Geri

   

 

 

İleri

 

 ٧-٤ [استدلال الشافعي على وجوب الصلاة على النبي ص]

وقال الشافعى فى الأم: فرض اللّه الصلاة على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بقوله: إِنَّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)

ولم يكن فرض الصلاة عليه فى موضع أولى منه فى الصلاة، ووجدنا الدلالة عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بذلك: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثنا صفوان بن سليم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أنه

قال: يا رسول اللّه، كيف نصلى عليك- يعنى فى الصلاة-

قال: (تقولون اللّهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم) الحديث (٢) . أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثنى سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أنه كان يقول فى الصلاة:

(اللّهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم) الحديث (٣) .

قال الشافعى: فلما روى أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان يعلمهم التشهد فى الصلاة، وروى أنه علمهم كيف يصلون عليه فى الصلاة، لم يجز أن نقول:

التشهد فى الصلاة واجب والصلاة فيه غير واجبة (٤) .

[تعقيب هذا الاستدلال]

وقد تعقب بعض المخالفين هذا الاستدلال من أوجه:

أحدها: ضعف إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى،

والكلام فيه مشهور.

__________

(١) سورة الأحزاب: ٥٦.

(٢) أخرجه الشافعى فى (الأم) (١/ ١١٧) .

(٣) صحيح: أخرجه الشافعى فى (الأم) (١/ ١١٧) ، وهو عند البخارى (٣٣٧٠) فى أحاديث الأنبياء، باب: رقم (١٠) ، ومسلم (٤٠٦) فى الصلاة، باب: الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعد التشهد.

(٤) قاله الشافعى فى (الأم) (١/ ١١٧) .

الثانى: على تقدير صحته فقوله فى الأول: يعنى فى الصلاة،

لم يصرح بالقائل (يعنى) .

الثالث: قوله فى الثانى: (أنه كان يقول فى الصلاة)

وإن كان ظاهره أن المراد الصلاة المكتوبة، لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله فى الصلاة، أى فى صفة الصلاة عليه، وهو احتمال قوى، لأن أكثر الطرق عن كعب بن عجرة يدل على أن السؤال وقع عن صفة الصلاة لا عن محلها.

الرابع: ليس فى الحديث ما يدل على تعيين ذلك فى التشهد،

خصوصا بينه وبين السلام. وقد أطنب قوم من متأخرى المالكية وغيرهم فى التشنيع على الشافعى فى اشتراطه ذلك فى الصلاة وزعم أنه تفرد بذلك.

وحكى الإجماع على خلافه جماعة، منهم أبو جعفر الطبرى والطحاوى وابن المنذر والخطابى.

وحكى القاضى عياض فى الشفاء مقالاتهم. وقد عاب عليه غير واحد، وقالوا: كان ينبغى سكوته عنها، لأن مبنى تأليفه (الشفاء) على كمال المبالغة فى تعظيمه- صلى اللّه عليه وسلم-، وأداء حقوقه، والقول بوجوب الصلاة عليه فى الصلاة من غرض المبالغة فى تعظيمه، وقد استحسن هو القول بطهارة فضلاته، مع أن الأكثر على خلافه، لكنه استجاده لما فيه من الزيادة فى تعظيمه، وكيف ينكر القول بوجوب الصلاة عليه وهو من جنس الصلاة ومقتضياتها، وإذا شرع السلام فيها على نفس المصلى وعلى عباد اللّه الصالحين، فكيف لا تجب الصلاة على سيد المرسلين؟

وقد انتصر جماعة كثيرة من العلماء الأعلام للشافعى، كالحافظ عماد الدين ابن كثير، والعلامة ابن القيم، وشيخ الإسلام والحافظ أبى الفضل بن حجر، وتلميذه شيخنا الحافظ والعلامة أبى أمامة بن النقاش وغيرهم ممن يطول عدهم.

واستدلوا لذلك بأدلة نقلية ونظرية، ودفعوا دعوى الشذوذ، فنقلوا القول بالوجوب عن جماعة من الصحابة، منهم ابن مسعود، وأبو مسعود

والبدرى وجابر بن عبد اللّه، ونقله أصحاب الشافعى عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد اللّه، ومن التابعين: الشعبى، فيما رواه البيهقى كما سيأتى، وأبو جعفر الباقر، ومقاتل.

وأخرج الحاكم- بسند قوى- عن ابن مسعود

قال: يتشهد الرجل ثم يصلى على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ثم يدعو لنفسه (١) . قال الحافظ ابن حجر: وهذا أقوى شىء يحتج به للشافعى، فإن ابن مسعود ذكر أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- علمهم التشهد فى الصلاة، وأنه

قال: ثم ليتخير من الدعاء ما شاء، فلما ثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه قبل الدعاء، دل على أنه اطلع على زيادة ذلك بين التشهد والدعاء، واندفعت حجة من تمسك بحديث ابن مسعود فى دفع ما ذهب إليه الشافعى وادعى مثل ما ذكره القاضى عياض

قال: وهذا تشهد ابن مسعود الذى علمه له النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ليس فيه ذكر الصلاة عليه.

وفى جزء الحسن بن عرفة،

وأخرج المعمرى (٢) فى عمل اليوم والليلة عن ابن عمر- بسند جيد-

قال: لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة علىّ.

وأخرج البيهقى فى الخلافيات- بسند قوى- عن الشعبى، وهو من كبار التابعين،

قال: كنا نعلم التشهد، فإذا

قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يحمد ربه ويثنى عليه ثم يصلى على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ثم يسأل حاجته. وفى حديث أبى جعفر، عن ابن مسعود، مرفوعا: (من صلى صلاة لم يصل فيها على وعلى أهل بيتى لم تقبل منه) . قال الدارقطنى: والصواب أنه من قول أبى جعفر محمد بن على بن الحسين: لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وعلى أهل بيته لرأيت أنها لا تتم، لكن راويه عن أبى جعفر جابر الجعفى وهو ...... كذا فى الشفاء.

وقد وافق الشافعى من فقهاء الأمصار أحمد فى إحدى الروايتين عنه، وعمل به أخيرا، كما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقى، فيما ذكره الحافظ ابن

__________

(١) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) / ٤٠١) .

