Geri

   

 

 

İleri

 

٩-٣ الباب الثانى فى ذكر صلاته ص الجمعة

عن أنس بن مالك

قال: أتى جبريل النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بمرآة بيضاء فيها نكتة سوداء، فقال النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (ما هذا؟) ف

قال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك، الناس لكم فيها تبع- اليهود والنصارى- ولكم فيها خير، ولكم فيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو اللّه بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، فقال النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (يا جبريل: وما يوم المزيد؟) ف

قال: إن ربك اتخذ فى الفردوس واديا أقبح فيه كثيب من مسك، فإذا كان يوم الجمعة أنزل اللّه ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزمرد عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب، فيقول اللّه تعالى: أنا ربكم، قد صدقتكم وعدى، فسلونى أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول:

قد رضيت عنكم، ولكم ما تمنيتم ولدى مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم ربهم فيه من الخير، وفيه استوى ربك على العرش (٢) . رواه الشافعى فى مسنده.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٨٩) وقد تقدم فى الذى قبله.

(٢) أخرجه الشافعى فى (مسنده) (٧٠) من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-.

وروى مسلم من حديث أبى هريرة

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا فى يوم الجمعة) (١) .

وروى البيهقى فى الدعوات من حديث أنس: كان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا دخل رجب

قال: (اللّهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان) (٢) ، وكان يقول ليلة الجمعة: (ليل أغر ويوم الجمعة يوم أزهر) .

وليوم الجمعة من الخواص ما يبلغ العشرين، ذكرها ابن القيم فى (الهدى النبوى) لا أطيل بذكرها سيما وليس من غرضى. وهو أفضل أيام الأسبوع، كما أن يوم عرفة أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام.

وقال أبو أمامة بن النقاش: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام،

قال: وغير هذا لا يسلم قائله من اعتراض يعجز عن دفعه.

انتهى.

وعن أبى هريرة عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أنه

قال: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتو الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذى فرض اللّه عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا اللّه له، فالناس لنا تبع: اليهود غدا، والنصارى بعد غد) (٣)، رواه البخارى.

وفى رواية ابن عيينة عن أبى الزياد عند مسلم: (نحن الآخرون ونحن السابقون) . أى الآخرون زمانا، والأولون منزلة. والمراد باليوم: يوم الجمعة.

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٨٥٤) فى الجمعة، باب: فضل الجمعة، والترمذى (٤٨٨) فى الجمعة، باب: ما جاء فى فضل يوم الجمعة، وقال حسن صحيح، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

(٢) أخرجه أحمد (١/ ٢٥٩) من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-.

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٨٧٦) فى الجمعة، باب: فرض الجمعة، ومسلم (٨٥٥) فى الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

وقوله: (بيد) - بفتح الباء الموحدة، وإسكان المثناة من تحت وفتح الدال المهملة- أى: غير. وإذا عرف هذا، فقوله تعالى: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ (١) أى على نبيهم موسى حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت، فاختلافهم فى السبت كان اختلافا على نبيهم فى ذلك اليوم لأجله.

فإن قيل: هل فى العقل وجه يدل على أن يوم الجمعة أفضل من يوم السبت والأحد، وذلك لأن أهل الملل اتفقوا على أنه تعالى خلق العالم فى ستة أيام، وبدأ الخلق والتكوين فى يوم الأحد، وتم يوم الجمعة، فكان الفراغ يوم السبت، فقالت اليهود: نحن نوافق ربنا فى ترك الأعمال، فعينوا السبت لهذا المعنى، وقالت النصارى: مبدأ الخلق والتكوين يوم الأحد، فنجعل هذا عيدا لنا، فهذان اليومان معقولان، فما الوجه فى جعل يوم الجمعة عيدا؟

فالجواب: إن يوم الجمعة هو يوم الكمال والتمام، وحصول الكمال والتمام يوجب الفرح الكامل والسرور العظيم، فجعل يوم الجمعة يوم العيد أولى من هذا الوجه واللّه أعلم.

قال ابن بطال: وليس المراد فى الحديث أنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض اللّه تعالى عليه وهو مؤمن، وإنما يدل- واللّه أعلم- أنه فرض عليهم يوم الجمعة، ووكل إلى اختيارهم ليقوموا فيه بشريعتهم فاختلفوا فيه ولم يهتدوا ليوم الجمعة.

كذا قال، لكن قد روى ابن أبى حاتم عن السدى التصريح بأنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه، فأبوا، ولفظه: (إن اللّه تعالى فرض على اليهود الجمعة فأبوا، وقالوا: يا موسى اجعل لنا يوم السبت فجعل عليهم) . وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم، كما وقع لهم فى

قوله تعالى: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ (٢) وهم القائلون سَمِعْنا وَعَصَيْنا (٣) .

__________

(١) سورة النحل: ١٢٤.

(٢) سورة البقرة: ٥٨.

(٣) سورة البقرة: ٩٣.

ويحتمل قوله (فهدانا اللّه له) بأن نص لنا عليه، وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد، ويشهد الثانى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين

قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلم فلنجعل لنا يوما نجتمع فيه نذكر اللّه تعالى ونصلى ونشكره، فجعلوه يوم العزوبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل اللّه تعالى بعد ذلك إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (١) (٢) . وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن خزيمة من حديث كعب بن مالك

قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- المدينة أسعد بن زرارة (٣) . فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- علمه بالوحى وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها ثمّ، ولذلك جمّع بهم أول ما قدم المدينة. انتهى

وقال ابن إسحاق: لما قدم- صلى اللّه عليه وسلم- المدينة أقام بقباء، فى بنى عمرو بن عوف، يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة، فأدركته الجمعة فى بنى سالم، فصلاها فى المسجد الذى فى بطن الوادى، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة وذلك قبل تأسيس مسجده.

وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى الجمعة حين تميل الشمس. رواه البخارى من حديث أنس، وفى رواية: إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد

__________

(١) سورة الجمعة: ٩.

(٢) رواه عبد بن حميد فى تفسيره عن ابن سيرين. هكذا قال الحافظ فى (التلخيص) (٢/ ٥٦) .

(٣) حسن: أخرجه أبو داود (١٠٦٩) فى الصلاة، باب: الجمعة فى القرى، وابن ماجه (٨٢) فى إقامة الصلاة، باب: فى فرض الجمعة، من حديث كعب بن مالك- رضى اللّه عنه- .

بالصلاة- يعنى الجمعة- وفى رواية سهل بن سعد عند البخارى ومسلم: كنا نصلى معه- صلى اللّه عليه وسلم- الجمعة ونقيل بعد الجمعة.

ثم أعلم أن الخطبة شرط فى انعقاد الجمعة، لا تصح إلا بها، وقال سعيد بن جبير: هى بمنزلة الركعتين من صلاة الظهر، فإذا تركها وصلى الجمعة فقد ترك ركعتين من صلاة الظهر.

ولم يكن يؤذن فى زمانه- صلى اللّه عليه وسلم- على المنار، وبين يديه، وإنما كان بلال يؤذن وحده بين يديه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا جلس على المنبر، كما صرح به أئمة الحنفية والمالكيةوالشافعية وغيرهم.

وعبارة البرهان المرغينانى من الحنفية فى هدايته: وإذا صعد الإمام المنبر جلس، وأذن المؤذن بين يدى المنبر، بذلك جرى التوارث، ولم يكن على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إلا هذا الأذان.

وعبارة ابن الحاجب من المالكية: ويحرم السعى عند آذان جلوس الخطبة، وهو المعهود، فلما كان عثمان وكثروا أمر بأذان قبله على الزوراء، ثم نقله هشام إلى المسجد، وجعل الآخر بين يديه. انتهى. ونحوه قال ابن عبد الحق فى (تهذيب الطالب) .

وأما قول ابن أبى زيد فى رسالته: وهذا الأذان الثانى أحدثه بنو أمية.

فقال شارحوه- الفاكهانى وغيره-: يعنى الأذان الثانى فى الإحداث وهو الأول فى الفعل،

قال: وكان بعض شيوخنا يقول: الأول هو الثانى، والثانى هو الأول ومنشؤه ما تقدم. انتهى.

وعبارة الزركشى- كغيره من الشافعية-: ويجلس الإمام على المستراح يستريح من تعب الصعود، ثم يؤذن المؤذن بعد جلوسه، فإن التأذين كان حين يجلس رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ولم يكن قبله أذان، فلما كان زمن عثمان وكثر الناس، أمرهم بالتأذين ثانيا، ثم يديم الجلوس إلى فراغ المؤذن، انتهى.

وعن السائب بن يزيد

قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام

على المنبر على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وأبى بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء (١) ، رواه البخارى و

قال: الزوراء موضع بالسوق بالمدينة.

وفى رواية له أيضا: أن التأذين الثانى يوم الجمعة أمر به عثمان حين كثر أهل المسجد، وهو يفسر بما فسر به قول أبى زيد السابق. وعند ابن خزيمة:

كان الأذان على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وأبى بكر وعمر أذانين يوم الجمعة (٢) . قال ابن خزيمة: قوله (أذانين) يريد: الأذان والإقامة تغليبا أو لاشتراكهما فى الإعلام.

وللنسائى: كان بلال يؤذن إذا جلس النبى- صلى اللّه عليه وسلم- على المنبر، فإذا نزل أقام (٣) . وفى رواية وكيع عن ابن أبى ذئب فأمر عثمان بالأذان الأول (٤) ، ونحوه للإمام الشافعى من هذا الوجه. قال فى فتح البارى: ولا منافاة بينهما، لأنه باعتبار كونه مزيدا يسمى ثالثا، وباعتبار كونه مقدما على الأذان والإقامة يسمى أولا. وأما قوله فى رواية (البخارى: إن التأذين الثانى) فمتوجه بالنظر إلى الأذان الحقيقى لا الإقامة.

وقال الشيخ خليل فى (التوضيح) : واختلف النقل: هل كان يؤذن بين يديه- صلى اللّه عليه وسلم أو على المنار؟ الذى نقله أصحابنا أنه كان على المنار، نقله ابن القاسم عن مالك فى(المجموعة) . ونقل ابن عبد البر فى (كافيه) عن مالك أن الأذان بين يدى الإمام ليس من الأمر القديم. وقال غيره: هو أصل الأذان

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٩١٢) فى الجمعة، باب: الأذان يوم الجمعة، والترمذى (٥١٦) فى الجمعة، باب: ما جاء فى أذان الجمعة، وقال: هذا حديث حسن صحيح، من حديث السائب بن يزيد- رضى اللّه عنه-.

(٢) أخرجه ابن خزيمة (١٧٧٤) عن السائب بن يزيد- رضى اللّه عنه-.

(٣) صحيح: أخرجه النسائى (٣/ ١٠١) فى الجمعة، باب: الأذان للجمعة، من حديث السائب بن يزيد، وأصل الحديث فى الصحيح كما تقدم، .

(٤) تقدم فى الذى قبله، وهو من طريق ابن أبى ذئب عن الزهرى، عن السائب بن يزيد.

فى الجمعة، وكذلك نقل صاحب (تهذيب الطالب) والمازرى. وفى (الاستذكار) : إن هذا اشتبه على بعض أصحابنا، فأنكر أن يكون الأذان يوم الجمعة بين يدى الإمام كان فى زمنه- صلى اللّه عليه وسلم- وأبى بكر وعمر، وأن ذلك حدث فى زمن هشام.

قال: وهذا قول من قل علمه، ثم استشهد بحديث السائب بن يزيد المروى فى البخارى السابق، ثم

قال: وقد رفع الإشكال فيه ابن إسحاق عن الزهرى عن السائب بن يزيد،

قال: كان يؤذن بين يدى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وأبى بكر وعمر. انتهى. والحكمة فى جعل الأذان فى هذا المحل ليعرف الناس بجلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب. قاله المهلب.

قال فى فتح البارى: وفيه نظر، فإن فى سياق محمد بن إسحاق عند الطبرانى وغيره فى هذا الحديث: أن بلالا كان يؤذن على باب المسجد، فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات.

والذى يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان فى جميع البلاد إذ ذاك، لكونه كان حينئذ خليفة مطاع الأمر، لكن ذكر الفاكهانى أن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد.

وفى تفسير جويبر عن الضحاك عن معاذ: أن عمر أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس الجمعة خارج المسجد حتى يسمع الناس، وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان فى عهد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وأبى بكر، ثم قال عمر: نحن ابتدعناه لكثرة المسلمين. وهذا منقطع بين مكحول ومعاذ، ولا يثبت، وقد تواردت الأخبار أن عثمان هو الذى زاده فهو المعتمد.

وقد روى عبد الرزاق ما يقوى هذا الأثر عن ابن جريج

قال: قال سليمان بن موسى: أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان، فقال عطاء: كلا، إنما كان يدعو الناس ولا يؤذن غير أذان واحد. انتهى.

لكن عطاء لم يدرك عثمان بن عفان، فرواية من أثبت ذلك عنه مقدمة على إنكاره. ويمكن الجمع: بأن الذى كان فى زمن عمر بن الخطاب استمر على عهد عثمان، ثم رأى أن يجعله أذانا وأن يكون على مكان عال، ففعل ذلك، فنسب إليه لكونه بألفاظ الأذان، وترك ما كان يفعله عمر لكونه مجرد إعلام.

وروى ابن أبى شيبة عن ابن عمر

قال: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة. فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، وأن يكون أراد به: لم يكن فى زمنه- صلى اللّه عليه وسلم-، لأن كل ما لم يكن فى زمنه- صلى اللّه عليه وسلم- يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا، ومنها ما يكون غير ذلك. ثم إن فعل عثمان- رضى اللّه عنه-، كان إجماعا سكوتيّا لأنهم لم ينكروه عليه. انتهى.

وأول جمعة جمعها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بأصحابه- كما قدمناه فى حديث الهجرة- فى بنى سالم بن عوف، فى بطن واد لهم، فخطبهم وهى أول خطبة خطبها بالمدينة وقال فيها:

(الحمد للّه أحمده، وأستعينه وأستغفره، وأستهديه وأومن به ولا أكفره، وأعادى من يكفر به، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة والحكمة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل من يطع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعص اللّه ورسوله فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا، أوصيكم بتقوى اللّه، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى اللّه، واحذروا ما حذركم اللّه من نفسه، فإن تقوى اللّه لمن عمل بها على وجل ومخافة من ربه عون وصدق على ما يبتغون من الآخرة، ومن يصل الذى بينه وبين اللّه من أمره فى السر والعلانية لا ينوى به إلا وجه اللّه يكن له ذكرا فى عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان مما سوف ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم اللّه

نفسه واللّه رؤف بالعباد، هو الذى صدق وأنجز وعده لا خلف له فإنه يقول:

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١) .

فاتقوا اللّه فى عاجل أمركم وآجله، فى السر والعلانية، فإنه من يتق اللّه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يتق اللّه فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى اللّه توقى مقته وتوقى عقوبته وسخطه، وإن تقوى اللّه تبيض الوجه وترضى الرب، وترفع الدرجة، فخذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب اللّه، فقد علمكم كتابه ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين.

فأحسنوا كما أحسن اللّه إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا فى اللّه حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيى عن بينة، ولا حول ولا قوة إلا باللّه. فأكثروا ذكر اللّه، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من يصلح ما بينه وبين اللّه يكفه اللّه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن اللّه يقضى على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس، ولا يملكون منه، اللّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم) . ذكر هذه الخطبة القرطبى فى تفسيره، وغيره.

وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يخطب متوكئا على قوس أو عصا. وفى سنن ابن ماجه: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان إذا خطب فى الحرب خطب على قوس، وإذا خطب فى الجمعة خطب على عصا (٢) ، وعند أبى داود بإسناد حسن: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قام متوكئا على قوس أو عصا (٣) .

__________

(١) سورة ق: ٢٩.

(٢) أخرجه ابن ماجه (١١٠٧) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فى الخطبة يوم الجمعة، وتفرد به؛

قال: حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار ابن سعد حدثنى أبى عن أبيه عن جده أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-.

(٣) حسن: أخرجه أبو داود (١٠٩٦) فى الصلاة، باب الرجل يخطب على قوس، من حديث الحكم بن حزن الكلفى- رضى اللّه عنه-، .

قالوا: والحكمة فى التوكؤ على نحو السيف، الإشارة إلى أن هذا الدين قام بالسلاح، ولهذا قبضه باليسرى كعادة مريد الجهاد.

ونازع فيه العلامة ابن القيم فى (الهدى النبوى) و

قال: إن الدين لم يقم إلا بالقرآن والوحى كذا قاله، واللّه أعلم (١) .

وكان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا صعد المنبر سلم (٢) . رواه ابن ماجه. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يخطب قائما ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما (٣) ، رواه مسلم من رواية جابر بن سمرة. وفى رواية له: كانت له- صلى اللّه عليه وسلم- خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس (٤) . وفى حديث ابن عمر عند أبى داود: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب (٥) . قال ابن المنذر: الذى عليه أهل العلم من علماء الأمصار: الخطبة قائما. ونقل غيره عن أبى حنيفة:

أن القيام فى الخطبة سنة وليس بواجب. وعن مالك رواية أنه واجب، فإن تركه أساء وصحت الخطبة.

وعن الباقين: أن القيام شرط، يشترط للقادر كالصلاة، واستدلوا بحديث جابر بن سمرة، وبمواظبته- صلى اللّه عليه وسلم- على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعا فى الخطبتين ما احتيج إلى الفصل

__________

(١) انظر (زاد المعاد) لابن القيم (١/ ١٩٠ و ٤٢٩) .

(٢) حسن: أخرجه ابن ماجه (١١٠٩) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى الخطبة يوم الجمعة، من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٨٦٢) فى الجمعة، باب: ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة، وأبو داود (١٠٩٣) فى الصلاة، باب الخطبة قائما، من حديث جابر بن سمرة- رضى اللّه عنه-.

(٤) تقدم فى الذى قبله.

(٥) صحيح: أخرجه أبو داود (١٠٩٢) فى الصلاة، باب: الجلوس إذا صعد المنبر، من حديث ابن عمر، وأصله فى الصحيح وقد تقدم.

بالجلوس. ولأن الذى نقل عنه الجلوس، وهو معاوية، كان معذورا، فعند ابن أبى شيبة من طريق الشعبى: أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه (١) . واستدل الشافعى لوجوب الجلوس بين الخطبتين بما تقدم، وبمواظبة النبى- صلى اللّه عليه وسلم- على ذلك، مع قوله: صلوا كما رأيتمونى أصلى.

وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يقول بعد الثناء: (أما بعد) (٢) كما قاله البخارى.

وكان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: (صبحكم ومساكم) ويقول: (بعثت وأنا والساعة كهاتين) ، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب اللّه، وخير الهدى هدى محمد- صلى اللّه عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ثم يقول: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلىّ وعلىّ) (٣) . رواه مسلم والنسائى من حديث جابر.

وفى رواية: كانت خطبته- صلى اللّه عليه وسلم- يوم الجمعة: يحمد اللّه ويثنى عليه، ثم يقول على أثر ذلك، وقد علا صوته، وذكر نحوه (٤) .

__________

(١) أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه (٥١٩٣) ، من كان يخطب قائما

قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبى

قال: إنما خطب معاوية قاعدا حيث كثر شحم بطنه ولحمه، وله بنحوه عن طاووس، وذكره الهيثمى فى المجمع (٢، ١٨٧) فى باب الخطبة قائما والجلوس بين الخطبتين،

قال: وعن موسى بن طلحة

قال: شهدت عثمان يخطب على المنبر قائما وشهدت معاوية يخطب قاعدا ف

قال: أما إنى لم أجهل السنة ولكنى كبرت سنّى، ورقّ عظمى، وكثرت حوائجكم، فأردت أن أقضى بعض حوائجكم قاعدا ثم أقوم فاخذ نصيبى من السنة رواه الطبرانى فى الكبير وفيه قيس بن الربيع وقد وثقه شعبة والثورى وضعفه غيرهما.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٩٢٣) فى الجمعة، باب: من قال فى الخطبة بعد الثناء أما بعد، من حديث عمرو بن تغلب- رضى اللّه عنه-، وفى باب: قول الإمام فى خطبة الكسوف أما بعد من حديث أسماء- رضى اللّه عنها-.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٨٦٧) فى الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، وابن ماجه (٤٥) فى المقدمة، باب: اجتناب البدع والجدل من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-.

(٤) صحيح: تقدم فى الذى قبله.

وفى أخرى: كان يخطب الناس يحمد اللّه ويثنى عليه بما هو أهله ثم يقول: (من يهد اللّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وخير الحديث كتاب اللّه) (١) . ثم ذكر نحو ما تقدم.

وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان

قالت: ما أخذت ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (٢) إلا عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس (٣) . رواه مسلم.

وعن الحكم بن حزن الكلفى

قال: قدمت إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- سابع سبعة، أو تاسع تسعة، فلبثنا عنده أياما، شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- متوكئا على قوس، أو

قال: عصا، فحمد اللّه وأثنى عليه، كلمات خفيفات طيبات مباركات،

ثم قال: (يا أيها الناس، إنكم لن تفعلوا أو لن تطيقوا كل ما أمرتكم به، ولكن سددوا وأبشروا) (٤) . رواه أحمد ومسلم.

وعن يعلى بن أمية

قال: سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقرأ على المنبر وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (٥) (٦) . رواه البخارى ومسلم.

وعن أبى الدرداء

قال: خطبنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يوم الجمعة ف

قال: (توبوا إلى اللّه قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا، وصلوا الذى بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تخصبوا، وانهوا عن المنكر تنصروا، يا أيها الناس إن أكيسكم

__________

(١) صحيح: تقدم فى الذى قبله.

(٢) سورة ق: ١.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٨٧٣) فى الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، وأبو داود (١١٠٢) فى الصلاة، باب: الرجل يخطب على قوس، من حديث أم هشام بنت حارثة ابن النعمان- رضى اللّه عنها-.

(٤) حسن: أخرجه أبو داود (١٠٩٦) وقد تقدم وعزوه لمسلم خطأ.

(٥) سورة الزخرف: ٧٧.

(٦) صحيح: أخرجه البخارى (٤٨١٩) فى التفسير، باب: قوله ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك، ومسلم (٨٧١) فى الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة. من حديث يعلى بن أمية- رضى اللّه عنه-.

أكثركم ذكرا للموت، وأكرمكم أحسنكم استعدادا له، ألا وإن من علامات العقل التجافى عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكن القبور، والتأهب ليوم النشور) . ورواه ابن ماجهمن حديث جابر بن عبد اللّه مختصرا بنحوه (١) .

وفى مراسيل أبى داود عن الزهرى

قال: كان صدر خطبة النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (الحمد للّه نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، من يهد اللّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدى الساعة، من يطع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى) (٢) . نسأل اللّه ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه.

وعنده أيضا عنه

قال: بلغنا عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه كان يقول إذا خطب: (كل ما هو آت قريب، لا بعد لما هو آت، يريد اللّه أمرا، ويريد الناس أمرا، ما شاء اللّه كان ولو كره الناس، ولا مبعد لما قرب اللّه، ولا مقرب لما بعد اللّه، لا يكون شئ إلا بإذن اللّه عز وجل) .

وقال جابر: كان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا خطب يوم الجمعة يقول بعد أن يحمد اللّه ويصلى على أنبيائه: (أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن العبد المؤمن بين مخافتين، أجل قد مضى لا يدرى ما اللّه قاض فيه، وبين أجل قد بقى لا يدرى ما اللّه صانع فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، والذى نفسى بيده، ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، أقول قولى هذا وأستغفر اللّه العظيم لى ولكم) .

__________

(١) أخرجه ابن ماجه (١٠٨١) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: فى فرض الجمعة، من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما- .

(٢) أخرجه أبو داود (١٠٩٧) فى الصلاة، باب: الرجل يخطب على قوس .

وعن عمرو أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- خطب يوما

فقال: (ألا إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق يقضى فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره فى الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره فى النار، ألا فاعملوا وأنتم من اللّه على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم، فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره) .

رواه الشافعى، وعند أبى نعيم فى الحلية نحوه.

واختلف: هل يجب الإنصات، ويمنع من جميع أنواع الكلام حال الخطبة، أم لا. وعن الشافعى فى المسألة قولان مشهوران، وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف فى أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم، لا على الثانى، والثانى هو الأرجح عندهم، فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام، حتى شنع من شنع عليهم من المخالفين. وعن أحمد أيضا روايتان. وعنهما أيضا: التفرقة بين من يسمع الخطبة وبين من لا يسمعها. وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعهما إلا عن قليل من التابعين.

ودخل سليك الغطفانى، وهو- صلى اللّه عليه وسلم- يخطب، فقال له- صلى اللّه عليه وسلم-: (صليت؟)

قال: لا،

قال: (قم فاركع ركعتين) (١) . رواه البخارى ومسلم وأبو داود. واستدل به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد.

وتعقب: بأنها واقعة عين لا عموم لها، فيحتمل اختصاصها بسليك، ويدل عليه قوله فى حديث أبى سعيد- عند أهل السنن-: جاء رجل- والنبى- صلى اللّه عليه وسلم- يخطب- فى هيئة بذة، فقال له: (أصليت؟)

قال: لا،

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٩٣٠) فى الجمعة، باب: إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلى، ومسلم (٨٧٥) فى الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب. من حديث جابر بن عبد اللّه، وليس فيه اسم الرجل الذى دخل،

قال النووى فى الإشارات: قال الخطيب: الرجل: سليك الغطفانى،

وقيل: النعمان بن قوقل.

قال: (صل ركعتين) ، وحض الناس على الصدقة الحديث (١) ... فأمره بأن يصلى ركعتين ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه، وورد أيضا ما يؤيد الخصوصية، وهو ما أخرجه ابن حبانوهو قوله- صلى اللّه عليه وسلم- لسليك فى آخر الحديث: (لا تعودن لمثلها) (٢) ، ومما يضعف الاستدلال به على جواز التحية فى تلك الحالة أنهم أطلقوا أن التحية تفوت بالجلوس.

فهذا ما اعتل به من طعن فى الاستدلال بهذه القصة على جواز التحية، وكله مردود، لأن الأصل عدم الخصوصية، والتعليل بكونه- صلى اللّه عليه وسلم- قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية، فإن المانعين منها لا يجيزون التطوع لعلة التصدق. قال ابن المنير: لو ساغ ذلك لساغ مثله فى التطوع عند طلوع الشمس وسائر الأوقات المكروهة، ولا قائل به.

ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر فى قصد التصدق، معاودته- صلى اللّه عليه وسلم- بأمره بالصلاة فى الجمعة الثانية بعد أن حصل له فى الجمعة الأولى ثوبان تصدق بهما عليه، فدخل بهما فى الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه- صلى اللّه عليه وسلم- عن ذلك. أخرجه النسائى وابن خزيمة من حديث أبى سعيد أيضا.

ولأحمد وابن حبان: أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث مرات فى ثلاث جمع، فدل على أن قصد التصدق عليه جزء علة، لا علة كاملة.

وأما إطلاق من أطلق أن التحية تفوت بالجلوس، فقد حكى النووى فى شرح مسلم عن المحققين: أن ذلك فى حق العامد العالم، أما الجاهل والناسى فلا، وحال هذا الداخل محمولة فى المرة الأولى على أحدهما، وفى المرتين الأخيرتين على النسيان.

والحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره معارض

__________

(١) متفق عليه: أخرجه البخارى (٩٣٠) فى الجمعة، باب: إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلى، ومسلم (٨٧٥) فى الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب، من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-.

(٢) حسن: أخرجه ابن حبان فى (صحيحه) (٢٥٠٤) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوى.

للأمر بالإنصات والاستماع للخطبة. وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن ذلك وغيره من أدلة المانعين بما يطول ذكره، ثم

قال: وهذه الأجوبة التى قدمناها تندفع من أصلها بعموم قوله- صلى اللّه عليه وسلم- فى حديث أبى قتادة: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين) (١) متفق عليه.

قال: وورد أخص منه فى حال الخطبة، ففى رواية شعبة عن عمرو بن دينار

قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وهو يخطب: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب، أو قد خرج فليصل ركعتين) (٢) متفق عليه.

ولمسلم من طريق أبى سفيان عن جابر أنه قال ذلك فى قصة سليك ولفظه بعد قوله: (فاركعهما وتجوز) ثم

قال: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) (٣) .

قال النووى: هذا نص لا يتطرق إليه التأويل، ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحا فيخالفه. وقال العارف أبو محمد بن أبى جمرة: هذا الذى أخرجه مسلم نص فى الباب لا يحتمل التأويل. انتهى.

وقد قال قوم: إنما أمره- صلى اللّه عليه وسلم- بسنة الجمعة التى قبلها ومستندهم قوله- صلى اللّه عليه وسلم- فى قصة سليك- عند ابن ماجه- (أصليت ركعتين قبل أن تجئ؟) لأن ظاهره: قبل أن تجئ من البيت، ولهذا قال الأوزاعى: إن كان صلى فى البيت قبل أن يجئ فلا يصلى إذا دخل المسجد.

وتعقب: بأن المانع من صلاة التحية لا يجيز التنفل حال الخطبة مطلقا، ويحتمل أن يكون معنى قوله: (قبل أن تجئ) أى إلى الموضع الذى أنت فيه

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١١٦٧) فى الجمعة، باب: ما جاء فى التطوع مثنى مثنى، ومسلم (٧١٤) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنها مشروعة فى جميع الأوقات من حديث أبى قتادة بن ربعى الأنصارى- رضى اللّه عنه-.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١١٧٠) فى الجمعة، باب: ما جاء فى التطوع مثنى مثنى، ومسلم (٨٧٥) فى الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب، من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنه-.

(٣) تقدم فى الذى قبله.

الآن، وفائدة الاستفهام، احتمال أن يكون صلاهما فى مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة، ويؤيده: أن فى رواية مسلم (أصليت الركعتين؟) بالألف واللام، وهى للعهد، ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد، وأما سنة الجمعة التى قبلها فيأتى الكلام فيها- إن شاء اللّه تعالى-.

وكانت صلاته- صلى اللّه عليه وسلم- الجمعة قصدا، وخطبته قصدا (١) . رواه مسلم والترمذى من رواية جابر بن سمرة. زاد فى رواية أبى داود: يقرأ بايات من القرآن ويذكر الناس (٢)

. وله فى أخرى: كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هى كلمات يسيرات (٣) .

وعن عمرو بن حريث أنه- صلى اللّه عليه وسلم- خطب وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه (٤) . رواه مسلم.

قال ابن القيم فى الهدى (٥) : وكان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا اجتمع الناس خرج إليهم وحده من غير شاوش يصيح بين يديه، ولا لبس طيلسان ولا طرحة ولا سواد، فإذا دخل المسجد سلم عليهم، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم ثم يجلس. ويأخذ بلال فى الأذان، فإذا فرغ منه قام- صلى اللّه عليه وسلم- فخطب من غير فصل بين الأذان والخطبة، لا بإيراد خبر ولا غيره، ولم يكن

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٨٦٦) فى الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، والترمذى (٥٠٧) فى الجمعة، باب: ما جاء فى قصد الخطبة، من حديث جابر بن سمرة- رضى اللّه عنه-.

(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٨٦٢) فى الجمعة، باب: ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة، ولفظه (يقرأ القرآن ويذكر الناس) ، وأبو داود (١١٠١) فى الصلاة، باب: الرجل يخطب على قوس، من حديث جابر بن سمرة، وقد تقدم فى الذى قبله.

(٣) حسن: أخرجه أبو داود (١١٠٧) فى الجمعة، باب: إقصار الخطب، من حديث جابر بن سمرة- رضى اللّه عنه-، .

(٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٣٥٩) فى الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام، من حديث عمرو بن حريث، والترمذى (١٧٣٥) فى اللباس، باب: ما جاء فى العمامة السوداء، من حديث جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرام- رضى اللّه عنهما-، وقال الترمذى: حديث جابر حسن صحيح. (٥) (١/ ٤٢٩) .

يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان يأمر الناس بالدنو منه، ويأمرهم بالإنصات. انتهى. وينظر فى قوله: (ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما كان يعتمد على قوس، أو عصا قبل أن يتخذ المنبر) .

وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يقرأ بسورة الجمعة فى الركعة الأولى، وإِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ (١) فى الثانية (٢) . رواه مسلم والترمذى وأبو داود. والحكمة فى قراءته- صلى اللّه عليه وسلم- بسورة الجمعة، اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك، مما فيه من القواعد، والحث على التوكل والذكر وغير ذلك، وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك مما فيه من القواعد، لأنهم ما كانوا يجتمعون فى مجلس أكثر من اجتماعهم فيها.

وفى حديث النعمان بن بشير عند مسلم: وكان يقرأ فى العيدين وفى الجمعة ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (٣) وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (٤) (٥) .

وقد اختلف فى العدد الذى تنعقد بهم الجمعة، وللعلماء فيه خمسة عشر قولا:

أحدها: تصح من الواحد، نقله ابن حزم.

الثانى: اثنان كالجماعة، وهو قول النخعى وأهل الظاهر.

الثالث: اثنان مع الإمام، عند أبى يوسف ومحمد والليث.

الرابع: ثلاثة معه، عد أبى حنيفة وسفيان الثورى.

__________

(١) سورة المنافقون: ١.

(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٨٧٧) فى الجمعة، باب: ما يقرأ فى صلاة الجمعة، والترمذى (١١٢٤) فى الصلاة، باب: ما يقرأ به فى الجمعة من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

(٣) سورة الأعلى: ١.

(٤) سورة الغاشية: ١.

(٥) صحيح: أخرجه مسلم (٨٧٨) فى الجمعة، باب: ما يقرأ فى صلاة الجمعة، وأبو داود (١١٢٢) فى الصلاة، باب: ما يقرأ به فى الجمعة، من حديث النعمان بن بشير- رضى اللّه عنه-.

الخامس: سبعة، عند عكرمة.

السادس: تسعة، عند ربيعة.

السابع: اثنا عشر، عند ربيعة أيضا فى رواية.

الثامن: مثله غير الإمام، عند إسحاق.

التاسع: عشرون فى رواية ابن حبيب عن مالك.

العاشر: ثلاثون، كذلك.

الحادى عشر: أربعون بالإمام عند إمامنا الشافعى، واشتراط كونهم أحرارا، بالغين عقلاء، مقيمين لا يظعنون صيفا ولا شتاء إلا لحاجة، وأن يكونوا حاضرين من أول الخطبة إلى أن تقام الجمعة.

وحجة الشافعى: ما رواه الدار قطنى وابن ماجه والبيهقى فى الدلائل عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك

قال: كنت قائد أبى حين ذهب بصره، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان صلى على أبى أمامة واستغفر له، قال فمكث كذلك حينا لا يسمع الأذان فى الجمعة إلا فعل ذلك، فقلت له: يا أبت، استغفارك لأبى أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ما هو؟

قال: يا بنى، هو أول من جمّع بالمدينة،

قال: قلت له: كم كنتم يومئذ؟

قال: أربعون رجلا (١) .

وقال جابر بن عبد اللّه: مضت السنة أن فى كل ثلاثة إماما، وفى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة (٢) . خرجه الدار قطنى. وروى البيهقى عن ابن مسعود. أنه- صلى اللّه عليه وسلم- جمّع بالمدينة وكانوا أربعين رجلا (٣) . قال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى- نفع اللّه بوجوده- قال فى (المجموع) : قال أصحابنا: وجه الدلالة أن الأمة أجمعوا على اشتراط العدد، والأصل الظهر، فلا تصح

__________

(١) حسن: أخرجه أبو داود (١٠٦٩) فى الصلاة، باب: الجمعة فى القرى، وابن ماجه (١٠٨٢) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب فى فرض الجمعة، من حديث كعب بن مالك- رضى اللّه عنه-، .

(٢) أخرجه الدار قطنى (٢/ ٣) من حديث جابر بن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-.

(٣) أخرجه البيهقى (٣/ ١٨٠) من حديث ابن مسعود- رضى اللّه عنه-.

الجمعة إلا بعدد ثبت فيه توقيف، وقد ثبت جوازها بأربعين، وثبت (صلوا كما رأيتمونى أصلى) ، ولم يثبت صلاته لها بأقل من ذلك، فلا يجوز بأقل منه.

قال: وأما خبر انفضاضهم فلم يبق إلا اثنا عشر، فليس فيه أن ابتداءها كان باثنى عشر، بل يحتمل عودهم، أو عود غيرهم مع سماعهم أركان الخطبة. وفى مسلم: (انفضوا فى الخطبة) وفى روايةالبخارى (انفضوا فى الصلاة) وهى محمولة على الخطبة جمعا بين الأخبار. انتهى.

الثانى عشر: أربعون غير الإمام عند الشافعى أيضا، وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة.

الثالث عشر: خمسون، عند أحمد فى رواية، وحكيت عن عمر بن عبد العزيز وطائفة.

الرابع عشر: ثمانون، حكاه الرازى.

الخامس عشر: جمع كثر بغير حصر.

ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل. قاله فى فتح البارى.

الباب الثالث فى ذكر تهجده صلوات اللّه وسلامه عليه

قال اللّه تعالى له- صلى اللّه عليه وسلم-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ (١) أى بالقرآن، والمراد منه الصلاة المشتملة على القرآن. والهجود فى اللغة: النوم، وعن أبى عبيدة: الهاجد: النائم، والهاجد: المصلى بالليل، وعن الأزهرى:

الهاجد: النائم، وقال المازرى: التهجد: الصلاة بعد الرقاد، ثم صلاة أخرى بعد رقدة، ثم صلاة أخرى بعد رقدة،

قال: وهكذا كانت صلاة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-.

__________

(١) سورة الإسراء: ٧٩.

وقوله: (نافلة لك) أى عبارة زائدة فى فرائضك، ويمكن نصرة هذا القول بأن قوله: (فتهجد) أمر، وصيغة الأمر للوجوب، فوجب كون هذا التهجد واجبا، وروى الطبرى عن ابن عباس أن النافلة للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- خاصة، لأنه أمر بقيام الليل، وكتب عليه دون أمته (١) ، وإسناده ......

وقيل معناه: زيادة لك خاصة، لأن تطوع غيره يكفر ما على صاحبه من ذنب، وتطوعه هو- صلى اللّه عليه وسلم- يقع خالصا له لكونه لا ذنب عليه، فكل طاعة يأتى بها- صلى اللّه عليه وسلم- سوى المكتوبة إنما تكون لزيادة الدرجات، وكثرة الحسنات، ولهذا سمى نافلة بخلاف الأمة، فإن لهم ذنوبا محتاجة إلى الكفارات، فهذه الطاعات يحتاجون إليها لتكفير الذنوب والسيئات (٢) .

وروى مسلم من طريق سعد بن هشام عن عائشة

قالت: إن اللّه افترض قيام الليل فى هذه السورة، تعنى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (٣) فقام نبى اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وأصحابه حولا، حتى أنزل فى آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة (٤) . وروى محمد بن نصر فى قيام الليل من طريق سماك عن ابن عباس شاهدا لحديث عائشة فى أن بين الإيجاب والنسخ سنة.

وحكى الشافعى عن بعض أهل العلم أن آخر السورة نسخ افتراض قيام الليل إلا ما تيسر منه، ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس. وروى محمد ابن نصر من حديث جابر أن نسخ قيام الليل وقع لما توجهوا مع أبى عبيدة فى جيش الخبط، وكان ذلك بعد الهجرة لكن فى إسناده على بن زيد بن جدعان، وهو ...... فوجوب قيام الليل قد نسخ فى حقنا. وهل نسخ فى حقه- صلى اللّه عليه وسلم-؟ أكثر الأصحاب: لا، والصحيح: نعم، ونقله الشيخ أبو حامد عن النص.

