه ابن ماجه (١١٥٠) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيما يقرأ فى الركعتين قبل الفجر، من حديث عبد اللّه بن شقيق عن عائشة- رضى اللّه عنها- . (١٠) صحيح: أخرجه الترمذى (٤١٧) فى الصلاة، باب: ما جاء فى تخفيف ركعتى الفجر- وقد استدل بعضهم بهذا على الجهر بالقراءة فى ركعتى الفجر، ولا حجة فيه، لاحتمال أن يكون ذلك عرف بقراءته بعض السورة، ويدل على ذلك فى رواية ابن سيرين المذكورة: (يسر فيهما القراءة) وصححه ابن عبد البر. واستدل بعضهم أيضا بهذه الأحاديث المذكورة، على أنه لا تتعين الفاتحة، لأنه لم يذكرها مع سورتى الإخلاص. و أجيب: بأنه ترك الفاتحة لوضوح الأمر فيها. انتهى. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن (١) . رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة. لأنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يحب التيمن، وقد قيل: الحكمة فيه أن القلب من جهة اليسار فلو اضطجع عليه لاستغرق نوما، لكونه أبلغ فى الراحة، بخلاف اليمين فيكون القلب معلقا فلا يستغرق، وهذا إنما يصح بالنسبة إلى غيره- صلى اللّه عليه وسلم- كما لا يخفى. وأما ما روى أن ابن عمر رأى رجلا يصلى ركعتى الفجر ثم اضطجع فقال: ما حملك على ما صنعت؟ ف قال: أردت أن أفصل بين صلاتى فقال له: وأى فصل أفضل من السلام، قال: فإنها سنة، قال: بل بدعة. رواه ابن الأثير فى جامعه عن رزين. وكذا ما روى من إنكار ابن مسعود، ومن قول إبراهيم النخعى: إنها ضجعة الشيطان، كما أخرجهما ابن أبى شيبة، فهو محمول على أنه لم يبلغهم الأمر بفعله. __________ وما كان النبى يقرأ فيهما، وابن ماجه (١١٤٩) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيما يقرأ فى الركعتين قبل الفجر. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-، وقال الترمذى: حديث حسن. (١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٣٦) فى الأذان، باب: من انتظر الإقامة، ومسلم (٧٣٦) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. وأرجح الأقوال مشروعيته للفصل، لكن لم يداوم- صلى اللّه عليه وسلم- عليها، ولذا احتج الأئمة على عدم الوجوب، وحملوا الأمر الوارد بذلك عند أبى داود وغيره على الاستحباب. وفائدة ذلك: الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وعلى هذا فلا يستحب ذلك إلا للتهجد. وبه جزم ابن العربى. ويشهد لهذا ما رواه عبد الرزاق أن عائشة كانت تقول: إن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- لم يضطجع لسنة، ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح. وفيه راو لم يسم. وقيل: فائدتها الفصل بين ركعتى الفجر وصلاة الصبح، وعلى هذا فلا اختصاص. ومن ثم قال الشافعى: إن السنة تتأدى بكل ما يحصل به الفصل من مشى وكلام وغيره، حكاه البيهقى. و قال النووى: المختار أنه سنة لظاهر حديث أبى هريرة، وقد قال أبو هريرة راوى الحديث: إن الفصل بالمشى إلى المسجد لا يكفى. وأفرط ابن حزم ف قال: يجب على كل أحد، وجعله شرطا لصحة صلاة الصبح، فرد عليه العلماء بعده، حتى طعن ابن تيمية فى صحة الحديث لتفرد عبد الواحد بن زياد به، وفى حفظه مقال، والحق: أنه تقوم به الحجة. وذهب بعض السلف إلى استحبابها فى البيت دون المسجد، وهو محكى عن ابن عمر. وقواه بعض شيوخنا، بأنه لم ينقل عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أنه فعله فى المسجد، وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله فى المسجد، أخرجه ابن أبى شيبة. وقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (من لم يصل ركعتى الفجر، فليصلهما بعد ما تطلع الشمس) (١) رواه الترمذى من رواية أبى هريرة. __________ (١) صحيح: أخرجه الترمذى (٤٢٣) فى الصلاة، باب: ما جاء فى إعادتها بعد طلوع الشمس، وعند ابن ماجه (١١٥٥) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر، ولفظه أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- نام عن ركعتى الفجر فقضاهما بعد ما طلعت الشمس وكلاهما من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-، قال الترمذى: حديث لا نعرفه. الفرع الثالث: فى راتبة الظهر عن ابن عمر: صليت مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها (١) . رواه البخارى ومسلم والترمذى. وعن عائشة: كان- صلى اللّه عليه وسلم- لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل صلاة الغداة (٢) . رواه البخارى أيضا: فإما أن يقال: إنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان إذا صلى فى بيته صلى أربعا، وإذا صلى فى المسجد صلى ركعتين، وهذا أظهر. وإما أن يقال: كان يفعل هذا وهذا، فحكى كل من عائشة وابن عمر ما شاهده، والحديثان صحيحان لا مطعن فى واحد منهما. وقال أبو جعفر الطبرى: الأربع كانت فى كثير من أحواله، والركعتان فى قليلها. انتهى. وقد يقال: إن الأربع التى قبل الظهر لم تكن سنة الظهر، بل هى صلاة مستقلة، كان يصليها بعد الزوال. وروى البزار من حديث ثوبان: إنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يستحب أن يصلى بعد نصف النهار، فقالت عائشة: يا رسول اللّه، أراك تستحب الصلاة هذه الساعة، قال: (تفتح فيها أبواب السماء، وينظر اللّه تعالى إلى خلقه بالرحمة، وهى صلاة كان يحافظ عليها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى) . وعن عبد اللّه بن السائب: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى أربعا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، و قال: (إنها ساعة تفتح