(٢) هو: الحافظ العلامة البارع، أبو على الحسن بن على بن شبيب البغدادى، وقيل له العمرى لأن جده للأم أبو سفيان العمرى صاحب معمر، مات سنة (٢٩٥ هـ) .

كثير، وأوجب إسحاق بن راهواه الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان، والمشهور عن أحمد أنها تبطل بتركها عمدا أو سهوا، وعليه أكثر أصحابه، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال فى الصلاة عليه: صلى اللّه عليه وسلم، كما علمهم أن يقولوا لما سألوه، كما ذكره ابن كثير، ووافق الخرقى إسحاق فى التقييد بالعمد دون السهو.

والخلاف أيضا عند المالكية كما ذكره ابن الحاجب فى سنن الصلاة، ثم

قال: على الصحيح، فقال شارحه ابن عبد السلام: يريد أن فى وجوبها قولين، وهو ظاهر كلام الإمام ابن المواز وبه صرح عنه ابن القصار، وعبد الوهاب، كما فى الشفاء بلفظ: إنه يراها فريضة فى الصلاة كقول الشافعى،

قال: وحكى أبو يعلى العبدى عن المذهب فيها ثلاثة أقوال فى الصلاة:

الوجوب، والسنة، والندب. ورأيت مما يعزى للقاضى أبى بكر بن العربى فى (سراج المريدين) : قال ابن المواز والشافعى: الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- من فرائض الصلاة وهو الصحيح. انتهى.

وقد يلزم القائل الحنفية بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر كالطحاوى، ونقله السروجى فى شرح الهداية عن أصحاب المحيط والعقد والتحفة من كتبهم أن يقولوا بوجوبها فى التشهد لتقدم ذكره-صلى اللّه عليه وسلم- فى آخر التشهد فى قوله: وأشهد أن محمدا رسول اللّه، لكن لهم أن يلتزموا ذلك ولا يجعلونه شرطا فى صحة الصلاة. ولم يخالف الشافعى أحد من أصحابه فى ذلك. بل قال بعض أصحابنا بوجوب الصلاة على الآل، كما حكاه البندنيجى والدارمى، ونقله إمام الحرمين والغزالى قولا عن الشافعى، قال الحافظ ابن كثير: والصحيح أنه وجه، على أن الجمهور على خلافه، والقول بوجوبه ظهور للحديث.

وأما مخالفة الخطابى من أصحاب الشافعى فلا يعتد به لمقتضى الآمر المحمول على الوجوب إجماعا، وأولى أحواله الصلاة ولا مانع من احتمال كونه مرادا. وأما قوله: ولا أعلم له فيها قدوة، فيقال عليه: لا ريب أن

الشافعى قدوة يقتدى به، والمقام مقام اجتهاد، فلا افتقار له فيه إلى غيره.

وأما قوله فى (الشفاء) : والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعى وإجماعهم عليه. ففيه نظر، لأنه إن أراد بالعمل الاعتقاد فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب، وأنى يوجد ذلك؟

وأما قوله: وقد شنع الناس عليه- يعنى الشافعى- فى هذه المسألة جدّا، فلا معنى له، وأى شناعة فى ذلك؟ ولم يخالف فيه نصّا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة. بل القول بذلك من محاسن مذهبه، ولا ريب أن القائل بجواز ترك الصلاة على أفضل خلق اللّه فى الصلاة التى هى رأس العبادة المطلوب فيها الخضوع واستحضار شارعها والثناء عليه أولى بالتشنيع.

وأما نقله الإجماع فقد تقدم ما فيه. وأما قوله: إن الشافعى اختار تشهد ابن مسعود، فلم يقل به أحد، والشافعى إنما اختار تشهد ابن عباس كما سيأتى- إن شاء اللّه تعالى- فى مقصد عباداته.

وقد استدل للوجوب بما أخرجه أبو داود والنسائى والترمذى وصححه، وكذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد

قال: سمع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- رجلا يدعو فى صلاته، لم يحمد اللّه ولم يصل على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ف

قال: (عجل هذا) ، ثم دعاه إليه ف

قال: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد للّه والثناء عليه، ثم ليصل على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ثم ليدع بما شاء) (١) .

قلت: ومما يعد من كرامات إمامنا الشافعى وسره السارى، أن القاضى عياضا ساق هذا الحديث بسنده من طريق الترمذى من غير أن يطعن فى سنده بعد قوله: (فصل فى المواطن التى تستحب فيها الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ويرغب) من ذلك:

__________

(١) صحيح: أخرجه أبو داود (١٤٨١) فى الصلاة، باب: الدعاء، والترمذى (٣٤٧٦) فى الدعوات، باب: جامع الدعوات عند النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والنسائى (٣/ ٤٤) فى السهو، باب: التمجيد والصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى الصلاة، وأحمد فى (المسند) (٨/ ١٨) ، .

فى تشهد الصلاة، وذلك بعد التشهد وقبل الدعاء. وهذا الحديث- كما ترى- من أعظم الأدلة لنا. فإن قال قائل: ليس لكم فيه دلالة لأنه

قال: سمع فيه رجلا يدعو فى صلاته، ولم يقل فى تشهده.

فيجاب: بأنه يلزم على هذا أن القاضى عياضا ساقه فى غير محله، لأنه عقد الفصل- كما قدمته- لبيان مواطن استحباب الصلاة. ثم

قال: ومن ذلك فى تشهد الصلاة.

وفى (مصابيح) البغوى، من حديث فضالة بن عبيد هذا ما يدل على أنه كان فى التشهد، ولفظه: قال دخل رجل

فقال: اللّهم اغفر لى وارحمنى، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (عجلت أيها المصلى، إذا صليت فقعدت فاحمد اللّه بما هو أهله، ثم صل علىّ، ثم ادعه) .

وفى قوله: (عجلت) استلواح فوات الكمال عن الحقيقة المجزئة، إذ لو كانت مجزئة لما حسن اللوم والتعليم بصيغة الأمر، فإن قيل إنه فى مقام تعليم المستحبات إذ لو كان فى الواجبات لأمره بالإعادة، كما أمر المسىء صلاته، فيجاب: بأن فى قوله هذا غنية عن الأمر بالإعادة، لأنه حيث علمه ما هو الواجب علم قطعا أنه لم يأت به أولا فلم يكن آتيا به فوجبت إعادته، وهم أهل الفهم والعرفان.

فإن قال: إن قوله (فقعدت) يحتمل أن يكون عطفا على مقدر، تقديره: إذا صليت وفرغت فقعدت للدعاء فاحمد اللّه.

فيجاب: بأن الأصل عدمه، وإنما هو عطف على المذكور، أى: إذا كنت فى الصلاة فقعدت للتشهد فاحمد اللّه، أى اثن عليه بقولك، التحيات للّه إلخ واللّه أعلم.

وقال الجرجانى من الحنفية وغيره: لو كانت فرضا لما لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأنه- صلى اللّه عليه وسلم- علمهم التشهد و

قال: (فليتخير من الدعاء ما شاء، ولم يذكر الصلاة عليه) .

وأجيب: باحتمال أن لا تكون فرضت حينئذ. وقال الحافظ زين الدين العراقى فى شرح الترمذى: قد ورد هذا الصحيح بلفظ: ثم ليتخير، و (ثم)

للتراخى، فدل على أنه كان هناك شىء بين التشهد والدعاء، انتهى. وقد أطنب الشيخ أبو أمامة بن النقاش فى تفسيره فى الانتصار للشافعى فى هذه المسألة، مما يطول ذكره، فاللّه يثيبه على قصده الجميل.

وأما صفة الصلاة عليه- صلى اللّه عليه وسلم (فعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: لقينى كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية؟ إن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- خرج علينا، فقلنا: يا رسول اللّه، قد علمنا كيف نسلم عليك فيكف نصلى عليك؟

قال: قولوا اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (١) رواهالبخارى ومسلم والترمذى وأبو داود والنسائى.

فإن قلت: كيف يطابق قوله:

(اللّهم صل على محمد) قوله: (كما صليت على آل إبراهيم) ؟.

أجاب القاضى عياض: بأن (آل) مقحم، كما فى قوله- صلى اللّه عليه وسلم- فى أبى موسى: (إنه أعطى مزمارا من مزامير آل داود) (٢) ، ولم يكن له آل مشهور بحسن الصوت. وقد روى هذا الحديث ابن أبى حاتم بلفظ: لما نزلت إِنَّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٣)

قال: قلنا يا رسول اللّه، فكيف الصلاة عليك؟

قال: (قولوا اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) . وقال عبد الرحمن بن أبى ليلى يقول: وعلينا معهم.

وعن أبى حميد الساعدى: (أنهم قالوا: يا رسول اللّه، كيف نصلى عليك؟

__________

(١) صحيح: وقد تقدم.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٥٠٤٨) فى فضائل القرآن، باب: حسن الصوت بالقراءة للقرآن، ومسلم (٧٩٢) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن.

(٣) سورة الأحزاب: ٥٦.

قال: (قولوا اللّهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ) (١) رواه الإمام أحمد.

وعن أبى مسعود الأنصارى

قال: أتانا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ونحن فى مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد أمرنا اللّه أن نصلى عليك، فكيف نصلى عليك؟

قال: فسكت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-:

(قولوا اللّهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فى العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم) (٢) ، رواه مالك ومسلم وغيرهما.

[إشكال]

فإن قلت: ما موقع التشبيه فى قوله: (كما صليت على إبراهيم) ، مع أن المقرر أن المشبه دون المشبه به؟ والواقع هنا عكسه، لأن محمدا- صلى اللّه عليه وسلم- وحده أفضل من إبراهيم ومن آل إبراهيم، ولا سيما وقد أضيف إليه آل محمد، وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره.

[الجواب]

فقد أجاب العلماء عنه بأجوبة كثيرة:

منها: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم.

وقد أخرج مسلم حديث أنس: أن رجلا قال للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-: يا خير البرية،

قال: (ذاك إبراهيم) (٣) . وتعقب: بأنه لو كان كذلك لغير صيغة الصلاة عليه بعد أن علم أنه أفضل.

ومنها: أنه قال ذلك تواضعا،

وشرع ذلك لأمته ليكتسبوا بذلك الفضيلة.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٣٦٩) فى أحاديث الأنبياء، باب: رقم (١٠) ، ومسلم (٤٠٧) فى الصلاة، باب: الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعد التشهد.

(٢) صحيح: أخرجه مالك فى (الموطأ) (١/ ١٦٥- ١٦٦) ، ومسلم (٤٠٥) فى الصلاة، باب: الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعد التشهد.

(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٢٣٦٩) فى الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل- صلى اللّه عليه وسلم-.

ومنها: أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة، لا للقدر بالقدر،

فهو كقوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ (١) ، وهو كقول القائل: أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان، ويريد بذلك أصل الإحسان لا قدره، ومنه

قوله تعالى: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّه إِلَيْكَ (٢) ، ورجح هذا القول القرطبى فى (المفهم) .

ومنها: أن قوله: (اللّهم صل على محمد) مقطوع عن التشبيه،

فيكون التشبيه متعلقا بقوله: (وعلى آل محمد) وتعقب: بأن غير الأنبياء لا يمكن أن يساووا الأنبياء، فكيف يطلب لهم صلاة مثل الصلاة التى وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله. ويمكن الجواب عنه: بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم، لا جميع الصفات التى كانت سببا للثواب.

وقد نقل العمرانى فى (البيان) عن الشيخ أبى حامد أنه نقل هذا الجواب عن نص الشافعى. واستبعد ابن القيم صحة ذلك عن الشافعى، لأنه مع فصاحته ومعرفته بلسان العرب لا يقول هذا الكلام المستلزم هذا التركيب الركيك البعيد من كلام العرب، كذا قال. وتعقبه الحافظ ابن حجر

فقال: ليس التركيب المذكور ركيكا، بل التقدير:

اللّهم صل على محمد وصل على آل محمد كما صليت إلخ، فلا يمتنع الشبيه بالجملة الثانية.

ومنها: رفع المقدمة المذكورة أولا، وهى أن المشبه به يكون أرفع من المشبه، وأن ذلك ليس مطردا، بل قد يكون التشبيه بالمثل، بل بالدون، كما فى

قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ (٣) ، وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى؟ ولكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئا ظاهرا واضحا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا هنا: لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورا واضحا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد

__________

(١) سورة النساء: ١٦٣.

