٢- ٣ الفصل السادس فى أمرائه ورسله وكتّابه وكتبه إلى أهل الإسلام فى الشرائع والأحكام، ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم من الأنامأما كتابهفجمع كثير وجم غفير ذكرهم بعض المحدثين فى تأليف له بديع استوعب فيه جملا من أخبارهم، ونبذا من سيرهم وآثارهم، وصدر فيه بالخلفاء الأربعة الكرام، خواص حضرته- عليه الصلاة والسلام-. فأولهم فى التقديم أبو بكر الصديق، وكان اسمه فى الجاهلية عبد الكعبة، وفى الإسلام عبد اللّه، وسمى بالصديق لتصديقه النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وقيل إن اللّه صدقه، ويلقب عتيقا لجماله،أو لأنه ليس فى نسبه ما يعاب به، وقيل لأنه عتيق من النار. ولى الخلافة سنتين ونصفا، وسنه سن المصطفى- صلى اللّه عليه وسلم-. وتوفى مسموما. وأسلم أبوه أبو قحافة يوم الفتح، وتوفى بعد ولده فى خلافة عمر، وأسلمت أمه أم الخير سلمى بنت صخر قديما فى دار الأرقم. وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، استخلفه أبو بكر فأقام عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال، وقتله أبو لؤلؤة، فيروز غلام المغيرة بن شعبة. وعثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية، وكانت خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما، ثم قتل يوم الدار شهيدا. وروى عن عائشة، مما ذكره الطبرى فى فضائله من كتاب (الرياض) أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- لمسند ظهره إلىّ، وإن جبريل ليوحى إليه القرآن، وإنه ليقول له: (اكتب يا عثيم) (١) . رواه أحمد. __________ (١) أخرجه أحمد فى (المسند) (٦/ ٢٥٠) . وروى البيهقى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره وعثمان بين يديه، وكان كاتب سر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-. وعلى بن أبى طالب، وأقام فى الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام، وتوفى شهيدا على يد عبد الرحمن بن ملجم واختص على بكتابة الصلح يوم الحديبية. وطلحة بن عبيد اللّه التيمى، أحد العشرة، استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين سنة. والزبير بن العوام بن خويلد الأسدى ابن عمته وحواريه، أحد العشرة أيضا، قتل سنة ست وثلاثين، يوم الجمل، قتله عمرو بن جرموز، بوادى السباع غيلة وهو نائم. وسعيد بن العاص، أخو خالد وأبان. وسعد بن أبى وقاص. وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر- رضى اللّه عنه-. وعبد اللّه بن الأرقم القرشى الزهرى، كان يكتب الرسائل عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إلى الملوك وغيرهم، وكتب بعده لأبى بكر، ثم لعمر من بعده، رضى اللّه عنهم-، واستعمله عمر على بيت المال مدة ولايته ثم عثمان من بعده، إلى أن استعفى عثمان من الولاية وبقى عاطلا، وكان أمير المؤمنين عمر يقول: ما رأيت أحدا أخشى للّه منه، مات فى خلافة عثمان. وأبىّ بن كعب- بضم الهمزة وفتح الموحدة- من سبّاق الأنصار، كان يكتب الوحى له- صلى اللّه عليه وسلم-، وهو أحد الستة الذين حافظوا القرآن على عهده صلى اللّه عليه وسلم- وأحد الفقهاء الذين كانوا يفتون على عهده- عليه السّلام-، توفى بالمدينة سنة تسع عشرة. وقيل سنة عشرين، وقيل غير ذلك، وهو الذى كتب الكتاب إلى ملكى عمان (جيفر) و (عبد) ابنى الجلندى، كما سيأتى- إن شاء اللّه تعالى-. وثابت بن قيس بن شماس، استشهد باليمامة، وهو الذى كتب كتاب قطن بن حارثة العليمى، كما سيأتى- إن شاء اللّه-. وحنظلة بن الربيع الأسيدى الذى غسلته الملائكة حين استشهد (١) . وأبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى. وابنه معاوية، ولى لعمر الشام، وأقره عثمان. قال ابن إسحاق: وكان أميرا عشرين سنة، وخليفة- أمير المؤمنين- بعد نزول الحسن بن على سبط سيد المرسلين عشرين سنة. وروينا فى مسند الإمام أحمد من حديث العرباض قال: سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقول: (اللّهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب) (٢) . وهو مشهور بكتابة الوحى. أسلم يوم فتح مكة ومات فى العشر الأخير من رجب سنة تسع وخمسين، وقيل سنة ستين وقد قارب الثمانين. وقال ابن عبد البر عن اثنتين وثمانين سنة واللّه أعلم. وأخوة يزيد بن أبى سفيان بن حرب، أمّره عمر على دمشق حتى مات بها سنة تسع عشرة بالطاعون، فوليها بعده أخوه معاوية حتى رقى منها إلى الخلافة، وكان يزيد- رضى اللّه عنه- من سروات الصحابة وساداتهم، أسلم يوم الفتح أيضا وأعطاه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- من غنائم حنين مائة بعير وأربعين أوقية وزنها له بلال- رضى اللّه عنه-. وزيد بن ثابت بن الضحاك الأنصارى النجارى، مشهور بكتب الوحى، مات سنة خمسين أو ثمان وأربعين، وقيل بعد الخمسين. وكان أحد فقهاء الصحابة، وهو أحد من جمع القرآن فى خلافة أبى بكر، ونقله إلى المصحف فى خلافة عثمان. __________ (١) تقدم حديثه. (٢) أخرجه أحمد فى (المسند) (٤/ ١٢٧) ، وابن خزيمة فى (صحيحه) (١٩٣٨) ، والطبرانى فى (الكبير) (١٨/ ٢٥١) ، من حديث العرباض بن سارية- رضى اللّه عنه-. وشرحبيل ابن حسنة، وهى أمه، وهو أول كاتب للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-. والعلاء بن الحضرمى. وخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى، سيف اللّه، أسلم بين الحديبية والفتح، مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين. وعمرو بن العاص بن وائل السهمى، فاتح مصر فى أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضى اللّه عنهما-، أسلم عام الحديبية وولى إمرة مصر مرتين، وهو الذى فتحها، ومات بها سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين. والمغيرة بن شعبة الثقفى، أسلم قبل الحديبية، وولى إمرة البصرة ثم الكوفة، مات سنة خمسين على الصحيح. وعبد اللّه بن رواحة الخزرجى الأنصارى أحد السابقين، شهد بدرا واستشهد بمؤتة. ومعيقيب- بقاف وآخره موحدة، مصغر- ابن أبى فاطمة الدوسى، من السابقين الأولين، وشهد المشاهد ومات فى خلافة عثمان أو على. وكتب له خالد بن سعيد بن العاص كتاب ثقيف كما سيأتى إن شاء اللّه تعالى فى الوفود. وحذيفة بن اليمان، من السابقين، صح فى مسلم أنه- صلى اللّه عليه وسلم- أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبوه صحابى أيضا استشهد بأحد، ومات حذيفة فى أول خلافة على سنة ست وثلاثين. وحويطب بن عبد العزى العامرى، أسلم يوم الفتح، عاش مائة وعشرين سنة، ومات سنة أربع وخمسين. وله كتّاب أخر سوى هؤلاء، وذكروا فى الكتاب الذى تقدم ذكره. وكان معاوية وزيد بن ثابت ألزمهم لذلك وأخصهم به، كما قاله الحافظ الشرف الدمياطى وغيره، ونبهت عليه. قال الحافظ ابن حجر: وقد كتب له قبل زيد بن ثابت، أبى بن كعب، وهو أول من كتب له بالمدينة، وأول من كتب له بمكة من قريش عبد اللّه بن أبىسرح، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح، وممن كتب له فى الجملة أكثر من غيره الخلفاء الأربعة وأبان وخالد ابنا سعيد بن العاص بن أمية. وقد كتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى أهل الإسلام كتبا فى الشرائع والأحكام. منها كتابه فى الصدقات الذى كان عند أبى بكر، فكتبه أبو بكر لأنس لما وجهه إلى البحرين ولفظه كما فى البخارى وأبى داود والنسائى: (بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التى فرضها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- على المسلمين، والتى أمر اللّه بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط: فى أربعة وعشرين من الإبل فما دونها، من الغنم فى كل خمس من الإبل شاة. فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين، ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر. فإنذا بلغت ستّا وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لبون أنثى. فإذا بلغت ستّا وأربعين إلى ستين، ففيها حقة طروقة الجمل. فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين، ففيها جذعة. فإذا بلغت ستّا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون. فإذا بلغت إحدى وسبعين إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان طروقتا الجمل. فإذا زادت عن عشرين ومائة، ففى كل أربعين ابنة لبون وفى كل خمسين حقة. ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليست فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة. ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده الحقة، وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده إلا ابنة لبون، فإنه تقبل منه بنت لبون، ويعطى شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته بنت لبون، وعنده حقة، فإنه تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون، وليست عنده وعنده بنت مخاض، فإنها تقبل منه بنت المخاض، ويعطى معها عشرين درهما أو شاتين. ومن بلغت صدقته بنت مخاض، وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شىء. وفى صدقة الغنم فى سائمتها إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة شاة. فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان. فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه. فإذا زادت على ثلاثمائة ففى كل مائة شاة. فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة شاة واحدة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها. ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يخرج فى الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدّق. وفى الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها) (١) . قوله وفى الرقة: الدراهم المضروبة، والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة من الورق. قاله ابن الأثير فى الجامع. وقال فى فتح البارى: هى بكسر الراء وتخفيف القاف: الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة. ومنها كتابه الذى كان عند عمر بن الخطاب- رضى اللّه عنه-، فى نصب الزكاة وغيرها، كما رواه أبو داود والترمذى عن سالم عن أبيه: كتب- صلى اللّه عليه وسلم- كتاب الصدقة ولم يخرجه إلى عماله وقرنه بسيفه حتى قبض، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض وكان فيه: فى خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان وفى خمسة عشر ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بنت مخاض، إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون، إلى خمس وأربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة، إلى خمس وسبعين فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا كانت الإبل أكثر من ذلك ففى كل خمسين حقة وفى كل أربعين ابنة لبون. وفى الغنم فى كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة فشاتان، إلى المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففى كل مائة شاة شاة، ثم ليس فيها شىء حتى تبلغ المائة. ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية، ولا يؤخذ فى الصدقة هرمة ولا ذات عيب. __________ (١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (١٤٥٤) فى الزكاة، باب: زكاة الغنم، وأبو داود (١٥٦٧) فى الزكاة، باب: فى زكاة السائمة، والنسائى (٥/ ١٨) فى الزكاة، باب: زكاة الإبل، وابن ماجه (١٨٠٠) فى الزكاة، باب: إذا أخذ المصدق ستّا دون سن أو فوق سن، وأحمد فى (مسنده) (١/ ١١) . قال الزهرى: وإذا جاء المصدق قسم الشاء أثلاثا، ثلث خيار، وثلث أوساط، وثلث شرار، وأخذ من الوسط (١) رواه أبو داود والترمذى و قال: حديث حسن، قال: ورواه يونس وغير واحد عن الزهرى عن سالم ولم يرفعه. قال ابن الأثير فى النهاية: والخليط: المخالط، يريد به الشريك الذى يخلط ماله بمال شريكه، والتراجع بينهما هو أن يكون لأحدهما مثلا أربعون بقرة وللآخر ثلاثون بقرة ومالهما مختلط، فيأخذ الساعى عن الأربعين مسنة وعن الثلاثين تبيعا، فيرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على شريكه، وباذل التبيع بأربعة أسباعه على شريكه، لأن كل واحد من السنين واجب على الشيوع وكأن المال ملك واحد. انتهى. وقال فى فتح البارى: واختلف فى المراد بالخليط، فعند أبى حنيفة أنه الشريك، واعترض عليه بأن الشريك لا يعرف عين ماله. وقد قال: إنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ (٢) وقد بينه قبل ذلك بقوله: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ (٣) . واعتذر بعضهم عن الحنفية: بأنهم لم يبلغهم هذا الحديث، أو رأوا أن الأصل قوله: ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وحكم الخليط يغاير هذا الأصل، فلم يقولوا به، وقال أبو حنيفة: لا يجب على أحد منهم فيما يملك إلا مثل الذى يجب عليه لو لم يكن خلطة. وقال سفيان الثورى: لا يجب حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربعون شاة. __________ (١) قاله أبو داود عقب الحديث (١٥٦٨) فيما تقدم، والترمذى (٦٢١) فى الزكاة، باب: ما جاء فى زكاة الإبل والغنم. (٢) سورة ص: ٢٢. (٣) سورة ص: ٢٣. وقال الشافعى وأحمد وأصحاب الحديث: إذا بلغت ماشيتهما النصاب زكيا، والخلطة عندهم أن يجتمعا فى المسرح والمبيت والحوض والفحل، والشركة أخص منها. انتهى. ومنها كتابه- صلى اللّه عليه وسلم- إلى أهل اليمن، وهو كتاب جليل، فيه من أنواع الفقه فى الزكاة والديات