٢٨٦ المكتوب السادس والثمانون والمائتان إلى مولانا أمان اللّه الفقيه فى بيان أن الاعتقاد الصحيح هو المأخوذ من الكتاب والسنة على وفق آراء أهل السنة والجماعة وفى رد من يستنبط من الكتاب والسنة خلاف معتقدات أهل السنة والجماعة وأدركوا بالكشف خلاف ما عليه أهل الحق. بسم اللّه الرحمن الرحيم اعلم أرشدك اللّه وألهمك سواء الصراط أن من جملة ضروريات الطريق للسالك الاعتقاد الصحيح الذى استنبطه علماء أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وآثار السلف وحمل الكتاب والسنة على المعانى التى فهمها جمهور أهل الحق يعنى علماء أهل السنة والجماعة منهما أيضا ضرورى فإن ظهر فرضا بطريق الكشف والإلهام ما يخالف تلك المعانى المفهومة ينبغى أن لا يعتبره وأن يستعيذ منه مثل الآيات والأحاديث التى يفهم من ظواهرها التوحيد الوجودى وكذلك الإحاطة والسريان والقرب والمعية الذاتية ولم يفهم علماء أهل الحق من تلك الآيات والأحاديث هذه المعانى فإن انكشف للسالك فى أثناء الطريق هذه المعانى بأن لا يرى غير موجود واحد أو بأن يدرك أن اللّه تعالى محيط بالذات أو وجده قريبا بالذات فهو وأن كان معذورا فى ذلك بسبب غلبة الحال وسكر الوقت فيما هنالك ولكن ينبغى له أن يكون ملتجئا إلى اللّه تعالى ومتضرعا إليه دائما لأن يخلصه من هذه الورطة وأن يكشف له أمورا مطابقة لآراء علماء أهل الحق وأن لا يظهر له ما يخالف معتقداتهم الحقة ولو مقدار شعرة ( وبالجملة ) ينبغى أن يجعل المعانى التى كانت مفهومة لعلماء أهل الحق مصداق الكشف وأن لا يجعل محك الإلهام غيرها فإن المعانى المخالفة للمعانى المفهومة لهم ساقطة عن حيز الاعتبار لأن كل مبتدع ضال يزعم أن مقتدى معتقداته ومأخذها الكتاب والسنة فإنه يفهم منهما بحسب إفهامه الركيكة معانى غير مطابقة يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وإنما قلت أن المعتبر هو المعانى المفهومة لعلماء أهل الحق وأن ما سواها مما يخالفها غير معتبرة بناء على أنهم أخذوا تلك المعانى من تتبع آثار الصحابة والسلف الصالحين رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين واقتبسوها من أنوار نجوم هدايتهم ولهذا صارت النجاة الأبدية مخصوصة بهم والفلاح السرمدى نصيبا لهم أولئك حزب اللّه ألا إن حزب اللّه هم المفلحون فإن تداهن بعض العلماء فى الفرعيات وارتكبوا التقصيرات فى العمليات مع وجود حقية الاعتقاد لا ينبغى بسبب ذلك أن ينكر العلماء مطلقا وأن يطعن فيهم كليا فإن ذلك محض عدم الإنصاف وصرف المكابرة بل إنكار أكثر ضروريات الدين فإن ناقلى تلك الضروريات هم العلماء وناقدى جيدها عن رديئهام العلماء فلو لا نور هدايتهم لما اهتدينا ولولا تمييزهم الصواب عن الخطاء لغوينا وهم الذين بذلوا جهدهم فى إعلاء كلمة الدين القويم وسلكوا بأناس كثيرة إلى صراط مستقيم فمن تابعهم نجى وأفلح ومن خالفهم ضل وأضل من الطريق الأوضح ( ينبغى ) أن يعلم أن معتقدات الصوفية بالأخرى أعنى بعد تمام منازل السلوك والوصول إلى أقصى درجات الولاية هى عين معتقدات أهل الحق للعلماء بالنقل والاستدلال وللصوفية بالكشف والإلهام وأن ظهر لبعض الصوفية فى أثناء الطريق بواسطة السكر وغلبة الحال ما يخالف تلك