(٢) سورة القصص: ٧٧.

(٣) سورة النور: ٣٥.

وآل محمد بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآل إبراهيم، ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله (فى العالمين) أى كما أظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين، ولهذا لم يقع(فى العالمين) إلا فى ذكر إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما وقع فى الحديث الذى وردت فيه، وهو حديث أبى مسعود الأنصارى الذى ذكرته.

وهذا معنى قول الطيبى: وليس التشبيه المذكور من باب إلحاق الناقص بالكامل، لكن من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر.

و

قال النووى: أحسن الأجوبة ما نسب إلى الشافعى: أن التشبيه لأصل الصلاة أو للمجموع بالمجموع.

وقال ابن القيم- بعد أن زيف أكثر الأجوبة إلا تشبيه المجموع بالمجموع-: وأحسن منه أن ي

قال: هو- صلى اللّه عليه وسلم- من آل إبراهيم، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس فى تفسير قوله: إِنَّ اللّه اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (١)

قال: محمد من آل إبراهيم، فكأنه أمرنا أن نصلى على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما، فيحصل لآله ما يليق بهم، ويبقى الباقى كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم. وتظهر حينئذ فائدة التشبيه، وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.

وقال الحليمى: سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت فى بيت إبراهيم:

رَحْمَتُ اللّه وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٢) وقد علم أن محمدا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم، فكأنه

قال: قولوا اللّهم أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك فى محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها فى آل إبراهيم الموجودين حينئذ، ولذلك ختم بما ختم به الآية وهو قوله إنك حميد مجيد.

__________

(١) سورة آل عمران: ٣٣.

(٢) سورة هود: ٧٣.

ومما يعزى للعارف الربانى أبى محمد المرجانى أنه

قال: وسر قوله- صلى اللّه عليه وسلم- (كما صليت على إبراهيم، وكما باركت على إبراهيم) ولم يقل:

كما صليت على موسى، لأن موسى- عليه الصلاة والسلام- كان التجلى له بالجلال، فخر موسى صعقا، والخليل إبراهيم كان التجلى له بالجمال، لأن المحبة والخلة من آثار التجلى بالجمال، فلهذا أمرهم- صلوات اللّه وسلامه عليه- أن يصلوا عليه كما صلى على إبراهيم، فيسألوا له التجلى بالجمال، وهذا لا يقتضى التسوية فيما بينه وبين الخليل- صلوات اللّه وسلامه عليهما-، لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلى بالوصف الذى تجلى به للخليل- عليه الصلاة والسلام-، فالذى يقتضيه الحديث المشاركة فى الوصف الذى هو التجلى بالجمال، ولا يقتضى التسوية فى المقامين ولا الرتبتين، فإن الحق سبحانه يتجلى بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما، وإن اشتركا فى وصف التجلى بالجمال، فيتجلى لكل واحد منهما بحسب مقامه عنده، ورتبته منه ومكانته، فيتجلى للخليل- عليه الصلاة والسلام- بالجمال بحسب مقامه، ويتجلى لسيدنا محمد- صلى اللّه عليه وسلم- بالجمال بحسب مقامه، فعلى هذا يفهم الحديث انتهى.

فإن قلت: ما المراد بال محمد فى هذا الحديث؟

فالجواب: أن الراجح أنهم من حرمت عليهم الصدقة، كما نص عليه الشافعى، واختاره الجمهور، ويؤيده قوله- صلى اللّه عليه وسلم- للحسن بن على: (إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة) (١)

وقيل: المراد بال محمد أزواجه وذريته.

وقيل: المراد بهم جميع الأمة أمة الإجابة. حكاه أبو الطيب الطبرى عن بعض الشافعية، ورجحه النووى فى شرح مسلم، وقيده القاضى حسين بالانقياد منهم، وعليه يحمل كلام من أطلق، ويؤيده ما رواه تمام فى فوائده، والديلمى عن أنس

قال: سئل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: من آل محمد؟ ف

قال: (كل تقى من أمة محمد) ، زاد الديلمى: ثم قرأ: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا

__________

(١) صحيح: أخرجه أحمد فى (المسند) (١/ ٢٠٠) ، وهو عند البخارى (١٤٩١) فى الزكاة، باب: ما يذكر فى الصدقة للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- وآله، ومسلم (١٠٦٩) فى الزكاة، باب: تحريم الزكاة على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وعلى آله، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

الْمُتَّقُونَ (١) ، وإسنادهما .....، لكن ورد ما يشهد لذلك فى الصحيحين كحديث (إن آل أبى فلان ليسوا لى بأولياء، إنما وليى اللّه وصالح المؤمنين) (٢) انتهى ملخصا.

وقد استدل العلماء بتعليمه- صلى اللّه عليه وسلم- لأصحابه هذه الكيفية بعد سؤالهم عنها، بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه، لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل. ويترتب على ذلك: أنه لو حلف أن يصلى على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أفضل الصلاة، فطريق البر أن يأتى بذلك، هكذا صوبه النووى فى (الروضة) بعد ذكر حكاية الرافعى عن إبراهيم المروزى أنه

قال: يبر إذا

قال: كلما ذكره الذاكرون، وكلما سها عن ذكره الغافلون.

قال النووى: وكأنه أخذ ذلك من كون الشافعى ذكر هذه الكيفية- يعنى فى خطبة (الرسالة) له- ولكن بلفظ (غفل) بدل (سها) .

وقال الأذرعى: (إبراهيم) المذكور كثير النقل من تعليقة القاضى حسين، ومع ذلك فالقاضى قال فى طريق البر؛ أن يقول:

اللّهم صل على محمد كما هو أهله ويستحقه، وكذا نقله البغوى فى تعليقه. ولو جمع بينها فقال ما فى الحديث، وأضاف إليه أثر الشافعى، وما قاله القاضى لكان أشمل. ولو قيل:

إنه يعمد إلى جميع ما اشتملت عليه الروايات الثابتة فيستعمل منها ذكرا يحصل به البر لكان حسنا.

