Geri

   

 

 

İleri

 

٧٥

المكتوب الخامس والسبعون

إلى هذا الحقير محمد هاشم الكشمى فى بيان تجلى أفعاله وتجلى صفاته وتجلى ذاته سبحانه وتعالى وهذا المكتوب كأنه تتمة للمكتوب السابق.

ليعلم أخى الخواجه محمد هاشم الكشمى أن تجلى الأفعال عبارة عن ظهور فعل الحق سبحانه للسالك على نهج يرى أفعال العباد ظلال ذلك الفعل ويجد ذلك الفعل أصل تلك الأفعال ويعتقد قيام تلك الأفعال بذلك الفعل الواحد وكمال هذا التجلى هو أن تختفى تلك الظلال عن نظره بالتمام وتكون ملحقة بأصلها وتجد فاعل تلك الأفعال بلا حس ولا حركة كالجماد وما قاله أرباب التوحيد الوجودى بالعينية وقالوا الكل هو إنما هو فى ذلك الموطن حيث رأوا هذه الأفعال المتكثرة الصادرة من العباد فعل فاعل واحد جل شأنه وهناك اختفاء انتساب الأفعال إلى فعلتها وحدوث الانتساب فيها إلى فاعل واحد لا اختفاء نفس الأفعال وإلحاقها بأصلها شتان ما بينهما وإن كاد أن يخفى على البعض وتجلى الصفات عبارة عن ظهور صفات الحق سبحانه للسالك على نهج يرى صفات العباد ظلال صفات الواجب جل سلطانه وأن يجد قيامها بأصولها فيجد علم الممكن مثلا ظل عل الواجب وقائما به وكذلك يجد قدرته ظل قدرته تعالى وقائمة بها وكمال هذا التجلى هو أن تختفى تلك الصفات الظلالية عن نظر السالك بالتمام وتكون ملحقة بأصولها ويجد نفسه الذى كان موصوفا بهذا الصفات خاليا عنها كالجماد بلا حياة ولا علم ولا يجد فى نفسه أثرا من الوجود وكمالاته وتوابعه حتى لا يكون هناك ذكر ولا توجه ولا حضور ولا شهود فلو كان بعد اللحوق بالأصل توجه فهو متوجه من نفسه إلى نفسه وأن حضور فحاضر بنفسه مع نفسه ونصيب السالك من هذا المقام حصول حقيقة الفناء والاضمحلال وانتفاء انتساب الكمالات التى كان ينسبها إلى نفسه بزعمه وأداء الأمانة التى كان يظن تهمة وكذبا أنها من نفسه إلى أهل الأمانة وزوال مورد كلمة أنا أيضاً على حد لو تشرف بالبقاء لا يكون موردا لانا ولا يقدر أن يعبر عن نفسه بأنا وإن وجد نفسه عين أصله لا يتيسر له مجال إطلاق أنا على ذلك الأصل ولا يقدر أن يقول أن عين الأصل فإن الإنانية قد زالت عنه وقول أن الحق إنما هو لعدم حصول هذه النسبة وإجراء سبحانى على اللسان لعدم الوصول إلى هذه الدولة ولكن ينبغى حمل صدور أمثال هذه الألفاظ عن الأكابر على توسط أحوالهم واعتقاد كمالهم ورآء هذا القيل والقال والفناء الذى هو حقيقة الانمحاء والاضمحلال وإن كانت منتهى تجلى الصفات ولكن حصوله من أشعة تجلى الذات وما لم تتجل الذات لا تتيسر دولة الفناء بل لا يتم تجلى الصفات أيضاً ما لم تجد لم تنخلص ومن تجلى الذات تزول بقية العارف التى ترى له كالجماد وتلك البقية هى العدم الذى هو أصل جميع الممكن وقد حصل له من انعكاس صفات حضرة الوجوب تعالى وتقدست فيه امتياز وتشخص وكان بهذه المرآتية ممتازا من إعدام أخر ولما صارت تلك الظلال المنعكسة محلقة بأصولها لم يبق بين تلك الإعدام ما به الامتياز وصار هذا العدم الخاص أيضاً ملحقاً بالعدم المطلق فح لم يبق من العارف اسم ولا رسم لا تبقى ولا تذر كما أن الوجود وتوابع الوجود ودعه وراح كذلك هذا العدم فارقه أيضاً ولحق بأصله واستراح

