Geri

   

 

 

İleri

 

٨٠

المكتوب الثمانون أيضاً

إلى حضرة المخدوم محمد معصوم سلمه اللّه فى بيان استناد الأشياء إلى ذات العارف الموهوبة.

الحمد للّه الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربنا بالحق عليهم الصلوات والتسليمات

اعلم أن للظل إلى أصله طريقاً سلطانياً لا حائل بينهما مقدار تبنة أصلا فإن كان بينهما حيلولة فإنما هى إقباله على نفسه وإعراضه من الأصل والظل ليس إلا حامل أمانات الأصل فإن كل ما فيه من حسن الوجود وكماله وتوابعه مستفاد من الأصل ونصيبه من غير توسط الأصل لعله العدم وهو لا شئ محض ومجرد اعتبار وهذا الظل نسى أصله من كمال جهالته وزعم أماناته من قبل نفسه فخان فى الأمانة وظن نفسه مع وجود قبحه الذاتى حسنا وكاملا ولكن مع وجود إقباله على نفسه وإعراضه عن أصله له محبة وميل طبيعى إلى أصله عرف أو لم يعرف بل محبته لنفسه متعلقة فى الحقيقة بأصله فإن الحسن والكمال الذين هما متعلقا المحبة من الأصل لا منه فإنه ليس له شئ غير العدم والقبح حتى تتعلق به المحبة كما حقق غير مرة فإذا زال عنه بكرم اللّه سبحانه مرض الأنانية والعجب وتخلص من الجهل المركب الذى فيه واعترف بكون الأمانة من أهل الأمانة وحصل له الإعراض عن نفسه بدل الإقبال على نفسه وتبدل إعراضه عن الأصل بالإقبال عليه فحينئذ يستمسك بحبل السعادة بيده ويحصل له رجاء الوصول إلى الأصل غاية ما فى الباب أن العالم لما كان ظلال الأسماء والصفات الواجبية كان أصولها هى الأسماء والصفات وهذه الظلال إعراض قائمة بأصولها التى هى الأسماء والصفات ليس بينها جوهر حتى تكون قائمة به وقال النظام من المعتزلة بحكم الكذوب قد يصدق مطلعا على هذا السر العالم بتمامه أعراض لا جوهر حتى يقوم به ولكنه أخطأ فى قوله بقيام هذه الاعراض بأنفسها غافلا عن أصولها التى تقوم بها

وقال الشيخ محي الدين بن العربى قدس سره من الصوفية أن العالم أعراض مجتمعة وجعل قيامها بذات اللّه جل وعلا لا بالأسماء والصفات التى هى أصولها فيا ليت شعرى ما معنى القيام بالذات المجردة عن الوجوه والاعتبارات ولا معنى للقيام ثمة إلا اختصاص الناعت بالمنعوت ولا نعت ثمة فلا قيام وأيضاً إن القيام من جملة الوجوه والاعتبارات المتعينة فلا معنى لإثباته فى تلك المرتبة المقدسة فإذا كان أفراد العالم ظلال الأسماء والصفات فلا جرم يكون وصولها إلى أصولها التى هى الأسماء والصفات فلو وصل إلى أصول الأصول أيضاً لا يكون منتهياً إلى الذات المجردة المقدسة ولا يقدر أن يتجاوزها ولا مجال هناك للأصالة أيضاً فإن ثمة غنا ذاتياً عن الكل لا اسم فيه ولا صفة ولا شأن ولا اعتبار فلا يكون للعالم من مرتبة الذات المقدسة نصيب غير الحرمان ولا يكون للوصول والاتصال فيه مجال ولكن قد جرت عادة اللّه سبحانه بأن يعطى بعد قرون متطاولة وأزمنة متباعدة من كمال رحمته ورأفته لصاحب دولة بعد الفناء الأتم بقاء أكمل وأنموذجا من الذات الأقدس فكما أن قيامه كان أولا بأصله الذى هو الأسماء والصفات يكون الآن قائما بذلك الأنموذج ومجموع تلك الأعراض السابقة التى كانت تكون تلك الذات الموهوبة حقيقتها وينتهى كماله الإنسان إلى نهايته وتتم النعمة فى حقه ها أنا أقول كلاما ينبغى حسن الإصغاء إن القيام بتلك الذات الموهوبة ليس مخصوصا بذلك العارف بل قيام جميع أفراد العالم التى هى أعراض مجتمعة كما كان أولا بالأسماء والصفات جعل الآن مربوطا بتلك الذات الموهوبة وجعل الكل قائماً بتلك الذات الموهوبة ( شعر ) .

