١٧ المكتوب السابع عشر إلى امرأة صالحة من أهل الإدارة فى بيان العقائد الدينية والترغيب على العبادات الشرعية. الحمد للّه الذى أنعم علينا وهدنا إلى الإسلام وجعلنا من أمه محمد سيد الأنام عليه وعلى آله الصلاة والسلام ( ينبغى ) أن يعلم أن الحق سبحانه وتعالى منعم على الإطلاق فإن كان وجود فموهوب من جناب قدسه تعالى وإن بقاء فعطاء من حضرته جل سلطانه وأن صفات كاملة فمن رحمته الشاملة والحياة والعلم والقدرة والبصر والسمع والنطق كلها مستفادة من حضرته شأنه وأنواع النعم وصنوف الكرم التى خارجة عن الحد والعد كلها مفاضة من جناب قدسه تعالى وهو تعالى يزيل العسر والشدة ويجيب الدعوة ويدفع البلية رزاق لا يمنع الأرزاق عن عبادة من كمال رأفته بعلة ذنوبهم ستار لا يهتك ستر حرمتهم من وفور عفوه وتجاوزه بارتكاب السيئات ولا يفضحهم بعيوبهم حليم لا يستعجل فى مؤاخذتهم وعقوباتهم كريم لا يمنع عموم كرمه عن الأحباء والأعداء وأجل هذه النعم وأعظمها وأعزها وأكرمها الدعوة إلى الإسلام والهداية إلى دار السلام والدلالة على متابعة سيد الأنام عليه وعلى آله الصلاة والسلام فإن الحياة الأبدية والتنعمات السرمدية مربوطة بهذه ورضا المولى سبحانه وتعالى منوط بها وبالجملة إن إنعامه وإكرامه وإحسانه تعالى أظهر من الشمس وأجلى من القمر وأبين من الأمس وإنعام غيره تعالى بأقداره وتمكينه سبحانه وطلب الإحسان منهم من قبل الاستعارة من المستعير والسؤال من الفقير الجاهل كالعالم مقر بهذا المعنى والغبى مثل ذكر معترف بهذا الأمر . فلو أن لى فى كل منبت شعرة * لسنا يبث الشكر كنت مقصرا ولا شك أن بداهة العقل حاكمة بوجوب شكر المنعم ولزوم توقيره وتعظيمه فصار شكر الحق سبحانه وتعالى الذى هو المنعم الحقيقى واجباً ببديهة العقل وكان تكريمه وتعظيمه تعالى لازما وحيث كان الحق سبحانه وتعالى فى كمال التنزه والتقدس والعباد فى غاية التلوث والتدنس تعذر من كمال عدم المناسبة وجد أن تعظيمه وتكريمه تعالى فى أى شئ وعلى أى كيفية فإن العباد كثيرا ما يستحسنون إطلاق بعض الأمور على جانب قدسه تعالى ويكون هو فى الحقيقة مستهجناً عنده تعالى ويخالون شيئا تعظيماً ويكون توهيناً ويزعمون شيئاً تكريما ويكون تحقيرا فما لم يكن تعظيمه وتكريمه تعالى مستفادا من جناب قدسه لا يكون لائقاً بأداء الشكر به وقابلا لعبادته تعالى فإن الحمد الذى يصدر عن العباد من قبلهم ربما يكون هجوا ومدحهم قدحاً والتعظيم والتوقير والتكريم التى كانت مستفادة من حضرته سبحانه هى عين شريعتنا الحقة على مصدرها الصلاة والسلام والتحية فإن كان تعظيم قلبى فمبين فى الشريعة الحقة وإن ثناء لسانى فمبرهن هناك والأعمال والأفعال الجوارحية أيضاً بينها صاحب الشريعة بالتفصيل فأداء شكره تعالى صار منحصرا فى إتيان أحكام الشريعة قلباً وقالباً اعتقاداً وعملا وكل تعظيم وعبادة له تعالى يؤدى بما وراء الشريعة لا يكون قابلا للاعتماد بل كثيرا ما يكون محصلا للأضداد والحسنة المتوهمة تكون سيئة فى الحقيقة فبملاحظة البيان المذكور كان العمل بالشريعة أيضاً واجباً بالعقل وكان أداء شكر المنعم تعالى متعذرا بدون الإتيان بها والشريعة لها جزء آن اعتقادى وعملى فالاعتقادى من أصول الدين والعملى من فورع الدين وفاقد الاعتقاد ليس من أهل النجاة والخلاص من عذاب الآخرة غير متصور فى حقه وفاقد العمل أمره مفوض إلى مشيته سبحانه وتعالى فإن شاء عفى عنه وإن شاء عذبه بقدر ذنبه والخلود فى النار مخصوص بفاقد الاعتقاد ومقصور على منكر ضروريات الدين وفاقد العمل وإن كان معذبا ولكن الخلود فى النار مفقود فى حقه ولما كانت الاعتقاديات من أصول الدين وضروريات الإسلام لزم أن نبينه بالضرورة وحيث كان تفصيل فى العمليات مع وجود فرعياتها أحلنا بيانها على كتب الفقه مع بيان شمة للترغيب فى بعض العمليات الضرورية ( الاعتقاديات ) إن اللّه تعالى موجود بذاته الأقدس ووجوده تعالى بنفسه سبحانه وكما أنه تعالى موجود كان