Geri

   

 

 

İleri

 

 ٤-٧ القسم الثالث: فيما اختص به- صلى اللّه عليه وسلم- من المباحات
* اختص- صلى اللّه عليه وسلم- بإباحة المكث فى المسجد جنبا

قاله صاحب التلخيص. ومنعه القفال، قال النووى: وما قاله فى التلخيص قد يحتج له بقوله- صلى اللّه عليه وسلم- فى حديث أبى سعيد الخدرى: (يا على لا يحل لأحد أن يجنب فى هذا المسجد غيرى وغيرك) (١) قال الترمذى: حسن غريب. وقد يعترض على هذا الحديث بأن عطية ..... عند الجمهور. ويجاب بأن الترمذى حكم بأنه حسن فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه، لكن إذا شاركه- صلى اللّه عليه وسلم- على فى ذلك لم يكن من الخصائص. وقد غلّط إمام الحرمين وغيره صاحب التخليص فى الإباحة. واعلم أن معظم المباحات لم يفعلها- صلى اللّه عليه وسلم- وإن جازت له.

* ومما اختص به أيضا أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا

وفى اللمس وجهان، قال النووى: المذهب الجزم بانتقاضه به. واستدل القائلون بالأول بنحو حديث عائشة، عند أبى داود، أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلى ولا يتوضأ (٢) ورواه النسائى أيضا، وقال أبو داود: هو مرسل، إبراهيم التيمى لم يسمع من عائشة، وقال النسائى: ليس فى هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا.

* واختص أيضا بإباحة الصلاة بعد العصر

، فقد فاتته ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر. ثم واظب عليهما، ذكره الحجازى، وبجواز

__________

(١) أخرجه الترمذى (٣٧٢٧) فى المناقب، باب: مناقب على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه- .

(٢) مرسل: أخرجه النسائى (١/ ١٠٤) فى الطهارة، باب: ترك الوضوء من القبلة، .

صلاة الوتر على الراحلة مع وجوبه عليه، كما ذكره فى شرح المهذب وعبارته: كان من خصائصه- صلى اللّه عليه وسلم- جواز فعل هذا الواجب الخاص به على الراحلة. وبالصلاة على الغائب عند أبى حنيفة ومالك.

* وبالقبلة فى الصوم

مع قوة الشهوة، روى البخارى من حديث عائشة

قالت: (كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقبل بعض نسائه وهو صائم، وكان أملككم لإربه) (١) قال الحافظ ابن حجر: فأشارت بذلك إلى أن الإباحة لمن يكون مالكا لنفسه دون من لا يأمن الوقوع فيما يحرم.

قال: وفى رواية حماد- عند النسائى- قال الأسود: قلت لعائشة: أيباشر الصائم؟

قالت: لا، قلت: أليس كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يباشر وهو صائم؟

قالت: إنه كان أملككم لإربه

قال: وظاهر هذا أنها اعتقدت خصوصية النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بذلك. قاله القرطبى،

قال: وهو اجتهاد منها. ويدل على أنها لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص: ما رواه مالك فى الموطأ أن عائشة بنت طلحة كانت عند عائشة فدخل عليها زوجها وهو عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبى بكر فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها؟

قال: أقبلها وأنا صائم؟

قالت: نعم (٢) .

* واختص أيضا بإباحة الوصال فى الصوم

كما سيأتى، وقال إمام الحرمين، هو قربة فى حقه- صلى اللّه عليه وسلم-.

* وأن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج

ويجب على صاحبهما البذل. ويفدى بمهجته مهجة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-.

قال اللّه تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (٣) . ولو قصده ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه- صلى اللّه عليه وسلم-، كما وقاه طلحة بنفسه يوم أحد.

__________

(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٢٧) فى الصوم، باب: المباشرة للصائم، ومسلم (١١٠٦) فى الصيام، باب: بيان أن القبلة فى الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.

(٢) صحيح: أخرجه مالك فى (الموطأ) (١/ ٢٩٢) ، والطحاوى فى (شرح معانى الآثار) (٢/ ٩٥) بسند صحيح.

(٣) سورة الأحزاب: ٦.

وبإباحة النظر إلى الأجنبيات لعصمته،

وسيأتى- إن شاء اللّه تعالى- فى القسم الرابع حكم غيره- صلى اللّه عليه وسلم-. وبجواز الخلوة بهن. قال فى فتح البارى: الذى وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه- صلى اللّه عليه وسلم- جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها، ويدل له قصة أم حرام بنت ملحان فى دخوله- صلى اللّه عليه وسلم- عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه (١) ، ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية، انتهى.

