٤-٦ القسم الثانى: ما اختص به- صلى اللّه عليه وسلم- مما حرم عليه* فمنها: تحريم الزكاة عليهوكذا الصدقة على الصحيح المشهور المنصوص، قال- صلى اللّه عليه وسلم-: (إنا لا نأكل الصدقة) (٢) رواه مسلم، ومن قال بإباحتها له يقول: لا يلزم من امتناعه من أكلها تحريمها، فلعله ترك ذلك تنزها مع إباحتها له، وهذا خلاف ظاهر الحديث. قال شيخ الإسلام ابن العراقى، فى شرح التقريب: وعلى كل حال ففيه أن من خصائصه- صلى اللّه عليه وسلم- الامتناع من أكل الصدقة إماوجوبا وإما تنزها، انتهى. والحكمة من ذلك: صيانة منصبه الشريف عن أوساخ أموال الناس. __________ (١) قلت: إن ديننا يؤخذ من الوحى، لا من المنامات، وبخاصة إذا كانت تخالف ظاهر الدين، خشية أن تكون من إلقاء الشيطان إلى النفس، وهو ما يكون غالبا، وليحذر المسلم الحقيقى من مثل هذه المنامات. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٤٩١) فى الزكاة، باب: ما يذكر فى الصدقة للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ومسلم (١٠٦٩) فى الزكاة، باب: تحريم الزكاة على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-. ومنها: تحريم الزكاة على آله- صلى اللّه عليه وسلم-وتحريم كون آله عمالا على الزكاة فى الأصح، وكذا يحرم صرف النذر والكفارة إليهم، وأما صدقة التطوع فتحل لهم فى الأصح خلافا للمالكية وهو وجه عندنا. ومنها: أنه يحرم عليه- صلى اللّه عليه وسلم- أكل ما له رائحة كريهةكثوم وبصل، لتوقع مجىء الملائكة والوحى كل ساعة. والأكل متكئا فى أحد الوجهين فيهما، والأصح فى الروضة كراهتهما، وتعقب السهيلى الاتكاء ف قال: قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين، وقد تقدم مزيد لذلك. ومنها: تحريم الكتابة والشعروإنما يتجه القول بتحريمهما ممن يقول إنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يحسنهما، والأصل أنه كان لا يحسنهما، قال تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ (١) . وقال تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ (٢) . أى ما هو فى طبعه، ولا يحسنه ولا تقتضيه جبلته ولا يصلح له. و أجيب: بأن المراد تحريم التوصل إليهما. وهل عدم الشعر خاص به- صلى اللّه عليه وسلم- أو بنوع الأنبياء؟ قال بعضهم: هو عام لقوله تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ لأنه لا يظهر فيه للخصوص نكتة. وتقدم فى قصة الحديبية البحث فى كونه- صلى اللّه عليه وسلم- هل كان يحسن الكتابة أو لا. ومنها: نزع لأمته إذا لبسها، حتى يقاتلأو يحكم اللّه بينه وبين عدوه. ومنها: المن ليستكثرذكره الرافعى، قال اللّه تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٣) أى: لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه، بل أعط لربك، واقصد به وجهه، فأدبه بأشرف الآداب، قاله أكثر المفسرين، وقال الضحاك ومجاهد: هذا كان للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- خاصة، وليس على أحد من أمته، وقال قتادة: لا تعط شيئا لمجازاة الدنيا، أى أعط لربك، وعن الحسن: لا تمنن على اللّه __________ (١) سورة العنكبوت: ٤٨. (٢) سورة يس: ٦٩. (٣) سورة المدثر: ٦. بعملك فتستكثره، وقيل: لا تمنن على الناس بالنبوة فتأخذ عليها أجرا وعوضا من الدنيا. ومنها: مد العين إلى ما متع به الناسقال اللّه تعالى: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ (١) أى استحسانا له وتمنيا أن يكون لك مثله أَزْواجاً مِنْهُمْ (٢) أى أشكالا وأشباها من الكفار، وهى المزاوجة بين الأشياء، وهى المشاكلة. وعنابن عباس: أصنافا