__________

(١) قاله الحافظ ابن حجر فى (فتح البارى) (٣/ ٣) .

(٢) انظر ما قبله.

(٣) سورة المزمل: ١.

(٤) صحيح: أخرجه مسلم (٧٤٦) فى صلاة المسافرين قصرها، باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، وأحمد (١) من حديث عائشة.

وقالت عائشة: قام- صلى اللّه عليه وسلم- حتى تورمت قدماه، وفى رواية: حتى تفطرت قدماه، فقلت: لم تصنع هذا يا رسول اللّه، وقد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟

قال: (أفلا أكون عبدا شكورا)

قالت: فلما بدن وكثر شحمه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى جالسا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع (١) . رواه البخارى ومسلم.

والفاء فى قوله: (أفلا أكون) للسببية، وهى عن محذوف تقديره: أأترك تهجدى؟ فلا أكون عبدا شكورا، والمعنى: إن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا، فكيف أتركه؟

قال ابن بطال: فى هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة فى العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه، لأنه إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له، فكيف بمن لا يعلم، فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار. انتهى.

ومحل ذلك- كما قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى- ما لم يفض ذلك إلى الملال، لأن حال النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من عبادة ربه، وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح أنه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (وجعلت قرة عينى فى الصلاة) (٢) كما أخرجه النسائى من حديث أنس، فأما غيره- صلى اللّه عليه وسلم- فإذا خشى الملل ينبغى له أن لا يكد نفسه، وعليه يحمل قوله- صلى اللّه عليه وسلم-:

(خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللّه لا يمل حتى تملوا) (٣) انتهى.

لكن ربما دست النفس أو الشيطان على المجتهد فى العبادة بمثل ما ذكر،

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٤٨٣٧) فى التفسير، باب: ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك، ومسلم (٢٨٢٠) فى صفة القيامة والجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد فى العبادة، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٢) صحيح: أخرجه النسائى (٧/ ٦١) فى عشرة النساء، باب: حب النساء. من حديث أنس ابن مالك- رضى اللّه عنه-، .

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٥٨٦٢) فى اللباس، باب: الجلوس على الحمير ونحوه، ومسلم (٧٨٢) فى الصيام، باب: صيام النبى فى غير رمضان، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

خصوصا إذا كبر، فيقول: قد ضعفت وكبرت فأبق على نفسك لئلا ينقطع عملك بالكلية، وهذا وإن كان ظاهره جميلا لكن فيه دسائس، فإنه إن أطاعه فقد يكون استدراجا يئول به إلى ترك العمل شيئا فشيئا، إلى أن ينقطع بالكلية، وما ترك سيد المرسلين، المغفور له، شيئا من عمله بعد كبره.

نعم كان يصلى بعض ورده جالسا بعد أن كان يقوم حتى تفطرت قدماه، فكيف بمن أثقلت ظهره الذنوب والأوزار، ولا يأمن عذاب النار، أن يغافل حال شيبته، ويتوانى عند ظهور شيبه فينبغى للإنسان أن يستعد قبل حلول مشيبه. (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك) (١) فإن من شاب فقد لاح صبح سواد ليل شعره، وقد قال تعالى منذرا لمن يدخل فى الصباح: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٢) فكيف بقرب من دخل فى الصباح، وظهر كوكب نهاره فى أفق رأسه ولاح؟!

قال القرطبى: ظن من سأله- صلى اللّه عليه وسلم- عن سبب تحمله المشقة فى العبادة أنه إنما يعبد اللّه خوفا من الذنوب، وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى ذلك، فأفادهم أن هناك طريقا آخر للعبادة، وهو الشكر على المغفرة، وإيصال النعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئا، فيتعين كثرة الشكر على ذلك، والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فمن كثر ذلك سمى شكورا، ومن ثم

قال اللّه تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (٣) .

وفيه: ما كان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عليه من الاجتهاد فى العبادة والخشية من ربه عز وجل، قال العلماء: إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة اللّه عليهم، وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم فى عبادته ليؤدوا بعض شكره، مع أن حقوق اللّه أعظم من أن يقوم بها العباد، واللّه أعلم، انتهى.

__________

(١) صحيح: أخرجه الحاكم فى المستدرك، والبيهقى فى (شعب الإيمان) عن ابن عباس، وأحمد فى الزهد، وأبو نعيم فى الحلية، والبيهقى فى (شعب الإيمان) عن عمرو بن ميمون مرسلا، كما فى (صحيح الجامع) (١٠٧٧) .

(٢) سورة هود: ٨١.

(٣) سورة سبأ: ١٣.

ذكر سياق صلاته ص بالليل

عن شريح بن هانئ قالت عائشة- رضى اللّه عنها-: ما صلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- العشاء قط فدخل بيتى إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات (١) . رواه أبو داود. وكان يقوم إذا سمع الصارخ (٢) . رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة. وهو يصرخ فى النصف الثانى. و

قالت: كان- صلى اللّه عليه وسلم- ينام أول الليل ويقوم آخره، فيصلى ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذن المؤذن وثب، فإن كانت به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج (٣) . رواه الشيخان. وقالت أيضا:

كان- صلى اللّه عليه وسلم- ربما اغتسل فى أول الليل، وربما اغتسل فى آخره، وربما أوتر فى أول الليل، وربما أوتر فى آخره، وربما جهر بالقراءة، وربما خفت (٤) .

وقالت أم سلمة: كان يصلى بنا ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلى قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح (٥) . رواه أبو داود والترمذى والنسائى.

وفى رواية للنسائى: كان يصلى العتمة، ثم يسبح ثم يصلى بعدها ما شاء من

__________

(١) أخرجه أبو داود (١٣٥٣) فى الصلاة، باب: بعد صلاة العشاء، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها- .

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١١٣٢) فى الجمعة، باب: من نام عند السحر، ومسلم (٧٤١) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (علي ١١٤٦) فى الجمعة، باب: من نام أول الليل وأحيا آخره، ومسلم (٧٣٩) فى صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٤) أخرجه أحمد (٦/ ٢٥٦) ، وأبو داود (٢٣٦) فى الطهارة، باب الجنب يؤخر الغسل من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٥) أخرجه أبو داود (١٤٦٦) فى الصلاة باب: استحباب الترتيل فى القراءة، والترمذى (٢٩٢٣) فى فضائل القرآن، باب: ما جاء كيف كانت قراءة النبى، من حديث أم سلمة زوج النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وليس فيه (صلى بنا) .

الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى ثم يستيقظ من نومه فيصلى مثل ما نام، وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح (١) .

وعن أنس

قال: ما كنا نشاء أن نرى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- من الليل مصليا إلا رأيناه، ولا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه (٢) . رواه النسائى.

وكان إذا استيقظ من الليل

قال: (لا إله إلا أنت سبحانك

اللّهم وبحمدك، أستغفرك لذنبى، وأسألك رحمتك،

اللّهم زدنى علما ولا تزغ قلبى إذ هديتنى، وهب لى من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (٣) رواه أبو داود من حديث عائشة.

وعنها: كان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا هب من الليل كبر اللّه عشرا، وحمد اللّه عشرا، وقال سبحان اللّه وبحمده عشرا، وقال سبحان الملك القدوس عشرا، واستغفر اللّه عشرا، وهلل عشرا، ثم

قال: (اللّهم إنى أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا) ، ثم يفتتح الصلاة (٤) . رواه أبو داود. وقد روى حديث قيامه بالليل ووتره عائشة وابن عباس.

قال ابن القيم: وإذا اختلف ابن عباس وعائشة فى شئ من أمر قيامه- صلى اللّه عليه وسلم- بالليل، فالقول قول عائشة، لكونها أعلم الخلق بقيامه بالليل.

__________

(١) أخرجه النسائى (٣/ ٢١٤) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر صلاة رسول اللّه بالليل، من حديث أم سلمة- رضى اللّه عنها-.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١١٤١) فى الجمعة، باب: قيام النبى بالليل من نومه وما نسخ من قيام الليل، والترمذى (٧٦٩) فى الصوم، باب: ما جاء فى سرد الصوم من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-.

(٣) أخرجه أبو داود (٥٠٦١) فى الأدب، باب: ما يقول الرجل إذا تعار من الليل، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها- ولفظه (لا إله إلا أنت سبحانك

اللّهم أستغفرك لذنبى وأسألك رحمتك،

اللّهم زدنى علما ولا تزغ قلبى بعد إذ هديتنى وهب لى من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) .

(٤) أخرجه أبو داود (٥٠٨٥) فى الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها- .

انتهى. فأما حديث ابن عباس، فرواه البخارى ومسلم بلفظ: بت عند خالتى ميمونة ليلة والنبى- صلى اللّه عليه وسلم- عندها، فتحدث النبى- صلى اللّه عليه وسلم- مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر أو نصفه قعد ينظر إلى السماء فقرأ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ (١) حتى ختم السورة، ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها (٢) ، ثم صب فى الجفنة(٣) ، ثم توضأ وضوآ حسنا بين الوضوءين (٤) لم يكثر وقد أبلغ، فقام فصلى، فقمت وتوضأت فقمت عن يساره، فأخذ بأذنى فأدارنى عن يمينه، فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فاذنه بلال الصلاة فصلى ولم يتوضأ. وكان يقول فى دعائه:

(اللّهم اجعل فى قلبى نورا، وفى بصرى نورا، وفى سمعى نورا، وعن يمينى نورا، وعن يسارى نورا، وفوقى نورا وتحتى نورا، وأمامى نورا وخلفى نورا، واجعل لى نورا) (٥) ، وزاد بعضهم: وفى لسانى نورا، وذكر: عصبى ولحمى ودمى وشعرى وبشرى (٦) .

وفى رواية: فصلى ركعتين خفيفتين، قلت قرأ فيها بأم الكتاب فى كل ركعة، ثم سلم، ثم صلى إحدى عشر ركعة بالوتر ثم نام، فأتاه بلال ف

قال: الصلاة يا رسول اللّه، فقام فركع ركعتين ثم صلى للناس (٧) . وفى رواية:

فقام فصلى ثلاث عشرة ركعة، منها ركعتا الفجر، حزرت قيامه فى كل ركعة

__________

(١) سورة آل عمران: ١٩٠.

(٢) القربة: إناء من جلد لحفظ الماء والشناق رباط القربة وما تشد به.

(٣) الجفنة: القصعة وهى إناء يسع ما يشبع عشرة.

(٤) قوله (وضوآ بين وضوءين) وقال ابن حجر: قد فسره بقوله (لم يكثر وقد أبلغ) وهو يحتمل أن يكون قلل الماء مع التثليث أو اقتصر على دون الثلاث.

(٥) صحيح: أخرجه البخارى (٦٣١٦) فى الدعوات، باب: الدعاء إذا انتبه من الليل، ومسلم (٧٦٣) فى صلاة المسافرين، باب: الدعاء فى صلاة الليل وقيامه، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-.

(٦) تقدم فى الحديث الذى قبله.

(٧) صحيح: أخرجه مسلم (٧٦٣) فى صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء فى صلاة الليل وقيامه، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-.

بقدر يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) . وفى رواية: فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمانى ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس فيهن. وفى رواية النسائى: أنه صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام حتى استثقل فرأيته ينفخ فأتاه بلال، الحديث.

وفى أخرى له: فتوضأ واستاك وهو يقرأ هذه الآية حتى فرغ منها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (٢) ثم صلى ركعتين. ثم عاد فنام حتى سمعت نفخه، ثم قام فتوضأ واستاك ثم صلى ركعتين ثم نام ثم قام فتوضأ واستاك وصلى ركعتين وأوتر بثلاث.

ولمسلم: فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (٣) حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ وهو يقرأ هذه الآيات، ثم أوتر بثلاث (٤) .

وأما حديث عائشة فعن سعد بن هشام

قال: انطلقت إلى عائشة فقلت:

يا أم المؤمنين، انبئينى عن خلق رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم

قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى،

قالت: كان خلقه القرآن، قلت: يا أم المؤمنين، أنبئينى عن وتر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم

فقالت: كنا نعد له- صلى اللّه عليه وسلم- سواكه وطهوره، فيبعثه اللّه متى شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلى تسع ركعات ولا يجلس فيها إلا فى الثامنة، فيذكر اللّه ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم فيصلى التاسعة، ثم يقعد فيذكر اللّه ويحمده ويدعو، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنى، فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع فى الركعتين مثل صنيعه

__________

(١) سورة المزمل: ١.

(٢) سورة البقرة: ١٦٤.

(٣) سورة البقرة: ١٦٤.

(٤) صحيح: أخرجه مسلم (٧٦٣) وقد تقدم.

فى الأول، فتلك تسع يا بنى (١) . رواه مسلم. وللنسائى: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه اللّه لما شاء أن يبعثه من الليل، فيستاك ويتوضأ ويصلى تسع ركعات، ولا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، ويحمد اللّه تعالى ويصلى على نبيه ويدعو بينهن ولا يسلم، ثم يصلى ويقعد ويحمد اللّه تعالى ويصلى على نبيه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين وهو قاعد- زاد فى أخرى:

فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنى (٢) - فلما أسن- صلى اللّه عليه وسلم- وأخذه اللحم أوتر بسبع، ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما سلم، فتلك تسع، أى بنى (٣) .