* ومنها نكاح أكثر من أربع نسوة

وكذلك الأنبياء، وفى الزيادة لنبينا- صلى اللّه عليه وسلم- على التسع خلاف.

* ويجوز له النكاح بلفظ الهبة من جهة المرأة، قال اللّه تعالى

وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ (٢) . وأما من جهته- صلى اللّه عليه وسلم- فلابد من لفظ النكاح أو التزويج على الأصح فى أصل الروضة، وحكاه الرافعى عن ترجيح الشيخ أبى حامد لظاهر

قوله تعالى: إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ (٣) .

قال البيضاوى: فى

قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً الآية، أى أعلمناك حل امرأة مؤمنة تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا إن اتفق ذلك، ولذلك نكّرها.

واختلف فى ذلك والقائل به ذكر أنها ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة الأنصارية، وأم شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم،

قال: وقرئ (أن) بالفتح، أى لأن وهبت، أو مدة أن وهبت، كقولك: اجلس ما دام زيد جالسا،

قال: وقوله: إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ (٤) شرط

__________

(١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٢٧٨٨ و ٢٧٨٩) فى الجهاد والسير، باب: الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، ومسلم (١٩١٢) في الإمارة، باب: فضل الغزو فى البحر، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-.

(٢) سورة الأحزاب: ٥٠.

(٣) سورة الأحزاب: ٥٠.

(٤) سورة الأحزاب: ٥٠.

للشرط الأول فى استحباب الحل، فإن هبتها نفسها منه لا توجب له إلا بإرادته نكاحها، فإنها جارية مجرى القبول،

قال: والعدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ (النبى) - صلى اللّه عليه وسلم- مكررا. ثم الرجوع إليه فى قوله: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (١) . إيذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله. انتهى.

وقال المعافى: وفى معنى (خالصة) ثلاثة أقوال: أحدها: أن المرأة إذا وهبت نفسها له يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين. قاله أنس بن مالك وابن المسيب.

والثانى: أن له أن ينكحها بلا ولى ولا شهود دون غيره. قاله قتادة،

والثالث: خالصة لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين،

قال: وهذا قول الشافعى وأحمد، وعن أبى حنيفة ينعقد النكاح بلفظ الهبة لغيره- صلى اللّه عليه وسلم- أيضا.

* وكذا يجوز له- صلى اللّه عليه وسلم- النكاح بلا مهر

ابتداء وانتهاء، كما تقدم أن المرأة إذا وهبت نفسها له- صلى اللّه عليه وسلم- لا يلزمه صداقها. قال النووى: إذا وهبت امرأة نفسها له- صلى اللّه عليه وسلم- فتزوجها بلا مهر حل له ذلك، ولا يجب عليه بعد ذلك مهرها بالدخول، ولا بغير ذلك، بخلاف غيره فإنه لا يخلو نكاحه من وجوب مهر، إما مسمى وإما مهر المثل واللّه أعلم.

* وكذا يجوز له النكاح فى حال الإحرام

قال النووى فى شرح مسلم: قال جماعة من أصحابنا أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان له أن يتزوج فى حال الإحرام، وهو مما خص به دون الأمة،

قال: وهذا أصح الوجهين عند أصحابنا. انتهى.

* وكذا يجوز له- صلى اللّه عليه وسلم- النكاح بغير رضى المرأة،

فلو رغب فى نكاح امرأة خلية لزمها الإجابة، وحرم على غيره خطبتها، أو متزوجة وجب على زوجها طلاقها.

قال الغزالى: ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليف

__________

(١) سورة الأحزاب: ٥٠.

النزول عن أهله، فإنه- صلى اللّه عليه وسلم-

قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وولده والناس أجمعين) (١) .

