٦-٣ النوع السادس فى وصفه تعالى له ص بالنور والسراج المنيراعلم أن اللّه تعالى قد وصف رسوله- صلى اللّه عليه وسلم- ب (النور) فى قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّه نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (٤) ، وقيل المراد: القرآن. ووصفه- صلى اللّه عليه وسلم- أيضا ب (السراج المنير) فى قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللّه بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٥) . __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٢٦٨) فى الإجارة، باب: الإجارة إلى نصف النهار، وأطرافه (٢٢٦٩ و ٣٤٥٩ و ٥٠٢١ و ٧٤٦٧ و ٧٥٣٣) ، من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. (٢) سورة البلد: ٢. (٣) سورة الحجر: ٧٢. (٤) سورة المائدة: ١٥. (٥) سورة الأحزاب: ٤٥، ٤٦. والمراد: كونه هاديا مبينا كالسراج الذى يرى الطريق ويبين الهدى والرشاد، فبيانه أقوى وأتم وأنفع من نور الشمس، وإذا كان كذلك وجب أن تكون نفسه القدسية أعظم فى النورانية من الشمس، فكما أن الشمس فى عالم الأجسام تفيد النور لغيرها ولا تستفيد من غيرها فكذا نفس النبى- صلى اللّه عليه وسلم- تفيد الأنوار العقلية لسائر الأنفس البشرية، ولذلك وصف اللّه الشمس بأنها سراج حيث قال: وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (١) . وكما وصف اللّه رسوله بأنه نور، وصف نفسه المقدسة بذلك فقال: اللّه نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (٢) ، فليس فيهما نور إلا اللّه، ونوره القدسى هو سر الوجود والحياة والجمال والكمال، وهو الذى أشرق على العالم فأشرق على العوالم الروحانية، وهم الملائكة، فصارت سرجا منيره، يستمد منها من هو دونها بجود اللّه تعالى، ثم سرى النور إلى عالم النفوس الإنسانية، ثم طرحته النفوس على صفحات الجسوم، فليس فى الوجود إلا نور اللّه السارى إلى الشىء منه بقدر قبوله ووسع استعداده ورحب تلقيه. والنور فى الأصل: كيفية يدركها الباصر أولا، وبواسطتها سائر المبصرات، كالكيفية الفائضة من النيرين- الشمس والقمر- على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما، وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على اللّه تعالى إلا بتقدير مضاف، كقولك: زيد كرم، بمعنى: ذو كرم، أو معنى منور السماوات والأرض، فإنه تعالى نورهما بالكواكب، وما يفيض عنها من الأنوار، وبالملائكة والأنبياء من قولهم للرئيس الفائق فى التدبير: نور القوم، لأنهم يهتدون به فى الأمور، ويؤيد هذا القول قراءة على بن أبى طالب وزيد بن __________ (١) سورة الفرقان: ٦١. (٢) سورة النور: ٣٥. على وغيرهما (نوّر) فعلا ماضيا، و (الأرض) بالنصب. وقوله: (مثل نوره) أى: مثل هداه سبحانه وتعالى. وأضاف النور إلى السماوات والأرض إما دلالة على سعة إشراقه، وفشو إضاءته حتى تضىء له السماوات والأرض، وإما لإرادة أهل السماء والأرض، وأنهم يستضيئون به. وعن مقاتل: أى مثل الإيمان فى قلب محمد كمشكاة فيها مصباح، فالمشكاة نظير صدر عبد اللّه، والزجاجة نظير جسد محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، المصباح نظير الإيمان والنبوة فى قلب محمد- صلى اللّه عليه وسلم-. وعن غيره: المشكاة نظير إبراهيم، والزجاجة نظير إسماعيل- عليهما السلام-، والمصباح جسد محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، والشجرة: النبوة والرسالة. وعن أبى سعيد الخراز (١) : المشكاة: جوف محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، والزجاجة قلبه، والمصباح النور الذى جعله اللّه فى قلب محمد- صلى اللّه عليه وسلم-. وعن كعب وابن جبير: النور الثانى هنا محمد- صلى اللّه عليه وسلم-. وعن سهل بن عبد اللّه: مثل نور محمد إذ كان مستودعا فى الأصلاب كمشكاة صفتها كذا وكذا، وأراد بالمصباح قلبه وبالزجاجة صدره، أى كأنه كوكب درى لما فيه من الإيمان والحكمة. توقد من شجرة مباركة، أى من نور إبراهيم، وضرب المثل بالشجرة المباركة. وقوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ (٢) أى تكاد نبوة محمد تبين للناس قبل كلامه، حكى هذا القول الأخير القاضى أبو الفضل اليحصبى والفخر الرازى، لكنه عن كعب الأحبار. __________ (١) هو: أحمد بن عيسى الخراز، أبو سعيد، أحد مشايخ الصوفية، توفى سنة (٢٨٦ هـ، وقيل ٢٧٧ هـ) . (٢) سورة النور: ٣٥. وعن الضحاك: يكاد محمد يتكلم بالحكمة قبل الوحى. قال عبد اللّه ابن رواحة: لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تنبيك بالخبر لكن التفسير الأول فى هذه الآية هو المختار، لأنه تعالى ذكر قبل هذه الآية وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ (١) فإذا كان المراد بقوله (مثل نوره) أى مثل هداه كان ذلك مطابقا لما قبله. واختلفوا فى هذا التشبيه. أو هو مشبه جملة بجملة، لا يقصد فيها إلى تشبيه جزء بجزء، ومقابلة شىء بشىء، أو مما قصد منه ذلك؟ أى: مثل نور اللّه، الذى هو هداه وإتقانه صنعة كل مخلوق، وبراهينه الساطعة، على الجملة كهذه الجملة من النور الذى تتخذونه أنتم على هذه الصفة التى هى أبلغ صفات النور الذى بين يدى الناس، أى: مثل نور اللّه فى الوضوح كهذا الذى هو منتهاكم أيها البشر. وقيل: هو من التشبيه المفصل، المقابل جزء بجزء، قد رده على تلك الأقوال الثلاثة. أى: مثل نوره فى محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، أو فى المؤمنين، أو فى القرآن والإيمان كمشكاة، فالمشكاة هو الرسول أو صدره، والمصباح هو النبوة وما يتصل بها من علمه وهداه، والزجاجة قلبه، والشجرة المباركة الوحى، والملائكة رسل اللّه إليه، وشبه الفضل به بالزيت وهو الحجج والبراهين، والآيات التى تضمنها الوحى. وعلى قول: (المؤمنين) ، فالمشكاة صدره، والمصباح الإيمان والعلم، والزجاجة قلبه، والشجرة القرآن، وزيتها هو الحجج والحكمة التى تضمنتها. __________ (١) سورة النور: ٣٤. وعلى قول: (الإيمان والقرآن) ، أى مثل الإيمان والقرآن فى صدر المؤمنين وفى قلبه كمشكاة. وأما الضمير على قول المؤمنين فى قراءة أبى المذكورة فى بعض التفاسير، ففيه إشكال من حيث الإفراد، وعن أبى: هو عائد على المؤمنين، وفى قراءته: مثل نور المؤمنين، وفى رواية عنه: مثل نور من آمن به. وعن الحسن: يعود على القرآن والإيمان. النوع السابع فى آيات تتضمن وجوب طاعته واتباع سنتهقال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ (١) وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللّه وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢) . وقال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللّه وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّه لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣) . قال القاضى عياض: فجعل طاعته طاعة رسوله، وقرن طاعته بطاعته، ووعد على ذلك بجزيل الثواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب. وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّه (٤) . يعنى: من أطاع الرسول لكونه رسولا مبلغا إلى الخلق أحكام اللّه فهو فى الحقيقة ما أطاع إلا اللّه، وذلك فى الحقيقة لا يكون إلا بتوفيق اللّه. وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٥) فإن من أعماه اللّه عن الرشد وأضله عن الطريق فإن أحدا من الخلق لا يقدر على إرشاده. وهذه الآية من أقوى الأدلة على أن الرسول معصوم فى جميع الأوامر والنواهى، وفى كل ما يبلغه عن اللّه، لأنه لو أخطأ __________ (١) سورة الأنفال: ٢٠. (٢) سورة آل عمران: ١٣٢. (٣) سورة آل عمران: ٣٢. (٤) سورة النساء: ٨٠. (٥) سورة النساء: ٨٠. فى شىء منها لم تكن طاعته طاعة اللّه تعالى، وأيضا وجب أن يكون معصوما فى جميع أفعاله، لأنه تعالى أمر بمتابعته فى قوله: وَاتَّبِعُوهُ) ، والمتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير، فثبت أن الانقياد له فى جميع أقواله وأفعاله إلا ما خصه الدليل طاعة له، وانقياد لحكم اللّه تعالى. وقال اللّه تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللّه وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ (٢) الآية. وهذا عام فى المطيعين للّه من أصحاب الرسول ومن بعدهم، وعام فى المعية فى هذه الدار، وإن فاتت فيها معية الأبدان. وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية أن ثوبان، مولى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان شديد الحب لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قليل الصبر عنه، فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه، وعرف الحزن فى وجهه، فسأله رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- عن حاله ف قال: يا رسول اللّه، ما بى وجع، غير أنى إذا لم أرك اشتقتك واستوحشت وحشة عظيمة حتى ألقاك، فذكرت الآخرة بحيث لا أراك هناك، لأنى إذا دخلت الجنة فأنت تكون فى درجات النبيين، وإن أنا لم أدخل الجنة فحينئذ لا أراك أبدا، فنزلت هذه الآية. وذكر ابن أبى حاتم عن أبى الضحى عن مسروق، قال أصحاب محمد: يا رسول اللّه ما ينبغى لنا أن نفارقك، فإنك لو قد متّ لرفعت فوقنا ولم نرك، فأنزل اللّه الآية. وذكر عن عكرمة مرسلا، قال: أتى فتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللّه، إن لنا منك نظرة فى الدنيا ويوم القيامة لا نراك لأنك فى الجنة فى الدرجات العلى، فأنزل اللّه هذه الآية فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أنت معى فى الجنة) . وذكر فيها أيضا روايات أخر ستأتى- إن شاء اللّه تعالى- فى مقصد محبته- صلى اللّه عليه وسلم-. لكن قال المحققون: لا ننكر صحة هذه الروايات، إلا أن سبب نزول __________ (١) سورة الأعراف: ١٥٨. (٢) سورة النساء: ٦٩. هذه الآية يجب أن يكون شيئا أعظم من ذلك، وهو الحث على الطاعة والترغيب فيها، فإنا نعلم أن خصوص السبب لا يقدح فى عموم اللفظ، فهذه الآية عامة فى حق جميع المكلفين، وهو أن كل من أطاع اللّه وأطاع الرسول فقد فاز بالدرجات العالية والمراتب الشريفة عنده تعالى. ثم إن ظاهر قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللّه وَالرَّسُولَ (١) أنه يكفى الاكتفاء بالطاعة الواحدة، لأن اللفظ الدال على الصفة يكفى فى جانب الثبوت حصول ذلك المسمى مرة واحدة، لكن لابد أن يحمل على غير ظاهره، وأن تحمل الطاعة على فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات، إذ لو حملناه على الطاعة الواحدة لدخل فيه الفساق والكفار، لأنهم قد يأتون بالطاعة الواحدة. قال الرازى: قد ثبت فى أصول الفقه أن الحكم المذكور عقب الصفة مشعر بكون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف، وإذا ثبت هذا فنقول: قوله: وَمَنْ يُطِعِ اللّه (٢) أى فى كونه إلها، وطاعة اللّه فى كونه إلها هى معرفته والإقرار بجلالته وعزته وكبريائه وصمديته، فصارت هذه تنبيها على أمرين عظيمين من أحوال المعاد: فالأول: أن منشأ جميع السعادات يوم القيامة إشراف الروح بأنوار معرفة اللّه، فكل من كانت هذه الأنوار فى قلبه أكثر، وصفاؤها أقوى كان إلى السعادة أقرب، وإلى الفوز بالنجاة أوصل. والثانى: أن اللّه تعالى ذكر فى الآية السابقة وعد أهل الطاعة بالأجر العظيم والثواب الجزيل، ثم ذكر فى هذه الآية وعدهم بكونهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وليس المراد بكون من أطاع اللّه وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين كون الكل فى درجة واحدة، لأن هذا يقتضى التسوية فى الدرجة بين الفاضل والمفضول، وذلك لا يجوز، فالمراد كونهم فى __________ (١) سورة النساء: ٦٩. (٢) سورة النساء: ٦٩. الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد المكان، لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا، وإذا أرادوا الرؤية والتلاقى قدروا على ذلك، فهذا هو المراد من هذه المعية، وقد ثبت وصح عنه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه قال: (المرء مع من أحب) (١) ، وثبت عنه أيضا أنه قال: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا نزلتم منزلا إلا وهم معكم حبسهم العذر) (٢) ، فالمعية والصحبة الحقيقية إنما هى بالسر والروح لا بمجرد البدن، فهى بالقلب لا بالقالب، ولهذا كان النجاشى معه- صلى اللّه عليه وسلم- ومن أقرب الناس إليه، وهو بين النصارى بأرض الحبشة، وعبد اللّه بن أبى من أبعد الخلق عنه، وهو معه فى المسجد، وذلك أن العبد إذا أراد بقلبه أمرا من طاعة أومعصية أو شخص من الأشخاص فهو بإرادته ومحبته معه لا يفارقه، فالأرواح تكون مع الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- وأصحابه- رضى اللّه عنهم-، وبينها وبينهم من المسافة الزمانية والمكانية بعد عظيم. وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (٣) . وهذه الآية الشريفة تسمى: آية المحبة، قال بعض السلف: ادعى قوم محبة اللّه فأنزل اللّه آية