والأحكام، وذكر الكبائر والطلاق والعتاق، وأحكام الصلاة فى الثوب الواحد والاحتباء فيه، ومس المصحف وغير ذلك. واحتج الفقهاء كلهم بما فيه من مقادير الديات، ورواه النسائى و قال: قد روى هذا الحديث يونس عن الزهرى مرسلا، وأبو حاتم فى صحيحه وغيرهما متصلا عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن، وكان فى كتابه: أن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وفيه: أن الرجل يقتل بالمرأة، وفيه: فى النفس الدية مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار، وفى الأنف إذا أوعب جدعه الدية مائة من الإبل، وفى الأسنان الدية، وفى الشفتين الدية، وفى البيضتين الدية، وفى الذكر الدية، وفى الصلب الدية، وفى العينين الدية، وفى الرجل الواحدة نصف الدية، وفى المأمومة ثلث الدية، وفى الجائفة ثلث الدية، وفى المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفى كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفى السن خمس من الإبل (١) . وفى رواية مالك: وفى العين خمسون، وفى اليد خمسون، وفى الرجل خمسون، وفى الموضحة خمس من الإبل. ومنها كتابه إلى بنى زهير. وأما مكاتباته- عليه الصلاة والسلام- إلى الملوك وغيرهم: فروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- لما رجع من الحديبية كتب إلى الروم، فقيل له: إنهم لا يقرؤن كتابا إلا أن __________ (١) أخرجه النسائى (٨/ ٥٧) فى القسامة، باب: ذكر حديث عمرو بن حزم فى العقول واختلاف الناقلين له، وابن حبان فى (صحيحه) (٦٥٥٩) ، والحاكم فى (مستدركه) (١/ ٥٥٢) ، والبيهقى فى (السنن الكبرى) (٤/ ٨٩) بسند فيه مقال. يكون مختوما، فاتخذ خاتما من فضة ونقش فيه ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، و (اللّه) سطر، وختم به الكتاب (١) . وإنما كانوا لا يقرؤن الكتاب إلا مختوما خوفا من كشف أسرارهم، وللإشعار بأن الأحوال المعروضة عليهم ينبغى أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم. وعن أنس، إن ختم كتاب السلطان والقضاة سنة متبعة، وقال بعضهم: هو سنة لفعله- صلى اللّه عليه وسلم-. فكتب إلى قيصر، المدعو (هرقل) ملك الروم يوم ذاك، ثم قال بعد تمام الكتاب (من ينطلق بكتابى هذا إلى هرقل وله الجنة) فقالوا: وإن لم يصل يا رسول اللّه؟ قال: (وإن لم يصل) فأخذه دحية بن خليفة الكلبى، وتوجه إلى مكان فيه هرقل. ولفظه: (بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه- وفى رواية البخارى: عبد اللّه ورسوله- إلى هرقل عظيم الروم- وفى رواية غير البخارى: إلى قيصر صاحب الروم-: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك اللّه أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّه وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٢) (٣) . رواه البخارى. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- أرسل هذا الكتاب مع دحية بن خليفة الكلبى إلى هرقل فى آخر سنة ست، بعد أن رجع من الحديبية، كما قاله الواقدي. ووقع فى __________ (١) انظر صحيح البخارى (٣١٠٦) فى الخمس، باب: ما ذكر فى درع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، والترمذى (١٧٤٧ و ١٧٤٨) فى اللباس، باب: ما جاء فى نقش الخاتم. (٢) سورة آل عمران: ٦٤. (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٧) فى بدء الوحى، باب: كيف كان بدء الوحى إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ومسلم (١٧٧٣) فى الجهاد والسير، باب: كتاب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام. تاريخ خليفة أن إرساله كان سنة خمس، والأول أثبت، بل هذا غلط لتصريح أبى سفيان: بأن ذلك كان فى مدة صلح الحديبية كما فى حديث البخارى، فى المدة التى كان- صلى اللّه عليه وسلم- ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، يعنى مدة صلح الحديبية، وكانت سنة ست اتفاقا. ولم يقل- صلى اللّه عليه وسلم- إلى هرقل ملك الروم، لأنه معزول بحكم الإسلام، ولم يخله من الإكرام لمصلحة التأليف. وقوله: يؤتك اللّه أجرك مرتين، أى لكونه مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم-. وقوله: فإن عليك إثم الأريسين: أى فإن عليك مع إثمك إثم الأتباع بسبب أنهم اتبعوك على استمرار الكفر. وقيل: إنه- صلى اللّه عليه وسلم- كتب هذه الآية: يعنى يا أَهْلَ الْكِتابِ (١) قبل نزولها، فوافق لفظه لفظها لما نزلت، لأن هذه الآية نزلت فى قصة وفد نجران، وكانت قصتهم سنة الوفود سنة تسع، وقصة أبى سفيان هذه كانت قبل ذلك سنة ست. وقيل: نزلت فى اليهود، وجوز بعضهم نزولها مرتين، وهو بعيد واللّه أعلم. ولما قرىء كتاب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- غضب ابن أخى قيصر غضبا شديدا و قال: أرنى الكتاب، فقال له وما تصنع به؟: ف قال: إنه بدأ بنفسه، وسماك صاحب الروم، فقال له عمه: إنك ل..... الرأى، أتريد أن أرمى بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر، أو كلاما هذا معناه، أو قال: أن أرمى بكتاب ولم أعلم ما فيه، لئن كان رسول اللّه إنه لأحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق: أنا صاحب الروم، واللّه مالكى، ومالكه، ثم أمر بإنزال دحية وإكرامه إلى أن كان من أمره ما ذكره البخارى فى حديثه. انتهى. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى كسرى أبرويز بن هرمز بن أنو شروان ملك فارس. __________ (١) سورة آل عمران: ٦٤. (بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن باللّه ورسوله، وشهد ألاإله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. أدعوك بدعاية اللّه، فإنى رسول اللّه إلى الناس كلهم، لينذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن توليت فعليك إثم المجوس) . فلما قرىء عليه الكتاب مزقه، فبلغ ذلك رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: (مزق ملكه) (١) . وفى البخارى من حديث ابن عباس أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد اللّه بن حذافة السهمى، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يمزقوا كل ممزق (٢) . وقيل: بعثه مع عمر بن الخطاب- رضى اللّه عنه-، والذى فى البخارى هو الصحيح. وفى كتاب (الأموال) لأبى عبيد من مرسل عمير بن إسحاق قال: كتب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه، وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فسيكون لهم بقية) . وروى أنه لما جاء الجواب كسرى قال: (مزق ملكه) ولما جاء جواب هرقل قال: (ثبت ملكه) . وذكر شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى. عن سيف الدين قلج المنصورى، أحد أمراء الدولة القلاوونية، أنه قدم على ملك المغرب بهدية من الملك المنصور قلاوون، فأرسله ملك المغرب إلى ملك __________ (١) انظر (زاد المعاد) لابن القيم (١/ ١٢١) ، وما بعده. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٢٩٣٩) فى الجهاد والسير، باب: دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه وما كتب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر والدعوة قبل القتال. الفرنج فى شفاعة، وأنه قبله وأكرمه، و قال: لأتحفنك بتحفة سنية، فأخرج له صندوقا مصفحا بذهب، فأخرج منه مقلمة من ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه، وقد ألصقت عليه خرقة حرير، ف قال: هذا كتاب نبيكم لجدى قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا عن آبائهم إلى قيصر، إنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا. انتهى (١) . وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى النجاشى (٢) : (بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه إلى النجاشى ملك الحبشة، أما بعد: فإنى أحمد إليك اللّه الذى لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه، ونفخه كما خلق آدم بيده، وإنى أدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعنى وتؤمن بالذى جاءنى، فإنى رسول اللّه، وإنى أدعوك وجنودك إلى اللّه تعالى، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتى، وقد بعثت إليكم ابن عمى جعفرا ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى) . وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمرى، فقال النجاشى له عندما قرأ الكتاب: أشهد باللّه أنه النبى الأمى الذى ينتظره أهل الكتاب، وأن بشارة موسى براكب الحمار، كبشارة عيسى براكب الجمل، وأن العيان ليس بأشفى من الخبر عنه، ولكن أعوانى من الحبش قليل، فأنظرنى حتى أكثر الأعوان وألين القلوب. ثم كتب النجاشى جواب الكتاب إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: __________ (١) انظر (فتح البارى) للحافظ ابن حجر (١/ ٤٤) . (٢) قلت: النجاشى، لقب لكل من ملك الحبشة، وهو غير النجاشى الذى صلى عليه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، كما ورد فى مسلم (١٧٧٤) فى الجهاد والسير، باب: كتب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى اللّه عز وجل، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-. (بسم اللّه الرحمن الرحيم. إلى محمد رسول اللّه من النجاشى أصحمة، سلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركات اللّه الذى لا إله إلا هو الذى هدانى للإسلام أما بعد: فقد بلغنى كتابك يا رسول اللّه، فما ذكرت من أمر عيسى، فو رب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا، إنه كما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، فأشهد أنك رسول اللّه صادقا مصدقا، وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه للّه رب العالمين. وقد بعثت إليك ابنى، وإن شئت أتيتك بنفسى فعلت يا رسول اللّه، فإنى أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته) . ثم إنه أرسل ابنه فى أثر من أرسله من عنده مع جعفر بن أبى طالب عم رسول اللّه، فلما كانوا فى وسط البحر غرقوا، ووافى جعفر وأصحابه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وكانوا سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف، منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام، فقرأ عليهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- من القرآن يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى- عليه الصلاة والسلام-، وفيهم أنزل اللّه: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا (١) . إلى آخر الآية، لأنهم كانوا من أصحاب الصوامع. انتهى. الثفروق: علاقة ما بين النواة والقشر. وهذا هو أصحمة الذى هاجر إليه المسلمون فى رجب سنة خمس من النبوة، وكتب إليه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية الضمرى سنة ست من الهجرة، فامن به وأسلم على يد جعفر بن أبى طالب، وتوفى فى رجب سنة تسع من الهجرة ونعاه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يوم توفى وصلى عليه بالمدينة. وأما النجاشى الذى ولى بعده، وكتب له النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يدعوه إلى __________ (١) سورة المائدة: ٨٢. الإسلام فكان كافرا، لم يعرف إسلامه ولا اسمه. وقد خلط بعضهم ولم يميز بينهما. وفى صحيح مسلم عن قتادة: أن نبى اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشى وإلى كل جبار يدعوهم إلى اللّه، وليس بالنجاشى الذى صلى عليه (١) . وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية واسمه جريح بن مينا (٢) . (بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد عبد اللّه ورسوله، إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك اللّه أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم القبط، يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّه وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٣) . وبعث به مع حاطب بن أبى بلتعة، فتوجه إليه إلى مصر، فوجده بالإسكندرية، فذهب إليها، فرآه فى مجلس مشرف على البحر، فركب سفينة إليه وحاذى مجلسه وأشار بالكتاب إليه، فلما رآه أمر بإحضاره بين يديه، فلما جىء به إليه، ووقف بين يديه، ونظر إلى الكتاب فضه وقرأه، وقال لحاطب: ما منعه إن كان نبيّا أن يدعو على فيسلط على؟ فقال له حاطب: وما منع عيسى أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليه؟ فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت، فقال له حاطب: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه اللّه نكال الآخرة والأولى. فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك. __________ (١) قلت: هو لفظ الحديث السابق تخريجه. (٢) انظر الخبر فى (الطبقات الكبرى) لابن سعد (١/ ٢٦٠- ٢٦١) ، و (زاد المعاد) لابن القيم (١/ ١٢٢) . (٣) سورة آل عمران: ٦٤. فقال: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه. فقال حاطب: ندعوك إلى دين الإسلام الكافى به اللّه فقد ما سواه، إن هذا النبى دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمرى ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى اللّه عليه وسلم-، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبى أدرك قوما فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبى، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به. فقال المقوقس: إنى قد نظرت فى أمر هذا النبى، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ومل أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر. فأخذ كتاب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وجعله فى حق من عاج ودفعه لجارية له، ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية، فكتب إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. بسم اللّه الرحمن الرحيم، لمحمد بن عبد اللّه من المقوقس عظيم القبط، أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيّا قد بقى، وكنت أظن أن يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان من القبط عظيم وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام. ولم يزد على هذا، ولم يسلم. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى المنذر بن ساوى: ذكر الواقدى (١) بإسناده عن عكرمة قال: وجدت هذا الكتاب فى كتب ابن عباس بعد موته، فنسخته فإذا فيه: بعث رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- العلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى وكتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام. فكتب المنذر إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: أما بعد، يا رسول اللّه فإنى قد قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب __________ (١) هو: محمد بن عمر بن واقد الواسطى، أبو عبد اللّه المدنى، كان من أوعية العلم، ورأسا فى المغازى والسير، إلا أنه متروك الحديث. الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضى يهود ومجوس، فأحدث إلى فى ذلك أمرك. فكتب إليه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك فإنى أحمد إليك اللّه الذى لا إله إلا هو، وأشهد ألاإله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه. أما بعد، فإنى أذكرك اللّه عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلى ويتبع أمرهم فقد أطاعنى، ومن نصح لهم فقد نصح لى، وإن رسلى قد أثنوا عليك خيرا، وإنى قد شفعتك فى قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى ملكى عمان، وبعثه مع عمرو بن العاص: بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد عبد اللّه ورسوله إلى جيفر- بفتح الجيم وسكون التحتية بعدها فاء- وعبد ابنى الجلندى: السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإنى رسول اللّه إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلى تحل بساحتكما، وتظهر نبوتى على ملككما. وكتب أبي بن كعب، وختم الكتاب. قال عمرو: فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى عبد- وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا- فقلت إنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- إليك وإلى أخيك. فقال: أخى المقدم على بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ كتابك عليه. ثم قال: وما تدعو إليه؟ قلت: أدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال: يا عمرو إنك كنت ابن سيد قومك، فكيف صنع أبوك؟ فإن لنا فيه قدوة. قلت: مات ولم يؤمن بمحمد- صلى اللّه عليه وسلم-، وددت أنه كان أسلم وصدق به، وقد كنت على مثل رأيه حتى هدانى اللّه للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريبا، فسألنى: أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشى، وأخبرته أن النجاشى قد أسلم. قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت: أقروه واتبعوه. قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة فى رجل أفضح له من كذب. قلت: ما كذبت وما نستحله فى ديننا. ثم قال: فأخبرنى ما الذى يأمر به وينهى عنه. قلت: يأمر بطاعة اللّه- عز وجل- وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم، وينهى عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب. قال: ما أحسن هذا الذى يدعو إليه، ولو كان أخى يتابعنى لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به، ولكن أخى أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا. قلت: إن أسلم ملكه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقرائهم. قال: إن هذا لخلق حسن. وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- من الصدقات فى الأموال، حتى انتهيت إلى الإبل، ف قال: يا عمرو، يؤخذ من سوائم مواشينا التى ترعى الشجر وترد المياه؟ فقلت: نعم. قال: واللّه ما أرى قومى فى بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون هذا. قال: فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبرى، ثم إنه دعانى يوما فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعى ف قال: دعوه، فأرسلت، فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعونى لأجلس فنظرت، فقال: تكلم بحاجتك فدفعت إليه الكتاب مختوما، ففض ختمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره. ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته، إلا أنى رأيت أخاه أرق منه، فقال: ألا تخبرنى عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: تبعوه إما راغب فى الدين وإما مقهور بالسيف، قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا فى الإسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى اللّه أنهم كانوا فى ضلال. فما أعلم أحدا بقى غيرك فى هذه الحرجة، وإن لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال. قال: دعنى يومى هذا وارجع إلى غدا. فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو إنى لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه. حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لى، فانصرفت إلى أخيه، فأخبرته أنى لم أصل إليه، فأوصلنى إليه فقال: إنى فكرت فيما دعوتنى إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما فى يدى، وهو لا تبلغ خيله هاهنا، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقى. قلت: وأنا خارج غدا، فلما أيقن بمخرجى، خلا به أخوه فأصبح فأرسل إلى فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدق النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وخليا بينى وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لى عونا على من خالفنى. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى صاحب اليمامة هوذة بن على، وأرسل به سليط بن عمرو العامرى: (بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه إلى هوذة بن على، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن دينى سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يدك) . فلما قدم عليه سليط بكتاب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- مختوما، أنزله وحباه واقترأ عليه الكتاب، فرد ردّا دون رد وكتب إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: ما أحسن ما تدعو إليه وأجله، والعرب تهاب مكانى فاجعل إلى بعض الأمر أتبعك. وأجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر. فقدم بذلك على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فأخبره، وقرأ النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كتابه و قال: لو سألنى سيابة من الأرض ما فعلت. باد، وباد ما فى يديه. فلما انصرف النبى- صلى اللّه عليه وسلم- من الفتح جاءه جبريل- عليه السّلام- بأن هوذة مات، فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (أما إن اليمامة سيظهر بها كذاب يتنبأ، يقتل بعدى) (١)فكان كذلك. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى، وكان بدمشق، بغوطتها. (بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن باللّه وصدق، فإنى أدعوك إلى أن تؤمن باللّه وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك) ، وأرسله مع شجاع بن وهب. قال صاحب (باعث النفوس) : روى عن أبى هند الدارى قال: قدمنا على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ونحن ستة نفر: تميم بن أوس الدارى، وأخوه نعيم، ويزيد بن قيس، وأبو عبد اللّه بن عبد اللّه- وهو صاحب الحديث- وأخوه الطيب بن عبد اللّه فسماه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عبد الرحمن، وفاكه بن النعمان، فأسلمنا وسألنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يقطعنا أرضا من أرض الشام، __________ (١) انظر (نصب الراية) للحافظ الزيلعى (٤/ ٤٢٥) . فقال: - صلى اللّه عليه وسلم- (سلوا حيث شئتم) قال أبو هند فنهضنا من عنده- صلى اللّه عليه وسلم- إلى موضع نتشاور فيه: أين نسأل. فقال تميم: أرى أن نسأله بيت القدس وكورتها، فقال أبو هند: رأيت ملك العجم اليوم، أليس هو بيت المقدس، قال تميم: نعم، فقال أبو هند: فكذلك يكون فيه ملك العرب، وأخاف ألايتم لنا هذا. قال تميم: نسأله بيت جيرون وكورتها، فقال أبو هند: أكبر وأكبر، فقال تميم: فأين ترى أن نسأل؟ قال: أرى أن نسأله القرى التى نصنع فيها حصونا مع ما فيها من آثار إبراهيم- عليه السّلام-، فقال تميم: أصبت ووفقت. قال: فنهضنا إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ف قال: (يا تميم أتحب أن تخبرنى بما كنتم فيه، أو أخبركم) فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول اللّه فنزداد إيمانا، فقال عليه السّلام-: أردت يا تميم أمرا، وأراد أبو هند غيره، ونعم الرأى رأى أبى هند، فدعا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بقطعة من أدم، وكتب لهما فيها كتابا نسخته: (بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب ذكر فيه ما وهب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- للداريين إذا أعطاه اللّه الأرض، وهب لهم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم ومن فيهم إلى أبد الأبد) شهد عباس بن عبد المطلب وخزيمة بن قيس، وشرحبيل بن حسنة وكتب. قال: ثم دخل بالكتاب إلى منزله فعالج فى زاوية الرقعة بشىء لا يعرف، وعقد من خارج الرقعة بسير عقدتين، وخرج به إلينا مطويّا وهو يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّه وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (١) . ثم قال: انصرفوا حتى تسمعوا أنى قد هاجرت. قال أبو هند: فانصرفنا، فلما هاجر- صلى اللّه عليه وسلم- إلى المدينة قدمنا عليه وسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر، فكتب لنا كتابا آخر نسخته. (بسم اللّه الرحمن الرحيم: هذا ما أنطى (٢) محمد رسول اللّه لتميم __________ (١) سورة آل عمران: ٦٨. (٢) أى: أعطى. الدارى وأصحابه، إنى أنطيتكم (١) بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم برمتهم وجميع ما فيهم نطية (٢) بت ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم أبد الأبد، فمن آذاهم فيه آذاه اللّه)شهد أبو بكر بن أبى قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، ومعاوية بن أبى سفيان وكتب. فلما قبض رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- واستخلف أبو بكر- رضى اللّه عنه- وجند الجنود إلى الشام كتب كتابا نسخته: بسم اللّه الرحمن الرحيم. من أبى بكر الصديق إلى أبى عبيدة بن الجراح، سلام عليك، فإنى أحمد إليك اللّه الذى لا إله إلا هو. أما بعد: فامنع من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر من الفساد فى قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الداريون يزرعونها فليزرعوها بلا خراج وإذا رجع إليها أهلها فهى لهم وأحق بهم والسلام عليك انتهى. نقل من كتاب الأخصا بفضائل المسجد الأقصى. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- ليوحنة بن رؤبة صاحب أيلة (٣) لما أتاه بتبوك، وصالح رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وأعطاه الجزية. بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذه أمنة من اللّه ومحمد النبى رسول اللّه ليوحنة بن رؤبة وأهل أيلة أساقفتهم وسائرهم فى البر والبحر، لهم ذمة اللّه وذمة النبى ومن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر. هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- لأهل جربا وأذرح لما أتوه بتبوك أيضا وأعطوه الجزية: بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد النبى رسول اللّه لأهل __________ (١) أى: أعطيتكم. (٢) أى: عطية، وهى كما هى مكتوبة لهجة من لهجات العرب، وقد كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يخاطب بعض الوفود بلغاتهم رغبة منه فى تأليف قلوبهم ودخولهم الإسلام. (٣) انظر الكتاب فى (الطبقات الكبرى) لابن سعد (١/ ٢١٢) . أذرح وجربا أنهم آمنون بأمان اللّه وأمان محمد. وإن عليهم مائة دينار فى كل رجب وافية طيبة، واللّه كفيل عليهم بالنصح والإحسان إلى المسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة (١) . وعن حسين بن عبد اللّه بن ضميرة عن أبيه عن جده ضميرة أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- مرّ بأم ضميرة وهى تبكى، فقال (ما يبكيك أجائعة أنت أم عارية أنت؟) فقالت: يا رسول اللّه فرق بينى وبين ابنى فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا يفرق بين الوالدة وولدها) ثم أرسل إلى الذى عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر قال ابن أبى ذؤيب ثم أقرأنى كتابا عنده: بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول اللّه لأبى ضميرة وأهل بيته، أن رسول اللّه أعتقهم وأنهم أهل بيت من العرب، إن أحبوا أقاموا عند رسول اللّه وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم فلا يعرض لهم إلا بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا (٢) . وكتب أبي بن كعب. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- كتابا إلى أهل وج (٣) ، سيأتى فى وفد ثقيف فى الفصل العاشر من هذا المقصد إن شاء اللّه تعالى. وكذا كتابه- صلى اللّه عليه وسلم- إلى مسيلمة الكذاب فى وفد بنى حنيفة. وكتب- صلى اللّه عليه وسلم- لأكيدر ولأهل دومة الجندل لما صالحه (٤) : بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول اللّه لأكيدر ولأهل دومة، إن لنا الضاحية من الضحل، والبور والمعامى وأغفال الأرض، والحلقة والسلاح والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور، لا تعدل سارحتكم، ولا تعدّ فاردتكم، ولا يحصر عليكم النبات، __________ (١) انظر المصدر السابق (١/ ٢١٢) . (٢) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٤/ ١٠٧) و قال: رواه البزار، وفيه حسين بن عبد اللّه بن ضميرة كذاب. (٣) وج: اسم واد بالطائف. (٤) انظره فى (الطبقات الكبرى) لابن سعد (١/ ٢٢٠) . تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك حق اللّه والميثاق، ولكم به الصدق والوفاء. شهد اللّه ومن حضر من المسلمين. والضاحى: البارز الظاهر. والضحل: الماء القليل. البور: الأرض تستخرج. والمعامى: أعفال الأرض. والحصن: دومة الجندل. والضامنة: النخل الذى معهم فى الحصن. والمعين: الظاهر من الماء الدائم. وباع- صلى اللّه عليه وسلم- للعداء عبدا وكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول اللّه، اشترى عبدا أو أمة- شك الراوى- لا داء ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم للمسلم (١) . رواه أبو داود والدار قطنى. والغائلة: الإباق والسرقة والزنا. الخبثة: قال ابن أبى عروبة: بيع غير أهل المسلمين. وكان إسلام العداء بعد فتح خيبر، وهذا يدل على مشروعية الإشهاد فى المعاملات قال اللّه تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ (٢) والأمر هنا ليس للوجوب. فقد باع- صلى اللّه عليه وسلم- ولم يشهد، واشترى ورهن درعه عند يهودى ولم يشهد، ولو كان الإشهاد أمرا واجبا لوجب مع الرهن خوف المنازعة واللّه أعلم. وأما أمراؤه- عليه الصلاة والسلام- (٣)فمنهم: باذان بن ساسان من ولد بهرام، أمره- صلى اللّه عليه وسلم- على اليمن، وهو أول أمير فى الإسلام على اليمن، وأول من أسلم من ملوك العجم. وأمر- صلى اللّه عليه وسلم- على صنعاء خالد بن سعيد. وولى زياد بن لبيد الأنصارى حضر موت. __________ (١) قلت: بل هو عند الترمذى (١٢١٦) فى البيوع، باب: ما جاء فى كتابة الشروط، وابن ماجه (٢٢٥١) فى التجارات، باب: شراء الرقيق، والبيهقى فى (السنن الكبرى) (٥/ ٣٢٧) . (٢) سورة البقرة: ٢٨٢. (٣) انظر (زاد المعاد) لابن القيم (١/ ١٢٥- ١٢٦) . وولى أبا موسى الأشعرى زبيد وعدن. وولى معاذ بن جبل الجند. وولى أبا سفيان بن حرب نجران. وولى ابنه يزيد تيماء. وولى عتّاب- بفتح المهملة وتشديد المثناة الفوقية- ابن أسيد- بفتح الهمزة وكسر السين- مكة، وإقامة الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان. وولى على بن أبى طالب القضاء باليمن. وولى عمرو بن العاص عمان وأعمالها. وولى أبا بكر الصديق إقامة الحج سنة تسع، وبعث فى أثره عليّا، فقرأ على الناس براءة، فقيل: لأن أولها نزل بعد أن خرج أبو بكر إلى الحج، وقيل أردفه به عونا له ومساعدا، ولهذا قال له الصديق: أمير أو مأمور؟ قال: بل مأمور، وأما الرافضة فقالوا: بل عزله، وهذا لا يبعد من بهتهم وافترائهم. وقد ولى- صلى اللّه عليه وسلم- على الصدقات جماعة كثيرة. وأما رسله- صلى اللّه عليه وسلم-، فقد روى أنه- عليه السّلام- بعث ستة نفر فى يوم واحد (١) ، فى المحرم سنة سبع. وذكر القاضى عياض فى الشفاء مما عزاه للواقدى: أنه أصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم. انتهى. وكان أول رسول بعثه- صلى اللّه عليه وسلم- عمرو بن أمية الضمرى، إلى النجاشى ملك الحبشة، وكتب إليه كتابين يدعوه فى أحدهما إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن، فأخذه النجاشى ووضعه على عينيه ونزل عن سريره، فجلس على الأرض ثم أسلم وشهد شهادة الحق و قال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته. وفى الكتاب الآخر أن يزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان، فزوجه إياها كما تقدم فى ذكر الأزواج، ودعا بحق من عاج فجعل فيه كتابى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- و قال: (لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرهم) وصلى عليه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وهو بالحبشة كذا قاله الواقدى وغيره. وليس كذلك، فإن النجاشى الذى صلى عليه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ليس هو الذى كتب إليه، كما قدمته. __________ (١) المصدر السابق (١/ ١٢١- ١٢٢) . وبعث- صلى اللّه عليه وسلم- دحية بن خليفة الكلبى- وهو أحد الستة- إلى قيصر ملك الروم، واسمه هرقل يدعوه إلى الإسلام، فهمّ بالإسلام فلم توافقه الروم فخافهم على ملكه فأمسك. وبعث عبد اللّه السهمى إلى كسرى وهو الثالث. وبعث الرابع وهو حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس فأكرمه، وبعث إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بجاريتين وكسوة وبغلة ولم يسلم. وبعث الخامس وهو شجاع بن وهب الأسدى إلى ملك البلقاء الحارث ابن أبى شمر الغسانى. وبعث السادس وهو سليط بن عمرو العامرى إلى هوذة وإلى ثمامة بن أثال الحنفى فأسلم ثمامة. وبعث عمر بن العاص فى ذى القعدة سنة ثمان إلى جيفر وعبد ابنى الجلندى بعمان فأسلما وصدقا. وبعث العلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى بن العبدى ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة- وقيل قبل الفتح- فأسلم وصدق. وبعث المهاجر بن أبى أمية المخزومى إلى الحارث بن عبد كلال الحميرى باليمن، فقال سأنظر فى أمرى. وبعث أبا موسى الأشعرى ومعاذ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك سنة عشر فى ربيع الأول داعيين إلى الإسلام، فأسلم غالب أهلها من غير قتال. ثم بعث على بن أبى طالب بعد ذلك إليهم ووافاه بمكة فى حجة الوداع. وبعث جرير بن عبد اللّه البجلى إلى ذى الكلاع وذى عمرو يدعوهم إلى الإسلام، فأسلما وتوفى- صلى اللّه عليه وسلم- وجرير عندهم. وبعث عمرو بن أمية الضمرى إلى مسيلمة الكذاب بكتاب. وبعث إلى فروة بن عمرو الجذامى- وكان عاملا لقيصر- يدعوه إلى الإسلام فأسلم، وكتب إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بإسلامه، وبعث إليه بهدية مع مسعود بن سعد، وهى: بغلة شهباء، يقال لها فضة، وفرس يقال له الظرب، وحمار يقال له يعفور، وبعث إليه أثوابا وقباء سندسيا مذهبا، فقبل هديته ووهب لمسعود بن سعد اثنى عشر أوقية. وبعث المصدقين لأخذ الصدقات هلال المحرم سنة تسع: فبعث عيينة بن حصن الفزارى إلى بنى تميم. وبعث بريدة- ويقال كعب ابن مالك- إلى أسلم وغفار. وبعث عباد بن بشر إلى سليم ومزينة. وبعث رافع بن مكيث إلى جهينة. وبعث عمرو بن العاص إلى فزارة. وبعث الضحاك بن سفيان إلى بنى كلاب. وبعث بشر بن سفيان الكعبى- ويقال النحام العدوى- إلى بنى كعب. وبعث عبد اللّه بن اللتبية إلى ذبيان. وبعث رجلا من سعد هذيم إلى قومه. الفصل السابع فى مؤذنيه وخطبائه وحداته وشعرائهأما مؤذنوه فأربعة(١) : اثنان بالمدينة: بلال بن رباح، وأمه حمامة، مولى أبى بكر الصديق، وهو أول من أذن لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ولم يؤذن بعده لأحد من الخلفاء إلا أن عمر لما قدم الشام حين فتحها أذن بلال، فتذكر الناس رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، قال أسلم مولى عمر- فلم أر باكيا أكثر من يومئذ، وتوفى بلال سنة سبع عشرة، أو ثمانى عشرة، أو عشرين بداريا بباب كيسان، وله بضع وستون سنة،وقيل دفن بحلب، وقيل بدمشق. وعمرو بن أم مكتوم القرشى الأعمى، وهاجر إلى المدينة قبل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وأذن له- عليه السّلام- بقباء، سعد بن عائد أو ابن عبد الرحمن المعروف بسعد القرظ وبالقرظى، مولى عمار، بقى إلى ولاية الحجاج على الحجاز، وذلك سنة أربع وسبعين. وبمكة أبو محذورة، واسمه أوس الجمحى المكى، أبوه: معير- بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتانية- مات بمكة سنة تسع وخمسين، وقيل تأخر بعد ذلك. وكان منهم من يرجع الأذان ويثنى الإقامة، وبلال لا يرجع ويفرد الإقامة، فأخذ الشافعى بإقامة بلال، وأهل مكة أخذوا بأذان أبى محذورة وإقامة بلال. وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبى محذورة، وأخذ أحمد وأهل المدينة بأذان بلال وإقامته، وخالفهم مالك فى موضعين: إعادة التكبير وتثنية لفظ الإقامة. __________ (١) انظر (المصدر السابق) (١/ ١٢٤- ١٢٥) . وأما شعراؤه- صلى اللّه عليه وسلم- الذين يذبون عن الإسلام فكعب بن مالك. وعبد اللّه بن رواحة الخزرجى الأنصارى. وحسان بن ثابت بن المنذر بن عمرو بن حرام الأنصارى، دعا له- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: ( اللّهم أيده بروح القدس) (١) . فيقال: أعانه جبريل بسبعين بيتا، وفى الحديث (إن جبريل مع حسان ما نافح عنى) (٢) . وهو بالحاء المهملة أى دافع، والمراد هجاء المشركين ومجاوبتهم على أشعارهم. وعاش مائة وعشرين سنة، ستين فى الجاهلية وستين فى الإسلام، وكذا عاش أبوه ثابت، وجده المنذر، وجد أبيه حرام، كل واحد منهم عاش مائة وعشرين سنة، وتوفى حسان سنة أربع وخمسين. ولما جاءه- صلى اللّه عليه وسلم- بنو تميم، وشاعرهم الأقرع بن حابس، فنادوه يا محمد اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك، فإن مدحنا زين وذمنا شين. فلم يزد صلى اللّه عليه وسلم- على أن قال: (ذاك اللّه إذا مدح زان وإذا ذم شان، إنى لم أبعث بالشعر، ولم أومر بالفخر، ولكن هاتوا) فأمر- عليه السّلام- ثابت بن قيس أن يجيب خطيبهم فخطب فغلبهم. فقام الأقرع بن حابس شاعرهم ف قال: أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... إذا خالفونا عند ذكر المكارم وأنا رؤس الناس على فى كل معشر ... وإن ليس فى أرض الحجاز كدارم فأمر- صلى اللّه عليه وسلم- حسانا يجيبهم فقام ف __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٢١٢) فى بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، ومسلم (٢٤٨٥) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل حسان بن ثابت- رضى اللّه عنه-، من حديثه وحديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٤٩٠) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل حسان بن ثابت رضى اللّه عنه-، وأبو داود (٥٠١٥) فى الأدب، باب: ما جاء فى الشعر، واللفظ له، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. قال: بنى دارم لا تفخروا إن فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول ما بين قن وخادم وكان أول من أسلم شاعرهم. وكان أشد شعرائه- صلى اللّه عليه وسلم- على الكفار حسان وكعب. ولما رجع صلى اللّه عليه وسلم- من تبوك وفد عليه وفد همدان، وعليهم مقطعات الحبرات- الخز- والعمائم العدنية، جعل ملك بن النمط يرتجز بين يديه- صلى اللّه عليه وسلم-. وكان خطيبه- صلى اللّه عليه وسلم- ثابت بن قيس بن شماس- بمعجمة وميم مشددة وآخره مهملة- وهو خزرجى، شهد له النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بالجنة، وكان خطيبه وخطيب الأنصار، واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتى عشرة. وكان يحدو بين يديه- صلى اللّه عليه وسلم- فى السفر عبد اللّه بن رواحة، وفى رواية الترمذى فى الشمائل عن أنس أنه- صلى اللّه عليه وسلم- دخل مكة فى عمرة القضية وابن رواحة يمشى بين يديه ويقول: خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله (١) وقد تقدم مزيد لهذا فى عمرة القضية واللّه أعلم. وعامر بن الأكوع- بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو وبالعين المهملة- وهو عم سلمة بن الأكوع، استشهد يوم خيبر، ومرت قصته فى غزوتها. وأنشجة، العبد الأسود- وهو بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم وبالشين المعجمة- وكان حسن الحداء. قال أنس: كان البراء بن مالك يحدو بالرجال وأنجشة يحدو بالنساء. وقد كان يحدو وينشد القريض والرجز. فقال __________ (١) تقدم. له- صلى اللّه عليه وسلم- كما فى رواية البراء بن مالك-: (عبد رويدك رفقا بالقوارير) (١) أى النساء. فشبههن بالقوارير من الزجاج، لأنه يسرع إليها الكسر، فلم يأمن صلى اللّه عليه وسلم- أن يصيبهن أو يقع فى قلوبهن حداؤه فأمره بالكف عن ذلك. وفى المثل: الغناء رقية الزنا. وقيل أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت فى المشى واشتدت فأزعجت الراكب وأتعبته، فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٦١٤٩) فى الأدب، باب: ما يجوز من الشعر والرجز، ومسلم (٢٣٢٣) فى الفضائل، باب: رحمة النبى- صلى اللّه عليه وسلم- للنساء وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهم، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-، وليس البراء بن مالك كما ذكر المصنف، ولعله وهم. |