المعتقدات ولكن إذا جاوز تلك المقامات وبلغ نهاية الأمر تكون تلك المخالفة هباء منثورا وإلا فيبقى على تلك المخالفة ولكن المرجو أن لا يوآخذ بها فإن حكمه حكم المجتهد المخطئ والمجتهد مخطئ فى الاستنباط وهو فى الكشف ومن جملة مخالفات هذه الطائفة الحكم بوحدة الوجود والإحاطة والقرب والمعية الذاتيات كما مر وكذلك إنكارهم وجود الصفات السبعة أو الثمانية فى الخارج بوجود زائد على ذات الحق جل شأنه فإن علماء أهل السنة ذاهبون إلى وجودها فى الخارج بوجود زايد على وجود الذات ومنشأ إنكارهم هو أن مشهودهم فى ذلك الوقت هو الذات فى مرآة الصفات ومعلوم أن المرآة تكون مختفية من نظر الرائى فحكموا بعدم وجودها فى الخارج بواسطة ذلك الاختفاء وظنوا أنها لو كانت موجود لكانت مشهودة وحيث لا شهود فلا وجود وطعنوا فى العلماء بسبب حكمهم بوجود الصفات بل حكموا بالكفر والثنوية أعاذنا اللّه سبحانه من الجراءة على الطعن فإن تيسر لهم الترقى من هذا المقام وخرج شهودهم من هذا الحجاب وزال حكم المراتب لرأوا الصفات مغايرة للذات ولما أنكروها ولما أنجر أمرهم إلى طعن أكابر العلماء ( ومن ) جملة مخالفاتهم حكمهم ببعض أمور يستلزم كونه تعالى فاعلا بالإيجاب فإنهم وإن لم يطلقوا لفظ الإيجاب وأثبتوا الإرادة لكنهم ينفون الإرادة فى الحقيقة وهم يخالفون جميع أهل الملل فى هذا الحكم فمن جملة هذه الأمور حكمهم بأن اللّه تعالى قادر بقدرة بمعنى أن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ويقولون بأن الشرطية الأولى واجبة الصدق والثانية ممتنعة الصدق وهذا قول بالإيجاب بل إنكار القدرة بالمعنى المقرر عند أهل الملل فإن القدرة عندهم بمعنى صحة الفعل والترك واللازم لقولهم وجوب الفعل وامتناع الترك فأين أحدهما من الآخر ومذهبهم فى هذه المسئلة هو بعينه مذهب الفلاسفة وإثبات الإرادة مع القول بوجوب صدق الأولى وامتناع صدق الثانية وامتيازهم عن الفلاسفة بهذا الإثبات غير نافع فإن الإرادة هى تخصيص أحد المتساويين فحيث لا تساوى لا إرادة وههنا التساوى معدوم للوجوب والامتناع فافهم ( ومن ) جملة تلك الأمور بيانهم فى مسئلة القضاء والقدر على نهج ظاهره إثبات الإيجاب فمن جملة عباراتهم فى هذا المبحث هذه العبارة الحاكم محكوم والمحكوم حاكم وجعل الحق سبحانه محكوم أحد وإثبات حاكم عليه مع قطع النظر عن إثبات الإيجاب مستقبح جدا إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وأمثال ذلك من المخالفات كثيرة كقولهم بعدم إمكان رؤية الحق سبحانه إلا بالتجلى الصورى وهذا القول مستلزم لإنكار رؤية الحق سبحانه والرؤية التى جوزوها بالتجلى الصورى ليست هى فى الحقيقة رؤية الحق سبحانه بل هى ضرب من الشبه والمثال ( شعر ). يراه المؤمنون بغير كيف * وإدراك وضرب من مثال وكقولهم بقدم أرواح الكمل وأزليتها وهذا القول أيضا مخالف لما عليه أهل الإسلام فإن عندهم العالم بجميع أجزائه محدث والأرواح من جملة العالم لأن العالم لجميع ما سوى اللّه تعالى فافهم ( فينبغى ) للسالك قبل بلوغه كنة الأمر وحقيقته أن يعد تقليد علماء أهل الحق لازما لنفسه مع وجود مخالفة كشفه وإلهامه وأن يعتقد العلماء محقين ونفسه مخطئا لأن مستند العلماء