دائميا ويكون دائميا لا سبيل للعدم السابق والعدم اللاحق إلى جناب قدسه تعالى فإن وجوب الوجود أحقر خدام ذلك الجناب المقدس وسلب العدم أذل كناس ذاك الموطن المحترم وهو تعالى واحد لا شريك له لا فى وجوب الوجود ولا فى الألوهية واستحقاق العبادة فإن الشريك إنما يحتاج إليه إذا لم يكن اللّه تعالى كافياً ومستقلا وذلك نقص مناف للألوهية فإذا كان كافيا ومستقلا يكون الشريك معطلا وعبثاً وهما أيضاً من علامة النقص المنافى للألوهية فصار إثبات الشريك مستلزما لنقص أحد الشريكين المنافى للشركة فصار إثبات الشركة مستلزما لنفى الشركة وهو محال فشريك البارى تعالى أيضاً محال ( وله تعالى ) صفات كاملة من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والتكوين ويقال لهذه الصفات الثمانية صفات حقيقية وهى قديمة موجودة فى الخارج بوجود زائد على وجود الذات تعالت وتقدست كما هو مقرر عند علماء أهل الحق شكر اللّه تعالى سعيهم ولم يقل بوجود الصفات الزائدة أحد من الفرق المخالفة غير أهل السنة والجماعة شكر اللّه تعالى سعيهم حتى أن الصوفية المتأخرين من الفرقة الناجية قالوا بعينية الصفات للذات ووافقوا فى ذلك المخالفين فإنهم وإن تحاشوا عن نفى الصفات ولكنه لازم على أصولهم وتبادر عباراتهم وقد زعم المخالفون الكمال فى نفى الصفات الكاملة وفارقوا النصوص القرآنية بعقولهم هداهم اللّه سبحانه سواء الصراط ( وسائر ) الصفات أما اعتبارية أو سلبية كالقدم والأزلية والألوهية كما قالوا وهو تعالى ليس بجسم ولا جسمانى ولا عرض ولا جوهر ولا مكانى ولا زمانى ولا حال ولا محل ولا محدود ولا متناه لا جهة له ولا نسبة والكفاءة والمثلية مسلوبة عن جناب قدسه والضدية والندية مفقودة فى حضرة أنسه وهو تعالى منزه ومبرأ من والد ووالدة وصاحبة وولد فإن هذه كلها من أمارات الحدوث ومستلزمة للنقص وجميع الكمالات ثابتة لجناب قدسه وجميع النقائص مسلوبة عن حضرة أنسه وبالجملة ينبغى أن يسلب عن جناب قدسه تعالى جميع صفات الإمكان والحدوث التى هى نقص وشر من القدم إلى الرأس وهو تعالى عالم بالكليات والجزئيات ومطلع على الأسرار الخفيات ولا يخرج عن حيطة علمه سبحانه فى السموات والأرضين مثقال ذرة حقيرة نعم حيث كان خالق جميع الأشياء هو سبحانه ينبغى أن يكون أيضاً عالماً بجميعها فإن الخلق لا بدله من علم الخالق به والذين حرموا السعادة يزعمون أن اللّه تعالى ليس بعالم بالجزئيات ويظنون ذلك بعقولهم الناقصة كمالا كما أنهم يقولون من كمال سخافة عقولهم أنه لم يصدر من واجب الوجود جل سلطانه غير شئ واحد وهو أيضاً صدر عنه من غير اختيار منه تعالى ويظنون ذلك أيضاً كمالا ما أجهلهم حيث يزعمون الجهل كمالاً ويرجحون الأضطرار على الاختيار ومن الجهل الذى فيهم يزعمون سائر الأشياء مستندة إلى غيره تعالى وينحتون من عند أنفسهم عقلا فعالا وينسبون الأشياء إليه ويزعمون خالق السموات والأرضين معطلا وعند الفقير لم يوجد فى العالم أحد أشد سفاهة من هذه الطائفة سبحان اللّه وقد زعم جماعة هؤلاء السفهاء أرباب المعقول وينسبون أقوالهم إلى الحكمة ولعلهم يظنون أحكامهم الكاذبة مطابقة لنفس الأمر ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ( وهو ) تعالى متكلم من الأزل إلى الأبد بكلام واحد فهو آمر ناه مخبر به والتورية والإنجيل والزبور والفرقان وكذلك سائر الصحف المنزلة إلى الأنبياء عليهم الصلوة والتسليمات كلها دالة على هذا الكلام الواحد وعلامة له وتفصيل له فإذا كان الأزل والأبد بهذه الوسعة والامتداد آنا واحدا بل لا مجال للآن أيضا هناك وإطلاق الآن إنما وقع لضيق العبارة فالكلام الذى يصدر فى ذلك الآن يكون كلمة واحدة بل حرفا واحدا بل نقطة واحدة وإطلاق النقطة أيضاً هناك كإطلاق الآن واقع من ضيق العبارة وإلا فلا مجال للنقطة أيضاً هناك والوسعة فى ذاته وصفاته جل سلطانه لا كيفية ولا كمية وهو تعالى مبرأ منزه بذاته وصفاته من هذه الوسعة والضيق اللذين من