ليس عل اللّه بمستنكر  * أن يجمع العالم فى واحد

وسر خلافة الإنسان التى جاءت فى قوله تعالى إنى جاعل فى الأرض خليفة يتحقق ههنا وحقيقة خبر أن اللّه خلق آدم على صورته تتضح ثمة وما قلت من أنه يعطى أنموذجا من الذات الأقدس فهو من ضيق ميدان العبارة وإلا فأين المجال هناك للأنموذج وأى شئ يظهر بصورته وأين المجال ثمة للصورة

( ينبغى ) أن يعلم أن مثل هذا العارف لا يكون متعددا فى عصر واحد فإنه إذا ظهر بعد قرون متطاولة كيف يتصور تعدده فى عصر واحد فلو عينا مدة ظهور مثل هذه الدولة لما صدقه غير الأقلين ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا

( ينبغى ) أن يعلم أن العارف الذى شرف ببقاء الذات تكون تلك الذات الموهوبة لا كيفية وتكون وراء جميع الوجوه والاعتبارات والذات التى لها نصيب من اللا كيف لها طريق لسطانى إلى الذات المجردة اللاكيفية وتكون الذات الموهوبة هى كنة العارف فإن الكنة عبارة عما هو وراء جميع الوجوه والاعتبارات وهذه الذات ما وراء جميع الاعتبارات ولا كنه لسائر أفراد العالم فإن جميع وجودها وجوه واعتبارات ولا ذات لها ما وراء الاعتبارات حتى يقال لها كنها فإذا لم يكن لها كنه ماذا يكون لها نصيب من كنه الأصل والذى له سبيل إلى الكنه هو الكنه وأى مناسبة وللوجه مع الكنه وكأن الكنه وقع محاذيا للكنه للوجه انحراف من الكنه فكيف يصل إلى الكنه بل كلما يكون حركته وسيره أكثر بقع من الكنه أبعد ( شعر ) .

لن تبلغ الكعبة العلياء يا بدوى  * إن الطريق الذى تمشى إلى الختن

وإطلاق محاذاة الكنه الكنه من ضيق مجال العبارة وإلا كيف تتصور المحاذاة فى تلك الحضرة ولكن تطلق المحاذاة على سبيل التجوز لتمثل ذلك المعنى اللاكيفى بصورة مثالية متكيفة ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( اسمع ) أنه لما حصل لأفراد العالم التى هى أعراض مجتمعة قيام بذات العارف الموهوبة كما مر حصلت لها أيضاً نسبة بالذات الأقدس جل شأنها بتوسط ذات العارف المذكورة وحصل لها نصيب من تلك المرتبة المقدسة من هذه الحيثية فإن ذات هؤلاء هى عين ذات العارف كأنها حصل لها بتوسط ذواتها ارتباط لا كيفى بذات لا كيفية ومع ذلك انتسابها إلى الذات الأقدس بتوسط العارف فإن تلك الذات فى الحقيقة هى ذات العارف اسمع كلا ما غريبا أن كل أحد له انتساب إلى الذات الأقدس بذاته ووصول لا كيفى إلى تلك المرتبة المقدسة له أصالة واستقلال فى أخذ الفيوض والبركات من تلك المرتبة المقدسة ولا توسط فى البين والوسائط إنما هى فيما دون تلك المرتبة المقدسة ولكن أحد من الواصلين إلى تلك المرتبة المنزهة نصيب بقدر استعداده بطريق الأصالة واللّه سبحانه أعلم بحقائق الأمور كلها والسلام على من اتبع الهدى .