تقليد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المؤيدين بالوحى القطعى المعصومين عن الخطأ والغلط وكشفه وإلهامه على تقدير مخالفته للأحكام الثابتة خطأ وغلط فتقديم الكشف على اقوال العلماء تقديم له فى الحقيقة على الأحكام القطعية المنزلة وهو عين الضلالة ومحض الخسارة ( وكما ) أن الاعتقاد بموجب الكتاب والسنة ضرورى كذلك العمل بمقتضاها على نهج استنبطه الأئمة المجتهدون منهما واستخرجوا الأحكام عنهما من الحلال والحرام والفرض والواجب والسنة والمستحب والمكروه والمشتبه والعلم بهذه الأحكام أيضا ضرورى ولا يجوز للمقلد أخذ الأحكام من الكتاب والسنة على خلاف رأى المجتهد وأن يعمل بها وينبغى أن يختار فى العمل القول المختار فى مذهب مجتهدة الذى قلده وتبعه وأن يعمل بالعزيمة مجتنبا عن البدع وأن يسعى فى جمع أقوال المجتهدين مهما أمكن ليقع العمل على القول المتفق عليه مثلا أن الإمام الشافعى اشترط النية فى الوضوء فلا يتوضأ بلا نية وكذلك قال بفرضية الترتيب فى غسل الأعضاء فيلتزم الترتيب وافترض الإمام مالك الدلك فى غسل الأعضاء فيدلك ألبتة وكذلك قالوا ينقض الوضوء بمس النساء والذكر فيجدد الوضوء أن مس أحدهما وعلى هذا القياس فى سائر الأحكام الخلافية وبعد حصول هذين الجناحين الاعتقادى والعملى يكون متوجها نحو العروج إلى مدارج القرب الإلهى جل سلطانه وطالبا لقطع المنازل الظلمانية والمسالك النورانية ولكن ينبغى أن يعلم أن ذلك العروج وقطع المنازل مربوط بتوجه شيخ كاامل مكمل عالم بالطريق بصير به هاد إليه نظره شفاء الأمراض القلبية وتوجهه دافع الأخلاق الردية الغير المرضية فليطلب أولا الشيخ فإن عرفه بمحض فضل الحق سبحانه قليلا زمه معتقدا أن معرفته إياه نعمة عظمى وليكن منقاداً له فى تصرفاته بكليته قال شيخ الإسلام الهروى إلهى ما هذا الذى جعلت أولياءك بحيث من عرفهم وجدك وما لم يجدك لم يعرفهم ويفنى اختياره فى اختيار شيخه بالكلية ويخلى نفسه عن جميع المرادات ويشد نطاق الهمة فى خدمته ويسعى سعيا بليغا فى امتثال جميع ما يأمر به شيخه معتقدا بأن رأس مال سعادته فيه فإن رأى الشيخ المقتدى به أن المناسب لاستعداده الذكر يأمره به وأن رأى أن المناسب التوجه والمراقبة يشير بهما أيضا فيما هنالك وأن علم الكفاية بمجرد الصحبة يأمره أيضا بذلك ( وبالجملة ) إن الاحتياج إلى الذكر مع وجود صحبة الشيخ ليس شرطا من شرائط الطريق أصلا بل يأمر الشيخ بكل ما يراه مناسبا لحال الطالب فإن وقع منه تقصير فى بعض شرائط الطريق يتلافاه بصحبة الشيخ فيكون توجهه جابرا لنقصانه ( ومن ) لم يشرف بصحبة مثل هذا الشيخ فإن كان من المرادين بجذبه الحق سبحانه ويجتبيه إليه ويكفيه أمره بمحض عنايته التى لا غاية لها ولا نهاية ويعلمه كل شرط وأدب لازم له ويجعل روحانية بعض الأكابر وسائل طريقه ودليله فى قطع منازل السلوك فإن توسط روحانيات المشائخ فى قطع طريق السلوك لازم بطريق جرى عادة اللّه سبحانه وأن كان من المريدين فأمره من غير توسط شيخ مقتدى به مشكل فينبغى أن يلتجئ إلى اللّه سبحانه دائماً إلى أن يصل إلى شيخ مقتدى به ( وينبغى ) أيضاً أن يعد رعاية شرائط الطريق لازمة وقد بينت تلك الشرائط فى كتب المشائخ تفصيلا فينبغى مراجعتها