Geri

   

 

 

İleri

 

١١٦

المكتوب السادس عشر والمائة

إلى مولانا الشيخ غلام محمد فى بيان معنى قوله تعالى إن فى ذلك لذكرى الآية وبيان اعتراضات أخر.

الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى ( قال الشيخ ) الأجل قدس سره فى كتابه العوارف فى الباب الثانى منه فى بيان معنى قوله تعالى إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد قال الواسطى أى لذكرى لقوم مخصوصين لا لسائر الناس وهم الذين قال اللّه تعالى فيهم أو من كان ميتا فأحييناه وقال الواسطى أيضاً المشاهدة تذهل والحجبة تفهم لأن اللّه تعالى إذا تجلى لشئ خضع له وخشع قال الشيخ وهذا الذى قاله الواسطى صحيح فى حق أقوام وهذه الآية تحكم بخلاف هذا الأمر لأقوام آخرين وهم أرباب التمكين يجمع لهم بين المشاهدة والفهم لا يخفى أن ما قاله الواسطى أولا يدل على أن الذكرى لأهل التمكين خصوصاً لأنهم الذين أحياهم اللّه بعد الموت أى أبقاهم بعد الفناء وأهل التلوين لإفناء لهم ولا بقاء فلا حياة لهم موهوبة ثانية لأنهم فى وسط الطريق والفناء والبقاء من أحوال الانتهاء وقوله الثانى أن ذكره فى بيان الآية يدل على أن الذكرى لأهل التلوين فى حال الاحتجاب والاستتار لا فى وقت المشاهدة والمكاشفة لأنه أو أن الذهول فينا فى هذا القول قوله الأول وأن ذكر هذه المعرفة فى توسط حاله فى موضع آخر لا فى بيان هذه الآية فلا منافاة ولا اعتراض للشيخ قدس سره بأن ما قاله الواسطى صحيح فى أقوام أى لأهل التلوين وهذه الآية تحكم بخلاف هذا الأمر لقوم آخرين وهم أرباب التمكين لأن الواسطى بين فى معنى الآية أن الذكرى مخصوص بأرباب التمكين لأنهم هم الأحياء بعد الموت لا أهل التلوين غاية ما فى الباب أنه ذكر ثانيا معرفة برأسها فى بيان أحوال أهل التلوين لا تعلق لها ببيان الآية فلا اعتراض عليه بأنها تخالف حكم الآية لأن الآية وردت فى حق قوم وهذه المعرفة بيان لأحوال قوم آخرين ولو أن الواسطى لم يخص الذكرى بأهل التمكين أولاً وأثبت الذكرى لأهل التلوين أيضاً فى حال احتجابهم بقوله الثانى لما حصل المنافاة بين قوليه ولما ورد اعتراض الشيخ عليه والظاهر عندى أن الآية الكريمة بيان حال الفريقين فمن كان له قلب هم أرباب القلوب الذين تلونت أحوالهم وهم أصحاب التلوين وقوله تعالى أو ألقى السمع وهو شهيد بيان حال أهل التمكين فإنهم القوا سمعهم للفهم فى حال عين الشهود إلا أن الذكرى للقوم الأول فى بعض الأوقات وللثانى فى جميع الأحوال كما ترى ولو قال الشيخ قدس سره وهذه الآية تحكم بخلاف هذا الأمر لقوم آخرين أيضاً لكان أنسب وكلمة أو لمنع الخلو فلا ينافى الجمع بين الفريقين فى الذكرى ثم قال الشيخ بعد ذلك فموضع الفهم محل المحادثة والمكالمة وهو سمع القلب وموضع المشاهدة بصر القلب فمن هو فى سكر الحال يغيب سمعه فى بصره ومن هو فى حال الصحو والتمكين لا يغيب سمعه فى بصره لتملكه ناصية الحال ويفهم بالوعاء الوجودى المستعد لفهم المقال لأن الفهم مورد الإلهام والسماع والإلهام والسماع يستدعيان وعاء وجوديا وهذا الوجود يكون موهوباً منشأ إنشاء ثانياً للتمكن فى مقام الصحو وهو غير الوجود الذى يتلاشى عند لمعان نور المشاهدة لمن جاوز على ممر الفناء إلى مقار