لها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لى فيها عمل صالح) (٣) . رواه الترمذى. وروى الترمذى أيضا حديث __________ (١) تقدم. (٢) صحيح: أخرجه أبو داود (١٢٥٣) فى الصلاة، باب: تفريغ أبواب التطوع وركعات السنة، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٣) أخرجه الترمذى (٤٧٨) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الصلاة عند الزوال، من حديث عبد اللّه بن السائب- رضى اللّه عنه-، قال الترمذى: حديث عبد اللّه بن السائب حديث حسن غريب. (أربع قبل الظهر وبعد الزوال تحسب بمثلهن فى السحر وما من شئ إلا وهو يسبح اللّه تعالى تلك الساعة) ثم قرأ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً للّه وَهُمْ داخِرُونَ (١) (٢) . فهذه- واللّه أعلم- هى الأربع التى أرادت عائشة أنه كان لا يدعهن. وأما سنة الظهر فالركعتان التى قال ابن عمر. ويوضح هذا أن سائر الصلوات سنتها ركعتان، وعلى هذا فتكون هذه الأربع وردا مستقلا، سببه انتصاف النهار وزوال الشمس. وسر هذا- واللّه أعلم- أن انتصاف النهار مقابل لانتصاف الليل، وأبواب السماء تفتح بعد زوال الشمس، ويحصل النزول الإلهى بعد انتصاف الليل، فهما وقت قرب رحمة، هذا فيه تفتح أبواب السماء، وهذا ينزل فيه الرب تبارك وتعالى عن حركة الأجسام. الفرع الرابع فى سنة العصر عن على: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى قبل العصر ركعتين (٣) . رواه أبو داود. وعن على أيضا: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين (٤) . رواه الترمذى. وروى مرفوعا أيضا حديث (رحم اللّه امرأ صلى قبل العصر أربعا) (٥) . __________ (١) سورة النحل: ٤٨. (٢) أخرجه الترمذى (٣١٢٨) فى تفسير القرآن، باب: ومن سورة النحل. من حديث عمر بن الخطاب- رضى اللّه عنه-، قال الترمذى: حديث غريب. (٣) أخرجه أبو داود (١٢٧٢) فى الصلاة، باب: الصلاة قبل العصر، من حديث على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه-. (٤) حسن: أخرجه الترمذى (٤٢٩) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الأربع قبل العصر، والنسائى (٨٧٤) فى الإمامة، باب: الصلاة قبل العصر. من حديث على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه- قال الترمذى: حديث حسن. (٥) أخرجه أبو داود (١٣٧١) فى الصلاة، باب: الصلاة قبل العصر، والترمذى (٤٣٠) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الأربع قبل العصر، من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-: صحيح لكن البخارى جعل قوله: فتوفى رسول اللّه.. من كلام الزهرى. وقالت عائشة: ما كان- صلى اللّه عليه وسلم- يأتينى فى يومى بعد العصر إلا صلى ركعتين (١) ، وفى رواية: ما ترك ركعتين بعد العصر عندى قط (٢) . رواه البخارى ومسلم. ولمسلم: أن أبا سلمة سألها عن السجدتين اللتين كان يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما ونسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، تعنى داوم عليها (٣) . ولأبى داود، قالت: كان يصلى بعد العصر ركعتين وينهى عنهما، ويواصل وينهى عن الوصال (٤) . وقال ابن عباس: إنما صلى- صلى اللّه عليه وسلم- ركعتين بعد العصر، لأنه اشتغل بقسمة مال أتاه عن الركعتين اللتين بعد الظهر فقضاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما (٥) . رواه الترمذى. وقالت أم سلمة: سمعته- صلى اللّه عليه وسلم- ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، ثم سألته عنهما ف قال: (إنه أتانى من عبد القيس بالإسلام فشغلونى عن الركعتين بعد الظهر، فهما هاتان) ، الحديث. وفيه: أن ابن عباس قال: كنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عنهما (٦) . __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٥٩٣) فى مواقيت الصلاة، باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت، من حديث عائشة وتقدم أكثر من مرة. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٨٣٥) فى صلاة المسافرين، باب: معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبى بعد العصر. من حديث عائشة وقد تقدم فى الذى قبله. (٣) تقدم فى الذى قبله. (٤) صحيح: أخرجه أبو داود (١٣٨٠) فى الصلاة، باب: من رخص فيها إذا كانت الشمس مرتفعة، من حديث عائشة وقد تقدم فى الذى قبله. (٥) أخرجه الترمذى (١٨٤) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الصلاة بعد العصر، من حديث ابن عباس. قال الترمذى: حديث حسن. (٦) صحيح: أخرجه البخارى (١٢٣٣) فى الجمعة، باب: إذا كلم وهو يصلى فأشار بيده واستمع، ومسلم (٨٣٤) فى صلاة المسافرين، باب: معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبى بعد العصر. من حديث أم سلمة- رضى اللّه عنها-. قال ابن القيم: قضاء السنن الرواتب فى اوقات النهى عام له ولأمته، وأما المداومة على تلك الركعتين فى وقت النهى فخاص به، قال: وقد عد هذا من خصائصه. انتهى. والدليل عليه رواية عائشة: كان يصلى ركعتين بعد العصر وينهى عنهما ويواصل وينهى عن الوصال. لكن قال البيهقى: الذى اختص به- صلى اللّه عليه وسلم- المداومة على ذلك، لا أصل القضاء. وأما رواية ابن عباس عند الترمذى: أنه إنما صلاهما بعد العصر لأنه اشتغل بقسمة مال أتاه. فهو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه بعد اختلاطه، وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة، لكن ظاهر قوله: (ثم لم يعد) معارض لحديث عائشة المذكور فى الباب، فيحمل النفى على نفى علم الراوى، فإنه لم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافى. وكذا