وعن ابن مسعود، أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (إذا تشهد أحدكم فى الصلاة فليقل:

اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (٣) ، رواه الحاكم. وقد يستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز

__________

(١) سورة الأنفال: ٣٤.

(٢) صحيح: أخرجه البخارى فى الأدب، باب: تبل الرحم ببلاها، ومسلم (٢١٥) فى الإيمان، باب: موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم، من حديث عمرو بن العاص- رضى اللّه عنه-.

(٣) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (١/ ٤٠٢) بسند فيه مجهول.

الترحم على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، كما هو قول الجمهور، ويعضده حديث الأعرابى الذى

قال: اللّهم ارحمنى وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لقد تحجرت واسعا) (١) وحكى القاضى عياض عن جمهور المالكية منعه

قال: وأجازه أبو محمد بن أبى زيد. انتهى. وسيأتى ما فى ذلك من البحث- إن شاء اللّه تعالى- فى المقصد التاسع عند الكلام على التشهد.

وعن سلامة الكندى أن عليّا كان يعلم الناس الدعاء- وفى لفظ: يعلم الناس الصلاة على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فيقول:

اللّهم داحى المدحوات، وبارئ المسموكات، اجعل شرائف صلواتك، ونوامى بركاتك، ورأفة تحننك، على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، الخاتم لما سبق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ لجيشات الأباطيل، كما حمّل فاضطلع بأمرك بطاعتك، مستوفزا فى مرضاتك، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك، حتى أورى قبسا لقابس آلاء اللّه، تصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب، بعد خوضات الفتن والإثم، وأبهج موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمة ورسولك بالحق رحمة،

اللّهم افسح له فى عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنئات له غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزيل عطائك المعلول،

اللّهم أعل على بناء الناس بناءه، وأكرم مثواه لديك ونزله، وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، ومرضى المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وبرهان عظيم (٢) .

حديث موقوف، رواه الطبرانى لكن قال الحافظ ابن كثير: فى سنده نظر،

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٠١٠) فى الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم، وأبو داود (٣٨٠) فى الطهارة، باب: الأرض يصيبها البول، و (٨٨٢) فى الصلاة، باب: الدعاء فى الصلاة، والترمذى (١٤٧) فى الطهارة، باب: ما جاء فى البول يصيب الأرض، والنسائى (٣/ ١٤) فى السهو، باب: الكلام فى الصلاة، وأحمد فى (المسند) (٢/ ٢٨٣) ، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-.

(٢) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (١٠/ ١٦٤) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط، وسلامة الكندى روايته عن على مرسلة، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قال: وقال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزى: سلامة الكندى هذا ليس بمعروف، ولم يدرك عليّا، كذا

قال: وقوله: (داحى المدحوات) : أى باسط الأرضين، وكل شىء بسطته ووسعته فقد دحوته. (وبارئ المسموكات) : أى خالق السماوات، وكل شىء رفعته وأعليته فقد سمكته. (والدافع لجيشات الأباطيل) : أى المهلك لما نجم وارتفع منها وفار. وأصل (الدمغ) من الدماغ، دمغه: أصاب دماغه، و (جيشات) من جاش إذا ارتفع. (واضطلع) : افتعل من الضلاعة، وهى القوة. (وأورى قبسا لقابس): أى أظهر نورا من الحق لطالبه. (وآلاء اللّه) :

نعم اللّه (تصل بأهله) : أى أهل ذلك القبس وهو الإسلام والحق أسبابه، وأهله المؤمنون. (وبه هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم) : أى هديت بعد الكفر والفتن لموضحات الأعلام.(ونائرات) و (المنيرات) : الواضحات، يقال: نار الشىء، وأنار إذا وضح. (وشهيدك يوم الدين) : يريد الشاهد على أمته يوم القيامة. (وبعيثك نعمة) : أى مبعوثك، فعيل بمعنى مفعول. (وافسح له) :أى وسع له. (وفى عدنك) : أى فى جنة عدن. (والمعلول) : من العلل وهو الشرب بعد الشرب، يريد أن إعطاءه مضاعف، كأنه يعل به عباده، أى:

يعطيهم عطاء بعد عطاء. (وأعل على بناء الناس) وفى رواية: البانين، أى ارفع فوق أعمال العاملين عمله. (وأكرم مثواه) : أى منزله. (ونزله) : رزقه.

(والخطة) : بضم الخاء المعجمة، الأمر والقصة. (والفصل) : القطع.

وعن عبد اللّه بن مسعود

قال: إذا صليتم على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، فقالوا له علمنا،

قال: قولوا اللّهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير، ورسول الرحمة،

اللّهم ابعثه مقاما محمودا، يغبطه فيه الأولون والآخرون،

اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (١) حديث موقوف، رواه ابن ماجه.

__________

(١) أخرجه ابن ماجه (٩٠٦) فى إقامة الصلاة، باب: الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-.

وعن رويفع بن ثابت الأنصارى أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (من صلى على محمد، وقال: اللّهم أنزله المقعد الصدق المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتى) (١) . رواه الطبرانى. قال ابن كثير: وإسناده حسن ولم يخرجوه. وعن أبى هريرة

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل:

اللّهم صل على محمد النبى الأمى وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد) (٢) رواه أبو داود. وعن طاووس: سمعت ابن عباس يقول:

اللّهم تقبل شفاعة محمد الكبرى، وارفع درجته العليا، وأعطه سؤله فى الآخرة والأولى، كما آتيت إبراهيم وموسى. رواه إسماعيل القاضى. قال ابن كثير: وإسناده جيد قوى صحيح.

[مواطن الصلاة على النبي ص]

وأما المواطن التى تشرع فيها الصلاة عليه- صلى اللّه عليه وسلم-.

فمنها: التشهد الأخير،

وهى واجبة فيه، كما قدمنا، وفى وجوبها فى التشهد الأول قولان، أظهرهما المنع، لبنائه على التخفيف، بل هى سنة، وفى استحباب الصلاة على الآل فى التشهد الأول القولان، وفى وجوبها فى الأخير رأيان: أصحهما المنع، بل هى سنة تابعة، وأقلها

اللّهم صل على محمد، وكذا: صلى اللّه على محمد، وأقلها على الآل: وآله. وقال فى (الكفاية) بإعادة (على) .