وملاحظة ما فيها ورعايتها بعد ذلك ومعظم شرائط الطريق مخالفة النفس وهى موقوفة على رعاية مقام الورع والتقوى الذى هو الانتهاء من المحارم والانتهاء من المحارم لا يتصور إلا بعد الاجتناب من فضول المباحات فإن إرخاء العنان فى ارتكاب المباحات يفضى إلى ارتكاب المشتبهات والمشتبه قريب من المحرم واحتمال الوقوع فيه أقوى ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه فاجتناب المحرمات كان موقوفا على اجتناب فضول المباحات فلابد فى تحقق الورع من اجتناب فضول المباحات ولابد للترقى والعروج من تحقق الورع فإنه مربوط به ( وبيانه ) أن للأعمال جزئين امتثال الأوامر والانتهاء عن المناهى والمتثال يشاركفيه القدسيون فإن وقع الترقى بالامتثال فقط لوقع للقدسيين أيضا والانتهاء عن المناهى خاص بالانسيين ليس هو فى القدسيين فإنهم معصومون بالذات ليس فيهم مجال المخالفة حتى ينهون عنها فلزم كون الترقى مربوطا بهذا الجزء وهذا الاجتناب هو عين مخالفة النفس فإن الشريعة إنما وردت لرفع الأهواء النفسانية ودفع الرسوم الظلمانية فإن مقتضى طبيعة النفس إما ارتكاب المحرم أو ارتكاب الفضول المفضى أخيرا للمحرم فاجتناب الفضول هو عين مخالفة النفس ( فإن قيل ) أن فى امتثال الأوامر أيضا مخالفة النفس فإن النفس لا تريد الاشتغال بالعبادة فيكون الامتثال أيضا مستلزما للترقى وفى الملائكة لما كانت مخالفة الامتثال مفقودة لم يكن سببا لترقيهم فالقياس مع الفارق ( قلت ) أن عدم إرادة النفس العبادة وعدم رضاها بها إنما هو بسبب كونها طالبة لفراغها بحيث لا تريد أن تكون مقيدة ومشغولة بشئ وهذا الفراغ وعدم الاشتغال أيضا داخلان فى المحرم والفضول فجاءت مخالفة النفس فى امتثال الأوامر من طرق اجتناب المرحوم والفضول لا من طريق أداء الأوامر يعنى المأمورات فقط حتى يقال أنه موجود فى الملائكة أيضا فالقياس صحيح ( فكل ) طريق مخالفة النفس فيه أكثر فهو أقرب الطرق ولا شك أن رعاية مخالفة النفس فى طريقة النقشبندية أكثر منها فى سائر الطرق فإن هؤلاء الأكابر اختاروا العمل بالعزيمة والاجتناب عن الرخصة ومن المعلوم أن كلا من اجتناب المحرم فقط ( فإن قيل ) يمكن أن يكون المختار عند أرباب سائر الطرق أيضا العزيمة ( قلت ) إن فى أكثر الطرق سماعا ورقصا ويبغ الأمر فيه حد الرخصة بعد تمحل كثير وإين فيه المجال للعزيمة بعد وكذلك ذكر الجهر لا يتصور فيه ما فوق الرخصة وقد أحدث مشائخ سائر الطرق أمورا محدثة فى طرقهم لبعض نيات صحيحة نهاية التصحح فى تلك الأمور الحكم بالرخصة بخلاف أكابر هذه السلسلة العلية فإنهم لا يجوزون مقدار شعرة من مخالفة السنة فتكون مخالفة النفس فى هذا الطريق أتم فيكون أقرب الطرق فيكون اختيار هذا الطريق للطالب أولى وانسب لأن الطرق فى نهاية الأقربية والمطلب فى كمال الرفعة ( وقد ترك ) جماعة من متأخرى خلفائهم أوضاع هؤلاء الأكابر واحد ثوا فى هذا الطريق بعض الأمور واختاروا السماع والرقص والجهر ومنشأ ذلك عدم الوصول إلى حقيقة نيات أكابر هذه الطريقة العلية فخالوا أنهم يكملون ويتممون هذه الطريقة بهذه المحادثات والمبتدعات ولم يدروا أنهم يسمعون بها فى تخريبها ويجتهدون فى إضاعتها واللّه يحق الحق وهو يهدى السبيل . |