صفات الإمكان ( ويراه ) سبحانه المؤمنون فى الجنة بعنوان اللاكيفى واللامثلى فإن الرؤية التى تتعلق باللاكيفى تكون لا كيفية بل ينال الرائى أيضاً حظا وافراً من اللاكيفى حتى يستطيع رؤية اللاكيفى لا يحمل عطايا الملك إلا مطاياه وقد حل سبحانه اليوم هذا المعمى لأخص الخواص من أوليائه وجعله منكشفاً لهم فهذه المسئلة الغامضة تحقيقية عند هؤلاء الأكابر وتقليدية عند غيرهم ولم يقل بهذه المسئلة أحد من الفرق المخالفين مؤمنيهم وكافريهم غير أهل السنة ويعد رؤية الحق سبحانه عدا هؤلاء الأكابر كلهم محالا ومستشهد المخالفين فيأس الغائب على الشاهد البين الفساد وحصول الإيمان بمثل هذه المسئلة الغامضة بلا نور متابعة السنة السنية على صاحبها الصلاة والسلام والتحية متعذر . لائق دولت نبودهر سرى * بار مسيحا نكشدهرى خرى والعجب إنه كيف يستسعد بحصول سعادة الرؤية من لا إيمان لهم بها فإن نصيب المنكر حرمان وكيف لا يراه من يدخل الجنة فإن المتبادر من الشرع حصول دولة الرؤية لجميع أهل الجنة فإنه لم يرد فى الشرع أن بعض أهل الجنة يراه وبعضهم لا يراه تعالى والجواب فى حق هؤلاء هو جواب موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام لسؤال فرعون قال اللّه تعالى حاكيا عنهما قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى ( ينبغى ) أن يعلم أن الجنة وما وراء الجنة كلها بالنسبة إلى الحق سبحانه متساوية فإن كلها مخلوق اللّه تعالى وليس له سبحانه حلول وتمكن فى شئ منها ولكن ليس لبعض المخلوقات لياقة ظهور أنوار الواجب جل سلطانه بخلاف بعض آخر فإن فيه هذه اللياقة كما أن المرآة فيها لياقة ظهور الصور وليست هذه اللياقة فى الحجر والمدر فالتفاوت فى هذا الطرف مع وجود نسبة المساواة لا فى حضرته سبحانه وتعالى . أين قاعدة ياددار آنجاكه خداست * نه جزونه كل نه ظرف نه مظروف است والرؤية ليست بواقعة فى الدنيا فإن هذا المحل ليس فيه لياقة ظهور هذه الدولة وكل من قال بوقوع الرؤية فى الدنيا فهو كذاب ومفتر زعم غير الحق حقاً سبحانه فلو تيسرت هذه الدولة فى هذه النشأة كان كليم اللّه على نبينا وعليه الصلاة والسلام أحق بها وأن تشرف نبينا عليه وعلى آله الصلاة والسلام بهذه الدولة لم يكن وقوعها فى الدنيا بل دخل الجنة ورأى فيها وهى من عالم الآخرة لا أنه رأى فى الدنيا بل خرج من الدنيا وصار ملحقاً بالآخرة فرأى ( وهو ) تعالى خالق السموات والأرضين وخالق الجبال والبحار وخالق الأشجار والإثمار وخالق المعادن والنباتات وكما أنه سبحانه زين السماء بخلق النجوم وزين الأرض بخلق الإنسان فإن كان بسيط فكائن بإيجاده تعالى وإن مركب فمخلوق بخلقه تعالى وبالجملة أخرج سبحانه جميع الأشياء من كتم العدم إلى عرصة الوجود وإحدثها بعد أن لم تكن لا يليق القدم بغيره تعالى ولا شئ بقديم سواه سبحانه وإجماع جميع أهل الملل منعقد على حدوث ما سواه سبحانه وكلهم متفقون على أن لا قديم غيره تعالى ويحكمون بتضليل من يقول بقدم غيره تعالى بل يحكمون بتكفيره صرح الإمام الغزالى بهذا فى رسالته المنقذ عن الضلال وحكم بكفر جماعة قائلين بقدم غيره تعالى والذين يقولون بقدم السموات والكواكب وأمثالها يكذبهم القرآن المجيد كما قال اللّه تعالى اللّه الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ثم استوى على العرش وأمثال هذه من الآيات القرآنية كثيرة وسفيه من يخالف النصوص القرآنية بعقله الناقص ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور ( وكما ) أن العباد مخلوق الحق سبحانه أفعال العباد أيضاً مخلقوه تعالى فإن الخلق لا يليق بغيره وإيجاد ممكن لا يجئ من ممكن فإنه متسم بقصور القدرة متصف بنقص العلم لا يليق بالإيجاد والخلق ودخل العبد فى أفعاله الاختيارية إنما هو بكسبه الواقع بقدرته وإرادته وخلق الفعل من اللّه سبحانه وكسبه من العبد ففعل العبد الاختيارى واقع بمجموع كسب العبد وخلق الحق جل وعلا فلو لم يكن لكسب العبد