ويدل لهذه الخصيصة قصة زينب بنت جحش بنت عمته- صلى اللّه عليه وسلم- أميمة بنت عبد المطلب، المنصوص عليها بقوله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِ (٢) . أى بنعمة الإسلام وهى أجل النعم وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أى بالإعتاق بتوفيق اللّه لك، وهو زيد بن حارثة الكلبى، وكان من سبى الجاهلية، فملكه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قبل البعثة وأعتقه وتبناه وخطب له زينب فأبت هى وأخوها عبد اللّه، ثم رضيا لما نزل

قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ (٣) . الآية وكان الرجل فى الجاهلية وصدر الإسلام إذا تبنى ولد غيره يدعوه الناس به ويرث ميراثه وتحرم عليه زوجته، فنسخ اللّه تعالى التبنى بقوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (٤) . وبهذه القصة يثبت الحكم بالقول والفعل، فأوحى اللّه إليه أن زيدا سيطلقها، وأنه- صلى اللّه عليه وسلم- يتزوجها، وألقى فى قلب زيد كراهتها فأراد فراقها فأتى رسول اللّه-صلى اللّه عليه وسلم- فقال إنى أريد أن أفارق صاحبتى

قال: (ما لك؟ أرابك منها شىء؟)

قال: لا واللّه يا رسول اللّه ما رأيت منها إلا خيرا، ولكنها تتعظم على بشرفها وتؤذينى بلسانها، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللّه (٥) ، أى فى أمرها، فلا تطلقها ضرارا وتعللا فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً (٦) . ولم يبق له فيها حاجة، ولما طلقها وانقضت عدتها زوجها اللّه تعالى له، كما

قال تعالى:

__________

(١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (١٥) فى الإيمان، باب: حب الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- من الإيمان، ومسلم (٤٤) فى الإيمان، باب: وجوب محبة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أكثر من الأهل والوالد والولد، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-.

(٢) سورة الأحزاب: ٣٧.

(٣) سورة الأحزاب: ٣٦.

(٤) سورة الأحزاب: ٥.

(٥) سورة الأحزاب: ٣٧.

(٦) سورة الأحزاب: ٣٧.

زَوَّجْناكَها (١) . والمعنى أنه أمره بتزويجها منه، أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد. ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: إن اللّه تولى نكاحى، وأنتن زوجكن أولياؤكن. وقيل إن زيدا كان السفير للتزويج، وفى ذلك لزيد ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة إيمانه.

وقد علل تعالى تزويجه إياها بقوله: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ (٢) . أى فى أن يتزوجوا زوجات من كانوا يتبنونه إذا فارقوهن، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرم فى قوله:

وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ (٣) .

وأما قوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ (٤) . فمعناه: علمك أنه سيطلقها وتتزوجها، فعاتبه اللّه تعالى على هذا القدر فى شىء أباحه له، بأن

قال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ (٥) . مع علمه أنه سيطلق، وهذا مروى عن على بن الحسين، وعليه أهل التحقيق من المفسرين، كالزهرى، وبكر بن العلاء، والقاضى أبى بكر بن العربى وغيرهم.

والمراد بقوله: وَتَخْشَى النَّاسَ (٦) . إنما هو فى إرجاف المنافقين فى تزويج نساء الأبناء، والنبى- صلى اللّه عليه وسلم- معصوم فى الحركات والسكنات. ولبعض المفسرين هنا كلام لا يليق بمنصب النبوة.

وقيل قوله: وَاتَّقِ اللّه وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ (٧) . خطاب من اللّه تعالى، أو من الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- لزيد، فإنه أخفى الميل إليها وأظهر الرغبة عنها لما توهم أن رسول اللّه-صلى اللّه عليه وسلم- يريد أن تكون من نسائه.

__________

(١) سورة الأحزاب: ٣٧.

(٢) سورة الأحزاب: ٣٧.

(٣) سورة النساء: ٢٣.

(٤) سورة الأحزاب: ٣٧.

(٥) سورة الأحزاب: ٣٧.

(٦) سورة الأحزاب: ٣٧.

(٧) سورة الأحزاب: ٣٧.

قال جار اللّه: وكم من شىء مباح يتحفظ الإنسان منه ويستحى من إطلاع الناس عليه، فطموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته من امرأة وغيرها غير موصوف بالقبح فى العقل ولا فى الشرع، وتناول المباح بالطريق الشرعى ليس بقبيح أيضا، وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ولا طلب إليه، ولم يكن مستكرها عندهم أن ينزل الرجل منهم عن امرأته لصديقه ولا مستهجنا إذا نزل عنها أن ينكحها آخر، فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة واستهم الأنصار بكل شىء، حتى إن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجرى، فإذا كان الأمر مباحا من جميع جهاته لم يكن فيه وجه من وجوه القبح. انتهى.