البقاء أنتهى قوله فموضع الفهم محل المحادثة والمكالمة أى من اللّه عز وجل يغيب سمعه فى بصره أى لا يفهم وقت المشاهدة وهو حال أهل التلوين يذهل عند المشاهدة كما قاله الواسطى لا يغيب سمعه فى بصره أى يفهم فى عين المشاهدة وهو حال أهل التمكين يجمع لهم بين المشاهدة والفهم كما مر لمن جاوز معتلق بقوله موهوبا أى موهوبا لمن جاوز الفناء ووصل إلى البقاء لا يخفى أنه ما معنى المشاهدة فى أهل التلوين والمشاهدة إنما تكون فى الذات كما قالوا وهو غير واصل بعد إلى الذات فالأولى فى حقه المكاشفة بالصفات المتخيلة المتلونة وما هو فى الذات لا تلوين له ولا تغير وليس فى تلك الحضرة المقدسة تارة الذهول وأخرى الشعور بل شعور فى عين الذهول وفهم فى نفس الشهود والظاهر من كلام الشيخ قدس سره جواز وقوع المشاهدة فى الدنيا ببصر القلب وصاحب التعرف قدس سره وهو إمام الطائفة منع رؤيته تعالى فى الدنيا بالبصر والقلب معا وادعى الإجماع عليه وقال وإجمعوا على أنه تعالى لا يرى فى الدنيا بالأبصار وبالقلوب إلا من جهة الإيقان وما قاله صاحب التعرف قدس سره أقرب إلى الصواب عندى بل هو الصواب لأن ما يتخيل أنه سبحانه يرى فإنما هو رؤية خيال أى كشف صورة فى الخيال للإيقان الذى حصل للقلب وللموقن به أيضاً صورة كوشفت للقلب فإنهم جوزوا المثال للحق سبحانه وإن لم يكن له تعالى مثل فللّه المثل الأعلى وإنما أرتسم فى الخيال صورة الإيقان وصورة الموقن به وأن لم يكن له تعالى صورة فى الواقع لأن المعانى الحاصلة للقلب ولسائر اللطائف بل كلما وجد ويوجد لها صورة فى الخيال الذى هو تمثال المثال الذى هو أوسع العوالم كلها فليس ههنا الإيقان للقلب وصورة إيقان وصورة موقن به تمثل فى الخيال بصورة رؤية ومرئى ولا رؤية فى الحقيقة للقلب له تعالى فضلا عن أن يكون للبصر وإنما هى رؤية مثالية للقلب تمثل إيقانه بصورة الرؤية وتمثل الموقن به بصورة المرئى فظن منه أنه رآه حقيقة وما هى إلا رؤية خيالية بل نقول أن صورة الموقن ليست صورة مثالية للحق سبحانه بل صورة كشف تعلق الإيقان به وظهرت فى الخيال وحاشا للّه أن يكون له تعالى صورة ولو فى الخيال وإنما هو صورة لبعض مكشوفات قلب السالك من الوجوه والاعتبارات التى لها تعلق بالذات تعالت ولهذا إذا وصل العارف إلى الذات تعالت لا يتخيل له مثل هذا الخيال فليس لذاته تعالى صورة ولو فى المثال والخيال وليس له تعالى مثال عندى كما لا مثل له سبحانه إذا الصورة تستلزم الحد والنهاية ولو فى مرتبة من المراتب وهو سبحانه منزه من التحديد والتقييد وجميع المراتب مخلوقة له تعالى فافهم الحمد للّه الذى أعطانا سلطان الخيال وجعله مرآة لحصول صور معانى الكمال ولولا الخيال لما أدركنا درجات الاتصال عن دركات الانفصال ولما علمنا واردات الأحوال فإن لكل معنى وحال صورة فيه أن كوشفت يدرك به ذلك المعنى والحال فشأن اللطائف السبع السير والسلوك والانتقال من حال إلى حال وشأن الخيال إراءته درجات السير والسلوك الحاصلة للسالك بصورها المرتسمة فيه وأراءة مزيد الرغبة إلى الفوق وأيضاً باراءته يحصل السير على بصيرة ويتيسر السلوك على معرفة وبسلطانه يخرج السالك عن الجهل ويكون من أهل العلم فللّه سبحانه دره والسلام على من اتبع الهدى .