ما رواه النسائى من طريق أبى سلمة، عن أم سلمة: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى فى بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة (١) ، الحديث، وفى رواية له عنها: لم أره يصليهما قبل ولا بعد. فيجمع بين الحديثين بأنه- صلى اللّه عليه وسلم- لم يكن يصليهما إلا فى بيته، فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة. ويشير إلى ذلك قول عائشة فى رواية: (وكان لا يصليهما فى المسجد مخافة أن يثقل على أمته) (٢) . ومراد عائشة بقولها: (ما كان فى يومى بعد العصر إلا صلى ركعتين) من الوقت الذى شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما. ولم ترد أنه كان يصلى بعد العصر من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره، واللّه أعلم. الفرع الخامس فى راتبة المغرب عن ابن مسعود قال: ما أحصى ما سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقرأ فى __________ (١) صحيح: أخرجه النسائى (١/ ٢٨١) فى المواقيت، باب: الرخصة فى الصلاة بعد العصر، من حديث أم سلمة- رضى اللّه عنها-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٥٩٠) فى مواقيت الصلاة، باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. الركعتين بعد المغرب، وفى الركعتين قبل صلاة الفجر ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) وقُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٢) (٣) رواه الترمذى. وعن ابن عباس: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يطيل القراءة فى الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد (٤) ، رواه أبو داود. وكان أصحابه- عليه السّلام- يصلون ركعتين قبل المغرب قبل أن يخرج إليهم- صلى اللّه عليه وسلم- (٥) . رواه البخارى ومسلم وأبو داود من حديث أنس. وفى رواية أبى داود، قال أنس: رآنا- صلى اللّه عليه وسلم- فلم يأمرنا ولم ينهنا (٦) . وقال عقبة: كنا نفعله على عهده، - صلى اللّه عليه وسلم-. رواه البخارى ومسلم. وظاهره: أن الركعتين بعد الغروب وقبل صلاة المغرب كان أمرا قرر أصحابه عليه، وعملوا به، وهذا يدل على الاستحباب، وأما كونه- صلى اللّه عليه وسلم- لم يصلهما فلا ينفى الاستحباب، بل يدل على أنهما ليسا من الرواتب، وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث. وعن ابن عمر: ما رأيت أحدا يصليهما على عهده- صلى اللّه عليه وسلم-. وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما. فادعى بعض المالكية نسخهما، وتعقب: __________ (١) سورة الكافرون: ١. (٢) سورة الإخلاص: ١. (٣) صحيح: أخرجه الترمذى (٤٣١) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الركعتين بعد المغرب والقراءة فيهما، من حديث ابن مسعود- رضى اللّه عنه-. قال الترمذى: حديث غريب. (٤) أخرجه أبو داود (١٣٠١) فى الصلاة، باب: ركعتى المغرب أين تصليان. من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-. (٥) صحيح: أخرجه البخارى (٦٢٥) فى الأذان، باب: كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة، من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-، ولفظه: كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يبتدرون السوارى حتى يخرج النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة شئ. (٦) صحيح: أخرجه مسلم (٨٣٦) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب، وأبو داود (١٢٨٢) فى الصلاة، باب: الصلاة قبل المغرب. من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-. بأن دعوى النسخ لا دليل عليها، ورواية المثبت- وهو أنس- تقدم على رواية النافى- وهو ابن عمر. وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين. وعن مالك قول آخر باستحبابها، وهو عند الشافعية وجه رجحه النووى ومن تبعه، وقال فى شرح مسلم: قول من قال: (إن فعلهما يؤدى إلى تأخير المغرب عن أول وقتها) خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما يسير، لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها. ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما. وقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء) (١) . خشية أن يتخذها الناس سنة. رواه أبو داود. قال المحب الطبرى: لم يرد نفى استحبابهما، لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابهما. ومعنى قوله: (سنة) أى شريعة وطريقة لازمة. وكأن المراد انحطاط مرتبتهما عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدهما أكثر الشافعية فى الرواتب، واستدركهما بعضهم. وتعقب: بأنه لم يثبت أنه- صلى اللّه عليه وسلم- واظب عليهما. وقال- صلى اللّه عليه وسلم- فى الصلاة بعد المغرب: (هذه صلاة البيوت) (٢) ، رواه أبو داود والنسائى من حديث كعب بن عجرة. وعنه- صلى اللّه عليه وسلم-: (من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم رفعت صلاته فى عليين) . رواه رزين. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (١١٨٣) فى الجمعة، باب: الصلاة قبل المغرب، وأبو داود (١٢٨١) فى الصلاة، باب: الصلاة قبل المغرب. من حديث عبد اللّه المزنى- رضى اللّه عنه-. (٢) حسن: أخرجه أبو داود (١٣٠٠) فى الصلاة، باب: ركعتى المغرب أين تصليان، والترمذى (٦٠٤) فى الجمعة، باب: ما ذكر بعد صلاة المغرب أنه فى البيت أفضل، والنسائى (١٦٠٠) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: الحث على الصلاة فى البيوت والفضل فى ذلك. من حديث كعب بن عجرة- رضى اللّه عنه-. الفرع السادس فى راتبة العشاء قالت عائشة: ما صلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- العشاء قط فدخل بيتى إلا صلى أربع ركعات، أو ست ركعات (١) . رواه أبو داود. وفى مسلم قالت عائشة: ثم يصلى بالناس العشاء فيدخل بيتى فيصلى ركعتين (٢) . وكذا فى حديث ابن عمر عند الشيخين. وتقدما أول هذا القسم، واللّه أعلم. الفرع السابع فى راتبة الجمعة عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين فى بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين (٣) . رواه البخارى ولم يذكر شيئا فى الصلاة قبل صلاة الجمعة. قال ابن المنير- كما حكاه فى فتح البارى-: كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه، لأن الجمعة بدل الظهر. وقال ابن بطال: إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد ذكر الظهر من أجل أنه كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى سنة الجمعة فى بيته بخلاف الظهر، قال: والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها فى المسجد خشية أن يظن أنها التى حذفت. انتهى. __________ (١) أخرجه أبو داود (١٣٠٣) فى الصلاة، باب: الصلاة بعد العشاء، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها- . (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٧٣٠) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٩٣٧) فى الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة وقبلها من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-، ومسلم (٧٢٩) فى صلاة المسافرين، باب: فضل السنن الرواتب قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. وعلى هذا فينبغى أن لا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها فى المسجد لهذا المعنى. وقد روى أبو داود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلى بعدها ركعتين فى بيته، ويحدث أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان يفعل ذلك، وقد احتج به النووى فى (الخلاصة) على إثبات سنة الجمعة التى قبلها. وتعقب: بأن قوله: (كان يفعل ذلك) عائد على قوله: (ويصلى بعد الجمعة ركعتين فى بيته) ، ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد اللّه: أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين فى بيته ثم قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يفعل ذلك. رواه مسلم. وأما قوله: (كان يطيل الصلاة قبل الجمعة) فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا، لأنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة، فلا حجة فيه لسنة الجمعة التى قبلها، بل هو تنفل مطلق. وقد أنكر جماعة كون الجمعة لها سنة قبلها، وبالغوا فى الإنكار منهم: الإمام شهاب الدين أبو شامة، لأنه لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه- صلى اللّه عليه وسلم- وهو على المنبر، فلم يكن يصليها، وكذلك الصحابة لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة. قال ابن العراقى: ولم أر فى كلام الفقهاء من الحنفية والمالكية استحباب سنة الجمعة التى قبلها. انتهى. وقد ورد فى سنة الجمعة التى قبلها أحاديث أخرى .....ة، منها عن أبى هريرة، رواه البزار، ولفظه: كان يصلى قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا. وأقوى ما يتمسك به فى مشروعية الركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد اللّه بن الزبير مرفوعا: (ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان) (١) . قاله فى فتح البارى. __________ (١) ذكره ابن حجر فى (الفتح) (٢/ ٤٢٧) وعزاه لابن حبان فى صحيحه من حديث عبد اللّه ابن الزبير- رضى اللّه عنهما-. وعن عطاء قال: كان ابن عمر إذا صلى الجمعة بمكة تقدم فصلى ركعتين ثم يتقدم فيصلى أربعا، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فيصلى ركعتين ولم يصل فى المسجد، فقيل له: ف قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يفعله (١) . رواه أبو داود. وفى رواية الترمذى: قال: رأيت ابن عمر صلى بعد الجمعة ركعتين ثم صلى بعد ذلك أربعا (٢) . وعن ابن عمر أيضا قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى بعد الجمعة ركعتين (٣) . رواه النسائى، وفى رواية أنه كان يصلى بعد الجمعة ركعتين فى بيته (٤) . وفى أخرى: أن ابن عمر كان يصلى بعد الجمعة ركعتين يطيل فيهما ويقول: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يفعله (٥) . وتقدم حديث دخول سليك الغطفانى يوم الجمعة، وهو- صلى اللّه عليه وسلم- يخطب، وقوله- صلى اللّه عليه وسلم- له: (صليت؟) قال: لا، قال: (قم فاركع ركعتين) . مع ما فيه من المباحث فى صلاة الجمعة. الفصل الثانى فى صلاته ص العيدينوفيه فروع: __________ (١) أخرجه أبو داود (١١٢٧) فى الصلاة، باب: الصلاة بعد الجمعة، والنسائى (٣/ ١١٣) فى الجمعة، باب: إطالة الركعتين بعد الجمعة. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. (٢) صحيح: أخرجه الترمذى (٥٢٣) فى الجمعة، باب: ما جاء فى الصلاة قبل الجمعة وبعدها، عن عطاء عن ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. قال الترمذى: حسن صحيح. (٣) صحيح: أخرجه مسلم (٨٨٢) فى الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة. من حديث ابن عمر وقد تقدم. (٤) صحيح: أخرجه مسلم (٨٨٢) فى الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة. وقد تقدم. (٥) تقدم. الفرع الأول فى عدد الركعات عن ابن عباس: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- خرج يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء وبلال معه، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تتصدق بخرصها (١)وسخابها (٢) (٣) . وفى رواية: خرج يوم أضحى أو فطر (٤) . وفى أخرى: أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين (٥) . الحديث رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذىوالنسائى. الفرع الثانى فى عدد التكبير عن عائشة أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يكبر فى الفطر والأضحى، فى الأولى سبع تكبيرات، وفى الثانية: خمس تكبيرات (٦) . زاد فى رواية: سوى تكبير الإحرام والركوع (٧) . وعن كثير بن عبد اللّه عن أبيه عن جده أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كبر فى __________ (١) الخرص: القرط بحبة واحدة وقيل هى الحلقة من الذهب والفضة. انظر لسان العرب (٤/ ٦٣) مادة (خرص) . (٢) السخاب: قلادة تتخذ من قرنفل ومسك ومحلب ليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شئ: قال ابن الأثير: السخاب: هو خيط ينظم فيه خرز تلبسه الصبيان والجوارى. انظر لسان العرب (٢/٢٠١) مادة (سخب) . (٣) صحيح: أخرجه البخارى (١٦٤) فى الجمعة، باب: الخطبة بعد العيد، عن ابن عباس- رضى اللّه عنهما-. (٤) صحيح: أخرجه البخارى (٣٠٤) فى الحيض، باب: ترك الحائض الصوم، من حديث أبى سعيد- رضى اللّه عنه-. (٥) صحيح: أخرجه البخارى (٩٦٤) فى الجمعة، وقد تقدم. (٦) أخرجه مالك فى الموطأ (٤٣٤) فى النداء للصلاة، باب: ما جاء فى التكبير والقراءة فى صلاة العيدين. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. (٧) أخرجه البيهقى (٣/ ٢٨٩) عن أبى موسى وحذيفة بلفظ سوى تكبيرة الافتتاح والركوع. العيدين، فى الأولى سبعا قبل القراءة، وفى الآخرى خمسا قبل القراءة (١) . رواه الترمذى وابن ماجه والدارمى. الفرع الثالث فى الوقت والمكان عن أبى سعيد الخدرى قال: كان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شئ يبدأ به الصلاة (٢) . الحديث رواه البخارى ومسلم. وفى هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى، وأنه أفضل من صلاتها فى المسجد، لمواظبته- صلى اللّه عليه وسلم- على ذلك، مع فضل مسجده، وعلى هذا عمل الناس فى الأمصار. وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا فى المسجد من الزمن الأول. ولأصحابنا الشافعية وجهان: أحدهما: الصحراء أفضل لهذا الحديث، والثانى: وهو الأصح عند أكثرهم، المسجد أفضل إلا أن يضيق، قالوا: وإنما صلى أهل مكة فى المسجد لسعته، وإنما خرج النبى- صلى اللّه عليه وسلم- لضيق المسجد، فدل على أن المسجد أفضل إذا اتسع، والمراد بالمصلى المذكور، الذى على باب المدينة الشرقى. قال ابن القيم: ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة، أصابهم مطر فصلى بهم العيد فى المسجد، إن ثبت الحديث، وهو فى سنن أبى داود وابن ماجه. انتهى. ولفظ أبى داود: عن أبى هريرة قال: أصابنا مطر فى يوم فطر فصلى بنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى المسجد. زاد رزين: ولم يخرج بنا إلى المصلى (٣) . __________ (١) صحيح: أخرجه الترمذى (٥٣٦) فى الجمعة، باب: ما جاء فى التكبير فى العيدين، وابن ماجه (١٢٧٧) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى كم يكبر الإمام فى صلاة العيدين. من حديث سعد بن عائذ ولقبه القرظ. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٩٥٦) فى الجمعة، باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر. من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى اللّه عنه-. (٣) أخرجه أبو داود (١١٦٠) فى الصلاة، باب: يصلى بالناس فى المسجد إذا كان يوم مطر، وابن ماجه (١٣١٣) فى إقامة الصلاة، باب: ما جاء فى صلاة العيد فى المسجد إذا كان مطر. الفرع الرابع فى الأذان والإقامة عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة (١) . رواه مسلم وأبو داود والترمذى. وعن ابن عباس أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى العيد بلا أذان ولا إقامة (٢) . رواه أبو داود. الفرع الخامس فى قراءته ص فى صلاة العيدين عن أبى واقد الليثى قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقرأ فى الأضحى والفطر ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (٣) واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (٤) (٥) . رواه مسلم ومالك وأبو داود والترمذى. وعن النعمان بن بشير قال: كان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يقرأ فى العيدين وفى الجمعة ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (٦) وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (٧) . وربما اجتمعا فى يوم واحد فقرأ بهما (٨) . رواه مسلمومالك وأبو داود والترمذى والنسائى. __________ (١) صحيح: أخرجه مسلم (٨٨٧) فى صلاة العيدين، والترمذى (٥٣٢) فى الجمعة، باب: ما جاء فى صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة. من حديث جابر بن سمرة- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٨٨٥) فى صلاة العيدين، من حديث جابر بن عبد اللّه، وأبو داود (١١٤٧) فى الصلاة، باب: ترك الأذان فى العيد. من حديث ابن عباس. (٣) سورة ق: ١. (٤) سورة القمر: ١. (٥) صحيح: أخرجه أبو داود (١١٥٤) فى الصلاة، باب: ما يقرأ فى الأضحى والفطر، ومالك فى الموطأ (٤٣٣) فى النداء للصلاة، باب: ما جاء فى التكبير والقراءة فى صلاة العيدين، من حديث أبى واقد الليثى- رضى اللّه