ومنها: خطبة الجمعة،

وكذا غيرها من الخطب، فلا تصح خطبتا الجمعة إلا بها، لأنها عبادة. وذكر اللّه فيها شرط، فوجب ذكر الرسول فيها كالأذان والصلاة، وهذا مذهب الشافعى وأحمد.

ومنها: عقب إجابة المؤذن،

لما رواه الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عمرو ابن العاصى، أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على، فإنه من صلى على صلاة واحدة صلى اللّه عليه بها عشرا،

__________

(١) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٥/ ٢٥ و ٢٦) .

(٢) أخرجه أبو داود (٩٨٢) فى الصلاة، باب: الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعد التشهد .

ثم سلوا اللّه لى الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد اللّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل اللّه لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة) (١)

وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى من حديث كعب ابن علقمة، وذكره بلفظ (الرجاء) وإن كان متحقق الوقوع أدبا وإرشادا منه وتذكيرا بالخوف، وتفويضا إلى اللّه بحسب مشيئته، وليكون الطالب للشىء بين الرجاء والخوف. وقوله: (حلت عليه الشفاعة) أى وجبت، وقيل غشيته ونزلت به.

تنبيه:

قال شيخنا فى (المقاصد الحسنة) : حديث (الدرجة الرفيعة) المدرج فيما يقال بعد الأذان، لم أره فى شىء من الروايات، وأصل الحديث عند أحمد والبخارى والأربعة عن جابر مرفوعا:

(من قال حين يسمع النداء:

اللّهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته، حلت له شفاعتى يوم القيامة) (٢) : قال وكأن من زادها اغتر بما وقع فى بعض نسخ (الشفاء) من حديث جابر المشار إليه، لكن مع زيادتها فى هذه النسخة المعتمدة علم عليها كاتبها بما يشير إلى الشك فيها، ولم يرها فى سائر نسخ الشفاء، بل فى الشفاء عقد لها فصلا فى مكان آخر ولم يذكر فيه حديثا صريحا، وهو دليل لغلطها. انتهى واللّه أعلم.

ومنها: أول الدعاء وأوسطه وآخره،

لما روى أحمد من حديث جابر:

أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (لا تجعلونى كقدح الراكب، فإن الراكب يملأ

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٣٨٤) فى الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، وأبو داود (٥٢٣) فى الصلاة، باب: ما يقول إذا سمع المؤذن، والترمذى (٣٦١٤) فى المناقب، باب: فى فضل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وأحمد فى (المسند) (٢/ ١٦٨) .

(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٦١٤) فى الأذان، باب: الدعاء عند الأذان، وأبو داود (٥٢٩) فى الصلاة، باب: ما يقول إذا سمع الإقامة، والترمذى (٢١١) فى الصلاة، باب: منه آخر، والنسائى (٣/ ٢٦- ٢٨) فى الأذان، باب: الدعاء عند الأذان، وابن ماجه (٧٢٢) فى الأذان، باب: ما يقال إذا أذن المؤذن، وأحمد فى (المسند) (٣/ ٣٥٤) .

قدحه ثم يضعه ويرفع متاعه فإذا احتاج إلى شراب شرب، أو الوضوء توضأ، وإلا أهراقه، ولكن اجعلونى فى أول الدعاء وأوسطه وآخره) (١) .

ومنها: وهو من آكدها، عقب دعاء القنوت،

لما رواه أحمد وأهل السنن، وابن جرير وابن حبان والحاكم، من حديث أبى الجوزاء، عن الحسن ابن على

قال: علمنى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كلمات أقولهن فى الوتر:

(اللّهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فإنك تقضى ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، [ولا يعز من عاديت] (٢) تباركت ربنا وتعاليت) (٣) وزاد النسائى فى سننه: وصلى اللّه على النبى، وسيأتى فى المقصد التاسع البحث فى ذلك- إن شاء اللّه تعالى-.

ومنها: أثناء تكبيرات العيدين، لما روى إسماعيل القاضى أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة، خرج عليهم الوليد بن عقبة

فقال: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ فقال عبد اللّه: تبتدئ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك وتصلى على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتكبر وتحمد ربك وتصلى على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع. فقال حذيفة وأبو موسى صدق أبو عبد الرحمن. قال ابن كثير: إسناده صحيح.

__________

(١) أخرجه عبد بن حميد فى (منتخبه) (١٣٢) ، والقضاعى فى (مسند الشهاب) (٢/ ٨٩) ولم أقف عليه فى المسند.

(٢) زيادة من بعض المصادر.

(٣) صحيح: أخرجه أبو داود (١٤٢٥) فى الصلاة، باب: القنوت فى الوتر، والترمذى (٤٦٤) فى الصلاة، باب: ما جاء فى القنوت فى الوتر، والنسائى (٣/ ٢٤٨) في قيام الليل، باب: الدعاء فى الوتر، وابن ماجه (١١٧٨) فى إقامة الصلاة، باب: ما جاء فى القنوت فى الوتر، وأحمد فى (المسند) (١/ ٢٠٠).

ومنها: عند دخول المسجد والخروج منه، لما رواه أحمد عن فاطمة

قالت: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا دخل المسجد صلى على محمد ثم

قال: (اللّهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك) ، وإذا خرج صلى على محمد ثم

قال: (اللّهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك) ) .

ومنها: فى صلاة الجنازة،

فإن السنة أن يقرأ الفاتحة بعد إحدى التكبيرات، وبعد الأولى أولى، وأن يصلى على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعد الثانية، ويدعو للميت بعد الثالثة، وبعد الرابعة يقول:

(اللّهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) (٢) . وفى ذلك حديث رواه الشافعى والنسائى.

ومنها: عند التلبية،

لما رواه الشافعى والدار قطنى عن القاسم بن محمد ابن أبى بكر الصديق

قال: كان يؤمر الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلى على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- على كل حال.

ومنها: عند الصفا والمروة،

لما روى إسماعيل القاضى عن عمر بن الخطاب أنه

قال: إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعا، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا سبع تكبيرات، تكبيرا بعد حمد اللّه وثناء عليه، وصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ومسألة لنفسك، وعلى المروة مثل ذلك. قال ابن كثير: إسناده حسن جيد قوى.

ومنها: عند الإجماع والتفرق،

لما روى الترمذى عن أبى هريرة أن

__________

(١) أخرجه الترمذى (٣١٤) فى الصلاة، باب: ما يقول عند دخول المسجد، وابن ماجه (٧٧١) فى المساجد، باب: الدعاء عند دخول المسجد، وأحمد فى (المسند) (٦/ ٢٨٢ و ٢٨٣) بسند منقطع.

(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٢٠١) فى الجنائز، باب: الدعاء للميت، وابن ماجه (١٤٩٨) فى الجنائز، باب: ما جاء فى الدعاء فى الصلاة على الجنازة، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-، مقتصرا على الدعاء فقط.

رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا اللّه فيه ولم يصلوا على نبيه إلا كان عليه ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) (١) .

وروى إسماعيل القاضى عن أبى سعيد

قال: ما من قوم يقاعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب (٢) .

ومنها: عند الصباح والمساء،

لما روى الطبرانى من حديث أبى الدرداء مرفوعا: (من صلى على حين يصبح عشرا، وحين يمسى عشرا، أدركته شفاعتى يوم القيامة) (٣) .

ومنها: عند الوضوء،

لحديث ابن ماجه عن سهل بن سعد

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا وضوء لمن لم يصل على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-) (٤) .

ومنها: عند طنين الأذن،

لحديث أبى رافع عند ابن السنى مرفوعا: (إذا طنت أذن أحدكم فليذكرنى، وليصل على وليقل ذكر اللّه من ذكرنى بخير) (٥) .

ومنها: عند نسيان الشىء،

لحديث أبى موسى المدينى، بسند فيه ضعف، عن أنس يرفعه: (إذا نسيتم شيئا فصلوا على تذكروه إن شاء اللّه تعالى) .

ومنها: بعد العطاس،

كما ذهب إليه أبو موسى المدينى وجماعة،

__________

(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٣٨٠) فى الدعوات، باب: ما جاء فى القوم يجلسون ولا يذكرون اللّه، وأحمد فى (المسند) (٢/ ٤٣٢ و ٤٥٣ و ٤٨١) .

(٢) الحديث الدال على ذلك أخرجه النسائى فى (الكبرى) (١٠٢٤٣) .

(٣) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (١٠/ ١٢٠) و

قال: رواه الطبرانى بإسنادين، وإسناد أحدهما جيد ورجاله وثقوا.

(٤) أخرجه الطبرانى فى الأوسط كما فى (..... الجامع) (٦٣١٦) .

(٥) أخرجه الحكيم وابن السنى والعقيلى فى الضعفاء والطبرانى فى الكبير، وابن عدى فى الكامل، كما فى (..... الجامع) (٥٨٦) .

ونازعهم فى ذلك آخرون، وقالوا: هذا موطن يفرد فيه ذكر اللّه تعالى، كالأكل والشرب والوقاع ونحو ذلك.

ومنها: عند زيارة قبره الشريف، لحديث أبى داود عن أبى هريرة: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (ما من أحد يسلم على إلا رد اللّه على روحى حتى أرد عليه السلام) (١) . وروى ابن عساكر: (من صلى على عند قبرى سمعته) وورد الأمر بالإكثار منها يوم الجمعة وليلتها، فعن أوس بن أوس الثقفى

قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق اللّه آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا على من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة على) ، قالوا: يا رسول اللّه، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت- يعنى: وقد بليت-

قال: (إن اللّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) (٢) ، رواه أحمد وأبو داود والنسائى. وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطنى.

[الإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة]

قال الحافظ ابن كثير: وقد روى البيهقى من حديث أبى أمامة عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة، ولكن فى إسناده ضعف.

فإن قلت: ما الحكمة فى خصوصية الإكثار من الصلاة عليه- صلى اللّه عليه وسلم- يوم الجمعة وليلتها؟

أجاب ابن القيم بأن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهى أن كل خير نالته أمته فى الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده- صلى اللّه عليه وسلم-، فجمع اللّه لأمته بين خيرى الدنيا والآخرة، وأعظم كرامة تحصل لهم فإنها تحصل لهم يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم فى الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيدهم فى الدنيا، ويوم فيه يسعفهم اللّه تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم

__________

(١) حسن: أخرجه أبو داود (٢٠٤١) فى المناسك، باب: زيارة القبور.

(٢) صحيح: وقد تقدم.

بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يكثر من الصلاة عليه فى هذا اليوم وليلته.

[فضيلة الصلاة على النبي ص]

وأما فضيلة الصلاة عليه- صلى اللّه عليه وسلم- فقد ورد التصريح بها فى أحاديث قوية، لم يخرج البخارى منها شيئا، أمثلها ما أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة، عن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- (من صلى على واحدة صلى اللّه عليه بها عشرا) (١) .

وعن عمر بن الخطاب- رضى اللّه عنه-

قال: خرج رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- لحاجة، فلم يجد أحدا يتبعه، فأتاه عمر بمطهرة من خلفه، فوجد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ساجدا، فتنحى عنه حتى رفع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- رأسه، ف

قال: (أحسنت يا عمر حين وجدتنى ساجدا فتنحيت عنى، إن جبريل أتانى

فقال: من صلى عليك من أمتك واحدة صلى اللّه عليه عشر صلوات، ورفعه عشر درجات) (٢) . رواه الطبرانى وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح قال ابن كثير: وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسى فى كتابه (المستخرج على الصحيحين) .

وعن أبى طلحة أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- جاء ذات يوم والسرور يرى فى وجهه، فقالوا: يا رسول اللّه إنا لنرى السرور فى وجهك،

فقال: (إنه أتانى الملك فقال: يا محمد، أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلى عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا، قال: بلى) (٣) ، رواه الدارمى وأحمد وابن حبان والحاكم والنسائى، واللفظ له.

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم (٤٠٨) فى الصلاة، باب: الصلاة على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعد التشهد.

(٢) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٢/ ٢٨٧) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط والصغير ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبرانى محمد بن عبد الرحيم بن بحير المصرى، ولم أجد من ذكره.

