٢٢ المكتوب الثانى والعشرون إلى الملا مقصود على التبريزى فى بيان المراد من نجاسة المشركين خبثهم الباطنى واعتقادهم السوء لا كونهم نجس العين. الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى أيها المخدوم المشفق لم يعلم المقصود من إرسال التفسير الحسينى وصاحب التفسير بين معنى الآية الكريمة موافقاً لأئمة الحنفية ويريد من النجاسة الشرك وخبث الباطن وسوء الاعتقاد وما قاله بعد ذلك من أن هؤلاء لا يجتنبون عن النجاسات فهذا المعنى موجود فى أكثر أهل الإسلام أيضاً فى هذه الأيام والفرق بين عوام أهل الإيمان وبين الكفار مفقود من هذه الحيثية فلو كان عدم الاجتناب عن النجاسة سببا لنجاسة الشخص تصير المعاملة ضيقة ولا حرج فى الإسلام وما نقل عن ابن عباس رضى اللّه عنهما من أن المشركين نجس العين مثل الكلاب أمثال هذا النقل الشاذ وردت كثيراً من أكابر الدين وكلها محمولة على التوجيه والتأويل كيف يكون نجس العين فإن النبى عليه وعلى آله الصلاة والسلام قد أكل الطعام من بيت يهودى وتوضأ من ظرف مشرك وتوضأ الفاروق رضى اللّه عنه أيضا من ظرف امرأة نصرانية ( فإن قيل ) يجوز أن يكون قوله تعالى إنما المشركون نجس متأخراً وناسخاً للمذكورات ( أجيب ) أنه يجوز أن يكون كذلك لا يكفى هذا المقام بل لابد من إثبات التأخر حتى تصح دعوى النسخ فإن الخصم من وراء المنع ولو سلم أنه متأخر ينبغى أن لا يكون مثبتا للحرمة ويكون المراد من النجاسة خبث الباطن لأنه قد نقل أنه لم يرتكب نبى من الأنبياء أمرا يكون مآله فى شريعته أو فى شريعة غيره من الأنبياء منجرا إلى الحرمة ويكون محرماً ما فى الأخر وإن كان مباحاً حين ارتكاب ألا ترى أن الخمر كان مباحاً والإثم حرم ولم يشربه نبى قط فلو كان مآل أمر المشركين إلى النجاسة الظاهرة وكانوا مثل الكلاب نجس العين لما كان النبى صلى اللّه عليه وسلم الذى هو محبوب رب العالمين يمس ظروفهم فضلا عن أكل طعامهم وأيضاً إن النجس العين نجس عين فى جميع الأوقات لا مجال فيه للإباحة سابقة ولاحقة فلو كان المشركون نجس عين ينبغى أن يكونوا كذلك فى الابتداء وأن يعامل النبى صلى اللّه عليه وسلم بهم بمقياسه ومقتضاه فى الأول وليس فليس ( وأيضاً ) إن الحرج مدفوع عن الدين ومعلوم أن الحكم بنجاستهم واعتقاد أنهم نجس عين تضييق على المسلمين جدا وإلقاؤهم فى الحرج والمشقة ينبغى أن يقبل المنة من أئمة الحنفية رضى اللّه عنهم حيث هيأوا مخلصاً للمسلمين وأخرجوهم من ارتكاب الحرام دون أن يطعن فيهم وزعم حسنهم قبحا وعيباً وأين مجال الاعتراض على المجتهد فإن لخطائه أيضاً درجة من الثواب وتقليده وإن كان مخطأ موجب للنجاة واجتناب جماعة يقولون بحرمة أطعمة الكفار وأشربتهم عن ارتكاب أكلها وشربها محال عادى خصوصاً فى بلاد الهند فإن هذا الابتلاء أكثر فيها وإذا كان فى مسئلة دينية عموم البلوى فالأولى أن يفتى بأسهل الأمور وأيسرها بقول أى مجتهد كان وإن لم يكن موافقاً لمذهبه قال اللّه تعالى يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقال تعالى يريد اللّه أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا والتضييق على خلق اللّه وإيذاؤهم حرام ومناف لرضا الحق سبحانه والشافعية يفتون فى بعض المسائل الذى ضيق فيه الإمام الشافعى بمذهب الحنفية ليسهل للخلق مثلا فى مصارف الزكاة ينبغى أن تصرف الزكاة عند الشافعى على جميع أصنافها وواحد منها المؤلفة القلوب وهم مفقودون فى هذه الأيام فأفتى علماء الشافعية بمذهب الحنفية بأنها إذا أديت على أى صنف منها يكفى وأيضاً إذا كان المشركون نجس العين ينبغى أن لا يطهروا بالإيمان أيضاً فعلم أن كونهم نجسا إنما هو بواسطة خبث اعتقادهم القابل للزوال ومقصور على الباطن الذى هو محل الاعتقاد ونجاسة الباطن لا ننافى طهارة الظاهر كما هو معلوم للوضيع والشريف وأيضاً إن قوله تعالى إنما المشركون نجس إخبار عن حال المشركين والإخبار لا يكون ناسخا ولا منسوخاً فإن النسخ فى إنشاء حكم شرعى لا فى الإخبار عن شئ فينبغى أن يكون المشركون نجسا فى جميع الأوقات ويكون المراد من النجس خبث الاعتقاد حتى لا تتعارض الأدلة ولا يكون مساسهم محظورا فى وقت من الأوقات ويوم قرأت قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم الآية قلتم فى مقابلته إن المراد من الطعام هنا البر والحمص والعدس فلو قبل هذا التوجيه أهل العرف فما المضايقة ولكن لابد من الإنصاف والمقصود الأصلى من هذا التصديع وإطالة الكلام هو أنه ينبغى أن يرحم الخلق وأن لا يحكم بعموم نجاستهم وأن لا يعتقد نجاسة أهل الإسلام أيضاً بواسطة اختلاطهم بالكفار الذى لابد منه ولا مهرب عنه وأن لا يجتنب عن أطعمة المسلمين وأشربتهم بعلة النجاسة المتوهمة فيحصل التبرى من الكل من هذه الحجة ويظن ذلك احتياطا والحال أن الاحتياط فى ترك هذا الاحتياط وماذا أكتب زيادة على ذلك . بثثت لديكم من همومى وخفت أن * تملوا وإلا فالكلام كثير والسلام . |