عنه-. (٦) سورة الأعلى: ١. (٧) سورة الغاشية: ١. (٨) صحيح: أخرجه أبو داود (١١٢٥) فى الصلاة، باب: ما يقرأ به فى الجمعة. من حديث النعمان بن بشير- رضى اللّه عنه-. الفرع السادس فى خطبته ص وتقديمه صلاة العيدين عليها عن ابن عمر: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة (١) . رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى. وعن جابر: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- خرج يوم الفطر، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة (٢) . وفى رواية: قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه تلقى فيه النساء الصدقة (٣) . وفى أخرى، قال: شهدت مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى اللّه، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن ف قال: (تصدقن، فإن أكثر كن حطب جهنم) ، فقامت امرأة من وسط النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول اللّه؟ قال: (لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير) . قال: فجعلن يتصدقن من حليهن ويلقين فى ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن (٤) . رواه البخارى ومسلم. وفى رواية أبى سعيد الخدري عند البخارى: فأول شئ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه، أويأمر بشئ أمر به، ثم ينصرف. قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان، __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٩٦٣) فى الجمعة، باب: الخطبة بعد العيد، ومسلم (٨٨٨) فى صلاة العيدين. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٩٥٨٠) فى الجمعة، باب: المشى والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة، ومسلم (٨٨٥) فى صلاة العيدين. من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-. (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٩٦١) فى الجمعة، باب: المشى والركوب إلى العيد، ومسلم (٨٨٤) فى صلاة العيدين. من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-. (٤) تقدم فى الذى قبله. وهو أمير المدينة فى أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه، فقلت له: غيرتم واللّه. الحديث (١) . ولابن خزيمة: خطب- صلى اللّه عليه وسلم- يوم عيد على رجليه (٢) . وهذا يشعر بأنه لم يكن فى المصلى فى زمانه- صلى اللّه عليه وسلم- منبر، ويدل على ذلك قول أبى سعيد: (فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان) ومقتضاه أن أول من اتخذه مروان. ووقع فى المدونة للإمام مالك: أن أول من خطب الناس فى المصلى على منبر عثمان بن عفان، كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت، لكنه معضل، وما فى الصحيحين أصح، فقد رواه مسلم من طريق داود بن قيس نحو رواية البخارى. ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبو سعيد. قاله شيخ الإسلام ابن حجر- رحمه اللّه تعالى-. الفرع السابع فى أكله ص يوم الفطر قبل خروجه إلى الصلاة عن أنس: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات (٣) . رواه البخارى و قال: مرجأ بن رجاء حدثنى عبيد اللّه حدثنى أنس عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: ويأكلهن وترا (٤) . ورواه الحاكم من رواية عتبة بن حميد __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٩٥٦) فى الجمعة، باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر، من حديث أبى سعيد- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه ابن ماجه (١٢٨٨) فى إقامة الصلاة، باب: ما جاء فى الخطبة فى العيدين. من حديث أبى سعيد- رضى اللّه عنه- . (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٩٥٣) فى الجمعة، باب: الأكل يوم الفطر قبل الخروج. من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-. (٤) تقدم فى الذى قبله. عنه بلفظ: ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات، ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا (١) . قال المهلب: الحكمة فى الأكل قبل الصلاة، أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلى العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة. وقال غيره: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر اللّه تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع، أشار إلى ذلك ابن أبى جمرة. وقيل: لأن الشيطان الذى يحبس فى رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد فاستحب تعجيل الفطر بدارا إلى السلامة من وسوسته. والحكمة فى استحباب التمر لما فى الحلو من تقوية البصر الذى يضعفه الصوم، ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به فى المنام، ويرق القلب، ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقا كالعسل. رواه ابن أبى شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما. وفى الترمذى والحاكم من حديث بريدة قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلى (٢) ، ونحوه عند البزار عن جابر بن سمرة. وروى الطبرانى والدار قطنى من حديثابن عباس قال: من السنة أن لا يخرج يوم الفطر حتى يخرج الصدقة ويطعم شيئا قبل أن يخرج (٣) . وفى كل من الأسانيد الثلاثة مقال. وقد أخذ أكثر الفقهاء بما دلت عليه، قال ابن المنير: وقع أكله- صلى اللّه عليه وسلم- __________ (١) أخرجه أحمد (٣/ ١٦٢) بلفظ يأكلهن إفرادا، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه الترمذى (٥٤٢) فى الجمعة، باب: ما جاء فى الأكل