٧٦ المكتوب السادس والسبعون إلى المخدوم زاده الخواجه محمد معصوم فى بيان علو شأن العلم والمرتبة المقدسة فوقه المعبر عنها بالنور الصرف. اعلم أن الشان العلم وإن كان تابعاً لشأن الحياة ولكن للعلم فى مرتبة حضرة الذات تعالت وتقدست بعد سقوط اعتبار الصفات والشئون شأن ليس هو للحياة فضلا عن سائر الصفات والشئون وفى موطن التجرد عن جميع النسب مرتبة لا تجوز إطلاق غير النور على نفسها أظن أن للعلم أيضاً مجالا فيها لا ذاك العلم الذى يقال له حصوليا أو حضوريا فإنه مع قسمية تابع للحياة بل هو لا كيفى ولا مثلى كحضرة الذات تعالت وتقدست وكله شعور لا كيفى بلا اعتبار العالم والمعلوم وفوق تلك المرتبة مرتبة أخرى لا مجال فيها للعلم كسائر الشئون لا شئ هناك غير النور الذى هو أصل ذلك الشعور اللاكيفى واللامثلى فإذا كان ظل ذلك النور لا كيفيا ولا مثليا ماذا نقول من لا كيفية الأصل الذى هو عين النور ماذا نقدر أن نقول وجميع الكمالات وجوبية وإمكانية ظلال النور وقائمة بالنور ووجود الكل صار وجودا ومبدأ للآثار من النور والمرتبة الأولى لما كانت فيه رائحة الانحطاط من مرتبة حضرة النور الصرف والجامع للشعور هو النور قال المخبر الصادق عليه وعلى آله الصلاة والسلام فى حقه أنه مخلوق وعبر عنه أحياناً بالعقل حيث قال أول ما خلق اللّه العقل وأحيانا بالنور وقال أول ما خلق اللّه نورى وكلاهما شئ واحد فإنه نور وعقل وشعور وحيث نسب النبى صلى اللّه عليه وسلم إلى نفسه وقال نورى يمكن أن نقول أن هذه المرتبة هى الحقيقة المحمدية والتعين الأول لا تلك الحقيقة والتعين الأول المتعارفان بل لو كان ذلك التعين ظلا من ظلال ذلك التعين فهو أيضاً مغتنم كما أن المراد من هذا العقل ليس هو ذاك العقل الذى قال الفلاسفة أنه الصادر الأول من الواجب تعالى بطريق الإيجاب وجعلوه مصدر الصدور الكثرة ( ينبغى ) أن يعلم أن كل موطن فيه تعين رائحة من الإمكان ومعه شوب من العدم الذى صار باعثا على تعين الوجود وتميزه وبضدها تتبين الأشياء وصفات الواجب جل شأنه هى التى عرض لها التعين والتميز فهى مع وجود قدمها ليست بواجبة لذواتها بل واجبة لذات الواجب تعالى وحاصل ذلك وجوب بالغير الذى هو من أقسام الممكن وإن كان التحاشى لازما من إطلاق لفظ الإمكان فى الصفات القديمة لكونه موهما للحدوث والمناسب هناك إطلاق الوجوب لمجيئها من ذات الواجب تعالى ولكن للإمكان فيها مجال فى الحقيقة لعدم وجوبها لذواتها بل لغيرها وإن لم يقولوا بالغيرية وأرادوا بالغير الغير المصطلح ولكن الأثنينية مقتضية للغيرية الاثنان متغاير إن قضية مقررة من قضايا أرباب العقول ( والعجب ) إن الشيخ محى الدين بن العربى قال للاثنين من التعينات تعينا وجوبيا وللثلاثة إمكانية وفى الحقيقة فى كل التعينات سمة الظلية ورائحة الإمكان وإن كان بين ممكن وممكن فوق كثير وكان أحدهما قديما والآخر حادثا ولكن الكل غير خارج من دائرة الإمكان وفى الكل رائحة من العدم ( وإياك ) وتخيل المرتبة الثانية التى هى النور الصرف والمتعين باللاتعين ذاتا بحتا واحدية مجردة مثل الآخرين فإنه أيضاً حجاب من الحجب النورانية إن للّه سبعين ألف حجاب من نور وظلمة وإن لم يكن تعينا ولكنه حاب المطلوب الحقيقى وإن كان آخر الحجب وهو تعالى وراء الوراء وهذا النور الصرف لما لم يكن داخلا فى دائرة التعين كان منزها ومبرأ من ظلمة العدم وللّه المثل الأعلى ومثل ذلك النور كمثل تشعشع نور الشمس الذى هو حاجب لقرصها انتشر من عين القرص وصار حجابا لها وفى الحديث حجابه النور وهذه المرتبة العلياء فوق التجليات الذاتية فضلا عن تجليات الأفعال والصفات فإن التجلى بلا شوب التعين غير متصور وهذا المقام فوق جميع التجليات ولكن منشأ التجليات الذاتية هو هذا النور الصرف والتجلى إنما يتصور بواسطته ولولاه لما حصل التجلى وحقيقة الكعبة الربانية أظنها حضرة ذلك النور الذى هو مسجود الجميع وأصل جميع التعينات فإذا كان ملاذ التجليات الذاتية وملجأوها ذلك النور ماذا يزيد فى مدحه كونه مسجود اللآخرين فإذا شرف اللّه سبحانه بكمال فضله وعنايته عارفا من ألوف بالوصول إلى هذه الدولة وخصه بالفناء والبقاء فى هذا الموطن يمكن أن ينال بقاء بهذا النور وحظا وافرا من الفوق وفوق الفوق وإن يتجاوز من النور بالنور فيصل إلى أصل النور ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم وهذه المعارف كما أنها وراء طور النظر والفكر وراء طور الكشف والشهود أيضاً وأرباب الكشف والشهود فى فهم هذه العلوم كأرباب العلم والعقل لابد فى الاهتداء إلى درك هذه الحقائق بمتابعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نور فراسة النبوة ( ينبغى ) أن يعلم أن هذا النور حاشاه من أن تكون فيه شائبة الإمكان فيكون ممكنا ومن جنس الجوهر والعرض بل هو مرتبة لا يمكن إطلاق شئ عليها غير النور وإن كان ذلك الغير وجوب الوجود فإن الوجوب دونه ( تنبيه ) لا يتوهم أحد من هذا البيان أن خرق جميع الحجب عن الذات تعالت قد تحقق فى حق هذا العارف لكون هذا النور آخر الحجب على ما مر وهو ممتنع لحديث نقلوه أن للّه سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه لأن ثمة تحقق وبقاء بالحجب التى كل منها معد للآخر لا خرق الحجب شتان ما بينهما ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا والسلام على من اتبع الهدى . |