Geri

   

 

 

İleri

 

١٥

المكتوب الخامس عشرة

إلى المير محمد نعمان فى بيان أن لذة إيلام المحبوب ألذ وأجلى فى نظر المحب من لذة إنعامه.

الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى ليكن معلوم الأخ السيد محمد نعمان أنه صار مفهوماً إن الأحباب الناصحين كلما اجتهدوا فى التشبث بأسباب الخلاص لم يكن نافعاً الخير فيما صنعه اللّه سبحانه فحدث من هذا الأمر نوع حزن بمقتضى البشرية وظهر ضيق الصدر ثم بعد زمان تبدل الحزن وضيق الصدر بفضل اللّه جل سلطانه بالفرح وشرح الصدر وعلمت بيقين خاص أن مراد هذه الجماعة الذين فى صدد الإيذاء لو كان موافقاً لمراد الحق جل شأنه لا معنى للاستكراه وضيق الصدر بل هو مناف لدعوى المحبة فإن إيلام المحبوب مثل إنعامه محبوب للمحب ومرغوب فيه له كما أن المحب يلتذ بإنعامه يلتذ أيضاً بإيلامه بل يجد اللذة فى إيلامه أكثر لكونه مبرأ من شائبة حظ النفس ومرادها وحيث أن الحق سبحانه جميل مطلق فإذا أراد إيذاء شخص تكون إرادته تعالى بعنايته سبحانه فى نظر ذلك الشخص جميلة ألبتة بل تكون سببا للإلتذاذ وحيث أن مراد هذه الجماعة موافق لمراد الحق سبحانه وروزنة لمراده تعالى فمرادهم أيضاً مستحسن فى النظر وموجب للالتذاذ وفعل الشخص الذى هو مظهر لفعل المحبوب محبوب أيضاً كنفس فعل المحبوب وذلك الشخص الفاعل أيضاً يظهر فى نظر المحب بهذه العلاقة محبوباً والعجب أن الجفاء كلما يتصور من ذلك الشخص أزيد يظهر فى نظر المحب أحسن وأمجد لكون إراءته لصورة غضب المحبوب أكثر وأزيد وأمر وألهى هذا الطريق مقلوب ومعكوس وأرادة السوء لذاك الشخص وأساءته منافية لمحبة المحبوب فإن ذلك الشخص ليس بازيد فى ذلك من أين يكون مرآة لفعل المحبوب والذين هم فى صدر الإيذاء يظهرون فى النظر محبوبين بالنسبة إلى سائر الخلائق فليزل الأخوان ضيق الصدر عن أنفسهم ولا يحقدوا على الذين فى صدد الإيذاء بل ينبغى أن يكونوا متلذذين بفعلهم نعم حيث كنا مأمورين بالدعاء والحق سبحانه يحب الدعاء والاتجاء والتضرع والابتهال ينبغى الدعاء لدفع البلية وسؤال العفو والعافية وإنما قلت مرآة صورة الغضب فإن حقيقة الغضب نصيب الأعداء وصورة الغضب من الأحباء عين الرحمة فى الحقيقة وكم من منافع لمحب ودعت فى صورة الغضب هذه لا يمكن شرحه وأيضاً فى صورة الغضب التى أعطيها الأحباء هلاك المنكرين وهى باعثة على ابتلائهم ولعلكم علمتم معنى عبارة الشيخ محى الدين ابن العربى قدس سره حيث قال لا همية للعارف يعنى أن الهمة التى يقصد بها دفع البلية مسلوبة عن العارف فإن العارف إذا رأى البلية من المحبوب وتيقن أنها مراده كيف يصرف همته لدفعها وكيف يريد رفعها وأنه وأن أجرى دعاء الدفع على لسانه بحسب الصورة لامتثال الأمر بالدعاء ولكنه لا يريد شيأ فى الحقيقة بل هو ملتذ بكلما يصيبه والسلام على من اتبع الهدى .