يوم الفطر قبل الخروج. من حديث بريدة- رضى اللّه عنه- . (٣) أخرجه الدار قطنى (٢/ ١٥٣) من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-. فى كل من العيدين فى الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها، فاجتمعا من جهة، وافترقا من أخرى. وقال الشافعى فى الأم: بلغنا عن الزهرى قال: ما ركب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى عيد ولا جنازة قط (١) . وفى الترمذى عن على قال: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا (٢) ، وفى ابن ماجه عن سعد القرظى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يخرج إلى العيد ماشيا (٣) ، وفيه عن أبى رافع نحوه، وأسانيد الثلاثة ضعاف. وعن أبى هريرة قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا خرج يوم العيد فى طريق رجع فى غيره (٤) . رواه الترمذى. وقد اختلف فى معنى ذلك على أقوال كثيرة، قال الحافظ ابن حجر: اجتمع لى منها أكثر من عشرين، وقد لخصتها وبينت الواهى منها. فمن ذلك: أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان، وقيل: سكانهما من الجن والإنس، وقيل: ليسوى بينهما فى مزية الفضل بمروره وفى التبرك، أو ليشم رائحة المسك من الطريق التى يمر بها لأنه كان معروفا بذلك. وقيل: لأن طريقه إلى المصلى كانت على اليمين، فلو رجع منها لرجع على جهة الشمال فرجع من غيرها. وهذا يحتاج إلى دليل. وقيل: لإظهار شعائر الإسلام فيهما، وقيل: لإظهار ذكر اللّه، __________ (١) قاله الشافعى فى (الأم) (١/ ٢٣٣) ، ونقله عنه الحافظ فى (الفتح) (٢/ ٤٥١) . (٢) حسن: أخرجه الترمذى (٥٣٠) فى الجمعة، باب: ما جاء فى المشى يوم العيد، من حديث على ولفظه من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا ... الحديث. (٣) حسن: أخرجه ابن ماجه (١٢٩٤) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى الخروج إلى العيد ماشيا. من حديث سعيد بن عائظ ولقبه القرظ. (٤) صحيح: أخرجه الترمذى (٥٤١) فى الجمعة، باب: ما جاء فى خروج النبى إلى العيد فى طريق ورجوعه فى طريق. من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه- . وقيل: ليغيظ المنافقين أو اليهود، وقيل حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما، وقيل ليعمهم بالسرور به أو التبرك بمروره والانتفاع به فى قضاء حوائجهم فى الاستفتاء أو التعليم والاقتداء، والاسترشاد والسلام عليهم أو غير ذلك، وقيل ليزور أقاربه الأحياء والأموات، وقيل: ليصل رحمه، وقيل ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا، وقيل: كان يتصدق فى ذهابه فإذا رجع لم يبق معه شئ فيرجع فى طريق آخر لئلا يرد من يسأله. وهذا ..... جدّا مع احتياجه إلى دليل. وقيل: فعل ذلك لتخفيف الزحام، وهذا رجحه الشيخ أبو حامد، وقيل كان طريقه التى يتوجه منها أبعد من التى يرجع فيها، فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطا فى الذهاب، وأما فى الرجوع فيسرع إلى منزله، وهذا اختيار الرافعى. وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل وبأن أجر الخطا فى الرجوع أيضا، كما ثبت فى حديث أبى بن كعب عند الترمذى وغيره، وقيل: لأن الملائكة تقف فى الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم. وقال ابن أبى جمرة: هو فى معنى قول يعقوب لبنيه: لا تدخلوا من باب واحد، فأشار إلى أنه فعل حذر إصابة العين. انتهى. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيض فى العيدين، فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين. قالت إحداهن: يا رسول اللّه إحدانا لم يكن لها جلباب، قال: (فلتعرها أختها من جلابيبها) (١) . رواه البخارى ومسلم والترمذى واللفظ له. ولا دلالة فيه على وجوب صلاة العيد، لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف، فظهر أن القصد منه إظهار شعائر الإسلام بالمبالغة فى الاجتماع، ولتعم الجميع البركة. __________ (١) صحيح: أخرجه الترمذى (٥٣٩) فى الجمعة، باب: ما جاء فى خروج النساء فى العيدين. من حديث أم عطية- رضى اللّه عنها- . وفيه: استحباب خروج النساء إلى شهود العيد، سواء كن شواب أم لا، أو ذوات هيئات أم لا، لكن نص الشافعى فى الأم يقتضى استثناء ذوات الهيئات. قال: وأحب شهود العجائز غير ذوات الهيئات الصلاة. وأما شهودهن الأعياد فأشد استحبابا. وادعى بعضهم النسخ فيه، وقال الطحاوى: وأمره- صلى اللّه عليه وسلم- بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون فى أول الإسلام، والمسلمون قليل، فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو. وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك. وتعقب: بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقد صرح فى حديث أم عطية بعلة الحكم، وهى شهودهن الخير ودعوة المسلمين، ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته، وقد أفتت به أم عطية بعد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بمدة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها فى ذلك. وأما قول عائشة: (لو رأى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن المساجد) (١) فلا يعارض ذلك لندوره، إن سلمنا أن فيه دلالة على أنها أفتت بخلافه، مع أن الدلالة منه بأن عائشة أفتت بالمنع ليست صريحة. وفى قول الطحاوى: (إرهابا للعدو) نظر، لأن الاستنصار بالنساء والتكثير بهن فى الحرب دال على الضعف. والأولى: أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة، فلا يترتب على حضورها محظور، ولا تزاحم الرجال فى الطرق ولا فى المجامع، قاله فى فتح البارى. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يخرج العنزة يوم الفطر والأضحى يكرزها فيصلى إليها (٢) . رواه النسائى وغيره. __________ (١) أخرجه مالك فى الموطأ (٤٦٨) فى النداء للصلاة، باب: ما جاء فى خروج النساء إلى المساجد، وأحمد (٦/ ٩١) عن عائشة- رضى اللّه عنهما-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٩٧٣) فى الجمعة، باب: حمل العنزة أو الحربة بين يدى الإمام يوم العيد، ومسلم (٥٠١) فى الصلاة، باب: سترة المصلى. من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. وإذا علمت هذا فاعلم أن للمؤمنين فى هذه الدار ثلاثة أعياد، عيد يتكرر كل أسبوع، وعيدان يأتيان فى كل عام مرة من غير تكرار فى السنة. فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات من اللّه تعالى فشرع لهم فيه عيدا. وأما العيدان اللذان لا يتكرران فى كل عام، وإنما يأتى كل واحد منهما فى العام مرة واحدة. فأحدهما: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان، وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون صيام شهر رمضان المفروض عليهم استوجبوا من اللّه المغفرة والعتق من النار، فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنب، وآخره عتق من النار يعتق اللّه فيه من النار من استحقها بذنوبه، فشرع اللّه تعالى لهم عقب صيامهم عيدا يجتمعون فيه على شكر اللّه تعالى وذكره وتكبيره على ما هداهم له، وشرع لهم فى ذلك العيد الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز يستوفى فيه الصائمون أجر صيامهم ويرجعون بالمغفرة. والعيد الثانى عيد النحر: وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مرتب على إكمال الحج وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة، فإن الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم، ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق اللّه فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذى يليه عيدا لجميع المسلمين فى جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهد، لاشتراكهم فى العتق والمغفرة يوم عرفة، وشرع للجميع التقرب إليه تعالى بالنسك بإراقة دماء ضحاياهم، فيكون ذلك اليوم شكرا منهم لهذه النعمة، والصلاة والنحر الذى يجتمع فى عيد النحر أفضل من الصلاة والصدقة فى عيد الفطر، ولهذا أمر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يجعل شكره لربه على إعطائه الكوثر أن يصلى لربه وينحر. وقد ضحى- صلى اللّه عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر. رواه البخارى من حديث أنس، قال: ورأيته واضعا قدميه على صفاحهما، يقول: (بسم اللّه واللّه أكبر) (١) . وعن عائشة: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- أمر بكبش يطأ فى سواد (٢) ، ويبرك فى سواد (٣) ، فأتى به ليضحى به، قال: (يا عائشة، هلمى المدية) ، ثم قال: (اشحذيها بحجر) ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، قال: (بسم اللّه اللّهم تقبل عن محمد وآل محمد ومن أمة محمد) ثم ضحى به (٤) . رواه مسلم. وعن جابر: ذبح النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجوءين (٥) ، فلما وجههما قال: (إنى وجهت وجهى للذى فطر السماوات والأرض، على ملة إبراهيم حنيفا، وما أنا من المشركين، إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى للّه رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين، اللّهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم اللّه واللّه أكبر) ثم ذبح (٦) . رواه البخارى وأبو داود وابن ماجه والدارمى. وفى رواية لأحمد والترمذى: ذبح بيده و قال: (بسم اللّه واللّه أكبر، اللّهم إن هذا عنى وعمن لم يضح من أمتى) (٧) . فهذه أعياد المسلمين فى __________ (١) صحيح: أخرجه الترمذى (١٥٢١) فى الأضاحى، باب: العقيقة بشاة، من حديث جابر ابن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما- . (٢) يطأ فى سواد: أى قوائمه سود. (٣) يبرك فى سواد: أى أن ملاقى محل بروكه على الأرض من بدنه أسود. (٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٩٦٧) فى الأضاحى، باب: استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل، وأبو داود (٢٧٩٢) فى الضحايا، باب: ما يستحب من الضحايا. من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٥) موجوءين: يعنى منزوع الخصيتين. (٦) أخرجه أبو داود (٢٧٩٥) فى الضحايا، باب: ما يستحب من الضحايا، من حديث جابر بن عبد اللّه وأصله فى الصحيح من حديث أنس- رضى اللّه عنه- . (٧) صحيح: أخرجه أحمد (٣/ ٣٥٦) ، والترمذى (١٥٢١) فى الأضاحى، باب: العقيقة بشاة، من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-. الدنيا، وكلها عند إكمال طاعات مولاهم الملك الوهاب، وحيازتهم لما وعدهم من جزيل الأجر والثواب، فليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، وليس العيد لمن تجمل باللباس والمركوب، وإنما العيد لمن غفرت له الذنوب، فى ليلة العيد تفرق خلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شئ فهو له عيد، وإلا فهو مطرود بعيد. وأما أعياد المؤمنين فى الجنة، فهى أيام زيارتهم ربهم عز وجل، فيزورونه ويكرمهم غاية الإكرام، ويتجلى لهم فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم من ذلك وهو الزيارة، فليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه. إن يوما جامعا شملى بهم ... ذاك عيدى ليس لى عيد سواه |