(٣) حسن: أخرجه النسائى (٣/ ٤٤) فى السهو، باب: فضل التسليم على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وأحمد فى (المسند) (٤/ ٢٩ و ٣٠).

وعن عامر بن ربيعة، أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (من صلى على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى على، فليقلّ عبد من ذلك أو ليكثر) (١) . رواه أحمد وابن ماجه من حديث شعبة.

وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص: من صلى على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلاة صلى اللّه عليه وملائكته بها سبعين صلاة، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر (٢) ، رواه أحمد. والتخيير بعد الإعلام بما فيه الخيرة فى المختبر فيه على جهة التحذير من التفريط فى تحصيله، وهو قريب من معنى التهديد. وروى الترمذى، أن أبى بن كعب

قال: يا رسول اللّه، إنى أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتى؟

قال: (ما شئت) ، قلت: الربع؟

قال: (ما شئت وإن زدت فهو خير لك) ، قلت: فالنصف؟

قال: (ما شئت وإن زدت فهو خير لك) ، قلت: فالثلثين؟

قال: (ما شئت وإن زدت فهو خير لك) ، قلت:

أجعل لك صلاتى كلها،

قال: (إذن تكفى همك، ويغفر ذنبك) (٣) . ثم قال:هذا حديث حسن.

فهذا ما يتعلق بالصلاة، وأما السلام فقال النووى: يكره إفراد الصلاة عن السلام، واستدل بورود الأمر بهما معا فى الآية، يعنى قوله تعالى إِنَّ اللّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٤) .

وتعقبوه: بأن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- علم أصحابه التسليم قبل تعليمهم الصلاة، كما هو مصرح به فى قولهم: يا رسول اللّه قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلى عليك، وقوله-صلى اللّه عليه وسلم- بعد أن علمهم الصلاة والسلام: (كما قد علمتم) ، فأفرد التسليم مدة قبل الصلاة عليه. لكن قال فى فتح البارى: إنه

__________

(١) أخرجه الطيالسى عن أبى هريرة، كما فى (كنز العمال) (١٨٩٠٢) .

(٢) أخرجه أحمد فى (المسند) (٢/ ١٧٢) .

(٣) حسن: أخرجه الترمذى (٢٤٥٧) فى صفة القيامة، باب: منه.

(٤) سورة الأحزاب: ٥٦.

يكره أن يفرد الصلاة ولا يسلم أصلا، أما لو صلى فى وقت، وسلم فى وقت آخر فإنه يكون ممتثلا.

وقال أبو محمد الجوينى من أصحابنا: السلام بمعنى الصلاة، فلا يستعمل فى الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا ي

قال: على عليه السلام، سواء فى هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به في

قال: سلام عليك، أو عليكم، أو السلام عليك أو عليكم، وهذا مجمع عليه انتهى.

وقد جرت عادة بعض النساخ أن يفردوا عليّا وفاطمة- رضى اللّه عنهما- بالسلام، فيقولو: عليه أو عليها السلام من دون سائر الصحابة فى ذلك، وهذا وإن كان معناه صحيحا لكن ينبغى أن يساوى بين الصحابة- رضى اللّه عنهم- فى ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، والشيخان وعثمان أولى بذلك منهما، أشار إليه ابن كثير.

وأما الصلاة على غير النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فاختلف فيها.

وأخرج البيهقى بسند واه من حديث بريدة رفعه: (لا تتركن فى التشهد الصلاة على وعلى أنبياء اللّه) .

وأخرج إسماعيل القاضى بسند ..... من حديث أبى هريرة: (صلوا على أنبياء اللّه) .

وأخرج الطبرانى من حديث ابن عباس رفعه: (إذا صليتم على فصلوا على أنبياء اللّه، فإن اللّه بعثهم كما بعثنى) (١) .

وثبت عن ابن عباس اختصاص ذلك بالنبى- صلى اللّه عليه وسلم-. أخرجه ابن أبى شيبة من طريق عثمان عن عكرمة عنه

قال: (ما أعلم الصلاة تنبغى على أحد من أحد إلا على النبى- صلى اللّه عليه وسلم-) . وسنده صحيح. وحكى القول به عن مالك، وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز. وقال سفيان: يكره أن يصلى إلا على نبى. وعن بعض شيوخ مذهب مالك: لا يجوز أن يصلى إلا على محمد. قالوا: وهذا غير معروف عن مالك، وإنما

قال: أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغى لنا أن نتعدى ما أمرنا به. وخالفه يحيى بن يحيى

__________

(١) حسن: أخرجه ابن أبى عمر، والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة، والخطيب عن أنس، كما فى (صحيح الجامع) (٣٧٨٢) .

فقال: لا بأس به، واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة، فلا تمنع إلا بنص أو إجماع.

وأما الصلاة على غير الأنبياء، فإن كان على سبيل التبعية كما تقدم فى الحديث:

اللّهم صل على محمد وآل محمد ونحوه، فهو جائز بالإجماع.

وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم.

فقال قائلون بجواز ذلك، واحتجوا بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ (١) وبقوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ (٢) ، وبقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ (٣) ، وبحديث عبد اللّه بن أبى أوفى

قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقتهم

قال: (اللّهم صل عليهم) ، فأتاه أبى بصدقته ف

قال: (اللّهم صل على آل أبى أوفى) (٤) أخرجه الشيخان.

وقال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة، لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال أبو بكر صلى اللّه عليه وسلم. أو: قال على صلى اللّه عليه وسلم، وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: قال محمد عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا، لأن هذا من شعار ذكر اللّه عز وجل. وحملوا ما ورد فى ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم، ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبى أوفى. وهذا مسلك حسن.

وقال آخرون: لا يجوز ذلك، لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم فى ذلك. ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم، أو كراهة

__________

(١) سورة الأحزاب: ٤٣.

(٢) سورة البقرة: ١٥٧.

(٣) سورة التوبة: ١٠٣.

(٤) صحيح: أخرجه البخارى (١٤٩٨) فى الزكاة، باب: صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، ومسلم (١٠٧٨) فى الزكاة، باب: الدعاء لمن أتى بصدقته.

التنزيه، أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاها النووى فى كتاب (الأذكار) ، ثم

قال: والصحيح الذى عليه الأكثرون، أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم.