Geri

   

 

 

İleri

 

 ٦-٤ النوع العاشر فى إزالة الشبهات عن آيات وردت فى حقه ص متشابهات

قال اللّه تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (١)

. اعلم أنه قد اتفق العلماء على أنه- صلى اللّه عليه وسلم- ما ضل لحظة واحدة قط، وهل هو جائز عقلا على الأنبياء- صلوات اللّه وسلامه عليهم- قبل النبوة؟ قالت المعتزلة: هو غير جائز عقلا لما فيه من التنفير. وعند أصحابنا: أنه جائز فى العقول، ثم يكرم اللّه من أراد بالنبوة، إلا أن الدليل السمعى قام على أن هذا الجائز لم يقع لنبى،

قال اللّه تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) قاله الإمام فخر الدين.

وقال الإمام أبو الفضل اليحصبى فى (الشفاء) : والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل باللّه وصفاته، والتشكك فى شىء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق أنوار المعارف، ونفحات ألطاف السعادة، ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحدا نبئ واصطفى ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك، ومستند هذا الباب النقل.

ثم قال: وقد استبان لك بما قررناه ما هو الحق من عصمته- صلى اللّه عليه وسلم- عن الجهل باللّه وصفاته، أو كونه على حالة تنافى العلم بشىء من ذلك كله جملة بعد النبوة عقلا وإجماعا، وقبلها سمعا ونقلا، ولا بشىء مما قررناه من أمور الشرع وأداه عن ربه من الوحى قطعا، عقلا وشرعا، وعصمته عن الكذب وخلف القول منذ نبأه اللّه وأرسله، قصدا وغير قصد، واستحالة ذلك عليه شرعا وإجماعا، نظرا وبرهانا، وتنزيهه عنه قبل النبوة قطعا، وتنزيهه عن الكبائر إجماعا، وعن الصغائر تحقيقا، وعن استدامة السهو والغافلة، واستمرار الغلط والنسيان عليه فيما شرعه للأمة، وعصمته فى كل حالاته من رضى وغضب، وجد ومزح، ما يجب لك أن تتلقاه باليمين، وتشد عليه يد

__________

(١) سورة الضحى: ٧.

(٢) سورة النجم: ٢.

الضنين، فإن من يجهل ما يجب للنبى- صلى اللّه عليه وسلم أو يجوز أو يستحيل عليه، ولا يعرف صور أحكامه لا يأمن أن يعتقد فى بعضها خلاف ما [هى] عليه، ولا ينزهه عما لا يجوز أن يضاف إليه، فيهلك من حيث لا يدرى، ويسقط فى هوة الدرك الأسفل من النار، إذ ظن الباطل به واعتقاد ما لا يجوز عليه يحل صاحبه دار البوار.

وقد استدل بعض الأئمة على عصمتهم من الصغائر، بالمصير إلى امتثال أفعالهم واتباع آثارهم وسيرتهم مطلقا. وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشافعى وأبى حنيفة فى غير التزام قرينة بل مطلقا عند بعضهم، وإن اختلفوا فى حكم ذلك، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يكن الاقتداء بهم فى أفعالهم، إذ ليس كل فعل من أفعاله يتميز مقصده من القربة والإباحة والخطر والمعصية. انتهى.

[وجوه تفسير آية وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى]

واختلف فى تفسير هذه الآية على وجوه كثيرة:

أحدها: وجدك ضالا عن معالم النبوة.

وهو مروى عن ابن عباس والحسن والضحاك وشهر بن حوشب، ويؤيده قوله تعالى ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ (١) أى ما كنت تدرى قبل الوحى أن تقرأ القرآن، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان، قاله السمرقندى، وقال بكر القاضى: ولا الإيمان الذى هو الفرائض والأحكام، فقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- قبل مؤمنا بتوحيده، ثم نزلت الفرائض التى لم يكن يدريها قبل، فازداد بالتكاليف إيمانا، وسيأتى آخر هذا النوع مزيد لذلك- إن شاء اللّه تعالى-.

الثانى: من معنى قوله: (ضالا)

ما روى مرفوعا مما ذكره الإمام فخر الدين: أنه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (ضللت عن جدى عبد المطلب وأنا صبى حتى كاد الجوع يقتلنى فهدانى اللّه) (٢) .

الثالث: يقال: ضل الماء فى اللبن إذا صار مغمورا، فمعنى الآية:

كنت مغمورا بين الكفار بمكة فقواك اللّه حتى أظهرت دينه.

__________

(١) سورة الشورى: ٥٢.

(٢) لم أقف عليه.

الرابع: أن العرب تسمى الشجرة الفريدة فى الفلاة ضالة،

كأنه تعالى يقول: كانت تلك البلاد كالمفازة ليس فيها شجرة تحمل ثمر الإيمان باللّه تعالى ومعرفته إلا أنت، فأنت شجرة فريدة فى مفازة الحمد.

الخامس: قد يخاطب السيد، والمراد قومه،

أى وجد قومك ضالين فهداهم بك وبشرعك.

السادس: أى محبّا لمعرفتى،

وهو مروى عن ابن عطاء، والضال:

المحب، كما

قال تعالى: إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (١) أى محبتك القديمة، ولم يريدوا هاهنا: فى الدين، إذ لو قالوا ذلك فى نبى اللّه لكفروا.

السابع: أى وجدك ناسيا فذكرك،

وذلك ليلة المعراج نسى ما يجب بأن يقال بسبب الهيبة، فهداه تعالى إلى كيفية الثناء حتى

قال: لا أحصى ثناء عليك.