واختياره مدخل فى فعله يكون حكمه حكم فعل المرتعش والفرق محسوس ومشاهد فإنا نعلم بالبداهة إن فعل المرتعش غير فعل المختار وهذا القدر من الفرق يكفى لمدخلية كسب العبد فى فعله وجعل الحق سبحانه خلقه تابعاً لقصد العبد فى فعله من كمال رأفته حيث يوجد الفعل فى العبد بعد تعلق قصدا العبد به فيكون العبد بالضرورة ممدوحا وملوماً ومعاقباً ومثاباً وقصد العبد واختياره اللذان أعطيهما من قبل الحق سبحانه يتعلقان بجهتى الفعل والترك وأيضاً قد بين الحق سبحانه حسن الفعل والترك وقبحهما بلسان الأنبياء عليهم الصلوات والتسليمات بالتفصيل فمع وجود ذلك لو اختار العبد إحدى الجهتين لابد من أن يكون ملاماً أو ممدوحاً ولا شك أن الحق سبحانه أعطى العبد من القدرة والاختيار مقدار ما يمكن له الخروج من عهدة الأوامر والنواهى الشرعيتين ولماذا يلزم إعطاء قدرة كاملة واختيار تام وقد أعطى مقدار ما يحتاج إليه وإنكار المنكرين مصادم للبداهة وبهم مرض قلبى عجزوا به عن إتيان الأحكام الشرعية كبر على المشركين ما تدعوهم إليه وهذه المسئلة من غوامض المسائل الكلامية ونهاية شرحها وغاية بيانها هى ما سود فى هذه الأوراق واللّه سبحانه الموفق ( ينبغى ) الإيمان بما قاله علماء أهل الحق دون أن يقع فى البحث والجدل . نه هو جائى مركب توان تاختن * كه جاها سبربايد أنداختن ( والأنبياء ) عليهم الصلوات والتسليمات رحمات للعاملين بعثهم اللّه سبحانه لهداية الخلق ودعى عبادة بتوسط هؤلاء الأكابر إلى جناب قدسه وهداهم إلى دار السلام التى هى محل رضاه وانسه والمخذول من لا يجيب دعوة الكريم ولا ينتفع من مائدة دولته وما بلغ هؤلاء الأكابر من طرف الحق سبحانه كله حق وصدق والإيمان به لازم والعقل وإن كان حجة ولكنه ناقص فى الحجية والحجة البالغة إنما حصلت ببعثة الأنبياء عليهم الصلوات والتسليمات فإنها لم تترك محلا للعذر وأول الأنبياء عليهم السلام آدم وآخرهم وخاتم نبوتهم محمد رسول اللّه عليه وعليهم الصلاة والسلام ينبغى الإيمان بجميع الأنبياء وأن يعتقد كلهم معصومين صادقين وعدم الإيمان بواحد منهم مستلزم لعدم الإيمان بجميعهم فإن كلمتهم متفقة وأصول دينهم واحدة وينزل عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ويتبع شريعة خاتم الرسل عليه وعليهم الصلوات والتسليمات وأورد الخواجه محمد بارسا الذى هو من كمل خلفاء الخواجه النقشبند قدس سرهما وعالم ومحدث نقلا معتمدا فى كتابه الفصل الستة إن عيسى عليه السلام يعمل بعد النزول بمذهب الإمام أبى حنيفة رضى اللّه عنه ويحل حلاله ويحرم حرامه ( والملائكة ) عباد اللّه تعالى المكرمون وبدولة الرسالة وتبليغ وحيه تعالى مشرفون وما هم مأمورون به متمثلون والعصيان والخروج عن طاعة اللّه تعالى مفقود فى حقهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يلبسون ولا يوصفون بذكورة ولا أنوثة وليس لهم توالد ولا تناسل والكتب والصحف الإلهية كلها نزلت بتوسطهم وبقيت محفوظة ومصونة بصداقتهم فى أداء أمانتهم والإيمان بهم أيضاً من ضروريات الدين وتصديقهم من واجبات الإسلام وخواص البشر أفضل من خواص الملك عند جمهور أهل الحق فإن وصول البشر مع وجود العوائق وقرب القدسيين حاصل لهم بلا مزاحمة الاشتغال وممانعة الخلائق وإن كان التسبيح والتقديس شغل القدسيين ولكن جمع الجهاد بهذه الدولة شغل كمل الإنسيين قال اللّه تعالى فضل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وما أخبر عنه المخبر الصادق عليه وعلى آله الصلاة والسلام من أحوال القبر وأهوال القيمة والحشر والنشر ومن الجنة والنار كله حق والإيمان بالآخرة كالإيمان باللّه من ضروريات الدين ومنكر الآخرة كمنكر الصانع كافر قطعاً وعذاب القبر من الضغطة وغيرها حق والمنكر له وأن لم يكن كافراً ولكنه مبتدع لكونه منكرا للأحاديث المشهورة وحيث أن القبر برزخ بين الدنيا والآخرة يشبه عذابه من وجه بعذاب الدنيا وهو قبولة الانقطاع ومن وجه بعذاب الآخرة