المحبة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه فَاتَّبِعُونِي (٤) وقال تعالى: يُحْبِبْكُمُ اللّه (٥) إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها، فدليلها وعلامتها اتباع الرسول، وفائدتها وثمرتها محبة المرسل لكم، فما لم تحصل المتابعة فلا محبة لكم حاصلة، ومحبته لكم منتفية، فجعل سبحانه اتباع رسوله- صلى اللّه عليه وسلم- مشروطا بمحبتهم للّه، وشرطا لمحبة اللّه لهم، ووجود المشروط ممتنع بدون وجود تحقق شرطه، فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة، __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٦١٦٨ و ٦١٦٩) فى الأدب، باب: علامة الحب فى اللّه عز وجل، ومسلم (٢٦٤٠) فى البر والصلة، باب: المرء مع من أحب، من حديث عبد اللّه ابن مسعود- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤٤٢٣) فى المغازى، باب: نزول النبى- صلى اللّه عليه وسلم- الحجر، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-. (٣) سورة آل عمران: ٣١. (٤) سورة آل عمران: ٣١. (٥) سورة آل عمران: ٣١. فانتفاء محبتهم للّه لازم لانتفاء المتابعة لرسوله، وانتفاء المتابعة ملزوم لانتفاء محبة اللّه لهم، فيستحيل حينئذ ثبوت محبتهم للّه وثبوت محبة اللّه لهم بدون المتابعة لرسوله- صلى اللّه عليه وسلم- فدل على أن متابعة الرسول هى حب اللّه ورسوله وطاعة أمره، ولا يكفى ذلك فى العبودية حتى يكون اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، فلا يكون شىء أحب إليه من اللّه ورسوله، ومتى كان شىء عنده أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذى لا يغفر لصاحبه ألبتة ولا يهديه اللّه، قال اللّه تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّه بِأَمْرِهِ وَاللّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١) ، فكل من قدم طاعة أحد من هؤلاء على طاعة اللّه ورسوله أو قول أحد منهم على قول اللّه ورسوله، أو مرضاة أحد منهم على مرضاة اللّه ورسوله، أوخوف أحد منهم ورجاءه والتوكل عليه على خوف اللّه ورجائه والتوكل عليه، أو معاملة أحد منهم على معاملة اللّه ورسوله، فهو ممن ليس اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإن قال بلسانه فهو كذب منه، وإخبار بما ليس هو عليه. انتهى ملخصا من كتاب (مدارج السالكين) ، وسيأتى مزيد لذلك- إن شاء اللّه تعالى- فى مقصد محبته- صلى اللّه عليه وسلم-. وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللّه وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّه وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٢) . أى إلى الصراط المستقيم، فجعل رجاء الاهتداء أثر الأمرين، الإيمان بالرسول واتباعه، تنبيها على أن من صدقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو فى الضلالة، فكل ما أتى به الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- يجب علينا اتباعه إلا ما خصه الدليل. وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللّه وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا (٣) يعنى القرآن، __________ (١) سورة التوبة: ٢٤. (٢) سورة الأعراف: ١٥٨. (٣) سورة التغابن: ٨. فالإيمان به- صلى اللّه عليه وسلم- واجب متعين- على كل أحد. لا يتم إيمان إلا به ولا يصح إسلام إلا معه، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللّه وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١) أى ومن لم يؤمن باللّه ورسوله فهو من الكافرين، وإنا أعتدنا للكافرين سعيرا. وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (٢) الآية. معناه: فوربك، كقوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣) و (لا) مزيدة للتأكيد لمعنى القسم، كما فى لِئَلَّا يَعْلَمَ (٤) ولا يؤمنون جواب. أقسم اللّه تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول فى جميع أموره، ويرضى بجميع ما حكم به، وينقاد له ظاهرا وباطنا، سواء كان الحكم بما يوافق أهواءهم أويخالفهم، كما ورد فى الحديث: (والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) (٥) ، وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- لا يكون مؤمنا، وعلى أنه لابد من حصول الرضا بحكمه فى القلب، وذلك بأن يحصل الجزم والتيقن فى القلب بأن الذى يحكم به- صلى اللّه عليه وسلم- هو الحق والصدق، فلابد من الانقياد باطنا وظاهرا، وسيأتى مزيد بيان لذلك- إن شاء اللّه تعالى- فى مقصد محبته- صلى اللّه عليه وسلم-. ثم إن ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه، وأنه لا يجوز العدول عنه إلى غيره. وقوله: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ (٦) مشعر بذلك، لأنه متى خطر بقلبه قياس يقتضى ضد مدلول النص فهناك يحصل الحرج __________ (١) سورة الفتح: ١٣. (٢) سورة النساء: ٦٥. (٣) سورة الحجر: ٩٢. (٤) سورة الحديد: ٢٩. (٥) أخرجه الحكيم الترمذى وأبو نصر السجزى فى الإبانة وقال: حسن غريب، والخطيب عن ابن عمرو، كما فى (كنز العمال) (١٠٨٤) . (٦) سورة النساء: ٦٥. فى النفس، فبين تعالى أنه لا يكمل إيمانه إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج ويسلم إلى النص تسليما كليّا، قاله الإمام فخر الدين. وجوز غيره تخصيص الكتاب والسنة بالقياس، وبه صرح العلامة التاج بن السبكى فى جمع الجوامع. النوع الثامن فيما يتضمن الأدب معه صقال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّه وَرَسُولِهِ (١) . فمن الأدب أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهى، ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن كما أمر اللّه تعالى بذلك فى هذه الآية، وهذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ. فالتقدم بين يدى سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه فى حياته، لا فرق بينهما عند كل ذى عقل سليم. قال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بشىء، حتى يقضيه اللّه تعالى على لسانه. وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-. وقال غيره: لا تأمروا حتى يأمر، ولا تنهوا حتى ينهى. وانظر أدب الصديق- رضى اللّه عنه- معه- صلى اللّه عليه وسلم- فى الصلاة، إذ تقدم بين يديه كيف تأخر وقال: ما كان لابن أبى قحافة أن يتقدم بين يدى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، كيف أورثه مقامه والإمامة بعده، فكان ذلك التأخر إلى خلفه، وقد أومأ إليه أن اثبت مكانك، سعيا إلى قدام بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قدام تنقطع فيها أعناق المطى. ومن الأدب معه- صلى اللّه عليه وسلم- أن لا ترفع الأصوات فوق صوته، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (٢) . قال الرازى: أفاد أنه ينبغى أن لا يتكلم المؤمن عنده- صلى اللّه عليه وسلم- كما يتكلم العبد عند سيده، لأن العبد أدخل فى قوله __________ (١) سورة الحجرات: ١. (٢) سورة الحجرات: ٢. تعالى: كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (١) لأنه للعموم، فلا ينبغى أن يجهر المؤمن للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- كما يجهر العبد للسيد، وإلا كان قد جهر له كما يجهر بعضكم لبعض. قال: ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (٢) ، والسيد ليس أولى عند عبده من نفسه، حتى لو كانا فى مخمصة ووجد العبد ما لو لم يأكله لمات لا يجب عليه بذله لسيده، ويجب البذل للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ولو علم العبد أن بموته ينجو سيده لا يلزمه أن يلقى نفسه فى التهلكة لإنجاء سيده، ويجب لإنجاء النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، فكما أن العضو الرئيس أول بالرعاية من غيره، لأن عند خلل القلب مثلا لا يبقى لليدين والرجلين استقامة، فلو حفظ الإنسان نفسه وترك النبى- صلى اللّه عليه وسلم- لهلك هو أيضا بخلاف العبد والسيد. انتهى. وإذا كان رفع الأصوات فوق صوته موجبا لحبوط الأعمال فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به. واعلم أن فى الرفع والجهر استخفافا قد يؤدى إلى الكفر المحبط، وذلك إذا انضم إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة. وروى أن أبا بكر- رضى اللّه عنه-، لما نزلت هذه الآية قال: واللّه يا رسول اللّه لا أكلمك إلا كأخى السرار، وأن عمر- رضى اللّه عنه- كان إذا حدثه حدّثه كأخى السرار ما كان يسمع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه(٣) . وقد روى أن أبا جعفر أمير المؤمنين ناظر مالكا فى مسجد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك فى هذا المسجد، فإن اللّه عز وجل أدب قوما ف قال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ (٤) ومدح قوما ف قال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ (٥) ، وذم قوما __________ (١) سورة الحجرات: ٢. (٢) سورة الأحزاب: ٦. (٣) تقدم (٤) سورة الحجرات: ٢. (٥) سورة الحجرات: ٣. فقال: إِنَ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ (١) الآية. وإن حرمته ميتا كحرمته حيّا، فاستكان لها أبو جعفر. ومن الأدب أن لا يجعل دعاؤه كدعاء بعضنا بعضا، قال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (٢) وفيه قولان للمفسرين: أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا، بل قولوا: يا رسول اللّه، يا نبى اللّه، مع التوقير والتواضع، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى المفعول، أى دعاؤكم الرسول. والثانى: إن المعنى، لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضا، إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بد من إجابته، ولم يسعكم التخلف عنها ألبتة، فإن المبادرة إلى إجابته واجبة، والمراجعة بغير إذنه محرمة، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل، أى دعاءه إياكم، وقد تقدم فى الخصائص من المقصد الرابع عن مذهب الشافعى أن الصلاة لا تبطل بإجابته- صلى اللّه عليه وسلم-. ومن الأدب معه- صلى اللّه عليه وسلم- أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع من خطبة أو جهاد، أو رباط، لم يذهب أحد مذهبا فى حاجة له حتى يستأذنه، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّه وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ (٣) . فإذا كان هذا مذهبا مقيدا لحاجة عارضة لم يوسع لهم فيه إلا بإذنه، فكيف بمذهب مطلق فى تفاصيل الدين، أصوله وفروعه، دقيقه وجليله، هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذانه؟ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤) . ومن الأدب معه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه لا يستشكل قوله، بل تستشكل الآراء __________ (١) سورة الحجرات: ٤. (٢) سورة النور: ٦٣. (٣) سورة النور: ٦٢. (٤) سورة النحل: ٤٣. بقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال مخالف، يسميه أصحابه معقولا، نعم هو مجهول وعن الصواب معزول، ولا يتوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه، وهو عين الجراءة عليه. ورأس الأدب معه- صلى اللّه عليه وسلم- كمال التسليم له والانقياد لأمره، وتلقى خبره بالقبول والتصديق دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه صاحبه معقولا، أو يسميه شبهة، أو شكّا،أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحد التحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب اللّه إلا بهما، توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا يتحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، انتهى ملخصا من (المدارج) والقرآن مملوء بالآيات المرشدة إلى الأدب معه- صلى اللّه عليه وسلم- فلتراجع. النوع التاسع فى آيات تتضمن رده تعالى بنفسه المقدسة على عدوه ص ترفيعا لشأنهقال اللّه تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (١) لما قال المشركون: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٢) ، أجاب تعالى عنه عدوه بنفسه من غير واسطة، وهكذا سنة الأحباب، فإن الحبيب إذا سمع من يسب حبيبه تولى بنفسه- منتصرا له- جوابه، فهنا تولى الحق سبحانه وتعالى جوابهم بنفسه منتصرا له، لأن نصرته تعالى أتم من نصرته وأرفع لمنزلته، ورده أبلغ من رده وأثبت فى ديوان مجده. __________ (١) سورة القلم: ١، ٢. (٢) سورة الحجر: ٦. فأقسم تعالى بما أقسم به من عظيم آياته على تنزيه رسوله وحبيبه وخليله مما غمصته أعداؤه الكفرة به وتكذيبهم له بقوله: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (١) وسيعلم أعداؤه المكذبون له أيهم المفتون، هو أو هم؟ وقد علموا هم والعقلاء ذلك فى الدنيا، ويزداد علمهم به فى البرزخ، وينكشف ويظهر كل الظهور فى الآخرة بحيث يتساوى الخلق كلهم فى العلم به. وقال تعالى: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ . ولما رأى العاصى بن وائل السهمى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بنى سهم وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس فى المسجد، فلما دخل العاصى قالوا: من ذا الذى كنت تحدث معه، قال: ذلك الأبتر، يعنى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وكان قد توفى ابن لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- من خديجة، فرد اللّه تعالى عليه، وتولى جوابه بقوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) أىعدوك ومبغضك هو الذليل الحقير. ولما قالوا: أَفْتَرى عَلَى اللّه كَذِباً (٤) قال اللّه تعالى: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٥) . ولما قالوا: لَسْتَ مُرْسَلًا (٦) أجاب اللّه تعالى عنه فقال: يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) . ولما قالوا: أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٨) رد اللّه تعالى عليهم فقال: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٩) فصدقه ثم ذكر وعيد خصمائه __________ (١) سورة القلم: ٢. (٢) سورة التكوير: ٢٢. (٣) سورة الكوثر: ٣. (٤) سورة سبأ: ٨. (٥) سورة سبأ: ٨. (٦) سورة الرعد: ٤٣. (٧) سورة يس: ١- ٣. (٨) سورة الصافات: ٣٦. (٩) سورة الصافات: ٣٧. فقال: إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (١) ولما قالوا: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٢) رد اللّه تعالى عليهم بقوله: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٣) . ولما حكى اللّه عنهم قولهم: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ (٤) سماهم اللّه تعالى كاذبين بقوله: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٥) . قال: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (٦) . ولما قالوا: يلقيه إليه شيطان قال اللّه تعالى: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٧) الآية ولما تلا عليهم نبأ الأولين قال النضر بن الحارث لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨) قال اللّه تعالى: تكذيبا لهم قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ (٩) . ولما قال وليد بن المغيرة: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (١٠) قال اللّه تعالى: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (١١) تسلية له- عليه الصلاة والسلام-. ولما قالوا: محمد قلاه ربه، رد اللّه تعالى عليهم بقوله: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (١٢) . __________ (١) سورة الصافات: ٣٨. (٢) سورة الطور: ٣٠. (٣) سورة يس: ٦٩. (٤) سورة الفرقان: ٤. (٥) سورة الفرقان: ٤. (٦) سورة الفرقان: ٦. (٧) سورة الشعراء: ٢١٠. (٨) سورة الأنفال: ٣١. (٩) سورة الإسراء: ٨٨. (١٠) سورة المدثر: ٢٤، ٢٥. (١١) سورة الذاريات: ٥٢. (١٢) سورة الضحى: ٣. ولما قالوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ (١) قال اللّه تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ (٢) . ولما حسدته أعداء اللّه اليهود على كثرة النكاح والزوجات، وقالوا: ما همته إلا النكاح، رد اللّه تعالى عليهم عن رسوله ونافح عنه ف قال: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٣) . ولما استبعدوا أن يبعث اللّه رسولا من البشر بقولهم الذى حكى اللّه عنهم: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللّه بَشَراً رَسُولًا (٤) وجهلوا أن التجانس يورث التانس، وأن التخالف يورث التباين. قال اللّه تعالى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (٥) أى لو كانوا ملائكة لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة، لكن لما كان أهل الأرض من البشر وجب أن يكون رسولهم من البشر. فما أجل هذه الكرامة، وقد كانت الأنبياء إنما يدافعون عن أنفسهم، ويردون على أعدائهم، كقول نوح- عليه الصلاة والسلام-: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ (٦) . وقول هود لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ (٧)وأشباه ذلك. __________ (١) سورة الفرقان: ٧. (٢) سورة الفرقان: ٢٠. (٣) سورة النساء: ٥٤. (٤) سورة الإسراء: ٩٤. (٥) سورة الإسراء: ٩٥. (٦) سورة الأعراف: ٦١. (٧) سورة الأعراف: ٦٧. |