وفى رواية له: فصلى ست ركعات يخيل إلىّ أنه سوى بينهن فى القراءة والركوع والسجود، ثم يوتر بركعة، ثم يصلى ركعتين وهو جالس ثم يضع جنبه. وعن عائشة: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين (٤) . رواه مسلم وأحمد.

وعنها: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، ويسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فيسجد السجدة فى ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين لنا الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة (٥) ، رواه أبو داود. وعنها

قالت: كان يصلى ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس ولا يجلس فى شئ إلا فى آخرها (٦) . رواه البخارى ومسلم.

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٧٤٦) فى صلاة المسافرين وقصرها، باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، والنسائى (١٦٠١) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: قيام الليل، وهو جزء من حديث سعد بن هشام أنه لقى ابن عباس فسأله عن الوتر، فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-،

قال: نعم، قال عائشة ائتها فسلها ... الحديث.

(٢) تقدم فى الذى قبله.

(٣) تقدم فى الذى قبله.

(٤) صحيح: أخرجه مسلم (٧٦٧) وتقدم فى الذى قبله.

(٥) صحيح: أخرجه البخارى (٩٩٤) فى الجمعة، باب: ما جاء فى الوتر، وأبو داود (١٣٣٦) فى الصلاة، باب: صلاة الليل، من حديث عائشة واللفظ لأبى داود.

(٦) صحيح: أخرجه البخارى (١١٦٤) فى الجمعة، باب: ما يقرأ فى ركعتى الفجر، ومسلم (٧٣٧) فى صلاة المسافرين، باب. صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل من حديث عائشة واللفظلمسلم.

وفى البخارى عن مسروق: سألت عائشة عن صلاة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتى الفجر (١) . وعنده أيضا، عن القاسم بن محمد، عنها: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر(٢) .

قال القرطبى: أشكلت روايات عائشة على كثير من أهل العلم، حتى نسب بعضهم حديثها إلى الاضطراب. وهذا إنما يتم لو كان الراوى عنها واحدا، وأخبرت عن وقت واحد.

والصواب: أن كل شئ ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعددة، وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز، انتهى. وأما حديث القاسم عنها فمحمول على أن ذلك كان غالب أحواله. قيل: والحكمة فى عدم الزيادة على إحدى عشرة: أن التهجد، والوتر مختص بصلاة الليل، وفرائض النهار: الظهر وهى أربع، والعصر وهى أربع، والمغرب وهى ثلاث وتر النهار، فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار فى العدد جملة وتفصيلا، وأما مناسبة (ثلاث عشرة) فبضم صلاة الصبح لكونها نهارية إلى ما بعدها.

انتهى.

وعن زيد بن خالد الجهنى أنه

قال: لأرمقن صلاة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- الليلة،

قال: فصلى ركعتين خفيفتين، ثم ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة (٣) . رواه مسلم.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١١٣٩) فى الجمعة، باب: كيف كان صلاة النبى وكم كان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى من الليل، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١١٤٠) فى الجمعة، باب: كيف كان صلاة النبى وكم كان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- من الليل، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٧٦٥) فى صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وأبو داود (١٣٦٦) فى الصلاة، باب: فى صلاة الليل، من حديث زيد بن خالد الجهنى- رضى اللّه عنه-.

وقوله: (ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما) أربع مرات، هكذا فى صحيح مسلم وموطأ مالك وسنن أبى داود وجامع الأصول لابن الأثير.

فقد كان قيامه- صلى اللّه عليه وسلم- بالليل أنواعا.

أحدها: ست ركعات، يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بثلاث، كما فى حديث ابن عباس، عند مسلم.

ثانيها: أنه كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ثم يتم ورده إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين، ويوتر بركعة. رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة.

ثالثها: ثلاث عشرة، كذلك رواه مسلم من حديث زيد بن خالد الجهنى.

رابعها: ثمانى ركعات، يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بخمس سردا متوالية، لا يجلس إلا فى آخرهن. رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عباس.

خامسها: تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا فى الثامنة، فيذكر اللّه ويحمده ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم فيصلى التاسعة، ثم يقعد فيحمده ويدعوه ثم يسلم، ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم قاعدا. رواه مسلم من حديث عائشة.

سادسها: يصلى سبعا كالتسع، ثم يصلى بعدها ركعتين جالسا. رواه مسلم أيضا من حديثها.

سابعها: كان يصلى مثنى مثنى، ثم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن. رواه أحمد عنها.

ثامنها: ما رواه النسائى عن حذيفة أنه صلى مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى رمضان، فركع فقال فى ركوعه: (سبحان ربى العظيم) مثل ما كان قائما، ثم

جلس يقول: (رب اغفر لى، رب اغفر لى) ، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة (١) .

ورواه أبو داود، ولفظه: أنه رأى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى من الليل فكان يقول: (اللّه أكبر، ثلاثا، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة) ، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه، وكان يقول فى ركوعه: (سبحان ربى العظيم) ، ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوا من ركوعه، يقول: (لربى الحمد) ، ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه، فكان يقول فى سجوده: (سبحان ربى الأعلى) ، ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده، وكان يقول: (رب اغفر لى) ، فصلى أربع ركعات، فقرأ فيهم البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام، شك شعبة (٢) .

ورواه البخارى ومسلم بلفظ: صليت مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى فقلت يصلى بها فى ركعة، فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر باية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: (سبحان ربى العظيم) ، فكان ركوعه نحو قيامه، ثم

قال: (سمع اللّه لمن حمده) - زاد فى رواية: (ربنا لك الحمد) - ثم قام قياما طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد ف

قال: (سبحان ربى الأعلى) ، فكان سجوده قريبا من قيامه (٣) .

__________

(١) صحيح: أخرجه النسائى (٣/ ٢٢٦) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: تسوية القيام والركوع والقيام بعد الركوع والسجود، من حديث حذيفة بن اليمان- رضى اللّه عنه-، قال النسائى: هذا حديث عندى مرسل.

(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٨٧٤) فى الصلاة، باب: ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده، من حديث حذيفة بن اليمان- رضى اللّه عنه-.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٧٧٢) فى صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة فى صلاة الليل، من حديث حذيفة بن اليمان- رضى اللّه عنه-.

وزاد النسائى: لا يمر باية تخويف أو تعظيم للّه عز وجل إلا ذكره (١) .

وقد كانت هيئة صلاته- صلى اللّه عليه وسلم- ثلاثة:

أحدها: أنه كان أكثر صلاته قائما: فعن حفصة

قالت: ما رأيته- صلى اللّه عليه وسلم- صلى فى سبحته قاعدا (٢) ، حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلى فى سبحته قاعدا، الحديث رواه أحمد ومسلم والنسائى وصححه الترمذى.

الثانى: كان يصلى قاعدا ويركع قاعدا. رواه البخارى ومسلم وغيرهما من حديث عائشة بلفظ: وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد (٣) .

الثالث: كان يقرأ قاعدا، فإذا بقى يسير من قراءته قام فركع قائما. رواه مسلم من حديث عائشة ولفظه: إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى جالسا، ويقرأ وهو جالس فإذا بقى من قراءته قدر ما يكون ثلاثين آية أو أربعين آية قام وقرأ وهو قائم، ثم ركع ثم سجد، ثم يفعل فى الركعة الثانية مثل ذلك (٤) .

وعن عائشة: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى متربعا (٥) . رواه الدار قطنى. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى ركعتين بعد الوتر جالسا تارة، وتارة يقرأ فيهما وهو جالس

__________

(١) صحيح: أخرجه النسائى (٢/ ٢٢٤) فى التطبيق، باب: نوع آخر، من حديث حذيفة- رضى اللّه عنه-، .

(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٧٣٣) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا، والترمذى (٣٧٣) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الرجل يتطوع جالسا، والنسائى (١٦٥٨) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: صلاة القاعد فى النافلة، من حديث حفصة- رضى اللّه عنها-.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٧٣٠) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا، والترمذى (٣٧٣) وقد تقدم فى الذى قبله من حديث حفصة.

(٤) صحيح: أخرجه البخارى (١١١٩) فى الجمعة، باب: إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقى، ومسلم (٧٣١) فى صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٥) أخرجه النسائى (٣/ ٢٢٤) فى قيام الليل والتطوع بالنهار، باب: كيف صلاة القاعد، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-، قال النسائى: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث غير أبى داود وهو ثقة ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ.

فإذا أراد أن يركع قام فركع (١) . قالت عائشة: كان يوتر بواحدة، ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع (٢) . رواه ابن ماجه.

وعن أبى أمامة أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما إِذا زُلْزِلَتِ (٣) والْكافِرُونَ (٤) . رواه أحمد:

واختلف فى هاتين الركعتين فأنكرهما مالك وكذا النووى فى المجموع. وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنعه. انتهى.

والصواب: أنه إنما فعلهما بيانا لجواز الصلاة بعد الوتر، وجواز الصلاة جالسا، ولفظة (كان) لا تفيد دواما ولا أكثرية هنا. وغلط من ظنهما سنة راتبة، فإنه- صلى اللّه عليه وسلم- ما داومهما، ولا تشبه السنة بالفرض حتى يكون للوتر صلاة بعده.

وأما قيامه- صلى اللّه عليه وسلم- ليلة النصف من شعبان، فعن عائشة- رضى اللّه عنها-

قالت: قام رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجعت، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته،

قال: (يا عائشة، أو يا حميراء، أظننت أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- قد خاس بك) ، قلت: لا واللّه يا رسول اللّه، ولكنى ظننت أنك قد قبضت لطول سجودك، ف

قال: (أتدرين أى ليلة هذه؟) قلت: اللّه ورسوله أعلم،

قال: (هذه ليلة النصف من شعبان، إن اللّه عز وجل يطلع على

__________

(١) صحيح: أخرجه ابن ماجه (١١٩٥) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى الركعتين بعد الوتر جالسا، من حديث أم سلمة، ولفظه: (أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، كان يصلى بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس) .

(٢) صحيح: أخرجه ابن ماجه (١١٩٦) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى الركعتين بعد الوتر جالسا، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها- .

(٣) سورة الزلزلة: ١.

(٤) سورة الكافرون: ١.

عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم) ، رواه البيهقى من طريق العلاء بن الحارث عنها، و

قال: هذا مرسل جيد، يعنى أن العلاء لم يسمع من عائشة.

وقد ورد فى فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث كثيرة، لكن ضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجه فى صحيحه، ومن أمثلها- كما نبه عليه الحافظ ابن رجب- حديث عائشة

قالت: فقدت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فخرجت فإذا هو بالبقيع، رافع رأسه إلى السماء، ف

قال: (أكنت تخافين أن يحيف اللّه عليك ورسوله) ، فقلت: يا رسول اللّه قد ظننت أنك أتيت بعض نسائك، ف

قال: (إن اللّه تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) (١) . رواه أحمد، وقال الترمذى: إن البخارى ضعفه.

وفى سنن ابن ماجه: بإسناد .....، عن على مرفوعا: (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن اللّه تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر) (٢) . وقد كان التابعون من أهل الشام، كخالد بن معدان، ومكحول يجتهدون ليلة النصف من شعبان فى العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، وي

قال: إنه بلغهم فى ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء، وابن أبى مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول

__________

(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٧٣٩) فى الصوم عن رسول اللّه، باب: ما جاء فى ليلة النصف من شعبان، وابن ماجه (١٣٨٩) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى ليلة النصف من شعبان، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-، قال الترمذى: حديث حسن صحيح، وهو كما قال.

(٢) جدّا: أخرجه ابن ماجه (١٣٨٨) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فى ليلة النصف من شعبان، من حديث على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه-.

أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة. واختلف علماء أهل الشام فى صفة إحيائها على قولين:

أحدهما: إنه يستحب إحياؤها جماعة فى المساجد، وكان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون فى المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهواه على ذلك، وقال فى قيامها فى المساجد جماعة ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرمانى فى مسائله.

الثانى: أنه يكره الاجتماع لها فى المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعى إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.

ولا يعرف للإمام أحمد كلام فى ليلة النصف من شعبان، ويتخرج فى استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه فى قيام ليلتى العيد، فإنه فى رواية لم يستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ولا عن أصحابه فعلها، واستحبها فى رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شئ عن النبى-صلى اللّه عليه وسلم- ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام. انتهى ملخصا من اللطائف.

وأما قوله تعالى فى سورة الدخان: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ (١) فالمراد بها إنزاله تعالى القرآن فى ليلة القدر، كما

قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (٢) وكان ذلك فى شهر رمضان، كما

قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (٣) .

قال الحافظ ابن كثير: ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان، كما روى

__________

(١) سورة الدخان: ٣.

(٢) سورة القدر: ١.

(٣) سورة البقرة: ١٨٥.

عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها فى رمضان. وأما الحديث الذى رواه عبد اللّه بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهرى، أخبرنى عثمان بن محمد بن المغيرة: أن الأخنس

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-:

(تقطع الأجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد وقد أخرج اسمه فى الموتى) (١) . فهو حديث مرسل، ومثله لا تعارض به النصوص.

انتهى.

وأما قيامه- صلى اللّه عليه وسلم- فى شهر رمضان، وهو الذى يسمى بالتراويح: جمع روحية، وهى المرة الواحدة من الراحة، وسميت بذلك لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.

فعن عائشة: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر (٢) . رواه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى.

ولمسلم: قالت: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يجتهد فى رمضان ما لا يجتهد فى غيره، وفى العشر الأخير منه ما لا يجتهد فى غيره (٣) . وفى رواية الترمذى: كان يجتهد فى العشر الأواخر منه ما لا يجتهد فى غيره (٤) .

وعنها: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى فى المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فلما أصبح

قال: (قد رأيت الذى صنعتم، ولم

__________

(١) أخرجه ابن زنجويه، والديلمى عن عثمان بن محمد الأخنس كما فى (كنز العمال) (٤٢٧٨٠) .

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٢٠٢٤) فى صلاة التراويح، باب: العمل فى العشر الأواخر من رمضان، ومسلم (١١٧٤) فى الاعتكاف، باب: الاجتهاد فى العشر الأواخر من شهر رمضان، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١١٧٥) فى الاعتكاف، باب: الاجتهاد فى العشر الأواخر من شهر رمضان، والترمذى (٧٩٦) فى الصوم، باب: منه من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٤) تقدم فى الذى قبله.

يمنعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم) ، وذلك فى رمضان (١) . رواه البخارى ومسلم وأبو داود.

وفى رواية للبخارى ومسلم، أنه- صلى اللّه عليه وسلم- خرج من جوف الليل فصلى فى المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج- صلى اللّه عليه وسلم- فى الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كان فى الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليه-صلى اللّه عليه وسلم-، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة فلا يخرج إليهم، حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد ف

قال: (أما بعد؛ إنه لم يخف على شأنكم الليلة، ولكنى خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليلة فتعجزوا عنها) (٢) . وفى رواية بنحوه ومعناه مختصرا:

قال: وذلك فى رمضان.

قال فى فتح البارى: ظاهر الحديث أنه- صلى اللّه عليه وسلم- توقع ترتب افتراض الصلاة بالليل جماعة على وجود المواظبة عليها، وفى ذلك إشكال بناه بعض المالكية على قاعدتهم: فى أن الشروع ملزم، وفيه نظر.

وأجاب المحب الطبرى: أنه يحتمل أن يكون اللّه عز وجل أوحى إليه:

إنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم، فأحب التخفيف عنهم.

وقيل: خشى أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب، قال القرطبى: أى يظنوه فرضا، فيجب على من ظن ذلك، كما إذا ظن المجتهد حل شئ أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١١٢٩) فى الجمعة، باب: تحريض النبى على صلاة الليل والنوافل، ومسلم (٧٦١) فى صلاة المسافرين، باب: الترغيب فى قيام رمضان وهو التراويح، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٢٠١٢) فى صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان ومسلم وقد تقدم فى الذى قبله.

وقد استشكل الخطابى أصل هذه الخشية، مع ما ثبت فى حديث الإسراء، من أن اللّه تعالى

قال: (هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدى) فإذا أمن التبديل كيف يقع الخوف من الزيادة، وهذا يدفع فى صدور الأجوبة المتقدمة.

وقد أجاب عنه الخطابى: بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه- صلى اللّه عليه وسلم-، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها- يعنى عند المواظبة- فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك فى الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به، لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر، فتجب عليه ولا يلزم من ذلك زيادة فرض فى أصل الشرع.

قال: وفيه احتمال آخر، وهو أن اللّه تعالى فرض الصلاة خمسين، ثم حط معظمها بشفاعة نبيه- صلى اللّه عليه وسلم-، فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم-صلى اللّه عليه وسلم- منه، لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم.

قال الحافظ ابن حجر: وقد تلقى هذين الجوابين عن الخطابى جماعة كابن الجوزى، وهو مبنى على أن قيام الليل كان واجبا على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وعلى وجوب الاقتداء بأفعاله، وفى كل من الأمرين نزاع.

ثم أجاب منه بثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد فى المسجد جماعة شرطا فى صحة التنفل بالليل،

قال: ويومئ إليه قوله فى حديث زيد بن ثابت: (حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس فى بيوتكم) (١) فمنعهم من التجمع فى

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧٣١) فى الأذان، باب صلاة الليل، والنسائى (١٥٩٩) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: الحث على الصلاة فى البيوت والفضل فى ذلك من حديث زيد بن ثابت- رضى اللّه عنه-.

المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه فى المواظبة على ذلك فى بيوتهم من افتراضه عليهم.

وثانيها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، فلا يكون ذلك زائدا على الخمس، بل هو نظير ما ذهب إليه قوم فى العيد ونحوها.

وثالثها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة، فقد وقع فى حديث الباب أن ذلك كان فى رمضان، وفى حديث سفيان بن حسين (خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر)(١) ،

قال: فعلى هذا يرتفع الإشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم فى السنة، فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس، وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة فى نظرى الأول.

وعن النعمان بن بشير

قال: قمنا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور (٢) . رواه النسائى. واختلف العلماء:

هل الأفضل فى صلاة التراويح أن تصلى جماعة فى المسجد، أو فى البيوت فرادى؟

فقال الشافعى وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وبعض المالكية وغيرهم:

الأفضل صلاتها جماعة، كما فعل عمر بن الخطاب والصحابة، واستمر عمل المسلمين عليه، لأنه من الشعائر الظاهرة، فأشبه صلاة العيد.

فإن قلت: قد ذكرت أن الحافظ ابن حجر حمل قوله- صلى اللّه عليه وسلم-:

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٧٦١) وقد تقدم أكثر من مرة ولفظه خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها.

(٢) صحيح: أخرجه النسائى (٣/ ٢٠٣) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب قيام شهر رمضان، من حديث النعمان بن بشير- رضى اللّه عنه-، .

(إنى خشيت أن تفرض عليكم) على التجميع فى المسجد، و

قال: إنه أقوى الأوجه.

فالجواب: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- لما مات حصل الأمن من ذلك، ورجح عمر التجميع لما فى الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحدة أنشط لكثير من المصلين.

وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم: الأفضل صلاتها فرادى فى البيوت، لقوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة) (١) ، قالوا: وإنما فعلها-صلى اللّه عليه وسلم- فى المسجد لبيان الجواز، أو لأنه كان معتكفا.

وأما عدد الركعات التى كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصليها فى رمضان، فعن أبى سلمة أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى رمضان؟

قالت: ما كان يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى ثلاثا، قالت عائشة: فقلت: يا رسول اللّه، أتنام قبل أن توتر؟

قال: (يا عائشة، إن عينى تنامان ولا ينام قلبى) (٢) . رواه البخارى ومسلم.

وأما ما رواه ابن أبى شيبة من حديث ابن عباس: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى فى رمضان عشرين ركعة والوتر (٣) ، فإسناده ...... وقد عارضه حديث عائشة هذا، وهى أعلم بحال النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ليلا من غيرها.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧٣١) فى الأذان، باب: صلاة الليل، ومسلم (٧٨١) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة فى بيته وجوازها فى المسجد، من حديث زيد بن ثابت- رضى اللّه عنه-.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٢٠١٣) فى صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان، ومسلم (٧٣٨) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل.

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٢٠١٠) فى صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان، ومالك فى الموطأ (٢٥٢) فى النداء للصلاة، باب: ما جاء فى قيام رمضان، عن عبد الرحمن بن عبد القارى أنه

قال: خرجت مع عمر بن الخطاب فى رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ... فذكره.

وقد كان الأمر فى زمنه- صلى اللّه عليه وسلم- استمر على أن كل واحد يقوم فى رمضان فى بيته منفردا، حتى انقضى صدر من خلافة عمر.

وفى البخارى: أن عمر خرج ليلة فى رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلى الرجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط، فقال عمر: إنى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أجمع، ثم عزم فجمعهم على أبى بن كعب، ثم خرج ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتى تنامون عنها أفضل من التى تقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله. وإنما اختار أبيّا لأنه كان أقرأهم، كما قال عمر.

وروى سعيد بن منصور من طريق عروة: أن عمر جمع الناس على أبى ابن كعب، فكان يصلى بالرجال، وكان تميم الدارى يصلى بالنساء. وفى الموطأ: أمر عمر أبى بن كعب وتميما الدارى أن يقوما للناس فى رمضان (١) .

وروى البيهقى بإسناد صحيح أن الناس كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب فى شهر رمضان بعشرين ركعة.

قال الحليمى: والسر فى كونها عشرين ركعة أن الرواتب فى غير رمضان عشر ركعات، فضوعفت لأنه وقت جد وتشمير.

وفى الموطأ: بثلاث وعشرين (٢) . وجمع البيهقى بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث. وفى الموطأ: عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنها إحدى عشرة (٣) ، وعند عبد العزيز: إحدى وعشرين.

والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث يطيل القراءة يقل الركعات وبالعكس.

__________

(١) أخرجه مالك فى (الموطأ) (٢٥٤) .

(٢) أخرجه مالك فى (الموطأ) (٢٥٥) .

(٣) أخرجه مالك فى (الموطأ) (٢٥٣) .

وقد روى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس،

قال: أدركت الناس فى إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز- يعنى بالمدينة- يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث. وقال مالك: هو الأمر القديم عندنا. وعن الزعفرانى عن الشافعى: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين، وليس فى شئ من ذلك ضيق. وعنه

قال: إن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفوا القراءة فحسن، والأول أحب إلى. انتهى.

وهل يجوز لغير أهل المدينة صلاتها ستّا وثلاثين،

قال النووى: قال الشافعى: لا يجوز ذلك لغيرهم، لأن لأهلها شرفا بهجرته- صلى اللّه عليه وسلم- ومدفنه، ويخالفه قول الحليمى: ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاثين فحسن أيضا.

وينبغى أن يسلم من كل ركعتين، فلو صلى أربعا بتسليمة واحدة لم يصح وفاقا للقاضى حسين فى فتاويه، ولو صلى سنة الظهر أو العصر أربعا بتسليمة واحدة جاز، والفرق: أن التراويح بمشروعية الجماعة أشبهت الفرائض، قاله النووى فى فتاويه، وصرح به فى (الروضة) .

وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يطيل القراءة فى رمضان بالليل أكثر من غيره. وقد صلى معه حذيفة ليلة فى رمضان،

قال: فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم آل عمران، لا يمر باية تخويف إلا وقف وسأل،

قال: فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فاذنه بالصلاة (١) . أخرجه أحمد

وأخرجه النسائى. وعنده أيضا:

أنه ما صلى إلا أربع ركعات (٢) . وكان للشافعى فى رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة.

__________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

الباب الرابع فى صلاته ص الوتر

قد صح عنه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه أوتر بخمس لم يجلس فى آخرها (١) . لكن أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا. واحتج الحنفية لما ذهبوا إليه- من تعيين الوصل-، والاقتصار على ثلاث- بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز، واختلفوا فيما زاد أو نقص،

قال: فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه.

وتعقبه محمد بن منصور المروزى، بما رواه من طريق عراك بن مالك عن أبى هريرة مرفوعا وموقوفا (لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب) (٢) وقد صححه الحاكم، وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث فى الوتر و

قال: لا يشبه التطوع بالفرض. انتهى.

لكن قد روى الحاكم من حديث عائشة أنه كان- صلى اللّه عليه وسلم- يوتر بثلاث لا يقعد إلا فى آخرهن (٣) ، وروى النسائى من حديث أبى بن كعب نحوه، ولفظه: (يوتر ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (٤) وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (٥) وقُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٦) ولا يسلم إلا فى آخرهن) (٧) وبين فى عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات.

__________

(١) تقدم.

(٢) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (١/ ٤٤٦) .

(٣) سورة الأعلى: ١.

(٤) سورة الكافرون: ١.

(٥) سورة الإخلاص: ١.

(٦) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (١/ ٤٤٧) .

(٧) صحيح: أخرجه النسائى (٣/ ٢٣٥) فى قيام الليل، باب: ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبى بن كعب فى الوتر، .

والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهى عن التشبيه بصلاة المغرب، أن يحمل النهى على صلاة الثلاث بتشهدين، وقد فعله السلف أيضا. وروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض إلى الثالثة من الوتر بالتكبير، ومن طريق المسور بن مخرمة: أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا فى آخرهن، ومن طريق ابن طاووس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن.

وكان ابن عمر يسلم من الركعة والركعتين فى الوتر. حتى يأمر ببعض حاجته، وهذا ظاهره أنه كان يصلى الوتر موصولا، فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى. وفى هذا رد على من

قال: لا يصح الوتر إلا موصولا.

وأصرح من ذلك ما روى الطحاوى من طريق سالم بن عبد اللّه بن عمر عن أبيه، أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان يفعله، وإسناده قوى. وقد استدل بعضهم على فضل الفصل بأنه- صلى اللّه عليه وسلم- أمر به وفعله، وأما الوصل فورد من فعله فقط وقد حمل المخالف من الحنفية كل ما ورد من الثلاث على الوصل، مع أن كثيرا من الأحاديث ظاهر فى الفصل، كحديث عائشة (يسلم من كل ركعتين) (١) فإنه يدخل فيه الركعتان اللتان قبل الأخيرة، فهو كالنص فى موضع النزاع.

وقد حمل الطحاوى هذا ومثله على أن الركعة مضمومة إلى الركعتين قبلها، ولم يتمسك فى دعوى ذلك إلا بالنهى عن البتيراء، مع احتمال أن يكون المراد بالبتيراء أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شئ، وهو أعم من أن يكون مع الوصل والفصل. وقد اختلف السلف فى أمرين:

أحدهما: فى مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس.

والثانى: فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل فى الليل، هل يكتفى بوتره الأول

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٧٣٦) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى الليل.

ويتنفل ما شاء، أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل؟ ثم إذا فعل هل يحتاج إلى وتر آخر أم لا؟

أما الأول: فوقع عند مسلم من طريق أبى سلمة عن عائشة أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى ركعتين بعد الوتر وهو جالس (١) . وقد ذهب إليه بعض أهل العلم، وجعلوا الأمر فى قوله:(اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) (٢) مختصّا بمن أوتر آخر الليل، وأجاب من لم يقل بذلك بأن بالركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر. وحمله النووى على أنه- صلى اللّه عليه وسلم- فعله لبيان جواز التنفل بعد الوتر، وجواز التنفل جالسا.

وأما الثانى: فذهب الأكثر إلى أنه يصلى شفعا ما أراد ولا ينقض وتره، عملا بقوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا وتران فى ليلة) (٣) وهو حديث حسن أخرجه النسائى وابن خزيمة من حديث طلق بن على، وإنما يصح نقض الوتر عند من يقول بمشروعية التنفل بركعة واحدة غير الوتر.

واختلف السلف أيضا فى مشروعية قضاء الوتر، فنفاه الأكثر، وفى مسلم عن عائشة أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة (٤) .

وقال محمد بن نصر: لم نجد عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى شئ من الأخبار

__________

(١) تقدم.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٩٩٨) فى الجمعة، باب ليجعل آخر صلاته وترا، ومسلم (٧٥١) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-.

(٣) صحيح: أخرجه النسائى (٣/ ٢٢٩) فى قيام الليل، باب: نهى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عن الوترين فى ليلة، وأحمد فى (المسند) (٤/ ٢٣) ، .

(٤) صحيح: أخرجه مسلم (٧٤٦) فى صلاة المسافرين، باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، والترمذى (٤٤٥) فى الصلاة، باب: إذا نام عن صلاته بالليل صلى بالنهار، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

أنه قضى الوتر، ولا أمر بقضائه، وعن عطاء والأوزاعى: يقضى ولو طلعت الشمس إلى الغروب، وهو وجه عند الشافعى حكاه النووى فى شرح مسلم، وعن سعيد بن جبير: يقضى من القابلة، وعن الشافعية: يقضى مطلقا وقالت عائشة: أوتر- صلى اللّه عليه وسلم- من كل الليل، من أوله وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر (١) . رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى.

والمراد بأوله: بعد صلاة العشاء. ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال، فحيث أوتر أوله لعله كان وجعا، وحيث أوتر فى وسطه لعله كان مسافرا، وأما وتره فى آخره فكان غالب أحواله لما عرف من مواظبته على الصلاة آخر الليل والسحر قبيل الصبح. وحكى الماوردى أنه السدس الأخير، وقيل أوله الفجر الأول. وفى رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس، عند ابن خزيمة: فلما انفجر الفجر قام- صلى اللّه عليه وسلم- فأوتر بركعة، قال ابن خزيمة والمراد به: الفجر الأول.

وروى أحمد من حديث معاذ مرفوعا: (زادنى ربى صلاة وهى الوتر، وقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) (٢) . وفى إسناده ضعف، وكذا فى حديث خارجة بن حذافة فى السنن، وهو الذى احتج به من قال بوجوب الوتر، وليس صريحا فى الوجوب.

وأما حديث بريدة رفعه: (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا- وأعاد ذلك ثلاثا-) (٣) . ففى سنده أبو المنيب، وفيه ضعف، وعلى تقدير قبوله

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٩٩٦) فى الجمعة، باب: ساعات الوتر، ومسلم (٧٤٥) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبى فى الليل إن أوتر، والترمذى (٤٥٦) واللفظ له، فى الصلاة، باب: ما جاء فى الوتر من أول الليل وآخره من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٢٤٢) بسند فيه ضعف.

(٣) أخرجه أبو داود (١٤١٩) فى الصلاة، باب: فيمن لم يوتر من حديث بريدة بن الحصيب- رضى اللّه عنه- .

فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظة (حق) بمعنى واجب فى عرف الشارع، وأن لفظة (واجب) بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد، واللّه أعلم.

وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى وعائشة راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظها فتوتر (١) ، كما فى البخارى. وهذا يدل على استحباب الوتر فى آخر الليل، سواء المتهجد وغيره، ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بإيقاظ غيره. واستدل به على وجوب الوتر، لكونه- صلى اللّه عليه وسلم- سلك به مسلك الواجب، حيث لم يدعها نائمة للوتر، وأبقاها للتهجد.

وتعقب: بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب، نعم يدل على تأكيد أمره بالوتر، وأنه فوق غيره من النوافل الليلية. وفيه: استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة، ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت، بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة، وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات.

قال القرطبى: ولا يبعد أن يقال: إنه واجب فى الواجب، مندوب فى المندوب، لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال، فهو كالغافل، وتنبيه الغافل واجب واللّه أعلم.

وعن على: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يوتر بثلاث يقرأ فيهن بتسع سور من المفصل، يقرأ فى كل ركعة بثلاث سور آخرهن قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٢) رواه الترمذى. وعن ابن عباس: كان يقرأ فى الوتر ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (٣) وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (٤) وقُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٥) فى كل ركعة (٦) .

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٥١٢) فى الصلاة، باب: الصلاة خلف النائم، ومسلم (٥١٢) فى الصلاة، باب: الاعتراض بين يدى المصلى، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٢) جدّا: أخرجه الترمذى (٤٦٠) فى الصلاة، باب: ما جاء فى الوتر بثلاث، من حديث على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه-.

(٣) سورة الأعلى: ١.

(٤) سورة الكافرون: ١.

(٥) سورة الإخلاص: ١.

(٦) صحيح: أخرجه الترمذى (٤٦٢) فى الصلاة، باب: ما جاء فيما يقرأ به فى الوتر، والنسائى (٣/ ٢٣٦) فى الصلاة، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-.

وعن عائشة: كان يقرأ فى الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) وفى الثانية ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (٢) وفى الثالثة ب قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٣) و (المعوذتين) (٤) . رواه أبو داود والترمذى. ولأبى داود: وكان إذا سلم

قال:

(سبحان الملك القدوس) . وعند النسائى: ثلاثا يطيل فى آخرهن (٥) ، وفى رواية: (ويرفع صوته بالثالثة (٦) . وعن على: كان- صلى اللّه عليه وسلم- يقول فى آخر وتره:

(اللّهم إنى أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) (٧) . رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه.

قال ابن تيمية: سنة الفجر تجرى مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يقرأ فى سنة الفجر وفى الوتر بسورتى الإخلاص والكافرون، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد، فسورة قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ (٨) متضمنة لتوحيد الاعتقاد

__________

(١) سورة الأعلى: ١.

(٢) سورة الكافرون: ١.

(٣) سورة الإخلاص: ١.

(٤) صحيح: أخرجه الترمذى (٤٦٣) فى الصلاة، باب: ما جاء فيما يقرأ به فى الوتر، وابن ماجه (١١٧٣) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيما يقرأ فى الوتر، من حديث عائشة قال الترمذى: حسن غريب.

(٥) صحيح: أخرجه النسائى (٣/ ٢٤٥) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: الدعاء فى الوتر من حديث عبد الرحمن بن أبزى. .

(٦) صحيح: أخرجه النسائى (٣/ ٢٤٤) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: الدعاء فى الوتر من حديث عبد الرحمن بن أبزى. .

(٧) صحيح: أخرجه أبو داود (١٤٢٧) فى الصلاة، باب: القنوت فى الوتر، والترمذى (٣٥٦٦) فى الدعوات، باب: فى دعاء الوتر، من حديث على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه-.

(٨) سورة الإخلاص: ١.

والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذى لا يلحقه نقص، ونفى الولد والوالد والكفؤ، المتضمن لنفى الشبيه والمثيل والنظير، فتضمنت إثبات كل كمال ونفى كل نقص عنه، ونفى كل شبيه، وهذه هى مجامع التوحيد العملى والاعتقادى، فلذلك كانت تعدل ثلث القرآن، فإن القرآن مداره على الخبر والإنشاء، والإنشاء ثلاثة: أمر ونهى وإباحة، والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه، وخبر عن خلقه، فأخلصت سورة الإخلاص للخبر عنه وعن أسمائه وصفاته، فعدلت ثلث القرآن، وخلصت قارئها المؤمن بها من الشرك العلمى، كما خلصته سورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) من الشرك العملى. قاله ابن القيم.

وأما القنوت فى الركعة الأخير من الوتر، فى النصف الأخير من شهر رمضان، ف

قال النووى فى (الأذكار) باستحبابه، ولم يذكر لذلك دليلا. وقد أخرج أبو داود بإسنادين رجالهما ثقات، لكن أحدهما منقطع، وفى الآخر راو لم يسم: أن عمر لما جمع الناس على أبى بن كعب كان لا يقنت إلا فى النصف الأخير من رمضان.

وعن الحسن بن على

قال: علمنى جدى كلمات أقولهن فى الوتر:

(اللّهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت وقنى شر ما قضيت، إنك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل ما واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) (٢) . وهذا لفظ رواية شريك رواه الطبرانى وغيره.

__________

(١) سورة الكافرون: ١.

(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (١٤٢٥) فى الصلاة، باب: القنوت فى الوتر، والترمذى (٤٦٤) فى الصلاة، باب: ما جاء فى القنوت فى الوتر، من حديث الحسن بن على- رضى اللّه عنهما-.

الباب الخامس فى ذكر صلاته ص الضحى

وهى معدودة من خصائصه، اختلف الرواة هل صلاها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أم لا؟ فمنهم المثبت ومنهم النافى. فمن العلماء من رجح رواية المثبت على النافى، جريا على القاعدة المعروفة، لأنها تتضمن زيادة علم خفيت على النافى، قالوا: وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا.

قال الحاكم: وفى الباب عن أبى سعيد، وأبى ذر الغفارى، وزيد بن أرقم، وأبى هريرة، وبريدة الأسلمى، وأبى الدرداء، وعبد اللّه بن أبى أوفى، وعتبان بن مالك، وعتبة بن عبد السلمى، ونعيم بن همار الغطفانى، وأبى أمامة الباهلى، وعائشة بنت أبى بكر، وأم هانئ، وأم سلمة. كلهم شهدوا أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى الضحى. انتهى.

فأما حديث أبى سعيد فأخرجه الحاكم والترمذى عن عطية العوفى عنه

قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها (١) . وقال الترمذى: حسن غريب، لكن

قال النووى:

عطية .....، فلعله اعتضد. وأما حديث أبى ذر الغفارى، فرواه البزار فى مسنده. وأما حديث زيد بن أرقم، فرواه مسلم بلفظ (إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى من الضحى)(٢) الحديث. وأما حديث أبى هريرة فرواه البزار فى مسنده بلفظ: (إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان لا يترك الضحى فى سفر ولا فى

__________

(١) أخرجه الترمذى (٤٧٧) فى الصلاة، باب: ما جاء فى صلاة الضحى، من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى اللّه عنه-، قال الترمذى: حسن غريب.

(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٧٤٨) فى صلاة المسافرين، باب: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، من حديث زيد بن أرقم- رضى اللّه عنه-، ولفظه أن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أنّ الصلاة فى غير هذه الساعة أفضل، إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال.

غيره (١) . وإسناده .....، فيه يوسف بن خالد السمتى ..... جدّا. وأما حديث بريدة الأسلمى فرواه ... ) وأما حديث أبى الدرداء فرواه الطبرانى.

وأما حديث ابن أبى أوفى، فرواه ابن عدى والحاكم بلفظ: قال رأيت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى الضحى ركعتين يوم بشر برأس أبى جهل (٢) . قال بعض العلماء النافين لرواية المثبتين: هذا الحديث إن كان صحيحا فهو صلاة شكر وقعت وقت الضحى، كشكره يوم فتح مكة. وأما حديث عتبان بن مالك، فرواه أحمد من رواية محمود بن الربيع عنه، أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- صلى فى بيته سبحة الضحى.

وأما حديث عتبة بن عبد فرواه ...

وأما حديث نعيم بن همار فرواه ...

وأما حديث أبى أمامة فرواه ...

وأما حديث عائشة فرواه مسلم وأحمد وابن ماجه،

قالت: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى الضحى أربعا، ويزيد ما شاء اللّه (٣) . وعن عبد اللّه بن شقيق

قال: سألت عائشة، هل كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى الضحى

قالت: لا إلا أن يجئ من مغيبه (٤) .

__________

(١) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٢/ ٢٣٨، ٢٣٩) وقال: رواه البزار، وفيه يوسف ابن خالد السمتى، وهو ......

(٢) أخرجه ابن ماجه (١٣٩١) فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فى الصلاة السجدة عند الشكر، والدارمى (١٤٦٢) فى الصلاة، باب: فى سجدة الشكر، من حديث ابن أبى أوفى، ولفظه صلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- الضحى ركعتين، حين بشر بالفتح أو برأس أبى جهل. ولفظ ابن ماجه أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يوم بشّر برأس أبى جهل فصلى ركعتين كلاهما عن الشعثاء عن ابن أبى أوفى.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٧١٩) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، وابن ماجه (١٣٨١) فى إقامة الصلاة، باب: ما جاء فى صلاة الضحى، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

(٤) أخرجه أحمد (٦/ ١٧١) من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-.

وأما حديث أم هانئ، فرواه البخارى ومسلم،

قالت: إن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثمانى ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود. قالت فى رواية أخرى: وذلك ضحى(١) . ولمسلم: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى فى بيتها عام الفتح ثمانى ركعات فى ثوب واحد، وقد خالف بين طرفيه (٢) . وللنسائى: أنها ذهبت إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب. فسلمت ف

قال: (من هذه؟) قلت: أنا أم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمانى ركعات ملتحفا فى ثوب واحد (٣) . ولأبى داود: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمانى ركعات يسلم من كل ركعتين (٤) .

وقد استدل بحديث البخارى ومسلم على استحباب تخفيف صلاة الضحى، وفيه نظر، لاحتمال أن يكون السبب فيه التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به، وقد ثبت من فعله- صلى اللّه عليه وسلم- أنه صلى الضحى فطول فيها، أخرجه ابن أبى شيبة من حديث حذيفة.

وأما حديث أم سلمة فرواه الحاكم من طريق إسحاق بن بشر المحاربى،

قالت: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى صلاة الضحى ثنتى عشرة ركعة (٥) .

قلت: وروى عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه: أنه رأى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى الضحى ست ركعات (٦) . رواه الحاكم أيضا. وعن أنس بن مالك

قال: رأيت

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١١٧٦) فى الجمعة، باب: صلاة الضحى فى السفر، ومسلم (٣٣٦) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٣١٧١) فى الجزية، باب: أمان النساء وجوارهن، ومسلم (٣٣٦) فى الحيض، باب: ستر المغتسل بثوب ونحوه.

(٣) صحيح: أخرجه النسائى (١/ ١٢٦) فى الطهارة، باب: ذكر الاستتار عند الاغتسال، من حديث أم هانئ، ولفظه فى ثوب ملتحفا به.

(٤) أخرجه أبو داود (١٢٩٠) فى الصلاة، باب: صلاة الضحى، من حديث أم هانئ- رضى اللّه عنها-.

(٥) لم أجده فيه.

(٦) لم أجده فيه.

رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى فى السفر سبحة الضحى ثمانى ركعات (١) . رواه أحمد، وصححه ابن خزيمة والحاكم. وعن على: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يصلى من الضحى (٢) ، رواه النسائى فى سننه الكبرى وأحمد وأبو يعلى، وإسناده جيد. وعن ابن عمر أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان لا يصلى من الضحى إلا يومين، يوم يقدم مكة ويوم يقدم المدينة. وعن أبى بكرة عند ابن عدى فى الكامل من رواية عمرو بن عبيد عن الحسن عن أبى بكرة

قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى الضحى، فجاء الحسن وهو غلام فلما سجد ركب ظهره.

الحديث، وعمرو بن عبيد متروك. وعن جابر بن عبد اللّه أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- صلى الضحى ست ركعات رواه الحاكم.

قال الشيخ ولى الدين العراقى: وقد ورد فيها أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة، حتى قال محمد بن جرير الطبرى: إنها بلغت حد التواتر. وقال ابن العربى: وهى كانت صلاة الأنبياء قبل محمد- صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم-، قال اللّه تعالى مخبرا عن داود: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (٣) فأبقى اللّه تعالى من ذلك فى دين محمد (العصر) ونسخ صلاة الإشراق.

واحتج القائلون بالنفى بحديث عائشة: إن كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم- وما سبح رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- سبحة الضحى فقط، وإنى لأسبحها (٤) ، رواه البخارى ومسلم ومالك وأبو داود. وبحديث مورق العجلى

قال: قلت لابن عمر، أتصلى الضحى؟

قال: لا، قلت: فعمر؟

قال: لا، قلت: فأبو بكر؟

__________

(١) أخرجه أحمد (٦/ ٣٤٣) من حديث أم هانئ- رضى اللّه عنها-.

(٢) تقدم من حديث زيد بن أرقم.

(٣) سورة ص: ١٨.

(٤) صحيح: أخرجه البخارى (١١٢٨) فى الجمعة، باب: تحريض النبى على صلاة الليل والنوافل، ومسلم (٧١٨) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، من حديث عائشة وقد تقدم.

قال: لا، قلت: فالنبى- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: لا إخاله (١) . رواه البخارى. وقوله:

(لا إخاله) أى لا أظنه، وهو بكسر الهمزة وتفتح أيضا، والخاء معجمة.

وقول الشعبى: سمعت ابن عمر يقول: ما ابتدع المسلمون أفضل من صلاة الضحى. وروى عن مجاهد

قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا ابن عمر جالس عند حجرة عائشة، فإذا الناس فى المسجد يصلون صلاة الضحى، فسألناه عن صلاتهم فقال بدعة. وروى ابن أبى شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج

قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال بدعة ونعمت البدعة. وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه

قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئا أحب إلى منها.

وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث، بأنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان لا يداوم على صلاة الضحى مخافة أن تفرض على أمته فيعجزوا عنها، وكان يفعلها كما صرحت به عائشة كما تقدم، وكما ذكرته أم هانئ وغيرها.

وقول عائشة: (ما رأيته صلاها) لا يخالف قولها: (كان يصليها) لأنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان لا يكون عندها فى وقت الضحى إلا فى النادر من الأوقات، لأنه قد يكون مسافرا، وقد يكون حاضرا، وفى الحضر قد يكون فى المسجد، وقد يكون فى بيت من بيوت زوجاته، أو غيره، وما رأته صلاها فى تلك الأوقات النادرة،

فقالت: ما رأيته، وعلمت بغير رؤية أنه كان يصليها بإخباره- صلى اللّه عليه وسلم- أو بإخبار غيره، فروت ذلك.

وقول ابن عمر: (لا إخاله) فتوقف، وكأن سبب توقفه أنه بلغه عن غيره أنه صلاها ولم يثق بذلك عمن ذكره. وأما قوله: (إنها بدعة) فمؤولة على أنه لم تبلغه الأحاديث المذكورة، أو أراد أنه-صلى اللّه عليه وسلم- لم يداوم عليها، أو أن إظهارها فى المساجد ونحوها بدعة، وإنما هى سنة نافلة فى البيوت واللّه أعلم.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١١٧٥) فى الجمعة، باب: صلاة الضحى فى السفر، من حديث مورق العجلى عن ابن عمر- رضى اللّه عنهما-.

وبالجملة: فليس فى أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى، لأن نفيه محمول على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع فى نفس الأمر، أو الذى نفاه صفة مخصوصة كما قدمناه. وقد روى ابن أبى شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قوما يصلونها فأنكر عليهم و

قال: إن كان ولا بد ففى بيوتكم.

وذهب آخرون إلى استحباب فعلها غبا، فتصلى فى بعض الأيام دون بعض، وكان ابن عباس يصليها يوما ويدعها عشرة أيام. وذهب آخرون: إلى أنها تفعل لسبب من الأسباب، وأنه- صلى اللّه عليه وسلم- إنما صلاها يوم الفتح من أجل الفتح، وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح. متمسكين بما قاله القاضى عياض وغيره: أن حديث أم هانئ ليس بظاهر فى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قصد سنة الضحى، وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط،

قال: وقد قيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيها.

وتعقبه النووى: بأن الصواب صحة الاستدلال به، لما رواه أبو داود من طريق كريب عن أم هانئ أنه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى سبحة الضحى (١) . ولمسلم: فى كتاب الطهارة من طريق أبى مرة عن أم هانئ فى قصة اغتساله- صلى اللّه عليه وسلم- يوم الفتح، ثم صلى ثمانى ركعات سبحة الضحى (٢) . وروى ابن عبد البر فى (التمهيد) من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ

قالت: قدم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- مكة فصلى ثمانى ركعات، فقلت: ما هذه الصلاة؟

قال: (هذه صلاة الضحى) (٣) .

واستدل به على أن أكثر الضحى ثمان ركعات. واستبعده السبكى.

ووجّه بأن الأصل فى العبادة التوقف، وهذا أكثر ما ورد من فعله- صلى اللّه عليه وسلم-.

وقد ورد من فعله دون ذلك كحديث ابن أبى أوفى: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى الضحى ركعتين، أخرجه ابن عدى.

__________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

(٣) أخرجه ابن عبد البر فى (التمهيد) (٨/ ١٣٦) .

وأما ما ورد من قوله- صلى اللّه عليه وسلم- مما فيه زيادة على ذلك كحديث أنس مرفوعا: (من صلى الضحى ثنتى عشرة ركعة بنى اللّه له قصرا فى الجنة) (١) .

أخرجه الترمذى واستغربه وليس فى إسناده من أطلق عليه الضعف. ومن ثم قال الرويانى: أكثرها ثنتا عشرة ركعة. و

قال النووى فى شرح المهذب: فيه حديث .....، كأنه يشير إلى حديث أنس، لكن إذا ضم إليه حديث أبى الدرداء رفعه، وفيه (ومن صلى ثنتى عشرة ركعة بنى اللّه له بيتا فى الجنة) (٢) .

رواه الطبرانى وحديث أبى ذر عند البزار، وفى إسناده ضعف أيضا، قوي وصلح للاحتجاج به.

ونقل الترمذى عن أحمد: أن أصح شئ ورد فى الباب حديث أم هانئ، وهو كما قال، ولهذا

قال النووى فى الروضة: أفضلها ثمان، وأكثرها ثنتا عشرة. ففرق بين الأكثر والأفضل.

وأجاب القائلون بأنها لا تفعل إلا لسبب عن قول أبى هريرة المروى فى البخارى (أوصانى خليلى- صلى اللّه عليه وسلم- بثلاث، لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى) (٣) الحديث، بأنه قد روى أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة، فأمره بالضحى بدلا عن قيام الليل، ولهذا أمره أن لا ينام إلا على وتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر ولا عمر ولا سائر الصحابة. انتهى.

قال الحافظ ابن حجر: وهذه الوصية لأبى هريرة ورد مثلها لأبى الدرداء

__________

(١) أخرجه الترمذى (٤٧٣) فى الصلاة، باب: ما جاء فى صلاة الضحى، من حديث أنس بن مالك- رضى اللّه عنه-، قال الترمذى: حديث غريب.

(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٧٢٨) فى صلاة المسافرين، باب: فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، من حديث أم حبيبة- رضى اللّه عنها-.

(٣) صحيح: أخرجه البخارى (١١٧٨) فى الجمعة، باب: صلاة الضحى فى الحضر، ومسلم (٧٢١) فى صلاة المسافرين، استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

فيما رواه مسلم، ولأبى ذر فيما رواه النسائى،

قال: والحكمة فى الوصية على المحافظة على ذلك تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام ليدخل فى الواجب منهما بانشراح، ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص. ومن فوائد صلاة الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التى تصبح على مفاصل الإنسان فى كل يوم وهى الثلاثمائة وستون مفصلا، كما أخرجه مسلم من حديث أبى ذر، قال فيه: ويجزى عن وذلك ركعتا الضحى.

وقد ذكر أصحابنا الشافعية أنها أفضل التطوع بعد الرواتب، لكن النووى فى شرح المهذب قدم عليها صلاة التراويح فجعلها فى الفضل بين الرواتب والضحى.

وحكى الحافظ أبو الفضل العراقى فى شرح الترمذى: أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم قطعها يعمى، فصار كثير من الناس يتركها أصلا لذلك، وليس لما قالوه أصل، بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام ليحرمهم الخير الكثير، لا سيما ما وقع فى حديث أبى ذر واقتصر فى الوصية للثلاثة المذكورين على الثلاثة المذكورة فى الحديث، لأن الصلاة والصيام أشرف العبادات البدنية، ولم يكن المذكورون من أصحاب الأموال فكان يجزيهم من الصدقة على السلامى، كما فى الحديث واللّه أعلم.

وروى الحاكم من طريق أبى الخير عن عقبة بن عامر

قال: أمرنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن نصلى الضحى بسور منها: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ (٢) (٣) ومناسبة ذلك ظاهرة جدّا واللّه أعلم.

تنبيه: قال شيخ الإسلام والحفاظ أبو الفضل ابن حجر: قول عائشة فى الصحيح (ما رأيت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يسبح سبحة الضحى) يدل على ضعف ما روى عنه- صلى اللّه عليه وسلم- أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه. وقد عدها جماعة من العلماء من خصائصه- صلى اللّه عليه وسلم-. ولم يثبت ذلك فى خبر صحيح.

__________

(١) سورة الشمس: ١.

(٢) سورة الضحى: ١، ٢.

(٣) لم أجده فيه.

وقول الماوردى فى (الحاوى) إنه- صلى اللّه عليه وسلم- واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات. يعكر عليه ما رواه مسلم من حديث أم هانئ: (أنه لم يصلها قبل ولا بعد) ولا يقال إن نفى أم هانئ لذلك يلزم منه العدم، لأنا نقول: يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة، لأن عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملا أثبته، فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب عليه، انتهى.

وقال ابن العربى فى (عارضة الأحوذى) : أخبرنا أبو الحسن الأزدى أخبرنا طاهر، أخبرنا على، أخبرنا أبو العباس عبد اللّه بن عبد الرحمن العسكرى، حدثنا الحسين الختنى، حدثنا أبو غسان حدثنا قيس عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (كتب على النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها) (١) . رواه الدار قطنى.

__________

(١) أخرجه أحمد (١/ ٣١٧) والدار قطنى (٤/ ٢٨٢) من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-.