وهو كونه من جنسه وأكثر من يبتلى به من لا يستنزهون من البول ومن يمشون بالنميمة ( وسؤال ) منكر ونكير فى القبر أيضاً حق وهو فتنة عظيمة وابتلاء جسيم فى القبر ثبتنا اللّه سبحانه بالقول الثابت ويوم القيامة حق واقع ألبتة يومئذ تنشق السموات وتنتثر الكواكب وتتقطع الأرض والجبال وتكون ملحقة بالعدم كما أن النصوص القرآنية ناطقة بها وإجماع جميع الفرق الإسلامية منعقد عليها والمنكر عليها كافر وإن سول كفره بمقدمات موهمة وأضل بها السفهاء عن الطريق والبعوث يومئذ عن القبر وأحياء العظام البالية المتفرقة كله حق وحساب الأعمال ووضع الميزان وطيران صحف الأعمال ومجيئ صحف أرباب اليمين من اليمين وصحف أصحاب الشمال والشمال أيضاً حق والصراط الذى يوضع على متن جهنم فيمر عليه الجنتى إلى الجنة ويسقط الجهنمى فى جهنم أيضاً حق فإن هذه كلها أمور ممكنة أخبر المخبر الصادق بوقوعها فينبغى قبولها بلا توقف ن غير أن يتشكك ويتردد بمقدمات وهمية وما آتاكم الرسول فخذوه نص قطعى وشفاعة الصلحاء والأخيار يومئذ فى حق العصاة والأشرار بإذن الغفار حق قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى وخلود الكفار بعد الحساب فى النار وعذابها أيضاً حق وكذلك خلود المؤمنين فى الجنة وتنعماتها حق والمؤمن الفاسق وإن جاز فى حقه دخول النار وكونه معذب فيها أياماً ولكن الخلود فى النار مفقود فى حقه ومن كان فى قلبه مثال ذرة من الإيمان لا يكون مخلدا فى النار بل مآل حاله إلى الرحمة ومرجع أمره إلى الجنة ومدار الإيمان والكفر على الخاتمة وكثيرا ما يكون الإنسان متصفا بواحدة من هاتين الصفتين طول عمره ويتحقق بضدها فى الآخر وإنما العبرة بالخواتم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب والإيمان عبارة عن تصديق قلبى بما علم من الدين بطريق الضرورة والتواتر والإقرار به أيضا ضرورى كالإيمان بوجود الصانع وتوحيده تعالى وكذلك الإيمان بحقية الكتب والصحف المنزلة والإيمان بالأنبياء الكرام والملائكة العظام عليهم الصلاة والسلام إلى يوم القيامة والإيمان بالآخرة من حشر الأجساد وخلود العذاب والثواب فى النار والجنة وانشقاق السموات وانتثار الكواكب واندكاك الأرض والجبال وكذلك الإيمان بفرضية الصلوات الخمس وتعيين اعداد ركعتها وبفرضية زكاة الأموال وصوم رمضان وحج بيت اللّه الحرام على تقدير الاستطاعة وكذلك الإيمان بحرمة شرب الخمر وقتل النفس بغير الحق وعقوق الوالدين والسرقة والزنا وأكل مال اليتيم وأكل الربا وأمثالها مما ثبت بالتواتر وصار من ضروريات الدين ولا يخرج المؤمن بارتكاب الكبيرة من الإيمان واستحلال الكبيرة كفر وارتكابها فسق وينبغى للمؤمن أن يعتقد نفسه مؤمناً حقا يعنى ينبغى أن يعترف بثبوت إيمانه وتحققه ولا ينبغى أن يجعل كلمة الاستثناء يعنى كلمة إن شاء اللّه مقرونة بالإيمان لكونها منبئة عن الشك ومنافية لثبوت الإيمان بحس بالصورة وإن جعل الاستثناء راجعاً إلى الخاتمة لكونها مبهمة ولكنه لا يخلو من اشتباه الثبوت الحالى فالاحتياط فى ترك صورة الشك والاشتباه وأفضلية الخلفاء الأربعة على ترتيب خلافتهم فإن إجماع أهل الحق منعقد على أن أفضل البشر بعد الأنبياء صلوات اللّه تعالى وتسليماته سبحانه عليهم أجمعين أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق رضى اللّه عنهما ووجه الأفضلية على ما فهمه هذا الفقير ليس كثرة الفضائل والمناقب بل الأسبقية فى الإيمان والأقدمية فى إنفاق الأموال والأولية فى بذل الأنفس فى كل حال لتأييد الدين وترويج ملة سيد المرسلين فإن السابق كأنه أستاذ اللاحق فى أمر الدين وكلما ينال اللاحق يناله من مائدة دولة السابق ومجموع هذه الصفات الكاملة الثلاثة منحصرة فى حضرة الصديق رضى اللّه عنه فإن الذى جمع بين الأسبقية فى الإيمان وبين إنفاق المال وبذل النفس هو هو رضى اللّه عنه وهذه الدولة لم تتيسر فى هذه الأمة لغيره قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه إنه ليس من الناس أحد أمن على فى نفسه وماله من أبى بكر ابن أبى قحافة ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام أفضل سدوا عنى كل خوخة غير خوخة أبى بكر وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام إن اللّه بعثنى إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواسانى بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لى صاحبى وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب وقال أمير المؤمنين على رضى اللّه عنه إن أبا بكر وعمر كليهما أفضل هذه الأمة ومن فضلنى عليهما فهو مفتر أضربه كما يضرب المفترى وما وقع بين أصحاب خير البشر عليه وعليهم الصلوات والتسليمات من المنازعات والمحاربات ينبغى أن يحملها على محامل حسنة وأن يبعدهم عن مظنة الهوى والهوس ومن حب الجاه والرياسة ومن طلب الرفعة والمنزلة فإن هذه الرذائل من النفس الأمارة ونفوس هؤلاء الأكابر صافية ومزكاة فى صحبة خير البشر عليه وعليهم الصلاة والسلام ولكن الحق كان فى جانب أمير المؤمنين على كرم اللّه وجهه فى تلك المشاجرات والمحاربات الواقعة فى حق خلافته ومخالفوه كانوا مخطئين بالخطاء الاجتهادى الذى لا مجال فيه للملامة والطعن فضلا عن التفسيق فإن الصحابة كلهم عدول ومروياتهم مقبولة ومرويات موافقى على ومخالفيه كلها متساوية فى الصدق والوثوق ولم تصر المشاجرة والمحاربة علة الجرح أحد فينبغى أن يحب جميعهم فإن حبهم بحب النبى عليه وعليهم الصلوات والتسليمات فإنه قال من أحبهم فبحبى أحبهم وينبغى الاجتناب عن بغضهم وعداوتهم فإن بغضهم ببغضه صلى اللّه عليه وسلم كما قال ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم وفى تعظيم هؤلاء الأكابر وتوقيرهم تعظيم خير البشر عليه وعلى آله الصلاة والسلام وتوقيره وفى عدم تعظيمهم عدم تعظيمه فينبغى تعظيم جميعهم من جهة تعظيم خير البشر عليه الصلاة والسلام قال الشيخ الشبلى ما آمن برسول اللّه من لم يوقر أصحابه ( وبعد ) تصحيح الاعتقاد لابد من إتيان الأعمال أيضاً قال النبى صلى اللّه عليه وسلم بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمد رسول اللّه وهى عبارة عن الإيمان والاعتقاد بما ثبت بتبليغ محمد رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم كما مر والثانى أداء الصلوات الخمس التى هى عماد الدين والثالث أداء زكاة المال والرابع صوم شهر رمضان والخامس حج بيت اللّه الحرام فالصلاة أفضل العبادات بعد الإيمان باللّه ورسوله وحسن لذاته مثل الإيمان بخلاف سائر العبادات فإن حسنها ليس بذاتى فينبغى أداء الصلاة بحسن التأمل والنقيد بعد طهارة كاملة كما بين فى كتب الشرع من غير فتور وينبغى الاحتياط فى القراءة والركوع والسجود والقومة والجلسة وسائر الأركان حتى تؤدى على وجه الكمال وينبغى التزام السكونة والطمأنينة فى الركوع والسجود والقومة والجسلة وينبغى الاحتراز عن المساهلة وينبغى أداؤها فى أوائل أوقاتها من غير أن يجوز التأخير على وجه التكاسل والتجاهل والعبد المقبول من يمتثل أمر مولاه بمجرد أمره فإن التأخير فى امتثال الأمر من التمرد وسوء الأدب وينبغى أن يستصحب من الكتب الفقهية ما كتب بعبارة فارسية مثل ترغيب الصلاة وتيسير الأحكام وأمثالهما فى جميع الأوقات وأن يأخذ المسائل الشرعية منها والعمل بمقتضاها وكتاب كلستان ومثله داخل فضول فى جنب كتب الفقه الفارسية بل مما لا يعنى بالنسبة إلى الأمور الضرورية ما يحتاج إليه فى الدين ينبغى أن يعده لازما دون أن يلتفت إلى ما ورائه وصلاة التهجد أيضاً كأنها من ضروريات هذا الطريق فينبغى السعى حتى لا تترك من غير ضرورة فإن كان هذا المعنى متعسرا فى الابتداء ولم يتيسر التيقظ ينبغى تعيين جماعة من الخدام ليوقظوا فى ذلك الوقت بلا اختيار ولا يتركوا على النوم وبعد اعتياد القيام أياماً لا تحتاج إلى التكلف والتعمل ومن أراد أن يقوم فى آخر الليل ينبغى أن ينام فى أوله بعد العشاء من غير أن يشتغل بما لا طائل فيه وينبغى أن يغتنم الاستغفار والتوبة والالتجاء والتضرع وتذكر المعاصى والذنوب وتفكر النقائص والعيوب وخوف العذاب الأخروى والإشفاق من الألم الدائمى فى ذلك الوقت وأن يطلب العفو والمغفرة من الحق سبحانه وتعالى وأن يقول هذه الكلمة باللسان متوجها إلى القلب مائة مرة استغفر اللّه العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه سبحانه وينبغى أن يقول هذه الكلمة بعد أداء العصر أيضاً مائة مرة من غير أن يتركها بطهارة أو بلا طهارة وقد ورد فى الخبر طوبى لمن وجد فى صحيفته استغفار كثير وأداء صلاة الضحى أن تيسر دولة عظيمة فينبغى السعى حتى تؤدى ركعتان منها على الدوام وأكثر ركعاتها كصلاة التهجد اثنتا عشرة ركعة ومقدار ما يؤدى بمقتضى الوقت والحال مغتنم وينبغى أن يجتهد لقراءة آية الكرسى بعد أداء كل فرض فإنه قد ورد فى الخبر من قرأ آية الكرسى بعد كل صلاة فرض لا يمنعه من دخول الجنة إلا الموت وأيضاً ينبغى أن يقول بعد كل صلاة من صلوات الخمس كلمة التنزيه سبحان اللّه ثلاثاً وثلاثين مرة وكلمة التحميد الحمد للّه ثلاثا وثلاثين مرة وكلمة التكبير اللّه أكبر ثلاثا وثلاثين مرة ومرة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير حتى يستكمل العدد مائة ويقول أيضاً فى كل يوم وليلة سبحان اللّه وبحمده مائة مرة فإن فيها ثواباً كثيراً ويقول وقت الصبح مرة اللّهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر ويقول فى المغرب بدل ما أصبح ما أمسى ويتم وورد فى الحديث النبوى أن من قرأ هذا الدعاء فى النهار فقد أدى شكر ذلك النهار ومن قرأه فى الليل فقد أدى شكر ذلك الليل ولا يلزم أن يكون قراءة هذا الورد على طهارة بل ينبغى قراءته فى جميع الأوقات ( وأداء ) زكاة الأموال أيضاً من ضروريات الدين فينبغى أداؤها وإيصالها إلى مصارفها بالرغبة وقبول المنة فإذا قال اللّه سبحانه أعطوا الفقراء والمساكين حصة واحدة من أربعين حصة من عطيتى وإنعامى فأعطيكم فى مقابلته أجر جزيلا وجزاء جميلا فالتوقف فى أداء هذا الجزء المحقر والبخل فى إعطائه من غاية عدم الإنصاف بل من التمرد والاعتساف وأمثال هذا التوقف فى امتثال الأوامر الشرعية منشاؤها مرض قلبى وعدم يقين بالأحكام السماوية ولا يكفى مجرد النطق بكلمة الشهادة بدون تصديق قلبى بمضمونها فإن المنافقين أيضاً ناطقون بهذه الكلمة وعلامة يقين القلب إتيان الأوامر الشرعية بطوع ورغبة وإعطاء فلس لفقير بنية أداء الزكاة أفضل من إنفاق ألوف بغير هذه النية فإن ذاك أداء فرض وهذا إتيان نفل ولا اعتداد لإتيان النفل بالنسبة إلى أداء الفرض أصلا ولا اعتبار وليت له حكم القطرة بالنسبة إلى البحر المحيط ومن تسويلات الشيطان اللعين منعهم من أداء الفرائض وحملهم على أداء النوافل وصدهم عن أداء الزكاة ( وصوم ) شهر رمضان المبارك أيضاً من واجبات الإسلام وضروريات الدين فينبغى الاهتمام فى أدائه أيضاً ولا ينبغى الإفطار بأعذار غير مسموعة قال النبى عليه وعلى آله الصلاة والسلام والتحية الصوم جنة من نار جهنم فإن كان بعض الأعذار مانعاً من الصوم وملجأ إلى الإفطار كمرض وركوب متن الأسفار ينبغى قضاؤه بلا مهلة بعد زوال الأعذار دون أن يؤخره بالتكاسل إلى مرور الآصال والإبكار فإن العبد ليس له اختيار كلى بل له مولى لابد له من المعاشرة بمقتضى أوامره ونواهيه حتى يتصور رجاء النجاة فلو لم يكن كذلك يكون عبداً متمرداً جزاؤه أنواع العقوبات ( والركن ) الخامس من أركان الإسلام حج البيت الحرام وله شرائط مذكورة فى كتب الفقه فإذا تحققت شرائطه يجب أداؤه قال النبى صلى اللّه عليه وسلم الحج يهدم ما كان قبله من المعاصى وينبغى حسن الاحتياط فى الحل والحرمة الشرعيين والامتناع عما منع عنه صاحب الشريعة عليه وعلى آله الصلاة والتحية والمحافظة على الحدود الشرعية لو كان المطلوب السلامة والنجاة إلى متى يمتد نوم الأرنب وحتى متى قطن الغفلة فى الصماخ فإن الأرنب سيوقظ والقطن سينزع فلا يكون نقد الوقت حينئذ غير الندامة والحسرة والخجالة والخسارة الموت قريب وأنواع عذاب الآخرة مهيأة من مات فقد قامت قيامته ينبغى الانتباه قبل أن ينبه فإن ح لا ينفع والعمل بمقتضى الأوامر والنواهى الشرعيتين والاجتناب عن موجبات العذاب الأخروى قال اللّه تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة الآية ( وبعد تصحيح ) الاعتقاد وإتيان الأعمال الصالحة بمقتضى الشريعة الحقة على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ينبغى تعمير الأوقات بالذكر الإلهى جل شأنه وأن لا يكون فارغا عن ذكره تعالى أصلا فإن كان الظاهر مشغولا بالخلق ينبغى أن يجعل الباطن بالحق سبحانه وأن يكون ملتذا بذكره تعالى وهذه الدولة متيسرة للمتبدئين فى طريقة خواجكان قدس اللّه أسرارهم فى أول قدم فى صحبة الشيخ الكامل المكمل بعناية اللّه سبحانه وتعالى ولعله حصل لكم الإيمان بهذا المعنى بل تيسر نصيب منه ولو كان قليلا وكلما حصل ينبغى المحافظة عليه والقيام بشكره والرجاء فى الزيادة وحيث أن فى طريقة الحضرات النقشبندية اندراج النهاية فى البداية فإن حصل قليل منها فهو كثير فإن السالك له خبر فى البداية من النهاية ولكن ينبغى للمبتدئ أن يستقل ما حصله وإن كان كثيراً من غير أن يكون فارغاً عن شكره بل ينبغى أداء شكره وطلب الزيادة والمقصود الأصلى من الذكر زوال التعلق بما دون الحق سبحانه الذى المرض القلبى عبارة عنه ومالم يحصل هذا الزوال لا يكون نصيب من حقيقة الإيمان ولا يتيسر والسهولة فى أداء الأحكام الشرعية . إلا فاذكروا رب البرايا فإنه * صفاء القلوب والغذاء لأرواح وينبغى أن يكون المطلوب من أكل الطعام حظ النفس بل يكون حصول القوة والاستطاعة على العبادة فإن لم تتيسر هذه النية فى الابتداء ينبغى أن يكون عليها بالتكلف وإن يلتجئ ويتضرع لتيسر هذه النية وكذلك ينبغى أن تكون النية فى لبس اللباس التزين للعبادة وأداء الصلاة فإنه قد ورد فى القرآن المجيد خذوا زينتكم عند كل مسجد ولا يكون المقصود من لبس الألبسة المزينة مرآة الخلق فإنها ممنوع عنها وكذلك ينبغى أن يسعى فى أن يكون المنظور فى جميع الأفعال والحركات والسكنات رضى المولى جل سلطانه وأن يعمل بمقتضى شريعته الحقة ففى هذا الوقت يكون كل من الظاهر والباطن متوجها إلى الحق تعالى وذاكرا له سبحانه مثلا إذا اختار العبد النوم الذى هو غفلة من أوله إلى آخره بنية دفع التكاسل فى أداء الطاعة يكون ذلك النوم بهذه النية عين العبادة فما دام فى ذاك النوم فكأنه فى الطاعة لكونه بنية أداء الطاعة وقد ورد فى الخبر نوم العلماء عبادة وإن كنت أعلم أن حصول هذا المعنى فيكم اليوم متعذر لهجوم الموانع ووجود التزام العادات والرسوم وكون المنظور الحمية والأنفة التى هى مضادة للشريعة الغراء فإن الشريعة واردة الدفع الرسوم والعادات ورفع الحمية الجاهلية الناشية عن النفس الأمارة ولكن إذا حصلت المداومة على الذكر القلبى وأداء الصلوات الخمس بشرائطها من غير فتور بتوفيق اللّه سبحانه وتيسر الاحتياط فى الحل والحرمة الشرعيين مهما أمكن يحتمل أن يظهر جمال هذا المعنى ويحصل الرغبة فيه ( ووجه ) آخر لكتابة أمثال هذه النصائح هو أنه وإن لم يحصل العمل بمقتضى هذه النصائح فلا أقل من أن يحصل الاعتراف بالقصور والنقص وهو أيضاً دولة عظيمة . ومن نال يلقى دولة فوق قدره * ومن لا فيكفيه الأسى من فواتها ونعوذ باللّه سبحانه من حال من لا ينال ولا يغتم من عدم نيله ولا يعمل ولا يتندم من عدم عمله ولا يكون ذلك إلا جاهلا متمرداً أخرج رأسه من ربقة العبودية ورجله من قيد الرقية ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا وأن لم يقتض الوقت والحال والزمان والمكان تحرير شئ ولكن لما رأيت شوقكم ورغبتكم على وجه الكمال كتبنا سطوراً بالتكلف وسلمناها إلى كمال الدين حسين رزق اللّه سبحانه العمل بمقتضاها والسلام على من اتبع الهدى . |