منهم، فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته، فإنه كمال مطلوب بالذات مفض إلى دوام اللذات. ومنها: خائنة الأعينوهى الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يشعر به الحال، كما قيل له- صلى اللّه عليه وسلم- فى قصة رجل أراد قتله. هلا أومأت إلينا بقتله، ف قال: (ما كان ينبغى لنبى أن تكون له خائنة الأعين) (٣) . ولا يحرم ذلك على غيره إلا فى محظور، قاله الرافعى فيما نقله الحجازى فى مختصر الروضة. ومنها: نكاح من لم تهاجرفى أحد الوجهين: قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ (٤) . أى مهورهن، سمى المهر أجرا لأن المهر أجر على البضع وتقييد الإحلال بإعطائها معجله لا يتوقف الحل عليه، بل لإيثار الأفضل له، كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبية فى قوله: وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللّه عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ (٥) . يعنى من نساء بنى زهرة اللَّاتِي هاجَرْنَ __________ (١) سورة الحجر: ٨٨. (٢) سورة الحجر: ٨٨. (٣) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٦٨٣) فى الجهاد، باب: قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، و (٤٣٥٩) فى الحدود، باب: الحكم فيمن ارتد، من حديث سعد- رضى اللّه عنه-. (٤) سورة الأحزاب: ٥٠. (٥) سورة الأحزاب: ٥٠. مَعَكَ (١) . أى إلى المدينة، قالوا: والمراد هاجرن كما هاجرت، وإن لم تكن هجرتها فى حال هجرته- صلى اللّه عليه وسلم-. وظاهره يدل على أن الهجرة شرط فى التحليل، وأن من لم تهاجر من النساء لم يحل له نكاحها. وقالت أم هانئ: خطبنى- صلى اللّه عليه وسلم- فاعتذرت إليه بعذر فعذرنى، ثم أنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ إلى قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ (٢) . فلم أكن لأحل له، فإنى لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء (٣) . وعن بعض المفسرين: أن شرط الهجرة فى التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه. وعن الماوردى قولان: أحدهما أن الهجرة شرط فى إحلال كل النساء له- صلى اللّه عليه وسلم- من غريبة وقريبة، والثانى: أنها شرط فى إحلال بنات عمه وبنات عماته المذكورات فى الآية وليس شرطا فى إحلال الأجنبيات، وعنه أيضا: أن المراد بالمهاجرات المسلمات. ومنها: تحريم إمساك من كرهتهقاله الحجازى وغيره. ومنها: نكاح الكتابيةلأن أزواجه أمهات المؤمنين وزوجات له فى الآخرة، ومعه فى درجته فى الجنة، ولأنه- صلى اللّه عليه وسلم- أشرف من أن يضع ماءه فى رحم كافرة، قالوا: ولو نكح كتابية لهديت إلى الإسلام كرامة له. ومنها: نكاح الأمة المسلمةولو قدر نكاحه أمة كان ولده منها حرّا، ولا تلزمه قيمته لتعذر الرق. قاله القاضى حسين، وقال أبو عاصم: تلزم، نقله الحجازى، ولا يشترط فى حقه حينئذ خوف العنت ولا فقد الطول. وأماالتسرى بالأمة فالأصح الحل، لأنه- صلى اللّه عليه وسلم- استمتع بأمته ريحانة قبل أن تسلم، وعلى هذا، فهل عليه تخييرها بين أن تسلم فيمسكها أو تقيم على دينها فيفارقها؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم لتكون من زوجاته فى الآخرة، __________ (١) سورة الأحزاب: ٥٠. (٢) سورة الأحزاب: ٥٠. (٣) أخرجه الترمذى (٣٢١٤) فى التفسير، باب: ومن سورة الأحزاب، والحاكم فى (المستدرك) (٢/ ٢٠٢) بسند فيه السدى، وهو ...... والثانى: لا، لأنه لما عرض على ريحانة الإسلام فأبت لم يزلها عن ملكه وأقام على الاستمتاع، وقد أسلمت بعد. ومنها: تحريم الإغارةإذا سمع التكبير، كما ذكره ابن سبع فى الخصائص. |