* وكذا يجوز له- صلى اللّه عليه وسلم- النكاح بلا ولى وبلا شهود

قال النووى:

الصحيح المشهور عند أصحابنا صحة نكاحه- صلى اللّه عليه وسلم- بلا ولى ولا شهود لعدم الحاجة إلى ذلك فى حقه- عليه السّلام-، وهذا الخلاف فى غير زينب أما زينب فمنصوص عليها واللّه أعلم.

قال العلماء: إنما اعتبروا الولى للمحافظة على الكفاءة، وهو- صلى اللّه عليه وسلم- فوق الأكفاء، وإنما اعتبر الشهود لأمن الجحود، وهو- صلى اللّه عليه وسلم- لا يجحد ولو جحدت هى لم يرجع إلى قولها، بل قال العراقى فى شرح المهذب، تكون كافرة بتكذيبه. وكان له- صلى اللّه عليه وسلم- تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها وإذن وليها، وله إجبار الصغيرة من غير بناته، وزوج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس، فيقدم على الأب. وزوجه اللّه تعالى بزينب، فدخل عليها بتزويج اللّه من غير عقد من نفسه. وعبر فى الروضة عن هذا بقوله: وكانت المرأة تحل له بتحليل اللّه تعالى.

* وأعتق أمته صفية وجعل عتقها صداقها

وقد اختلف فى معناه، فقيل إنه أعتقها بشرط أن يتزوجها، فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة، فتزوجها بها، ويؤيده: قوله فى رواية عبد العزيز بن صهيب: سمعت أنسا

قال: سبى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صفية فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت لأنس: ما أصدقها،

قال: نفسها فأعتقها (١) ؛ هكذا أخرجه البخارى فى المغازى. وفى رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس فى حديثه

قال: وصارت صفية لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها. قال عبد العزيز لثابت:

يا أبا محمد أنت سألت أنسا ما أمهرها؟

قال: أمهرها نفسها، فتبسم. فهو ظاهر جدّا فى أن المجعول مهرا هو نفس العتق. والتأويل الأول لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى ولو كانت القيامة مجهولة، فإن فى صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية.

وقال آخرون: بل جعل نفس العتق المهر، ولكنه من خصائصه، وممن جزم بذلك الماوردى.

وقال آخرون: قوله: (أعتقها وتزوجها) معناه: أعتقها ثم تزوجها، فلما لم يعلم أنه ساق لها صداقا

قال: أصدقها نفسها، أى: لم يصدقها شيئا فيما أعلم، ولم ينف أصل الصداق، ومن ثم قال أبو الطيب الطبرى من الشافعية، وابن المرابط من المالكية ومن تبعهم: أنه قول أنس قاله ظنّا من قبل نفسه ولم يرفعه. ويعارضه ما أخرجه الطبرانى وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها

قالت: أعتقنى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وجعل عتقى صداقى. وهذا موافق لحديث أنس، وفيه رد على من

قال: إن أنسا قال ذلك بناء على ظنه.

ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها من غير مهر، فلزمها الوفاء بذلك، وهذا خاص بالنبى- صلى اللّه عليه وسلم- دون غيره. ويحتمل: أنه أعتقها بغير عوض، وتزوجها بغير مهر فى الحال، ولا فى المال، قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن صداقا،

قال: وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له،

قال: وهذا الوجه أصح الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث، وتبعه النووى فى (الروضة) .

وممن جزم بأن ذلك كان من الخصائص يحيى بن أكثم فيما أخرجه البيهقى

قال: وكذا نقله المزنى عن الشافعى

قال: وموضع الخصوصية، أنه

__________

(١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٤٢٠١) فى المغازى، باب: غزوة خيبر، وأطرافه (٣٧١ و ٩٤٧ و ٢٢٢٨ و ٤٢٠٠ و ٥٠٨٦ و ٥١٦٩) .

أعتقها مطلقا وتزوجها بغير مهر ولا شهود، وهذا بخلاف غيره. انتهى. وقال النووى فى شرح مسلم: الصحيح الذى اختاره المحققون، أنه أعتقها تبرعا بلا عوض ولا شرط، ثم تزوجها برضاها من غير صداق، واللّه أعلم. قاله الحافظ ابن حجر.

* واختلف فى انحصار طلاقه- صلى اللّه عليه وسلم- فى الثلاث

وعلى الحصر، قيل: تحلل له من غير محلل، وقيل لا تحل له أبدا.

* وفى وجوب نفقة زوجاته

وجهان، قال النووى: الصحيح:

الوجوب، انتهى. ولا يجب عليه القسم فيما قاله طوائف من أهل العلم، وبه جزم الاصطخرى من الشافعية، والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب.

وفى حل الجمع له بين المرأة وخالتها وعمتها وجهان، لا أختها وبنتها وأمها، قالوا: ومرجع غالب هذه الخصائص إلى أن النكاح فى حقه كالتسرى فى حقنا.

* وكان له- صلى اللّه عليه وسلم- أن يصطفى ما شاء من المغنم قبل القسمة

من جارية وغيرها.

* وأبيح له القتال بمكة والقتل بها

وجواز دخول مكة بغير إحرام مطلقا. ذكره ابن القاص، واستدلوا له بحديث أنس عند الستة: (دخل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر) (١) وذلك من كونه-صلى اللّه عليه وسلم- كان مستور الرأس بالمغفر، والمحرم يجب عليه كشف رأسه. ومن تصريح جابر والزهرى ومالك بأنه لم يكن محرما.

وأبدى ابن دقيق العيد لستر الرأس احتمالا

فقال: يحتمل أن يكون لعذر. انتهى. وتعقبه الشيخ ولى الدين ابن العراقى

فقال: هذا يرده تصريح جابر وغيره:

قال: وهذا الاستدلال فى غير موضع الخلاف المشهور، لأنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان خائفا من القتال متأهبا، ومن كان كذلك فله الدخول عندنا بلا إحرام بلا خلاف عندنا، ولا عند أحد نعلمه.

__________

(١) صحيح: وقد تقدم.

وقد استشكل النووى فى شرح المهذب ذلك، لأن مذهب الشافعى أن مكة فتحت صلحا خلافا لأبى حنيفة فى قوله: إنها فتحت عنوة، وحينئذ فلا خوف. ثم أجاب عنه: بأنه- صلى اللّه عليه وسلم- صالح أبا سفيان، وكان لا يأمن غدر أهل مكة، فدخلها صلحا وهو متأهب للقتال إن غدروا. انتهى.

وقد ذكرت ما فى فتح مكة من المباحث فى قصة فتحها من المقصد الأول. ثم إن غيره- صلى اللّه عليه وسلم- إذا لم يكن خائفا، فقال أصحابنا: إن لم يكن ممن يتكرر دخوله، ففى وجوب الإحرام عليه قولان: أصحهما عند أكثرهم:

أنه لا يجب، وقطع به بعضهم، فإن تكرر دخوله كالحطابين ونحوهم ففيه خلاف مرتب وهو أولى بعدم الوجوب وهو المذهب.

وقال الحنابلة بوجوب الإحرام إلا على الخائف وأصحاب الحاجات، وأوجبه المالكية فى المشهور عندهم على غير ذوى الحاجات المتكررة، وأوجبه الحنفية مطلقا إلا من كان داخل الميقات. وقد تحرر أن المشهور من مذهب الشافعى: عدم الوجوب مطلقا. ومن مذاهب الأئمة الثلاثة الوجوب إلا فيما استثنى.

* ومن خصائصه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه كان يقضى بعلمه من غير خلاف

وأن يقضى لنفسه ولولده، وأن يشهد لنفسه ولولده. ولا تكره له الفتوى والقضاء فى حال الغضب، كما ذكره النووى فى شرح مسلم، وقد قضى للزبير بشراج الحرة (١) بعد أن أغضبه خصم الزبير. لعصمته- صلى اللّه عليه وسلم-، فلا يقول فى الغضب إلا كما يقول فى الرضى.

* وكان له أن يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة

وليس لنا أن نصلى إلا على نبى أو ملك.

* وكان له أن يقتل بعد الأمان

وأن يلعن من شاء بغير سبب: واستبعد ذلك.

* وجعل اللّه شتمه ولعنه قربة للمشتوم والملعون

لدعائه- صلى اللّه عليه وسلم-

__________

(١) موضع معروف بالمدينة، والقصة أخرجها البخارى (٢٣٦٠) فى المساقاة، باب: مسكر الأنهار، ومسلم (٢٣٥٧) فى الفضائل، باب: وجوب اتباعه- صلى اللّه عليه وسلم-.

بذلك (١) . قاله ابن القاص، وردوه عليه، حكاه الحجازى فى مختصر الروضة عن نقل الرافعى.

* وكان يقطع الأراضى قبل فتحها

لأن اللّه ملكه الأرض كلها. وأفتى الغزالى بكفر من عارض أولاد تميم الدارى فيما أقطعهم. و

قال: إنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يقطع أرض الجنة فأرض الدنيا أولى.