( ينبغى ) أن يعلم أن امتياز هذا العدم من إعدام أخر الذى حصل بواسطة حصول ظلال الصفات فيه كان باعتبار التوهم وفى الحقيقة لم يكن فيه ظل أصلا مثل مرايا أخر فإن حصول الصور فيها باعتبار التوهم فإذا كان حصول الظلال فيها باعتبار التوهم يكون امتيازه أيضاً وهمياً فكما أن وجود الممكن باعتبار التوهم يكون عدمه أيضاً باعتبار التوهم فما أعطى فى خارج دائرة الوهم موضع قدم فإن الوجود والعدم فى الحقيقة على صرافة إطلاقهما ما لذاك عرض تنزل ولا لهذا حصل ترق ومن كمال اقتدار الصانع تعالى خلق العالم فى مرتبة الوهم من ذاك وهذا وأتقنه وجعل المعاملة الأبدية والمجازاة السرمدية منوطة به وما ذلك على اللّه بعزيز وما قلت فيما سبق أن حصول دولة الفناء من أشعة تجلى الذات يعنى أن حصول نفس تجلى الذات بعد حصول دولة الفناء ما لم تتخلص لم تجد والفرق بين أشعة التجلى ونفس التجلى كالفرق بين أسفار الصبح وطلوع الشمس فإن فى وقت الأسفار ظهور أشعة تجلى الشمس وبعد الطلوع نفس تجلى الشمس وربما لا يشرف البعض بنفس التجلى مع ظهور أشعة التجلى ولا يوصل به إلى تلك الدولة القصوى بواسطة عروض بعض العوارض كما يدرك الأسفار ولا يدرك الطلوع بعروض علة سماوية أو أرضية وأيضاً لا حاجة فى شهود الأسفار إلى كمال قوة الباصرة وشهود الشمس هو الذى يستدعى كمال قوة الباصرة وحدة النظر ألا ترى أن الخفاش قادر على إدراك الأسفار وعاجز عن إبصار الشمس فى النهار وإبصار الشمس يستدعى أن يحصل له بصر آخر وربما يكون فى السالك استعداد أشعة التجلى ولا يكون فيه استعداد نفس التجلى واخفاش فيه استعداد فيه استعداد مشاهدة أشعة تجلى الشمس وليس فيه استعداد نفس تجلى الشمس ها أنا أقول كلاما عاليا لعله يكون نافعاً وبعد انصرام تجلى الصفات وبعد حصول فناء الصفات والذات يستقبل العارف تجل كأنه دهليز تجلى الذات وكأنه برزخ بين تجلى الصفات وتجلى الذات والذى يترقى من هذا التجلى له نصيب من تجلى الذات بقدر استعداده وهذا التجلى البرزخى بزعم هذا الفقير أصل لذاك التجلى الذاتى الذى قال الشيخ بن العربى قدس سره فى حقه هذه العبارة والتجلى من الذات لا يكون إلا بصورة المتجلى له فالمتجلى له ما رأى سوى صورته فى مرآة الحق وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه وقال لهذا التجلى منتهى التجليات ولم يقل بمقام فوقه وقال وما بعد هذا التجلى إلا العدم المحض فلا تطمع ولا تتعب فى تحصيل العروج والترقى فوقه فلا مقام أعفى من هذه الدرجة فى التجلى الذاتى والعجب أن الوصول إلى المطلوب الحقيقى فيما وراء هذا التجلى والشيخ يخوف ويحذر عنه بقوله تعالى ويحذركم اللّه نفسه ويهدد فلو لم نطمع نحن المهجورون المتحيرون فيه ولم نتعب لحصوله ماذا كنا فعلناه غير التسلى من الجوهر النفيس بقطعان الخزف غاية ما فى الباب أن النصيب من كل مرتبة مناسب لتلك المرتبة فالنصيب الميسر من اللاكيفى يكون لا كيفيا لا سبيل للكيف إلى اللاكيفى فالمعرفة التى تتعلق بتلك المرتبة ليست كمعرفة تتعلق بالكيفى فإنه لا مجال لهذه المعرفة هناك العلم فى ذات اللّه سبحانه جهل أى ليس علماً من جنس العلم المتعلق بعلم الممكن فإنه من مقولة الكيف ولا كيف ثمة والمنع من التفكر فى ذات اللّه سبحانه إنما هو بواسطة أنه تعالى وراء التفكر والتخيل ووجد أنه تعالى إنما يمكن به سبحانه لا بالفكر والخيال ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا وكان ينبغى للشيخ قدس سره أن يقول وما بعد هذا التجلى إلا الوجود الصرف والنور المحض وإنما قال وما بعد هذا التجلى إلا العدم باعتبار أن العالم ظل الصفات والتفوق والترقى من الصفات اجتهاد وسعى فى إعدام نفسه وليس كذلك فإن العارف إذا لم يترق من الصفة التى هى أصله ولم يتفوق الشئون والاعتبارات الذاتية ماذا يكون فعله ولا شئ يكون مجيئه والفناء والبقاء اللذان تيسرا له فى كل مرتبة جرآه للتجاوز إلى ما فوق أصله فتجاوز ببقاء الأصل عن الأصل ووصل إلى أصل الأصل ( شعر ) .

يحرق بالنار من يمس بها  * ومن هو النار كيف يحترق

فلو وصل الشيخ قدس سره إلى أصل ذلك الظل لما خاف من الترقى إلى فوق ولم يخوف ولكن حسن الظن يقتضى ترقى هذا الشيخ المعظم بفضل اللّه جل سلطانه من هذا المقام وإدراكه حقيقة الأمر لا ينبغى وزن حاله العظيم بميزان قاله ولعله قال ذلك فى الابتداء والتوسط ثم جاوزه بمراحل من استوى يوماه فهو مغبون واللّه سبحانه الموفق وماذا أكتب من التجلى الذاتى وماذا أقدر أن أكتب فإنه ذوقى فمن ذاق عرف ومن لم يذق لم يدر (ع)

بلغ اليراع إلى هنا فتكسرا *

والقدر الممكن أن إظهاره أن التجلى الذاتى فى حق العارف الذى ذكر فناءه فيما سبق دائمى وما هو كالبرق لغيره على الدوام فى حقه بل التجلى البرقى ليس هو تجليا ذاتياً فى الحقيقة وإن قالوا له تجليا ذاتياً بل هو تجلى شأن من شئون الذات سريع الاستتار فإنه متى ما حصل التجلى الذاتى من غير ملاحظة الشئون والاعتبارات فالدوام لازم له والاستتار غير متصور فيه وتلوينات التجليات تنبئ عن الصفات والشئون وحضرة الذات منزهة ومبرأة من التلوينات ولا مجال فيها للاستتار ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم .